أيها الاخوة والأخوات، من أعظم دروس كربلاء عندما يُصبح تكليفك هو أن تقف حتى الرمق الأخير في سبيل دينك وقضيتك وأُمتك وشعبك ومقدساتك، درس كربلاء لنا جميعاً وإلى قيام الساعة، أن نقف وأن نصمد وأن لا نتراجع وأن لا يهزنا شيء.
...بالأمس يوم أمس[1] مجدداً تم حرق صفحات من المصحف الشريف في السويد ومن قبل نفس المجرم الملعون وبحماية الشرطة السويدية، وأيضاً تم حرق صورة ترمز إلى الحسين(عليه السلام).
هذا السلوك يُشكل تحدياً مُهيناً برأيي، يُشكل تحدياً مهيناً ومسيئاً ومذلاً لِملياري مسلم في هذا العالم، لملياري مسلم في هذا العالم.
هناك شخصٌ قذر، جاسوس للموساد وبحماية الشرطة السويدية يقف ويهين ملياري مسلم في العالم، ونُواجه نفاق الحكومة السويدية، الخارجية السويدية تستنكر والداخلية السويدية تأذن والشرطة السويدية تحمي، هذا هو النفاق، هذا النفاق الأوروبي، النفاق الغربي، وكذلك تفعل حكومة الدنمارك.
وكذلك بالأمس يعني يوم أمس، شهدنا تخاذلاً ووهناً وضعف حكومات أغلب حكومات الدول الإسلامية في اجتماع منظمة التعاون الإسلامي، لا أنا ولا أنتم كُنا نتوقع من اجتماع الأمس موقفاً حازماً وحاسماً، ولكننا كُنا نُعطي الوقت ونُقيم الحجة، للأسف الشديد ماذا خرج بيان دول العالم الاسلامي؟ استنكار، احتجاج، كل دولة تعمل ما تجده مناسباً، على أساس المصحف بالنسبة لبعض الدول له أهمية وكرامة ولبعض الدول ليس له أهمية وكرامة، كل واحد يرى ما هي مصلحته؟
وتشكيل وفد إلى الإتحاد الأوروبي للتحدث معهم من أجل أن لا يتكرر هذا العمل، هذا الوفد الذي سيذهب ليفاوض الاتحاد الأوروبي، ما هي ورقة القوة التي يمتلكها بيده؟ لا شيء، هل يذهب ويقول لهم إن عدتم سنقطع العلاقات الدبلوماسية معكم، سنقطع العلاقات الاقتصادية معكم، سنعتبركم دولة محاربة، لا شيء.
طبعاً هذا ليس مفاجئاً على الإطلاق، صدقوني أيها الإخوة والأخوات بعض هذه الدول لو كانت الإهانة وجهت إلى ملك، أو إلى أمير، يعني إلى ملك هذه الدولة، أو أمير هذه الدولة، أو زوجة ملك وأمير ورئيس هذه الدولة أو ابنه أو ابنته أو عائلته لقامت الدنيا ولم تقعد، لَتمّ طرد السفراء، ولَتمّ التهديد بقطع العلاقات الدبلوماسية، أما أن يُحرق المصحف الشريف مرة واثنان وثلاثة، هذا لم يُغير ولم يُحرك ساكناً عند هؤلاء الأموات، عند هؤلاء الأموات.
على كل حال، أمام هذا الواقع الهزيل والمهين والضعيف والمتخاذل من قبل أغلب الدول الإسلامية في نصرة المصحف الشريف، يَفهم الإنسان بعضاً من معاناة ومشاعر الحسين(عليه السلام) عندما كان يقول في ذاك الزمان "ألا ترون إلى الحق لا يُعمل به، وإلى الباطل لا يُتناهى عنه"، الآن نفهم هذه الكلمة، "فليرغب المؤمن في لِقاء ربه مُحقاً، فإني لا أرى الموت إلا سعادة، والحياة مع الظالمين إلا برما". الحياة مع هذا النمط من الحكام المتخاذلين، الضعفاء، الذين لا يملكون حتى عزم أن يدافعوا عن قرآنهم، عن مصحفهم،عن مقدساتهم. واقعاً الإنسان يعيش هذه المرارة، "إني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما".
على كل حال، أيها الإخوة والأخوات في هذه الأيام ويوم أمس، وأنا أُشاهد ذلك الملعون يَحرق صفحات من القرآن الكريم، لو قُدّر للواحد منا أن يَسمع، لَسمع صوت المصحف الممزق المحرق يقول لملياري مسلم في العالم: "هل من ناصر ينصرني؟"، مليارا مسلم في العالم هم في الحقيقة أمام هذا التحدي.
في يوم العاشر قُلنا سننتظر يوم الاثنين إذا أخذت منظمة التعاون موقفاً، حازماً، صارماً، طبعاً ولم نكن نتوقع فكذا،هذه ال"إذا" انتهت.
أيها الشباب المسلم في العالم، أيها الشباب الشجاع، أيها الشباب الغيور، لم يَعد هناك أي معنى لتنتظروا أحداً، لا منظمة التعاون الإسلامي ولا جامعة الدول العربية ولا حكام ولا حكومات ولا جيوش، أنتم يجب أن تتحملوا مسؤوليتكم وتنصروا مصحفكم ومقدساتكم، وتُعاقبوا هؤلاء الملاعين، المجرمين، المعتدين، المسيئين، المهينين أشد العقاب، وإن شاء الله سيأتي اليوم الذي يَندم فيه هؤلاء أشد الندم، ويَلعنون فيه الساعة التي ولدتهم أمهاتهم، عندما يعتدون ويُحرقون ويمزقون قرآننا ومصحفنا.
أيها الإخوة والأخوات أمام هذا الحادث المؤلم والجلل، يَفهم الإنسان أيضاً ما جرى في تاريخنا المعاصر، في سنة 1948 كيف ذهب جزء كبير من فلسطين؟ وبعد ذلك في سنة 1967 كيف ذهبت القدس؟ كيف ضاعت فلسطين والقدس؟ شرذمة من الصهاينة مقابل مئات الملايين من المسلمين، وضاعت فلسطين وضاعت القدس.
بيانات الشجب، المظاهرات، القصائد، الأهازيج في كل العالم العربي والإسلامي، ولكن حملة البنادق، المقاتلون الحقيقيون، المجاهدون المُضحّون كانوا قلة، وضاعت فلسطين وضاعت القدس، هكذا حصل وهكذا نَفهم ما جرى عندنا في لبنان في سنة 1982، كان لبنان سيضيع لو أن الشعب اللبناني انتظر العالم العربي والعالم الإسلامي وجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي كما كانت تُسمى حينها، لكن الوعي والبصيرة والحكمة وإرث علمائنا الأعلام في لبنان، وفي مقدمهم سماحة الإمام السيد موسى الصدر أعاده الله بخير، وبركات الثورة الإسلامية في إيران، ونداءات الإمام الخميني(قدس سره) الثورية، النهضة التي حصلت في لبنان حيث لم ينتظر الشعب اللبناني،لم ينتظر أحدا ليقاتل وليقاوم، وكانت البدايات وإحدى البدايات المشرقة والمضيئة، كانت هنا في النبطية، في مدينتها، في باحة عاشورائها، في يوم العاشر من المحرم، لأن هذا الشعب لم ينتظر أحداً، اتكل على الله وعلى سواعده وعلى رجاله ونسائه وعلى أصدقائه القِلّة في العالم، وفي مقدمهم الجمهورية الإسلامية في إيران وسوريا، استطاع أن يَمنع أن يَضيع لبنان، وأن يُصبح لبنان مُحتلاً، وأن تبتلعه "إسرائيل"، وأن تبني المستعمرات في جنوبه، وأن تنهب مياهه، وتعتدي على غازه و نفطه، أليست هذه هي الحقيقة؟
... أيها الإخوة والأخوات، إذا كان الحُكّام في عالمنا الإسلامي لا يملكون لا الشجاعة ولا الحميّة ولا الغيرة ليُدافعوا عن مصحفهم وقُرآنهم، هل سيملكون ذلك ليُدافعوا عنّا وعنكم وعن أرضنا وعن بلادنا وعن لبنان وغير لبنان، وحتى عن المسجد الأقصى!؟ من الذي الآن يحمي هذا الإعتداء؟ السويد، الدنمارك، ما هي هذه المصالح السياسية العظيمة أو المصالح الاقتصادية العظيمة لدول العالم الإسلامي مع السويد والدنمارك حتى لا تلجأ إلى موقف من هذا النوع؟ عجيب! لو المشكل مع الأميركي نقول يا أخي الأميركي يُخاف منه وعقوبات، السويد! الدنمارك! يا عالم عربي، يا عالم إسلامي، على كلّ حال هذه حسابات الدول.
دائماً عندما انتظرنا الدول فشلت شعوبنا، أما عندما قامت الشعوب صنعت الانتصارات، هذا هو زمن الانتصارات الذي نحن فيه. نحن نُراهن على شعوبنا في مقاومتنا، في الدفاع عن مقدساتنا وعن رموزنا.
وهنا أيضًا أُعيد الخطاب للشعب الفلسطيني، الذي نقول له، من أجل ألا يظل يُتعِبُ قلبه، لأنّه يظهر بعض الناس في فلسطين على التلفاز ويقولون أين العالم العربي وأين الحكام وأين الدول؟ يا أخي خلص، لا تنتظروا هؤلاء، راهنوا على شعبكم، على سواعدكم، على أبنائكم، على بناتكم، على حناجركم، على قبضاتكم، على دمائكم، وراهنوا على من يقف معكم من شعوب المنطقة ودول المنطقة في محور المقاومة، أمّا الآخرون فهذا المصحف! وهؤلاء إذا كانوا مع المصحف يتصرّفون هكذا، كيف إذا حصل الاعتداء على المسجد الأقصى!؟ لن تسمعوا من هؤلاء الحكام سوى بيانات الاستنكار والإدانة والاحتجاج والسلام وينتهي كل شيء. أما اليوم الذي سيَمنع ويَمنع الاعتداء على المسجد الأقصى هم المقاومون وبنادق المقاومين واستعداد المقاومين في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق واليمن وإيران وكل المنطقة للدفاع عن هذا المُقدّس الذي لن نسمح لهؤلاء الصهاينة أن يمسّوا به من قريب أو بعيد.