جهاد التبیین فریضة حتمیّةٌ و فوریّة

الإمام الخامنئي | ۰۸-۰۲-۲۰۲۲

جهاد التبیین
المحتویات
جهاد التبیین

الجهادهو بذل

عسکري - علمي - ثقافي - سياسي - دعائي وإعلامي - عمراني وإداري ...
  • بإخلاص
  • بکل قدرة
  • شامل وبذكاء
  • مقابل أعداء جبهة الحق
للوصول إلی الهدف الإلهــي
۱

الجهاد:

يشترك الجهاد مع الجهد في جذر الفعل الثلاثي وهو «جَهَدَ» بمعنى الجُهد والجدّ والكدّ، لكنّ الجهاد لا يقتصر على هذا، فهو يعني الكفاح والنضال.1 الجهاد يعني بذل الجهد في مقابل العدو. 2 ويعني جهداً فيه استهداف للعدو. وقد قلنا في أوّل كتاب الجهاد إن معيار الجهاد ليس السيف ولا ميدان الحرب. 3

أركان تحقّق الجهاد

أولاً: الجد والجهد والتحرك، فالإنسان لا يستطيع أن يجاهد وهو في فراشه أو يقبع في قعر داره لأن الجهاد يجب أن يكون فيه جد وجهد. إذ
ثانياً: أن يكون الجهاد والكفاح ضد عدو، فلا معنى للكفاح والجهاد إذا لم يوجد عدو.

شُعب الجهاد

يشرح أمير المؤمنين شُعب الجهاد (في شرحه لدعائم الإيمان) 4 : «والجهاد منها على أربع شُعَب: على الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والصدق في المواطن»، أي لا بد للإنسان أن يكون صادقاً في اتخاذ المواقف السياسية، ومن هنا، كان الصدق في المواقف جهاداً؛ يقول الله المتعالي: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} (الأحزاب، 32). أما الشعبة الأخيرة للجهاد، فهي «شنآن الفاسقين»، بمعنى مفارقة تيار الفسق والكفر، وأقول ذلك لكم خاصة، فعليكم الانفصال عن هذا التيار وتجنب مخالطته. فإنْ كنت لا أرى ضرورة لقطع العلاقات مع الكفار، ولكن لا بدّ من تحديد الحدود بيننا وبين الكفار والفاسقين، فقد تكون هناك ضرورة للتعامل مع من لا يؤمن بالجمهورية الإسلامية، لكنّ هذا لا يعني الاندكاك فيه وإلغاء الحدود... ثم قال (ع): «ومن شنئ الفاسقين وغضب لله، غضب الله له وأرضاه يوم القيامة» 5. 6

ميادين الجهاد المختلفة

لهذا الجهاد سوحه. من سوحه الوجود فـي المعارك المسلحة المعروفة فـي العالم. وهنالك الساحة السياسية والعلمية والأخلاقية أيضاً. الملاك فـي صدق الجهاد هو أن يكون لهذا التحرك اتجاهه وأن تُبذل الهمم لرفع العقبات التـي تواجهه. في اليوم الذي يحاول العدو وضع المجتمع تحت ضغط اقتصادي من أجل وضع الناس في وجه الإسلام وفي وجه النظام الإسلامي، في ذلك اليوم، إذا كنت تخدم الناس اقتصادياً واجتماعياً، فقد جاهدت ضد العدو. 7 كذلك إنّ أحد أنواع هذا الجهاد هو الفكري، أي بما أنّ العدو قد يباغتنا ويوقعنا في الأخطاء والمنزلقات، فكل من يبذل جهده على طريق توعية الناس، ويَحول دون أي انحراف أو سوء فهم، فعمله جهاد، إذ هو في سبيل مجابهة العدو، ولعلّه من الجهاد المهم. 8

ماذا يعني الجهاد؟

إنه يعني بذل الجهد في مواجهة العدو.ليس كل جهد جهاداً. ثمة كثيرون يبذلون الجهود: يبذلون جهوداً علمية كبيرة، يبذلون جهوداً اقتصادية... هذا أمر جيد وفي مكانه لكنه ليس جهاداً. الجهاد يعني جهداً فيه استهداف للعدو. 1 الجهة الثانية التي ينبغي حتماً أن تُلاحظ في مفهوم الجهاد هي الاستمرارية والشمولية والوعي والإخلاص، فمثل هذا التحرّك يُسمّى جهاداً. 2

لنفترض مثلاً أنّ شخصاً كان يقرأ خمسة كتب أسبوعياً في زمن القمع والتضييق3،فهذا جهد محمود، ولكنه ليس جهاداً بالضرورة؛ هو جهد وليس جهاداً. فإذا ما أراد أن يكون هذا العمل جهاداً كان لِزاماً عليه أن تكون هذه الكتب التي يطالعها ذات تأثير فيه، في حركته أو مواجهته مع النظام الطاغوتي وحقبة الاستبداد، ومن هنا، يسمّى جهاداً. هذه هي ميزة الجهاد. 4

جهاد التبیین

لـــماذا التــبـیــیـــــــن؟

۲

أساس أسلوب الإسلام والثورة:

إنّ التّبيين هو أساس عملنا. نحن نتعامل مع الأذهان والقلوب؛ ينبغي أن تقتنع القلوب، فإن لم تقتنع، فإن الأجسام لا تتحرك ولا تنهض للعمل. هذا هو الفرق بين الفكر الإسلامي والأفكار غير الإسلامية.

قبل انتصار الثورة بسنوات، كنا مجتمعين ونتحدّث معاً، وفجأة دخل إلى المنزل أحد الشباب الذين كنت أعرفهم وأعرف أباه أيضاً، فهم من مدينة مشهد، وكان من جماعة «فدائيو خلق» ومن الذين التجؤوا إلى غابات الشمال وأخذوا موقفاً معارضاً للنظام وحاربوه. لم أكن أعلم بأنه سيأتي. حسناً، جاء وجلس معنا وفي الظاهر أنه جاء يطلب من صاحب المنزل دعماً مالياً أو ما شابه. سألته: «ماذا تفعلون؟» حدّثني عن نشاطاتهم. قلت له: «إن أردتم أن تنجحوا وتنتصروا في كفاحكم، فالوسيلة هي أن تتكلموا مع الناس وتبيّنوا لهم كي يطلع الناس على حركتكم ويعرفوا لماذا تجمّعتم هناك في الشمال وسلكتم طريق الكفاح المسلح ونفذتم مثلاً العملية الفلانية. ينبغي أن يعرف الناس. بيّنوا لهم الأمور». تكلّمت معه قليلاً حول مسألة التّبيين. نظر إليّ وهزّ رأسه – كان شاباً صغيراً وأصغر منا بنحو عشر سنين – وقد نظر إلينا «نظرة العاقل إلى السفيه» وقال: «نعم، هذا فكركم الإسلامي، لكن فكرنا ليس هكذا ولا يتطلب التّبيين». هذا الفكر الديالكتيكي البالي والمهترئ، الفكر الماركسي الذي ثبت فشله – سمعت أن هناك حالياً في الجامعات من عاد إلى تبنّيه ومتابعته – يقول إنّ المقدمة اللازمة الديالكتيكيّة والنتيجة الديالكتيكيّة هي صراع وحرب بين العامل ورب العمل ولا حاجة فيها إلى تبيين! كانوا يشرحون لهم الصراع بهذه الطريقة. حسناً، أظهرت التجربة غلط هذا التفكير تماماً. فظهر فشله، والدولة نفسها التي تشكّلت على أساسه – كان واضحاً بطلانه من الأساس – سقطت وانهارت بعد قرابة السبعين سنة. والآن – كما يقول الأجانب – يراهن بعضهم على الحصان الخاسر مجدداً! يراهنون ويشارطون على الماركسية من جديد! كلا! فكما قال ذلك الشاب الذي قُتل في ما بعد إن الفكر الإسلامي هو تبيين. {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ} (الرعد، 40)؛ يقول الله المتعالي لرسوله (ص) إنّ واجبك هو الإبلاغ. يجب أن توصلوا الكلام والأفكار، وأن تبيّنوا كلماتكم وآراءكم. تكلّموا وعبّروا عن مواقفكم وأفكاركم في مسائل البلاد المهمة. 1

الأسباب الموجبة للتّبيين أكثر

إنّ أهمّ مرحلة وزمان ومكان يكتسب فيها التبليغ معناه عند وجود الفتنة. كانت المشقّة الكبرى في زمن صدر الإسلام وفي عهد الرسول الأكرم (ص) تلك التي تعود إلى المنافقين. وبعد عهد الرسول (ص)، أي في زمن أمير المؤمنين الإمام علي (ع)، برزت مشاق كانت نتيجة اصطدام الحكومة الإسلاميّة بأشخاص يدّعون الإسلام. واستمرّت الحال كذلك في مرحلة الأئمّة (ع) حين كانت الأجواء ضبابية مغبّرة. وإلّا حينما تكون القضيّة [مثل] قضيّة معركة بدر لن يكون الأمر صعباً. لم تكن القضيّة صعبة حينما كان المسلمون يحضرون في سوح الحرب ليقاتلوا أعداءً واضحٌ ما يقولون. القضيّة تصعب حينما يقف الإمام علي (ع) مقابل أشخاص يدعون الإسلام ويعتقدون به. لم يكونوا ممّن لا يعتقدون بالإسلام أو من المرتدّين عنه. لا! كانوا يعتقدون بالإسلام لكنّهم يسيرون في الطريق الخطأ وقد غلبتهم أهواؤهم النفسيّة. هذه أصعب المواقف التي تضع الأفراد أمام الشبهات، إلى درجة أنّ أصحاب عبد الله بن مسعود يأتون إلى الإمام علي (ع) ليقولوا له: «لقد شكّكنا في هذا القتال»2 . لماذا يجب أن يشكّوا؟ إنّ شكوك الخواص هذه تنخر أسس الحركة الصحيحة للمجتمع الإسلامي كالأرضة، فأن يشكّ الخواص في الحقائق الجليّة حالةٌ تخلق المشكلات والصعاب للعمل بصورة أساسية. هذه هي المشكلة التي واجهها الإمام علي (ع). وكذلك الحال اليوم أيضاً: حينما ننظر إلى هذا العالم، نرى أنّ الوضع على الشاكلة نفسه. أيضاً هذه هي الحال على مستوى مجتمعنا الداخلي أيضاً. لا بدّ من التّبيين. 3

جهاد التبیـین
۳

جهاد التبيين؟

لم يكن جهاد الأئمة (ع) عسكرياً باستثناء بعضهم – أمير المؤمنين والإمام الحسن المجتبى والإمام الحسين (ع) قاتلوا بالسيف فقط – وبقية الأئمة (ع) الذين لم يقاتلوا بالسيف ماذا كان جهادهم؟ «جهاد التّبيين». 1

فلماذا نقول الآن؟ الجهاد، جهاد التّبيين. هذا مأخوذ من كلام أمير المؤمنين (ع)، فهو في تلك الوصيّة الشهيرة للحسنَين (ع) – هي موجّهة إليهما لكنّه يقول: «وَمَن بَلَغَهُ كِتَابِي»، أي أنا العبدَ وأنتم مُخاطبون في هذه الوصيّة أيضاً – كان من جملة الأشياء التي يقولها: «وَاَللَّهَ اَللَّهَ فِي اَلْجِهَادِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ فِي سَبِيلِ اَللَّهِ» 2 ، أي الجهاد بـ«الألسنة». 3

اليوم لأننا لم نؤدِّ هذه الفريضة – فريضة التّبيين – على نحو صحيح، ثمة من وقعوا في ضلالة وراحوا يعملون ضدّ الإسلام زاعمين أن عملهم هذا يصبّ في خدمة الإسلام. وهؤلاء هم الجماعات الإرهابية في منطقتنا، الذين سلبوا الأمن والاستقرار من الشعوب المسلمة، وأخذوا يحاربون المسلمين بالنيابة عن العدو. 4

قطع سلسلة التواصي

إنّ قطع سلسلة التّواصي بالحقّ والصّبر بين المؤمنين، قطع تيار التواصي، شيء خطير. أن يعملوا بما يجعل المؤمنين لا يتواصون ببعضهم بعضاً، فلا يحفظ أحدهم الآخر، ولا يزرعون الأمل بين بعضهم... إنه أمرٌ خطيرٌ للغاية... هذا يجعل الناس يشعرون بالوحدة، وباليأس، وبضعف الإرادة، وبتضاؤل الأمل، وبفقدان الجرأة على الإقدام. يحدث هذا عندما لا يوجد تواصٍ. وبالطّبع، عندما يحدث ذلك، تتضاءل الآمال وتقلّ الشجاعة وتضعف الإرادة، وطبعاً تصير الأهداف السامية والعالية، قسرياً، بعيدة من متناول اليد تدريجياً، وتتضاءل، وتبدو بعيدة المنال، وتَقع طيّ النّسيان. لذلك، يجب ألّا يَسمح ضُبّاط الحرب النّاعمة بحدوث ذلك. قُلتُ ذات مرّة إن شبابنا هم ضبّاط الحرب النّاعمة. يجب ألّا يسمح الشّباب بحدوث مثل هذا الشيء، بل يجب أن يخلقوا الأمل، وينبغي أن يتواصوا بالمثابرة، وأن يتواصوا بالنّشاط وبالبعد عن الشّعور بالتّعب.

أيّها الشباب الأعزاء... استخدموا الفضاء الافتراضي لخلق الأمل، للتّواصي بالصّبر، للتّواصي بالحقّ، لخلق البصيرة، للتّواصي بتجنّب الشّعور بالتّعب، وبالنّشاط، ورفض البطالة، وأمثال ذلك. حسناً، هذا في ما يتعلق بالمهمّة الأولى للعدوّ في كسر سلسلة التّواصي وحماية بعضنا بعضاً. 1

قلب الحقائق

عملهم الثاني هو قلب الحقيقة، والكذب. يقولون هذه الكذبة بجرأة وحزم لدرجة أن أيّ شخص يستمع لهم يتخيّل أنهم يقولون الصّدق. إنهم يقلبون الحقيقة 180 درجة بكلّ برودة وحزم وتأكيد! على سبيل المثال، أكبر ترسانة نوويّة في العالم في أمريكا. أكبر ترسانة نوويّة! الآن ربّما لديهم الآلاف – لا أدري – من القنابل الذريّة في مستودعاتهم، وقد استخدموا هذا [السلاح]... الدولة الوحيدة التي استخدمت القنبلة الذريّة حتى الآن هي أمريكا، وقتلت 220 ألف إنسان في ساعة واحدة، في يوم واحد. ثم يصرخون قائلين: إننا ضد انتشار الأسلحة النووية! يعني هكذا، يدّعون «إننا ضد أسلحة الدمار الشامل!» إنهم يكذبون. أسوأ وأخطر أسلحة الدمار الشامل في أيديهم. لقد استخدموها واستعملوها، لكنهم في الوقت نفسه يقولون إننا ضد أسلحة الدمار الشامل.

أمريكا تدعم المجرم الذي يُقطّع مُعارضه بالمنشار إرْباً إرْباً – العالم كلّه عرف أن السعوديين أوقعوا بطريقة ما بأحد المُعارضين وقطّعوه إرْباً إرْباً – ثم تقول إنني مع حقوق الإنسان، أيْ قلب الحقيقة إلى هذا الحد وبهذه الطريقة!

أمريكا نفسها مَن صَنع [تنظيم] «داعش» – هذا ما أقرّ به الأمريكيون أنفسهم ولسنا من يقوله بل قالها كلّ من صَنعه والمنافس له [في الانتخابات]. قالها له في موضوع التهجّم عليه. كلّهم قالوا واعترفوا بأن «داعش» من صنع أمريكا – ثم بذريعة وجود «داعش» في العراق وسوريا يبنون قواعد عسكرية [ويقولون] إننا نريد أن نواجه «داعش». يضعون وسائل الإعلام الحديثة بتصرف «داعش» ويعطونه المال ويسمحون له بأخذ نفط سوريا وبيعه واستخدام أرباحه... وفي الوقت عينه يقولون: إننا نحارب «داعش»! هذا ما يفعلونه: إظهار الواقع بالعكس. 1

ضخّ اليأس في القلوب

ما يسعى العدو إليه هو أن يضخ اليأس في القلوب ويحبط كلّ فرد بأسلوب معين: الطالب الجامعي بأسلوب، والتلميذ بأسلوب، والعامل بأسلوب، وعالم الدين، وصاحب الدكان، والمدير، والمسؤول الحكومي، والمسؤول الرفيع... لكل منهم أسلوبه الخاص، وهذا ما نشاهده من كثب. لديهم أساليب تجعل حتى كبار المسؤولين في البلاد يشعرون باليأس. نحن نلتقي مسؤولين من سائر الدول وهم يتحدثون إلينا، فنشعر أحياناً أن قلوبهم مغمورة باليأس! ما الذي يقدر الآيس على فعله؟ 1

دور النقاش حول الشباب فَيَذْكرون مخالفات عدد من الشباب هنا وهناك! أي يحاولون الحطّ من قدر هذه النقاط الإيجابيّة والقمم المميّزة الباعثة كلها على الأمل. وفي المقابل، يُضخّمون صغيرة موجودة طبعاً، أو لنقل يضخمون نقاط الضعف، ولا نقول إنها صغيرة بل هي نقاط ضعف موجودة، يضخمونها أضعاف ما هي في حقيقتها ويعتّمون الأجواء وينشرون التصوّرات المتشائمة عن النظام. أنتم ترون طبعاً، يريدون بثّ هذا اليأس في المجتمع بالقوة. حينما يتفشى اليأس في المجتمع، سيخلو من الحيوية وسيعتزل المبدعون والنخبة والشباب النشيطون ولن يستطيعوا العمل، كما ستزول حيوية المجتمع. هذا أحد الخطوط التي يعمل عليها العدو. 2

أعزائي، إنّ الشرط الأساسي في نشاطكم الصحيح في الجبهة المقابلة للحرب الناعمة هو أولاً النظرة المتفائلة الإيجابية. لتكن نظرتكم متفائلة. لاحظوا أنني في مقام الجَدّ لبعضكم، ونظرتي إلى المستقبل متفائلة، لا عن توهم بل عن بصيرة. أنتم شباب، والشباب ذروة التفاؤل، فاحذروا أن تكون نظرتكم إلى المستقبل متشائمة. يجب أن تكون متفائلة لا نظرة يأس وقنوط. إذا سادت نظرة القنوط والتشاؤم، ونظرة «ما الفائدة من ذلك؟»، حَلّ بعدها التقاعس والخمول والعزلة، ولن تحدث أي حركة أو نشاط، وهذا ما يريده العدو. 3

جهاد التبیین
٤

أهم واجب للأنبياء (ع)

إنّ التّبيين والبيان أهم واجبات الأنبياء. أعداء الأنبياء يستغلون حالات الجهل وكتمان الحقائق، ويتستّرون خلف ستار النفاق، والأنبياء يشقّون ستار الجهل والنفاق. «وَیُثیرُوا لَهُم دَفائِنَ العُقول»؛ جاء الأنبياء ليدعوا الناس إلى التعقّل ويحثّوهم على التفكّر والتدبّر، فانظروا: يا لها من أهداف كبرى تنشدها البعثة، وكم تحتاجها البشرية في هذا اليوم! بعد إثارة دفائن عقول الناس، «وَیُرُوهُم آیاتِ الـمَقدِرَة» 1، أي يوجهون عقول البشر نحو التوحيد وآيات الله، ويضعون أمام أنظارهم آيات قدرة الله. فإن العقل الذي لم يتصل بالهداية لا يستطيع من دون هداية الأنبياء إدراك الحقيقة كما هي.

الأنبياء يأخذون بيد العقل الإنساني ويرشدونه، ويقوم العقل بما وهبه الله من قوة وطاقة على طيّ طريق الحياة الشاق، وكشف الحقائق للإنسان. إن قوة العقل والتفكّر مهمة جداً، ولكن بشرط اتصالها بهداية الله وعونه. حسناً هذا كله من معاني البعثة. 2

مواجهة الفتن

لقد يئس العدوّ اليوم من أن تتوافر له إمكانية توجيه ضربة قاصمة إلى النظام الإسلامي، لأنه يعلم بوجود الدافع والإيمان والصدق والجهوزية في الداخل بما فيه الكفاية، ولهذا هو يائس من تسديد ضربة قاضية، ولكنه غير يائس من النفوذ والتغلغل. حالياً أدوات النفوذ كثيرة. هو يحاول أن ينشئ الشابّ الإيراني بالطريقة التي تعجبه ويريدها لنفسه. إذا تربّى الشاب الإيراني على النموذج المقبول لأمريكا والاستكبار، فعندئذ لن تضطر أمريكا إلى إنفاق الأموال والميزانيات المكلفة لإمرار مشاريعها في إيران، بل سيخدمها هذا الشاب بنفسه كالعبد الذي يعمل من دون مقابل. هكذا يريدون للشاب الإيراني أن ينشأ ويتربى. 1

أعداء الشّعب منزعجون من شفافيّة الأجواء. هم لا يطيقون الأجواء الشفّافة [بل] يرغبون في الضبابيّة. هم يقدرون على الاقتراب من غاياتهم وتوجيه ضربة إلى حركة الشّعب الإيرانيّ ضمن الأجواء الضبابيّة. الأجواء الضبابيّة هي نفسها الفتنة. الفتنة تعني أن يأتي مَن يتظاهرون بكونهم أصدقاء وباطنهم العداء ويجعلوا الأجواء ضبابيّة. وضمن هذه الأجواء يقدر العدوّ الصّريح على إخفاء وجهه ثمّ دخول الميدان وتوجيه ضربته. [انظروا] قول أمير المؤمنين (ع): «إنّما بدء وقوع الفِتَن أهواءٌ تُتّبع وأحكامٌ تُبتدع»، إلى أن يقول (ع): «فلو أنّ الباطل خَلُص من مزاج الحقّ لم يخف على المرتادين»، أي إذا جاء الباطل عرياناً وخالصاً، فلن يشتبه الأمر على الذين يرومون معرفة الحقّ وسوف يدركون كونه باطلاً. «ولو أنّ الحقّ خَلُص من مزج الباطل، انقطع عنه ألسن المعاندين»، أي لو أنّ الحقّ دخل الميدان دون قناع، فلن يعود في مقدور المعاند أن يتّهم الحقّ بأنه ليس حقّاً. ثمّ يقول (ع): «يُؤخذ من هذا ضغثٌ ومن ذاك ضغثٌ فيمزجان»؛ مثير الفتنة يأخذ قطعة من الحقّ وقطعة من الباطل، فيخلطهما ببعضهما بعضاً ويضعهما جانباً، «فحينئذٍ يشتبه الحقّ على أوليائه»، أي يشتبه الأمر على أولئك الذين يبحثون عن الحقّ. هكذا هو مثير الفتنة.

حسناً، ما العلاج حيال مثل هذه الظّاهرة؟ يحكم العقل السّليم، والشّرع يُبيّن هذا الأمر على نحو قاطع أيضاً: العلاج هو الصّراحة في تبيين الحقّ، الصراحة في تبيان الحقّ. عندما تلاحظون انطلاق تحرّك بذريعة الانتخابات، ثمّ يدخل بعد ذلك عنصر «معادٍ» ضمن هذه الأجواء الضبابيّة إلى الميدان، وحين ترون عنصر العدوّ – يحكي كلامه وشعاراته وما يضمره في ضميره – يدخل الميدان، لا بدّ لكم هنا من تحديد الخطّ وأن توضحوا الحدّ هنا. الجميع يتحمّلون المسؤوليّة، والخواصّ أكثر من الجميع، وبين الخواصّ أولئك الذين لديهم عددٌ أكبر من المستمعين أكثر من الجميع. هذه مسؤوليّة على كلّ حال. لا بدّ أن يجري توضيح الحدّ ويتّضح من يقول وماذا يقول. لا يكوننّ الأمر على نحو أن يُخفي الباطل نفسه وسط الضّباب والغبار المنبعث في الميدان، ثمّ يوجّه ضربته ولا تعرف جبهة الحقّ من أين تتلقّى الضّربات. 2

سيرة أهل البيت (ع)

حسناً، ما نوع جهاد الأئمة (ع)؟ لم يكن جهاد الأئمة (ع) عسكرياً باستثناء بعضهم – أمير المؤمنين والإمام الحسن المجتبى والإمام الحسين (ع) قاتلوا بالسيف فقط – وبقية الأئمة (ع) الذين لم يقاتلوا بالسيف ماذا كان جهادهم؟ «جهاد التّبيين». 1

ما هي فلسفة الإمامة أصلاً؟ ما أتصوّره هو أنّ استمرار النبوة على شكل الإمامة وولادة خط باسم الإمامة من خط آخر اسمه النبوة كان لهدفين: الأول تبيين الدين وتدوين المذهب والعقيدة، والثاني مواصلة درب النبوة وتأمين أهداف النبي (ص). إنّ العقيدة بحاجة إلى مفسّر وشارح. فمن هو ذلك المفسّر أو الشارح؟ إنّه الإمام. العامل الذي يحتّم الإمامة ويوجبها عبارة عن احتياج المجتمع إلى تفسير العقيدة وشرحها وتبيينها وتبليغها. المجتمع بحاجة إلى هذا الشيء. لو لم يكن الأئمة الأحد عشر بعد الرسول (ص) الذين نمتلك رواياتهم وأحاديثهم الباقية لنا إلى اليوم بحمد الله، ولو لم تكن تفاسيرهم وشروحهم وأقوالهم حول قوانين هذه المدرسة، لما كان لدينا الإسلام اليوم على هذا النحو. 2

الحفاظ سلسلة التواصي بالحقّ

هناك عنصران مُهمّان لمواجهة هذه العداوات – أوصيت بهما دائماً والآن أوصي بهما أيضاً – وسمتان ضروريتان في كل فرد: إحداهما البصيرة، والثانية الصبر والاستقامة. إذا كان هذان العنصران موجودين، فلا يُمكن للعدوّ أن يفعل شيئاً، ولا أن يوجّه أيّ ضرر، ولا يحقق أيّ نجاح في مواجهة النّظام الإسلامي. البصيرة والصّبر! هذا ما قاله أمير المؤمنين (ع): «ولا يَحمِلُ هذَا العَلَمَ إِلّا أهلُ البَصَرِ والصَّبرِ والعِلم بِمَواضِعِ الحَقّ»... في الخطبة 173 من نهج البلاغة.

حسناً، إذا وُجدت هاتان الخاصّيتان، فلن ينتصر العدوّ. إحدى الطّرق التي يُمكن الحفاظ بها على هاتين الخاصّيتين في المجتمع هي «التّواصي»، ا.موجودة في سورة العصر: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)}. فليتواصَ الناس بعضهم مع بعض. [فلتكن] سلسلة التّواصي بين بعضهم بعضاً. التّوصية بالحقّ، وتأكيد طريق الحقّ، وكذلك التّوصية بالصّبر. هذا يحفظ الجميع. إذا كان هناك تواصٍ بالصبر وبالحقّ والبصيرة في المجتمع، فلن يخضع هذا المجتمع بسهولة لتحرّكات العدوّ. لكن إذا انقطع تيّار التّواصي، وهو سلسلة حماية المؤمنين، فستكون هناك خسارة، بالتأكيد؛ {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)} (العصر). إذا لم يحدث هذا التواصي، فسيكون الضرر. حسناً، العدوّ يستهدف هذا العامل المهمّ. 1

المطالبة والمساعدة في حل المشكلات

الأذرع المعادية تنشط من أجل فرض المشكلات والآلام والصعوبات على المسلمين وكي تجعل هذه المصائب أكثر شدّة، لكن في حال أظهر مجموعة من المثقّفين والعلماء وأهالي الثقافة والأدب الذين يتعاملون مع قلوب وأفكار الشّعوب المسلمة الشّجاعةَ والمعرفة بالتّوقيت واستخدموا فنّ التّبيين بالأسلوب الصّحيح، فإنّ إرادة النّاس وقدراتهم سوف تزيل المشكلات والصّعوبات. 1

ترجمة المُثل والقيم بصورة عملية

الموضوع الأول من الاحتياجات التي هي مورد ابتلاء للمجتمعات الإسلامية والبلاد الإسلامية كافة، وهم بحاجة إليها، خاصة بلدنا العزيز الذي يديره النظام الإسلامي - بحمد الله - مُفاده أن نأخذ المفاهيم الإسلامية إلى مرحلة العمل والتطبيق العملي. إنّ المنظومة المعرفية والقيَمية للإسلام هي مجموعة من المفاهيم التي يُعدّ إدخالها بين الناس وجعلها في موضع التطبيق العملي مَهمّة كبيرة ومُهمّة للغاية، وأينما أدينا هذا الفعل بشأن أيّ من هذه المفاهيم، كانت ذات قيمة للشعب والبلد ولسمعة الإسلام والجمهورية الإسلامية. وأينما غفلنا، حُرمنا [إياها]. في الواقع إن ما أريد قوله هو أن العناوين والمفاهيم المعرفية للإسلام يجب أن يكون لها بُعدٌ عملي وترجمة عملية، ويجب أن يصير العمل بها ممكناً ورائجاً، وهو ما لا يحدث من تلقاء نفسه ويتطلب سعياً. الآن سأقدم مثالين أو ثلاثة في هذا الصدد.

لنفترض مثلاً قضية كورونا الأخيرة. إن مفهوم «المواساة» مفصلي في المجموعة والمنظومة القيَمية والمعرفية للإسلام، إذ إن هذا المفهوم، بقدر من التفسير في المجتمع، خلق نهضة في هذه الأيام، نهضةَ المساعدة الإيمانية، فحدث عمل عظيم. هذا يعني أن الناس أخذوا «المواساة» من موقع المفهوم المعتبر أو القيّم شرعياً، الذي تقبّله الجميع، إلى مرحلة العمل. ورأيتم مقدار العمل الذي تم إنجازه في أنحاء البلاد، والقيمة التي خلقها ما فعله الشباب والناس والمجموعات وأجهزة الدولة والأجهزة المؤسساتية الثورية. انطلقت حركة، وحدثت نهضة، وفُكّت عُقَد، وانطلقت أعمال. ذلك يعني أنه كان لمفهوم «المواساة» هذه المرونة والقابلية للتأثير بهذه الطريقة، وللتأثير في المجتمع.

لنذهب أبعد. هذه المفاهيم المهمة التي استخدمها الإمام [الخميني] (رض) مثل التوكّل، والتكليف، والإيثار – طبعاً كلّها مفاهيم شرعية – إلى الشهادة، والجهاد... أثيرت بحضور الإمام وحركته وبتبيينه وبإرادته التي كانت مؤيَّدة بالإرادة الإلهية، ودخلت حيّز العمل في حياة الناس.

كانت النتيجة أنه مثلاً في ثماني سنوات تمكّنا من الانتصار على أعدائنا في حرب دولية حقاً. فهذه الحركة العظيمة للناس في ساحة المعركة هي بسبب تلك المفاهيم. وقد روّجها الإمام بين الناس، وأخَذَها من الموقع المفهومي الذي كنا نقرأه في القرآن والحديث ونحوهما مع أن [ذلك الموقع] لم يكن حاضراً على صعيد العمل، فأخَذَها إلى ساحة العمل. هذا واحد [من الموضوعين].

من الأمثلة الأخرى التي في اعتقادي أنها أهمُّ هذه الآية الشريفة: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} (النساء، 64). في الأساس، يأتي إرسال الرسل من أجل أن يُطاعوا، وهذه الطاعة مطلقة أي في شؤون الحياة كلها. المعنى المُستفاد من الآية أنّ حياة الناس – الخاصة أو العامة – يجب أن يديرها الدين. طبعاً قد يحصرها بعضهم في الأمور الشخصية كالصلاة والصوم ونحوهما. ولكنها ليست كذلك؛ أولاً بدليل التعميم نفسه الذي في الآية، وثانياً بدليل آيات أخرى [مثل] قوله: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} (آل عمران، 146). حسناً، هذا القتال مع «الرِبِّيُّونَ» الكُثُر ليس مسألة شخصية؛ إنه عمل اجتماعي. إنه عمل عام. إنه عمل حكومي. لذلك هذه الآية لها مثل هذا المفاد. لقد جلب الإمام هذا المعنى إلى ميدان العمل، عبر الآية الشريفة: {إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى} (سبأ، 46)، واستخدمها لهذا المعنى. وليس {أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى} لمعنى أن تذهبوا وتُصلّوا، بل لإنشاء حكومة، ولإقامة نظام إسلامي. استخدم الإمام هذا [الفكر]، فأطلق نهضة عام 1963، ثم مع مرور الوقت، عزّز المفكرون والمحبون والمخلصون، وتلاميذ الإمام وفي مقدمهم الإمام نفسه، هذا الفكر حتى نشأت الثورة الإسلامية وظهرت وانتصرت وتشكّل النظام الذي انبثق من الثورة. يعني، التفتوا، إن المفاهيم القرآنية والإسلامية، والمفاهيم المعرفية للإسلام، يمكن أن يكون لها مثل هذا التأثير في الحياة عندما تدخل ميدان العمل. طبعاً هذا مثال للتأثير الإعجازي لهذه الآلية وهذه الحركة. أما كيفية التنفيذ لهذه الحركة، فذلك موضوع آخر بحد ذاته. 1

أضرار ترك التّبيين

إنّ أكثر ما يترك الأثر في ذهن الشب عاملان. الأوّل مختلف الدعايات الإعلاميّة للعدوّ، الدعايات التي تجعل الشاب يتراخى ولا يكترث للحقائق الإسلاميّة المقدّسة والحقائق المعروفة لدى الثورة الإسلاميّة أنّها من المسلّمات والأسس والأعمدة الأساسيّة للاعتقاد. والعامل الثاني غياب التّبيين والدفاع السّليم عن هذه الحقائق والأصول. أنا أعتقد أنّ تأثير العامل الثاني ليس أقلّ من الأوّل، لأنّ الدعاية في نظام الجمهوريّة الإسلاميّة صراحة وعلناً ضدّ الإسلام والمبادئ والأسس والمعارف الإسلاميّة تجري على نحو أقلّ، والميدان لهذا النّوع من الدعاية الواسعة ليس مشرّعاً. لذلك إنّ دعاية العدوّ تغطّي مستوى معيّناً، في حين أنّ العامل الثاني لا يحدّه أيّ حدّ.

عندما لا نروّج، ولا نشرح الحقائق، ولا نبيّن ولا ندافع بطريقة صحيحة عن المعارف الإسلاميّة – عن التوحيد نفسه والحكومة الإلهيّة وضرورة عبوديّة الإنسان مقابل الله وتسليم الإنسان مقابل أحكام الله وهذه الركائز الأساسيّة – لا يحدّ التأثير الناتج من غياب الدفاع التّبيين والتوجيه الصّحيح حدّ معيّن، بل يشمل الجميع. 1

الحفاظ على حضور النّاس في الميدان

لا تبعدوا عن أنظاركم كيد العدوّ، فإن غفلتنا توفّر الفرصة للعدوّ. إنّ درس الإمام علي (ع) لنا هو أنه: «من نام لم يُنَم عنه» 1. إن تجربتنا في الجمهورية الإسلامية مليئة بدروس العبرة في هذا المجال. إذ بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، بدأت الحكومات الغربية والأمريكية المستكبرة التي كانت منذ أمد بعيد تسيطر على طواغيت إيران وتتحكم في المصير السياسي والاقتصادي والثقافي لبلدنا، وتستهين بالقوة الضّخمة للإيمان الإسلامي في داخل المجتمع، وكانت غافلة عن قوة الإسلام والقرآن في التعبئة والتوجيه، بدأت تفهم فجأة ما وقعت فيه من غفلة، فتحركت دوائرها الحكومية وأجهزتها الاستخبارية ومراكز صنع القرار فيها لِتَجبُرَ ما مُنيت به من هزيمة فاقت الحدود. رأينا خلال هذه الأعوام الثلاثين ونيّف أنواع المؤامرات والمخططات.

ما بدّد مكرهم أساساً عاملان: الثبات على المبادئ الإسلامية، والحضور الجماهيري في الساحة. هذان العاملان هما مفتاح الفتح والفَرَج في كل مكان. العامل الأول يضمنه الإيمان الصادق بالوعد الإلهي، والعامل الثاني سيبقى ببركة الجهود المخلصة والبيان الصادق. الشعب الذي يؤمن بصدقِ قادته وإخلاصهم يجعل الساحة فعالة بحضوره المبارك. وأينما حضر الشعب بعزم راسخ في أيّ ساحة، فستعجز أي قدرة عن إنزال الهزيمة به. هذه تجربة ناجحة لكل الشعوب التي صنعت بحضورها الصحوة الإسلامية. 2

يجب الحفاظ على الشعب وحضوره ومساندته، وهذا ما تستطيعونه... ما يستطيعه المثقّفون والكتّاب والشعراء وعلماء الدين. والأكثر تأثيراً هم علماء الدين الذين يتحمّلون واجباتٍ جسيمة. ينبغي أن يبيّنوا للناس ويشرحوا لهم ويوضّحوا ما الذي يريدون، ويبيّنوا لهم في أيّ مرحلةٍ في هذا الطريق يسيرون، وما الموانع والعقبات، ومن العدوّ، وأن يحافظوا على وعي الجماهير وبصيرتهم، وعندئذ لن تنزل أيّ نازلةٍ ولن تصاب المسيرة بأيّ أضرار. 3

أضرار ترك التبيين ( عواقب إهمال الإنجاز الصحيح...)

لقد كان الإمام [الخميني] حذراً حيال الدور التضليلي الخطير الذي تمارسه أجهزة الدعاية الدولية، فيما كانت وسائل الاتصال الفكري ذات الطبيعة الاستفزازية التي تخضع لأعداء بلدنا وشعبنا تدفع الإمام أن يتخذ موقفاً إرشادياً وريادياً في هداية الجماهير، وكذلك كثيراً ما كان يوصي الآخرين ببيان الحقائق للجماهير وتعريفها إلى الحقائق التي يحاول الأعداء كتمانها عنها. وفي هذا الإطار، تأتي توجيهاتنا الدائمة للمثقفين وأصحاب الأقلام والمنابر أن يصبّوا اهتمامهم وجهودهم على بيان الحقائق بياناً صحيحاً. لقد كان الإمام كثير العناية بهذه المسألة التي تمثّل واحدة من مكامن السر في تماسك النظام وديمومته وصموده. 1

النقطة الأخيرة حول جهاد التّبيين – إنها تحذير وتهديد لنا – هي أن نعلم أنه إذا لم يتم أداء جهاد التّبيين بصورة صحيحة، فسيستخدم أهل الدنيا الدينَ أيضاً كوسيلة لتلبية رغباتهم وشهواتهم، أي إذا لم نفعل - أنا وأنتم - أعمالنا بطريقة صحيحة، فإن ذاك الذي يهتم بالدنيا فقط – عالمه الخاص وأهواءه وأمنياته ورغباته الشخصية – سوف يوظّف الدين أيضاً... إنّ «جهاد التّبيين» فريضة حتميّة وفوريّة، وكل من يستطيع عليه فعل ذلك. 2

جهاد التبیین
٥

الأنبياء العظام عنوان سلسلة التّبيين

إن لأمير المؤمنين (ع) في الغاية من بعثة الأنبياء (ع) عبارة وردت في كتاب نهج البلاغة الشريف وينبغي التدبّر فيها كثيراً، وهي قوله: «لِیَستَأدُوهُم میثاقَ فِطرَتِه»، أي الأنبياء يدعون الناس للعمل بميثاق الفطرة الذي أودع في باطن البشر، والإقرار به، فإن الله - سبحانه وتعالى - قد طلب من البشر أن يكونوا أحراراً، وأن يعيشوا حياة ملؤها العدل والصلاح، وألا يعبدوا غير الله؛ «لِیَستَأدُوهُم میثاقَ فِطرَتِهِ وَیُذَكروهُم مَنسِيَّ نِعمَتِه». ذلك أننا نغفل عن نعم الوجود والصحة والعقل والأخلاق الحسنة التي أودعها الله في طبيعة الإنسان، فينسى البشر هذه النعم، والأنبياء يُذكّرون الناس بها. «وَیُذَكروهُم مَنسِيَّ نِعمَتِه وَیَحتَجّوا عَلَیهِم بِالتَّبلیغ»، أي يتموّن الحجة على الناس، ويوصلون إلى مسامعهم كلمة الحق، ويكشفون لهم الحقيقة. 1

الرّسول الأكرم (ص)

كان العمل المهم لنبي الله (ص) هو الدعوة للحق والحقيقة، والجهاد على طريق هذه الدعوة. لم يصبه أي ارتياب قبالة دنيا زمانه المظلمة، سواء عندما كان وحيداً في مكة، أو عندما تجمع حوله جمع صغير من المسلمين، مقابل زعماء العرب المتكبرين، وصناديد قريش وكبرائهم، مع خشونة طبعهم والقوة التي كانوا عليها... أو عامة الناس الذين يغطّون في جهل مقيم. لم يستوحش على هذا الطريق، وقال كلمته كلمة الحق، وبيّن ووضّح لهم، وكرر التّبيين، وتحمّل الإهانات، وتجرّع الصعاب والآلام، حتى هدى خلقاً كثيراً منهم للإسلام، وكذلك عندما أسس الحكومة الإسلامية واستلم قيادتها. في هذه المرحلة أيضاً، وقف في وجهه كثيرون من الأعداء والمعارضين، سواء الأحزاب العربية المسلحة – أولئك الوحشيين الذين كانوا ينتشرون في أنحاء صحاري الحجاز واليمامة، وكانوا يقاومون الدعوة الإسلامية التي جاءت لإصلاحهم – أو الملوك الكبار في ذلك الزمان – يعني الإمبراطوريتين الفارسية والرومانية – فأرسل النبي (ص) الرسائل وناقش وخطب وتحدث، وخاض الحروب والغزوات، وتحمّل الصعاب، وتعرض لحصار اقتصادي، بل بلغ مرحلة لم يجد فيها أهل المدينة لأيام عدة خبزاً ليأكلوه. أحاطت بالنبي (ص) مخاطر كثيرة من كل جانب. بعض الناس كانوا قلقين، وبعضهم تزلزل إيمانهم، وبعضهم كانوا يلحّون، وبعضهم يلومون النبي (ص) ويشجعونه على الصلح، لكن النبي (ص) على صعيد الدعوة والجهاد لم يُصب بالضعف لو لحظة، وقاد المجتمع الإسلامي بكل اقتدار حتى أوصله إلى العزة والقوة، ليتحول هذا المجتمع نفسه في السنوات التالية، ببركة ثبات النبي (ص) في ساحات الحرب والدعوة، إلى القوة الأولى في العالم. 2

أمير المؤمنين (ع) أنموذج التّبيين

يوجد لدى أمير المؤمنين (ع) ثلاثة أنواع من الصفات: النوع الأول هو تلك الصفات المعنوية الإلهية التي لا يمكن قياسها بالنسبة إلينا بأي ميزان: الإيمان المتعالي العميق، الأسبقية في الإسلام، التضحية في سبيل الإسلام، الإخلاص إذ لا يوجد حتى مقدار رأس إبرة من العمل بغير النية الإلهية في عمله... هناك مجموعة أخرى من الصفات هي صفاته الإنسانيّة البارزة، وهي تلك الأشياء التي تجذب إليها الجميع، أي تجذب الإنسان المسلم وغير المسلم والمسيحي وغير المسيحي والمتديّن والذي لا دين له: الشجاعة والرحمة. إن ذلك الإنسان الذي يقاتل في ميدان الحرب بتلك الطريقة، عندما يتعامل مع عائلة فيها أيتام، يتصرّف معهم بكلّ تلك المحبة، فينحني ويلاعب الأطفال الأيتام... المجموعة الثالثة من خصوصيات أمير المؤمنين (ع) خصوصيات حكومية وهي نتيجة مسألة الإمامة. الإمامة هي ذلك النوع من الحكم... حسناً، هذه من خصوصياته في الحكم: العدل والإنصاف والمساواة... والتّبيين. في التّبيين، كان يبين الحقائق للناس. انظروا إلى خطب نهج البلاغة. إن كثيراً منها هو تبيين للوقائع الجارية في المجتمع في تلك الأيام، سواء الخطب أو الرسائل. إن نهج البلاغة يحوي خطباً ورسائل، وتلك الرسائل كانت موجهة غالباً إلى الذين يعارضون الإمام (ع) أو يعاندونه مثل معاوية وغيره، أو ولاة أمير المؤمنين (ع) الذين كان يوجه إليهم اللوم والاعتراض. غالباً كان الأمر هكذا. بعض الرسائل كذلك كانت توصيات وقوانين وأوامر مثل «عهد مالك الأشتر». كان الإمام يبين في كل هذه الخطب والرسائل الحقائق للناس. 1

الأئمّة الأطهار (ع)

هذه وغيرها المئات من الحوادث اللافتة للانتباه والمليئة بالمضامين وفي الوقت عينه غير المترابطة في الظاهر والمتناقضة أحياناً في حياة موسى بن جعفر (ع) يصير لها معنى وتترابط عندما نشاهد ذلك الخطّ المستمرّ والممتد من بداية عهد إمامة ذلك الإمام العظيم (ع) إلى حين شهادته. هذا الخطّ هو خطّ جهاد الأئمّة (ع) وكفاحهم نفسه الذي استمر 250 سنة بصور مختلفة، والهدف منه أوّلاً تبيين الإسلام الأصيل والتفسير الصحيح لـ القرآن وتقديم صورة واضحة عن المعرفة الإسلاميّة، وثانياً تبيان موضوع الإمامة والحاكميّة السياسيّة في المجتمع الإسلامي، وثالثاً السعي والعمل لتشكيل ذلك المجتمع وتحقّق هدف رسول الإسلام الأعظم (ص) وسائر الأنبياء (ع)، أي إقامة القسط والعدل وإزالة أنداد الله من ميدان الحكومة وتسليم زمام إدارة الحياة لخلفاء الله وعباده الصالحين. 2

رُسُل كربلاء

هذه الأيام الأربعون التي وقعت من عاشوراء إلى الأربعين هي من المراحل المهمة جداً في تاريخ الإسلام. إن يوم عاشوراء في ذروة الأهمية، وإن هذه الأيام الأربعين بين عاشوراء والأربعين هي مثل يوم عاشوراء. فإذا كان يوم عاشوراء ذروة المجاهَدة المقرونة بالتضحية – التضحية بالنفس والتضحية بالأعزاء والأبناء والأصحاب –، فإن هذه الأيام الأربعين ذروة المجاهَدة المصحوبة بالتّبيين والكشف والتوضيح. لو لم تكن هذه الأربعون يوماً، ولولا الحركة العظيمة لزينب الكبرى (ع) والسيدة أم كلثوم والإمام السجاد (ع)، لربما كانت عبارة «ليستنقذ عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة»1 لم تتحقق. لقد كانت هذه الحركة العظيمة وهذا الصبر الفائق لآل الرسول (ع) بقيادة زينب الكبرى (ع) والإمام السجاد (ع)، ما أدى إلى تخليد واقعة كربلاء، وكان هذا التّبيين مكمّلاً لتلك التضحية بالمعنى الحقيقي للكلمة. 2

عمّار بن ياسر (رض)

لاحظوا أنّ أمير المؤمنين (ع) في حرب صفّين لم يكن يقف في وجه الكفّار. الجبهة التي وقفت أمام أمير المؤمنين (ع) كانت جبهة يقيم رجالها الصلاة، ويقرؤون القرآن، ويحافظون على حسن الظاهر... كانت العملية صعبة جداً. مَن الذي يجب أن يمارس مهمة التنوير هنا ويكشف الحقائق للناس؟ بعضهم تزلزلوا حقاً. حينما يقرأ المرء تاريخ حرب صفّين ترتعد فرائصه. في هذه الصفوف الهائلة التي سار بها أمير المؤمنين (ع) ووصل بها إلى تلك المنطقة الحساسة، منطقة الشام ليقف في وجه معاوية، كانت تحدث زلازل. وقد حدثت هذه الزلازل مرات عدة واستمرّت القضية شهوراً. تارة يأتي الخبر أن شخصاً في الجبهة الفلانية قد طرأت عليه شبهة وبدأ يقول: لماذا نحارب؟ وما الفائدة من ذلك؟ وكذا وكذا... في مثل هذه الأحوال، كان أصحاب أمير المؤمنين (ع)، أي في الحقيقة أصحابه الخواصّ الخُلّص الذين كانوا معه منذ أوّل الإسلام ولم ينفصلوا عنه، يتقدّمون لحلّ المشكلة. ومن بين أولئك سيّدنا عمّار بن ياسر (رض) الذي كان يأخذ على عاتقه أهمّ المهمّات. ذات مرة أخذ عمّار بن ياسر - يبدو أنه كان عماراً - يستدّل ويبرهن.

لاحظوا ما البراهين التي يستطيع الإنسان أن يطرحها دوماً كبراهين حية. لاحظ عمار أن بعضهم اعترتهم شبهة، فسار إليهم وألقى فيهم خطبة. وكان مما قاله في تلك الخطبة أنّ الراية التي ترونها في الجبهة المقابلة قد رأيتها يومَ أحد ويوم بدر مقابل رسول الله – راية بني أمية – فقد وقف تحت هذه الراية يومذاك الذين يقفون اليوم أنفسهم تحت هذه الراية: معاوية وعمرو بن العاص. في معركة أُحُد، كان معاوية وعمرو بن العاص وسائر رؤساء بني أمية يقفون في وجه الرسول (ص) وكانت الراية راية بني أمية. قال: هؤلاء الذين ترونهم تحت هذه الراية كانوا تحت هذه الراية عينها مقابل الرسول، وقد رأيت هذا بعيني. وهذا الجانب الذي يقف فيه أمير المؤمنين (ع) والراية التي يرفعها اليوم، أي راية بني هاشم، كانت أيضاً في معركتي بدر وأُحُد، وكان يقف تحتها الأفراد أنفسهم الذين يقفون تحتها اليوم أي عليّ بن أبي طالب (ع) وأنصاره وصحبه. فهل هناك أفضل من هذه العلامة؟ لاحظوا كم هي علامة جيدة! الراية نفسها راية معركة أُحُد. الأشخاص أنفسهم في هذه الجبهة وتلك. الفرق بين الحالتين أنهم كانوا يومذاك يدّعون الكفر ويعترفون به ويفخرون به، وهم اليوم أنفسهم تحت الراية نفسها يدّعون الإسلام ومناصرة القرآن والرسول (ص)، لكن هم الأشخاص ذاتهم والراية نفسها! هذه بصيرة. وهو ما نقصده حينما نشدّد على أهمية البصيرة. 1

التفتوا! يقال لنهج عمار «الخط المستقيم». في رأيي إن عمار لا يزال إلى الآن مجهولاً. نحن أيضاً لا نعرف عمار بن ياسر (رص) على نحو صحيح. عمار بن ياسر هو حجة الله الأكيدة. عندما طالعت حياة أمير المؤمنين (ع) لم أرَ أحداً مثل عمار بن ياسر (رض)، أي لم يكن أحد من أصحاب الرسول (ص) له دور كدور عمار بن ياسر طوال تلك المدة. أولئك لم يبقوا على قيد الحياة، لكن حياتهم المباركة استمرت. كلما كانت تعرض لأمير المؤمنين (ع) مسألة فكرية حول الصحابة، أي كانت تعرض شبهة في مكان ما، كان لسان هذا الرجل ينطلق كالسيف البتّار ويحل المشكلة. هكذا كان [عمار] في أول خلافة أمير المؤمنين (ع)، وهكذا في حربي الجمل وصفين إلى أن استُشهد في صفين. يجب أن نكون يقظين كعمار ونعرف ماهية التكليف. 2

الإمام الخميني (قدّه)

لقد تفضلّ الله - سبحانه وتعالى - على هذا الشعب ومنحه هبة كبرى تتمثّل في قيادة الإمام الخميني العظيم الذي بثّ الوعي في الشعب، ومنحه البصيرة، وتحمّل الشدائد بنفسه، فدخل السجن ونُفي ولم يتخلَّ عن نهضته، فعمّت حالة الوعي والبصيرة واتسعت شيئاً فشيئاً، حتى تحوّلت هذه النهضة سنة 1978 و1979 إلى حركة عامة في أوساط الشعب الإيراني. هذه النهضة لم تكن تستهدف الجهاز الحاكم فحسب وإنّما أمريكا أيضاً، لأنّ الشعب كان قد عرف وأدرك أن أمريكا هي التي تقف وراء الجرائم التي تُرتَكب بحقه وبحق البلد في الداخل. لقد قال إمامنا الخميني الجليل في بداية اندلاع النهضة الإسلامية عام 1963 إنّ الرئيس الأمريكي اليوم هو أكثر شخصية مكروهة في إيران. 1 لقد طرح هذا المفهوم على الرأي العام، وبيّن للناس أنّ أمريكا تقف وراء كل الشرور والمؤامرات، فآتى هذا الجهاد ثماره. 2

إنّ هذا هو الفارق بين إمامنا العظيم وبيننا وبين الإصلاحيين الإسلاميين في القرنين الماضيين، فالإمام نزل إلى الميدان وخاض غمار المواجهة، واختلط بالجماهير، وتحدّث إلى فئات الشعب المختلفة، وبيّن الناس تعاليمه ومبادئه، وأخذ بأيديهم نحو الإيمان الواعي والعميق حتى صاروا على صورته، فكان أن حُسمت المعركة لمصلحة الحق والحقيقة بفضل إيمان الشعب وطموحاته وبركة تعاليم الإسلام. 3

الشهيدان مطهري وبهشتي (رض)

لا شكّ في أنّ دور المؤمنين والمخلصين يختلف باختلاف الأزمان ووفق متطلبات كل عصر. تلك الأدوار على ما فيها من التفاوت تُعدّ كلها جهاداً في سبيل الله لأن الكل فيها معرّضون للبذل والتضحية ومن جملتها التضحية بالنفس. وقد يكون ذلك في ميدان الحرب تارة، وفي الحوزات العلمية تارة أخرى، وقد تكون التضحية على غرار تضحية الشهيدين الأول والثاني مرّة، أو في الساحة السياسية مرّة أخرى، أو ميدان التقدّم الاجتماعي، أو أثناء أحداث ثورة كبرى كهذه الثورة الإلهية، وقد تكون ثالثة من أجل تبيين حقائق الدين، كما الحال بالنسبة إلى الشهيدين مطهّري وبهشتي؛ لكّل عصر متطلباته. 1

آية الله مصباح اليزدي (رض)

كان المرحوم الشيخ مصباح [اليزدي] (رض) أستاذ فكر. بالطبع، كان له أعمال سياسية وأفكار سياسية أيضاً، ولا أتحدّث عن ذلك، [أي] القضايا السياسيّة، [لكنّه] كان دليلاً ومُرشداً في القضايا الفكرية ويُمكن أن يكون مرجعاً وملجأ. مثل هؤلاء الناس يجب أن يكونوا أساتذة الفكر، فكما يحتاج العلم إلى أستاذ، يحتاج الفكر أيضاً إلى أستاذ. 1

جهاد التبیین

المبادئ و الإلزامات

٦
جهاد التبیین
۷

التّوكّل على الله والاعتماد على السّنن الإلهيّة

هناك قوانين تحكم عالم الكون وعالم الوجود لا يعرفها الماديون؛ {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ} (الأحزاب، 38)، وفي مكان آخر: {سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ} (الفتح، 23)، وسنّة الله هي القوانين الإلهية الحاكمة على عالم الوجود وأرجاء هذا الكون العظيم كافة. هذه القوانين مثل القوانين الطبيعيّة، كقانون الجذب وقوانين الكواكب والشمس والقمر وجريانهما في الليل والنهار، فهذه بأسرها قوانين طبيعيّة. كذلك ثمّة قوانين تحكم المجتمعات البشريّة لا يتأتى للماديين إدراكها ورؤيتها بأبصارهم الكليلة ولكنها موجودة. فلو عمدنا إلى تمهيد السبيل لهذه القوانين بأيدينا، فسيقوم الله - سبحانه وتعالى - على إثباتها. فالنار حارقة، ولكن عليكم تهيئة الأرضية وإضرام النار، ثمّ وضع شيء غير رطب عليها، وستشتعل. إذا هيّؤوا الأرضية، فسيعمل القانون الطبيعي عمله. ولذا يجب تمهيد الأرضية، وهذا ما نهض به الشعب الإيراني. وقد ورد هذا المعنى في كلمات الأعلام، وآيات القرآن، وروايات الأئمة (ع)، وأحاديث رسول الله (ص). كما في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين (ع): «فَلَمّا رَأَى اللهُ صِدقَنا أَنزَلَ بِعَدُوِّنَا الكبتَ وَأَنزَلَ علينا النَّصر» 1 .

هذا قانون وقاعدة عامة، وقد تحققت هذه القاعدة في الثورة الإسلامية أيضاً حين نزل الناس إلى الساحة صادقين وصمدوا. لنستخلص هنا نتيجة هي أن ثمة جبهة معادية واسعة تواجهنا، وهذه الجبهة العريضة تتمثل في زعماء الكيان الصهيوني، وساسة الإدارة الأمريكية، وأيادي الاستكبار العالمي، والجماعات التكفيرية، و«داعش». فانظروا كم هذه الجبهة واسعة النطاق وتتشكل من ائتلاف عظيم غير متجانس، وهؤلاء بأسرهم يعادون نظام الجمهورية الإسلامية... هناك جماعة إذا ما نظروا إلى هذه الجبهة، ارتعدت فرائصهم، والسبب أنّهم غافلون عن ذلك المفهوم الرئيسي المهم المتمثّل في السُّنّة الإلهيّة. لقد واجهت الثورة حالات العِداء نفسها هذه بل أشدّ منها، ولكنّها انتصرت، واليوم أيضاً نواجه هذا العداء نفسه، واليوم أيضاً لو عملتم بلوازمه، لحالفكم النصر لا محالة. 2

ما يجعلنا ثابتين أمام مؤامرات العدوّ هو الإيمان بالله والوثوق بالوعد الإلهيّ. الوعد الإلهيّ هو: {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ} (الحج، 40)؛ ذاك الذي ينصر دين الله، وذاك الذي يسخّر طاقاته بناء على الأمر الإلهيّ في سبيل النجاح والفلاح والصّلاح ويأتي بها إلى الميدان، لن يتركه الله المتعالي وحده، بل سوف يُوفّقه وينصره. هذا ما تثبته تجربتنا أيضاً. 3

تعزيز الإيمان والروحانية

إذا أردتم أن تستمر هذه الحركة بالسرعة نفسها والسلوك عينه وتكون مثمرة، فعلينا أن نبني أنفسنا، وأن نكون كزبر الحديد، وأن نقوي إيماننا ونرفع بصيرتنا ونزيد وعينا ونتقدّم في علومنا ونفعّل طاقاتنا الكامنة التي جعلها الله فينا، ونحافظ بقوّة على اتّحادنا ووحدتنا ونُحكِم ذلك، فكلها أمور ضرورية. 1

الإيمان ذخرٌ عجيب. كلكم – الحمد لله – شباب مؤمنون وقد نشأتم في عائلات مؤمنة، ولو أنكم طبّقتم عملياً ما لديكم من جذوة إيمانية، أي أنْ تعملوا على أساسها العمل الصالح وتجتنبوا المعاصي الناجمة عن النزعة الأنانية والإكثار من الأعمال التي تعود على المرء بالثواب، وتجنّب ظلم الآخرين وكفّ اللسان عمّا يُسيئ إلى الآخرين، وتنزيه الفكر عمّا يشينه، فإن هذه أفضل الأعمال وكلّها تؤدّي إلى زيادة الإيمان في نفوسكم. فمن طبيعة الإيمان أنه إذا رافقه العمل، تراه يزداد يوماً بعد يوم. كما أن الوعي الذي أشرت إلى وجوب استحصاله من أهل المعرفة والمطالعة والموعظة إذا اقترن بالعمل الصالح، فإنه يزداد عمقاً وسعة؛ {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} (الطلاق، 2-3). {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} (التغابن، 11). تؤكّد هذه الآيات أنّ التقوى والمراقبة تهدي الإنسان وتجعل الإيمان أكثر رسوخاً في نفسه. 2

مراعاة حدود النقد

ما معنـى الانتقــاد؟ إن كان يعني تتبّعَ العثرات، فليس بالأمر الجيّد ولا يحتاج إلى حذاقة كبيرة ولا إلى معلوماتٍ كثيرة، بل ربما استطاع الإنسان الفاقد المعلومات أن ينتقد بنحو أفضل. النقد يعني التقييم وفق معايير محددة. أي نرى الشيء الجيّد جيّداً، والسيّئ سيّئاً. فإذا فعلنا ذلك، نلخّص النقاط الجيدة التي رأيناها مع النقاط السيّئة، ثم نرى ما النتيجة. الانتقاد يعني أن يقيّم الإنسان الأمور فيرى نقاط ضعفها ونقاط قوّتها، ثمّ يتقصّى علل نقاط الضعف فيها، إن استطاع إلى ذلك سبيلاً، فيبحث عن جذور العلّة وأساسها. هذا هو المطلوب، وهذا المتوقَّع من الشباب. 1

لم يسبق لي قطّ أن وقفت في وجه الانتقاد أو منعت أحداً من الإدلاء بآرائه النقدية. الانتقاد الصّحيح والحريص لا ضرر فيه، ولكن يجب ألّا يفضي إلى التشويه. بعضهم ينتقدون بأسلوب هدّام، وهذا ليس عملاً صالحاً. 2

تجنّب الوقوف على التلّ

أشير إلى نقطةٍ أخرى هي أنّ بعضهم يُسيئون فهم هذه العبارة: «كن في الفتنة كابن اللّبون لا ظهر فيُركَب ولا ضرعٌ فيُحلَب» 1 ويتوهّمون أنّ معناها هو أنّ الفتنة إذا اشتعلت وتشابهت الأمور، فعليك الاعتزال. ليس معنى هذه العبارة مما يفيد الاعتزال إطلاقاً، بل معناها ألا يستطيع صاحب الفتنة استخدامك إطلاقاً. «لا ظهرٌ فيُركب ولا ضرعٌ فيُحلَب»، أي لا يستطيع أن يركبك ولا أن يحلبك؛ ينبغي الحذر.

في حرب صفين لدينا في جانب عمار بن ياسر الذي كان يخطب في الناس دوماً – انظروا الأعمال والآثار الخاصة بصفّين – وكان في هذا الطرف وفي ذلك جيشٌ مع مجموعات مختلفة، فقد كانت تلك الساحة ساحة فتنة حقاً حيث تحاربت فئتان من المسلمين وكانت فتنة كبرى اشتبهت على بعضهم، وكان عمّار ينوِّر الأذهان دوماً. يذهب إلى هذا الجانب وذلك ويتحدّث ويخطب في جماعات مختلفة، وخطبه وكلماته مسجّلة في التاريخ. من جانبٍ آخر، تشير الروايات إلى أنّ جماعة «نفر من أصحاب عبد الله بن مسعود» جاؤوا إلى الإمام علي بن أبي طالب (ع) وقالوا: «يا أمير المؤمنين – كانوا يعترفون به أميراً للمؤمنين – إنّا قد شككنا في هذا القتال»2 . لقد شككنا في هذه الحرب، فابعثنا إلى الحدود والثغور لكيلا نشترك فيه! هذا الاعتزال هو بحدّ ذاته «ضرع فيحلب» و«ظهر فيركب». الصمت والاعتزال وتجنب التحدّث كله يتحوَّل أحياناً إلى ممارسات تساعد الفتنة. على الجميع في الفتنة ممارسة التنوير والإرشاد، وعلى الجميع التحلّي بالبصيرة. 3

الشجاعة

لا نحتاج إلى الشجاعة في العمل فقط بل نحتاج إليها في الفهم أيضاً. ثمّة حاجة إلى الشجاعة في الفهم الفقهي. إذا افتُقدَت الشجاعة، فسيقع الخلل حتى في الفهم والوعي الواضح للكبريات والصغريات. أحياناً يفهم الإنسان الكبريات بصورة صحيحة لكنّه يخطئ في الصغريات. هذا الوعي الصحيح لمباني الدين وللموضوعات الدينيّة وللموضوعات الخارجيّة المطابقة للمفاهيم الكليّة والعامة – الكبريات والصغريات – يحتاج أن نكون شجعاناً ولا نخاف، وإلّا فالخوف على أموالنا وأرواحنا وسمعتنا، والانفعال أمام الأعداء، والخوف من الأجواء والمحيط، [سيكون حاضراً]. إذا قلنا كذا، فسوف يتكتّلون ضدّنا، وإذا قلنا كذا، فسوف يصموننا بالوصمة الفلانيّة... هذه المخاوف تزعزع فهم الإنسان وتصيبه بالخلل. أحياناً لا يفهم الإنسان شكل القضيّة بصورةٍ صحيحة ويعجز عن معالجتها بسبب هذه المخاوف والملاحظات، وبذلك يقع في الخطأ.

من هنا، كان شعار {وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ} مهمّاً جداً. في هذه الآية الشريفة: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} (الأحزاب، 39)، يتّضح أنّ شرط البلاغ والإبلاغ والتبليغ هو غياب الخوف والخشية. {وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ}... قد تقول: يا سيدي، لو فعلت هذا، فقد تنطلي عليَّ لعبةٌ في العالم. حسناً؛ {وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا}. اتركوا الحسابات على الله ودعوه هو المتعالي يحسب لكم. إذا جعلنا خوف أحكام الناس وأقوالهم محلّ الخوف من الله، فسوف نتعرض لمشكلات، لأنّ الخوف من الله المتعالي هو التقوى، وإذا نبذناه جانباً وأحللنا محلّه الخوف من النّاس، فعندئذٍ لن يحدث الفرقان الذي تحدّث الله المتعالي عنه: {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} (الأنفال، 29). هذا الفرقان ناتج من التقوى. من ثمرات التقوى تجلّي الحقيقة للإنسان.

أعتقد أنّ هذه المسألة على جانب كبير من الأهميّة، مسألة الخشية على المال والأرواح والخوف من كلام الناس والخوف على السمعة والخوف من الهمس والأقاويل والتهم وما إلى ذلك. هذه القضية مهمّة إلى درجة أنّ الله المتعالي يخاطب رسوله ويحذّره: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} (الأحزاب، 37). يجب ألا نهتم بكلام الناس والتهم التي سيطلقونها وما سيفعلونه؛ {وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ}. أعتقد أنّ من الأمور التي هُّيّئت للإمام الجليل ما حقّقه من فتوحات متنوّعة هو شجاعته، شجاعته هي التي حقّقت له فتوحاته العلميّة والمعنويّة والسياسيّة والاجتماعيّة وشدّت إليه قلوب الناس وكان ذلك شيئاً عجيباً حقاً. وقد تمثّلت شجاعته في أنّه لم يكن يخاف من شيء. 1

تجنّب ترويج الشّائعات

بعضهم لا يقبلون النصائح والوصايا. بعض من هم في الصحافة أو غيرهم هؤلاء لا يريدون توصية منّا. ليس واضحاً من الذي يرسم سياسات بعض هذه الأجهزة والصحافة ووسائل الإعلام، وأين تُرسم هذه السياسات، فهؤلاء يعتاشون على إيجاد الخلاف والفرقة. لكن وصيّتي للّذين تهمّهم مصالح البلاد ويريدون تغليب الحقائق هي أن يكفّوا عن هذه الخلافات الجزئيّة غير المبدئيّة؛ ليس من الصواب اختلاق الإشاعات وترويجها. يرى الإنسان أنّهم يوجّهون الاتّهامات صراحةً وعلناً إلى مسؤولي البلاد الذين يحملون على كاهلهم أعباء البلاد، ويبثّون الشائعات حولهم، ولا فرق في ذلك بين رئيس الجمهوريّة أو رئيس مجلس الشورى أو رئيس «مجمع تشخيص المصلحة» أو رئيس السلطة القضائيّة؛ هؤلاء هم مسؤولو البلاد. إنّ مسؤولي البلاد هم الذين أوكل إليهم زمام عمل معين، وعلى الناس أن يثقوا ويحسنوا الظن بهم. ينبغي ألّا نبث الشائعات، فهذا ما يريده الأعداء. يريدون أن تنتشر الشائعات، وأن يزرعوا السوء في قلوب الناس بين بعضهم وتجاه مسؤوليهم. 1

اجتناب التشويه

لا بأس في أن ننظر بمنظارٍ جامعٍ وكلّي إلى قضايا البلد. وبالطبع، في هذه النظرة الكلية علينا أن نستعمل المنظار الواقعي فلا نُبتلى بالخطأ والنظرة الأحادية. فنحن لدينا نقاط إيجابية ونقاط سلبية، وعلينا أن ننظر إليها كلها. في بعض الأحيان، تغلب النظرة السلبية. وللأسف، اليوم يرى المرء بين بعض المسؤولين والنخب السياسية وغيرهم كأنّها أصبحت موضة أن ينظر الإنسان بطريقة متشائمة وسلبية ولا يرى الإيجابيات بل يعتمد على السلبيات فقط. ولا ننسى أنّ وسائل الإعلام وغيرها تعمل دائماً على السلبيات، وإذا قال أحدٌ: لماذا يحدث هذا، يُقال له: أنت لا تريدنا أن نتحدّث عن الواقعيات. يقال هذه سوداوية، فيقال نريد أن نظهر الحقائق. كلا، إنّ هذه نظرة أحادية. حسناً، لو فرضتم أنّ هناك وحدة إنتاجية تعرضت لعطل ما وأنتم تريدون أن تبيّنوا المسألة من منظارٍ واقعيّ، جيدٌ جداً، فإلى جانبها تم بناء وحدتين إنتاجيتين. لو أنّنا قمنا على إظهار هذه النقطة الإيجابية، فسندرك قضايا البلد على نحوٍ، ولو لم نظهرها، فإنّ فهمنا سيكون على نحو آخر. لو أنّ مشاهدتنا اقتصرت على النقاط السلبية - لا شكّ في وجودها - فإنّ هذا ليس واقعياً بالتأكيد؛ مثل هذا الأمر لن يقدّم استنتاجاً صحيحاً حول أوضاع البلد، بل سيؤدّي إلى اليأس، وهذا هو ضرره الاجتماعي.

أنا العبدَ أمرّ يومياً على عشر صحف أو عشرين غالباً. بعض هذه الصحف تضع يومياً من أربعة عناوين رئيسية إلى خمسة كلّ واحدٍ منها كافٍ لزلزلة أيّ إنسانٍ ضعيف: سلبيات، سلبيات، سلبيات، سلبيات! يُحبّون مثل هذا العمل. ربّما لهم في البين أغراض سياسية أو الهدف منها جذب المشترين. مهما كان، فلا أعلم ولا أريد أن أتّهم أحداً، لكنّ هذا هو الواقع، وهو خطأ. إنّ تغليب الرؤية السلبية مخالفٌ للنظرة الواقعية ويؤدّي إلى اليأس.

النقطة المقابلة كذلك، أي تغليب الرؤية الإيجابية دون النظر إلى السلبيات، فهذا أيضاً مُضِلّ ويؤدّي إلى إحداث نوع من الرضى في النفس يكون في بعض الأحيان رضىً كاذباً. هذا ليس صحيحاً أيضاً. فيجب النظر إلى السلبيات بالإضافة إلى الإيجابيات. فنقول: هذا العمل تمكّنت الحكومة والنظام من فعله، وذاك العمل لم يتمكّنا منه. فلننظر إلى الأمرين معاً. لهذا لو أردنا أن نتعرّف على نحو صحيحٍ إلى أوضاع البلد، يجب أن ننظر إلى النقاط السلبية والإيجابية في الوقت نفسه. 1

بعيداً عن بث الفتن ودون مجاملات

التّبيين يكون بأساليب مختلفة، فإن كان بالأسلوب الذي يؤول إلى تأجيج الفتنة وإثارة الصراع، فهو مرفوض، وإن كان بالذي يؤدي إلى توعية الناس وتنبّه المسؤولين إلى طرق الحلّ، فهو مطلوب للغاية ولا إشكال فيه. على [الأعضاء] أن يحافظوا على مكانتهم القانونية. إن إعلان المواقف أمر جيّد، ولكن كما ذكرنا، قد يكون بطريقتين: الأولى أن يؤدي إلى الفساد والإفساد، وهي طريقة يجب تحاشيها، والثانية بيان الحقائق بطريقة تؤدي إلى إيقاظ الناس وتوعية المسؤولين وتستجلب شكرهم [وهي المطلوبة].

فأحياناً يتكلم المرء بكلمة، حتى لو كانت انتقادية، ولكنها تؤدي إلى أن يشكره المسؤولون عليها، وهذا ما حدث لنا مراراً، إذ يقول المسؤولون إن هذه النقطة التي ذكرتموها عبّدت لنا الطريق، ووفّرت لنا إمكانية أداء أعمالنا، وقد تؤدي إلى شكرهم أيضاً. إن الذي نقوله بشأن «مجلس الخبراء» هو ضرورة ألا تُراعى المصالح الشخصية والمجاملات، والنظر إلى أصل الحقيقة والواجب الملقى على عاتق الإنسان الذي سيكون مسؤولاً عنه أمام الله المتعالي. فليكن اهتمامنا بما سوف يسألنا الله عنه. 1

جهاد التبیین
۸

التّوازي مع حركة الثّورة

حركة عامّة معقولة ومنضبطة... وحينما نقول منضبطة نعني ألا تكون فوضيّة وهرجاً ومرجاً وما إلى ذلك. أحياناً تترافق التحركات العامّة مع الفوضى والاضطراب والغوغائية وما إلى ذلك، وتلك لا قيمة لها. أمّا إذا أريد لها أن تتمّ بصورة صحيحة ومنتظمة وعقلانية، فهي بحاجة إلى أمور عدّة. أوّلاً تحتاج إلى معرفة بالساحة، بمعنى أنّه ينبغي للأشخاص الذين يقومون على هذه الحركة، أم الذين هم محور هذه الحركة، أم هم محرّكوها بالحدّ الأدنى، أن يعرفوا الساحة جيّداً والعناصر الموجودة في هذه الساحة. إنّكم اليوم إن أردتم أن تطلقوا حركة في بلادكم وفي الجمهورية الإسلامية، يجب حتماً أن تعلموا ما وضع الجمهورية الإسلامية اليوم، ومن الذين تواجههم، وما فرصها، وما التهديدات التي تواجهها، ومن أعداؤها، ومن أصدقاؤها. هذه أمور يجب أن تُعلم وتعرف.

عنصر آخر ضروري لهذه الحركة هو أن يكون لها اتّجاه محدّد، اتّجاه منطقي ومقبول. والاتجاه الذي نقترحه ونطرحه في الحركة العامة للشعب الإيراني هو الاتّجاه والتوجّه نحو المجتمع الإسلامي أو الحضارة الإسلامية، أي نصبو إلى السير نحو تشكيل مجتمع إسلامي، والحركة العامة يجب أن توصلنا إلى هناك وإلى حضارة إسلامية متقدّمة. هذا هو العنصر الثاني.

العنصر الثالث الذي تحتاجه هذه الحركة هو أن يكون هناك عامل باعث على الأمل والتفاؤل، ونقطة مضيئة. ففي أيّ حركة، إذا لم تتوافر هذه النقطة المضيئة الباعثة على الأمل، فإنّها لن تتقدم إلى الأمام. وهذا شيء متاح تماماً لبلادنا ولمجتمعنا ولشعبنا لحسن الحظ، فالنقطة المضيئة هي الطاقات الوطنية التي عرفناها. حتّى أنتم الشبابَ عرفتم اليوم طاقات شعبكم وقدراته. لقد أثبت الشعب الإيراني أنّ في استطاعته إنجاز الأعمال الكبيرة والنهوض بها. لقد قام الشعب الإيراني على ثورة وأسّس الجمهورية الإسلامية، وهو أمر أشبه بالمعجزة. تأسيس الجمهورية الإسلامية في عالم القطبين آنذاك - الرأسمالية والشيوعية - كان كمعجزة. والحقّ أنّها تشبه معجزة عبور بني إسرائيل البحر أو عصا موسى... لقد فعل الشعب الإيراني ذلك، وهذه طاقة هائلة جداً، ثمّ استطاع الحفاظ عليها أيضاً. 1

علميّ ومنطقيّ وبلسان طيّب

ما يتمتع بالدرجة الأولى من الأهمية - في نظري - هو فكر من تخاطبون وقلوبهم، فالفكر أولاً ثم القلب. الفكر يعني وجوب تقوية البنية الاعتقادية لهذا الشاب. فالشاب يكون عرضة للتبدلات والتحولات والتغيرات. والمؤثرات الموجودة اليوم أضحت في عالمنا كبيرة جداً. لا بدّ من تقوية البنية الفكرية للشاب كي لا يتأثر بالعوامل السلبية والمعارضة والمعاندة، بل يتمكن من التأثير في محيطه، فيجب أن يتمكن من الإشعاع، ويعرّف محيطه إلى المباني والمعارف الإسلامية، وأن يكون رائداً في هذا الطريق، وفي طليعة القوى. من الناحية الفكرية، يجب أن يحقق هذه الحالة. وإنما نذكر الناحية القلبية لأنه من أجل عروج الإنسان لا بل لثباته على الصراط المستقيم لا يكون الفكر وحده كافياً في الحقيقة. فبالإضافة إلى البعد الاعتقادي، البعد القلبي والروحي أمرٌ لازم. فحالة الخضوع لازمة، وكذلك الخشوع، والذكر والتوجه إلى الله. كلها أمورٌ ضرورية للإنسان. ولو كان هذا الأمر، لارتفع كثير من النقص. ولو لم تكن هذه الأمور، فإن القدرة الفكرية وقوة الاستدلال والاحتجاج لن تسعف الإنسان في كثير من الحالات ولن تعينه. فإعداد قلب الشاب ينبغي أن يكون بالنصيحة والموعظة الحسنة والسلوك الحسن، وينبغي تعريفه إلى الخشوع والتوسل والتوجه والتذكر. ينبغي تعريفه إلى الصلاة بأسلوب صحيح وكذلك معنى ذكر الله. هذا ما يمكن أن يشكّل دعامة لذلك الفكر. ولو تم هذا، فإن تلك الاستقامة الفكرية لن تزول. في ميدان العمل ما ينفع هو القلب الرقيق وهذا التوجه والتذكر.

هذه الأمور التي تثبت الإنسان، وهي ضرورية. تجب تقوية هذين الشيئين في الشاب. عليكم أن تقيموا دروس المعارف الإسلامية، المعارف المتقنة بلغة العصر والمتناسبة مع فكر الجامعي وأدبياته، فهذه أعمالٌ ضرورية ولا بد منها. الخطاب بلسان القوم أحد مصاديقه هنا، فتنبغي مخاطبة الجامعي بلغته، وبالأدبيات المفهومة عنده. ربما نجد بعض الأدبيات الفعّالة والمؤثرة في بيئة قد لا تكون فعّالة في بيئة أخرى. وهو كاختلاف اللغة تماماً. فالاختلاف بين الأدبيات هو في الواقع كالاختلاف الموجود بين اللغات، مثل أن يأتي إنسانٌ إلى بيئة متكلمة بالفارسية فيحادثها بالغجراتية فلن يفهم عليه أحد. وكذلك إذا لم يكن المرء عارفاً بأدبيات البيئة الجامعية وبيئة الشباب ولم يستعملها، فسوف ينسد عليه طريق التواصل الفكري ويكون تأثيره قليلاً. فالنطق بلسان القوم ضروري جداً.

في رأيي، وفي ما يتعلق بالموعظة الحسنة، إنني لا أستعمل عبارة «التربية» لأن لها معنىً أعم. إن قضية المسلك والعمل ضرورية بالإضافة إلى قضية اللسان. وما قيل: «كونوا دعاة لنا بغير ألسنتكم» 1 ينطبق هنا، فما يليّن القلوب ويخضع المعاندين هو السلوك الصحيح والجيد. ولا شك في أن السلوك الحسن يشمل الأخلاق الحسنة والتواضع والصدق في القول والموقف والصراحة في بيان الحقيقة، والترفع عن الأمور المادية والدنيوية، فهذه الأشياء هي التي تدلّ على الخلوص في العمل. ولو أننا حصلنا على هذا الإخلاص العملي بتوفيق الرب، فإنه بالطبع سيظهر في أفعالنا وأقوالنا. لهذا إن النقطة الأساسية الثانية المهمة وأفضل طريق لها: أولاً لسان الموعظة والنصيحة الأخوية وفي بعض الموارد الأبوية الشفيقة، وثانياً السلوك والعمل.

في رأيي، من الأشياء التي تعينكم هو ما ذكره أمير المؤمنين (ع) بشأن النبي المكرّم (ص): «طبيب دوّار بطبّه قد أحكم مراهمه وأحمى مواسمه» 2 . فلا ينبغي أن نحبس أنفسنا وراء الطاولة وداخل الغرفة، فظهورنا بشكل إداري نحن جماعةَ المبلغين والعلماء ليس لمصلحتنا. ومهما كانت مسؤوليتنا، فلا ينبغي أن نفقد هذه الحالة الطلابية الحوزوية حيث الأنس بالناس والتحرك بينهم والحديث بلغتهم والاستماع لهمومهم. 3 لا داعي للمبالغة أصلاً ولا لكتابة أشياء غير واقعية، فليبينوا ما حدث في الواقع بصورة صحيحة، وليبيّنوا بكل جمال وبلاغة؛ إنّ هذا ما يجذب القلوب، وهو ما يترك تأثيراً في الناس. 4

الاستفادة من معارف علماء الثورة

أرجو من جميع الإخوة فرداً فرداً الالتفات إلى هذه النقطة، وهي أن المعارف يجب عرضها على مستوى راقٍ وعالٍ. ولا نقصد بالمعنى العالي تعقيدها، فيمكن بيان أكثر الكلام تعقيداً ببساطة، وقصدنا هنا أمتن الكلام. يجب أن يُقال الكلام الأكثر متانةً وصواباً وتطوراً. هذا الشيء الذي أتوقعه من «المعارف». من الممكن أن تقولوا كيف يمكن توفير ذلك. ينبغي أن يكون لديكم مجموعة استشارية بخصوص المحتوى تضمّ أنسب الشخصيات التي تستطيعون العثور عليها اليوم. 1

اليوم - بحمد الله - نظامُنا الإسلامي يفتخر بحضور شخصيات بارزة علمية ومعنوية فيه مثل هذه الشخصية العزيزة والعظيمة - جانب الشيخ المصباح - الذي هو أيضاً - بحمد الله - من بركات هذا العمل. أنا أعرفه منذ أربعين عاماً تقريباً وأكنّ له محبّة عميقة... الفقيه، الفيلسوف، المتفكر وصاحب الرأي في المسائل الإسلامية الأساسية. إذا لم يمنّ الله المتعالي على النسل الحالي بتوفيق الاستفادة من شخصيات مثل المرحوم العلامة الطبطبائي، أو المرحوم الشهيد مطهري، فبحمد الله هذه الشخصية العزيزة والعظيمة تملأ فراغ هؤلاء الأعزاء في زماننا 2 يوجد في قم عظماء وأساتذة مثل الشيخ المصباح وآخرين. استفيدوا منهم بأكبر قدرٍ ممكن؛ إنهم يُعدّون منبعاً كبيراً للخير والبركة من الناحية الفكرية لكم. 3

مراعاة الأولويّات والتمييز بين الأصول والفروع

إذا غفلتم لحظة وفقدتم تركيزكم وانشغلتم بشيء آخر ولم تستطيعوا تخمين ما يريد أن يفعله المنافس، فسوف تتلقون الضربة بالتأكيد. فالعدو ليس نائماً. إنه صاحٍ: «وإن أخا الحرب الأرق، ومن نام لم ينم عنه» 1 . إذا غفلتم، فهذا لا يعني أن العدو مقابلكم قد غفل أيضاً، فقد يكون متنبّهاً ويسدّد الضربات. إذن، ينبغي أن يكون هناك تنبّه ووعي وتركيز. وهذا سبب تأكيداتنا المتكرّرة وتوصياتنا المؤكدة للمسؤولين والجماهير ألا تشغلوا أنفسكم بالأمور الفرعية. وهذا سبب توصياتنا المكررة للصحافة ووسائل الإعلام والصحف والمواقع الإلكترونية الشائعة اليوم بتجنّب الخوض في هذا الكلام والأمور غير الصحيحة التي تشغل أذهان الناس. 2

مراعاة القانون

الذي أؤمن به هو أنه يجب العمل بالقانون سواء كان ذلك لنا أو ضدنا. قوانين كثيرة يصدّق عليها في مجلس [الشورى الإسلامي] قد لا تكون مما توافقون عليه وترضونه، وكثير من قرارات الحكومة قد لا تكون مما تستسيغونه، أنتم أو أنا. لكننا يجب أن نعمل حتى بالشيء الذي لا نوافق عليه، ولهذا منطقه. منطقه هو أن القانون السيئ خير من اللا-قانون أو خرق القانون. ليس من المنطق أن نقبل القانون حين يخرج وفق رغباتنا وألا نقبله حين يُسنُّ خلافاً لميولنا ورغباتنا. أعتقد أن القانون هو الذي يجب أن يكون المِلاك. 1

التّوجه العمليّ

حسناً، هنا يُطرح سؤال: كيف تكون عملية دخول الشباب إلى هذه الحركة العامة؟ أنتم الآن شباب ملتزمون وتريدون المشاركة في هذه الحركة العامة، فكيف سيكون أسلوب مشاركتكم؟ في كلّ زمن، تبرز الحاجة إلى وسائل وأساليب عملية. وهنا محلّ بحثنا. وهذا ما تسألون عنه – بمعنى أنّ الجيل الشاب قد يسأل عنه وهو سؤال مبهم – وهو: ما هو في النتيجة الأسلوب العملي لكي نستطيع نحن الشبابَ أن ننزل إلى الساحة؟ إنّ قضية الأساليب العملية هذه تحتاج إلى التوجيه والتركيز والمتابعة والنشاط الدؤوب والمستمرّ ليمكن التقدم بقافلة المجتمع العظيمة هذه، والأهم من ذلك بشباب المجتمع إلى الأمام.

مهمة من هذه؟ على عاتق من تقع مهمات هذا التركيز، ووضع البرامج وخطط العمل، والعثور على الأساليب والطرق، وعرضها والتخطيط والبرمجة؟ تقع على عاتق التيّارات والحلقات الوسيطة. لا تقع هذه المهمة على عاتق القيادة، ولا الحكومة، ولا الأجهزة والمؤسسات الأخرى، بل على عاتق مجموعات من الشعب نفسه، وهو ما نمتلكه اليوم - لحسن الحظ - بأعداد لا بأس بها. لدينا بين شبابنا وبين مسؤولينا النّخب الفكرية التي نحتاج إليها في مجالات متنوعة. في وسع هؤلاء أن يجتمعوا ويخطّطوا ويوجّهوا. التشكيلات الطالبية الجامعية من هذا القبيل، والمجموعات ذات التجارب والنشاط في المجالات الثقافية والفكرية وما شابه هي من هذا القبيل، والأكثر نشاطاً في هذه المجالات هو الأكثر تأثيراً. أي زمام الأمر بيد الناشطين، فالكسل والتثاقل والخمول وما إلى ذلك لا ينفع. 1

التمييز بين التّبيين والتّظاهر بالتّبيين (مواجهة تيار التحريف)

أريد اليوم أن أصحّح خطأين، إذ يجري حاليّاً بثّ هذين الخطأين ونشرهما في أوساط الناس والرأي العام. العامل الأول لهذا النشر والترويج هو الاستكبار وأمريكا بالدرجة الأولى، وفي الدرجة الثانية هناك بعض الأشخاص في الداخل من الذين – أنا لا أتهم الجميع – يرتبط بعضهم بأجهزة المخابرات والشبكات التجسسية أو السياسية أو المراكز الأمريكية الخاصة، وبعضهم ليسوا كذلك، فهم ليسوا مرتبطين ولا تابعين، بل من الذين ملّوا وتعبوا، ومن النادمين على تاريخهم الثوري، ومن الذين شمّوا رائحة الدنيا وملذّاتها. أولئك يضخّون هذا الفكر وهذين الخطأين إلى هؤلاء الذين يقومون بدورهم على نشره وترويجه على المنابر المختلفة والمواقع المتنوعة داخل الجامعات وخارجها وفي المطبوعات والأماكن المختلفة. أنا اليوم أريد تصحيح هذين الخطأين.

الخطأ الأول أنهم يروّجون أنّ الإمام حين قال: «أفرغوا كل ما لديكم من صراخ على رأس أمريكا» 1 - هذا الحكم لا يزال مستمراً اليوم أيضاً - قالها نتيجة التعصّب والعنفوان، أي لا يوجد منطق قوي يدعم هذا الكلام! إنهم يريدون ترويج هذا الأمر. يريدون القول إنّ شبابنا وثوريّينا وشعبنا ومسؤولينا الذين ينهضون ويقفون مقابل أمريكا ويفضحون مؤامراتها وخططها إنما هم أناس متعصّبون وأفعالهم ناشئة عن الحميّة الجاهلية والتعصّب. هذا ما يهدفون إلى بيانه. إنّ القضية على عكس هذا بنسبة 180 درجة. حين قال الإمام الخميني: كل ما لديكم من صراخ أفرغوه على رأس أمريكا، هناك منطق محكم في هذه القضية هو أنّ أساس سياسة أمريكا قائم على التوسّع والسيطرة والتطاول على الآخرين. تاريخ أمريكا الذي مضي عليه حتى الآن 250 سنة يدلّ على هذا الأمر – بالطبع كان أخفّ في البداية لكنّه منذ نحو مئة عام أو أقلّ بقليل صار أوضح بكثير – وهو أنّ السياسة العامة لأمريكا تقوم على تأمين أمنها الداخلي عبر التطاول والتدخّل في بلدان العالم واحتلال مناطق كثيرة. هكذا يعملون، وهذه هي سياستهم.

حين قال: «اصمدوا في وجه أمريكا وكل ما لديكم من صراخ أفرغوه على رأس أمريكا»، هذا يعني الدفاع عن القيم، ليس دفاعاً عن القيم الخاصة بالمسلمين فقط بل عن القيم الإنسانية. اليوم باعتراف الأمريكيين أنفسهم الحكومة الأمريكية والنظام الأمريكي بعيدان فراسخ عن القيم الإنسانية.

كل هذا من جهة، ومن جهة أخرى هناك عامل مهم آخر هو أنّ الأمريكيين منذ الأيام الأولى للثورة ساهموا في الإعداد لضربة كبرى ضد الشعب الإيراني، فقد استقبلوا محمد رضا (الشاه) كي يحافظوا عليه ثم يهيّئوا الأرضية والشروط المناسبة فيقوّون عملاءهم هنا ويكرّرون ما فعلوه في 28 مرداد 1332ه. ش. (1953) –قبل 25 سنة منذ ذلك الزمان – حين كان محمد رضا قد هرب من إيران أيضاً في 28 مرداد، فتعاون الأمريكيون والإنكليز معاً وتسللوا سرّاً داخل البلاد، واستخدموا السفارات المختلفة، وجهّزوا جماعاتهم واستغلّوا غفلة الشعب في ذلك الحين وأعادوا محمد رضا إلى الحكم، وتسبّب ذلك في استمرار نهب هذا الشعب وإعادة إذلاله وقمعه 25 سنة أخرى. لقد كانوا يريدون تكرار هذا السيناريو مرة أخرى لكن الإمام وقف سدّاً منيعاً في وجههم، وأيقظ الشعب الإيراني الذي نهض وصمد وقاوم. بناءً على ذلك إنّ هذا الشعار ضد أمريكا، وهذا الصراخ في وجه أمريكا، ليسا تعصّباً وليسا ناشئين عن الجهالة والعناد، بل قائمان على المنطق ومستندان إلى أساس فكري وقاعدة منطقية متينة. عليه، فليعلم شبابنا الأعزاء وليعلم أيضاً كل الذين يكتبون ويتحدثون ولديهم منابر للكلام – منبر المطبوعات، والجامعة، والصف... والمنابر المتعددة – فليعلموا ويلتفتوا جيداً: لهذا كان شعبنا يطلق الشعارات ضد أمريكا اليوم وخلال أكثر من ثلاثين سنة مضت، وهو يستند إلى منطق متين وقوي.

طوال هذه السنوات، تعرّضنا لحرب الأعوام الثمانية من صدام، وكان الأمريكيّون يقفون بكل قوة خلف صدام لدعمه ومساعدته بكل ما يستطيعون. لقد شهر الأمريكيون عداءهم بعد الحرب بصورة أخرى، وقبل الحرب بطريقة مختلفة، وخلال الحرب بأسلوب، وحتى اليوم بنمط آخر، وفي قضية الاتفاق النووي على نحو ثانٍ وما بعد الاتفاق بصورة مختلفة. قبل أيام صرّح ذلك السيد المفاوض الأمريكي 2 بوضوح وصراحة – بثّ تلفازنا أيضاً كلامه – قائلاً إننا قد فرضنا أنواعاً من الحظر والعقوبات على إيران بعد الاتفاق أيضاً. هذه هي أمريكا. إنّ وقوف الشعب الإيراني في وجه أمريكا وقوف مستند إلى منطق قوي. وعليه، الخطأ الأول أنهم يريدون الإيهام أنّ الناس تواجه أمريكا تعصّباً وعناداً. والقضية هي عكس ذلك في الواقع: لقد واجه الناس أمريكا اعتماداً على ذلك المنطلق المتين. هذا تصحيح الخطأ الأول.

الخطأ الثاني هو الفكرة الغلط والخطأ التي يبثها الأمريكيون، وهناك أشخاص يروّجون لها في الداخل، وهذا أخطر من الخطأ الأول: إننا إذا تصالحنا مع أمريكا، فإن مشكلات بلدنا سوف تُحل. إن هذا من الأخطاء العجيبة الغريبة والبالغة الخطورة. يقولون إننا إن انسجمنا مع أمريكا، فسوف تُحل مشكلات البلاد. حسناً، يمكن الآن تعداد عشرة أدلة على أن هذا الكلام غلط وكذب وخداع. إنّ المصالحة مع أمريكا لا تحل مشكلات البلاد بأي وجه، لا المشكلات الاقتصادية ولا السياسية ولا الأمنية ولا الأخلاقية، بل إن الأوضاع ستصير أسوأ وأصعب.

توجد عشرة أدلة، بل خمسة عشر دليلاً على هذا ويمكن تعدادها وتبويبها في هذا المجال. آخر هذه الأدلة ما حدث في مسألة الاتفاق النووي هذه. لطالما قلت وكرّرت القول خلال المفاوضات إنّهم ناكثون للعهود وإنّهم كاذبون ولا يلتزمون ما يقولون. ها أنتم ترون الآن ماذا يجري! 3

البحث والتّحقيق من أجل فهم المسألة

البيان نفسه يحتاج أوّلاً إلى التبيّن والفهم. لا بدّ لنا أن نفهم حتى نستطيع تبيين ما فهمناه. إذاً، اكتساب الفهم واجبٌ بالنّسبة إلينا وضروريٌّ ولا يُمكن اجتنابه. علينا أن نزيد على ما لدينا يوماً بعد يوم. ما نعلمه لا يساوي قشّة مقابل الصّحاري والأراضي الزراعيّة. ما الذي نعلمه؟ كلّ كتابٍ يفتحه المرء... يلاحظ وجود سيل من الموضوعات في هذه الكتب ووعاؤنا الفارغ يحتاجها. أين العُمق؟ أين الموهبة؟ أين التوفيق من أجل كلّ هذا الفهم؟ على أيّ حال لا بدّ أن نسعى.

نحن أمام ما ينبغي أن نعلمه، وفي ما يرتبط بالمعارف التي يحتاجها النّاس، لا نعلم شيئاً. لا بدّ أن ندرس ونطالع. لا أرغب هنا في تحديد تكليف الدّراسة؛ يجب أن نزيد على ما لدينا بالمطالعة والبحث والتأمّل والتفكّر حتّى نقدر على التّبيين. إذاً، أحد التكاليف تكليف التّبيين، وكان ملقى على عاتق العلماء جميعاً.1

1. كلمة الإمام الخامنئي في لقاء مع علماء الدين في محافظة بوشهر، 1/1/1992.

جهاد التبیین
۹

الإقدام في الوقت المناسب

لكلّ فريضة وقتها، ويجب أداؤها في وقتها. أفضل وقت لأداء الفريضة هو أول الوقت – وقت الفضيلة – لكن هناك من لا يؤدون الفريضة أصلاً فيقولون: «لا بأس دعونا من هذا ولا شأن لنا». بعضهم يؤدّون الفريضة ولكنّهم يتأخرون، وهناك من يدعون الوقت ينقضي ثم يقومون لإنجاز العمل المطلوب، مثل التوّابين. فحين كان يجب أن يلتحقوا بالقتال في يوم عاشوراء لم يفعلوا، وحين قاموا كان قد جرى ما جرى و«لات حين مناص»! أو قيام أهل المدينة بقيادة عبد الله بن حنظلة. حين انتفضوا في وجه يزيد قاموا وطردوا واليه على المدينة، لكن حركتهم جاءت متأخرة. كان عليهم القيام بمجرد سماعهم أن الحسين بن علي (ع) قد خرج من المدينة للمواجهة. تأخروا وقاموا بعد سنة وكانت النتيجة ما ذكره التاريخ: تعرضوا لمجزرة فظيعة وإبادة جماعية متوحشة ولم يستطيعوا أن ينجزوا أي شيء. يجب أداء العمل في وقته المناسب. حسناً، إذا أردنا إنجاز العمل في وقته المناسب، فعلينا معرفة الفريضة، وأن نعرف ما العمل المطلوب كي ننجزه في اللحظة المناسبة. 1

الأسلوب الفنّي

حقيقة الفن – أي فن كان – هو أنه عطية إلهية. ومع أن الفن يظهر في كيفية التبيين، لكن هذه ليست كل حقيقة الفن، إذ ثمة قبل التبيين إدراك وشعور فني، وهنا تكمن النقطة الرئيسية. بعد إدراك الجمال واللطافة والحقيقة يُظهر الفنان من إدراكه هذا آلاف الدقائق الأدق من الذرة التي لا يستطيع الأفراد غير الفنانين إدراك حتى نقطة واحدة منها، لكن الفنان يعبّر عنها بروحه الفنية وبالنور المتوقد في سريرته. وهذا هو الفن الحقيقي الواقعي الناجم عن إدراك وانعكاس وتبيين. الفن فـي واقع الأمر هبة إلهية وحقيقة فاخرة للغاية، وعلى كل مَنْ منحه الله هذه الموهبة أن يعتبرها على نحو طبيعي عبء مسؤولية ملقى على عاتقه كما حال سائر الثروات، أي أنّ مواهب الله مقرونة بالتكاليف، وليست هذه التكاليف جميعاً شرعية ودينية بالضرورة، فكثير منها ينبع من صميم الإنسان. فعندما تتمتعون بنعمة البصر ويفقدها بعضهم هذه العين، بالإضافة إلى المتع واللذات التي تدر بها عليكم هي تثقل كاهلكم بالتكليف أيضاً، وهذا التكليف يتبلور على خلفية امتلاككم العين وليس من الضرورة أن يحدده الدين للإنسان أو تنزل آية قرآنية بشأنه، بل إنّ قلوبكم هي التي تدركه، وليس هنالك في العالم من لا يؤاخذ ثريّاً إن رآه لا يكترث للفقراء ـ حتى إن كان قد جمع أمواله بكد يمينه وعرق جبينه ـ وقد يرد بأنه هو الذي جمع هذه الثروة بيديه وهي له، لكنكم لم تقبلوا منه ذلك، فوجود الثروة أو النعمة أو المكتسب يقابله تكليف أيضاً. 1

الابتكار في شكل وطريقة التعبير والبيان

لم يعد ممكناً القتال بالأسلحة القديمة في الحروب الصلبة. اليوم لا يمكن الدخول بالسيوف والرماح وما شابه إلى حرب المدافع والصواريخ وما في حكمها. الأمر كذلك في جهاد التّبيين. [لا يمكن العمل] بالطرق القديمة. طبعاً لا بدائل عن بعض الطرق القديمة مثل المنبر ومجالس العزاء والمديح. هذه [أمور] قديمة لكن ليس هناك بديل عنها، ولا تزال فعّالة، ولا يمكن لشيء آخر أن يحل مكانها، ولكن من حيث الأدوات المختلفة لا بدّ من تحديثها.

بالطبع أسلحتنا الصلبة اليوم جيّدة في هذا المجال، وهذا يعني طبعاً أن في مجال الفضاء المجازي ناشطين ويعملون. ومع أن هناك مشكلات في الفضاء المجازي لكن [الأعمال] لا تزال متاحة. إنّ الأعمال التي يجب أداؤها متوفرة من حيث المعدّات [لكن] المهم هو جزء البرمجيات من القضيّة. فسلاح التّبيين يحتوي على جزء برمجي مهم. ويجب أن يحدث الابتكار هنا، ولا بدّ من التحدث بكلام جديد والتعبير بأسلوب جديد. 1

بعيداً عن الضوضاء والجلبة

هناك نقطة أخرى هي أن تعتبروا «التّبيين» أساس العمل. إنني أشاهد أحياناً جماعة وأناساً وشباباً قد يتسمون بالإيمان والصلاح، ولكنهم إذا ما عارضوا شخصاً أو اجتماعاً، أثاروا الضجيج والصخب وأطلقوا الشعارات والهتافات، وأنا أرفض ولا أؤيّد مثل هذه الممارسات التي لا طائل من ورائها، ودوماً أوصيت الذين يقومون بهذه الأعمال [بالإعراض عنها] منذ زمن بعيد. أن تشاركوا في مجلس، ولأنكم لا تقبلون المُحاضر – قد يكون الحق معكم أو لا – فتعملون على إفشاله وتعطيله وتخريب الأمور فيه، هذه ممارسات لا فائدة ولا جدوى فيها. إنما الفائدة تكمن في التّبيين والعمل السليم المتسم بالذكاء والوعي، وهذا ما يحقق النفع والفائدة. أحياناً هناك من يفعل هذه الممارسات عن سوء نية ويحمّلون مسؤوليتها على الشباب المؤمن والحزب-اللهي، فكونوا على حيطة وحذر تجاه ذلك. 1

الاستفادة من الفضاء المجازيّ

بالطّبع، يُعَدّ الفضاء الافتراضي اليوم فُرصة لذلك. الآن يَستخدم الأعداء الفضاء الافتراضي بطريقة مُختلفة، لكن، أيّها الشباب الأعزاء، استخدموه بهذه الطريقة: استخدموا الفضاء الافتراضي لخلق الأمل، وللتّواصي بالصّبر، وللتّواصي بالحقّ، ولخلق البصيرة، وللتّواصي بتجنّب الشّعور بالتّعب، وبالنّشاط، ورفض البطالة، وأمثال ذلك. حسناً، هذا في ما يتعلق بالمهمّة الأولى للعدوّ في كسر سلسلة التّواصي وحماية بعضنا بعضاً. 1

المداومة والتكرار

عندما تصلون إلى نتيجة ما بخصوص عنوان من العناوين المهمة الأساسية للثورة، يجب أن تحوّلوه إلى «خطاب» ومنطق رائج، كأنْ تنشروه مثلاً في الصحف والمجلات. أنتم مجموعة كبيرة، عدد كبير من السادة من أئمة الجمعة أو الشخصيات البارزة في المحافظات أو العاصمة، ولهم منابرهم ويستطيعون التحدث مع الناس ومخاطبتهم، فكرّروا وتكلموا إلى أن تصير الفكرة خطاباً. «الخطاب» هو تلك الفكرة الشائعة بين الناس والتي تمثل مطالبة عامة من الشعب. عندما يتحول أمر ما إلى مطالبة عامة وخطاب عام، سيقترب على نحو طبيعي من التطبيق العملي. وكذا الحال بالنسبة إلى هذه القضية أيضاً: تأكيد أن الأيدي الداخلية هي التي تحل مشكلات البلاد يجب أن تتحول إلى واحدة من الواضحات والبينات الفكرية للشعب. يجب أن تقال هذه الفكرة وتُكرر ويستدل عليها منطقياً ويتم تبيينها حتى تصبح «خطاباً» مسلّماً. 1

الاستفادة الصحيحة من عنصر العاطفة

فقه الشّيعة، فلسفة الشّيعة، الكلام الشيعي والمعارف الشيعيّة، كلها استطاعت على مرّ الزّمان ووسط أنواع التحريف وإلقاء الشبهات ونسج الأمور شبه العلميّة بدعم سياسيّ ظالم ومساندة من أموال بيت المال التي كانت تخدم الأهداف الخبيثة أن تحافظ على بقائها سليمة، وأن تتكامل وأن تُكمّل وأن تُنمّي وتجعل القلوب والأذهان لملايين الناس في أقطار العالم – ليس في إيران فقط – مقهورة أمام عظمتها وصلابتها. من أين ينشأ هذا؟ لا شكّ في أنّ سلامة هذا الفكر وأصالته لهما التأثير الأكبر. لكن هناك مواضع لا تكفي فيها القدرة العلميّة وحدها، وتكون هناك حاجة إلى شيءٍ آخر هو ذاك الشّيء نفسه الذي يشكّل الدعامة لأنواع الإيمان الخالصة، وهو العواطف السّليمة النابعة عن المعرفة الصحيحة. محبّة الأئمّة هذه، محبّة أهل البيت هذه – الأمر الذي جرى تأكيده في القرآن أيضاً؛ {إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} (الشورى، 23) – وهذا التمسّك بكلام أهل البيت (ع) وإرشاداتهم وإصبع إشارتهم الحلّال للمشكلات في كلّ القضايا، هو ذاك العامل المهمّ الذي استطاع الإبقاء على هذا الفكر سالماً ومتيناً ومحفوظاً من الأذى. العلماء والمتفكّرون الذين قهرهم المال والقوّة والسّلطة والشهوة وسائر أنواع الزلّات ليسوا قلّة. ذاك العامل الذي يقدر على إبقاء العالم والشخص العامّي بعيداً عن هذه الزلّات هو هذا التدفّق للإيمان الممزوج بالعواطف. هذا ما حفظ الشيعة.

قال الإمام الخمينيّ (قده): «محرّم هو الشّهر الذي ينتصر فيه الدّم على السّيف». كيف يكون ذلك؟ أنتم الشّبابَ الأعزّاء لم تكونوا في الشوارع ذلك اليوم. وسط ميدان هذا العالم الكبير، وقعت كلّ أحداث التغيير والتحوّل السياسيّ في القرن العشرين. عام 1917 اندلعت الثورة السوفييتيّة في روسيا. بعد انقضاء عقدٍ أو اثنين، تتالت في أنحاء العالم التحوّلات السياسيّة، وسُفكت دماء كثيرة، ووقعت انقلابات دمويّة، إما بأنواع التخويف والتهويل، أو بالاجتياحات العسكريّة المذهلة. لم يحدث في أيّ مكان – حتّى انتصار ثورتنا – أن قام شعبٌ مستعيناً بأجساده وقلوبه وعواطفه المجسّدة بشعاراته دون سلاح، مع الحجم العظيم لوجوده، بالسيطرة على أجواء مجتمعه على نحو لا يقدر العدوّ على الثّبات أمام قوّته. هذا حدث في إيران. 1 مما لا شك فيه أنّ أسس الدين هي العقلانية والفلسفة والاستدلال، ومع ذلك، لا يمكن لأي من المباني العقلية والفلسفية والحكمية أن ينمو ويتجذّر ويبقى خالداً في التاريخ دون أن ينهل من المشاعر العاطفية والإيمان القلبي. إنّ هذا هو ما يميّز الأديان عن المدارس والأيديولوجيات والفلسفات الأخرى، إذ إنّ الدين يمسّ المشاعر ويثير العاطفة. وإنّ هناك فرقاً بين الإيمان والعلم، والإيمان والاستدلال، والإيمان والفلسفة، فالإيمان عاطفة قلبية. منزلة الإيمان هي بمنزلة العاطفة والإحساس، فالإيمان يعني المحبة والإخلاص والعشق. ولهذا القلب يفي بدوره، والمشاعر تبقى حيّة متّقدة على هذه الصورة في تاريخ الأديان.

مع أنه لا يمكن لأي من الفلسفات أن تصمد أمام فلسفة الأديان وفلسفة التوحيد، ولا سيّما فلسفة كالفلسفة الإسلامية المدونة، فإن هذه ليست المشكلة خلال تاريخ الصراعات الفلسفية، فثمة كثيرون ممن يعرفون الأسس والمفاهيم الإسلامية ويدركون الحقيقة، لكنهم لم يسلّموا لها. هل تتصورون أنّ كل من سمعوا تلك الكلمات من الرسول (ص) في صدر الإسلام حول مناقب علي بن أبي طالب (ع) وأحقّيته كانوا جاهلين بهذه الأحقّيّة؟ لقد كانوا يعلمون. إننا قرأنا في الأثر أنهم سمعوا بهذا الكلام من فم النبي (ص)، وكانوا على علم به، لكن كان ينقصهم الإيمان بما يعلمون والإقرار به، أي الحب والاعتقاد. فما الذي يحول دون الإيمان؟ إنها أمور كثيرة، ولكن هذا باب واسع آخر. 2

توأمة التّبيين مع العمل

ترابطوا وتحادثوا وتبادلوا المعنويّات، واشرحوا لإخوانكم الذين نزلوا حديثاً إلى هذا الميدان تلك الحقائق التي تعرفونها عن الاستكبار والمستكبرين والمعاندين والمخالفين، فلديكم تجربة ثلاثة عقود في هذا المجال. ومن لم يكن لديه قدرة البيان والتّبيين وأمثال هذه الأمور، فيمكنه أن يدعو النّاس بتصرّفاته وسلوكه؛ {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} (آل عمران، 104). إنّ دعوة الناس يمكن أن تكون باللسان ولكن الدعوة الأقوى والأفضل بالعمل. فتأدّبكم واحترامكم وإظهاركم لتعظيم حقائق الحج كل هذه سلوكيات عامّة وجمعية من أجل إقامة هذه الواقعة الإسلامية الدولية. 1

سلك إمامُنا لإحياء الإسلام ثانيةً ذاك السبيل الذي كان قد سلكه الرسول الأعظم (ص)، أي نهج الثورة. وفي الثورة، الأساس هو الحركة: حركةٌ هادفةٌ مدروسةٌ مستمرّةٌ ومُفعمةٌ بالإيمان والإخلاص ولا تعرف الكَلَل. لا يُكْتَفى في الثورة بالقول والكتابة والتوضيح، بل إنّ أساسها ومحورها هو سلوك طريق [الجهاد] والتقدّم من مَعْقِلٍ إلى مَعْقِل، وأن يُوصِل الإنسان نفسَه إلى الغاية. والخطابة والتأليف ينصبّان أيضاً في خدمة هذه الحركة التي تستمر حتّى الوصول إلى الغاية، أي حاكمية دين الله والقضاء على سلطة الطاغوت الشيطانيّة؛ {هُو الذي أرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلى الدّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُون} (الصف، 9). 2

جهاد التبیین
۱۰

الرّجوع إلى المخاطب

الاهتمام بالتواصل المباشر... الفضاء الافتراضي أمر جيّد، وهو فرصة، لكنّه ليس كافياً. هناك من يجلس ويلتصق بالعالم الافتراضي – شبكة «تويتر» وأمثالها – ليوصل رسائله. هذا لا فائدة منه؛ التواصل المباشر أمر ضروريّ، والندوات والطاولة المستديرة وحلقات البحث ضرورية، والخطابة أمرٌ ضروريّ، والمنشورات والمطبوعات ضرورية، والنقاشات الثنائيّة والثلاثيّة ضرورية، وجلسات التحليل أمر ضروريّ. اجلسوا مع جمهوركم ومخاطبيكم. أدّوا مثل هذه الأعمال. 1

لا يوجد ما يمكن أن يحلّ محلّ مثل هذه المحادثات المباشرة. وكما كان التقليد القديم لنا نحن المشايخَ حين كنا نجلس على منبر ونخاطب الناس وجهاً لوجه، ففي هذا العمل يوجد أثرٌ. وما ذكرته أختنا في ما يتعلّق بالآثار الإلكترو-مغناطيسية... لا يوجد في هذه اللقاءات تأثيرات إلكترو-مغناطيسية من إنسان إلى آخر، ومن وجهٍ إلى آخر في أي بُعدٍ من الأبعاد. فلهذا العمل أثرٌ، وهم بدورهم يسمعون ويستمعون، وكثير من المطالب والإبهامات والأسئلة التي تدور اليوم في أذهان جيل شبابنا سيُجاب عنها بتصريحات المسؤولين، وستُكشف المبهمات والمعضلات أيضاً. عندما كان لديّ قدرات جسمانية أكثر، كنت أشارك كثيراً في الجامعات، وأنا الآن في الواقع لو أستطيع ويوجد لديّ مجال ووقت، أحبّ أن أشارك من حين إلى آخر، وضمن أوقات غير متباعدة، في الجامعات، لكن الأمر الآن هو أنّه: {لَا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلّا وُسْعَهَا} (البقرة، 286). ولا أظنّ أنّ الشباب يتوقّعون ذلك من أمثالي وممّن هم في سنّي ومشاغلي الكثيرة، وأمّا مسؤولو البلاد، فعلى العكس يمكنهم، وعليهم أن يشاركوا. إنّني من هنا أوصي المسؤولين أن يشاركوا في اللقاءات الجامعية، فليأتوا وليسمعوا من الجامعيين وليتحدّثوا معهم. 2

الاستفادة من الأساليب غير المباشرة

في بعض الأحيان، تترك الأدوار الاستطراديّة أو الهامشيّة في الأفلام تأثيرات كبيرة، فعلى سبيل المثال، تراعي إحدى السيّدات ذات الشخصيّة الجذّابة والإيجابيّة في مسلسل تلفزيوني ارتداء الحجاب وتلتفت إلى حجابها. هذا دورٌ فرعيّ وهامشيّ لكنّه يترك أثراً كبيراً. أو تؤدي شخصيّة جذّابة في الفيلم الصّلاة في موضع حسّاس. أنا لا أقول إنّه ينبغي حتماً عرض الصّلاة والركوع والسّجود. في بعض الأحيان، يجري عرض أدوار مصطنعة، أنّه يُصلّي ويقرأ «سبحان ربّيَ الأعلى» بطريقة غير صحيحة، أي لا يتقنها ولا يقرؤها بشكل صحيح. أنا لا أقول ذلك، لكن أن يتّضح أنّه يذهب ليصلّي ويرفع أكمامه لكي يذهب ويتوضّأ، مثل هذه الأدوار الاستطراديّة والهامشيّة تترك أحياناً تأثيراً كبيراً في الشباب والناشئة. هناك الآلاف من النماذج من هذا القبيل. إذاً، التفتوا إلى هذه الأدوار الاستطراديّة، خاصّة في مجال الدّين. 1

تشكيل الاجتماعات

من مسؤوليات التيار الطلابي السعي إلى الفهم والإدراك، أي التفكّر. يبدو لي أن من الأمور الضرورية تشكيل جلسات فكرية واسعة يمكن لمجاميع الطلبة الجامعيين ومجاميع الطلبة الحوزويين عقدها ببرمجة جيدة لتكون محطات يفكرون فيها حول مختلف القضايا. تنمية التفكير الصحيح ونشره يمكن أن يؤتيا الثمار التي نتوقعها من الطالب الجامعي في مجالات العلم والتقانة والتطور المعرفي، أي الازدهار وتقديم جديد لساحة الفكر وفق حركة سليمة وتوجه صائب. هذه من الأعمال الممكنة. 1

إن الحضور المادّيّ والفكريّ في القضايا العامّة للبلد من جانب الفئة الجامعية يُعدّ ضرورياً حتماً، فالمشاركة الفكرية ضرورية أيضاً عبر هذه الوسائل والتجمّعات الجامعية والتصريحات والمواقف التي تظهرونها هنا وهناك، وعرض آرائكم على الأجهزة المعنيّة والوزارات – إذا كنتم من أهل الاقتصاد، تكون الأجهزة الاقتصادية، وإذا كنتم من أصحاب القضايا الثقافية، فاكتبوا الرسائل إلى الأجهزة الثقافية، واقترحوا واعرضوا آراءكم واتّخذوا المواقف – وكذلك الحضور والمشاركة المادّية ضرورية. أحياناً يجب أن تشاركوا في تجمّعٍ ما. إنّني لا أعارض بأيّ شكلٍ ولا أرفض بل أؤيّد بعض التجمّعات الجامعية التي تكون من أجل القضايا المختلفة... على سبيل المثال قضية البحرين أو غيرها. بالطبع إنّني مخالفٌ للتشتّت في هذه الجامعات والحدّيّة وأخالف أيّ عملٍ غير مدروس فيها، ولا أوافق – أنا العبدَ – على القرارات غير الصائبة التي يمكن أن يتخذها بعض الأشخاص، ويمكن أن تكون ضمن أجواء المشاعر الجيّاشة مورد دعم جماعةٍ ما فجأةً. 2

الحضور الجسدي – أو كما تقولون الحضور الفيزيكي – ضروري أحياناً. الاجتماعات ضرورية ولا إشكال فيها أبداً، على أن تكون قانونية بالطبع. وقد يحدث أحياناً أن القانون يصعّب بعض المسائل، فلا بأس؛ الأمور لا تجري دائماً كما يحب الإنسان ويتمنّى. اجتماعاتكم جيدة، فليكن لديكم اجتماعات وتجمّعات حول المسائل المهمة على نحو صحيح. يتجمّع بعضهم مثلاً ضد الاتفاق النووي أمام «مجلس الشورى الإسلامي». أنا لا أظنّ أنّ هناك منطقاً وراء هذا التجمع. حسناً، كم لدى هؤلاء النواب من وقت وفرصة؟ التجمّع الصحيح هو أن تستأجروا مثلاً قاعة كبيرة أو تنسّقوا لاستخدامها في نشاطكم، وليجتمع هناك 500 أو 1000 أو 2000 أو 10000 طالب جامعي، ويلقي اثنان أو ثلاثة منهم بعد إعداد ومطالعة كلماتهم بمنطق واستدلال. هذا أمر مهم، وسيصل كلامهم إلى أسماع نواب المجلس وكذلك ممثّلي الحكومة والقيادة. مثل هذه الاجتماعات بالغة الأهمية... أو بالنسبة إلى بعض المسائل التي تحدث، إذ تريد بعض المجموعات الطلابية أن تخالف المباني، فتسعى مثلاً إلى تجاوز الخطوط الحمراء لدى النظام وتستعرض مواقفها بكل افتخار وتحاول تصنّع الشجاعة وادّعاء الجرأة لتجاوز خطوط النظام الحمراء.

في تلك الحالة إن الحضور الجسدي جيد جداً، وبالطبع ليس بمعنى أن تذهبوا وتخرّبوا مجلسهم وتفشلوه! لقد قلت سابقاً والآن أقول وأكرّر قولي عشر مرات: إنني مخالف لهذا الأسلوب، فليكن أي تجمع أو لقاء. [لكن] تخريب الجلسات عمل لا فائدة منه وأحياناً يكون مُضراً. لا فائدة منه بالحد الأدنى ومضر بالحد الأقصى. ما الداعي له؟ حسناً جداً، هم تجمعوا وعقدوا لقاءً وتكلّموا ضد المبنى الثوري الفلاني، جيد جداً. أعلنوا أنّكم يوم غد أو بعد غد: سنجتمع هنا أو في تلك القاعة نفسها وسنطرح ذلك الموضوع نفسه للبحث. وزّعوا دعوات واجمعوا الطلاب وأجروا البحث والمناقشة وتفنيد كل ما طرحوه، وأنهوا تلك المسألة. هذا أمر جيد. أوجدوا جمهوركم. هناك كثيرون من الطلاب، والطالب الجامعي إنسان يسعى لفهم الحقيقة. بناءً على هذا إن الاجتماعات «الفيزيكية» أمر جيد جداً ولا إشكال فيها، وغاية الأمر أن تجري وفق القوانين والمقررات كما ذُكر سابقاً، وبتمهيد وتحضير سليم، وعلى مسؤولي الجامعة أن يساعدوا في هذا المجال. 3

تشكيل لجان مفكّرة

كذلك إن «اللجان المفكرة» أكثر بلاغة ودلالة من «غرفة الفكر». نحن بحاجة إلى «لجان مفكرة»، أين؟ في نقطتين: إحداهما في الرأس، والأخرى في الطبقات، طبقات التعبئة المتعددة. الآن وهنا حين يقول الشباب نحن متحمّسون ومشتاقون للجهاد فأرسلونا للقتال ولماذا لا ترسلوننا، هذا تعبير عن الحرب الصلبة. من الحرب الصلبة التي تحتاج إلى لجنة مفكّرة لترسيم هذا العمل وتحديد إطاره وحدوده: من يذهب إلى الجبهة، ومتى يذهب، وكيف يذهب... وصولاً إلى الحرب الناعمة، هي ساحة واسعة جداً وتتوسّع وتكبر يوماً بعد يوم بواسطة هذا الفضاء الافتراضي، وهي أخطر بكثير من الحرب الصلبة. ففي الأخيرة، تضرّج الأجسام بالدماء ولكن الأرواح تحلّق وتدخل إلى الجنة. أمّا في الحرب الناعمة إذا ما انتصر العدو - لا سمح الله -، فإن الأجسام ستنمو وتبقى سليمة لكن الأرواح تسقط إلى قعر جهنم. هذا هو الفرق. ولهذا هي أخطر بكثير من الحرب الصلبة. هناك ضرورة لوجود «لجنة مفكرة». 1

الحلقات المعرفيّة

بحمد الله، اليوم إن هذه الأعمال رائجة: أن يقف إمام الجماعة بين الصلاتين أو يصعد إلى المنبر ويتحدّث إلى الناس أو مثلاً يُحضر لوحاً إلى المسجد فيكتب الأحاديث ويبيّن للناس، أو يجلس مع الشباب ويُشكل معهم حلقة معرفية فيبيّن لهم ويستمع لأسئلتهم. هذه الأعمال رائجة حالياً كما يشعر الإنسان من التقارير أو مما يسمعه أو يُنقل إليه. لم تكن هذه الأمور رائجة في ذلك الزمان. كان أئمة الجماعة غالباً ما يكتفون بالذهاب إلى المسجد والصلاة ثم الخروج. قد يُجيب عن بضع مسائل شرعية، وقد يُسأل أو لا يُسأل... لا شيء أكثر من هذا. أما الآن، فهذه الأعمال رائجة، بحمد الله. ويجب أن ترتقي نوعيتها يوماً بعد يوم. 1

استخدام الوسائط المتعدّدة والافتراضيّة

إِنَّ الفنّ هو الوسيلة الفضلى للتعبير عن تلك المفاهيم والقضايا. وللأسف إنّ أعداء الإسلام والجمهورية الإسلامية، وأعداء قِيَم العزّة والكرامة، أساؤوا استخدام هذه الوسيلة، وجيّروها إِلَى جانب الشرّ، وما زالوا عاكفين على ذلك. فيستغلّون الشعر والرسم والقصص والأفلام والعروض التمثيلية وغيرها من سائر الفروع المرتبطة بالفنّ كوسائل لسحق الفضيلة وتدمير الحقائق وتحريفها، والقضاء على الفضائل المعنوية والإسلامية، وسَوْق المجتمعات نحو الحياة المادية الخاوية.

فمَنْ الَّذِي ينبغي أنْ يأخذ على عاتقه إصلاح ذلك؟ أنتم أيُّها الشبابُ. إذا لم تقدر الثورة والمجتمع الإسلامي أنْ يفرز فنّاً عريقاً متألّقاً، فلن يتمكّن من إيصال مبادئه إِلَى جمهوره، ولن يؤسس لعلاقة متناسبة معهم.

فلنفترض أَنَّ مجتمعاً من المجتمعات حُرِم فيه أصحاب الفضائل والمبادئ الحقّة فرصة إيصالها عبر وسائل مثل الخطابة والتحاور مع الناس، فتصوّروا حينئذ الخسارة الكبيرة التي سوف تحلّ بذلك المجتمع. كذلك الأمر: سوف تقع الخسارة نفسها إنْ لم نقل إِنَّها من ناحية أخرى تكون أكبر لو حُرِم المجتمع التعبير عن آرائه وقِيَمه بأدوات الفن ووسائله، وليس ذلك إِلَّا لأنّ الفنّ يبرز الحقائق بطريقةٍ ربّما لا تتوفر عبر التعبير العاديّ والبسيط، ولا فرق في ذلك بين الأجيال المعاصرة والأجيال المقبلة. 1

واحدة من القضايا هي إنتاج المحتوى. ليس في مقدورنا في مجال إنتاج المحتوى الاطمئنان إلى المصادفات وما سيحدث. لا بدّ من الجلوس والتخطيط لهذه القضيّة – إنتاج المحتوى – والتفكير فيها. طبعاً لدينا شبابٌ متديّنون وأصحاب فكرٍ جيّد، ولدينا أشخاصٌ ينفعون في مجال إنتاج المحتويات الاجتماعيّة، ولدينا الحوزات العلميّة ويدهم مبسوطة في هذا المجال، ولدينا بعض الجامعيّين. طبعاً لدينا أيضاً بنوك معلومات. عليكم أن تستفيدوا منها. قوّوا جهاز إنتاج المحتوى. نحن بحاجة إلى هذه القضيّة. 2

جهاد التبیین

أهم القضایا التي تحتاج إلي تبیین

۱۱
جهاد التبیین
۱۲

الأصول الاعتقادية في الإسلام

هناك ثلاث مسائل لها دور كبير في تقوية البلد: إحداها مسألة العلم والتقنيّة، والثانية الاقتصاد، والثالثة الثقافة... الأهم في كلّ ما ذكرنا مسألة الثقافة خاصّة على مستوى الاعتقادات وعقائد الناس. أنتم تلاحظون كم يستثمرون حاليّاً، وتمّت الإشارة إلى أنّ كثيراً من رؤوس الأموال والثروات العالميّة تُصرف على تأسيس وسائل الإعلام المؤثّرة كالفضائيّات والإنترنت والخليوي وما شابه. إنّهم يستثمرون وينفقون المبالغ الطائلة كي يتركوا أثراً في عقائد الناس وإيمانهم وأفكارهم ويخرجوهم في الحقيقة من مجال تأثير النظام الإسلامي والقيم الإسلاميّة. بالتأكيد إنّ الترياق الشافي والعلاج الناجع لهذا هو أن نتمكّن في المستويات المختلفة من امتلاك أفكار ونماذج تبيين وإقناع في ما يتعلّق بعقائد الناس وإيمانهم، ويجب أن يتمكّن علماؤنا ومؤسّساتنا الثقافيّة ومؤسّساتنا الإعلاميّة وخطباؤنا وأجهزة الإذاعة والتلفاز عندنا من تثبيت هذه الاعتقادات في أذهان الناس وتعميقها. بالطبع إنّ العلاقة المباشرة للعلماء مع الناس عامل وعنصر لا بديل عنه، فلا شيء يحلّ محلّ هذه العلاقة. لا شيء حتى الإذاعة والتلفاز بما هما وسيلتان عامّتان وشاملتان، إذ لا يمكنهما أن يحلّا محل العلاقة المباشرة للعلماء والمفكّرين الدينيّين مع الناس. 1

أهمّ أصول المعرفة الدّينيّة

بخصوص المحتوى الإسلامي، كان للأعزاء إشارات جيدة جداً. المسألة الأولى التي يجب أن تؤخذ بالاعتبار هي المبدأ أو التوحيد. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ} (البقرة، 156). المشكلة الأهم في هذا العالم وتتجلى في الغرب على أكثر نحو ممكن هي البعد عن الله وفقدان الإيمان به وغياب التزام هذا الإيمان.

القضية الأساسية الثانية هي المعاد والحساب وأن المطاف والأمور لا تنتهي بزوال الجسم عند الموت. إنها لقضية على جانب كبير من الأهمية، أنّ هناك حساباً وكتاباً؛ {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ} (الزلزلة، 7)، فالشعب الذي يعتقد بهذا ويكون هذا المعنى في برامجه العملية - {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ (8)} - سوف يحدث تحول أساسي في حياته. ثم هناك مسألة تجنّب الفصل بين الدنيا والآخرة؛ «الدنيا مزرعة الآخرة» 2 ، وأخال أن بعض الأعزاء قد أشاروا إليها، وهي مسألة مهمة جداً. فالدنيا غير منفصلة عن الآخرة. والآخرة هي الوجه الآخر لعملة الدنيا.

المسألة الأخرى هي الإنسان، ونظرة الإسلام إلى الإنسان، ومحورية الإنسان. لهذا الموضوع في الإسلام معنى واسع جداً. واضح أن الإنسان في الإسلام، والإنسان في الفلسفات المادية الغربية والوضعية في القرن التاسع عشر وما بعد ذلك، مختلفان أشد الاختلاف. فهذا إنسان وذاك آخر، بل إن تعريف هذين الإنسانين ليس واحداً. من هنا إن محورية الإنسان في الإسلام تختلف تماماً عن محوريّته في تلك المدارس المادية. الإنسان محور، وهذه القضايا كلها التي نبحثها من قبيل العدالة والأمن والرفاهية والعبادة من أجل سعادة الإنسان... المسألة الأخرى هي الدولة ونظام الحكم، فللإسلام في هذا الباب أيضاً نظرياته وآراؤه الخاصة. 3

المفاهيم الإسلاميّة السّامية

في رأيي إنّ أفضل ما يمكن استخدامه اليوم كسلاح فعال هو تبيين المفاهيم الإسلاميّة السّامية في مختلف المجالات. لدينا كثير من الكلام لم يُقل في مجال القضايا المعرفية والمعارف، ولدينا كثير [من الكلام] الجذّاب والجميل لنقوله للعالم. هناك كلامٌ كثيرٌ لم يُقل حول القضايا المتعلقة بنمط العيش الإسلامي. من ذلك موضوع البيئة على سبيل المثال، والآخر المعاملة مع الحيوانات، والآخر قضيّة الأسرى. هذه [أمور من] نمط العيش. للإسلام كلام جذّاب في هذا كله، وكذلك المعارف الإسلامية التي يمكن استخلاصها وتجريدها من النصوص الإسلامية وإتاحتها للجميع. 4

الإسلام المحمدي الأصيل

للإمام تصريحات واضحة وحازمة وحاسمة حول الإسلام والسيادة الشعبيّة. بالنسبة إلى الإسلام، يرفض الإمام رفضاً قاطعاً إسلام المتحجرين والالتقاطيين. من ناحية، يرفض المتحجّرين، ومن ناحية أخرى، يرفض الالتقاطيين، أولئك الذين ينقلون كلام الآخرين إلى مستمعيهم والمجتمع باسم الإسلام. يرفضهم الإمام رفضاً قاطعاً. الإسلام في رأي الإمام إسلامٌ يسعى إلى العدالة، وهو ضدّ الاستكبار ومكافحٌ للفساد. هذا واضح في كلام الإمام، وأيضاً موجود في الوصية، وكذلك في هذه المجلدات العشرين من تصريحاته التي نُشرت. التفتوا! نحن قد سمعنا مباشرة من الإمام نفسه. أما أولئك الذين لم يكونوا ولم يروا، فليراجعوا بياناته. نص الإمام واضح.

الإسلام الذي يؤمن به الإمام هو ضدّ الاستكبار، أي ضدّ أمريكا، وضدّ هيمنة الأجانب، وضد تدخل الغرباء والقوى الأجنبية في الشؤون الداخلية للبلاد. إنه ضدّ الركوع أمام العدو. الإسلام ضدّ الفساد. الإسلام الذي يؤمن به الإمام مكافحٌ للفساد ومحارب للجشع. فهذه الأشياء التي تم تحديدها في سياق الفساد في بعض القطاعات، هي بالتأكيد في النقطة المقابلة للإسلام. الإسلام هو الإسلام الذي يكافح الفساد. الحكومة الإسلاميّة هي الحكومة التي تحارب الفساد. وهو ضدّ التحجر، [أي] إدخال مثل هذه الأفكار القديمة المتخلفة في مجال الحياة، والابتعاد عن الفكر الإسلامي الجديد والفكر الجديد للإمام العظيم. الإسلام مناهض للأرستقراطية. الإسلام إلى جانب المحرومين. الإسلام ضدّ الفروق الطبقية، وضد الفجوات بين الأغنياء والفقراء.

هكذا كتب الإمام في إحدى رسائله إلى أحد المسؤولين، وهي ترتبط بالمدة الأخيرة في حياة الإمام العظيم، قبل رحيله ببضعة أشهر: «يجب أن تُظهر أنّ شعبنا انتفض ضدّ الظلم والتحجّر والتخلف، واستبدل فكرة الإسلام المحمدي الأصيل مكان الإسلام الملكي، والإسلام الرأسمالي، والإسلام الالتقاطي، وفي كلمة واحدة: الإسلام الأمريكي» 1 ؛ هذا مرتبط بيناير/كانون الثاني 1989، لا أنْ نقول إنّه يعود، مثلاً، إلى مرحلة الحماسة والنشاط الثوري بداية العمل. لا! لقد صرح الإمام بذلك قبل وفاته ببضعة أشهر. إذاً، هذا رأيُ الإمام حول الإسلام. 2

قواعد الحاكميّة الإسلاميّة

من أهم القضايا التي يمكن طرحها قضية الحاكمية الإسلامية. فالحاكمية من منطق الإسلام تختلف في أصلها وجذورها عن الحاكمية الرائجة في العالم. هي لا تشبه السلطنة ولا رئاسات الجمهوريات في العالم اليوم ولا القيادات ولا الرؤساء الانقلابيين. ليست مثل أيّ من هؤلاء. إنها شيء خاصّ يستند إلى مبادئ معنوية. نمط الحاكمية الإسلامية هو كما يلي: أن تكون شعبية دينية عَقَدية، وألّا تكون أرستقراطية ومسرفة، وأيضاً غير ظالمة، لا ظالماً [ولا مظلوماً]: «لا أُظْلَمَنَّ وَأَنْتَ مُطِيقٌ لِلدَّفْعِ عَنِّي، وَلا أَظْلِمَنَّ وَأَنْتَ الْقَادِرُ عَلَى الْقَبْضِ مِنِّي»1 . [هذه] في أدعية الصحيفة السجاديّة. إن كلّ كلمة منا ذات أُسُس معرفية هي مهمة. وهذه الأشياء هي أسلحتنا الجديدة، ويجب أن نستخدمها. 2

حاكمّية الدِّين 3

بشأن أداء الحق للشمولية لدى الإسلام كان هناك ولا يزال إصرار – في غالبيته إصرار من جانب القوى السياسية المادية – على حصر الإسلام في العمل الفردي والعقيدة القلبية. هذا السعي موجود منذ القِدَم. الآن، لا أستطيع تحديد تاريخ محدد، أي ذلك بدأ من هذا الزمان. لكن منذ نحو مئة عام، مئة عام ونيّف، شوهد هذا السعي بصورة بارزة في العالم الإسلامي. وقد تضاعف هذا السعي خلال تشكيل الجمهورية الإسلامية. هم يحاولون ألا يعطوا صيغة سياسية لهذا [العمل] وإنما صيغة فكرية، وبالتعبير الأجنبي: Theoriser [التنظير له]. يُكلَّفُ المفكرون والكتاب والناشطون الفكريون وأمثالهم الكتابةَ عن ذلك وإثبات أن الإسلام لا علاقة له بالقضايا الاجتماعية وقضايا الحياة والقضايا الأساسية للبشرية، [وأن] الإسلام عقيدة قلبية، وعلاقة شخصية مع الله... والأفعال الفردية المترتبة على هذه العلاقة. هذا هو الإسلام! إنهم يصرّون على إثبات ذلك في أذهان مخاطبيهم. من وجهة النظر لدى هذا التوجه السياسي باطنياً والفكري ظاهرياً، يجب استبعاد المجالات المهمة في الحياة والعلاقات الاجتماعية عن تدخل الإسلام. ففي إدارة المجتمع والحضارة ليس للإسلام دور في إنتاج الحضارة وبناء الحضارة الإنسانية، وليس له وظيفة ولا إمكانية! ليس للإسلام دور في إدارة المجتمع ولا توزيع السلطة والثروة فيه، [أي] اقتصاد المجتمع ومختلف قضاياه ليست متعلقة بالإسلام! كذلك قضايا الحرب والصلح والسياسة الداخلية والخارجية والقضايا الدولية. تسمعون أحياناً يقال: «لا تؤدلجوا الدبلوماسية»، لا تشبكوها بالأيديولوجيا، أي لا ينبغي للإسلام أن يُبدي رأياً في السياسة الخارجية والقضايا الدولية، وفي مسألة إشاعة الخير وإقامة العدل ومواجهة الشرور ومواجهة الظلم وصدّ أشرار العالم، وأن الإسلام لا شأن له في هذه المجالات! [يريدون] ألّا يكون الإسلام مرجعية فكرية ولا مرشداً عملياً في هذه المجالات المهمة من الحياة البشرية. هذا هو إصرارهم. 4

إنّ أهم واجب تضطلع به الحوزات العلمية على النحو الجمعي والفضلاء ممن تتوفّر لديهم القدرة على هذا العمل فردياً هو إبداع الفكر الأساسي، وبيان الأصول الإسلامية وترسيخها، والوقوف في وجه الشبهات التي يثيرها المعادون لحاكمية الإسلام في الأذهان لعلّهم يعوّضون تلك الخسارة الفادحة التي تلقوها من الإسلام، وذاك ما لن يقدروا عليه، إذ إنّ فكرة حاكمية الإسلام بل الحاكمية المطلقة للدين قد استقرت في القلوب على امتداد بقاع من العالم، وقد انشدّ إليها غير المسلمين أيضاً، واستقطبت نحوها المثقفين والشباب والواعين من علماء الدين والجامعيين المتديّنين في الأمصار الإسلامية. 5

الجمهوريّة الإسلاميّة

الجمهورية الإسلامية لديها كلام جديد. هذا الكلام الجديد هو الناس والقيم الإلهية. هذان يجب أن يتتوأمان معاً ويُشكّلا الحركات والمجتمعات. هذا هو كلامنا. القيم الروحية والإلهية بالتوافق مع إرادة الناس، وليس بالفرض عليهم. هذا الكلام الجديد للجمهورية الإسلامية، وهو ينبثق عن كلمة «الجمهورية الإسلامية» أيضاً. فنحن جمهورية وإسلامية في الوقت نفسه. يجب تبيين هذا، ولديكم ميدان لذلك، فيمكنكم التحرك. 1

ما يمكن أن يُعين هذه الدّول هنا هو رؤية السيادة الشعبية الدينية. وهذه السيادة التي كانت ابتكار إمامنا الجليل يمكنها أن تكون وصفة علاج لهذه الدّول كافة، فهي سيادة شعبية ونابعة من متن الدين أيضاً. بالطبع من الممكن ألا يكون فقهاء من أهل السنّة، سواء فقهاء الشافعية في مصر أو المالكية في بعض الدول الأخرى في المنطقة أو الأحناف في دول ثانية، معتقدين بولاية الفقيه. حسنٌ جداً، نحن لا نريد أن نعرض عليهم على نحو حتميّ مبانينا الفقهية أو نصرّ عليها، ولكن السيادة الشعبية الدينية من الممكن أن تتّخذ صوراً مختلفة. علينا أن نعرض عليهم ونفهّمهم هذا المبنى المتعلّق بالسيادة الشعبية الدينية ونُقدّمها كهدية بين أيديهم. فلا شكّ أنّ هذا الشعب سوف يستحسن السيادة الشعبية الدينية. هذا هو العمل الذي يقع على عاتقنا ويجب إنجازه لكي لا يستغلّ أعداء هذه الشعوب الفراغ الجاري. ينبغي ملء هذا الفراغ بالإسلام. 2

الصّــلاة

الدعوة إلى الصلاة دعوة إلى أشدّ مظاهر الحياة جمالاً، لأنّ الصلاة فصل من فصول الحياة، يلجأ فيه الإنسان في محضر الخالق وصاحب أنواع الحُسن والجمال إلى إبراز حاجته ضمن أجواء مفعمة بالعشق، فيضفي بذلك كمّاً مضاعفاً من الحُسن والجمال على قلبه وروحه. هذا الكمّ الهائل واللسان المؤثّر للروايات والآيات القرآنية الداعية إلى الذّكر والصلاة دليل على ذات الميزة التي تتضمّنها الدعوة إلى الصلاة. يجب أن يتّخذ عباد الله الصّالحون من هذا الأمر درساً لهم وأن يروّجوا للصلاة.

يجب أن يسخّر المسؤولون المؤمنون في النظام الإسلامي إمكاناتهم الهائلة في خدمة هذه الدعوة. فليعمل عالم الدين والمعلّم والمربّي والمدير والمسؤول، في كلّ مكان، على استقطاب مخاطبيهم ومَن هم ضمن دائرة نفوذهم، وتأهيلهم ليصيروا دعاة إلى الله والصلاة. 1

المهدويّة وانتظار الظّهور

اطّلعتُ على وثيقة تتعلق بعقود مضت، أي منذ أوائل تغلغل الاستعمار في شمال أفريقيا. وإنّما صار التركيز على تلك المنطقة بسبب شدّة ميول سكّانها إلى أهل البيت (ع) بغض النظر عن المذهب الذي يعتنقونه من بين المذاهب الإسلامية. ولأنّ عقيدة المهدوية بارزة المعالم هناك في بلدان مثل السودان والمغرب وما شاكل، فحينما دخل الاستعمار إلى تلك المناطق في القرن الماضي وجد أنّ عقيدة المهدوية من جملة العراقيل التي تعيق نفوذه هناك. يؤكد في الوثيقة القادة المستعمرون أهمية العمل لإزالة عقيدة المهدوية تدريجياً من أذهان الناس. وكان المستعمرون الفرنسيون والإنكليز يسيطرون على تلك المناطق حينذاك. والاستعمار استعمار من أيّ كان... أدرك المستعمرون الأجانب أنه ما دامت عقيدة المهدوية راسخة في أذهان تلك الشعوب، لا يمكن التحكّم في تلك الشعوب كما ينبغي! لاحظوا مدى أهمية عقيدة المهدوية...

هذه هي خصائص المعتقدات الإسلامية. تتسم عقيدة المهدوية بجملة من الخصائص التي تكون بالنسبة إلى كل شعب بمكانة الدم في الجسم، وبمنزلة الروح في البدن، ومن جملة تلك الخصائص خاصّية الأمل.

إنّ الاعتقاد بالمهدوية وبفكر المهدي الموعود - أرواحنا فداه - يحيي الأمل في القلوب، والإنسان الذي يؤمن بهذه العقيدة لا يعرف اليأس طريقه إلى قلبه أبداً، وذلك لثقته بحتمية نهاية مشرقة، فيحاول إيصال نفسه إليها بلا وجل من احتمالات الإخفاق. من الطبيعي أنهم حينما يخفقون في استلاب هذه العقيدة من النفوس يحاولون تشويهها في الأذهان. ولكن كيف يجري تشويه هذا المعتقد؟ ذلك عن طريق القول إنّ المهدي (ع) سيظهر وهو الذي يصلح الأمور جميعاً وليس علينا شيء! هذا تشويه لهذه العقيدة وتحويلها من محرّك دافع إلى إطار لا فاعلية فيه، ومن دواء مقوٍّ إلى داء مخدّر ومنوّم. نعم، يظهر المهدي - أرواحنا فداه - ويصلح الأمور، لكن ما واجبكم اليوم؟ واجبكم اليوم أن تمهّدوا له الأمور لكي يأتي وينطلق من تلك القاعدة المهيّئة. لا يمكن الانطلاق من النقطة الصفر. المجتمع الذي يمكنه أن يتقبّل حكومة المهدي الموعود - أرواحنا فداه - هو المستعد والمتوفّر فيه القابلية لذلك، وإلا فسينتهي إلى المصير نفسه الذي انتهى إليه الأنبياء (ع) على امتداد التاريخ. 1

أيّام الله

هناك قضية هي أنه ينبغي لنا ألّا نسمح بأن تغرق الأيام العظيمة في غياهب النسيان. الأيام العظيمة لأيّ بلدٍ وأيّ شعبٍ هي تلك الأيام التي تحقّقت فيها بواسطة الناس وعلى أيديهم حادثة إلهية. {وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ} (إبراهيم، 5)؛ إنّ الله - سبحانه وتعالى - يأمر النبي في القرآن أن ذكِّرهم بأيام الله؛ أيام الله هي هذه الأيام العظيمة الصانعة للتاريخ. وعلى هذا، إنّ الأعوام الثمانية من «الدفاع المقدس» هي من أيام الله، بل لو نظرنا إلى كل يوم من أيامها، لوجدناه، بمعنى من المعاني، يوماً من أيام الله. علينا ألّا نسمح بأن تُرمى هذه الأحداث في مطاوي النسيان.

إنّ القرآن هو الذي يعلّمنا هذه الذكريات والأمر بالتذكر: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ} (مريم، 41)، {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى} (مريم، 51)، {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ} (مريم، 56)، {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ} (مريم، 16)، فلا يجوز لنا أن ندعها تُنسى. والقرآن يعلّمنا ويطالبنا بتذكرها وتكرارها.

انظروا إلى قصة النبي موسى (ع) والنبي إبراهيم (ع) وسائر القصص، كم تكرّرت في القرآن الكريم؟ فلا بدّ من استذكارها والحؤول دون نسيانها. 1

قيمة العمل والعامل

من الواجبات الكبرى على المجتمع الإسلامي والمسؤولين أن يوضحوا قيمة العمل للرأي العام، فيكون العمل قيمة، لا مجرّد حاجة. بالتأكيد، العمل حاجة – حاجة للمجتمع، وحاجة للفرد نفسه، وهو حاجة للحياة وأيضاً حاجة روحية ونفسيّة – لكنّه ليس مجرّد حاجة، بل هو قيمة عليا في المجتمع. هذا ما يجب أن نحوّله إلى فهم عام وإدراك عامّ بين الناس. إذا اتّضح هذا الأمر بالمعنى الحقيقي للكلمة، فعندئذ سوف ترتقي أهمّيّة العامل ومكانته. ينبغي تعريف العامل في المجتمع أنّه ذو مكانة عالية. لا فرق بين عامل وآخر إلى أيّ قطاع انتمى. سواء أكان في هذه القطاعات التي ذُكرت بالاسم – أنتم أيّها الأعزاء ممثّلو تلك القطاعات – أم سائر القطاعات، وأين ما كان هناك عمل وحراك وإنتاج. 1

الضّمير المهنيّ والانضباط الاجتماعيّ

أنا أطالب باستمرار العمل على تحقيق ذينك الشعارين وهما السعي لإيقاظ الضمير المهني والسعي لإيجاد الانضباط الاجتماعي لدى الناس وداخل المجتمع، ولدى المسؤولين والعاملين في البلد، ولدى كل إنسان مشغول بعمل.

ينبغي للمَعنيين بالمسائل الثقافية والحامين لها أن ينشروا [ثقافة] هذين الأمرين وأن يُبيّنوهما ويوضّحوهما جيداً للناس. وعلى أولئك المُتصدّين للتخطيط أن يُعدَّ برامج لبث روح الضمير المهني وروح الانضباط الاجتماعي بين الناس. وعلى مَن هم مِن أهل العمل والسعي أن يوجدوا هاتين الروحيّتين في أنفسهم. وعلى كل من يسعى لتحقيق هذين الشعارين ويعمل عليهما من أجل نفسه، وعلى أولئك الذين يتصدّون للتبليغ وتنبيه الناس، أن يحدّثوهم عنهما. يجب أن نعمل كي يُعدُّ العمل البنّاء، سواء الثقافي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي، عملاً مقدّساً لدى فاعله بدءاً بالعامل البسيط والموظف البسيط، وانتهاءً بالمدير الرفيع الشأن وبأصحاب المصانع الكبرى والمهمّة في البلد، وبكبار مسؤولي الدولة، وبالمعلم، وبالطالب الجامعي، وبالمُبلّغ وعالم الدين، فعليهم كافّة أن يشعروا بأنّ العمل الذي يؤدّونه هو عبادة وعمل خيري وصالح.

ينبغي للجميع أن يؤدّوا مهمّاتهم بجديّة وصَلاح. رُوي عن النبي الأكرم (ص)، قوله: «رَحِمَ اللهُ امرؤاً عَمِلَ عَمَلاً فَأَتْقَنَهُ» 1 . يجب بشدّة تجنّب العمل الاعتباطي، وتجنّب تركه لحال سبيله [دون متابعة] وإهماله، وتجنّب اللّامُبالاة لِتَقانَة عملٍ ما. هذا ما يتعلّق بالضمير المهني. وأما في ما يتعلّق بالانضباط الاجتماعي، فالأمر هو نفسه: ينبغي للجميع مُراعاة القواعد الاجتماعية الصحيحة بدقّة، وهي التي يُحدّدها القانون والحدود والتكاليف الإلهية، وذلك لتكون الحياةُ حياةً سليمة صحيحة. حافظوا هذا العام على هذين الشعارين. وعلى الخُطباء أن يتحدثوا حولهما، وعلى الكتّاب أن يكتبوا عنهما، وعلى المسؤولين إعداد برامج بشأنهما، وعلى أفراد المجتمع تقييم أنفسهم بهذين المِعيارين، وأن يُراقبوا تقدّمهم فيهما. 2

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

إنّ إحدى الأمور التي تَحدّ من القبائح في المجتمع هي النهي عن المنكر، وتبيين المنكر. لا تدَعوا المنكر يصير معروفاً، والمعروف منكراً. من صور النهي عن المنكر أن يُقال: لماذا تفعل هذا، يا سيّد؟ لماذا تعمل العمل القبيح؟ فلو قالها شخصٌ واثنان وعشرة، فسيضطرّ الطرف المقابل في الأخير إلى أن يترك هذا العمل. يعني إن نُهِي مَن يفعل المنكر عن فعله مراراً، فإنّه سيُغلب معنويّاً.

إنّني أرى أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باللّسان إحدى معجزات الإسلام، بالأسلوب السهل والهادئ ومن دون أيّ عنف أو شجار. فمثلاً إن ارتكب شخص عملاً قبيحاً، فلينكِر عليه أحدُهم فعلَه وليَنْهَه عن ذلك ثمّ ينصرف عنه. قد يقول أحدهم إنّه عندئذٍ سيوجّه إلينا الشتائم. حسناً، فليفعل. لا بدّ من التحمّل في سبيل الأمر الإلهيّ. ثمّ يأتي شخص ثانٍ ويقول له: جديرٌ بك ألّا تعمل هذا الفعل. فإن شاجَره، فإنّ شجاره سيكون أخفُّ وطأةً من الشجار الأوّل. كذلك فلينهَه الثالث والعاشر والعشرون عن منكره. إن غدا النهي عن المنكر أمراً رائجاً وفعله عشرون شخصاً، فهل تتصوّرون أنّ ذلك الشخص سيُكرّر فِعلته مجدّداً؟ إنّ النهي اللسانيّ عن المنكر يصنع المُعجزات، اللسانيّ فقط، فالنهي باليد من صلاحيات الدولة. لو أُريدَ مجازاة المذنب باليد في موقف من المواقف، فذلك من مسؤوليات أجهزة الدولة. أمّا عموم الناس، فليس لهم سوى النهي اللسانيّ، وهو ذو أثر عظيم. 1

هل تعتقدون أنكم إذا فعلتم ذلك بألسنتكم، لن يكون لقولكم أي تأثير؟ جرّبوا ذلك، وكرروا القول مرّات عدة. من الطبيعي أن الشخص الواحد إذا قال وأمَرَ بالمعروف ونهى عن المنكر قد لا يجدي قوله نفعاً، ولهذا يجب حثّ الآخرين أيضاً على النهي عن المنكر بألسنتهم. الكلام بحدّ ذاته له تأثير أكثر من الضرب بمراتب عدة، وحتّى أنه أشد تأثيراً أحياناً من التعبيس في وجه فاعل المنكر، رغم ما للتعبيس من تأثير بنّاء يختلف عن تأثير الضرب. 2

جهاد التبیین
۱۳

أهداف الثورة ومُثُلها

قلنا: ينبغي أن تدرسوا الآفات والمخاطر. وإلى جانب ذلك لا بدّ من تبيين الأهداف وشرحها؛ إذا لم تتّضح الأهداف، فستكون هناك حيرة واضطراب، فينبغي تبيين الأهداف. 1 لا تنسوا التوجه إلى المثل العليا. ما المثل العليا والأهداف الكبرى؟ تحقيق المجتمع العادل، والمجتمع الحرّ والمتقدّم، والمجتمع المؤمن المتعبّد المرفّه المتّحد القويّ المتين، والمجتمع المستقل. هذه هي المثل والأهداف. هناك بعض المفاتيح الأساسية. لا تنسوا هذه الكلمات المفتاحيّة الأساسيّة:

1. مسألة «دور الشعب في الحكم» هي إحدى هذه الكلمات المفتاحيّة... إنّ حضور الناس عند صناديق الاقتراع نعمة كبيرة جدّاً. «السّيادة الشّعبيّة» من الكلمات المفتاحيّة الأساسيّة أيضاً. لا تنسوا ذلك. حسناً، أنتم تريدون للناس أن يشاركوا في هذه الانتخابات ويصوّتوا لفلان وليس لفلان. حاولوا تحقيق ما تريدون لكن لا تقفوا في وجه مشاركة الناس في الانتخابات.

2. موضوع «الاستقلال»... مهم جداً.

3. «رفض نظام الهيمنة» من الكلمات المفتاحيّة الأساسيّة.

4. «الحرّيّة» أيضاً من الكلمات المفتاحيّة الأساسية، وعليكم تبيين الحرّية بطريقة صحيحة.

5. «العدالة» من الكلمات المفتاحيّة وأمثال هذه المفاهيم. عليكم تبيين هذه المسائل. إنّ وصيّتي للمنظمات والهيئات الجامعيّة هي تبيين هذه الكلمات المفتاحيّة بطريقة صحيحة. استفيدوا من خطب الإمام وكلماته وما شابه. 2

الدّستور

من المهم أيضاً بيان الأصول القيمية وتعزيز الدستور، فالدستور كالأعمدة والمرتكزات التي يقوم عليها البناء، فإذا ما أردنا تشييد عمارة ضخمة وشاهقة، فذلك يستلزم قواعد وأعمدة تعطي العمارة هيئة عامة. هذه القواعد والأعمدة هي ذاك الدستور. إنّ القوانين العادية هي العمل الذي يجري داخل المبنى من قبيل التقسيمات ومد الجدران وعمليات التجميل، والقيم بمكانة مواد البناء، والأعمدة كافة التي تُقام والأعمال التي تجري داخل هذا المبنى، سواء في مجال الدستور أو القانون العادي، إنما هي مواد بنائها، وهي تتألف وتتكون من قيمنا. 1

الإمام الخمينيّ (قدّه) ونهجه

إنّ ما قطعناه على أنفسنا من أهداف هذه الثورة علينا مواصلته طبقاً لنهج الإمام، ولا بدّ من خوض هذا المضمار بصراحة ووضوح وجُرأة كاملة. وعلينا أنْ نَعيَ أنّ هذا هو الذي يُثبّتنا في مواجهة الأعداء ويحفظ لنا استقلالنا وحريتنا وهُويتنا. 1

فما المعيار في ثورتنا؟ هذا شيء على جانب كبير من الأهمية... إنّ أفضل المعايير هو الإمام نفسه وخطه. الإمام أفضل معيار ومؤشر لنا. إذا جاز لنا هذا التشبيه، رغم كل البون الشاسع بين الشبيه والمشبَّه به، لشبَّهنا الأمر بالكيان المقدس للرسول الأكرم (ص)، إذ يقول القرآن الكريم: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} (الأحزاب، 21). النبّي نفسه أسوة. سلوكه وأعماله وأخلاقه كلها أسوة. ويقول المتعالي في آية كريمة أخرى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ} (الممتحنة، 4). إبراهيم (ع) وأنصاره هم أيضاً أسوة لنا. وقد ذكر هنا حتى أنصار النبي إبراهيم (ع) وأصحابه حتى لا يقول قائل إن النبي (ص) معصوم أو إبراهيم (ع) كان معصوماً ولا نستطيع اتّباعه وأن نسير على خطاه. لا؛ {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ} إلى آخر الآية الكريمة.

هذا المعنى يصدق أيضاً على إمامنا الجليل، تلميذ هذه المدرسة والسائر على درب هؤلاء الأنبياء العظام (ع). الإمام نفسه أبرز المعايير والعلامات والمؤشرات... سلوك الإمام وأقواله. ولحسن الحظ إن كلمات الإمام وخطبه متوفرة لدينا ومدوّنة، ووصيته تعلن بصراحة ووضوح ما في ضميره لمستقبل الثورة. يجب منع أن تُعرض هذه المؤشرات بشكل مغلوط أو تُخفى أو تُنسى. إذا عرضنا هذه المعايير والمؤشرات بأسلوب سيئ ومغلوط، فكأننا فقدنا بوصلتنا. لنفترض أن إنساناً في رحلة بحرية أو صحراء لا طريق فيها، وتعطلت بوصلته عن العمل. سيبقى هذا الإنسان حائراً بالطبع. 2

الهويّة الوطنيّة

ربّوا الشاب وخرِّجوه ليكون صاحب هوية. إذا لم يشعر المجتمع بالهوية، فإن الأصوات القوية المتعسفة سوف تهزمه بسهولة. فمن يصمد هو الذي لديه إحساس بالهوية. أحياناً تكون هذه الهوية وطنية وأحياناً دينية وأحياناً إنسانية وأحياناً تكون «الشرف». مهما يكن، يجب أن يتربى [الشباب] وينشؤوا على هوية. من حسن الحظ أن مجتمعنا الإسلامي-الإيراني اليوم له هويته المتجذرة والتاريخية والقوية والقادرة على الاستقامة، وهذا ما أثبته. هذا ما يجب أن ننقله إلى شبابنا. في النهاية القضيةُ الثقافية قضية مهمة، وعلى القطاعات الثقافية أن تشعر بالمسؤولية وأن تعمل في هذا المجال. 1

صون الأسرة

إن الأسرة هي الوحدة البنيوية وحجر الأساس للمجتمع الإسلامي ومركز رشد الإنسان وتعاليه، وهي دعامة السلامة والاقتدار والتسامي المعنوي للبلاد والنظام، وعلى حركة النظام و مسيرته الاتجاه نحو:

(أ‌)إيجاد مجتمع بمحورية الأسرة، وتقوية وتمتين الأسرة ووظائفها الأساسية وفق النموذج الإسلامي للأسرة، بوصفها مركزاً للنشوء والنمو والتربية الإسلامية للأبناء ومكاناً لمنح الهدوء والسكينة.

(ب‌)تمتين الأسرة ورفع رصيدها الاجتماعي على أساس الرضا والإنصاف، والخدمة والاحترام والمودة والرحمة، من خلال التأكيد على:
- التوظيف المتكامل للطاقات التعليمية والتربوية والإعلامية في البلد، لتمتين بنيان الأسرة والعلاقات العائلية.
- البناء الثقافي وتقوية العلاقات الأخلاقية.
- المواجهة المؤثرة لحرب الأعداء الناعمة الهادفة إلى انهيار العلاقات الأسرية وانحرافها، وإزالة الآفات والتحديات أمام تمتين الأسرة.
- منع نشر البرامج المخلّة بالقِيَم الاسرية.
- توفير الفرصة للاجتماع المفيد والمؤثر لأفراد العائلة معاً والاستثمار النافع لأوقات الفراغ بصورة جماعية.1

منطق مقارعة الاستكبار

من أهمّ الأهداف لهذه الصحوة التحرّرُ من شرور هيمنة الاستكبار العالمي. ينبغي ذكر ذلك بصراحة. من الخطأ تصوّر أنّ الاستكبار العالمي بزعامة أمريكا يمكن أن يتصالح مع الحركات الإسلاميّة. إذا كان ثمّة إسلامٌ وإسلاميّةٌ وإسلاميّون، فإن أمريكا ستحاول بكلّ ما أوتيت من قوّة أن تقضي عليهم. بالطبع، ستبدي لهم ابتساماتها في ظاهر الأمر. ليس أمام الحركات الإسلاميّة من طريق سوى رسم حدودها الفاصلة. لا نقول: يجب أن يسيروا لمحاربة أمريكا، بل نقول: ينبغي أن يعلموا ما مواقف أمريكا والاستكبار الغربيّ منهم، وأن يشخّصوا ذلك بدقّة. إذا لم يحدث هذا التشخيص، فسوف يقعون في شرك خداعهم وحيلهم بالتأكيد. 1

تلاحظون أن الدول التي تفرض عليها وزارة الخارجية الأمريكية «عقوبات» وفق تعبيرهم، كأن تهدد الصين بالعقوبات وتتعامل مع الاتحاد السوفييتي بصيغة معيّنة، ومع تركيا في زمن حكومة حزب «الرفاهية» بصيغة أخرى، وما إلى ذلك... أليست لهذه الدول علاقات مع أمريكا وتتفاوض معها؟ الدول كلها التي تعاملها أمريكا بغلظة لها علاقات معها سياسية واقتصادية. فالعلاقة مع أمريكا والتفاوض معها لا يحولان دون مواقفها العدائية. هنالك دول لها سفارات في أمريكا، أو لأمريكا سفارات في عواصمها، وتوجد بينهما علاقات سياسية وقنصلية متينة، لكنّ أمريكا تدرجها في قائمة الدول الإرهابية في العالم. لا أورد هنا اسم دولة بعينها. ويا حبّذا لو يتولّى الإخوة في وزارة الخارجية وغيرها، وفي الإذاعة والتلفاز، بيان ذلك للشعب!

فلا تتصوّروا أننا إذا تفاوضنا مع أمريكا أو أقمنا معها العلاقات، فإنها ستسكت ولا تنبس ببنت شفة وتتخذ موقف المتفرّج. كلا، فكثير من الدول لها علاقات تبدو ظاهرياً كأنها وثيقة ومؤدّبة على الصعيد العالمي، ولكن متى ما رأت أمريكا ضرورة أن تُوجّه إليها ضربة، تفرض عليها الحصار الاقتصادي وتكيل لها التهديدات. 2

فكر المقاومة

نظرية المقاومة مقابل العدو القويّ! روِّجوا لهذه النظرية وانشروها. لا يتصورنّ أحد أنّ علينا التراجع لكون العدو يمتلك قنابل وصواريخ ولديه أجهزة إعلاميّة وما شابه. لا أبداً، فنظرية المقاومة نظرية أصيلة وصحيحة، على المستوى النظري أو العملي، ويجب أن يُروّج لها على كلا المستويين. في المستوى النظري عليكم أن تبينوا وتوضحوا، وأنتم الشبابَ تستطيعون تبيين نظرية المقاومة هذه بأسلوب جيد جداً، بينكم أو في البيئة والأجواء التي تعيشون فيها، أو حتى في العلاقات مع البلدان الأخرى والشباب الآخرين. 1

الجهاد الكبير

هناك بين أنواع الجهاد جهاد يسميه الله المتعالي في القرآن الكريم في سورة الفرقان المباركة «الجهاد الكبير»، فيقول: {وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (52)}. «به»، أي بـالقرآن، «جاهدهم به»، أي جاهدهم بـالقرآن جهاداً كبيراً. نزلت هذه الآية في مكة. لاحظوا جيداً، أيها الشباب الأعزاء. لم تكن الحرب العسكرية أمراً وارداً في مكة، ولم يكن الرسول والمسلمون مُكلّفين الحربَ العسكرية، والعمل الذي يفعلونه كان شيئاً آخر، وهو العمل الآخر نفسه الذي يقول عنه الله المتعالي في هذه الآية الكريمة: {وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا}. فما ذلك العمل الآخر؟ إنه الصمود والمقاومة ورفض الاتباع. {فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (52)}. لا تطع المشركين. رفض الطاعة للكفار هو ذلك الشيء يسمّيه الله المتعالي جهاداً كبيراً. وهذا التقسيم غير تقسيم الجهاد الأكبر والجهاد الأصغر.

الجهاد الأكبر الذي هو أصعب منها جميعاً هو جهاد النفس الذي يحفظ هويتنا وباطننا. والجهاد الأصغر مجاهدة العدو. لكن ثمة بين الجهاد الأصغر والأكبر جهاد يسميه الله المتعالي «الجهاد الكبير».

ما معنى الجهاد الكبير؟ يعني رفض الطاعة للعدو والكافر. لا تطع الخصم الواقف في ساحة محاربتك. ما معنى الطاعة؟ معناها الاتباع والتبعية، أي لا تتبعه. أين لا تتبعه؟ في الساحات والميادين المختلفة. التبعية في الساحة: السياسية والاقتصادية والثقافية والفنية. لا تتبع العدو في مختلف الساحات والمجالات. هذا هو الجهاد الكبير. هذا الجهاد بحاجة إلى الوعي والإخلاص. ليس هذا الجهاد كالجهاد العسكري يتألق فيه بعضهم ويشتهرون، سواء أكانوا شهداء أم أحياء أم مصابين، ونحن نفخر بهؤلاء الشهداء والمعوّقين والمضحّين. فهذا الجهاد جهاد قد يبذل فيه الشخص جهوداً كبيرة من دون أن يعرف أي شخص هويته واسمه. هذا الجهاد بحاجة إلى الإخلاص. 1

إن جانباً كبيراً من الجهاد الكبير في هذا اليوم مرهونٌ بالتّبيين وبيان الحقائق وإنارة الأفكار. فاليوم التنوير واجب. حاولوا بالتعمّق إيصالَ الأذهان إلى أعماق الحقائق والمسائل. في وسع جامعتكم أن تنجز إنجازات كبرى في هذا المجال، وأن تجعل التّبيين والتنوير واحداً من برامجها الأساسية، سواء في المنظومة التابعة لها، أو في نطاق أوسع، وفق ما تسمح لها إمكاناتها. 2

الأمل

توصيتي الأولى قبل كلّ شيء هي الأمل والنظرة المتفائلة إلى المستقبل، إذ لا يمكن خطو أي خطوة من دون هذا المفتاح الأساسي الفاتح لكل الأقفال. وما أتكلّم عليه هو الأمل الصادق المعتمد على الوقائع الخارجيّة. فلطالما ابتعدت عن الأمل الكاذب الخادع، ولكنّي حذرت وأحذر نفسي والجميع في الوقت عينه من اليأس في غير محله ومن الخوف الكاذب. لقد كانت السياسة الإعلامية للعدو طوال هذه الأعوام الأربعين – الآن أيضاً كما هي دوماً – وأبرز برامجها وأنشطتها منصبة على تيئيس شعبنا وحتّى مسؤولينا ومديرينا من المستقبل.

لقد كانت الخطط الدائمة لآلاف الوسائل الإعلامية المسموعة والمرئية والإنترنت المعادية للشعب الإيراني تعتمد الأخبار الكاذبة والتحليلات المغرضة، وقلب الوقائع والحقائق، وإخفاء المظاهر الباعثة على الأمل، وتضخيم العيوب الصغيرة، وتصغير أو إنكار الإيجابيات الكبيرة. بالطبع، تمكن مشاهدة أذنابهم وأتباعهم داخل البلاد ممن يعملون على خدمة العدو مستغلين الحريات المتاحة.

عليكم - أنتم الشبابَ - أن تكونوا روّاداً في كسر هذا الحصار الإعلامي. نمّوا في نفوسكم ونفوس الآخرين غرسات الأمل في المستقبل، وانبذوا من نفوسكم ونفوس الآخرين الخوف واليأس. هذا جهادكم الأوّل والأهمّ. ومؤشرات الأمل نصب أعينكم. وحالات النماء في الثورة أكثر بكثير من السقوط، والأيدي والقلوب الأمينة الخدومة أكثر بكثير من المفسدين والخونة والناهبين. والعالم ينظر بعين الإجلال والاحترام إلى الشباب الإيرانيين والصمود الإيراني والإبداعات الإيرانية في مجالات كثيرة. فاعرفوا قدر أنفسكم وجدّوا السير نحو المستقبل بقوّة الله، واصنعوا الملاحم. 1

العدالة الاجتماعية

أجل، إنّه سؤالٌ 1 مشروعٌ ومهمّ. الموضوع الأهمّ في مجتمعنا هو هذا الموضوع الذي طرحتَه. رغم أنّ بعضهم يحاولون تبهيتَ المسائل المتعلّقة بالعدالة الاجتماعيّة وظهور طبقة المرفّهين الجديدة والتعتيمَ عليها، فإنّها القضيّة المحوريّة، وفيها يكمن الخطر الأصلي. للأسف، هذا الأمر ليس وليد سنة أو اثنتين بل له جذور نمتْ لسنوات كثيرة إثر بعض الأساليب، أو من الأفضل أن نقول إنّ جذوره تعود إلى إهمال هذه القضيّة. لقد عرضتُ هذه المسألة مراراً وتكراراً على مدى سنوات. أمّا عن دور القيادة في هذا المجال، فكما تعلمون القيادة تتولّى صنع السياسات المتّبَعة لبرامج الدولة، والأخيرة بدورها تُخَطّط وتُنَفّذ. في كثير من الأحيان، تصلُني بعض الشكاوى، أو أطّلع على أمرٍ ما، فلا أنتظر حتى يُصار إلى التحقيق ثمّ إعلامي بذلك، بل أبادر إلى إرسال من يحقّق في الأمر، فإذا تبيّن لي وجود أمر غير مشروع، أتصرّف بقدر ما أوتيتُ من صلاحيّاتٍ قانونيّة، أي لا أكتفي بدوري الأوّل: صنع السياسات. وهذه المسألة التي أشرتَ إليها، أي الحرص على ألّا تظهر الطبقات الجديدة بجانب تقليص الفواصل الطبقيّة، هي من الفصول الأساسيّة من هذه السياسة التي أبلغناها للحكومة ولمجلس الشورى على حدٍّ سواء، فوظيفة المجلس التشريع، والحكومة التنفيذ.

دائماً شدّدتُ على موضوع «طلب الدنيا» من أجل هذه الأسباب، لكنّ المرء كلّما تحدّث في الأمر - للأسف - استاء بعضهم كأنّ الكلام يلدغهم. إنّ طلب الدنيا منحدرٌ زلق ولا يعرف حدّاً إلّا بالتقوى أو بمراقبة شديدة ومحكمة، وبمراعاة بعض الضوابط الضروريّة. فكيف ذلك وقد يرتكبون أعمالاً مخالفة للقانون بالتهريب وغيرها من الطرق غير المشروعة!

قبل خمسة أعوامٍ أو ستّة أرسلتُ رسالة إلى مجموعة من الطلّاب الجامعيّين الذين كانوا بصدد الدخول إلى تشكيلات حكوميّة، وقلت لهم: احذروا أن تأخذكم لذائذ الدنيا وزخارفها، فمن الممكن أن يتعرّض الطالب الجامعيّ كما المسؤول لمثل هذا الزلل. إنّ مسألة «الثروات الخياليّة» التي أشرنا إليها ناظرة إلى هذه القضيّة، وقد بادر الجهاز القضائيّ إلى خطوة أولى على هذا الصعيد، لكن ما لبثت بعض الصحف والمجلّات التي تعرفونها أن حاولت تعكير الأجواء والحؤول دون وصول هذه القضيّة إلى خواتيمها.

أعتقد أنّ على الناس يتحدّثوا إلى مسؤوليهم بجدٍّ ومنطقيّة حول مسألة العدالة الاجتماعيّة وطلبها، وأن يطلبوها من الدولة ونوّاب المجلس، ويطالبوا مَن يرفع شعار العدالة الاجتماعيّة أن يتحمّل مسؤوليّته إزاء ذلك، وأن يلتفتوا إلى أنّ مَن يضع العدالة الاجتماعيّة في الدرجة الخامسة من أولويّاته ويستبدلها بعناوين أخرى إنّما يتجاهل أهمّ حاجات المجتمع ويبعدها من الأنظار.

طبعاً ليس الأمر كما أشرتَ إليه مِن ازدياد الفواصل الطبقيّة عمّا كانت عليه في الماضي. ولعلّك تقصد بالماضي السنوات العشر الماضية. أمّا الزمان الذي عرفناه ورأيناه، فكان مختلفاً جدّاً، إذ كانت الفواصل الطبقيّة أعمق بكثير. ففي زمن النظام الطاغوتي، كانت الأكثريّة تعيش مستوى معيشيّاً متدنّيّاً جدّاً، فيما تنعم الأقليّة بالرفاهيّة التي ذكرتَها. أمّا اليوم، فثمّة طبقةٌ متوسّطة تحظى بوضعٍ جيّدٍ من النواحي كافة مع أنّهم لا يملكون تلك الثروات الخياليّة، لكن هناك آخرون ممّن يتمتّعون بإمكانات كثيرة.

بالنسبة إلى قضيّة السيّارات الفارهة التي أتيتَ على ذكرها، سبق أن دعونا السادة المسؤولين في الدولة إلى جلسة، وتحدّثنا إليهم في هذا الخصوص، فعمل بعضهم بما أوصينا به، أيّ تخلّوا عن السيّارات الباهظة لكنّهم عادوا إليها شيئاً فشيئاً. يتوجّب على الأجهزة المولَجة هذه الأمور من مديرين ورؤساء المراقبةُ، ولا بُدّ للنّاس من طلب ذلك. في رأيي إنّ ذكر هذه القضيّة في المحيط الجامعيّ وأمام المسؤولين يُعَدّ تحذيراً بحدّ ذاته، وعسى أن يساعد في تحقيق النتيجة المرجوّة، إن شاء الله.

على كلّ حال، اعلموا أنّ الأساس في الجمهوريّة الإسلاميّة هو العدالة الاجتماعيّة. لقد ذكرتُ مرّةً: عندما نقول إننا ننتظر إمام الزمان - عجّل الله فرجه الشريف - أكثرُ خصوصيّة نذكرها له هي أنّ الله يملأ به الأرض قسطاً وعدلاً، ولا نقول إنّ الله يملأ الأرض به ديناً وصلاةً وصوماً مع أنّها تحصيل حاصلٍ، والقسط والعدل يجدان سبيلهما إلى التحقّق الأكمل والأفضل في إطار الدين، لكن ليُعلَم بأنّ العدل هو أعلى ما تطمح إليه البشريّة. لو شاع هذا الذي يلهث وراءه بعضهم غافلين، من قبيل تقليد الحياة الغربيّة، سيتسبّب في ازدياد هذه الحالة سوءاً يوماً بعد يوم. يكمن العلاج في أن نحرّر أنفسنا من اقتفاء أَثَرِ الثقافة الغربيّة على صعيد المسائل الاقتصاديّة بالكامل في سبيل نجاتنا. إذا كان الدخل الفرديّ في بلد ما عالياً، فهذا لا يعني أنّ هذا الدخل يصل إلى يد الجميع. كلّا! انظروا إلى بعض الإحصاءات التي تُقدّم. يقال مثلاً أنّ درجة الحرارة في البلد الفلانيّ المتطوّر، أمريكا أو كندا مثلاً، وصلت إلى 42، ما أدّى إلى مقتل العدد الفلاني من الناس! حسناً قد تصل الحرارة في طهران إلى 42 درجة فمن يُقتل؟ من أولئك الذين يُقتلون؟ أو افترضوا مثلاً أن تهبط الحرارة هناك إلى ما دون الصفر بعشر درجات، ما يُسفر عن موت العدد الفلانيّ من أثر الصقيع! من أولئك الذين يموتون بسبب الصقيع؟ الذين يسكنون في مبانٍ مجهَّزةٍ بوسائل التدفئة والتبريد المتطوّرة لا يتجمّدون، والذين يملكون مكاناً يأويهم لا يموتون من الصقيع ولا الحرّ. لكنّ هذا يعني أنّ في تلك البلدان طبقات تعاني شَظَف العيش. يحتلّ اقتصاد البرازيل اليوم المركزَ الثامن في العالم لكن هناك بضعة ملايين من الأطفال الفاقدين الأم والأب والملجأ والمسكن يبيتون ليلتهم في الأزقّة، ويترعرعون فيها، ويموتون أو يُقتلون في الأزقّة نفسها! لا ينبغي أن نحذو حذو هذه الحياة ولا أن نسعى خلف هذا الاقتصاد، فليس هذا معنى الازدهار الاقتصادي. إنّما الاقتصاد المزدهر هو ذاك الذي يخوّل الدولة رفعَ الفقر العام وليس فقر فئة خاصّة من المجتمع. هذا هو الاقتصاد الجيّد والإسلاميّ، وما ينبغي أن يتحقّق.

يجدر بنا طبعاً ألّا نكون مجحفين، فبعض المسؤولين الذين أعرفهم يسعون خلف هذا الهدف. قيل لي في بداية عمل هذه الحكومة الجديدة إنّهم يسعون إلى أَسلمة النظام المصرفيّ. هو إسلاميّ بالطبع وقوانينه إسلاميّة لكنّ هناك طرقاً على صعيد التطبيق تُخرجه - للأسف - عن كونه إسلاميّاً، وقد ورد هذا الموضوع في خطّة التنظيم الاقتصادي وأيّدتها بدوري، وآمل أن يتمكّنوا من تحقيقها، إن شاء الله.

لا شكّ في أنّ إنجاز هذه الأعمال يجري بصعوبة بعض الشيء إذا كانت اليد خالية. فتقلّصُ الدّخْل الذي نشهده هذا العام والعام الماضي، وأشرتَ إليه سابقاً، لا يخلو من تأثير. لا بُدّ من إدراك هذه الحقيقة: إنْ كانت الحكومة مقتدرةً من الناحية الماليّة، فإنّ في استطاعتها فعل كثير من هذه الأعمال على نحو أسهل، في حين أنّ ذلك يصعب إذا كانت خالية اليد. إن شاء الله، نأمل أن تبقى هذه المبادئ حيّةً فيك. انتبه إلى ألّا تخسر هذه الرغبات والأمنيات عندما تصير مسؤولاً، وتذكّر هذا الكلام عندما تتوفّر لك إمكاناتٌ معيشيّةٌ جيّدة. 2

جهاد التبیین
۱٤

التقدّم

التقدّم... إنّه موضوعٌ مهمٌّ جدّاً يجب أن نتعرّض له... لقد ذكرنا أنّ ذاك المفهوم الذي يمكنه أن يجمع إلى حدٍّ كبير أهداف النظام الإسلاميّ ويبيّنه لنا هو مفهوم التقدّم والتطوّر. وقد تعرّضنا في ما بعد لتوضيح أنّ التقدّم هو الذي يستدعي التحرّك على الطريق. فكيف نقول إنّ التقدّم هو الهدف؟ لقد ذكرنا أنّ علّة ذلك هي أنّ التقدّم لا يمكن أن يتوقّف. أجل، إنّ التقدّم هو حركةٌ وطريقٌ وصيرورة لكنّه لا يمكن أن يتوقّف ويستمرّ على هذا المنوال، لأنّ للإنسان استمراريّة، ولأنّ الاستعدادات الإنسانيّة لا تعرف حدّاً. لقد قلنا إنّ للتقدّم أبعاداً، وإنّ التقدّم والتطوّر في المفهوم الإسلامي يختلف عن التطوّر ذي البعد الواحد أو البعدين في الثقافة الغربيّة، فهو ذو أبعادٍ متعدّدة. 1

التربية والتعليم

إنّ مستقبل البلاد ومستقبل عالمنا مرتبط بالجهود الحاليّة للتربية والتعليم؛ هذا ليس أمراً بسيطاً. ليس لدينا أيّ قطاع أو جهاز آخر حائزٌ هذا القدر من الأهميّة والحساسيّة. نعم، يدرس الشباب في الجامعات وكذلك في الحوزات العلميّة ويتلقّون التربية في الأجواء الاجتماعيّة ولكن الدور المؤثّر للمعلّم لا بديل عنه. إنّ الدور الذي يمكن أن يؤديه في التأثير الفكري والروحي [المعنوي] في هوية طفل اليوم ورجل وامرأة الغد - في مرحلة الطفولة وبداية الشباب طوال هذه الأعوام الاثني عشر- هو دور لا نظير له ولا بديل؛ حتى أن الأم والأب والبيئة المحيطة لا يمكن لأي منهم أن يقوم على هذا الدور. 1 مسألة التعليم والتربية هي في صميم نظامنا، وستبقى على المدى البعيد من أكثر المسائل أهمية. إنّ دور المعلم والمربّي في مجتمعنا يحتل المرتبة الأولى وفي الحقيقة إنّ الموقع المهم للصراع مع الكفر والظلم والاستكبار وشياطين السياسة في العالم إنّما هو المدرسة، ففي هذا الموقع يتلقى التلاميذ دروس العلم والتربية، وهم يؤلّفون الجيل الصاعد وثروة البلاد وذخيرتها في المستقبل، فلتدركوا أهمية التعليم والتربية وأهمية المعلم وهذا الموقع الثقافي، وليدرك شبابنا وناشئتنا أهمية الدراسة والتحصيل العلمي وتهذيب النفس.

أنتم، أيّها المعلمون والمربّون وجيل الشباب، تصنعون الغد، وأنتم الذين ستدحضون العدوّ، وستكونون بذلك نقطة الأمل المضيئة في قلوب مستضعفي العالم. لقد كان إمامنا العزيز يؤكد على ذلك دائماً، كما اعتبر ذلك في طليعة ضرورات الثورة وخط الإمام. 2

التربية والتعليم

إنّ مستقبل البلاد ومستقبل عالمنا مرتبط بالجهود الحاليّة للتربية والتعليم؛ هذا ليس أمراً بسيطاً. ليس لدينا أيّ قطاع أو جهاز آخر حائزٌ هذا القدر من الأهميّة والحساسيّة. نعم، يدرس الشباب في الجامعات وكذلك في الحوزات العلميّة ويتلقّون التربية في الأجواء الاجتماعيّة ولكن الدور المؤثّر للمعلّم لا بديل عنه. إنّ الدور الذي يمكن أن يؤديه في التأثير الفكري والروحي [المعنوي] في هوية طفل اليوم ورجل وامرأة الغد - في مرحلة الطفولة وبداية الشباب طوال هذه الأعوام الاثني عشر- هو دور لا نظير له ولا بديل؛ حتى أن الأم والأب والبيئة المحيطة لا يمكن لأي منهم أن يقوم على هذا الدور. 1 مسألة التعليم والتربية هي في صميم نظامنا، وستبقى على المدى البعيد من أكثر المسائل أهمية. إنّ دور المعلم والمربّي في مجتمعنا يحتل المرتبة الأولى وفي الحقيقة إنّ الموقع المهم للصراع مع الكفر والظلم والاستكبار وشياطين السياسة في العالم إنّما هو المدرسة، ففي هذا الموقع يتلقى التلاميذ دروس العلم والتربية، وهم يؤلّفون الجيل الصاعد وثروة البلاد وذخيرتها في المستقبل، فلتدركوا أهمية التعليم والتربية وأهمية المعلم وهذا الموقع الثقافي، وليدرك شبابنا وناشئتنا أهمية الدراسة والتحصيل العلمي وتهذيب النفس.

أنتم، أيّها المعلمون والمربّون وجيل الشباب، تصنعون الغد، وأنتم الذين ستدحضون العدوّ، وستكونون بذلك نقطة الأمل المضيئة في قلوب مستضعفي العالم. لقد كان إمامنا العزيز يؤكد على ذلك دائماً، كما اعتبر ذلك في طليعة ضرورات الثورة وخط الإمام. 2

الاعتدال الثوري

هناك عادة ظهرت لدى بعضهم هي أن يكرروا باستمرار على ألسنتهم قول: «متطرفون... متطرفون». أجل، فالتشدد والتساهل – الإفراط والتفريط – كلاهما مذموم، وهذا واضح. ولكن ما التشدّد والحدّة، وما التساهل والتراخي، وما الخط الوسط؟ هذه أمور غير واضحة وجليّة بالكامل، ولا من المسائل البيّنة، وهي بحاجة إلى تبيين. ولأن أخباراً كثيرة جداً تصلنا، وحينما ينظر الإنسان إلى الصحف والمطبوعات المختلفة، يفهم أن هناك من يقصد بالتطرّف التيّار الحزب-اللهي المؤمن. كلا! لا تتّهموا التيار المؤمن والتيار الثوري والشباب الحزب-اللهيين بالتطرّف والتشدد، فإن هؤلاء هم الذين يملؤون الساحات بكل كيانهم وبالغ إخلاصهم. وإذا ما تطلّب الأمر الدفاع عن الحدود والهوية الوطنية، واقتضت الضرورة بذل الأنفس والمُهَج، فإن هؤلاء هم الذين ينزلون إلى الميدان. 1

قضيّة فلسطين

إنّ قضيّة فلسطين أهمّ قضايا العالم الإسلامي، ولا توجد أي قضيّة عالميّة في العالم الإسلامي أهم منها، لأنّ تسلّط غاصبي فلسطين والقدس على هذا الجزء من جسد الأمّة الإسلامية هو مصدر كثير من الضعف والصعوبات في العالم الإسلامي. 1 كل من يفهم ويدرك قضية فلسطين بصورة صحيحة يعترف بأنها قضية العالم الإسلامي الأولى. قضية فلسطين مفتاح الانتصار على أعداء الإسلام. ومن الأخطار الكبيرة التي تهدد العالم الإسلامي اليوم التقليل من أهمية قضية فلسطين المهمة وإيداعها غياهب النّسيان. 2 إن كل حادثة في فلسطين مهما كانت نتيجتها، فإنها ترتبط ارتباطاً مباشراً بمصير البلدان الإسلامية وتؤثّر فيها، سواء الدول القريبة من فلسطين أو تلك البعيدة. مهما قدّمت الشعوب المسلمة في عصرنا إلى فلسطين، تكون قدّمت لنفسها وعملت بما فيه مصلحتها. فعندما اقتُطعت تلك القطعة الدامية من جسد العالم الإسلامي بتخطيط من الاستعمار البريطاني ودعم من عالم الاستكبار لم تكن نيتهم في تلك الفترة «فتح» هذه الأرض فحسب. منذ ذلك الحين، كانت نيّة المُستعمرين مصوّبة نحو التسلط على المنطقة بأسرها التي تمثّل قلب العالم الإسلامي. من هذا المنطلق جميعنا اليوم مسؤولون. لقد استوعب إمامنا الخميني الراحل حقيقة القضية، وأدركها على نحو جيد. فمنذ الشرارة الأولى لنهضته عام 1962 وفي الوقت الذي لم تكن القضية الفلسطينية معروفة فيه حتى بين النخب، كان الإمام ينادي بضرورة أن يشعر الجميع بالخطر المحدق من هيمنة الكيان الصهيوني، وأن على الجميع أن يهبوا للمواجهة. ثم واصل رفع هذا الشعار في ما بعد حتى صار واحداً من الشعارات العريضة لهذا الرجل الإلهي والسماوي. 3

فلسطين بالنسبة إلينا قضيّة إنسانيّة وإسلاميّة على حد سواء. هي قضيّة إنسانيّة لأنّ حفنة من المجرمين المعادين للبشرية قد اجتمعوا في هذه المنطقة ولا همّ لهم سوى ارتكاب الجرائم والاعتداء والتسلّط والتآمر على الشعوب والحكومات الثورية. فضلاً عن ذلك هي، يا إخوتنا وأخواتنا، قضيّة إسلاميّة. لقد أوجب الإسلام علينا أن ندافع عن البلدان المسلمة، وأن نهتمّ بحقوق المظلومين والمستضعفين، وأن نسارع بأموالنا وأرواحنا إلى مساعدة الشعب الذي يطلق صرخته منذ ثلاثين سنة منادياً: «يا للمسلمين» دون أن يجيبه أحد. 4 هذه أكبر كارثة يمكن أن نعثر عليها على مرّ التاريخ. ولذلك، نرى أنّ فلسطين ليست قضيّة عربيّة فحسب، ولا حتى مجرد قضيّة إسلاميّة، بل هي قضيّة إنسانيّة ذات أهميّة كبيرة. 5

الاقتصاد المقاوم

في مجال القضايا الاقتصادية، أشير إلى «الاقتصاد الهجومي»، وهذا لا عيب فيه. أنا العبدَ لم أفكّر في هذا الاقتصاد الهجوميّ. ولو كان هناك في الواقع شرحٌ جامعيٌّ وأكاديميٌّ في ما يتعلّق بالاقتصاد الهجوميّ، ووفق قولهم مكمّلٌ للاقتصاد المقاوم، فأيّ عيبٍ في ذلك؟ فلنطرحه. ما وصلنا إليه هو الاقتصاد المقاوم.

وبالطبع إنّ الاقتصاد المقاوم ليس منحصراً في البعد السلبيّ، فلا يعني ذلك أنّه يكون محاصراً وينجز الأعمال الدفاعية، بل إن الاقتصاد المقاوم هو ذلك الذي يمنح أي شعب الإمكانية ويسمح له حتى في الظروف الضاغطة بالنمو والازدهار. هذا يُعدّ فكراً ومطلباً عاماً. ها أنتم الجامعيّون والأساتذة وخبراء الاقتصاد! حسنٌ جداً، اشرحوا وبيّنوا فكرة الاقتصاد المقاوم هذه باللغة الجامعية، وحدّدوا أطره، وأيّ ذاك الاقتصاد الذي يمكنه أن يضمن نموّ أيّ بلدٍ وازدهاره في ظروف الضغط والحظر والعداوات والخصومات الشديدة. 1

تكثير النّسل

اسمحوا لي أن أتحدّث بجملة حول مسألة الزواج في الوقت المناسب ودون تأخير. ما سأقوله يتوجّب عليكم، أنتم مدّاحي أهل البيت الأعزاء الذين تمثّلون إحدى وسائل الإعلام العظيمة والقيّمة في بلدنا، الترويج له. هذه القضايا تحتاج إلى الترويج. الزواج في الوقت المناسب دون تأخير من المهمات الضرورية والأساسيّة التي يجب فعلها، فكلاهما – الزواج المبكر وفي الوقت المناسب، والإنجاب – من الاحتياجات الحيوية للبلد اليوم وغداً. حسناً، يجب أن يكون لهذه المفاهيم حيّز جدير في كلامكم، أيّها المدّاحون الأعزاء. 1

الاعتماد على القدرات الدّاخليّة لحلّ المشكلات

قضية تأكيد أن الأيدي الداخلية هي التي تحل مشكلات البلاد يجب أن تتحول إلى واحدة من الواضحات والبينات الفكرية للشعب. يجب أن تقال هذه الفكرة وتكرر ويُستدل عليها منطقياً ويتم تبيينها حتى تصير «خطاباً» مسلّماً به. لدينا شباب متحفزون وأفراد متخصصون ومنتجون جيدون وصناع فرص عمل جيدون، ولدينا عمال جيدون ومزارعون صالحون ومعلمون جيدون وأساتذة جيدون. يجب إصلاح الأمور على يد أمثال هؤلاء، هم الذين يجب أن يعالجوا مشكلات البلاد. هؤلاء هم من ينبغي أن يعالجوا المشكلة الاقتصادية أيضاً والمشكلات العملية المتنوعة الأخرى. الأجانب لا يعوّل عليهم لفعل شيء.

أنا لا أقول: اقطعوا العلاقات بالعالم. هذا ليس رأيي أبداً. منذ بداية الثورة، كنت من الأشخاص الذين أصروا على إقامة العلاقات – الارتباط بأطراف العالم – والآن أيضاً لديّ هذا الاعتقاد نفسه، لكن ما أقوله هو ألا نبدل أرجلنا القوية الطبيعية بعصا الأجانب! من الخطأ أن نتوكأ على عصا الأجنبي بدلاً من الوقوف على أرجلنا والاعتماد عليها. 1

جهاد التبیین
۱٥

المرحلة التي نعيشها

لا يمكن لنا أن نخفض رؤوسنا إلى الأسفل فلا ندرك ماذا يحدث في الدنيا، ثم نتحرك هكذا نحو الأمام. حركة الإنسان بهذا الشكل، إذ يغمض عينيه ويسد أذنيه، دون اهتمام ونظر إلى ما حوله ودون نظر إلى الوقائع والآفاق البعيدة، تؤدي غالباً إلى الضياع والانحراف. إنّ علينا أن نلقي نظرة وأن نعيد القراءة.

إذا نظرنا إلى أنفسنا، فرأينا انحرافاً في وجودنا، فلنرَ أين بدأت زاوية الانحراف في هذه المسيرة، وفي أي نقطة تشكّلت الزاوية عن الخط المستقيم، وما سبب ذلك. تنبغي دراسة هذه المسائل.

هناك سؤال: كيف يمكن تحليل مسألة شيخوخة النظام وشبابه؟ كل موجود حي له مرحلة شباب، وله مرحلة شيخوخة. ما وضع النظام الإسلامي في هذا المجال وكيف سيكون في المستقبل: هل سيشيخ النظام الإسلامي ويهرم، وهل سيصيبه الاهتراء والشلل، وهل هناك طريق استباقي كي لا يصاب بهذا الوضع، وإذا ما حدثت مثل هذه الحالة، فهل من علاج متصوّر لها؟ إنها أسئلة مهمة. ينبغي أن تُطرح هذه الأسئلة ويجري التفكير فيها في مراكز الفكر واتخاذ القرارات وصناعة القرارات في الحوزات والجامعة أساساً وبحثها ودراستها والتفكر فيها. أنتم أيضاً - أيها الشباب - فكروا فيها.

هنا سأذكر نقطة: توجد سلسلة منطقية، وقلنا هذا سابقاً، وجرى البحث فيه. الحلقة الأولى (في السلسلة) هي الثورة الإسلامية، وبعدها تشكيل النظام الإسلامي، ثم تشكيل الدولة الإسلامية، ليأتي بعدها تشكيل المجتمع الإسلامي، ثم تشكيل الأمة الإسلامية. هذه سلسلة مستمرة ذات حلقات متصلة ببعضها بعضاً.

المقصود من الثورة الإسلامية التي هي الحلقة الأولى هو الحركة الثورية، وإن كانت الثورة بمعنى آخر شاملة المراحل كافة. نقصد هنا بالثورة الإسلامية تلك الحركة الثورية والنهضة الثورية التي تسقط النظام الرجعي والقديم والفاسد والتابع وتخلق الأرضية المناسبة لقيام النظام الجديد.

الحلقة التالية هي النظام الإسلامي، وأعني به هنا الهوية الكلية ذات التعريف المحدد التي يختارها البلد والشعب وأصحاب الثورة الذين هم الناس بالنسبة إلينا، فقد اختار شعبنا الجمهورية الإسلامية، أي النظام الذي تنبثق حاكمية الشعب فيه من الإسلام ويتوافق مع القيم الإسلامية. ونحن قد عبرنا هذه الحلقة.

المقصود بالدولة الإسلامية هو أنّ هناك دستوراً وقوانين أصلية ومؤسسات وبُنى إدارية للبلاد قد تحددت على أساس ما وُجد في مرحلة تعيين النظام الإسلامي. هذه المجموعة من المؤسسات الإدارية هي الدولة الإسلامية. وليس المقصود هنا بالدولة السلطة التنفيذية فقط، بل مجموع الأجهزة الإدارية في البلاد التي تُلقى على عاتقها مهمة إدارة البلاد والنُّظم الإدارية المختلفة في البلد.

الحلقة التي تليها هي المجتمع الإسلامي، وهي مرحلة أساس وشديدة الأهمية. بعد قيام الدولة الإسلامية تكمن مسؤوليتها والتزامها في تحقيق المجتمع الإسلامي. هو المجتمع الذي تتحقق فيه المثل العليا والأهداف الإسلامية والآمال الكبرى التي يرسمها الإسلام للبشرية: مجتمع عادل مفعم بالعدالة، مجتمع حر يكون للناس فيه دور وتأثير أساسي في إدارة البلاد وبناء مستقبلهم وتقدمهم، مجتمع ذو عزة وطنية واكتفاء وطني، مجتمع يتمتع بالرفاهية وخالٍ من الفقر والجوع، مجتمع متقدم في جميع الأبعاد تقدماً علمياً واقتصادياً وسياسياً، أخيراً مجتمع لا يعرف السكون وبلا ركود أو توقف وفي حال مسير دائم إلى الأمام... هذا هو المجتمع الذي نسعى إليه ونرغب فيه.

هذا المجتمع لم يتحقق حتى الآن، ولكننا نسعى جاهدين لتحقيق هذا المجتمع. صار هذا هو هدفنا الأساسي والمهمّ والوسطي. لماذا نقول الوسطي؟ لأنه عندما يتشكل هذا المجتمع، تكون أهم مسؤولياته أن يتمكن الناس، في ظل هذا المجتمع ومثل هذه الحكومة وهذه الأجواء، من أن يصلوا إلى الكمال المعنوي والكمال الإلهي؛ {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات، 56)، أي أن يصل الناس إلى عبودية الله. لقد فُسِّرت «ليعبدون» بـ«ليعرفون». هذا لا يعني أن «عَبَدَ» تعني «عَرَفَ» وأنّ العبادة تعني المعرفة. كلا، بل تعني أن العبادة دون المعرفة لا معنى لها وليست ممكنة وليست عبادة. بناءً على هذا إنّ المجتمع الذي يصل إلى العبودية لله يكون قد وصل إلى المعرفة الكاملة بالله ووصل التخلق بأخلاق الله، وهذا نهاية الكمال الإنساني. وعليه إن الهدف النهائي هو ذلك الهدف، والهدف الذي قبله هو إيجاد المجتمع الإسلامي، الذي هو هدف كبير وعالٍ جداً. 1

إنجازات الثّورة

إنجازات الثورة عظيمة حقّاً ومذهلة. لسوء الحظ، لم نفعل كثيراً لشرح هذه الإنجازات. أحياناً يُقال شيء ما في كلمة هنا أو خطاب تلفزيوني هناك لكن ثمة أكثر من ذلك بكثير لقوله عن إنجازات الثورة. في الواقع، حقّقت الثورة إنجازات هائلة في المجالات الأهم للحياة الاجتماعيّة. 1 كانت لثورتنا هذه الخصوصيّات:

أ- لقد قضت على نظام مناهض للإسلام وجاءت بنظام إسلامي إلى الحكم.

ب- محقت نظاماً دكتاتورياً مستبدّاً، وأقامت نظام حكم شعبي بدلاً عنه.

ج- محت التبعية التي كانت بلادنا تعاني منها طوال سنين متمادية - حيث وصلت إلى أفجع وأفظع أحوالها في العهد البهلوي- ومنحت الشعب استقلالاً شاملاً.

د- قضت على القمع والتعسّف الرهيبين اللذين كانا مسلّطين على شعبنا، ومنحته الحرية ومكّنت أبناء الشعب من طرح آرائهم وكلامهم بحرية، وأضحت الأجواء أجواء حرية.

هـ- قضت الثورة على الضعف النفسي وعقدة الدونية لدى شعبنا، وأحلت محلها الثقة بالنفس الوطنية. لقد كان لدينا عقدة دونية، وكنا نتصور أننا لا نستطيع القيام بعمل علمي أو سياسي أو عسكري عظيم. كنا نعتقد أننا شعب ضعيف. هذا ما لقّنونا إياه وبثّوه فينا. وقد أخرجت الثورة هذه الحالة من الشعب وبدّلتها إلى ثقة بالذات الوطنية. لدينا حالياً ثقتنا بأنفسنا في كل الميادين، ونعلم أنّنا قادرون ونسير وراء هذه القدرة ونتابعها، ونصل والحمد لله إلى مقاصدنا في كل المجالات.

و- كان شعبنا معزولاً ومُعرِضاً عن الشؤون السياسية ولا يهتم لأحداث البلاد. وقد انتزعت الثورة هذه الحالة من شعبنا وجعلتنا شعباً واعياً وسياسياً.

هذه هي الخطوط الأصلية لهذه الثورة التي أوجدت هذه الأحداث في هذا البلد. لقد تمأسست هذه الأصول وتكرّست مؤسساتياً وترسّخت. هذه ليست تحوّلات سطحية ومقطعية. شعارات الثورة اليوم هي نفسها شعارات اليوم الأول، وهذا مؤشّر على سلامة الثورة. 2

إن ثمار جهود اربعين عاما ماثلة الآن أمام أعينكم: بلد وشعب مستقل وحر مقتدر وذو عزة ومتدين ومتقدم في العلم ومليء بالتجارب الثمينة وواثق ومتفائل وله تأثير أساسي في المنطقة وذو منطق قوي في القضايا العالمية وصاحب ارقام قياسية في سرعة التطور العلمي وذو ارقام قياسية في تبوئ المراكز العليا في العلوم والتقنيات الهامة كالنووي والخلايا الجذعية وتقنية النانو والعلوم الجوفضائية وامثالها، ومتميز في تطوير الخدمات الاجتماعية ومتميز في الدوافع الجهادية بين الشباب ومتميز في شريحة الشباب النشط والكثير من الخصائص الاخرى التي تبعث على الفخر، وكلها حصيلة الثورة وثمرة للتوجهات الثورية والجهادية. واعلموا لو لم تكن الغفلة تجاه شعارات الثورة والغفلة عن التيار الثوري في بعض فترات تاريخ الاربعين عاما – وهو ما حصل للاسف وأدى الى بعض الاضرار – لا شك كانت انجازات الثورة أكثر من هذا بكثير، ولكانت البلاد متقدمة كثيرا في مسار تحقيق المبادئ الكبرى، ولما كانت المشكلات الراهنة موجودة. 3

حقائق البلد والمنطقة

لو أنكم لاحظتم دعاياتهم، لوجدتموها تركّز في ما يخص بلدنا العزيز وشعبنا العظيم والبطل، وهو في الوقت ذاته شعب مظلوم... على رسم مستقبل مظلم قاتم، فالعدو يسعى ليصوّر المستقبل كأنه غامض لا تُعرف أحداثه ولا أين سينتهي بأهله. إنّ من واجب مبلّغ الدين والقيم المعنوية وكاشف الحقيقة أن يزرع الأمل في القلوب وينمّيه، ويزيل عنها اليأس، فاليأس من أعدى أعداء الشعوب، فيجب اقتلاع اليأس من قلوب الجماهير.

انظروا في المنطقة التي تكون موضعاً لنشاطكم ولاحظوا اللهجة التي يلزم مخاطبة الناس بها، وفي الأحوال كلها إنّ واجبكم يقضي ألا تتركوا اليأس يتسرّب إلى القلوب. إنّ ما يرمي إليه العدو هو أن يجعل اليأس يُهيمن على القلوب ليَقْنُط كل إنسان بطريقة ما، فالجامعي يَقْنُط بطريقة، والتلميذ بطريقة، والعامل بطريقة ثالثة، وعالم الدين بطريقة رابع، والكاسب بطريقة أخرى، والإداري بأسلوب، والمسؤول الحكومي بأسلوب آخر، والمسؤول – الرفيع المستوى – من باب آخر... لديهم أساليبهم الخاصّة بكل واحد، وهذا ما نلمسه من قرب.

إنّ لديهم أساليب لبث اليأس حتى في نفوس بعض المسؤولين الكبار في الدول، فنحن حين نتحدث مع مسؤولي الدول الأخرى نلاحظ أحياناً أنّ قلوبهم طافحة باليأس، وماذا بإمكان اليائس أن يفعل؟ حاولنا إزالة ذلك اليأس من قلوبهم واستبداله الأمل به. بحمد اللّه، إن شعبنا مفعم بالأمل والهمّة. وعليكم أن تغرسوا الأمل في النفوس. 1

التّاريخ المعاصر

لو راجعنا تاريخ ما حدث خلال هذه السنوات المئتين، لأدركنا على نحو أفضل عظمة الإنجاز الذي حققّه الإمام. وأؤكد هنا للشباب قراءةَ تلك المقاطع التاريخية، وعلى أجهزة الإعلام أن تبيّن للشعب حقيقة ما وقع للشعب طوال تلك المدّة، فالعمل الإعلامي الذي أُنجز في ما يخص هذا المجال ضئيل جداً. 1

سيرة الشّهداء

يجب أن نسعى في بيان سيرة الشهداء أن نبيّن خصائص حياتهم ونمط حياتهم ونوعية سلوكهم في الحياة. هذا أمر مهم. حسناً، إنّ حماسة الحرب والذهاب إلى جبهات الحرب قضيةٌ، وهي قيّمة بالطبع، إذ يضع أشخاص أرواحهم على أكفّهم ويذهبون ليحاربوا لكن روحية الإنسان وخصائص حياته وماضيه ومبانيه الفكرية والعقدية قضية أخرى وفي غاية الأهمية. هذا الشهيد الذي تتأثرون بذكراه وتضحيته وشهادته في ساحة المعركة، كيف كان يتصرف في حياته الأسرية، وكيف كان يتعامل في أجواء الحياة العادية. هذه أمورٌ بالغة الأهمية... أو في ما يخصّ المسائل التي تهمّنا اليوم كيف كان هؤلاء الشهداء يتعاملون معها.

افرضوا مثلاً كيف أنّنا اليوم نظهر حساسية إزاء الإسراف والتطاول والاعتداء على بيت المال والنزعة الأرستقراطية، فهذه المسائل مهمة ومطروحة حالياً لدى أوساط مجتمعنا الحريصة، فكيف كان شهداؤنا الأعزاء يتعاملون مع هذه القضايا في ذلك اليوم حين كانوا أحياءً يعيشون داخل مدنهم وعائلاتهم. بثّ التلفاز أمس أو ما قبله برنامجاً حول بعض الشهداء وقد تابعته مصادفة بضع دقائق. ما قيل عن أولئك الشهداء وما ورد في وصاياهم... حقاً إنّ الإنسان يقف متحيراً أمام العظمة الروحية لهذا الشهيد. يقول إنّي تابعت الدراسة وأخاف أن يكون درسي هذا – الذي تمّ تخصيص أموال وميزانية له - قد فُرض على بيت المال، وأن تكون هذه التكاليف في ذمتي، وعندما استشهد بيعوا دراجتي النارية واسحبوا أموالي من البنك وادفعوها إلى بيت المال لا في تلك المصاريف! إنها دروس. إنها عِبر.

خذوا مسألة زواجهم على سبيل المثال. في مذكرات الشهداء وسِيَر حياتهم – بذلك المقدار الذي شاهدته وطالعته ورأيته – تذكر قضية زواجهم: كيف كان زواج هؤلاء، وكيف كانوا يختارون أزواجهم – عن أي نوع من الأزواج كانوا يبحثون – ثم مراسم العرس وصولاً إلى أسلوب تعاملهم داخل الأسرة... كل هذا في قمم الأخلاق الإسلامية. إننا مبتلون اليوم ونحتاج إلى هذه الأشياء. كيف يفكّر شبابنا اليوم في الزواج، وكيف ينبغي لهم أن يفكّروا؟ لا بدّ من المحافظة على ذلك الأنموذج أمامهم. إنهم نموذج وقدوة. شهداؤنا قدوة.

على فنّانينا أن ينزلوا إلى الميدان. فنّ الكتابة وفنّ التجسيد في النص والكتابة هذه أمور بالغة الأهمية. ولا يسعوا فقط إلى إنتاج الأفلام. الأفلام جيدة ومن الأمور الضرورية جداً، ولطالما أكّدتُ أنا العبدَ وأوصيتُ بها، واليوم أيضاً أوصي مجدداً بإنتاج الأفلام، غير أنّ هذا التأكيد بشأن الأفلام ينبغي ألّا يجعلنا نغفل عن الكتاب. فليقم من هم من أهل الكتابة وأصحاب الأقلام المبدعة والذوق الرفيع على التصوير والتجسيد لهذه الأمور، وليؤلفوا كتباً قصيرة، ليتمكّن الشباب من قراءتها بسهولة. لينتجوا وينشروا الكتب. لا داعي للمبالغة أصلاً ولا كتابة أشياء غير واقعية، فليبيّنوا ما حدث في الواقع على نحو صحيح، وليبيّنوا بكل جمال وبلاغة؛ إنّ هذا ما يجذب القلوب، وما يترك تأثيراً في الناس. 1

حقيقة العدوّ والمنطقة

من صورهم غير الصحيحة أنهم يتظاهرون بأنهم في موضع القوة، والحال أنهم ليسوا في موضع قوة. نعم، قوتهم الصلبة قوةٌ يمكن استعراضها، أي يملكون المال والمعدات العسكرية والإمكانات الإعلامية. هذه أدوات قوة ولكن في المواجهة العالمية تبقى الكلمة الأولى للقوة الناعمة، وهذه القوة تعني المنطق والدليل والكلام الجديد... الفكر والكلام الجديد الذي يحسم أمور الحياة، وطرح فكر وكلام جديد. ليس لديهم كلام جديد ولا أفكار جديدة ولا منطق.

أمريكا ضعيفة جداً في مجال القوة الناعمة. كلامها وفكرها هما منطق القوة، ومنطقها ضعيف. ليبراليتها الديمقراطية مفضوحة في العالم اليوم – الأعمال والأساليب التي يمارسون بها الليبرالية الديمقراطية وكانوا يفخرون بها تتعرض للنقد اليوم من أصحاب الرأي بأسلوب فاضح – ولذلك تلاحظون أنَّ أمريكا التي تمتلك القوة النووية والتقنية المتقدمة والمال الوفير قد هُزمت في كثير من مناطق العالم، فقد هُزمت في العراق وسوريا ولبنان وباكستان وأفغانستان، وهُزمت وتهزم في مواجهة قوى العالم، واليوم أيضاً هناك هزائم أخرى تنتظر أمريكا، كما يظهر للإنسان المتابع الأوضاع. هذه هي الصورة التي يصنعونها لأنفسهم وهي صورة غير صحيحة، وكاذبة. 1

جهاد التبیین
۱٦

موانع التقدّم

أرادت الثورة أن تثبت للجميع أين ما كانوا من العالم الإسلامي أن هذا الأنموذج ممكن التحقيق، وهذا هو المثال. كان هذا هدف الثورة. كان هذا الهدف مطروحاً منذ البداية وأقول لكم إنه لا يزال قائماً اليوم أيضاً، وسيبقى في المستقبل. إنه هدف ثابت. هذه هي النقطة الأولى من حديثنا. النقطة الثانية هي أن الثورة الإسلامية طمحت إلى هذا الهدف، ونحن لا نعيش في الفراغ بل في واقع معين له سماته. إلى أي حد ساعدت هذه السمات على بلوغ ذلك الهدف أو عرقلت الوصول إليه؟ لو لم تكن العراقيل التي سأذكرها الآن، لكان من المتيقن ألا يستغرق بلوغ الهدف وقتاً طويلاً. ربما استطاعت جماعة منظمة قوية تحقيق تلك الأهداف في خمسة أعوام أو عشرة.

ولكن تعترض طريق الإنسان بعض العراقيل. بل إن وجود هذه العراقيل هو الذي يسبغ المعنى والحقيقة المعنوية على مساعي الإنسان فتسمى جهاداً. وإلا لو لم تكن ثمة موانع وعراقيل، ما كان للجهاد من معنى. الجهاد معناه الجد والجهد المصحوب بالعناء وتحدي العقبات. فما تلك العقبات؟ واجهنا نوعين من العقبات: الداخلية، والخارجية. ما العقبات الداخلية؟ إنها الأشياء الموجودة في داخلنا نحن البشرَ سواء أصحاب القرار، أو كل واحد من أبناء الشعب، أو الذين يشهدون وينظرون ساحة الكفاح والثورة من خارجها. هذه هي الموانع والعقبات الداخلية.

إنها حالات الضعف: الضعف الفكري، والضعف العقلاني، والركون إلى الراحة والسهولة، وتصوّر أن الأمور سهلة بسيطة. هذه الحالات تمثل أحياناً عقبات تحول دون تحقيق الهدف. ينبغي أن يكون تقييم العمل ومشكلاته على نحو يتطابق مع الواقع أو يقترب منه على الأقل. توهّم السهولة يشبه حالة التساهل وقلة المبالاة. هذا أيضاً من عقبات الطريق. والتهرب من التحدي أيضاً من حالات الضعف الداخلية عندنا. التهرب من التحدي يسمى خطأً طلباً للعافية. طلب العافية شيء جيد. العافية من أعظم النعم الإلهية: «يا ولي العافية، نسألك العافية، عافية الدنيا والآخرة». ليست العافية بمعنى تجنب الخوض في المشكلات، بل معناها التصرف بطريقة صحيحة واتخاذ الخطوات الصائبة، والهجوم في الوقت الصحيح والانسحاب في الظرف المناسب. العافية من البلاء كما لو قلنا العافية من المعصية. إذن، طلب العافية والسلامة ليس شيئاً سيئاً، لكنهم يسمون التهرب من التحدي طلباً للعافية خطأً. إنه في الحقيقة طلب الراحة وتقبيح مواجهة المشكلات، وغياب الاستعداد لمواجهتها. هذه من حالات ضعفنا الداخلي. ومن الحالات الأخرى أنواع التربية الاجتماعية والتقاليد التاريخية التي كانت لدى شعبنا في بداية الثورة. أنتم الشبابَ قد لا تكون لديكم صورة واضحة عن أحوالنا النفسية وتربيتنا التاريخية حينما انتصرت الثورة.

نرى اليوم أن الجميع يرفعون شعار: «نحن قادرون». وفعلاً، لو قيل لكم: هل تستطيعون التفوّق على أصحاب أدق وأهم الصناعات في العالم؟ لقلتم: نعم، إذا عقَدنا الهمم وبذلنا الجهود، فسنقدر. العالم الشاب المسلم في الجمهورية الإسلامية يرى نفسه فعلاً قادراً على أي شيء. هذه الروح لم تكن هكذا في بداية الثورة. التربية السابقة كانت على الضد منها تماماً. كلما أثيرت قضية أو مشروع معين، قالوا: لكننا لا نستطيع. يقال لهم: اصنعوا الشيء الفلاني، فيقولون، لكننا لا نستطيع. أو: واجهوا الشعار الخطأ الفلاني في العالم، فيقولون: نحن لا نستطيع؛ قوانا لا تسمح! لكننا اليوم «نستطيع». في ذلك اليوم، كان يقال: «نحن لا نستطيع» بوحي من تلك التربية الأخلاقية والتاريخية الموروثة عن العهد الماضي...

أما العوامل الخارجية، فكثيرة إلى ما شاء الله. كل الذين تضرروا من الثورة أو أهداف الثورة وقفوا في وجهها. هناك من يضرهم الأمن، ومن تضرهم العدالة، ومن يضرهم رفض سيادة الطاغوت، ومن يضرهم رفض سيادة الأجانب، ومن يضرهم رفض الاستبداد... هؤلاء تعرفونهم ولا حاجة إلى الإيضاح والقول من الذين يضرهم الاستقلال أو الحرية! هؤلاء كلهم اصطفوا في وجه الثورة، ولا يزال هذا الاصطفاف إلى اليوم. 1

الحوادث الواقعة

هناك حقائق كثيرة ينبغي تبيينها. في مواجهة هذه الحركة المضللة التي تتدفق من مئة اتجاه نحو الشعب الإيراني وتؤثر في الرأي العام – هذا أحد الأهداف الكبيرة لأعداء إيران والإسلام والثورة الإسلامية – وإبقاء الأفكار ملتبسة وترك أذهان الناس وخاصة الشباب، إن حركة التّبيين تحبط مؤامرة العدو وحركته. إنه بمنزلة الواجب على كل واحد منكم أن تنيروا ما حولكم كالمصباح والنور. اليوم، لحسن الحظ، الميدان مفتوح لنشر الأفكار. هذا الفضاء العام إضافة إلى المشكلات التي قد يسببها له أيضاً بركات كبيرة.

يمكنكم نشر الأفكار الصائبة والصحيحة، والإجابة عن الإشكالات والإبهامات المختَلَقة في هذا الفضاء بالاستفادة من هذا الإمكان، كما يمكنكم الجهاد في هذا المجال بالمعنى الحقيقي للكلمة. بالطبع، إن المبدأ الحاسم في هذا الشأن هو ضرورة اتباع نهج أخلاقي في أداء هذا العمل. علينا أن نجتنب بشدة ما يفعله بعضهم في الفضاء المجازي أو المطبوعات والمقالات وهنا وهناك من مواجهة للرأي العام بالسّباب والافتراء والخداع والكذب. لا بدّ من نشر الحقائق بمنطق قوي وخطاب متين وعقلانية تامة، مع تزيينه بالعاطفة والمشاعر الإنسانية وتطبيق الأخلاق. علينا جميعاً اليوم أن نتحرك في هذا الميدان. كل واحد بطريقةٍ وبالسَّهم الذي لدينا في هذا الطريق. 1

إنّ أخطر الوقائع هي الفتن، فالفتنة معناها: الحادثة المحفوفة بالغبار التي لا يستطيع المرء فيها التمييز بين العدو والصديق، ومن دخل الميدان لمآرب خاصّة، وما هي الجهة المحرّضة. يجب إخماد الفتن بالتوعية، وحيثما وُجد الوعي، يقصر باع الفتنة، وحيثما كان الكلام غير موجّه والعمل غير موجّه وتصويب السهام غير موجّه نحو غرض مُعيّن، والتّهم تلقى على غير وجه معيّن، فذلك يبعث النشوة في نفوس مثيري الفتن، لأن الساحة تصبح ملبّدة بالغبار. 2

قضايا المرأة

من الأعمال الأخرى المهمة وجوب تبيين رأي الإسلام وإيضاحه بشأن حقوق المرأة والرجل، والسيدات أنفسهن مطالبات ببذل الجهود في هذا المجال. ولكن العبء الأكبر يقع على عاتق المطّلعين على المعارف الإسلامية، إذ عليهم بيان مواضع التفاوت بين حقوق المرأة وحقوق الرجل ليدرك الجميع أنها مسنونة على أساس الفطرة والطبيعة البشرية لكل منهما ووفقاً لمصالح المجتمع. لا شكّ أنّ أعمالاً جيّدة قد أُنجزت في هذا المضمار، واليوم يجب أن يُصاغ هذا العمل بلغة العصر، وإلّا فمن يدقق النظر في الأعمال التي أُنجزت في ما مضى في هذا المضمار يذعن ويُصدّق أنّ الأحكام الإسلامية مبنية تماماً على جوهر الفطرة والطبيعة البشرية. 1

النّفوذ والتّغلغل

مإنّ قضية النفوذ والتغلغل قضية بالغة الأهمية، علماً بأن هناك من أبدوا ردود فعل حيال طرح هذه القضية قائلين إن النفوذ قد صار مسألة تيارات وأجنحة داخلية، وباتوا يستغلونها استغلالاً فئوياً. أنا لا شأن لي بهذا الكلام، فليكفّوا عن الاستغلال الفئوي، وليوقفوا الجدل والمناقشات التي لا طائل من ورائها حول هذه القضية، وليتجنّبوا طرح عنوان النفوذ فارغاً من المحتوى المناسب له، ولا شأن لنا بهذه الأمور. لكن مع كل ما يقال، وما يُنجز أعمالٍ مهمة، لا ينبغي التغافل عن أساس هذه الحقيقة، وهي أن العدو في صدد النفوذ والاختراق. وسوف أتناول قليلاً شرح حقيقة النفوذ وطريقته لئلّا نغفل عن أساس القضية. فلا تتهم التيارات بعضها بعضاً بأن يخاطب كلٌّ منها الآخر أنك كنت تقصد من كلامك هذا الشيء، فليكن المقصود كائناً ما كان، ولكن لا ينبغي تناسي هذه الحقيقة التي بات العدوّ يخطط لها.

النفوذ على نمطين: نفوذ جزئي وفردي، ونفوذ جناحي تياري. فللنفوذ الجزئي نماذج كثيرة، وهو يعني أن يكون لكم على سبيل المثال مركز، أو أن تكون لكم مسؤولية، فيدسّون شخصاً بوجه مقنَّع قد تم تجميله وتزيينه في داخل مجموعتكم، فتتصوّرون أنه صديقكم، والحال أنه ليس صديقاً، ليتمكّن عبر ذلك من تحقيق أهدافه، فتارة يتجسس ويتتبّع المعلومات والأخبار ويرسلها، وهو أقل أنواع النفوذ الفردي أهمية، وتارة يفعل ما هو أهم من التجسس: التغيير في قراراتكم. فإنك لو كنت مديراً ومسؤولاً ومن أصحاب القدرة على اتخاذ القرار، وفي إمكانك أن تقطع خطوة شاسعة أو مؤثرة، وكانت هذه الخطوة على نحو لو رُفعت بهذه الطريقة، لجرت لمصلحة العدو، فإنه يتدخل في الموضوع ويعمل ما من شأنه أن تخطوَ هذه الخطوة بهذه الطريقة، وهذا يعني اتخاذ القرار. ولهذا النمط من النفوذ وجود في الأجهزة كافة، ولا يختص بالأجهزة السياسية بل له وجوده على الدوام حتى في الأجهزة العلمائية والدينية وأمثالهما أيضاً.

نقل لي المرحوم السيد حسن تهامي، وهو أحد كبار العلماء في بلدنا ومن سكان مدينة بيرجند حيث هاجر إلى هذه المدينة وأقام فيها وكان عالماً كبيراً، ولو كان بقي في قم أو النجف، لصار من مراجع التقليد بالتأكيد، فقد كان غزيراً في علمه، وقد حدّثني قائلاً: حينما اشتعلت نيران الحرب بين العراقيين والبريطانيين سنة 1918، أي قبل مئة عام تقريباً، كان لأحد المراجع آنذاك خادم معروف بالخير والصلاح، وكان يجالس طلبة العلوم الدينية ويحادثهم، وكان صاحباً وصديقاً لهم جميعاً، وكلّهم يعرفونه، وقد ذكر اسمه ولكن لم يبقَ في بالي. ثم تابع حديثه قائلاً: بعد أن انتصر الإنكليز واحتلّوا العراق، وكانت آخر مدينة دخلوا إليها هي النجف، وصل الخبر إلى هؤلاء العلماء بأنّ هذا الخادم هو ضابط بريطاني! يقول: لكنّي لم أصدّق، وقلت مستغرباً: هل يمكن ذلك؟ وذات يوم كنت أتمشّى في سوق الحويش – سوق معروف في النجف – وإذا بي أرى نحو عشرة من الضباط والعسكريين البريطانيين يتقدّمون على أحصنتهم – كانوا يومذاك يستخدمون الخيل – وفي مقدّمتهم ضابط، فوقفت على جانب الطريق ليعبر هؤلاء الضباط، ولكنّهم حينما وصلوا إلى جانبي، رأيت ذلك الضابط الذي يسير في مقدّمتهم، فخاطبني من على فرسه قائلاً: يا سيد حسن، كيف حالك! نظرت إليه، نعم، وجدته ذلك الرجل نفسه الذي كان خادماً للمرجع الفلاني! كان يعيش بيننا سنوات طوالاً. هكذا قد يجري النفوذ الفردي، فيتسلّلون إلى بيت الشخص أو مؤسّسته وجهازه. وأما في الأجهزة السياسيّة في الأمس، فحدّث ولا حرج، وقد تكون هذه الظاهرة موجودة في الوقت الحالي أيضاً، وهي ظاهرة خطيرة.

لكن الأخطر من ذلك هو النفوذ التياري، وأعني به تأسيس شبكات وسط الناس عبر الأموال، وهنا يتضح دور الأموال والأبعاد الاقتصادية. وتأسيس الشبكة يكون غالباً عبر وسيلتين: الأولى المال، والثانية المغريات الجنسية. فيستقطبون الأشخاص، ويجتمعون معاً، ويحددون هدفاً مفتعلاً مزيّفاً، ثم يسوقون الأفراد المؤثرين الذين يتمكنون من ترك التأثير في المجتمع صوب الاتجاه المنشود لديهم، ولكن ما ذلك الاتجاه المنشود؟ إنه تغيير المعتقدات والـمُثُل والرؤى ونمط الحياة. فيفعلون ما من شأنه أن يفكر فيه الشخص الذي راح ضحية النفوذ والاختراق ووقع متأثراً به كما يفكر ذلك الأمريكي، أي أن يجعلوك تنظر إلى القضية كما ينظر إليها الأمريكي – مثل السياسي الأمريكي ولا شأن لهم بالشعب الأمريكي – وتحلّل الأمور كما يحلّلها ذلك المسؤول الرفيع المستوى في «سي آي ايه»، وتطلب نفس ما يريده في نهاية المطاف، فيكون مطمئناً فارغ البال، إذ لا حاجة أن يخاطر ويخوض الساحة بنفسه، لأنك من تؤدي مهمته بدلاً عنه. إذاً، هذا هو الهدف من النفوذ المتمثل في النفوذ التياري الشبكي الواسع لا الجزئي الموضعي. ولو جرى هذا النفوذ واختُرق الأشخاص الذين لهم تأثيرهم في مصير البلد وسياسته ومستقبله، فانظروا ماذا سيحدث؟ سوف تتغيّر المبادئ والقيم والمطالب والمعتقدات.

لكن من هم الذين يتعرضون لهذا النفوذ؟ غالباً هم النُّخب والمؤثرون وصنّاع القرار، فهم الذين يصبحون عرضة للهجوم ويحاول الأعداء التغلغل والتوغل في أوساطهم، ومن هنا إن النفوذ لَخطرٌ كبير. وقول بعضهم إن زيداً من الناس قد استغل مفردة النفوذ استغلالاً فئوياً وجناحياً هذا لا يحدّ من أهمية المسألة. فإنْ فعل ذلك أم لم يفعل – لا يحق له بالطبع أن يستغل هذه القضية استغلالاً فئوياً – لا يتغير واقع الأمر ولا يمكن التغاضي عن هذا الواقع. 1

الوحدة واجتناب الفرقة

النقطة الأولى الاختلاف والازدواجية والتفرقة، وهي المقولة نفسها القديمة: «فرّق تَسُد»، أي البلاء الفتّاك نفسه الذي نهش أجساد الشعوب، فهم يحاولون بثّ الفرقة، وإذا وجدوا أنهم قد أخفقوا في إثارة الفرقة، يبثّون الشائعات التي تُوحي بوجود الفرقة.

من الواضح أنهم يعيرون أهمية قصوى لقضية الاختلاف. وأنتم عليكم السير في الاتجاه المعاكس لهذا التيّار، فحاولوا قبل كل شيء ألا يكون ثمّة اختلاف، ثمّ ركّزوا مساعيكم على ألا تكون هناك شائعات عن وجود اختلاف لكيلا يغذيها العدو أو يضخّمها، فالذين يضخّمون شائعات الاختلاف في الداخل كمن يؤججون نيران الاختلافات. 1

مواجهة الخرافات والبدع

هناك أُمور تُقرّب الناس إلى اللّه وتعزّز تمسّكهم بتعاليم الدين، ومن هذه الأمور مراسم العزاء التقليدية، فإنّ الإمام - رضوان اللّه المتعالي عليه - أوصانا بإقامة مراسم العزاء التقليدية كالمشاركة في المجالس الحسينية ونعي الإمام الحسين (ع) والبكاء عليه واللطم على الصدور في مواكب العزاء، وهي من الأمور التي تعزّز المشاعر الجيّاشة إزاء أهل البيت (ع).

غير أن هناك أُموراً خلاف ذلك وتبعد بعض الناس عن الدين، فقد شوهدت - للأسف - خلال الأعوام الثلاثة أو الأربعة الماضية أعمال تروّجها بعض الأيدي على ما يبدو، فتثير علامات استفهام في أذهان المشاهدين.

لقد جرت العادة في قديم الأيام وبين عوام الناس أن يعلّقوا أقفالاً بأجسامهم في مراسم العزاء، فانبرى لها كبار العلماء واندثرت هذه العادة، غير أنها ظهرت مجدداً في المدة الأخيرة، وسمعت أن هناك من يعلّقون الأقفال بأجسامهم في مواكب العزاء. إنه عمل خاطئ يفعله هؤلاء، وكذلك الأمر بالنسبة إلى شّج الرؤوس بالسيوف أي ما يصطلح عليه بـ«التطبير»، الذي هو الآخر عمل مخالف.

هناك بدعة غريبة ابتدعوها أخيراً في كيفية الزيارات، فأنتم تعلمون أن جميع أئمة الهدى (ع) كانوا يزورون المرقد الطاهر للرسول الأكرم (ص) والمراقد المطهرة لأئمة أهل البيت (ع) في المدينة المنورة والعراق وإيران، ولكن هل سمعتم أن أحداً من الأئمة أو من العلماء كان يزحف على صدره من باب الحرم إلى الضريح أثناء الزيارة، فلو كان هذا العمل مستحباً أو مستحسناً، لعمله علماؤنا الكبار، لكنهم لم يفعلوا مثل هذه الأعمال.

حتى نُقل أن المرحوم آية اللّه العظمى البروجردي (رض)، ذلك العالم الورع والمجتهد البارز وذو الأفكار النيّرة، منع حتى تقبيل العتبة لدى دخول الحرم المطهر لأي من الأئمة (ع) رغم أن هذا العمل قد يكون من المستحبات كما جاء في كتب الأدعية، وأتذكر أن هناك رواية عن استحباب تقبيل العتبة، ولعل المرحوم البروجردي إنما منع ذلك حتى لا يُتصوّر أنه نوع من السجود يتبجّح به الأعداء لتوجيه الاتهامات إلى الشيعة. ليس صحيحاً أن يدخل فجأة عدد من الناس إلى الحرم المطهر للإمام علي بن موسى الرضا (ع) ويزحفون على صدورهم مسافة مئتي متر نحو المرقد. كلا، إنه عمل خاطئ. إنه استهانة بالدين وبحرمة الزيارة. من يروّج هذه الأمور بين الناس؟ ليكُّفوا عن ذلك. إنه من عمل الأعداء.

عليكم أن تبينّوا هذه الحقائق للناس حتى تتفتّح أذهانهم، فالإسلام دين منطقي، والفهم الشيعي للإسلام هو الأكثر منطقية من غيره... نحن الشيعة أهل المنطق وأهل الاستدلال المنطقي. 1

جهاد التبیین
۱۷

المسؤولون

إن التحدث إلى الناس ومشاركة المشكلات والحلول معهم أيضاً من مظاهر الشعبية. اطرحوا قضاياكم مع الناس. تارةً هناك مشكلة، وهناك طريق حلّ [أيضاً]. بالطبع، حاولوا ألا يتسبب كلامكم في إحباط الناس، إذ هناك من يتجاهلون هذه النقطة ويقولون كلاماً غير مناسب ومغاير للواقع، ما يؤدي إلى جعل الناس يشعرون باليأس. كلّا! كل مشكلة ولها حل. ضعوا الناس في الصورة، وتحدّثوا إليهم، واطلبوا منهم المساعدة في مختلف الحالات، سواء المساعدة الفكرية أو العملية. قد يحدث خطأ في مكان ما – حسناً كلنا نرتكب الأخطاء، والخطأ في عملنا ليس قليلاً – فلنعتذر إلى الناس. [قولوا] للناس صراحةً: حدث هذا الخطأ، والتمسوا العذر. هناك جوانب مختلفة تخوّل الإنسان أن يكون شعبيّاً. اعرضوا تقارير خدمتكم على الناس. تقرير صادق، دون مبالغة، دون تضخيم. [قولوا] بصدق إنكم فعلتم هذه الأعمال. هذه جوانب مختلفة تجعلكَ شعبيّاً. لقد أشار أمير المؤمنين (ع) إلى كل هذه الأمور في عهده المهم للغاية الذي وجّهه إلى مالك الأشتر. أُوصي بأن يراجع الأصدقاء هذا الكتاب ويطلعوا عليه. إنّ عبارته في هذا الصدد هي: «فَلا تُطَوِّلَنَّ – أو فَلا تَطولَنَّ، أو فَلا يَطولَنَّ – اِحتِجابَكَ عَن رَعِيَّتِك»، لا تتغيب عن الناس مدة طويلة. بالطبع، لا يمكن للمسؤول أن يكون دائماً بين الناس، لكن في بعض الأحيان يجب أن تكون حاضراً بين الناس. «لا تُطَوِّلَنَّ» احتجابك عن الناس. ثم يتحدث ببضع جمل حول هذا الأمر، فيقول: «وإن ظَنَّتِ الرَّعِيَّةُ بكَ حَيفاً فَأصحِرْ لَهُم بعُذْرِكَ». تحدّث إليهم بصراحة. التفتوا! إن العلاقة بين الحاكم والناس هي في الأساس على هذا النّحو: إنها علاقة أخوية، وإنها علاقة ودية. «وَاعدِل عَنكَ ظُنونَهُم بِإصحارِك». كان هذا توضيحاً حول أن تكون شعبياً. لذا، حاولوا أن تمتلكوا حقّاً التفاصيل المختلفة لهذه الميزة. 1

بالطبع يمكن التعامل بطريقتين مع الانتقادات التي تُوجّهها وسائل الإعلام والصحف أو بعض المراكز الحقوقية إلى الحكومة. الأولى تتمثّل في أسلوب التّبيين والتوضيح، وهي طريقة جيّدة. والثانية النزوع نحو المخاصمة وهي ليست جيّدة. لا يكن الأمر هكذا أن تقولوا: بما أنّهم يهاجمون الحكومة، وبما أنّ الانتقاد مُغرض، ينبغي أن نتعامل معهم هكذا. كلا، بيّنوا المسائل، فالتّبيين ضروري. هذا هو أسلوب التّبيين. بيّنوا المسائل في لقاءات عامّة مع الناس، وأوضحوا ما يجري، فلتُطرح الأسئلة وأنتم قدموا الإجابات. هكذا يكون التّبيين، وكذلك في وسائل الإعلام. إذا تم التّبيين جيداً، فلن يصل غرض المغرضين إلى نتيجة. 2

وسائل الإعلام

حسناً، لا بدّ أن تعلموا جميعاً أنّكم ضبّاط هذه الحرب النّاعمة وجنودها. أنتم جميعاً حرّاس للمتراس في هذه الحرب النّاعمة ولا بدّ أن تحفظوا متاريسكم وأن تدافعوا عنها. إنّه خسرانٌ ألا تدافعوا عنها. الدّفاع عمّا ذكرناه هو دفاعٌ عن الهويّة الوطنيّة لهذا البلد، دفاعٌ عن المستقبل لهذا البلد، دفاعٌ عن مصير هذا البلد وهذا الشّعب، دفاعٌ عن الحقائق الواضحة والعالية المنزلة، إذ إنّ طرح تلك الحقائق جعل أعداءكم المستكبرين والمقتدرين يُصابون بالجنون نتيجة غضبهم. الحقائق التي تُبيّنونها في الجمهوريّة الإسلاميّة تجعل العدوّ يُجنّ من شدّة غضبه. عندما تحضرون في متاريسكم وتعملون جيّداً، تكونون [في الواقع] قد دافعتم عن هذه الأمور. لذلك إنّ مؤسسة الإذاعة والتلفزيون مقرّ متقدّم ونشيط في الحرب النّاعمة، فلتعلموا هذا الأمر. 1

ما دور الإذاعة والتلفاز بشأن تديّن الناس، وما موقفها ومسؤوليتها في هذا الصدد؟ طبيعي أنّ ارتقاء المعرفة الدينية والإيمان الديني من جملة مهمات الإعلام، وهناك فرق بين المعرفة والإيمان، ولا بدّ من تقوية كلا الأمرين، ومن التحرّز عن جعل إيمان الناس واهياً أو سطحياً أو قشرياً، وينبغي أيضاً ألا نكتفي بالتركيز على مجرد المشاعر المفرطة لأنه لا جدوى من ذلك في تبليغ الدين، فاجعلوا هذا أساساً لنشاطكم. لنعد الآن إلى برامج الإذاعة والتلفاز لتروا ماذا ينبغي لكم فعله أو تركه، فيجب أن تهدف البرامج الدينية إلى إزاحة الشبهات عن الدين، لا أن تقوم على إثارة الشبهات وتوسيع دائرتها، فتعرض أموراً تؤدي أو تساعد على إثارة الشبهات! ربما أمكن لها إذا عرضت في جمع من المؤمنين المخلصين أن تعمل على زيادة إيمانهم، لكن عرضها على الملايين لا تكون نتيجته سوى زعزعة إيمان بعضهم. إذاً لا بدّ من تجنّب ذلك، وأن يكون الخطاب الديني مبنياً على دفع الشبهات، وأن يكون واضحاً ومتقناً وفنياً، وأن يكون صحيحاً على المستويات كافة. إننا رغم تبويب الخطاب الديني وتصنيفه إلى مستوى النخب، ومتوسطي الثقافة، ومستوى الشباب، ثم الصغار، فإن هذا الخطاب حتى لمستوى الصغار ينبغي أن يكون صحيحاً، فالطفل في الصف الأول الابتدائي يتعلم حاصل جمع الاثنين والاثنين وهو أربعة، وتبقى هذه النتيجة صحيحة عنده حتى إذا بلغ أعلى القمم في علم الرياضيات. وهكذا ينبغي أن يكون الأمر بالنسبة إلى تعليم الدين للطفل والعامي، فلا ينبغي أن يكون خطأً، فيدرك الخطأ إذا ارتقى عملياً وعندئذ يشكك في مصداقية الدين. لا بدّ من التخطيط بذكاء للمناسبات الدينية والأعياد والوفيات، فإن بعض البرامج التي تُعرض قد أُعدّت بأسلوب غير مدروس، فما كلامكم حول الأئمة (ع)؟ عملت في هذا السلك مدة طويلة، وحينما أُطالع سيرتهم من جديد، أستمتع بها كثيراً وأستفيد استفادة قصوى، فلماذا لا تتم الاستفادة منها؟ هناك كثير من التأليفات والتحقيقات القيّمة التي تؤدي إلى الإيمان، لكننا نرى أحياناً مُقدِّماً إذاعياً يعرّف شخصية الإمام موسى بن جعفر (ع) مثلاً لكنه يصب كل اهتمامه على الشدّ والمدّ والقالب الأدبي دون أن يكون في نصّه أي اهتمام بالعِبَر التي تركها لنا هذا الإمام الهُمام (ع).2

الصحف والمطبوعات

إنّ النظام الشعبي الذي يشارك الشعب في بنائه لا يستغني عن وعي الناس، وعليه أن يوعّي شعبه ويمنحه القدرة على التحليل، وأن يُشبعه بالمعلومات والمعارف الضرورية والمفيدة. ولا نريد بذلك الإعلام الذي يزوّد الناس بما عنده برتابة، بل لا بدّ من جعلهم أهل تحليل ليدركوا أنّ هذا النظام مفيد لهم. إنّ الوعي ضروري لمثل هذا النظام كضرورة الماء والهواء للحياة، ولذا إنّ نظامنا بحاجة إلى توعية الناس. إذن، اتضح دور الصحافة السليمة، الصحافة التي تسلك الطريق السليم ولا تلجأ إلى العناد والخبث وتتحرك لمصلحة النظام في أيّ مجال كتبت فيه، سواءً السياسي أو الثقافي أو الاقتصادي أو القضايا الخارجية، لماذا؟ لأنّها ترفع من وعي الشعب. هذا هو موقف الجمهورية الإسلامية من الصحافة. 3

إنني لا أعارض حرية الصحافة ولا تعدّدها، ولو صدر في هذا البلد مئتا صحيفة بدلاً من عشرين، فسأكون أشدّ سروراً، ولن أشعر بالامتعاض أبداً بسبب تزايد صحف البلاد. فلو كانت الصحافة صحافة تثقيفية وتراعي مصالح البلاد وتكتب ما ينفع الناس وينفع الدين، كما نصّ الدستور، فإنها كلما تزايدت، كان أفضل، ولكن هناك صحافة تصدر عندنا اليوم ليس لهم همّ سوى تشويش الرأي العام وإيجاد الخلاف والتشاؤم في أوساط الشعب والقرّاء إزاء النظام! إن ثمة عشر صحف أو خمس عشرة تصدر كأنها موجّهة من مركز واحد، فعناوينها حول القضايا المختلفة واحدة وهي تجعل من الحبة قبة، وتختار عناوينها ليتصوّر الإنسان لدى قراءتها أن كل شيء قد ذهب أدراج الرياح في هذا البلد! إنها تقتل الأمل في نفوس الشباب، وتضعف روح الثقة بالمسؤولين في قلوب أبناء الشعب، وتوجّه الإهانات إلى المؤسسات الكبرى في البلاد وتسخر منه. 4

هذا هو وضع المطبوعات: بعضها جيّد، والآخر أجود، وبعضها سيّئ والآخر أسوأ، فلكل منها منهجه الخاص. أعتقد أن النهج الصائب لمواجهة المطبوعات السيّئة هو توسيع المطبوعات الجيّدة. وإذا مُلئت أجواء الصحافة في البلد بما هو مفيد ومناسب، فسيضيق حينئذ المجال على المطبوعات السيئة. 5

النُّخب

التّبيين من الأعمال المهمّة للنُّخب والخواص. فليتمّ تبيين الحقائق من دون عصبيّات ومن دون أن تسيطر الانتماءات الفئويّة على قلب القائل. هذه الأحوال مضرّة. ينبغي ترك الانتماءات والتيارات جانباً وإدراك الحقيقة كما هي. كان من جُملة الأعمال المهمّة لعمّار بن ياسر في حرب صفّين تبيين الحقيقة، لأنّ التيّار المقابل وهو تيّار معاوية كان يمتلك عدداً من أبواق الإعلام والدعاية، وهو ما يسمّونه اليوم الحرب النفسيّة. هذه ليست من الاختراعات الجديدة إنّما اختلفت الأساليب، وقد كانت منذ البداية. كانوا ماهرين جدّاً في هذه الحرب النفسيّة. ينظر الإنسان في أعمالهم فيرى أنّهم كانوا ماهرين في الحرب النفسيّة. إنّ تخريب الأذهان أسهل من بنائها... حينما يقال لكم شيء ويعتريكم سوء الظن في شيء معيّن. إنّ ولوج سوء الظن إلى الذهن سهل لكنّ محوه من الذهن صعب. لذلك كانوا يبثّون الشبهات وينشرون سوء الظن وكان عملهم سهلاً. والشخص الذي رأى أنّ من واجبه في هذا الطرف الوقوفَ في وجه هذه الحرب النفسية ومقاومتها هو سيّدنا عمار بن ياسر الذي ورد في أحداث حرب صفين أنّه كان يتنقل على الفرس من هنا وهناك في أطراف المعسكر وبين صفوف الجنود ويتحدّث مع الحشود والمجموعات – الكتائب أو الألوية وفق التعبير الدارج اليوم – بمقدارٍ معين.

كان يوضح لهم الحقائق ويؤثّر فيهم. في موضع ما، كان يرى نشوب خلاف وأن هناك من اعتراهم الشك وجرى بينهم نقاش وجدل فيوصل نفسه إليهم بسرعة ويتحدّث إليهم ويبيّن ويحلّ هذه العُقَد. 1

الحوزات العلميّة

هذا أحد المصاديق المهمة للبصيرة: أن يعرف الإنسان ما الحاجة المطلوبة في المجتمع اليوم، فنحن لدينا ملايين الشباب، الشباب في معرض التعلم واكتساب ما يُقدّم إليهم. قال [الشاعر]: إنّني لوحة بيضاء وجاهز لكلّ ما يُرسم عليها 1. يمكن رسم كل أنواع الرسوم على هذه اللوحة البيضاء، من يبادر ويتصدّى؟ من يسابق ويتقدّم؟ من يتحرك أمام الآخرين؟ أو من يتنبّه أنّ رسماً مشؤوماً وقبيحاً قد رُسم على هذه اللوحة كي ينهض ويصلحها؟ كل هذه الأمور تحتاج إلى بصيرة.

من الذي يجب أن ينزل إلى وسط الميدان ويجعل صدره درعاً ويكون مانعاً لانحراف الشباب؟ من الذي يجب أن يقف في وجه أعمال العدو لحرف أذهان الشباب؟ على عاتق من يقع هذا العمل؟ على المجتمع العلمي والديني، أي علماء الدين. هذه أول مسؤولية من مسؤولياتهم وهي أهم مسؤولياتهم الواجبة عليهم.

على الحوزات العلمية أن تؤمّن هذه الطاقات داخلها: قدرة المقابلة وجهاً لوجه، ومواجهة هذا الجيش العظيم الذي لا يُعدّ ولا يحصى [في الفضاء الافتراضي]، ومكافحة العدو الذي يتدفّق ويهجم على إيمان الناس واعتقاداتها وسلامة نفوس الناس، وعلى عفّة الشباب. يوجد كثير من مواقع الإنترنت التي تهدف إلى القضاء على عفّة الشباب وحياء الشباب المسلمين – سواء الفتيان أو الفتيات – ويريدون أن يمزّقوا ستارة الحياء. في الأصل إنّ همّهم وهمّتهم على هذا ويخطّطون البرامج لهذا الهدف.

حسناً، بعض العناوين هي عناوين جرمية والأجهزة الحكومية المتنوعة تتحمّل مسؤولية مواجهتها وهي تواجهها، لكن ذلك الشيء المتعلّق بالذهن والفكر والقلب لا يمكن حلّه بالحركة والعمل الأمني والمخابراتي والعسكري بل يحتاج إلى إدارة مناسبة للبلاء الذي يحلّ فيه. إنّ دواء ذلك المرض هو الشيء الذي لدى علماء الدين وأهل الدين وعلماء المذهب؛ علينا أن نجهّز أنفسنا. كثيرون منّا ليسوا مجهّزين ولا يعلمون وليس عندهم معرفة لا في بُعد الأقسام الصلبة ولا في بُعد البرمجيات. هناك من ليس لديه أي معرفة أصلاً بهذه الأساليب الجديدة، ممّن لا معرفة لهم بالحاسوب وما شابه، فلا يعرفون معناه ومضمونه ولا يدركون أهمية هذا العمل. نحن نشاهد هذا. يوجد بين المسؤولين أيضاً أشخاص لا يدركون أهمية هذا العمل الكبير بدقة وكما يجب وينبغي، ولهذا لا ينفذون الأعمال والإجراءات المطلوبة في هذا المجال.

ما ينقص بعضهم على هذا الصعيد غياب معرفتهم أصلاً بهذا العمل وهذه التقنيات. كذلك هناك من لديه مشكلات في البرمجيات، فلا يعرف أجوبة الشبهات، وأصلاً هو غير ملتفت إلى هذه الشبهة، ولا يعرف ما الشبهات المطروحة اليوم. كانت هناك شبهة مطروحة منذ مئة سنة أو خمسمئة، ومن الممكن ألا تكون مطروحة اليوم أصلاً، فلنذهب ونبحث في الكتب ونجد تلك الشبهة ثم نجد الإجابة عنها، أم لا. لنرى اليوم ما الشبهات الموجودة. بالتأكيد بعض شبهات اليوم هي نفسها شبهات قديمة لكن قد ألبسوها لباساً جديداً. هذا النوع من الشبهات موجود ولكن أحياناً أخرى هناك شبهات جديدة. علينا التعرف إلى هذه الشبهات الجديدة وأن نعلمها. هذه هي أعمال الحوزات العلمية الواجب عليها أن تتصدّى وتتقن هذه الأعمال. وهذا لا يعني أننا نتخلّى عن الفقاهة ونضعها جانباً. كلا، هذا عين الفقه. الفقه ليس الأحكام العملية فقط. «فقه الله أكبر» هو المعارف الإسلامية. هناك شبهات حول هذه المعارف... الوضع هكذا أيضاً في المسائل الاعتقادية، ففيها كذلك هذا التفريق والتفرّع للشبهات الكثيرة. ذلك الطرف المقابل يلتقط نقطة صغيرة ويركّز عليها ويوجّه الأذهان نحوها ويصرفها عن غيرها. بناءً على هذا إنّ هذه المسألة إحدى مسؤولياتنا الأساسية. على الحوزات العلمية أن تلتفت وتهتم بهذه المسائل. 2

أئمّة الجمعة وصلاة الجماعة

صلاة الجمعة هي المقرُّ التّبيينيّ

نحن الآن وسط معركة كهذه وفي حالة جهاد من هذا النوع. إنهم يهاجمون إيمان أبناء شعبنا وبصيرة الناس، ويهاجمون تقوانا وأخلاقنا، وينشرون مختلف الفيروسات المعنوية الخطيرة في أوساطنا. حسناً، ما الذي علينا فعله؟ علينا الدفاع، وهذا يحتاج إلى مركز عمليات ومقرّ، كما الحال في مقرات ساحة الحرب. وصلاة الجمعة تُعدّ واحداً من أهم هذه المقرات. هي مقرّ الإيمان والتقوى. فلننظر إلى صلاة الجمعة بهذا المنظار. وأنتم قادة هذه المقرات، ولكلّ مقرٍّ من مقرات الحرب قائد، والقائد لمقر إمامة الجمعة هو إمام الجمعة بنفسه. حسناً، الهدف الأساسي لهذا المقر هو التّبيين، كما كان الهدف الرئيسي لأنبياء الله هو التّبيين وبيان الحقيقة. إن الأمر الذي غالباً ما يوجب ضلال الناس هو جهلهم بالحقيقة. هذا هو الأساس. وهناك بالطبع من ينكر الحقيقة بعد معرفتها، لكن أساس الانحرافات ناجم عن الجهل بالحقيقة، ولقد جاء أنبياء الله (ع) لبيان الحقيقة وتوضيحها وإظهارها وإتمام الحجة على الناس، وهذه هي قضية التّبيين. «العلماءُ وَرَثةُ الأنبياء» 1 ، أي ترثون الأنبياء [في قضايا شتى] ومنها في هذا المجال: التّبيين. 2

المسؤوليّة الثّقيلة على عاتق أئمّة صلاة الجماعة

أنا أتصور أن إمامة المسجد من الأعمال الأساسية. إنها عمل مهم ولا ينبغي النظر إليها على أنها عمل هامشي، أي أن نشتغل بأعمالنا اليومية وننجز متابعاتنا المختلفة ثم نؤديها بعد وقت الظهر أو الغروب فنستعجل ونقع في زحمة السير ونصل متأخرين نصف ساعة أو ثلاثة أرباع الساعة بعد وقت الصلاة ونقف هكذا لنصلي الجماعة. هذا استخفاف بحق المسجد. يجب اعتبار إمامة الصلاة عملاً مهمّاً وأساساً. لا نقول إننا إذا صرنا أئمة جماعة ينبغي أن نعطل أعمالنا الأخرى كلها. كلا، فالإنسان يمكنه وفق طاقاته أن يتصدى لأعمال علمية أو غير علمية أخرى لكن ينبغي له أن يؤدي حق المسجد. على الإمام أن يحضر إلى المسجد قبل دخول وقت الصلاة بكل طمأنينة وسكون نفس ليتجهّز للصلاة ويؤديها بكيفية حسنة. وبعدُ، إنْ كان لديه برنامج للكلام، فليستدر نحو الناس ويتكلم معهم، ويبيّن لهم. بحمد الله إن لديكم برامج متعددة في المساجد. في زماننا، في ذلك الزمان الذي كنتُ مثلاً أؤمّ صلاة جماعة في مشهد وأذهب إلى المسجد، لم تكن كثير من الأعمال رائجة ولا متعارفاً عليها. لم يكونوا يعرفون أو لم نكن نعرف هذه الأعمال. كنا كلما فعلنا عملاً، يُعد جديداً. بحمد الله، اليوم إن هذه الأعمال رائجة: أن يقف إمام الجماعة بين الصلاتين أو يصعد إلى المنبر ويتحدّث إلى الناس أو مثلاً يُحضر لوحاً إلى المسجد فيكتب الأحاديث ويبيّن للناس أو يجلس مع الشباب ويُشكل معهم حلقة معرفية يبيّن لهم ويستمع لأسئلتهم. 3

العلماء والمبلّغون

أيّها العلماء المحترمون والفضلاء الأعزّاء، والطلّاب الشباب أمل المستقبل، اعلموا أنّ مسؤولية العلماء اليوم قد تضاعفت. ولو كان العلماء يحملون على عاتقهم ثقلاً، لكان ثقل التفهيم والتّبيين والإبلاغ؛ {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ} (الأحزاب، 39). إنّ هذا الثقل اليوم صار مضاعفاً. لماذا؟ لجهتين: إحداهما تحقّق الفرصة لتبليغ الإسلام في العالم سواءٌ في العالم الإسلاميّ أو غيره وثانيتهما أنه بسبب هذه الفرصة والخوف من الإسلام تزداد الهجمات على الإسلام. إنّ المسؤولية هنا تتضاعف. أحياناً توجد الفرصة والمسؤولية كبيرة. وأحياناً يكون الهجوم من العدو بسبب هذه الفرصة فتصير المسؤولية كبيرة أيضاً. اليوم أنتم في مثل هذه الوضعية ولا ينبغي أن تخافوا؛ {وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ} (الأحزاب، 39). لا تخافوا من شيء، ولا تخشوا الصعوبات أثناء الطريق. لا أن تنفوا وجود الصعوبات. كلا، هي موجودة لكن لا تخافوا منها. فاحتضنوا الأعمال الصعبة، وأدّوا الأعمال التي يراها الآخرون مستحيلة. 1

أساتذة الجامعات

تمكن الاستفادة من الجامعة كأداة فعالة للغاية من أجل الحركة وبثّ الأمل في الناس، ومن أجل دعم النظام والحكومة والدولة، وكأداة من أجل تنوير أذهان الناس.1 إن التّبيين من مهمات الأساتذة، وأنا أشكر السيد بارسانيا الذي تحدث هنا عن «وثيقة 2030». حسناً، هذه قضية يجب تبيينها. لقد قلنا شيئاً عن «وثيقة 2030 للتربية والتعليم»، وطُرح كثير من الكلام حول هذا الموضوع. هذه القضية على جانب كبير من الأهمية. وكما أشار، هذه الوثيقة جزء من وثيقة عليا لمنظمة الأمم المتحدة هي «ميثاق التنمية المستدامة»، أي جزء منها هو هذه الوثيقة المرتبطة بقضايا التربية والتعليم. الواقع أن ما خططوا له في «ميثاق التنمية المستدامة»، ومنه «وثيقة 2030»، ويعملون من أجله هو أنهم يريدون وضع منظومة فكرية وثقافية وعملية للعالم كله. من الذي يفعل هذا؟ هناك أيدٍ خفية وراء منظمة الأمم المتحدة، و«اليونسكو» هنا هي مجرد وسيلة وواجهة. هناك أيدٍ تجتمع وتخطط وتضع وتنتج منظومة لكل شيء في بلدان العالم وللشعوب كافة، منظومة تشمل الفكر والثقافة والعمل. هم يضعونها وعلى الشعوب أن تعمل وفقاً لها. جزء منها يتعلق بالتربية والتعليم وهو الوثيقة المسماة 2030. هذا خطأ، هذا خطأ، بل شيء مخرِّب. هذا التحرك فاسد ومخرِّب. لماذا؟ من هؤلاء الذين يضعون «ميثاق التنمية المستدامة»، وبأيّ حق يقررون ويحكمون بشأن البلدان والشعوب وحول تقاليدهم ومعتقداتهم أنكم يجب أن تفعلوا كذا وكذا. كلها حالات «يجب» فعلها في رأيهم. وإنها لنظرة سطحية أن يقال إنها ليست ملزمة. كلا، الواقع أن كل ما فيها ملزم، وكل واحدة من هذه التعاليم إذا لم تتحقق، فسوف تُسجل بعد ذلك كنقطة سلبية ويقال إنكم سوف تُدرجون في الجدول الفلاني في آخر ترتيب الجدول ويُسلب منكم الامتياز الفلاني! هذه الأمور كلها على هذا النحو، والواقع أنها كلها إلزامات حتى لو لم تكن في ظاهرها كذلك. ثم ما الضرورة لذلك؟ قبل سنوات طرحنا «نموذج التقدم الإيراني–الإسلامي»، ولم أستخدم كلمة التنمية عن عمد، والسادة المسؤولون عن هذه العملية الذين كنا على تواصل معهم في ذلك الحين يعلمون. قلتُ إنني أتعمد ألا أستخدم كلمة «التنمية» لأنها مصطلح غربي ولها مفهومها الغربي. وإنما استخدمت كلمة التقدم، «نموذج التقدم الإيراني–الإسلامي». يجب أن نبحث لصياغة هذا الأنموذج! لماذا ينبغي أن يعطينا الغرب أنموذجاً لتقدمنا على شكل هذا الميثاق الخاص بالتنمية المستدامة أو «وثيقة 2030» وما شابه؟ من الذي ينبغي أن يؤدي هذه المهمة؟ إنها مهمتكم: مهمة الجامعات، ومهمة الأساتذة. 2

المسألة التالية: إن العمل الثقافي في الجامعات هو أصل وأساس وليس نشاطاً زائداً أو عملاً هامشياً. يجب إعطاء العمل الثقافي الأهمية اللازمة... لقد قلنا للشباب إنكم ضباط الحرب الناعمة، وأنتم الأساتذة قادة الحرب الناعمة كذلك. حسناً، تولّوا القيادة واصنعوا أدواركم. الحرب الناعمة دائرة حالياً. منذ ذلك اليوم الذي طُرحت فيه الحرب الناعمة حتى اليوم انقضت سنوات وازدادت شدة هذه الحرب أضعافاً مضاعفة. العدو يحاربنا الآن. 3

طلّاب الجامعات والشّباب

مسؤولية شبابنا اليوم في هذا المجال ثقيلة. ليس المطلوب منكم فقط أن تعرفوا الحقيقة، بل عليكم أن تجعلوا جوّكم ومحيطكم الخارجي ذوا بصيرة أيضاً، وأن توضحوا القضايا للآخرين. هناك نقطة أساسية هي أن الباطل لا يظهر دائماً أمام الإنسان بصوة واضحة وجليّة ليعرف الإنسان أن هذا هو الباطل، فغالباً ما ينزل الباطل إلى الميدان بلباس الحق أو بجزء من الحق. 1

قُلتُ ذات مرّة 2 إن شبابنا هم ضبّاط الحرب النّاعمة. يجب ألّا يسمح الشّباب بحدوث مثل هذا الشيء، بل يجب أن يخلقوا الأمل، وينبغي أن يتواصوا بالمثابرة، وأن يتواصوا بالنّشاط، وأن يتواصوا بالبعد عن الشّعور بالتّعب. هذه هي الأشياء التي تقع على عاتق شبابنا الذين قلنا إنّهم ضبّاط الحرب النّاعمة. 3

أنتم، أيها الشباب والطلاب الأعزاء، وأنتم بالمعنى الحقيقي للكلمة ثمرة قلب الشعب والأمل لمستقبل هذا البلد، أَوْلوا أهمية لقضية التّبيين. إن شبابنا مجهّزون اليوم - بحمد الله - بالفكر والعقلانية والوعي الكبير، ويمكنهم بذل الكثير في هذه المجالات. أعدّوا أنفسكم، وعزّزوا هذه الوسائل داخلكم، وجهّزوا أنفسكم بالمعنى الحقيقي للكلمة وادخلوا هذا الميدان، ميدان التّبيين والكشف، أي الطريق الذي سلكته زينب الكبرى (ع) في هذه الأيام الأربعين. عظمة هذه الأيام الأربعين تعود إلى ما فعلته هذه العظيمة (ع) والإمام السجاد (ع) والبقية الذين كانوا من حولهم، وتحمّلوا المشقات. [إذا أردنا] التحدث بلغة العزاء، ففي الحقيقة، جاءت زينب الكبرى (ع) يوم الأربعين وقدّمت إلى الإمام الحسين (ع) تقرير العمل: إننا فعلنا هذه الأعمال، وذهبنا بهذا النحو، وتحمّلنا مثل كذا، وعبّرنا وبيّنا بهذه الطريقة. 4

النّساء

أيتها النساء والبنات والشابات النخبة، إنّ من أهم مسؤولياتكن اليوم أن تحدّدنَ دور المرأة وفق الرؤية الإسلامية، وأن تبرزنه وتوضحنه. وإنّ التربية الإنسانية للمرأة تُعدّ أكبر الخدمات للمجتمعات الإنسانية والإسلامية، ويجب أن تستمرّ هذه الحركة. لا شكّ في أنّها انطلقت، لكن ينبغي أن تشتد وتتّسع وتتقدّم وأنتنّ في هذه الحركة سوف تنتصرن بلا شكّ. 1

الفنّانون والشّعراء

الوظيفة الأهم هي التبليغ والتّبيين؛ {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ} (الأحزاب، 39) هذا أحد المعايير. أن تدركوا حقيقةً وتطرحوها على الناس. لا يتوقّع منكم أحد أن تتحدّثوا بخلاف ما تفهمون. لا، قولوا الشيء الذي تفهمونه. وطبعاً لا بدّ لكم من السعي والجهاد لكي يكون ما تفهمونه صحيحاً وصواباً، لأنّ معرفة الساحة في الحوادث المشوبة بالفتن عمليّة صعبة. من الصعب في تلك الظروف معرفة عناصر القضيّة ومعرفة المهاجم والمدافع والظالم والمظلوم. من الصعب معرفة العدو والصديق. لو خُدع الشاعر كما يُخدع الآخرون وأصيب بانعدام البصيرة، فمعنى ذلك أنّه قد انحطّ شأنه ونزل من مستوى ومرتبة الإنسان الفنان والإنسان المثقف. إذاً، ينبغي فهم الحقيقة، ثم تبليغ هذه الحقيقة. لا يمكن التحرّك في عالم الثقافة بالأساليب السياسيّة، بأساليب السياسيّين والمسؤولين السياسيّين؛ هذا خلاف منـزلة [شأن] الثقافة. في عالم الثقافة ينبغي حلّ العقد وفتح [كشف] الحقيقة وحلّ العقد الذهنيّة. وهذا ما يحتاج إلى تبيين، أي إلى عمل الأنبياء. 1 إن الشعر عنصر مؤثر، وله بين مجموعة الأنواع البيانية والكلامية تأثير مضاعف، فليس لأي قول، مهما بلغ من الفصاحة والجمال وجودة المضمون، ما للشعر من أثر؛ الشعر هو هكذا جهاز ومنظومة وعنصر. لدى الشعر دور المثير والمحرّض في مواطن الإثارة والتحريض، ودور المرشد الهادي، ودور الدليل، ودور الموجّه للسامع ولقارئ الشعر. وعليه إن الشعر يحمّل المسؤولية. فلو توافرت بين أيديكم ثروة أو إمكانية يمكنكم استثمارها لإنجاز أعمال كبيرة ولم تستثمروها، فقد خالفتم المسؤولية، وخالفتم الالتزام والتعهد. المسؤولية على عاتقكم. إن الله - سبحانه وتعالى - قد منحكم هذه النعمة، وسيحاسبكم عليها كما في سائر النعم. ففي عطاء الله حساب، وستسألون ماذا فعلتم بهذه النعمة.

من الممكن هداية المخاطب عبر أداة الشعر إلى الطريق الصحيح والصراط المستقيم. وممكن أيضاً سوقه إلى الانحراف والتسافل والسقوط. يمكن للشعر أن يأخذ بأبناء البشر إلى الحضيض. هناك أشعار من هذا النوع، ولا سيما في الوقت الحالي – للأسف – حيث انتشرت الثقافة المتفلّتة البعيدة عن الفضائل الأخلاقية والإنسانية عبر الوسائل الإعلامية الحديثة انتشاراً واسعاً. فقد يصبح الشعر أداةً للانزلاق والانجراف والانحراف. هذا هو الجانب الآخر للقضية. ومن هنا بإمكان الشعر أن يؤدي هذين الدورين. والشاعر بأحاسيسه المرهفة يدرك الحقائق من جهة، وكذلك يتأجّج شوقه وشغفه وصبابته، ثم ينشد. إذ إن إنشاد الشاعر نابع من الشوق والحنين، وناجم عن الشعور والإدراك ومشاهدة ما لا يراه الآخرون. حسناً، هذا ينطوي على جانبين: في إمكان الشاعر أن يكون دليلاً هادياً إلى الحسن والخير، وأن يكون عكس ذلك. إذا خضع الشعر بإفراط لتأثير الغرائز الجنسية، فهذا أمر سيئ جداً، وهذا جرس إنذار وناقوس خطر. 2

فنّانو الفنون الأدائيّة

أنتم اليوم قادرون على عرض المفاهيم السامية بفنّ المسرح. طبعاً يُمكن التطرّق إلى تبيان المفاهيم بأنواع الفنون كلها. وقد قلت إن بين أنواع الفنون التي لدينا – الرّسم، والتخطيط، والموسيقا، والقصّة وكتابة القصص، والشّعر... –عامة الفنونُ الأدائية، وهي ضمن إطار الظروف الحالية في مجتمعنا تتمتّع بقدرة وانتشار وبلاغ أكبر، فتقع على عاتقهم أيضاً مسؤوليّة أثقل. عليكم أن تبيّنوا في مسرحيّاتكم وأفلامكم الحقائق الإسلاميّة والأخلاقيّة وأيضاً القيم الإسلاميّة التي هي أرقى القيم ويتقبّلها كلّ إنسانٍ عاقل ومنصف. لا يقولنّ أحدٌ إنّ الفيلم السينمائي لا يستوعب مثل هذه الموضوعات لابدّ للفيلم أن يحمل رسالة على أيّ حال. الأفلام الجيّدة حول العالم كلّها تحمل رسالة. وإذا ذكرت اسم تشارلي تشابلين، فهذا لأنّهم جاؤوني بأفلام معروفة له وشاهدتها. لقد أحببت هذا الرّجل من أعماق قلبي. لاحظت أيّ عمل عظيم أدّاه، وهل كان ذلك ممكناً ضمن إطارٍ غير الفنّ؟ بأيّ لغة يُمكن عرض المضمون في «العصر الجديد» أو «الدكتاتور الكبير»؟ هو أدى عبر هذا البيان إخراجَ أفلامه بنفسه، ولعب فيها دوراً أيضاً، وكان الكاتب للسيناريو كذلك الأمر. هو حقّاً في القمّة. خلاصة القول أنّ الأفلام الجيّدة حول العالم كلّها تحمل رسالة ومضموناً تودّ عرضهما. 3

المداحون

هيئات العزاء والموالد مركزٌ ومحلٌّ لجهاد التّبيين

هناك نقطة مهمة تخص الهيئة هي أن الإمام [الصادق (ع)] – كما ذكرت – يقول في هاتين الروايتين: «أَحيوا أَمرَنا»؛ أبقوا قضيتنا، أبقوا مدرستنا حيّةً أو أحيوها. حسناً، اليوم بالنسبة إليكم، أنتم الذين تعيشون في بيئة شيعية، في بيئة الجمهورية الإسلامية، في بلد مسلم وشيعي، ربما لا يمكنكم أساساً إدراك ماذا يعني قول الإمام الصادق (ع): «أَحيوا أَمرَنا». في تلك المرحلة التي قال فيها الإمام: «أَحيوا أَمرَنا»، كان إحياء أمر أهل البيت (ع) من أصعب الأمور وأخطرها؛ لقد كان جهاداً عظيماً.

[شرحنا هذا] في تلك الأوقات التي كنا كثيراً ما نناقش فيها ونعمل في هذا الصدد، أي تلك الأقوال التي نُشرت قبل أربعين عاماً أو خمسين تقريباً، وهي في متناول الناس. كانت الحياة النضالية للأئمة (ع)، ونضال أصحاب الأئمة (ع) من أخطر الأمور. كيف استشهد جميع الأئمة (ع)؟ لماذا استشهد الإمام الجواد (ع) في الخامسة والعشرين والإمام العسكري (ع) في الثامنة والعشرين؟ لماذا يقتلونهم؟ لماذا سُجن موسى بن جعفر (ع) سنوات واستشهد في السجن؟ كانت الحياة حياة نضال. في مثل هذه الظروف، يقول الإمام: «أَحيوا أَمرَنا». أنتم الذين تجلسون في اجتماعات الهيئة تلك، أحيوا أمرنا، أي يطالبهم الإمام بأعظم النضالات وأخطرها. إذن، الهيئة مكانٌ لماذا؟ مكانٌ للجهاد. الهيئة مركز للجهاد. الهيئة هي مركز الجهاد، الجهاد في سبيل الله، الجهاد في سبيل إحياء مدرسة أهل البيت (ع)، مدرسة الإمام الحسين (ع)، ومدرسة الشهادة... إنني أكرر دائماً: التّبيين أو جهاد التّبيين؛ بيّنوا ونوّروا. الهيئة محل جهاد التّبيين. في رأيي، يُستفاد من هذه النقطة المهمة للغاية من قول: «أَحيوا أَمرَنا».

نقطة أخرى حول الهيئة هي أن الهيئة هيكل يحتوي على لبّ ومعنى بالإضافة إلى التحرّك والديناميكية. لا يتعلق الأمر بالفكر والروحانية والدروس والتعليم فحسب، بل يوجد أيضاً تحرّك وديناميكية في الهيئة. إن اللبّ والمعنى هو نفسه المدرسة [أي] تبيين المدرسة. في الهيئات، يتم تبيين المدرسة. عندما نقول «يتمّ» أي يجب أن يكون كذلك. طبيعة الهيئة هي كذلك: الهيئة مكان التّبيين، مكان البيان، مكان تبيان لأهم مفاهيم المعارف الإسلامية والعلوية، مكان الإجابة عن الأسئلة. اليوم لدى شبابنا أسئلة متنوعة، ولديهم أسئلة حول نمط الحياة، ولديهم أسئلة حول القضايا الأساسية، أسئلة في مكانها. إن سبيل مواجهة السؤال هو التفكير والإجابة. يجب أن يتم ذلك في هذه الهيئات. المركز المهم لهذا العمل هو هذه المجالس، من أجل الإجابة عن كثير من الأسئلة التي تطرأ يوماً بعد يوم. لا مانع من السؤال لكن على صاحب السؤال أن يعلم أن في إمكانه أن يبدّل جهله وقلة معرفته التي تولّد السؤال، وأن يبدله إلى معرفة وعلم واطلاع. من لديه سؤال لا ينبغي أن يجعله هذا السؤال يتصوّر أن كل شيء مقلوب. كلا! لا بد من طرح السؤال فلا مانع في ذلك. تجب الإجابة عنه، والإجابة لا بدّ أن تكون في الهيئات ومراكز العلم والمعرفة. هذا هو لبّ الهيئة ومعناها.

المواجهة المباشرة مع المخاطب واستخدام الفن رمزُ ديناميكية الهيئة. الديناميكية والتحرّك [تعنيان أيضاً] استخدام الفن والاستفادة من مخاطبة المخاطب مباشرة. الفرق بين فنّكم وعدد من الفنون الأخرى هو أنكم تواجهون مخاطبيكم مباشرة. أنتم تتحدثون معه، وهو ينقل مشاعره إليكم، أي أنتما على اتصال دائم ببعضكما بعضاً. هذه هي ديناميكية الهيئة. ديناميكية أخرى هي التحرك في الشوارع والأزقّة والأسواق مع هذه المجموعات التي تمشي. وفق أحد الإخوة من أهل الذوق إن حركة المجموعات الحسينية هي في الواقع رمز لحركة الإمام الحسين (ع) من مكة إلى كربلاء... التحرّك من أجل الجهاد، التحرّك في سبيل الله.

ماذا هناك مقابل جبهة الشيطان هذه؟ جبهة الجهاد في سبيل الله. إنها جبهة الجهاد في سبيل الله. حسناً، أنتم في الهيئة اسألوا هيئتكم أين موقعها في هذا الجهاد في سبيل الله. هذا هو حديثنا. النقطة الثانية التي ذكرناها هي: علينا أن نسأل أنفسنا أين نحن في هذا الجهاد والحرب الضروس بين الإسلام والكفر، وبين الحق والباطل، وبين رواية الكذب والحقيقة... الحرب بينهما؟ أين نحن في هذه الجبهة؟ اسألوا هيئتكم أين موقعها في هذا الجهاد؟ يجب أن نحدد هذا لأنفسنا ونلتفت جيداً أين نقف؟ بالطبع، [أين نقف] في تبيين المثل التي نريدها ونشرها، المثل والأصول والمبادئ الأساسية وبيّنات الثورة. هذا محط الاهتمام الأكبر من الأمور الأخرى، ولكن القضايا السياسية والاجتماعية الجزئية تقع أيضاً في هذه الجبهة وتجب متابعتها. 1

واجب المداحين

لكن ما هو ماثل اليوم أمام شعبنا هو تبيين معارف الثورة الإسلامية، وهذا ما تستطيعون. وقد ذكرت هنا في هذه الجلسة مراراً أنّكم قد تستطيعون أحياناً، بقصيدة من قصائدكم، أو ببيت من الغزل، أو بأبيات من الشعر المثنوي، أو أحياناً ببيت شعر خاصّ بكم، التأثير في مخاطبيكم ومتلقيكم بمقدار ما يفعل مجلس وعظ كامل، فلا تخسروا هذا الشيء. ينبغي للأشعار أن تكون ذات مضامين قرآنية وإسلامية ووفق التعبير الشائع بينكم الآن أن تكون أشعاراً فاطمية وحسينية. 2

أولاً ارفعوا من مستوى معرفة مخاطبيكم وإيمانهم. اختاروا الأشعار والبيان لترتفع درجة معرفة المخاطب وإيمانه، ومعرفته – عقلانيته الدينية – وأيضاً إيمانه القلبي. رفع مستوى المعرفة والإيمان، والتنوير وبث الوعي السياسي... قضايانا السياسية المتنوعة اليوم بحاجة إلى توعية وخطاب واضح ومقنع، وتحتاج إلى هذا الأمر. يجب أن تتقنوا هذه الأمور حتماً وتنقلوها إلى الناس. ترويج الأخلاق والسلوك الإسلامي... تعلَّموا الأخلاق الإسلامية والسلوك الإسلامي من كتب الأخلاق وعلماء الأخلاق وانقلوها إلى الناس بالفن. فعملكم هو فن – الشعر والإنشاد فن– فروّجوا الأخلاق والسلوك الإسلامي الصحيح. أشيعوا الأخوّة بين الناس والمحبة والعاطفة والاتحاد الوطني، والأنس بـالقرآن وبالصلاة، والتوجه إلى الله، واجتناب المعاصي والذنوب، وذكّروا مخاطبيكم بهذه الأمور. هذه التذكيرات لها قيمة كبيرة، لها قيمتها لمستمعيكم ولكم أيضاً، ولها قيمتها لنا أيضاً. عندما ننصح شخصاً، نكون قد نصحنا أنفسنا أيضاً. لذلك إن لها قيمتها بالنسبة إلينا أيضاً. 3

التّعبئة

إن مهمّتكم في حرس الثورة الإسلاميّة لا تتلخّص في القتال والحرب. بالتأكيد ينبغي ألّا يضعف البعد العسكري إطلاقاً، بل يجب أن يتقدّم ويستمرّ بما يليق بمنظمة عسكرية على أتمّ وجه وبأحدث الأشكال وأكثرها إبداعاً، ولكنّ عمله لا يقتصر على ذلك. إن واجب التّبيين يقع اليوم على عاتق الجميع وعلى عاتقكم أيضاً. إن إصراري وتأكيدي للتّبيين يعود سببه إلى أن جانباً كبيراً من الجهاد الكبير في هذا اليوم مرهونٌ بالتّبيين وبيان الحقائق وإنارة الأفكار. فاليوم التنوير واجب. حاولوا بالتعمّق إيصال الأذهان إلى أعماق الحقائق والمسائل.

في وسع جامعتكم أن تقوم على إنجازات كبرى في هذا المجال، وأن تجعل التّبيين والتنوير واحداً من برامجها الأساسية، سواء في المنظومة التابعة لها، أو في نطاق أوسع، بما تسمح لها إمكاناتها. 1

في مقدور التعبئة أن تبيّن للآخرين أن مواقف الجمهورية الإسلامية في إيران هي أكثر المواقف المنطقية التي يتأتى لأي إنسان منصف وعاقل اتخاذها. إن المواقف الرسمية لرجال الحكومة في الشأن السوري والعراقي والبحريني واليمني والفلسطيني اليوم مواقف واضحة وجليّة. 2