دائماً كان للجمهورية الإسلامية الإيرانية والجمهورية العربية السورية علاقات إستراتيجية وثيقة مع بعضهما بعضاً. لا يعود تاريخ هذه العلاقات إلى الأمس أو اليوم، إنما إلى سنوات طويلة، أي منذ أكثر من أربعة عقود حين انتصرت الثورة الإسلامية. في ذلك الوقت، كان حافظ الأسد رئيساً لسوريا.

 

دعم انتصار الثورة ومساعدة إيران في الحرب المفروضة

كان حافظ الأسد من جملة أوائل الرؤساء الذين رحبوا بانتصار الثورة الإسلامية،[1] ثم دعم الجمهورية الإسلامية خلال الحرب التي فرضها نظام صدام حسين. في هذا الصدد، كتب موقع قناة «الجزيرة»: «شهدت العلاقات السورية الإيرانية تحالفاً إستراتيجياً منذ نجاح الثورة الإسلامية في إيران في 1979... سوريا دعمت إيران في الحرب مع العراق لتكون بذلك أحد البلدان العربية النادرة التي اتخذت هذا الموقف»[2]. بالإضافة إلى دعمه الصريح للجمهورية الإسلامية الإيرانية وإدانته عدوان نظام صدام حسين، قدم الرئيس السوري الراحل أيضاً المساعدة في التدريب العسكري للقوات الإيرانية. يقول محسن رفيق دوست، وهو وزير «حرس الثورة الإسلامية» إبان الحرب المفروضة، في مذكراته حول هذا الأمر: «اقترح حافظ الأسد تدريب مجموعة من القوات الإيرانية في سوريا لتعلم كيفية استخدام صواريخ "سكود"، فأرسلنا الشهيد طهراني مقدم وأربعين عنصراً آخرين إلى معسكر التدريب في سوريا»[3]. في ذلك الوقت، كان الأسد قد رتّب الأمور لتزويد إيران بصواريخ «سكود».

 

زيارة الإمام الخامنئي إلى سوريا بصفته رئيساً الجمهورية

مع مرور ست سنوات على انتصار الثورة الإسلامية، لم يكن قد سافر أي من رؤساء جمهورية إيران الإسلامية بعد إلى مدينة أو دولة أجنبية. لم تترك حساسية أحداث الحرب المفروضة وفوقها الأزمات الداخلية التي استنزفت الواحدة تلو الأخرى طاقة الحكومة والشعب كافة لمكافحة معارضي الثورة فرصة للزيارات الدولية. في مثل هذه الظروف، كانت أول رحلة خارجية لرئيس في تاريخ إيران بعد الثورة هي عندما ذهب الإمام الخامنئي، بصفته رئيساً، إلى دمشق بدعوة من الأسد. جرت هذه الرحلة في 6/9/1984.[4]

 

الزيارة الأولى لحافظ الأسد إلى إيران

في 23/9/1990، أجرى الرئيس السوري حافظ الأسد أول زيارة إلى جمهورية إيران الإسلامية، والتقى خلالها الزيارة بقائد الثورة الإسلامية، الإمام الخامنئي، وتحدث معه. لا شك أن هذه الزيارة شكّلت منعطفاً جديداً في العلاقات بين طهران ودمشق، فقد أعرب الرئيس السوري في كلمته عن سعادته للقاء الإمام الخامنئي وقال: «بثت الثورة الإسلامية الإيرانية روحاً جديدة في جسد الأمة الإسلامية. إن مشاعرنا تجاه الثورة الإسلامية ثابتة وغير قابلة للتغيير»[5]. أما الجزء الآخر من اللقاء، فكان لمناقشة القواسم المشتركة الرئيسية بين الجمهورية العربية السورية وجمهورية إيران الإسلامية الإيرانية، وهي مواجهة الكيان الصهيوني ودعم القضية الفلسطينية. ورأى الأسد أن المقاومة المسلحة أفضل وسيلة لتحرير الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأن المقاومة الفلسطينية يجب ألا تكون جزءاً من الأزمات العربية، أي هي شيء سامٍ وبعيدٌ كل البعد من الأزمات العربية. وأكد الرئيس السوري مواصلة هذا النهج واصفاً الكيان الصهيوني بالعدو الأول. أما قائد الثورة، فقال خلال اللقاء: «يجب التشديد على قضية فلسطين أكثر من أي وقت مضى، ويسعدنا أن سوريا، وهي دولة في الخط الأمامي، حافظت على مواقفها المُحكمة رغم المشكلات التي واجهتها»[6].

 

وصول الرئيس بشار الأسد إلى السلطة وتعزيز العلاقات الإستراتيجية

مع وصول الرئيس بشار الأسد إلى السلطة في 17/7/2000 لم تضعف العلاقات بين الجمهورية العربية السورية وجمهورية إيران الإسلامية، بل ازداد عمقها الإستراتيجي. استمرت العلاقات بين طهران ودمشق أقوى من قبل خلال عهد الأسد الابن. وأشار كثيرون من المحللين والباحثين إلى هذه العلاقات على أنها تحالف إستراتيجي بين الجانبين. واتسعت هذه العلاقات لدرجة أن بشار الأسد صرّح في السنوات الأولى من تولّيه الرئاسة: «العلاقات السورية-الإيرانيـة ثابتـة وتتطـور باستمرار وهي إستراتيجية وأثبتت فعاليتها وأهميتها في القضايا كافة التي مـرت علـى منطقتنا». وحول ما يقال عن رهن تحسن العلاقات بين سوريا والعالم العربي بافتراقها عن إيران، قال الأسد: «البديهي أكثر أن نقول إن العلاقات العربية–العربية مرهونـة بإيقـاف العلاقة مع "إسرائيل" وليس مع إيران». كما انتقد بشدة مَن انتقدوا تعزيز العلاقات بين دمشق وطهران بالقول: «يعتقدون أن العلاقة مع إيران كأنها علاقة مع عدو، وهذا الكلام غيـر مقبول في سوريا؛ إيران بلد صديق، وبلد جار، وبلد مهم في هذه المنطقـة»[7].

 

أول زيارة لبشار الأسد إلى إيران ولقائه مع قائد الثورة

أجرى الرئيس السوري بشار الأسد أول زيارة له إلى إيران بصفته رئيساً في 25/1/2001. والتقى خلال الزيارة قائد الثورة الإسلامية الذي أشار إلى استعداد جمهورية إيران الإسلامية لتوسيع نوعية العلاقات مع سوريا وتعميقها وتعزيزها، قائلاً إن تعزيز العلاقات الثنائية يحول دون المس بها. وأضاف الإمام الخامنئي: «جمهورية إيران الإسلامية هي العمق الإستراتيجي لسوريا وتساند دمشق في مختلف القضايا». أما الأسد، فرأى أن زيارته لإيران تأكيد لمواصلة نهج الرئيس الراحل حافظ الأسد واستمرار التعاون الإستراتيجي بين طهران ودمشق، كما أشار إلى مواقف الأسد الأب واحترامه الثورة الإسلامية والإمام الخميني (قده) وقائد الثورة الإسلامية، مضيفاً: «هذه المواقف تدل على عمق العلاقات والتعاون بين إيران وسوريا الأمر الذي سوف يستمر»[8].

 

تعزيز العلاقات رغم التهديدات الأمريكية المتزايدة

عام 2001، استخدمت أمريكا وصفاً موحداً لإيران وسوريا، مشيرة إلى كل منهما أنهما «محور الشر». مقابل التهديدات الأمريكية المتزايدة ضد طهران ودمشق، تعززت العلاقات بين الجانبين أكثر، وازداد التعاون والتنسيق والمشاورات في هذه المرحلة والمراحل اللاحقة من أجل مواجهة التهديدات الإستراتيجية لأمريكا في المنطقة مقارنة بالماضي. من هذا المنطلق، تبنت طهران ودمشق عام 2003 موقفاً مشتركاً ضد الاحتلال الأمريكي للعراق. في مثال، أعلن وزير خارجية سوريا في ذلك الوقت، فاروق الشرع، في موقف مشابه لإيران، أن سوريا على استعداد تام لمساعدة الشعب العراقي من أجل إنهاء احتلال هذا البلد وحفظ سيادة أراضيه. في هذا الصدد، وضعت طهران ودمشق المشاورات الدبلوماسية على أعلى المستويات على جدول الأعمال حتى يمكنهما تشكيل «جبهة موحدة سورية-إيرانية» لمواجهة التحديات الناجمة عن الوجود العسكري الأمريكي في العراق. في الوقت نفسه، كان هناك مجال آخر تجلت فيه العلاقات الوثيقة بين إيران وسوريا وهو لبنان ودعم حزب الله. في الواقع، وجدت طهران ودمشق حزب الله يداً مقتدرة لإضعاف الكيان الصهيوني فدعمتاه.[9] تحولت تأدية هذا الدور المشترك إلى أحد التجليات الكبيرة للعلاقات القوية بين إيران وسوريا على المستوى الإقليمي.

كان دعم القضية الفلسطينية سياسة وإستراتيجية مشتركة أخرى لطهران ودمشق. فبعد وصول حافظ الأسد إلى السلطة عام 1971، وضع دعم فصائل المقاومة الفلسطينية على جدول أعماله. ودعماً للمقاومة الفلسطينية قدّم القادة السوريون معسكراً في منطقة حماة القريبة من دمشق إلى المناضل الفلسطيني صلاح خلف الملقب بأبي إياد، فقام على تدريب المناضلين الفلسطينيين في هذا المعسكر.[10] وبعد انتصار الثورة، تحولت جمهورية إيران الإسلامية إلى الداعم الأول لفصائل المقاومة.

 

التعاون الثنائي في مجال مكافحة الإرهاب

بدأت الأزمة السورية عام 2011 وتحولت تدريجياً إلى حرب عالمية واسعة النطاق ضد دمشق بصفتها واحدة من أقوى أذرع المقاومة في المنطقة. في أعقاب هذه التطورات، كرر التاريخ نفسه مرة أخرى بعد ما نحو ثلاثين عاماً من الحرب المفروضة، وهذه المرة كانت جمهورية إيران الإسلامية هي التي سارعت لمساعدة حليفها العتيق ودعمتها في مواجهة هجمات الأجانب والإرهاب الدولي.

 

رفاق الأيام الصّعبة

كان دعم سوريا لجمهوريّة إيران الإسلاميّة خلال مرحلة الحرب المفروضة ومساعدة إيران الشعب السوري في حربه ضدّ الإرهابيّين وحُماتهم من النماذج الأساسيّة لوقوف هذين البلدين إلى جانب بعضهما بعضاً. فقبل ما يقارب العقد، اشتعلت نيران الفتنة في سوريا بتدخّلات أجنبيّة. في تلك المرحلة، سارعت جمهوريّة إيران الإسلاميّة لمساعدة حليفها القديم ودافعت عنه أمام هجمات الأجانب والإرهاب الدولي. شوهدت ذروة التعاون بين إيران وسوريا في مكافحة الإرهاب عبر دور الشهيد قاسم سليماني في هذا البلد. في هذا الصدد، نشر موقع «العهد» اللبناني تقريراً بعنوان «سوريا... الأرض التي لن تنسى وقع قدمَي قاسم سليماني»: «طوال سنوات الحرب على الإرهاب، عرفت معظم الجبهات في سوريا الشهيد اللواء قاسم سليماني، فهو كان سبباً رئيسياً في دعم الجيش السوري بالخطط العسكرية لاستعادة المناطق من التنظيمات الإرهابية التكفيرية، بدءاً من حلب مروراً بالبادية ودرعا جنوباً وصولاً إلى البوكمال شرقاً. كان فيها جميعها وعلى أرض المعركة مساهماً بانتصاراتها»[11].

مع وقوع الزلزال في السادس من شباط/فبراير 2023 في شمالي سوريا، الذي خلّف دماراً هائلاً في هذا البلد، مدّت الجمهوريّة الإسلاميّة يد المساعدة فوراً باتجاه سوريا لكي تُثبت أن هذين الحليفين الأبديّين صديقان في الأيام الصعبة. المستشارون العسكريّون الإيرانيّون الحاضرون في سوريا بادروا سريعاً إلى الاستفادة من الإمكانات اللوجستيّة في المناطق التي يحضرون فيها وبدؤوا عمليّات رفع الأنقاض. وفي غضون أقلّ من 24 ساعة بعد الزلزال، حطّت أوّل طائرة مساعدات مُرسلة من الجمهوريّة الإسلاميّة في مطار دمشق الدولي. كانت عمليّات الإغاثة لسوريا جارية في وقت يتعرّض هذا البلد لحظر أمريكي جائر، ومن ناحية أخرى، شهدت بعض المناطق المنكوبة وجود الإرهابيّين، فأدّت هاتان القضيّتان إلى تضاعف معاناة الأهالي السوريّين المنكوبين جرّاء الزلزال.

بادرت إيران إلى إرسال المساعدات الإنسانيّة من أجل مساعدة منكوبي الزلزال. كما أوفدت الجمهوريّة الإسلاميّة فرقها الإغاثيّة إلى سوريا من أجل إنقاذ الأفراد العالقين تحت الأنقاض. وأعرب الإمام الخامنئي، في الأربعاء 8/2/2023، عن تعاطفه مع الأهالي المنكوبين جراء الزلزال في سوريا وتركيا، وأشار سماحته إلى المساعدات التي قدمتها إيران، مؤكّداً وجوب تواصل تقديم هذه المساعدات.  

كذلك، سارع قائد «قوّة القدس» في «حرس الثورة الإسلاميّة»، العميد قاآني، إلى الحضور في سوريا في 8 شباط/فبراير، وكان في مدينة حلب يتفقّد المناطق المتضرّرة ويُشرف أيضاً على مسار الفعاليّات والإجراءات لفرق الإغاثة الإيرانيّة في هذه المدينة.[12] ثمّ توجّه في 12 شباط/فبراير إلى اللاذقيّة لكي يُشرف على عمليّات الإغاثة التي تنفذها الفرق الإيرانيّة من كثب.[13] أدّت هذه المساعدات إلى أن يجري الرئيس السوري، بشار الأسد، اتصالاً هاتفيّاً برئيس جمهوريّة إيران الإسلاميّة، السيد رئيسي، يشكر فيه ويثمّن إرسال طهران مساعدات إنسانيّة إلى سوريا وأيضاً مشاركة إيران في عمليّات الإغاثة ومساعدة المتضرّرين.[14]

 

في الختام

يعود عمق العلاقات الإستراتيجية بين إيران وسوريا إلى الأيام الأولى لانتصار الثورة الإسلامية وعهد الرئيس حافظ الأسد. طوال هذه السنوات، ورغم التطورات كافة التي حدثت في المنطقة، فإن العلاقات الطويلة الأمد بين الجانبين تعززت أيضاً. الآن كذلك لدى طهران ودمشق عزم جازم على استمرار العلاقات في مختلف المجالات مثل: مكافحة الإرهاب، ومواجهة الأعمال العدائية للصهاينة والمؤامرات الأمريكية التي تروم إلى القضاء على المقاومة في المنطقة، ودعم القضية الفلسطينية، وكذلك تعزيز حلف المقاومة. فضلاً على ذلك، وخلال اللقاء الأخير للإمام الخامنئي مع الرئيس بشار الأسد في أيار/مايو 2022، شدد قائد الثورة الإسلامية على مواصلة تعزيز العلاقات. وفي إشارة إلى دعم إيران المقاومة في المنطقة، خاطب الرئيس الأسد الإمام الخامنئي قائلاً: «إنّ ثبات الشعب الإيرانيّ على مبادئ الإمام الخمينيّ (قده) وأسسه، الذي استمرّ أيضاً بفضل جهود سماحتكم، هو ما مهّد الأرضيّة للانتصارات العظيمة التي حقّقها الشعب الإيرانيّ ومعه شعوب المنطقة وبخاصّة الفلسطينيّ»[15].

وكان قائد الثورة الإسلامية قد رأى خلال اللقاء الذي عقده مع الرئيس بشار الأسد عام 2019 أن صمود الرئيس والشعب السوري وإصرارهم على المقاومة هو سر انتصار سوريا وهزيمة أمريكا ومرتزقة الإقليميين، وأضاف: «جمهورية إيران الإسلامية ترى في مساعدة الحكومة والشعب السوري مساعدة لحركة المقاومة وتفخر بها من أعماق قلبها»[16].

 

 


[7] العلاقات السورية - الإيرانية في عهد الرئيس السوري بشار الأسد: https://www.iasj.net/iasj/download/fcb0553313fa5fd7

[9] العلاقات السورية - الإيرانية في عهد الرئيس السوري بشار الأسد: https://www.iasj.net/iasj/download/fcb0553313fa5fd7