لم تتردد أمريكا خلال السنوات الماضية عن استخدام أي وسيلة للسيطرة على دول مختلفة في العالم، خصوصاً الدول المستقلة. فعادة ما يلجأ الأمريكيون إلى تبني الخيارات العسكرية المباشرة، وسياسة الحرب بالوكالة، وممارسة الضغط السياسي عند مواجهة أعدائهم. في الوقت نفسه إن ساحة الاقتصاد من أهم الساحات التي تبرز فيها واشنطن عداوتها للدول المستقلة. دوماً نظر الأمريكيون إلى الحرب الاقتصادية على أنها إحدى أهم الطرق لتحقيق أهدافهم. ومع أن جمهورية إيران الإسلامية كانت هدفاً للحرب الاقتصادية الأمريكية أكثر من أي دولة أخرى في العقود الأربعة الماضية، فإن بعض الدول الأخرى في المنطقة بسبب رفضها سياسات واشنطن لم تسلم من عواقب هذه الحرب.

 

السعي إلى إضعاف اقتصاد دول «حلف المقاومة»

دوماً كان إضعاف اقتصاد دول «حلف المقاومة» من تكتيكات واشنطن لإضعاف هذا الحلف. إن فرض أشد العقوبات في التاريخ على جمهورية إيران الإسلامية باستخدام سياسة الضغط الأقصى ضدها، ومحاولة حصار الجمهورية الإسلامية اقتصادياً بصفتها رأس المقاومة في المنطقة، ليسا سوى جزء من أفعال واشنطن التي يمكن تعريفها في إطار الخطة العامة لإضعاف اقتصاد المقاومة. في وقت سابق، كان قائد الثورة الإسلامية قد تحدث بوضوح عن حرب واشنطن الاقتصادية ضد الجمهورية الإسلامية: «لقد نقل العدوّ غرفة الحرب إلى وزارة الخزانة، وصارت [غرفة] الحرب ضدّنا وزارة خزانتهم بدلاً من وزارة الدفاع، وهم عاكفون على عمل دؤوب»1.

كذلك، انتهج الأمريكيون في دول مثل سوريا ولبنان والعراق سياسة إضعاف «حلف المقاومة» عبر ممارسة الضغط الاقتصادي مدداً طويلة. على سبيل المثال، يمكن أن نذكر وجود الأمريكيين في شرق الفرات لسرقة النفط السوري وإضعاف الاقتصاد لأحد الأذرع الرئيسية لـ«حلف المقاومة». في هذا الصدد، نشر موقع «رأي اليوم» مقالة جاء فيها: «رغم حاجة المواطنين السوريين إلى نفط بلادهم اليوم أكثر من أي وقت مضى، فإن أمريكا تصر على استمرار نهب النفط خصوصاً شرق الفرات»2. في هذا الصدد، أكد الإمام الخامنئي في لقاء مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، قبل أشهر: «قضية أخرى مهمة في الشأن السوري هي احتلال المناطق الخصبة والغنية بالنفط شرقي الفرات من الأمريكيين، إذْ يجب حل هذه المسألة بطردهم من تلك المنطقة»3.

 

أداة الضغط الأمريكي على العراق

صار الدولار سلاحاً في يد أمريكا للضغط على دول أخرى. هذا النهج الأمريكي ملحوظ في بلد مثل العراق، لأن بصمة واشنطن واضحة للعيان في التبادلات الاقتصادية العراقية. لم يمضِ وقت طويل على انخفاض قيمة العملة الوطنية للبلاد (الدينار) بالتزامن مع ارتفاع الدولار. وبذلك، بلغ سعر الأخير أكثر من 1600 دينار عراقي، ما أدى إلى ارتفاع أسعار بعض السلع الأساسية العراقية. تشير آخر التقارير إلى أن إجراءات البنك الفيدرالي الأمريكي (المركزي) كانت من العوامل الرئيسية لضعضعة الاستقرار في سوق الاقتصاد العراقي. في تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي، فرض المركزي الأمريكي قواعد وأنظمة صارمة بشأن تبادل البنوك التجارية العراقية الدولي للدولار من أجل الإشراف على تعاملاتها. أدت هذه الإجراءات الصارمة إلى انخفاض ضخ الدولار في السوق العراقية بنسبة 80%، السوق الذي شهد أحياناً حجم مبيعات يومية يزيد عن 250 مليون دولار في اليوم الواحد.4

لذلك من الواضح جداً أن الدولار صار وسيلة ضغط من أمريكا ضد العراق، فيما بذل الأميركيون قصارى جهدهم لتقديم إيران كسبب لزيادة الضغوط الاقتصادية على بغداد مع تنصلهم من المسؤولية. لهذا، زعموا أن الآلية الجديدة لتقييد ضخ الدولار في السوق الاقتصادي العراقي هي لمنع تهريب الدولار إلى إيران!5 الغرض من هذا الادعاء هو تحميل طهران مسؤولية الوضع الاقتصادي في العراق. يأتي هذا الادعاء في الوقت الذي أغلقت فيه واشنطن عملياً قنوات ضخ العملة في السوق الاقتصادي العراقي بآلية جديدة لمراقبة صرف الدولار.

 

وسيلة للابتزاز الأمريكي واللعب بالعملة الوطنية للدول

بعد ارتفاع الدولار في العراق، تفاعل مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي بقوة مع هذه القضية ووجهوا أصابع الاتهام إلى أمريكا. في هذا الصدد، صار هاشتاغ #الدولار_ضغط_أمريكي الوسم الأشهر على «تويتر» حيث انتقد المستخدمون العراقيون بشدة سياسات أمريكا تجاه بلادهم. وغرد الناشط رائد عسكري: «زيادة سعر الدولار في العراق لعبة أمريكا. أمريكا وراء كل حدث مؤسف يحدث في العراق. إن اللعب باقتصاد البلدان وعملتها الوطنية هي إحدى طرق الضغط على المجتمعات»6. بالإضافة إلى ذلك، حمّلت اللجنة الاقتصادية في مجلس النواب العراقي واشنطن المسؤولية عن ارتفاع الدولار في هذا البلد وأعلنت: «أصبح الدولار وسيلة ضغط في أيدي أمريكا للضغط على حكومة محمد شياع السوداني»7.

 

محاولة استفزاز الناس وجرهم إلى الشوارع

أحد الأهداف التي يسعى الأمريكيون إلى تحقيقها عبر اللعب بقيمة العملة الوطنية العراقية هو استفزاز الناس وإخراجهم إلى الشوارع. يعرف المسؤولون الأمريكيون جيداً أنه في الوقت الذي يرتفع سعر الدولار وتنخفض قيمة العملة الوطنية العراقية يؤدي ذلك إلى زيادة أسعار السلع الأساسية، وهذا وحده كافٍ لتحفيز الناس أن يكونوا على أهبة الاستعداد للخروج إلى الشوارع. في هذا الصدد، قال الخبير والمحلل في الشؤون السياسية العراقية صباح العكیلي: «أمريكا تريد تحريض الشعب ضد الحكومة العراقية من خلال الدولار. يبدو أن أزمة ارتفاع سعر الدولار رسالة من واشنطن إلى حكومة السوداني»8.

 

التصويب على الاستقلال السياسي والاقتصادي للعراق

ومن أهداف واشنطن في اللعب بسعر الدولار في العراق التأثير في الاستقلال السياسي والاقتصادي للبلاد. هذه هي القضية نفسها التي ذكرها النائب في البرلمان العراقي رفيق الصالحي. وأكد في هذا السياق أن «أمريكا تريد منع العراق من التمتع باستقلال سياسي واقتصادي من خلال اللعب بسعر الدولار». كما ذكر أن «من الملاحظ أن واشنطن حاولت دائماً احتلال الدول التي تتعامل بالدولار اقتصادياً»9.

 

حرب اقتصادية على لبنان

«حرب الدولار» الاقتصادية الأمريكية على الدول لا تنتهي في العراق فقط، ففي لبنان، يواجه الناس أيضاً مشكلات اقتصادية ناجمة عن لعب واشنطن بسعر الدولار. في هذا الصدد، كتب موقع «المنار» اللبناني: «إن دور أمريكا في التعاملات بالعملات الأجنبية للمصارف اللبنانية واضح تماماً. لا بد من القول إن واشنطن تحاصر تعاملات العملة اللبنانية. أدت هذه السياسة إلى تقليص ضخ الدولار في السوق الاقتصادي، ما أدى إلى ارتفاع معدل التضخم»10.

 

استهداف المقاومة ودفع المجتمع إلى مرحلة الانفجار

تسبب ارتفاع سعر الدولار في لبنان وما تلاه من انخفاض سعر الليرة خلال السنوات الماضية في مشكلات في هذا البلد. من الواضح أن التغيرات والتطورات في سوق صرف العملة الصعبة توفر أرضية لإبداء بعض الأيادي الأجنبية لنيات سيئة للبنان وبخاصة أمريكا. من أهم الأهداف التي يسعى الأمريكيون إليها عبر هذه الطريقة استهداف المقاومة ودفع المجتمع إلى مرحلة الانفجار. يمكن فهم التصرفات الأمريكية لخلق أزمة اقتصادية في لبنان في إطار إستراتيجية «الضغوط القصوى» الأمريكية ضد المقاومة.11

  • في هذا الصدد، يقول الخبير في الشؤون الاقتصادية زياد ناصر الدين: «من الواضح تماماً أن أمريكا استخدمت كل أوراقها ضد لبنان بما في ذلك الورقة الاقتصادية. بدأت واشنطن ضغوطاً مالية واقتصادية كبيرة على لبنان. يرجع جزء كبير من أزمة لبنان الاقتصادية اليوم إلى الدور الذي لعبه الأمريكيون»12. الأعمال العدائية الأمريكية في المجال الاقتصادي لضرب لبنان تلتها تصريحات من حزب الله. في هذا الصدد، أكد نائب رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله، الشيخ علي دعموش، أن أمريكا تحاول تحقيق أهدافها من خلال الأزمة الاقتصادية في لبنان: «هدف أمريكا هو إبقاء لبنان تحت الحصار والعقوبات»13.

 

أكثر من 4 عقود على الضغط الاقتصادي على سوريا

سوريا دولة أخرى واجهت دائماً ضغوطاً اقتصادية من الأمريكيين في السنوات الأخيرة. فرضت أمريكا والغرب عقوبات اقتصادية على سوريا منذ 1979. في نهاية 2019، وقع الرئيس السابق لأمريكا، دونالد ترامب، على ما يسمى قانون «قيصر»، وفرض عقوبات واسعة وشاملة على دمشق. لذلك إن الحرب الاقتصادية ضد سوريا ليست وليدة الأمس أو اليوم بل لها جذور تاريخية.14 حتى الرئيس السوري، بشار الأسد، أعلن في خطاب أن الحرب العسكرية ضد سوريا تحولت إلى حصار اقتصادي. وقال: «اتخذت الحرب على سوريا منحى وشكلاً جديداً وتحولت إلى حصار اقتصادي»15. السياسة التي استخدمها الأمريكيون في الحرب الاقتصادية ضد سوريا شبيهة جداً بالإرهاب الاقتصادي. كما يقول ممثل سوريا السابق في الأمم المتحدة بشار الجعفري في هذا الصدد: «أمريكا ترتكب إرهاباً اقتصادياً ضد سوريا»16.

 

الختام

بناءً على ما ذُكر يبدو أن الحرب الاقتصادية اليوم هي أحد الخيارات الأساسية لأمريكا لضرب البلدان التي سلكت طريق الاستقلال. الحل لتجاوز هذه الحرب الاقتصادية يكمن في تصريحات قائد الثورة الإسلامية الأخيرة، حين أشار في لقاء مع مجموعة من رواد الأعمال والمنتجين إلى العلاقة المباشرة بين مكانة الدول وقيمة عملتها في المنطقة والعالم، قائلاً: «الارتقاء بمكانة إيران في المنطقة والعالم... تعلمون أنّ الارتقاء بمكانة أيّ بلد في العالم اليوم يرتبط إلى حدّ كبير بالوضع الاقتصادي للبلد نفسه. عندما تضعف العملة لبلد ما، تتراجع قدراته الاقتصاديّة وتهبط مكانته في العالم المعاصر ويتضاءل اعتباره. نحتاج هذا النموّ لكي نحفظ مكانة البلاد في المنطقة والعالم»17.

هذا يعني أن النمو الاقتصادي يلعب دوراً مهماً وبارزاً في تحييد الحرب الاقتصادية الشاملة لأمريكا وحلفائها ضد الدول التي تدعم المقاومة.

 

1. KHAMENEI.IR

https://farsi.khamenei.ir/speech-content?id=39655

2ـ رأي اليوم

https://www.raialyoum.com/%D8%A8%D8%B9%D8%AF-%D8%B3%D8%B1%D9%82%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%81%D8%B7-%D9%87%D9%84-%D8%AA%D9%81%D8%AA%D8%AD-%D8%A3%D9%85%D8%B1%D9%8A%D9%83%D8%A7-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D9%86%D9%81%D8%B3%D9%87/

 

ـ3 KHAMENEI.IR

https://farsi.khamenei.ir/news-content?id=50657

4ـ الوفاق

https://al-vefagh.net/18358/

5ـ المصدر نفسه

https://al-vefagh.net/18358/

6ـ المصدر نفسه

https://al-vefagh.net/18358/

7ـ قناة الرابعة

https://www.alrabiaa.tv/article/41022/%D9%85%D8%A7-%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%A9-%D8%A3%D9%85%D8%B1%D9%8A%D9%83%D8%A7%D8%9F-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%8A%D8%A7%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%A4%D8%B4%D8%B1-%D8%A3%D8%B3%D8%A8%D8%A7%D8%A8%D8%A7%D9%8B-%D9%88%D8%B1%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D8%B1%D8%AA%D9%81%D8%A7%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A7%D8%B1:-%D9%88%D8%B1%D9%82%D8%A9-%D8%B6%D8%BA%D8%B7-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%AF%D8%A7%D9%86%D9%8A-41022

8ـ المراقب العراقي

https://www.almuraqeb-aliraqi.org/?p=428894

9ـ نبض

https://nabd.com/s/114322243-b043f7/%D8%AA%D8%AD%D8%A7%D9%84%D9%81-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D8%AD-%D9%8A%D8%B5%D8%B9%D8%AF-%D8%AA%D8%AD%D8%B0%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D8%AA%D9%87-%D8%A3%D9%85%D8%B1%D9%8A%D9%83%D8%A7-%D8%AA%D8%B1%D9%8A%D8%AF-%D8%A5%D8%B6%D8%B9%D8%A7%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%AF%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D8%B9%D8%A8%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%84%D8%A7%D8%B9%D8%A8-%D8%A8%D8%B3%D8%B9%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A7%D8%B1

10ـ المنار

https://www.almanar.com.lb/10302756

11ـ الميادين

https://www.almayadeen.net/butterfly-effect/1425964/%D8%AD%D8%B1%D8%A8-%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%86%D9%8A%D9%8A%D9%86--%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%AF%D8%A9-%D9%85%D9%82%D8%A7%D8%A8%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B0%D8%A7%D8%A1

12ـ سبوتنك عربي

https://sputnikarabic.ae/20200610/%D8%AE%D8%A8%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF%D9%8A-%D8%A3%D9%85%D8%B1%D9%8A%D9%83%D8%A7-%D8%AA%D8%B3%D8%AA%D9%82%D9%88%D9%8A-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%86-%D8%A8%D9%83%D8%A7%D9%85%D9%84-%D8%A3%D9%88%D8%B1%D8%A7%D9%82%D9%87%D8%A7-1045673447.html

13ـ المنار

https://www.almanar.com.lb/9871864

14ـ الخنادق

https://www.alkhanadeq.com/post.php?id=3398

15ـ عمون

 https://www.ammonnews.net/article/443387

16ـ البعثة الدائمة للجمهورية العربية السورية لدى الأمم المتحدة

https://www.un.int/syria/ar

17. KHAMENEI.IR

https://farsi.khamenei.ir/speech-content?id=51840