فتحي الشقاقي
«ما دمنا نعتمد على ثلاثة مبادئ، سننتصر وننجح: أولاً: ألّا نقدم فلسطين دون الإسلام، وثانياً: ألّا نكتفي بالإسلام دون فلسطين، وثالثاً: هذان لن يتيسّرا دون الجهاد والشهادة».
كانت «فلسطين، الإسلام، الجهاد» هي الكلمات المفتاحية الثلاث في حياة فتحي. طبعاً يجدر أن يقال على نحو أكثر دقة إن والده كان يناديه باسم فتحي إبراهيم. والده هو كبير عائلة الشقاقي، والشيخ وإمام الجماعة لقرية زرنوقة القريبة من مدينة يافا، وكان قد أُجبر بعد دخول الصهاينة وحرب 1948 على أخذ عائلته إلى أقصى جنوبي فلسطين، أي مدينة رفح.
بعد ذلك بعامين، في منتصف شتاء 1951، وفي مخيم الشاطئ بغزة، وُلد ابنٌ من عائلة الشقاقي وسموه فتحي إبراهيم.
كان يبلغ 15 عاماً عندما فقد وطنه وعندما دُفنت والدته في المخيم. بعد عام، عندما كان يبلغ 16 عاماً فقط، ذاق فتحي طعم هزيمة أخرى، هزيمة لا يمكنه تصديقها: «هذه الهزيمة غيرت مسار حركة الشاب الذي أراد الحرية والعودة إلى وطنه المحتل، لأنه كان لا يتحمّل هزيمة شخصية مثل جمال عبد الناصر».
بينما كان في أوج الحماسة لسن الفتوة تحت تأثير عبد الناصر، كان مهتماً جداً بالأفكار القومية واليسارية والناصرية. لكن هزيمة حرب الأيام الستة عام 1967 جعلته يبتعد عن هذا الفكر.
كان له صديق أهداه كتاب معالم في الطريق للشهيد سيد قطب. وبقراءة هذا الكتاب، أخذ يميل إلى التيارات الإسلامية والإخوانية.
في سن الثامنة عشرة، ترك عائلته ومخيم الشاطئ لدراسة الرياضيات في جامعة بيرزيت الشهيرة في الضفة الغربية، وفي الوقت نفسه، كان يعمل في تدريس الرياضيات في مدرسة القدس الرسمية.
لكنه كان عازماً وحازماً جداً تجاه رغباته منذ كان فتىً يافعاً. ترك واحدة من أفضل الجامعات في فلسطين للذهاب إلى جامعة الزقاريق في مصر في سن الـ23 من أجل دراسة طب الأطفال، أي الاختصاص الذي كان يحبّه.
كانت رحلته إلى مصر بدايةً لمرحلة نضالاته. وبعد التعرف إلى حركة «الإخوان المسلمون» في مصر، توصل فتحي إلى استنتاج مفاده أن هذه الحركة ذات التوجه الإسلامي ليست ذاك الشيء الذي يبحث عنه. لذلك، بدأ في السنة الجامعية الأولى تشكيل مجموعة مختلفة مع بعض أصدقائه مثل عبد العزير عودة ورمضان عبد الله شلح، مجموعة تدعى «الجهاد الإسلامي في فلسطين»، وكانت تبتغي هدفاً واحداً: «تحرير فلسطين»؛ «إن هذا الوطن الصغير العزيز المقدس فلسطين لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتسع لأكثر من شعب واحد هو شعب فلسطين».
قبل أشهر قليلة من انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، كتب فتحي الشقاقي مقالة في مصر بعنوان «الخميني: الحل الإسلامي والبديل»، تُظهر أنه وجد ما كان يبحث عنه. يمكن العثور على الوحدة والإيمان بالتضامن الإسلامي للتخلص من هيمنة الصهيونية في كل سطر من كتاباته.
مع انتصار الثورة الإسلامية في شباط/فبراير من العام نفسه، حوّل المقالة إلى كتاب ونشره بغلاف يحمل صورة الإمام الخميني تحت شجرة تفاح في نوفل نوشاتو. في تلك الأيام الأولى، بيعت 10 آلاف نسخ منه وأحدثَ ضجة كبيرة. لهذا، اعتقلته قوات الأمن المصرية وزجّته في سجن «القلعة» لأشهر.
ثم غادر هذا البلد عام 1981 وعاد إلى قطاع غزة للخلاص من الأجهزة الأمنية المصرية بعد أن اعتقل مرات عدة بسبب أنشطته السياسية. وقد رافقت عودته ورفاقه إلى فلسطين الإعلان الرسمي لحركة «الجهاد الإسلامي في فلسطين».
بعد خروجهم من مصر ودخولهم فلسطين، شرح قادة هذه الحركة أفكارهم للشعب الفلسطيني في المدارس والجامعات عبر إقامة صلاة الجماعة وغبر ذلك. كان فتحي يُبيّن فكرة «الجهاد الإسلامي» في مجلة المختار الإسلامي والمسلم المعاصر التي كانت تُوزَّعُ على أبناء الشعب الفلسطيني. عندما عاد فتحي الشقاقي إلى فلسطين، اختار طبابة الأطفال في غزة والقدس أول عمل له. فكان ستاراً أمام الصهاينة كي لا يكونوا حساسين، كما أنه كان يحب الخدمة.
عام 1983، عندما كان يعمل في مستشفى فيكتوريا في بيت المقدس، جرى اعتقاله وسجنه 11 شهراً بتهمة تشكيل «الجهاد الإسلامي»، ومرة أخرى عام 1986 بتهمة تحريض الناس ضد إسرائيل ونقل الأسلحة إلى غزة، وحكم عليه بالسجن أربع سنوات وخمس سنوات حبساً تعليقياً. عندما اكتشف الكيان الصهيوني أن الشقاقي كان يقود الفلسطينيين والانتفاضة الفلسطينية الأولى من داخل السجن، أبعدوه وبعض أصدقائه إلى جنوبي لبنان قبل انتهاء مدة عقوبتهم عام 1988.
في أوائل التسعينيات، قاد عشرات العمليات المسلحة ضد الصهاينة وعزز أساسات «الجهاد الإسلامي» وثبّتها.
كان الشقاقي يعتقد دائماً: «لن يتوقف الجهاد ما دام هناك احتلال لأي جزء من فلسطين».
عام 1995، ذهب إلى ليبيا بجواز سفر مزور باسم إبراهيم شاويش للقاء زعيم ذاك البلد، العقيد القذافي، بخصوص أوضاع اللاجئين الفلسطينيين على حدود ليبيا ومصر. لكن بسبب الحظر الجوي على ليبيا، اضطر إلى الذهاب بالسفينة إلى مالطا، وفي نهاية المطاف، وفي الحادية ظهراً من 26 تشرين الأول/أكتوبر، عندما كان عائداً إلى فAlireza, [۲۶.۱۰.۲۲ ۱۱:۵۸]
ندق «دبلومات» في جزيرة مالطا، اغتاله «الموساد» ونال الشهادة.
أعلن المجرم إسحاق رابين سعادته باغتيال الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي بقوله: «إن القتلة قد نقصوا واحداً، ولم تمهله عدالة السماء ليفرح كثيراً».
في فجر 31/10/1995، استقبل السوريون مع حشد كبير من الشعب الفلسطيني والحركات الإسلامية بفصائلها واتجاهاتها كافة في الوطن العربي كله جثمان الشهيد الذي وصل على متن طائرة انطلقت من مطار جربا في تونس، على أن يكون التشييع في اليوم التالي 1/11/1995، فدُفن جثمانه الطاهر في مقبرة الشهداء في مخيم اليرموك بعدما تحول التشييع من مسيرة جنائزية إلى عرس يحمل طابع الاحتفال بالشهادة، إذ استقبله أكثر من ثلاثة ملايين مشيع وسط الهتافات التي تتوعد بالانتقام والزغاريد التي تبارك الاستشهاد.
يقول الشهيد فتحي الشقاقي بشأن جهوده في «الجهاد الإسلامي»: «في الأساس نحن حركة إسلامية تقوم على أساس الشريعة الإسلامية والمبادئ المستمدة من القرآن الكريم وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وتقوم على الاستفادة من الموروث الإسلامي عبر اجتهادات الأئمة والعلماء الكبار في تاريخنا... فكل هذا نضعه كأساس نقيم عليه حركتنا في هذه المرحلة أو في هذا التوقيت من التاريخ، وحركة الجهاد الإسلامي كحركة تجديدية داخل هذا الفكر الإسلامي بدأت تتساءل وتطرح إجابات حول كيف يمكن أن يفهم الإسلام بعلومه وفقهه برؤية منهجية تستخدم الأدوات المعرفية والتاريخ».
في هذا الصدد، قال نصر هويدي، وهو رفيق درب الشهيد فتحي الشقاقي: «ما من شخص التقى الدكتور فتحي - رحمه الله - إلَّا وتأثر به. حتى الذين اختلف معهم شهدوا له بقدرته على التأثير وإبداعه في التفكير والتحليل للآخرين، وبسبب ثقافته العالية وأسلوبه الرائع في المناظرة والنقاش، كان يأسر قلوب مستمعيه فيمتلك عقولهم وأفئدتهم».
وأوضح هويدي أن من أهم الجوانب التي اهتم بها الدكتور أبو إبراهيم، ولا سيما خلال وجوده في مصر أواخر السبعينيات، وهو طالب في جامعة الزقازيق، اهتمامه ببناء الإنسان، وكيفية تعبئته فكرياً وثقافياً وتربوياً عبر تنظيم الحلقات الثقافية والدينية والتربوية.
يقول الدكتور فتحي الشقاقي في جوابه حول يقينه من انتصار طريق المقاومة: «نحن لا نفكر في هذا الموضوع في المبدأ. نحن نعتبر انتصارنا في اختيار طريق الحسين بن علي (ع) وهدفنا هو أداء التكليف الإلهي».
كما يقول في الكلمات التي تلخّص فكره الأصيل: «دم الشهداء هو الذي ينجب المزيد من المقاتلين ويصعّد المواجهة ضد الاحتلال».