ما يجري اليوم في معركة روسيا وأوكرانيا يشغل العالم جميعاً، من الواضح أن تداعياتها حتى الان هي تداعيات كبيرة وخطيرة على العالم، خصوصاً على روسيا وأوروبا، لا نعرف كيف ستتطور الامور، هناك مخاوف جادة من قبل البعض أن تذهب الأمور إلى ما هو أبعد من صراع روسي أوروبي أو إلى لا سمح الله حرب عالمية ثالثة.
في كل الاحوال ما يجري خطير جداً، ومفتوح على كل الإحتمالات، بمعزل عن الموقف الذي يمكن أن يتخذه أي منا تجاه المعركة القائمة الان. هناك من يؤيّد روسيا وهناك من يعارض ما قامت به روسيا، هناك من يقف على الحياد، أنا لا أريد أن أدخل في هذه المسألة الآن، لكن أريد أن أدعو إلى ما يلي وهو ما يفعله كثيرون الان ، ولكن من باب التأكيد على هذه الدعوة، هو متابعة هذا الحدث العالمي والكبير بما له من نتائج وتداعيات وأخذ العبرة والدروس مما يجري كل ساعة وكل يوم، لأن ما يجري فيه الكثير من العبر والدروس التي يجب أن يبنى عليها في منطقتنا وفي بلدنا وفي صراعنا وفي أحداثنا وفي مستقبلنا وحاضرنا، سأذكر بعض النماذج، من هذه النماذج: أولاً مما يتحدث كثيرون عنه الان، وهنا الوعي المنتشر، هو إزدواجية المعايير، روسيا دخلت الان إلى أوكرانيا، وبدأت بمعركة عسكرية كبيرة "شنت حرباً"، نرى العالم كله معترض، طبعاً يوجد تهيّب أن تدخل القوى الاوروبية في قتال مع روسيا ويوجد تهيّب من أن يدخل الاميركيين في قتال مع روسيا لكن ما دون القتال كل ما يستطيعون فعله يفعلونه، الحصار، العقوبات، في الاعلام، في الاقتصاد، البنوك، إغلاق السماء، وإغلاق المضائق والمحيطات والموانىء وتقديم السلاح إلى اوكرانيا، بفتح الأبواب أمام المتطوعين من كل أنحاء العالم للذهاب إلى هناك، بتأييد أوكرانيا، بتمجيد (المقاومة الاوكرانية) حسنا، ونرى العالم كله كيف يتصرف، هنا إزدواجية المعايير، عندما غزت أميركا أفغانستان كيف تصرف العالم مع أميركا؟
تعرفون، عندما غزت أميركا العراق ودمرت العراق في الحقيقة وقتلت مئات الالاف وأيضاً في أفغانستان دمرت أفغانستان، وقتلت بالحد الأدنى عشرات الالاف، كيف تصرف العالم مع الولايات المتحدة الاميركية؟ وفي كل حروب الولايات المتحدة الاميركية وهي أغلب الحروب التي حصلت في العالم، كيف تصرف العالم؟ والان العالم كيف يتصرف؟ مع العدو الإسرائيلي مع الكيان المؤقت، في حروبه على الفلسطينيين سابقاً وحالياً وفي حروبه على غزة وفي حصاره لغزة، في معركة سيف القدس الاخيرة، مع لبنان، في الحروب على لبنان، في المجازر التي إرتكبها في لبنان، في حرب تموز 33 يوماً في سنة 2006، كيف تصرف العالم؟ والان كيف يتصرف؟ في اليمن، حرب دخلت عامها الثامن أو ستدخل عامها الثامن، سنوات من القصف والدمار والقتل وأطفال وحصار وجوع الخ.. كيف يتصرف العالم؟
واضح هذا الامر، ولذلك هذا يجب أن يبنى عليه فهم، أنه أنت اليوم في عالم يحترم الأقوياء، أميركا لأنها قوية ومتجبّرة ومقتدرة وتمسك برقاب كثيرين هم يسكتون على ظلمها، مثلا من اواخر ما إرتكبته أميركا من ظلم أنه مثلا الشعب الأفغاني، البنك المركزي الافغاني لديه 7 مليارات دولار ودائع في الولايات المتحدة الاميركية، جاء بايدن وأخذ قراراً ومضاه وقسّم الـ 7 مليار دولار قسمين، 3 مليار و500 مليون "وهبهم" لضحايا تفجيرات 11 أيلول، ما ذنب الشعب الأفغاني؟ هل الشعب الأفغاني هو من فجّر في نيويورك؟ حتى تأخذ أموال الشعب الأفغاني وتقدمها للضحايا؟! والـ3 مليار ونصف الباقية ينظر هو ماذا يفعل بها للشعب الأفغاني. في شطبة قلم سرق 3 مليار و500 مليون دولار من أموال الشعب الأفغاني الذي يتضور الان جوعاً وبرداً وحاجةً، هل تجرأ أحد في العالم على فتح فمه؟ هذه سرقة موصوفة وواضحة، لم يفتح أي أحد فمه، بينما لو فعلت دولة أخرى أقل من هذا بكثير لقامت الدنيا ولم تقعد. من جملة العبر فيما يجري حالياً، هذه عبرة من يسلم سلاحه للآخرين ويتكىء على ضمانات تعطى من هنا وهناك، ثم إذا وقعت المعركة "ألحقوني" وأرسلوا إليّ السلاح.
ولكن من أهم العبر فيما يجري اليوم هو مسؤولية أميركا عن هذه الاحداث، وهو ما أكد عليه سماحة الإمام القائد السيد علي الخامنئي حفظه الله في خطابه قبل قليل، أميركا هي المسؤولة عن هذه الاحداث التي تجري هناك الان، أميركا حرّضت ودفعت الامور في هذا الإتجاه، أميركا لم تساعد على حل دبلوماسي وسياسي لهذه الازمة التي هي ليست أزمة روسية أوكرانية، هي أزمة روسية أوروبية، هي أزمة روسية أميركية، هي أزمة روسية مع الناتو، أميركا لم تفعل شيئاً لتمنع الوصول إلى هذه الاحداث بل فعلت كل شيء لتحصل هذه الأحداث ولتذهب الأمور بإتجاه الحرب، وفي نهاية المطاف من سيدفع الثمن هو أوكرانيا والشعب الاوكراني وروسيا والشعب الروسي وإذا توسعنا قليلاً أوروبا، وأميركا من بعيد تحرّض وترسل السلاح وتمنع الحلول وتمنع التفاوض وتضع الشروط وتعقد الموقف وهي تدفع الامور بهذا الإتجاه، والكل سيخسر، وهي تحاول أن تكون رابحاً في هذ المعركة في الوقت الذي تعرّض فيه العالم كله للخطر، حسنا، وأولئك الذين حرضتهم ودفعت بهم إلى أتون الحرب والمعركة تخلت عنهم، وفي آخر المطاف على لسان بايدن "سيدعو له"، بايدن دعا إلى الدعاء، ونرسل لك القليل من السلاح، ونفرض القليل من العقوبات، وخير إن شاء الله نرى ماذا يحصل بعد ذلك. هذا أيضاً درس وعبرة للجميع، لمن يثق بأميركا ولمن يعوّل عليها ويراهن عليها، يجب أن نعرف جميعاً أن المأساة القائمة الان، والأخطار التي يواجهها العالم الآن، يتحمل مسؤوليتها بالدرجة الاولى الإدارة الاميركية "الشيطان الاكبر"، وهذا يجب أن يكون في وعينا وفي موقفنا".