بسم الله الرحمن الرحيم،[1]

والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا، أبي القاسم المصطفى محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين المعصومين، [ولا] سيما بقية الله في الأرضين.

أيّها الإخوة والأخوات والتعبويّون الأعزاء، أهلاً وسهلاً بكم. أرحّب كذلك بالجموع التي احتشدت في مدن أخرى ويستمعون لهذه الكلمات، ونحن أيضاً نشاهد صورهم من هنا.

الحديث عن التعبئة طويلٌ، لكن باختصار: التعبئة تذكار ثمين من الإمام [الخميني] (قده) للبلاد. فالإمام هو مؤسس التعبئة ووالدها، وفي الوقت نفسه، يقول هذا الجليل: «إنني فخور بكوني تعبوياً»[2]. هذا هو شأن التعبئة. حسناً، سأطرح بعض النقاط من حديث الإمام عن التعبئة.

النقطة الأولى أن منطق التعبئة جعلُ البلاد قوية بالحد الأقصى في مواجهة التهديدات والأخطار. هذا هو منطقها. لقد شخّص الإمام (رض) بِبُعد نظره أنه لكي تكون البلاد والشعب والثورة منيعةً هناك حاجة ماسّة إلى قوة شعبية شاسعة وعظيمة، ولأن الثورة ملك الناس، والبلاد كذلك، هُم مَن يستطيعون الدفاع عن بلدهم وثورتهم أفضل من أيّ عامل وعنصر آخر، شريطة أن يكون الطريق مفتوحاً أمامهم، والإمام حدد هذا الطريق: التعبئة. هذا هو منطق التعبئة. ولذلك، تأتي التعبئة لجعل إمكانية مقاومة البلاد عند الحد الأقصى أمام أي خطر وتهديد. كان هذا المنطق هو العامل الأساسي في تأسيس التعبئة، واليوم أيضاً هذا المنطق نفسه حاضر ومُحَدَّث. فاليوم أيضاً وجود التعبئة ضروري – بالتفصيل الموجود الآن وسأتحدث عنه باختصار – من أجل الدفاع الشامل المادي والمعنوي عن الهوية الوطنية وأمن البلاد ومصالح الناس. كما يؤكد سجل التعبئة خلال هذه السنوات الأربعين ونيّف صحة هدف الإمام، ويُظهر الدقة في بُعد نظره وبصيرته. أعزائي، مرّت هذه البلاد بأحداث كان لحضور التعبئة دور مصيري فيها، و«الدفاع المقدس» أحد نماذجها. قطعاً، لولا التعبئة الشعبية، لكانت نتيجة «الدفاع المقدس» مختلفة عما حدث وشيئاً آخر. إن حكاية «الدفاع المقدس» تجسيد عظيم للاقتدار الشعبي لهذه البلاد على هيئة التعبئة. حدث ذلك في حالات أخرى أيضاً، ولا نريد الإسهاب الآن.

النقطة التالية أن الإمام لديه توصيفات متنوعة بخصوص التعبئة. لقد اخترت توصيفين لأحدثكم عنهما. يقول الإمام في أحد المواضع: «التعبئة جيش الله المخلص»[3]، جيش الله المخلص! دققوا في الكلمات. ويقول الإمام في موضع آخر: «التعبئة مدرسة العشق»[4]. حسناً، إذا وضعنا هذين التوصيفين جنباً إلى جنب، فإن «جيش الله المخلص» يدل على أن التعبئة مقاتلة، فالجيش للقتال والحرب. ماذا يعني «كونها مقاتلة»؟ يعني أن تتمتع بالقوة المادية والجسدية، وكذلك بالإرادة والشجاعة الروحية، وأيضاً أن تعرف تدابير الحرب وأساليبها. من النماذج على ذلك أمير المؤمنين (ع) في مبارزته مع عمرو بن عبد ود حيث أظهر قوته البدنية وكذلك شجاعته وجرأته، وأيضاً حنكته الحربية، فيقول لعمرو بن عبد ود: «نقاتل - أنا وأنت - فمن هؤلاء؟»، فما إنْ التفَتَ، حتى ضربه الإمام. إذاً، إنها حنكة وتدبير حربي. لذا إن «كونها مقاتلة» يعني القوة المادية والروحية والفكرية. ثم «جيش الله المخلص»، فماذا يعني؟ يعني أن هذا الذخر العظيم والمغتنم ليس للتمكين الشخصي. فيمَ تُستخدم جيوش العالم؟ في أيّ طريق يمضون ويقاتلون؟ التعبئة تقاتل في سبيل الله وبإخلاص أيضاً، فهي متعلقة بالله على نحو خالص. إذاً، هذا هو البُعد القتالي للتعبئة، ويُظهر جانب استعراض القوة، و[جانب] {أشدّاء} (الفتح، 29).

من ناحية أخرى: «مدرسة العشق». التعبئة عاشقة ووالهة لكن هذا العشق ليس حبّاً عبثياً ومضلّاً وسُدىً، بل حب بسعةِ مدرسةٍ وقابليتها. إنّ قابليته موجّهة ومنظمة، فماذا يعني؟ يعني محبة الله والروحانية والناس والطريق، إذْ تتحرك بحبٍّ في الاتجاه الذي تمضي إليه. هذا ما تعنيه «مدرسة العشق». هو لا يقول إن التعبئة عاشقة إنما: «مدرسة العشق»؛ إنها تدرّس الحب وتعلّمه مع توجّه محدد.

طبعاً، لم تكن هذه التوصيفات مجرّد كلام وتنظير، فالجميع شاهدوا حقيقةَ هذه الأمور في ميدان النزال أو المحبة. جميعنا رأينا ما كانت تفعله التعبئة. لقد سطّر عشرات آلاف التعبويين المخلصين والمجهولين - غالباً - إنجازات مبهرة وأعمالاً عظيمة في ميدان النزال، وأدّوا أدواراً حاسمة. أعزائي، أنتم لا تتذكرون مرحلة الحرب لكن نُشر بعض آثارها، فاقرؤوها وانظروا ماذا فعلوا وكيف اجتازوها وبأي نية دخلوا، وبأي عزيمة تصرّفوا، وكيف مضوا. لقد أدّوا أدواراً حاسمة. بالطبع، كان لديهم قمم أيضاً، فقمة التعبئة هو سليماني، وصيّاد الشيرازي، وهمّت، وبابايي، وقمة التعبئة شيرودي، والشهيد همداني، ومئات من أمثال هؤلاء، من هذه الوجوه التي لا يمكن للمرء أن يرى أحدها في المجموعات المدوّنة عن أحوال شعوب العالم، وذلك الإخلاص، وتلك التضحية والشجاعة. هذا هو ميدان النزال، والجميع شاهدوه ولفتَ أنظارهم. يُمكنكم مشاهدة نزال التعبئة [في «الدفاع المقدس»]، فأولئك الذين [حضروا] رأوه من كثب، ثم في الميادين التالية. أنتم لم تروا «الدفاع المقدس»، لكنكم رأيتم الدفاع عن العتبات المقدسة، وكانت هناك ميادين وساحات أخرى، وكذلك شاهدتم ما فعلته التعبئة سواء في ميدان المحبة، أو في الخدمات الشعبية للتعبئة في الساحات كافة: ساحة الإعمار، والصحة، والكوارث الطبيعية، والعلوم والأبحاث. لقد كان الشهيد فخري زاده[5] – والآن ذكرى استشهاده – تعبوياً، والمرحوم كاظمي آشتياني[6] أيضاً. ففي ميدان العلم، بَقرَ هؤلاء حدود العلم في البلاد، وبعضهم تخطّوا مستوى الحدود العالمية للعلم. أيضاً في ميدان التبيين وبث البصيرة أُنجزت أعمال مهمة. لذا، حينما قال الإمام: «جيش الله المخلص» و«مدرسة العشق»، شوهدت أمثلة ذلك بصورة واضحة وجليّة في ميدان العمل، وعلى أرض الواقع، ورأيناها جميعاً.

النقطة الثالثة: التعبئة ثقافة وفكر أكثر منها مؤسسة. وعليه، كل من قد قبلوا هذه الثقافة ومضوا في هذا الطريق، وجعلوا هذا الفكر سلوكهم، وحتى لو لم يكونوا داخل المؤسسة، هم تعبويون، وهذا يشمل جمهرة هائلة من الشعب الإيراني، مع أنه حتى أسماؤهم غير موجودة في مؤسسة التعبئة ولا مناصبهم. فما هذه الثقافة؟ ثقافة التعبئة أن تكون شعبياً وملتزماً، وأن تشعر بالمسؤولية، وألا تكون لاأبالياً إزاء قضايا البلاد الحالية والمؤثرة في مستقبل البلاد، فثقافة التعبوي أن تكون ثورياً وتعرف قيمة الثورة ومعناها. ثقافة التعبوي ألّا تكون متهرِّباً من القانون، وألّا تكون غير قابل للنظم، وألَّا تكون كاسراً للأعراف. هذه هي ثقافة التعبوي. قد يكون التعبوي معترضاً على أمر أو حقيقة أو شخص ما، ولا إشكال في ذلك لكنَّه لا يكسر الأعراف، وهو لا يجد مع العدو – قلت سابقاً كذلك[7] - نقطة مشتركة.

ثقافة التعبوي هي تجنُّب العمل الاستعراضي وعمل الواجهات، فالأعمال العديمة المضمون جيدة للاستعراض فقط. حتى لو وضع التعبوي شيئاً في الواجهة، فهو شيء ذو مغزى وحقيقي، فما يُظهره خلفه معنى، وخلفه حقيقة. إنَّ التعبوي لا يُقدم على عمل استعراضي [بل] يعْقِد الهمَّة على عمل وحركة حقيقية. لا أعلم هل التفتُّم ودقَّقتم في هذا التقرير الذي قرأه قائد التعبئة المحترم؟ كان في هذه الموضوعات التي ذُكرت[8] موضوعات [مهمة] كثيرة؛ هذه الأمور حقيقية. إنها عمل حقيقي.

ثقافة التعبوي هي العطف على الضعيف، والصلابة في مواجهة الظالم، وخدمة الجميع، الجميع! فحينما أتى السيل، خاض التعبوي في الطين حتى ركبتيه، ومن أجل أن يُطهِّر بيتاً ضربه السيل وينظِّفه، لا يسأل صاحب البيت: ما اسمك، وما دينك، وما مذهبك، وما إثنيَّتك، وما مزاجك السياسي... لم يسأل عن [هذه الأمور]، بل مضى وخدم في أيَّ شيء كان، وأيَّاً من كان. هذه مهمة.

ثقافة التعبوي هي الابتعاد عن التكبُّر والغرور. هذه هي ثقافة التعبوي. يكتسب الناس أحياناً شأناً ما وفق المكانة ويصير لهم اعتبار. فأن ننظر إلى أنفسنا ونرى أنهم يكيلون لنا الاحترام ويهتفون باسمنا ويقدِّمونَنا ويشيدون بنا، فنغتر بأنفسنا ونتكبَّر ونرى أنفسنا أسمى وأرفع، هذا يتعارض مع ثقافة التعبوي. يعلِّمنا الإمام السجاد في الصحيفة السجَّادية في دعاء «مكارم الأخلاق» هذا الأمر: «لا تَرفَعني في النَّاسِ درجةً إلَّا حطَطتَني عند نفسي»[9]، فمهما ارتفعت قامتكم بين الناس، تواضعوا عند أنفسكم ولا تغتروا في داخلكم.

ثقافة التعبوي هي الابتعاد عن المُطالبة، فأن نرى أنفسنا دائِني الثورة والبلاد والحكومة والناس والجار والصديق والمعارف والجميع، ولا نرى أنفسنا مَدِينين، هذا ليس ثقافة التعبوي. إنه ليس دائناً بل يرى نفسه مكلَّفاً، وهو تكليفيّ النزعة ويسعى لأداء التكليف. التعبوي لا يستغل إمكانات المؤسسة لمصلحته. مَن في مؤسسة التعبئة تكون هذه الإمكانات التي تمنحه إياها المؤسسة أمانة في يده، وهو يصون هذه الأمانة بمنتهى العفَّة، وهو أمين.

هذه دروس لنا، والإمام الذي كان يقول: أفتخر بأني تعبوي، كان يتمتَّع بهذه السمات كلها. كانت هذه الأشياء التي ذكرتها الآن مجسَّدة في وجود الإمام. [لقد] كان يرى نفسه مَدِيناً دائماً، ويرى نفسه ضعيفاً دائماً، ويرى الناس أرفع منه دائماً. هؤلاء الشباب أنفسهم الذين كانوا يأتون ويقبِّلون يده ويذرفون الدموع كان يراهم الإمام أسمى منه! بمقدار ما عرفنا الإمام، ونحن شاهدناه من قُرب، لم يُقضَ من عُمره لحظة في خدمة شخصيته ومنصبه ومرجعيته وزعامته.

النقطة التالية، وهي الرابعة وكذلك مهمة للغاية، بُعد التعبئة العابر للوطن وللحدود. هذا أيضاً موجود في كلام الإمام. لقد لاحظتم أن الإمام يصطلح: «خلايا المقاومة العالمية»[10]، وهذه هي التعبئة نفسها؛ هي ليست تعبئتنا بل تعبئتهم هم، لكن الثقافة نفسها. إنَّ تأسيس خلايا المقاومة العالمية هذا تحقق، وأنتم تشاهدون الآن نماذج عنها في منطقتنا.

كُن إلى أن يشرق صباح حكومته         فما زال هذا من نتائج السحر[11]

تلاحظون في منطقتكم أنَّ خلايا المقاومة نفسها التي كان الإمام قد أنبأ بها وبثَّ بُشراها هي اليوم في سبيل تحديد مصير هذه المنطقة، فمصير منطقتنا هذه من يأخذ بتحديده هي خلايا المقاومة، ومن نماذج ذلك «طوفان الأقصى» هذا نفسه الذي سآتي على ذكره الآن.

قبل بضع سنين، قال الأمريكيون في قضية لبنان إنهم يسعون إلى تشكيل شرق أوسط جديد[12]. «الشرق الأوسط» يعني غربي آسيا هذا نفسه. يحب الغربيون والأوروبيون وأتباعهم أن يقيسوا كل شيء بالنسبة إلى أوروبا، فما هو قريب من أوروبا الشرقُ الأدنى، وما هو في الوسط الشرقُ الأوسط، وما هو بعيد عن أوروبا الشرقُ الأقصى، أي إنَّ محور المقايسة أوروبا. هذا ضمن تلك الأخطاء التي ارتكبوها، وقد تعلم الآخرون كذلك ويأتي [المصطلح] على ألسنتهم. [«الشرق الأوسط» يعني] غربي آسيا. قالوا يريدون أنْ يمنحوا هذه المنطقة، التي سمّوها «الشرق الأوسط»، خريطة جديدة: «الشرق الأوسط الجديد»، أي أن يقدِّم هؤلاء خريطة جغرافيا سياسية جديدة. على أي أساس؟ تأمين الحاجات والمصالح غير الشرعية لأمريكا. بالطبع، ما كان يريده هؤلاء ويسعون وراءه لم يتحقق. أراد هؤلاء القضاء على «حزب الله»، وهذا ما كان ضمن أهدافهم في الخريطة الجديدة لديهم: القضاء على «حزب الله». لقد صار «حزب الله» أقوى بعشرات الأضعاف بعد حرب الأيام الثلاثة والثلاثين. وأنا الآن أقول: عشرة أضعاف لأنني أحتاط، غير أنَّه غدا أقوى من ذلك. لقد أرادوا ابتلاع العراق ولم يتمكنوا. إن قصة العراق لهي قصة عجيبة. كان هذا قرار الأمريكيين، وهو أن يضعوا في العراق حكومة أمريكية، فوضعوا جنرالاً أمريكياً[13] في السلطة، ثم وجدوا أن الأمور لا تتقدَّم مع الجنرال الأمريكي، فنحوه جانباً، وجاؤوا إلى السلطة بأمريكي غير عسكري[14] ليكون رئيساً للعراق، أي ليكون أمريكيٌّ رئيساً أو سلطاناً للعراق بوصفه دولة! ثم وجدوا أنه لا يمكن، فوضعوا عراقياً تابعاً لهم[15]، وذلك أيضاً لم يحدث [شيء معه] ولم يتقدم [بالأمور]، إلى اليوم. إنَّ خلايا المقاومة في العراق تدخل اليوم في وقائع فلسطين، وتتخذ الحكومة العراقية موقفاً بصلابة، أي ما كان قد أطلق الأمريكيون عليه «الشرق الأوسط الجديد» يختلف 180 درجة عمّا هو اليوم. كانوا يريدون ابتلاع العراق دفعة واحدة ولم يتمكنوا، ولم يتحقق ذلك. كانوا يريدون السيطرة على سوريا وجعلوا وكلاءهم باسم «داعش» و«جبهة النصرة» ومن هذا القبيل ينقضون على الدولة، وكذلك حرّضوا باستمرار نحو عشر سنوات، ودعموا وقدموا الأموال والإمكانات، ولم يحدث [ما يريدون].

لقد أخفقوا، أخفقوا بالكامل في تحقيق «الشرق الأوسط الجديد» الذي كانوا يرومون خلقه. كان من أجزاء «الشرق الأوسط» ذاك أن يُصفُّوا القضية الفلسطينية لمصلحة الكيان الغاصب، لكي لا يبقى بعدها من الأساس شيء باسم فلسطين. حتى [حل] الدولتين الخائن ذاك، الذي أقروه سابقاً، نكصوا عنه، ولم يستطيعوا، ولم يتحقق. انظروا الآن كم اختلفت مكانة فلسطين عن عشرين سنة خلت! ماذا كانت فلسطين قبل عشرين عاماً وما هي اليوم، وماذا كانت «حماس» قبل عشرين عاماً وما هي اليوم. نعم، إنَّ الجغرافيا السياسية للمنطقة في سبيل التبدّل الجوهري لكن ليس لمصلحة أمريكا [بل] لمصلحة جبهة المقاومة. نعم، إن خريطة الجغرافيا السياسية لغربي آسيا تغيَّرت لكن لمصلحة المقاومة التي انتصرت. كان الإمام قد فهم وقدَّر [الأمور] جيداً. لقد استطاعت خلايا المقاومة أن تغير جهة الحركة لمصلحتها وأن تبدلها.

لهذه الخريطة الجديدة سمات، وسأعدّد لكم بعض سماتها. إنَّ هذه الخريطة الجديدة الآخذة بالسيطرة على هذه المنطقة بالتدريج لها سمات عدة. سمتها الأولى اجتثاث أمريكا. فما معنى «اجتثاث أمريكا»؟ أي نبذ الهيمنة الأمريكية على المنطقة. ليس معناه قطع العلاقات السياسية مع أمريكا، ولا أن ننتظر الآن أو نتصور أن تقطع دول المنطقة علاقاتها السياسية [مع أمريكا]. لا، فهم يمتلكون علاقات سياسية مع الجميع، ولديهم مع أمريكا أيضاً، فليكن لديهم، غير أنَّ الهيمنة الأمريكية آخذة بَعدُ بالضعف يوماً فيوماً، فما كانت تريد أمريكا تحقيقه في الدولة الفلانية – في النفط والسلاح ومختلف العلاقات – آخذ بالزوال تدريجياً، وقد زال كثير منه، وسيزول أكثر من هذا أيضاً. كانت أمريكا تتَّبع سياسة منذ سنين خلت، وكانت هذه السياسة نفسها الهيمنة على المنطقة، وكان دعم الكيان الصهيوني أيضاً الأداة الأساسية لهذه السياسة. وبقدر ما أمكنها، تدعمه وتطلق يديه وتحثّ الآخرين على إقامة علاقات معه. بالطبع هذه السياسة قديمة لعقود خلت، وقد شدَّدوا هذه السياسة قبل عقد من الزمن إلى عقدين، فمضوا خلف أفغانستان، ومضوا خلف العراق، وأرادوا بسط الهيمنة عبر احتلالهما [لكن] لم يستطيعوا. إنَّ السياسة والتوجه اليوم في هذه المنطقة هو اجتثاث أمريكا. من العلامات الجليّة والبارزة اليوم أمام الأعين «طوفان الأقصى» هذا. نعم، حادثة «طوفان الأقصى» هذه ضد الكيان الصهيوني لكنها «اجتثاث لأمريكا»، هذه الحادثة التاريخية. كانت حادثة «طوفان الأقصى» تاريخية بالمعنى الحقيقي للكلمة. استطاعت «طوفان الأقصى» أن تبعثر مشروع أمريكا في المنطقة، وإن شاء الله، وإذا استمر هذا الطوفان، فسوف يمحو المشروع الأمريكي. إذاً، كانت إحدى سمات التغيير لخريطة الجغرافيا السياسية للمنطقة أنَّه بدأ اجتثاث أمريكا، وقد بدأت بعض الدول التي كانت تابعة مئة بالمئة للسياسة الأمريكية الاختلاف مع أمريكا، وأنتم بطبيعة الحال ترون وتسمعون، وهذا سيستمر.

هناك سِمة أخرى هي أنّهم صنعوا ثنائيّات مزيّفة ومفروضة في المنطقة، وهذه الثنائيّات تلاشت. إنّ ثنائيّات «عربي وغير عربي»، و«الشيعة والسنّة»، وخُرافة «الهلال الشيعي» – خطر اجتياح الشيعة للمنطقة – وكان كلاماً تافهاً طرحوه، كلها تلاشت. من الذين قدّموا أكبر المساعدات إلى الفلسطينيّين في «طوفان الأقصى» وقبلها؟ كانوا الشيعة. شيعة لبنان والعراق والشيعة من العرب وغير العرب. هذه الثنائيّات المفروضة تلاشت وسادت بدلاً منها ثنائيّة جديدة في المنطقة: المقاومة والاستسلام. هذه الثنائيّة مطروحة اليوم في هذه المنطقة. ما الذي تعنيه «المقاومة»؟ تعني رفض الرّضوخ لغطرسة أمريكا وجشعها. هذه هي المقاومة. حسناً، قد يقاوم بعض الأشخاص بنسبة مئة بالمئة، وآخرون بنسبة ثمانين بالمئة، وبعضهم بنسبة خمسين... على أيّ حال إنّ تيّار المقاومة وحركتها اليوم في المنطقة تيّارٌ واضح، في حين يقع «الاستسلام» في النقطة المقابلة له، وهو مُهينٌ ومذلٌّ للشعوب والحكومات.

هناك سِمة أخرى لخريطة منطقتنا الجديدة هي حلّ قضيّة فلسطين. إنّ قضيّة فلسطين تتّجه نحو الحلّ، بتوفيقٍ من الله. ما الذي يعنيه «حلّ قضيّة فلسطين»؟ يعني بسط السيادة الفلسطينية على كامل أرض فلسطين. لقد طرحنا مشروعنا: استفتاء الفلسطينيّين. طبعاً، أولئك المحتلّون لا حقّ لهم لكنّ الفلسطينيّين أنفسهم، في أرض فلسطين أو داخل المخيّمات في الدول المجاورة لفلسطين أو سائر الأماكن حيث ما كانوا – هناك ملايين عدّة من الفلسطينيّين –، هم جميعاً يُمكنهم الإدلاء بأصواتهم. [الاستفتاء] منطقٌ مقبول وحضاري ويُمكن أن يتبناه العالم لإدارة فلسطين. طبعاً قد يقول بعض الأشخاص: حسناً، ما تطرحونه يرفضه الكيان الصّهيوني ولن يرضخ له. نعم، نعلم أنّه لن يرضخ، لكن رضوخه ليس بيده ولا بإرادته. أحياناً لا ترغب حكومة ما أو دولة ما في شيء معيّن لكنّه يُفرض عليها وتُضطرّ إلى تنفيذه. فإذا جرت متابعة هذه القضيّة – ستجري متابعتها، إن شاء الله – وفي حال أصرّت نوی هذه المقاومة على إرادتها وأظهرت عزماً راسخاً وقراراً جاداً، فسوف يتحقّق هذا الأمر دون أدنى شكّ. بناءً عليه إنّ حلّ قضيّة فلسطين أيضاً من تلك الخصائص التي سيشهدها غرب آسيا الجديد هذا، إن شاء الله.

يكذب بعض الأشخاص والمتحدّثين في العالم حين يتكلمون على آراء الجمهوريّة الإسلاميّة في المنطقة، ويزعمون أنّ إيران تقول: يجب أن ترموا اليهود والصهاينة في البحر. كلا، هذا ما قاله بعض العرب يوماً ما في الماضي، ونحن لم نقل هذا أبداً. نحن لا نرمي أحداً في البحر. إننا نقول إنّ الرأي رأي الناس، وإنّ تلك الحكومة التي ستتشكّل وفقاً لإرادة الشعب الفلسطينيّ هي من سيتّخذ القرار بشأن الناس هناك ومن جاؤوا من سائر الدول. قد يقولون: فليبقوا جميعهم في فلسطين – مثلما حدث في بعض الدول الأفريقية التي زرتها خلال رئاستي، فقد كان البريطانيّون يحكمون تلك البلاد واستطاع الناس المحليّون بنضالهم الانتصار والتغلّب على البريطانيين لكنهم أبقوا على أولئك في بلدهم، فقد ارتأوا مصلحة في ذلك وأبقوهم، وهؤلاء قد يُبقونهم أيضاً - وقد يقولون: كلا، فليرحل بعضهم، أو فليرحلوا جميعهم؛ القرار في أيديهم ولا رأي لنا في هذا الصدد أبداً. حسناً، هذا في ما يرتبط بهذه القضيّة. لأذكر كلمة [عن «طوفان الأقصى»]. «طوفان الأقصى» هذا حادثة مهمّة واستثنائيّة وقعت، فقرّبت الأهداف، وقرّبت المسار من بلوغ هذه الأهداف وسهّلته. تحقّق عمل عظيم، والكيان الصهيوني الذي تلاشت أعصابه وانهارت أراد أن يُخمد هذا الطوفان بقصف المستشفيات والمدارس والتجمّعات الشعبيّة وقتل الأطفال، فعجز ولن يتمكّن من ذلك أيضاً. لن ينتهي هذا الطوفان بارتكاب هذه الجرائم. أنتم تقرؤون الصّحف والمجلات وأمثالها، ولن أكرّر [ما ذُكر]، لكنّ الكيان الصّهيوني لم يحقّق أيّ هدفٍ من أهدافه، فراح ينكّل بأرواح الناس نتيجة غضبه وكونه غاضباً، وهذا لم يُفده بشيء ولن يحقّق أيّ فائدة، بل سيُريق ماء وجوههم أكثر فأكثر.

هذه الحركة الوحشية والعديمة الرّحمة التي ارتكبها الكيان الصهيوني لم تُرق ماء وجه الكيان الصهيوني فحسب بل أراقت ماء وجه أمريكا أيضاً. لقد أراقت ماء وجه أمريكا ومعها عددٌ من هذه الدول الأوروبيّة المعروفة، بل أراقت ماء وجه حضارة الغرب وثقافته. إن ثقافة الغرب وحضارته هي تلك الحضارة نفسها التي تجعل رئيس البلد الفلاني يقف عند خمسة آلاف طفل شهيد بالقنابل الفسفوريّة ليقول إنّ «إسرائيل تدافع عن نفسها». هل هذا دفاعٌ عن النفس؟ هذه ثقافة الغرب! لقد أُريق ماء وجه الثقافة الغربيّة في هذه القضيّة. هذه الفجائع التي ارتُكبت خلال هذه الأيام التي قاربت الخمسين هي عصارة الجرائم التي يرتكبها الكيان الصهيوني على مدى 75 عاماً في فلسطين. لقد كثّفها الآن وإلّا فهو يرتكب دائماً هذه الأفعال بصورة متواصلة على مرّ هذه الأعوام. إنه يقتل الناس ويطردهم من بيوتهم ويدمّرها، وهذه المستعمرات التي بنوها، أين كان بناؤها؟ أين بُنيت المستعمرات الصهيونيّة؟ لقد دمّروا بيوت النّاس والمزارع الفلسطينيّة وبنوا المستعمرات الصهيونيّة. قتلوا كلّ من وقف في وجههم، وقتلوه حتى لو كان طفلاً أو امرأة. هذا هو العمل الذي يفعلونه طوال 75 عاماً.

في رأينا، لا يُمكن إخماد «طوفان الأقصى»، إن شاء الله. فليعلموا أنّ هذا الوضع لن يستمرّ أيضاً، بحول الله وقوّته. 

حسناً، انتهى كلامي، [لكن] أودّ تقديم بعض التوصيات إلى التعبئة. هذه التوصيات خاصّة بالتعبئة بصفتها منظّمة، وكذلك كلّ واحد من أفرادها. التوصية الأولى: ارفعوا مستوى بصيرتكم، سواء في ذواتكم أو لدى الآخرين. البصيرة قضيّة مهمّة.

التوصية التالية: أمسكوا بزمام الأمور في القضايا المهمّة ولا تنجرّوا إلى لُعبة العدوّ. عندما نتمتّع بالبصيرة ندرك دور العدوّ في هذه القضيّة فلا نتحرّك وفق خطّته، أي إننا – وفق التعبير الرائج – لا نَنجرّ إلى لُعبة العدوّ.

التوصية التالية: لا تفقدوا الأمل أبداً في المستقبل، وحذارِ من أن تؤثّر فيكم الوساوس. إنّ الدليل الواضح على أهمية أن يكون الشاب اليوم مُفعماً بالأمل دائماً هو تحقيق هذا التقدّم كلّه رغم تعرّض بلده للحظر والحصار الاقتصادي على مدى أكثر من أربعين عاماً. ليس [في مجال] السلاح فحسب – عُرض على التلفاز ورآه الجميع – بل في قطاعات البلاد شتّى، على مستوى الخدمات أو توفير الإمكانات والرفاهيّة لمختلف القطاعات التي تهمّ النّاس كالتواصل والاتصال، والعلم والتكنولوجيا والإنتاج. لقد تحقّق تقدّم استثنائي. إنّ أنواع التقدّم هذه تحقّقت في وقت أغلق العدوّ – وفق ظنّه – أبواب التقدّم كلّها علينا كمنع التجارة والتصدير والاستيراد وعدد من هذه الأمور. لقد تقدّمت البلاد وسط هذه الظروف. حسناً، في البلد الذي يتقدّم على هذا النّحو، هل يبقى موضعٌ لليأس؟ أنتم قادرون على فعل كلّ شيء. في مقدوركم التقدّم إلى الأمام مئة ضعف مما حقّقناه من تقدّم حتى الآن، بشرط أن تكونوا حاضرين في الميدان وتبذلوا الجهود وتعملوا، وأنتم تعملون.

التوصية التالية: اجتنبوا الغرور. لا تغترّوا، كما قلت لكم سابقاً. لا تغرنّكم أمور من قبيل: نحن مميّزون إلى هذا الحدّ، وأعزّاء إلى هذا الحدّ، وتعبويّون إلى هذا الحدّ، وهم يمدحوننا بهذا القدر، والإمام [الخميني] قال كذا وآخرون قالوا كذا... اشكروا الله على نيلكم التوفيق وأنّ الله وفقكم أن تكونوا تعبويّين. اشكروا الله واسألوه ألّا يسلبكم هذه النعمة.

التوصية التالية: لا تشعروا أبداً بالعجز وغياب القدرة على إنجاز الأعمال الكُبرى. عندما نواجه عملاً مستعصياً، فإذا ما شحذنا الهمم وتحلّينا بالصّبر وبذلنا الجهود، فسيُحلّ حتماً ويُنجز. إنّ العلاج أمام الأعمال التي ننظر إليها باستعجال ونلاحظ أنّه لا يمكننا فعلها أن نشحذ الهمم ونتمتّع بما يكفي من الصّبر وألا نتسرّع وأن نبذل المزيد من الجهود. نحن قادرون حتماً على إنجاز أيّ عمل كبير. لا تشعروا بالعجز أبداً.

التوصية التالية: كما ذكرنا سابقاً، اجتنبوا الأعمال الظاهريّة والاستعراضيّة المفتقرة إلى المضامين. نعم يُمكن وضع بعض الأشياء داخل خزانة العرض وأمام المرآة، ولا ضير في هذا أيضاً، بل هو ضروريٌّ أحياناً، لكن شرط أن يكون شيئاً ذا معنى.

التوصية التالية: إنّ هذه الصّفة والسّمة التي منحوكم إيّاها، أي صفة التعبئة وسمتها، أمانةُ الله لديكم. اعرفوا قيمة هذه الأمانة وكونوا أمناء وحافظوا عليها جيّداً.

التوصية التالية: اجتنبوا ثنائيّات القطب الكاذبة، فدائماً ما يفتعلون ثنائيّات قطب كاذبة في البلاد: مؤيّد لزيد، ومؤيّد لعمرو، ومؤيّد للفكر الفلاني، ومؤيّد [لفلان]... ما هذا الكلام! أولئك الذين يؤيّدون أسُسكم ومبادئكم ودينكم وثورتكم وولاية الفقيه وأمثال هذه الأمور هم إخوةٌ لكم حتى لو كان لديهم اختلاف ذوقيّ معكم أيضاً. إنّ التصريحات التي تُطلق في هذه الساحة الافتراضيّة من الأمور التي ينبغي للإنسان حقّاً أن يشتكي منها ويعاتب. يهاجم هذا ذاك وذاك هذا من أجل أمرٍ عديم القيمة! اجتنبوا هذه الأمور، ولا تمارسوا – أنتم التعبويّين – هذه الأعمال.

التوصية الأخيرة: استقطبوا القوى المخططة إلى جانب القوات التشغيليّة. هناك حاجة إلى التدبير والفكر والتخطيط قبل الشجاعة والرجولة والشهامة. تحرّكوا بتدبير.

ختام كلمتي أن توكّلوا على الله المتعالي؛ {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} (الطلاق، 3). أسأل الله أن يحفظكم جميعاً.

والسّلام عليكم ورحمة ‌الله وبركاته.

 


[1] في بداية هذا اللقاء، قدّم تقريراً العميد غلام رضا سليماني (رئيس منظمة تعبئة المستضعفين).

[2] صحيفة الإمام (النسخة الفارسية)، ج. 21، ص. 194، نداء إلى الشعب الإيراني وقوات التعبئة البواسل بمناسبة أسبوع التعبئة، 23/11/1988.

[3] المصدر السابق.

[4] المصدر السابق.

[5] الشهيد محسن فخري زاده، العالم النووي والدفاعي للبلاد. استشهد في 27/11/2020 في منطقة آبسرد بدماوند.

[6] كان السيد سعيد كاظمي آشتياني من العلماء البارزين والمديرين البارزين من نمط الثورة الإسلامية، ومن الرواد المجاهدين في ابتكارات العلوم البيولوجية، ورئيس «معهد رويان للأبحاث». تمكنت إيران خلال إدارته من تحقيق نجاحات كبيرة مثل تطوير أساليب متقدمة لعلاج العقم وإنتاج الخلايا الجذعية الجنينية وتكثيرها وتجميدها، واستنساخ الحيوانات.

[7] كلمة في لقاء مجموعة من الطلاب، 26/4/2022.

[8] عدَّ غلام رضا سليماني (رئيس مؤسسة تعبئة المستضعفين) ضمن استعراض تقرير عن آخر إقدامات هذه المؤسسة في المجالات الثقافية والاجتماعية والأمنية والعلمية، «جهادَ التبیین» و«جهادَ الخدمة» و«جهادَ بثّ الأمل»، التوجهات الأساسية الثلاثة للتعبويين، مؤكداً جهوزية هذه القوَّة للتصدي لأي تهديد ضد البلاد ومكافحة جرائم الكيان الصهيوني.

[9] الدعاء العشرون.

[10] صحيفة الإمام (النسخة الفارسية)، ج. 21، ص. 194، نداء إلى الشعب الإيراني وقوات التعبئة البواسل بمناسبة أسبوع التعبئة، 23/11/1988.

[11] أنوري، ديوان الأشعار، القصائد (مع قليل من الاختلاف).

[12] عرض رالف بيترز (مقدَّم متقاعد من الأكاديمية العسكرية الأمريكية) في مقالة بعنوان «الحدود الدموية» - نُشرت في 6/2006 في مجلة القوات المسلحة التابعة لهذا البلد - خريطة جديدة للحدود في غربي آسيا تحت عنوان «الشرق الأوسط الجديد»، وعدَّ التغييرات الصعبة في هذه المنطقة آلام الناس الضرورية للوصول إلى السلام والطمأنينة. ثم جرى هذا المصطلح على الألسن بدلاً عن «الشرق الأوسط الكبير»، في وقت عبَّرت كونداليزا رايس (وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك) في 21/7/2006 في تل أبيب عن الهجوم الذي شنه الكيان الصهيوني على لبنان - ضمن أحداث حرب الأيام الثلاثة والثلاثين – عن أنه «مخاض ولادة الشرق الأوسط الجديد»، وأضافت: «نحن مهما فعلنا، فعلينا أن نكون واثقين أنه ضغطٌ نحو الشرق الأوسط الجديد، لا عودة إلى الشرق الأوسط القديم».   

[13] جاي غارنر.

[14] بول بريمر.

[15] غازي مشعل عجيل الياور.