لا شكّ أن خطاب سماحة السيد أدام الله ظله في ندائه بمناسبة موسم الحج 1443 هجرية هو خطاب بسيط دائماً وليس بحاجة إلى من يشرحه. يخاطب كل الأمة بكل فئاتها. يستمع إليه الضعيف والقوي، يستمع إليه الفاهم وقليله، يستمع إليه الكل ويدرك ماذا يريد القائد ويدرك ما يصبو إليه القائد ولذا قد أجمل خطاب ورسالة ونداء الإمام الخامنئي دام الله ظله خلال خمسة محاور أساسية يمكن الحديث عنها.

تحدث الإمام الخامنئي عن الوحدة ولكن ربطها بالحق بمعنى أنه يجب على المسلمين في كافة بقاع المعمورة أن يلتقوا وأن يتوحدوا وأن يكونوا على خط واحد من الوحدة الشعورية والوحدة تجاه المصير المشترك والوحدة تجاه الدين وأعمال الدنيا ولكن ربطها بالحق بمعنى أن هذه الأمة التي يجب أن تتوحد والتي يجب أن تضع يدها على يد بعضها يجب أن تتكاتف على شيء حقّ وعلى رؤية تشكل نهضة ورافعة للأمة العربية والإسلامية ولذا ليست الوحدة أن يتآلف من يتآلف ضد الأمة أو يتآلف من يتآلف ليضع يده بيد إسرائيل أو يتآلف من يتآلف ليكونوا عبيداً لدى أمريكا فلذا ربط الإمام الخامنئي الوحدة بالحق، هذا أوّلاً.

المحور الآخر هو فلسطين. لا شكّ أن انتصار الثورة الإسلامية من أهم الروافع لعودة قضيّة فلسطين مجدداً وللاهتمام بقضيّة فلسطين ولاعتبار قضيّة فلسطين القضية المركزية للأمة العربية والإسلامية ولذا لا يخلو خطاب للإمام الخامنئي إلا وتكون فلسطين ضمن المحاور التي يتحدث عنها سواء بالدعاء لأهلها أو التأكيد على نصرتها أو الحديث عن أي مسألة تخص فلسطين، حتى أنّني أدركت ضمن حديثه السابق أو كلمات الإمام الخامنئي السابقة تحدث سماحته عن دور الضفة المحتلة في نهضة المقاومة الفلسطينية، ولذا حينما رأينا عمليات الأسود المنفردة في الضفة المحتلة ورأينا عمل كتيبة جنين وكتيبة نابلس وغيرها كان هناك إشارة أن ذلك كان متزامناً ما بين دعوة الإمام الخامنئي بتفعيل ساحة الضفة المحتلة إلى جانب إخوتها في غزة وقطاع غزة، والمقاومة الفلسطينية في غزة.

ربط قائد الثورة الإسلاميّة فلسطين بالمقاومة. هناك نهجان في فلسطين. هناك من يريد أن يتحدث عن المقاومة كعنصر أساسي ورابط أساسي في دحر الاحتلال وفي تحرير الأرض والإنسان الفلسطيني وهناك طريق التسوية الذي هو جزء من النظام الرجعي في المنطقة وهو جزء مما تريده أمريكا وإسرائيل في المنطقة ولذلك ربط كما ربط الإمام الخامنئي الوحدة بوجود الحق، وربط فلسطين بالمقاومة، فلسطين ومقاومة فلسطين لا يمكن أن تكون معزولة عن دول الطوق ولا معزولة عن محيطها الإسلامي ككل.

لذا تحدث الإمام الخامنئي عن فلسطين كتجربة ونموذج للمقاومة وأضاف إليها ساحات المقاومة الأخرى التي شكلت أنموذجاً رائعاً يحتذى كحزب الله في لبنان وكأنصار الله في اليمن وكالحشد الشعبي وفصائل المقاومة في العراق وكغيرها من مناطق المقاومة ضد الاستكبار العالمي وضد الصهيونية الإسرائيلية فلذا هذا النموذج هو النموذج الذي أراد الإمام الخامنئي لمجموع الحجيج ولمجموع الأمة العربية والإسلامية أن تستمع إليه، وأن هناك في هذه الدنيا وفي هذه المنطقة من يدعوا  ى الوحدة، الوحدة حول ماذا؟ أن تكون الوحدة حول حقّ يدعو إلى تحرير فلسطين، وتحرير فلسطين يكون عبر المقاومة. سماحته يدعو إلى تآلف هذه الأمة ونهضة هذه الأمة ونهضتها تكون عبر الأمل. هناك من يريد تيئيس هذه الأمة بمعنى أن أمريكا هي التي تسيطر على هذا العالم وأن الغرب لا يمكن تحديهم وأن إسرائيل الطفل المدلل للولايات المتحدة الأمريكية وللغرب المستكبر ولكل طغمة ظالمة في هذا العالم لا يمكن تحديها.

ولكن حينما تحدث الإمام الخامنئي عن الأمل تحدث عن الفلسطيني الذي يحمل الحجارة والمفكر الذي يحمل القلم والمقاتل الذي يحمل البندقية وكل من هو على ثغر من ثغور هذه الأمة وثغور الإسلام يمارس دوره الحضاري والحقيقي في النهضة والتحرير.

لذا رسالة الإمام الخامنئي هي رسالة أمل للأمة بأننا قادرون ونستطيع أن نحرر أنفسنا. وذلك يكون أولاً بأن نعتقد الاعتقاد الصحيح ونسلك السلوك الصحيح ونمضي بطريق أهل المقاومة وثانياً الأمل أن هناك مجموعة داخل هذه الأمة عاهدت نفسها أن تحمل اللواء وأن تمضي رغم طغيان الطغاة ورغم أذى المؤذين ورغم الجراح ورغم كل ما بذلته هذه المجموعة وهي ما يطلق عليها اسم حلف القدس أو محور المقاومة، كل ما بذلوه كان في سبيل التحرير وفي سبيل النهضة.

إذاً هذه المجموعة قائمة ويجب على الأمة أن توالي هذه المجموعة وأن تقف إلى جانبها وأن تنصرها سواء بالدعاء أو تنصرها بالموقف السياسي والموقف الديني والفتوى وبالندقية وبكل ما تملك كلٌ على قدر مقدرته وحاجته وقدرته وأسلوبه وما يستطيع أن يقدمه. بالأساس، هذا هو النموذج.

ولكن لفت نظري في الحديث العام ونحن نتحدث بالمجمل عن عموميات في هذه المسألة حينما أراد أن يضرب الإمام الخامنئي فكرة الحكومة الإسلامية كمثال في نهاية ندائه وتحدث عن أثر هذه الحكومة أو شكل هذه الحكومة كيف يجب أن تكون حتى تؤتي ثمارها الحقيقية وألقى باللوم على بعض المسؤولين أنه لم تصل هذه الحكومة إلى القمة التي ينشدها الإمام الخامنئي. هنا هذا يدل على مسألة مهمة: رفض الاستكبار والتكبر يعني رفض أن أصنع زيفاً ووهماً. فهذه مسـألة مهمة ومطلوبة من الكل. صحيح أنّ علينا أن نمارس جهاد التبيين في هذه الأمة ولكن دون أن نوهمها ودون أن نزيف وعيها ودون أن نضللها ودون أن نعطي بريقاً كاذباً غير موجود. يعني حتى ونحن نعيش هذا الأمل الذي نريد أن نزرعه في هذه الأمة ونريد أن نزرع هذه الوحدة ونزرع هذا الأمل وهذا الشعور بوجوب النهضة ووجوب التحرير وبوجوب التقدم يجب أن تكون على خطى ثابتة وألا تكون وهمية زائفة مضللة.