بعد انتصار الثورة الإسلامية، أصبح شعار "لا شرقية ولا غربية" أحد المبادئ الأساسية في الدبلوماسية الخارجية لجمهورية إيران الإسلامية. منذ سنوات مضت وحتى الآن، يمكن رؤية هذا الشعار على واجهة مبنى وزارة الخارجية ويظهر عدم اعتماد الجمهورية الإسلامية على التحالفات الدولية. والرسالة الأهم لهذا الشعار هي عدم الاعتماد على القوى الأجنبية والاعتماد على القدرات المحلية. وانطلاقاً من هذا الشعار الاستراتيجي، دائماً ما وضعت الجمهورية الإسلامية الإيرانية مبادئ سياستها الخارجية القائمة على "العزة والحكمة والمصلحة" باستقلالية كاملة.

كما أكد الإمام الخميني (رضي الله عنه)، مؤسس جمهورية إيران الإسلامية، مرات عديدة وفي مناسبات مختلفة، على ضرورة تحقيق شعار "لا شرقية ولا غربية" في مجال السياسة الخارجية. على سبيل المثال، في 17 أكتوبر 1982، في لقاء مع مجموعة من علماء الدين، قال: "منذ بداية ثورتنا، أخبرت دولتنا العالم كله أنها لا شرقية ولا غربية وقالت أنها لا تتلقى دعماً لا من الاتحاد السوفيتي ولا من أمريكا ولا أي قوى أخرى"[1]. كما أكد في التاسع عشر من شهر سبتامبر عام 1988 وقال: "لو تمكنا من تشكيل جيش قائم على أسس لا شرقية ولا غربية حقيقية وإسلام خالص ومنزه وخالٍ من النفاق والخداع، فالثورة انتصرت ".[2]

 

تشكيل قوة مستقلة في النظام الدولي بالاعتماد على شعار "لا شرقية ولا غربية".

عندما تم تقسيم العالم إلى كتلتين، شرقية وغربية، تم تصنيف جميع دول العالم في هاتين الكتلتين، مجموعة في الكتلة الغربية، والتي تضمنت أمريكا وأوروبا الغربية، والتي كانت تُعرف أيضًا بالعالم الرأسمالي، والمجموعة الثانية التي كانت تدور حول محور الاتحاد السوفيتي السابق ودول أوروبا الشرقية كانت موجودة فيها، وكدول شيوعية، شكلوا الكتلة الشرقية. هذا يعني أنه لمدة 45 عامًا تقريبًا (طوال الحرب الباردة)، تم تحديد الحكومات والحركات والمؤسسات الدولية في منافسة بين هاتين الكتلتين، وكانت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق القوتين العظيمتين اللتين قسمتا الهيمنة على العالم بينهما. ولم يستند الإمام الخميني على أي أيديولوجية من هاتين الكتلتين بالاعتماد على شعار "لا شرقية ولا غربية".[3]

في الواقع، لا بد من القول إن الإمام الخميني (رضي الله عنه) اقترح الجمهورية الإسلامية كقوة مستقلة في هيكل النظام الدولي من خلال رفع شعار "لا شرقية ولا غربية". نظام يتمتع باستقلال سياسي كامل ويحدد مصيره بالاعتماد على هذا النهج المحب للاستقلال. بعبارة أفضل، في الوقت الذي انقسم فيه العالم إلى قطبين، شرقي وغربي، قدم الإمام الخميني (رضي الله عنه) بشعاره الحكيم "لا شرقية ولا غربية" الجمهورية الإسلامية كقطب جديد للسلطة وخطاب جديد في مجال السياسة الخارجية. خطاب يقوم على "الكرامة" و "الاستقلال" و "السلام والصداقة".

الاستقلال وعدم الاعتماد على الشرق والغرب

إن الاستقلال والتمسك بعدم الاعتماد على القوى الأجنبية هو أهم هدف لشعار "لا شرقية ولا غربية". أوضح مؤسس جمهورية إيران الإسلامية معنى "الاستقلال وعدم التبعية" في إطار شعار "لا شرقية ولا غربية" وقال: "إذا خضعنا لأي من القوى، فسوف يعطوننا كل ما نطمح إليه. ولكن ماذا؟ سيعطوننا نفس الشيء الذي يعطونه لحيواناتهم، سيعطون نفس الشيء الذي يقدمونه لخدمهم، لكن إذا وقفنا وقلنا إننا لسنا شرقيين ولا غربيين ؛ ليس لدينا مشاكل مع أي شخص، الجميع سيتنازل لنا وسيكون متقبلاً لنعيش بشكل مستقل، كما سيكون لدينا أيضًا علاقات معهم ولا نريد أن تكون لنا علاقات مع من لا يتقبلون هذا التعريف"[4]

لا للشيوعية والليبرالية

ما يبدو واضحًا ومؤكدًا هو أن الإمام الخميني (رضي الله عنه) اقترح نموذجًا جديدًا في النظام العالمي من خلال شعار "لا شرقية ولا غربية". نموذج لم يكن مشابها للأيديولوجيات الحاكمة في العالم في ذلك الوقت. لم يعكس هذا النموذج أفكار الشيوعية ولم يكن له أدنى تشابه مع الليبرالية. قدم نموذجًا مختلفًا لا صلة له بمبادئ وأيديولوجيات الكتلتين القويتين اللتين تحكمان العالم.

وفي هذا الصدد، أشار قائد الثورة الإسلامية في إحدى كلماته: "الإمام [كان مصمماً] على فصل الجمهورية الإسلامية عن النهجين اللذين كانا منتشريين في العالم في ذلك الزمان، أي الديمقراطية الليبرالية الرأسمالية التوجه والشيوعية الديكتاتورية التوجه لذلك فإن أحد الشعارات الأساسية للإمام كان لا شرقيًا ولا غربيًا. لا شيوعية ولا ليبرالية. ليس ذلك النظام الرأسمالي في الاقتصاد وتلك الحريات غير المقيدة وغير المخططة في الغرب، ولا الاختناق والاستبداد الذي كان موجودًا في الأنظمة الشرقية ؛ لم يقبل الإمام أيًا من هذين ؛ لا شرقا ولا غربا. اقترح الإمام نموذجًا جديدًا لنظام الجمهورية الإسلامية يختلف تمامًا عنهما.[5]

"لا شرقية ولا غربية" لا يتعارض مع السياسة السلمية للجمهورية الإسلامية

إن شعار "لا شرقية ولا غربية" لا يعني بأي حال إعلان المواجهة بين الشرق والغرب. كانت السياسة الخارجية لجمهورية إيران الإسلامية قائمة على الدوام على مبادئ واضحة وغير قابلة للتغيير منذ انتصار الثورة الإسلامية. من بين هذه المبادئ، يمكن أن نذكر "الاحترام المتبادل" والإيمان بـ "عدم التدخل في الشؤون الداخلية". خلال العقود الأربعة الماضية، مدت جمهورية إيران الإسلامية يد الصداقة إلى أي بلد يلتزم بالمبادئ المذكورة أعلاه. وفي هذا الصدد، قال الإمام الخميني (رضي الله عنه) في كلمة: "لن نتوجه نحو الغرب أو الشرق ونريد أن نكون جمهورية محايدة وغير ملزمة. نريد علاقات ودية مع جميع الدول، طالما أنها لا تتدخل في شؤوننا الداخلية.[6]

"لا شرقية ولا غربية" ليست انعزالية

تجدر الإشارة إلى أن شعار "لا شرقية ولا غربية" لا يحمل معنى "الانعزالية" بأي حال من الأحوال. علاوة على ذلك، لم تنكر جمهورية إيران الإسلامية أبدًا علاقاتها مع الشرق والغرب خلال العقود الأربعة الماضية. ويكمن الجوهر الأساسي لهذا الشعار في رفض الهيمنة وليس قبول العزلة والانزواء. تصريحات قائد الثورة حول العلاقة مع الشرق والغرب بحد ذاته يؤكد هذا الادعاء. وبشأن وجهة نظر الجمهورية الإسلامية الإيرانية تجاه الشرق، قال: "في السياسة الخارجية، فإن تفضيل الشرق على الغرب وتفضيل الجار على البعيد من أولوياتنا اليوم"[7]. كما قال أيضاً قائد الثورة الإسلامية، وهو يكذب رفض العلاقة مع الغرب: "أنا لا أؤيد قطع العلاقة مع الغرب. نحن لسنا ضد التواصل مع الغرب [لكن] القضية هي معرفة من نتعامل معه ومعرفة من يقف إلى جانبنا "[8]. هذه التصريحات وما شابهها، والتي هي في الواقع خارطة طريق السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية، تُظهر بوضوح أن "نفي العلاقات مع الشرق والغرب" أو بعبارة أخرى "الانعزالية" لا مكان له في شعار "لا شرقية ولا غربية ".

الخاتمة

إن شعار "لا شرقية ولا غربية" يبعث بهذه الرسالة المهمة والأساسية إلى العالم منذ عقود عدة، مفادها أن الجمهورية الإسلامية لديها خطاب مستقل تمامًا في مجال السياسة الخارجية، وبالتالي ليس لها علاقات أخوة مع معسكرات الشرق والغرب. كان تأكيد الإمام الخميني المستمر والمتكرر على هذا الشعار في مناسبات مختلفة هو جعل الجميع - من الغرب إلى الشرق - يدركون أن الجمهورية الإسلامية ليست على استعداد لقبول حكم الأجانب تحت أي ظرف من الظروف. لم يكن شعار "لا شرقية ولا غربية" في الواقع نموذجًا للاشتراكية في الشرق والليبرالية في الغرب. مما لا شك فيه أنه خلال العقود الأربعة الماضية كان التمتع بالاستقلال عن الأجانب والقوى العظمى وعدم الاعتماد على الكتل الشرقية والغربية وتقديم نموذج جديد للحكم وعدم قبول سلطة وهيمنة الأجانب من أهم إنجازات شعار " لا شرقية ولا غربية ".