بسم الله الرحمن الرحيم،
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبيّنا، أبي القاسم المصطفى محمّد، وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، [ولا] سيما بقية الله في الأرضين.
أهلاً وسهلاً بكم[1]. بدايةَ هذه المجالس هي بأيدينا لكن ختامها مع الله.[2] كان اجتماعاً جيداً جداً اليوم. لقد استفدنا كثيراً وحقاً، وقد ملأت المكانَ أنوارُ الوجود المبارك لفاطمة الزهراء، سيدة النساء والصدّيقة الكبرى - سلام الله عليها - وفيوضاتها. شكراً لله! إن المحبة والإخلاص والشوق من قلوبكم الطاهرة لأم الأئمة النجباء (ع) سيكون له بالتأكيد آثار أساسية في الأشياء كلها التي تنتظرنا في حياتنا: الشؤون الشخصية والعامة ومستقبل هذا البلد. أودّ في جمعكم أنتم - مدّاحي أهل البيت (ع) - إذ إنكم مُفتخرون حقّاً بأنكم مدّاحون لهؤلاء العظماء؛ «مادح الشمس يمدح نفسه»[3]، أن أذكّركم بهذا الشرف العظيم أولاً. افتخروا بهذه الميزة واسعوا جميعاً لتوفير الشروط لمديح هذه الأنوار المقدسة قدر الإمكان، سواء في أنفسكم أو لدى مستمعيكم. أودّ اليوم أن أتحدّث ببضع كلمات فقط عن المديح. إن مديح أهل البيت (ع) هو ميراثنا. إنه ميراث الشيعة. نعم، ليس معلوماً أن الكميت ودعبل والسيد الحِمْيَري كانوا ينشدون بلحنٍ على سبيل المثال لكنهم كانوا يكتبون الشعر ويقرؤونه وينشرون معارف أهل البيت (ع). لقد جئتم وحوّلتموه إلى فنّ مركب. المديح اليوم فنّ مركب. إنه فنّ، أيْ إنه الجمال. «الفن» هو جمال وصنع للجمال أيضاً. لقد جمعتم فنوناً عدة مع بعضها بعضاً ومجموعها يشكل المديح: الصوت الجميل، هذا أولاً.
ثم الشعر الجيد. من الناحية الشعرية، هذا ثانياً. ثم اللحن الجيد، هذا ثالثاً. بالطبع كل واحدة منها لها خصائصها وشروطها وحدودها وسأذكر بعضها. أيضاً المضمون والمحتوى الجيّد، لأن الشعر الجيد أمرٌ والمحتوى الجيّد أمرٌ آخر. قد يكون الشعر جيداً جداً لكنه لا يتضمّن مثل هذا المحتوى البارز، أو لا يتضمن المحتوى الصحيح، أي يكون هناك إشكال في المضمون. لدينا مثل هذا في أشعارنا الجيّدة جدّاً إذ يكون الشعر جيّداً لكن المحتوى لا يخلو من الإشكال. كنت قد دوّنت هنا شعراً لصائب لأقرأه. يقول:
قولك «لن تراني» لا يحبطني مثل الكليم في طورإنّي ابن سفرة العشق وأعرف لغة الدلال[4]
عندما قال للنبي موسى (ع): «لَنْ تَرَانِي» (الأعراف، 143)، تراجع. هذا يقول: «أنا لا أيأس». هل كان [شعراً] جميلاً؟ لكنه كان خطأً. فهل الله المتعالي - جل جلاله - الذات الإلهية المقدّسة يتدلّل ويقول: «لن تراني»! ليس كذلك. «لن تراني» تعني «لن تراني»، فلا وجود للمبالغة في كلام الله. حسناً هو شعر بهذا الجمال لكنّ مضمونه خطأ. إذن، لدينا شيئان هنا: الأول الشعر الجيّد، والآخر المضمون الجيّد، المحتوى الجيّد. عليكم الالتفات إلى هذه الأمور كلها.
أعتقد أن هذا اللقاء يُعقد منذ أربعين عاماً، واليوم عندما أنظر إليه، أرى أنّ لناحية نوع المديح، والشعر الذي يُقرأ، والعمل الذي يجري، غدا أكثر تقدّماً وأفضل بكثير، ولا شكّ في ذلك. لكن ما أريد قوله: ينبغي لكم الالتفات إلى هذه [الأمور]. صار هذا فنّاً مركباً، وعملكم هو فنّ مركب، والفن جمال. لدينا هذا من نصوصنا الدينية أيضاً، نصوصنا الدينية أي القرآن ونهج البلاغة والصحيفة السجادية وكثير من الأدعية. قال في القرآن: «ظاهره أنيق». أنيق ليس بمعنى جميل بل بمعنى الجمال المُذهل. «ظاهره أنيق»، كذلك القرآن. لا مثيل له في الجمال والفن. العرب أنفسهم في ذاك اليوم، الذين كان لديهم فيه أفضل الشعر العربي تقريباً - أحلى شعر عربي وأجمل وأفصح - وينتمون إلى مرحلة الجاهلية والمخضرمون[5]، كانوا أحياء عندما نزل القرآن. لم يستطع أيّ منهم أن يقدّم اعتراضاً بسيطاً أو يقول: يمكننا قول مثل هذا. جاء في القرآن مرّات عدّة: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} (البقرة، 23). لم يستطيعوا أن يأتوا حتى بآية من مثله. نهج البلاغة في منتهى الفخامة والمتانة والجمال، والصحيفة السجادية كذلك، ودعاء «أبو حمزة الثمالي»، و«دعاء الإمام الحسين (ع) في يوم عرفة» والأدعية المختلفة في منتهى الجمال. فنّكم هذا تبعٌ لذاك الفن. حسناً، إنّ جامعية هذا الفن هو أن تكون أجزاؤه كلها جميلة، فلا يكفي الجمال الظاهري فقط. يجب أن يكون المحتوى جميلاً أيضاً. كما قال: «ظَاهِرُهُ أَنِيقٌ، وَبَاطِنُهُ عَمِيقٌ»[6]. باطن القرآن عميق ومليء بالمضامين. نحن أيضاً لا نتوقّع من ذواتنا أو منكم إعطاء أنفسنا مثل هذه الجرأة، أن نقول مثلاً: يمكننا أيضاً! لا، هذا أسلوب العمل، أي الظاهر الجميل، والباطن المتين والمليء بالمضامين.
اللحن كذلك. لقد قصدت هذا خصيصاً، أي وضعت في بالي أن أقول هذا لكم. أيها المدّاحون الأعزاء، يحمل اللحن مفهوماً ويوصل معنىً. فإذا أديتم لحناً حتى إن لم يحتوِ على كلمات - يؤدي بعض الأشخاص مثلاً لحناً باستخدام حنجرتهم أو ينتج بعضهم اللحن باستخدام هذه الأدوات والآلات الموسيقية، وليس فيه كلام - لكنه يحمل معنىً ويوصله، فكذلك يكون اللحن. اللحن على هذا النحو. ثمة لحن يبثّ الشجاعة. هذا اللحن الذي يقرؤه جنابه[7]: «يا جيوش صاحب الزمان تأهّبوا، تأهّبوا»[8]، حتى لو لم يقرأ هذه الكلمات أيضاً، فهذا اللحن لحنُ تأهب. هناك لحن يجلب الاكتئاب أيضاً فيحبّط الإنسان ويجعله يائساً. إذن، هي [ألحان] مختلفة. هناك لحن أيضاً يقود الإنسان إلى المعصية. ثمة ألحان كثيرة في الأغنيات المرتبطة بالمقامات الموسيقية، وكانوا قد نظَموها في السابق، هي من هذا القبيل. كل واحدة من هذه المقامات الموسيقية المعروفة لها لحن وأغنية قبلها. هذه الأغنية تلقّن اللحن لذاك المغنّي. غالباً ما تكون هذه الأغاني أغانيَ غير لائقة، فلننتبه إلى الشعر الذي ننشده، واللحن الذي نؤديه، والمديح كذلك، سواء أكان للرثاء أم للطم أم للمديح، فلنحرص على تجنب اختلاطه بتلك الأمور. إنه أمر مهم وأصرّ على أن تلتفتوا إليه.
لذلك، يجب أن يكون المحتوى جيداً، كما ينبغي أن يكون قالب الشعر جيداً. لا بدّ أن يكون قوام الشعر وقالبه وظاهره جيّداً. هذا يرفع مستوى التفكير لدى مخاطبكم. إذا صببتم أفضل المضامين في شعر ضعيف وقدّمتموه، فسيتدنّى تأثيره كثيراً. عوّدوا ذهن المُخاطب أن يأنس بالأدبيات الفاخرة. هذا يساعد على النمو الفكري للمجتمع. قبل بضع سنوات، أشرت في هذا الاجتماع نفسه إلى بعض غزليات صائب،[9] وليست غزليات عشق [بل] غزليات حكمة، مليئة بالحكمة، والشعر أيضاً في مُنتهى المتانة والجمال. [من الجيّد] للمرء أن يجدها ويقرأها. الحمد لله، يقرأ بعض الشعراء أشعاراً جيدة في هذا المجال.
بالإضافة إلى تعليم المعرفة في المديح إن إثارة العواطف موجودة أيضاً. هذه أيضاً نقطة مهمة. هناك تعليم للمعرفة، أي أنتم تقدّمون درساً بالشعر الذي تقرؤونه. أشياء كثيرة سبق أن ذكرناها للآخرين مرّات عدّة بلغة عادية، نتعلّمها عند الاستماع لمديح المدّاحين. بعد أن يقرأ المداح المضمون نفسه بصوت ولحن جيّد فكأننا نسمع ونفهم شيئاً جديداً ونتعلّمه. [المديح] يتضمّن تعليم المعرفة، إلى جانب المنبر طبعاً. المديح ليس منبراً، هو طبيعة أخرى. إنه حقيقة أخرى. [إذن] هذا موجود، وكذلك إثارة العواطف.
لا ينبغي الاستخفاف بموضوع المشاعر هذا. ما يميزنا نحن الشيعةَ أن هناك عاطفة في تعاليمنا ومعارفنا من البداية إلى النهاية. إنها مخزن من المشاعر. عند الآخرين بنحو أقل. إن ذكر مصائبنا فيه عواطف [وكذلك] مديحنا وأدعيتنا وزياراتنا. المشاعر! إنّه يثير المشاعر. بالطبع، المشاعر دون تعقّل لا فائدة منها. الشيء الجيد في تعلّم النصوص الشيعية هو أنها إضافة إلى إثارة المشاعر تُهدي الإنسان عمق المعرفة أيضاً. هذه ميزة لم أرها عند غير الشيعة، أي على حد علمي، لم أرها. بالطبع لدى كل من هذه الأديان والمذاهب المختلفة - الإسلامية وغير الإسلامية – شيء ما، لكن تلك القمة مرتبطة بالشيعة. كنت ذات مرة أنظر إلى الأدعية الرائجة بين غير الشيعة من المسلمين، فالأدعية ذُكرت بالتفصيل في أحد كتب الزمخشري، فرأيت أنه إذا وضعنا إلى جانبها عشرة سطور مثلاً من «دعاء الإمام الحسين (ع) في عرفة» أو الدعاء السابع والأربعين من الصحيفة السجاديّة، فإن السطور العشرة هذه تحوي مضامين أكثر وروحية أكبر من تلك [الأدعية] كلها.
حسناً، هذه المشاعر نفسها أعانت البلاد في المعارك الحساسة، وإحداها «الدفاع المقدس». إن هؤلاء المدّاحين ومن يتلو الشعر والشعراء الجيّدين هم الذين استطاعوا حقّاً تهيئة الأجواء لتلك الملحمة العظيمة في «الدفاع المقدس». لقد كررت هذا البيت مرات عدة بخصوص هذا الموضوع:
نكوي العشاق بحد سيف اللسانمثل الشمعة نحن، سوطٌ على الفراشة[10]
وصف حالكم هو: «مثل الشمعة نحن، سوطٌ على الفراشة»[11]. في مراسم إرسال التعبويين والآخرين إلى الجبهة، في ليالي العمليات، في مراسم الصباح العسكري، في تشييع الشهداء، في مراسم تأبين الشهداء، في المسجد، في الحسينية، في ساحة المعركة... أدّى المديح دوره العظيم في كل مكان، وهيّأ القلوب، وأضفى الروحانية على الأجواء.
تلك النورانية التي كانت حاضرةً في منطقة دفاعنا المقدس – لا مثيل لها في أي مكان في العالم، وفي أي وقت في التاريخ، سوى في صدر الإسلام - كان جزء كبير منها مرتبطاً بهذا المديح، وجزء [آخر] ببعض العوامل الأخرى. في السنوات التي أعقبت الحرب حتى يومنا، كان الأمر كذلك، فقد كان للمديح دور ريادي في قضايا مختلفة كـ«فتنة 2009»، و«التاسع من دي»[12]. أدّى المديح دوراً في حالات مختلفة.
إنني إذ أكررّ، وأكرّر لكم ذلك، لكي تعرفوا موقعكم بصفتكم مدّاحين وما الذي تفعلونه ويمكنكم فعله. هذا ما أقصده. الجمع كثير، بحمد الله. في البدايات عندما كنّا نعقد هذا الاجتماع، كنّا نعقده بحضور مئة أو مئتين. [لكن] اليوم هناك الآلاف – عبر إتقانهم طرق عدة لجذب الجمهور المختلفة - منشغلون بأعمال المديح في أنحاء البلاد كافة. حسناً، هذه ظاهرة في البلاد، وهي ليست بالشيء الهيّن. تجب الاستفادة منها. من الذي يجب أن يستفيد؟ ليس المقصود أن يستفيد المسؤولون الحكوميون وزيد وعمرو وهذا العبد الذليل والآخرون، إنما استفادة البلاد والنظام والثورة. لا بدّ للثورة أن تستفيد، فهي بحاجة إلى التقدم والتحوّل يوماً بعد يوم. في إمكانكم أن تؤدّوا دوراً في هذا الصدد. هذه هي غاية كلامي. ينبغي لكم أن تنشروا مقارعة الطاغوت والظالم والاستكبار ومكافحة الفساد في أجواء البلاد. تكمن مشكلة عملنا في كثير من الأماكن في أننا نعطي الأوامر ونقدّم النصيحة والاستدلال والمنطق دون أن تؤثّر، لماذا؟ لأن الأجواء العامّة أجواء لا تتناسب مع ما نريد. لقد كررت مرات عدة: «بناء الثقافة». وهذا ما تعنيه. إنه العمل نفسه الذي يمكنكم فعله. تارة يلزم أن تكون أجواء البلاد أجواء صمود أمام العدو، وتارة أن تكون أجواء هجوم، وأخرى أجواء متابعة المعرفة والعلم، ويوماً ما أجواء التعقّل والتدبّر. لا بدّ من تهيئة الأجواء. قلت لكم: «الأسرة» و«الإنجاب». إن الدور الذي يمكن أن تلعبوه في هذا المجال أكبر بكثير من دور وزارة الصحة ومنظمة الصحة وما شابه. يمكنكم أن تصنعوا الأجواء وأن تبثّوا البصيرة وتنشروا الأمل. إنّكم ترون اليوم أنّ من أهم تكتيكات العدو بثّ اليأس. أين؟ في أهم نقطة في وجود البلاد، أي الشباب الذين يعملون على تيئيسهم بالطرق والأساليب والحيل شتى. يمكنكم أن تفعلوا العكس تماماً: أن تبثّوا الأمل وترشدوا بالفكر والعمل، ولكن هناك شرط.
إذا أردتم أن تكون هذه التوفيقات من نصيبكم، فإن الشرط الأول واللازم أن تمتلكوا هاجس هداية الناس، أن تكون هداية المخاطب هاجساً لدى المدّاح [لا] المال والشهرة والمكانة الاجتماعيّة وأمثالها. طبعاً، لا نقصد كلياً - نحن لسنا كذلك، فنحن ضعيفون ولا يمكننا أن ننحّي أنفسنا تماماً - بل أن يكون مدّ أعيننا، وأن تكون هداية الناس في صلب اهتماماتنا. هذا هو الشرط الأول. عندما تحفظون الشعر أو تكتبونه على الورق لقراءته، وعندما تقبلون الدعوة لمجلس، وعندما تذهبون وتجلسون على المنبر، فليكن تفكيركم كله في أنّكم تريدون هداية مخاطبكم. هذا الشرط الأول.
الشرط الثاني: مراكمة المعرفة.
الذات التي لم تكتشف خالقَ الوجود كيف لها أن تصير خلّاقة في الوجود[13]
إذا لم يكن لدى الإنسان مبانٍ معرفية متينة داخله، فمن المستبعد أن يكون قادراً على إيجاد المعرفة لدى الآخرين. فلنعمل على [تقوية] أنفسنا. أنتم شباب ولديكم جَلَدٌ، ولديكم الوقت، فطالعوا الكتب واقرؤوها. اقرؤوا كُتب الشعر وأيضاً النثر، وكتب الشهيد مطهري، وكتب الأخلاق والحديث والتفسير. لدينا تفاسير جيّدة. إذا لم تكونوا متقنين العربية أيضاً، فإن التفاسير الفارسية الجيدة جداً متاحة للجميع اليوم.
شرط آخر هو أن تكونوا مواكبين للعصر. تتغير ظروف العالم يوماً بعد يوم. كونوا مطّلعين على آخر المستجدات، واستحضروا [تحليل] الأحداث في أذهانكم ونطاق تفكيركم.
أعزّائي، لا بدّ أن أقول: إمّا أنّنا نواجه منعطفاً تاريخيّاً مهمّاً، وإما أنّنا نتحرّك داخل منعطف تاريخيّ مهم. قد يكون التعبير الثاني أصحّ. العالم في طور التحوّل. [هناك] تغيّرات أساسيّة. لا يمكن إدراك التحوّلات الأساسيّة والكبيرة في غضون أسبوع أو شهر أو سنة؛ إنها تحدث تدريجياً. عليكم أن تكونوا ذوي إحاطة تامة حتى تروا ما يحدث في العالم والبلاد.
عن هذه الأحداث الأخيرة [مثلاً]، سأتحدّث بجملة عنها. كانت خطة العدو خلال الأحداث الأخيرة خطةً شاملة [لكن] حسابات العدو كانت خطأً. هذا مهم. لم تكن خطة العدو ناقصة لكن حسابات العدو لتنفيذ هذه الخطة كانت مخطئة.
قولنا إنّ مخطّط العدوّ كان شاملاً يعني أنّه وظّف عوامل السيطرة كلها التي يُمكن أن توظّفها قوّة ما من أجل الإخلال والتخريب في بلد ما، ووضعوا هذه العوامل كلها جنباً إلى جنب. كان هناك العامل الاقتصادي، وطبعاً لم تكن الأوضاع الاقتصاديّة في البلاد جيّدة، وهي ليست على ما يُرام، فشكّلت مشكلة معيشة الناس أرضيّة تُمكّنهم من استغلال هذا العامل. العامل الأمني: الاختراق، فرق التجسّس من كلّ حدبٍ وصوب، إثارة ضجة التخويف من إيران حول العالم. بدأت أجهزة العدوّ الإعلاميّة تبثّ دعايات التخويف من إيران منذ أشهر عدة وبالأشكال شتى، أمريكا والصهيوني والاستكبار العالمي عامة. التخويف من إيران هذا أيضاً أحد العوامل، عامل التشويه. جعلُ بعض العناصر في الداخل تتماشى معهم هذا أيضاً بدأ قبل مدّة، وهو كذلك عاملٌ آخر مهم. [يحرّضون] شخصاً في البلاد عبر مختلف الدوافع: الدافع القومي، الدافع المذهبي، الدافع السياسي، الدوافع الشخصيّة: لماذا لم تردّ سلامي جيّداً؟ لماذا لم تعيّنونني في المكان الفلاني؟ يستغلون هذه الأمور ويعدّون هؤلاء ليتماشوا معهم. عامل الدعايات الشاملة، التلفزيونات، الفضائيات، الفضاء المجازي والإنترنت... هذه كلّها عوامل صفّها العدوّ إلى جانب بعضها بعضاً. إنّني بصفتي شخصاً ينظر إلى هذه القضايا ويراقبها ويدركها أشدتُ في نفسي بالهندسة الجيدة للعدو، فقد هندسَ جيداً، وقد جهّز كلّ شيء في مكانه وبحجمه المناسبين. لكن لماذا أخفق؟ لأن ركيزة أخرى كانت غير صحيحة، وهي حساباته. نعم، هذه الأعمال كلها أعمال مهمة، إنها أعمال مؤثّرة ولها تأثير على بعض البلدان أيضاً، [لكن] لم يستطع هنا، لأن حساباته حول إيران الإسلامية لم تكن صحيحة. سأذكر حالتين أو ثلاثاً من خطأ العدو في الحسابات، وقد سبق أن أشرت إلى بعضها بالمجمل في كلماتي.[14]
توَهّم أن الشعب الإيراني سيتماشى مع خطة العدو الانقلابية والانفصالية بسبب المشكلات الاقتصادية القائمة بالفعل. كانت هذه حسبة مخطئة. توهّم أنه يمكنه بالسبّ والشتم ومختلف الإهانات أن يُخرج مسؤولي الدولة من الميدان ويجعلهم منفعلين، أي عندما يقع شيء من الإساءة والهتك سيصير بعضهم منفعلين. كانت حسبة غير صحيحة. توهّموا أنه يمكنهم بالوسوسة والبلبلة أن يُحدثوا لدى المسؤولين في المراتب العليا اختلافات في وجهات النظر، كأن يقول أحدهم: فلنفعل هذا العمل، ويقول آخر: لا، فيقع خلاف بينهم. هذه مشكلةٌ الآن في أمريكا نفسها، والكيان الصهيوني، وبعض البلدان الأخرى، إذ إن هذه الاختلافات لا تدعهم ينجزون أعمالاً كبيرة. فتخيّلوا أن بإمكانهم إحداث هذا الخلاف. كانوا قد حسبوا [لكن] الحسبة كانت غير دقيقة. توهّموا أنهم يستطيعون التأثير في إرادة الجمهورية الإسلامية بدولارات النفط للمرتزق الفلاني لأمريكا لكنهم أخطؤوا. كانت الإرادة القوية للجمهورية الإسلامية أقوى من عناصر قوتهم هذه كلها وعزيمتها أكثر رسوخاً. كانت حسبتهم خطأً. توهّموا أنهم بتشجيع بعض العناصر التي ترخص نفسها من أجل أن تذهب وتأخذ اللجوء في ذلك البلد أو ذاك وتنشر الترّهات ضد بلدها، سيصاب شبابنا بخيبة أمل. لقد أخطؤوا، ذهبوا وصاروا لاجئين ونشروا الترهات أيضاً ولم يكترث لهم أحد. كانت هذه حسابات العدو، وكانت مخطئة. أربعون عاماً والعدو يسعى بالطرق شتى ضد نظام الجمهورية الإسلامية، ولأن حساباته كانت مخطئة ولا تزال، فقد أخفق حتى الآن وفي هذه الأحداث الأخيرة أيضاً، وسيخفق أيضاً في أيّ خطوة يُقدم عليها في المستقبل.
حسناً، كان هذا في ما يتعلق بالعدو. لكن نحن أيضاً ينبغي أن نكون حذرين. ينبغي ألّا نغتر وألّا نغفل. ألا نغفل فنقول: حسناً، لقد انتهت الأحداث. ينبغي ألّا نتراجع من الميدان، ويجب أن نكون في الميدان. لنعرف أيضاً أن ما يُبقي الشعب هو الأمل والوحدة. الاتحاد بين أفراد الشعب! نعم، توجد أذواق مختلفة، وهناك اختلافات في وجهات النظر في مختلف القضايا، ولكن بشأن الإسلام والنظام والثورة ثمة وحدة في وجهة النظر بين الناس. ينبغي ألّا ندع هذه الوحدة في وجهة النظر تضيع. ينبغي ألّا نساهم في الخلافات: الخلافات القومية والمذهبية، واستفزاز مشاعر مجموعة ضد أخرى. كل شخص يعمل حركة في مجال الإضرار بوحدة الشعب، يعمل لمصلحة العدو وضمن خطته ويلعب في ميدانه. على الجميع الانتباه إلى هذا الأمر! سواء أكان منبرياً أم مدّاحاً أم حوزوياً أم جامعياً أم كاتباً أم شاعراً... أيّاً كان. ينبغي ألّا نستهين بالعدو فهو حاضر. يوم تغدون أقوياء لدرجة تجعل العدو يائساً، يومذاك يمكنكم أن تجدوا راحة بالٍ وطمأنينة. ينبغي أن نسعى لنكون أقوياء. هذا هو سبب التأكيد والتكرار والإصرار من جانبي أن البلاد يجب أن تكون قوية. ينبغي جعل العدو يائساً. بحمد الله، الشعبُ بالروحانية وبعون الله والهداية الإلهية هم في خدمة الثورة وخلفها وخلف النظام، ويقدّمون المساعدة، فلدينا عوامل جيدة. لدينا مؤسسات فعالة ومفيدة للغاية. لقد صارت رشحات الثورة الإسلامية تبرز أكثر خارج حدود البلاد يوماً بعد يوم.
ثمة نقطة أردت قولها والآن تذكرتها: مسألة الدمج بين المديح والنشيد... العمل الذي صار رائجاً في المدة الأخيرة وهو جيد جداً. فثمة أناشيد جيدة تجري تأديتها. «سلام فرمانده» نفسه كان نشيداً جيّداً. رأيتم أنهم ترجموا هذا النشيد في بلدان أخرى وأدّوه، وفي بعض البلدان – طبعاً لم تنتشر أخبار ذلك هنا لكن جرى إطلاعنا عليها - [الشيء] نفسه الذي قرأه الأطفال هنا، رددوه بالفارسية في بلدهم في حين أنهم لا يعرفون الفارسية، لكنهم رددوا الشيء عينه. هذه العوامل من شأنها أن تساهم في اقتدار هذا البلد.
بالطبع، عندما تدخلون هذا الميدان - أنتم جميعاً حاضرون داخل هذا الميدان، بحمد الله – سوف تحبّكم مجموعة ولكن ستعاديكم أخرى. الاستكبار سيعاديكم، وعناصر الاستكبار سيعادونكم ويعرقلونكم ويعملون ضدكم. حسناً، ليفعلوا، فهذا العداء موجود. ما يُظهر جوهركم ويستطيع أن يوفّر التكليف النهائي هو صمودكم وثباتكم وتوكّلكم. قال [الشاعر] [15]:
تآزرت ببعضها أظْهُرُ خصومي لقتلي يا عشقيَ المبهج بك آزرتُ قلبي[16]
حسناً، لقد حان وقت الظهيرة. أسأل الله أن يوفقكم جميعاً، إن شاء الله. سأدعو لكم حتماً، وأنتم ادعوا لنا أيضاً.[17]
اللهم، بمحمد وآل محمد، أنزل بركاتك على هذا الجمع الحاضر والشعب، ببركة الاسم المبارك للزهراء المرضية (ع).
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
[1] في بداية هذا اللقاء، ذكر عدد من المدّاحين فضائل السيّدة فاطمة الزهراء (ع) ومناقبها.
[2] ضحك الحضور.
[3] لأنه في الواقع يقول إن عينيه سالمتان ويستطيع أن يرى بهما الشمس وضياءها الوضاء. جلال الدين الرومي، المثنوي المعنوي، الدفتر الخامس، القسم الأول.
[4] نسازد لَن تَرانی چون کلیم از طور مأیوسم نمکپروردهی عشقم زبان ناز میدانم
[5] المخَضْرَمون هم الذين أدركوا الجاهلية والإسلام دون أن يلتقوا النبي (ص).
[6] نهج البلاغة، الخطبة 18.
[7] صادق آهنگران.
[8] «ای لشکر صاحب زمان آماده باش آماده باش».
[9] من جملتها لقاء مع مدّاحي أهل البيت (ع)، 27/5/2005.
[10] صائب التبريزي، ديوان أشعار، غزليات: عشّاق را به تیغ زبان گرم میکنیم چون شمع، تازیانهی پروانهایم ما
[11] لأن الفراشة تسقط في نار الشمعة طمعاً في النور.
[12] ملحمة «التاسع من دي»، 30/12/2009، يوم البصيرة وميثاق الأمة مع الولاية.
[13] الجامي، سبحة الأبرار: ذات نایافته از هستی بخش کِی تواند که شود هستیبخش
[14] في كلمته خلال لقائه مع جمع من التعبويين، 26/11/2022.
[15] فصيح الدين الهروي.
[16] گرم است به هم پشت رقیبان پِی قتلم ای عشق دلافروز دل من به تو گرم است
[17] رداً على شعار السيدات الحاضرات في اللقاء اللواتي كن يرددن: «هديةُ يوم المرأة دعاء الخير من قائدي».