بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام علی سيدنا و نبينا أبي القاسم المصطفی محمد و علی آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديين المعصومين المكرمين سيما بقية الله في الأرضين.
أشكر الله تعالی من أعماق الروح أن وفقني مرة أخری و سنة أخری لأن أكون في اليوم الأول من السنة إلی جواركم أيها الإخوة و الأخوات الزوار و الساكنون في هذه الأرض المطهرة المقدسة بجوار المرقد الطاهر لسيدنا أبي الحسن علي بن موسی الرضا ( صلوات الله و سلامه عليه ) و أن انتفع و أتزود من فيض هذا اليوم و من هذه الفرصة الكبيرة، فرصة اللقاء بكم أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء. أولاً أبارك حلول السنة الجديدة و عيد نوروز لكل الشعب الإيراني و لكم أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء، و سأذكر بعض النقاط بهذه المناسبة.
النقطة الأولی التي أروم ذكرها هي بمناسبة مرور واحد و ثلاثين سنة علی تأسيس نظام الجمهورية الإسلامية، و تقديم تعريف قرآني للنظام الإسلامي المقدس و للحكومة الإسلامية. أساس الحكومة الإسلامية و المؤشر الرئيس لهذه الحكومة هو استقرار الإيمان؛ الإيمان بالله و الإيمان بتعاليم الأنبياء و سلوك الصراط المستقيم الذي رسمه الأنبياء الإلهيون أمام الناس. الأساس هو الإيمان. إرسال الرسل الإلهيين لهداية الناس و إيجاد المجتمعات الإلهية و الدينية طوال التاريخ و إلی اليوم هو من أجل هذا الهدف بالدرجة الأولی. لذلك يقول تعالی: « إنا أرسلناك شاهداً و مبشراً و نذيراً لتؤمنوا بالله و رسوله و تعزروه و توقروه و تسبحوه بكرة و أصيلاً ». (1) أي إن الهدف من بعثة الأنبياء الإلهيين هو الإيمان بالله و الانشداد للذات الإلهية و الطريق الإلهي و الهيام في تلك التعاليم التي قدمها الأنبياء الإلهيون للإنسان. هذا في سورة « إنا فتحنا » المباركة. و يقول تعالی في سورة الأحزاب المباركة: « إنا أرسلناك شاهداً و مبشراً و نذيراً و داعياً إلی الله » (2). رسالة الرسول هي الدعوة إلی الله. هذا هو أساس الأمر. هذه هي النقطة الرئيسية التي تفصل بين النظام الإسلامي و المجتمع الإسلامي و بين جميع المجتمعات البشرية الأخری؛ إنها مسألة الإيمان بالله و الإيمان بالغيب و الإيمان بالطريق الذي رسمه الله تعالی لسعادة الإنسان الدنيوية و الأخروية. إذا كان لنظام الجمهورية الإسلامية اليوم ما يقوله أمام النظم المختلفة في العالم، و إذا كان له ما يتحدی به النظم المادية، فلأن ميزته الرئيسية هي الإيمان. الإنسانية اليوم تتخبط بسبب عدم الإيمان في مستنقعات حياتية شتی. إذن المؤشر الرئيس هو الإيمان. الإيمان بالله و بسبيل الله و بطريق الأنبياء - الذي يستتبعه العمل بهذه التعاليم - ليس لمجرد التسامي المعنوي، مع أن الثمرة الأهم له هو التسامي المعنوي و التكامل الإنساني و الأخلاقي، فالدنيا مزرعة الآخرة. بفضل الحركة و السير في الحياة الدنيا يستطيع الإنسان ارتقاء المدارج و العروج و التقدم إلی الأمام. لذلك كانت الحياة الدنيا أيضاً منوطة بالإيمان بالله. و بالتالي فالإيمان بالله تعالی لا يضمن السعادة المعنوية فحسب بل يكفل السعادة المادية أيضاً. الإيمان بالله تعالی من شأنه أن يستطيع الإنسان في حياته المادية الحصول علی كل ما يحتاجه « و لو أنهم أقاموا التوراة و الأنجيل و ما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم و من تحت أرجلهم » (3)، إذا أقيم الدين و إذا ارتدت التعاليم الإسلامية لبوس التطبيق العملي لوصل البشر من حيث رفاهية العيش إلی حيث لا يبقی لهم أية حاجة إلا و تحققت و أشبعت. و من حيث الطمأنينة المعنوية و النفسية للإنسان و شعوره بالأمن و السكينة يلعب الإيمان أيضاً دوراً بارزاً جداً. و علی حد تعبير القرآن الكريم: « قد جاءكم من الله نور و كتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام » (4)، القرآن يعلم الإنسان سبل السلام و سبل السكينة و الاستقرار و سبل الأمن النفسي، هذا هو السبيل الذي يوصل الإنسان إلی السكينة النفسية و الاستقرار و الطمأنينة النفسية، و هو الشيء المفتقد في العالم اليوم و الذي أدی فقدانه إلی كثير من المعضلات. هناك تقدم مادي و تقني و علمي و تتمتع المجتمعات بثروات هائلة و لكن ليس ثمة استقرار و طمأنينة . و السبب هو غياب هذا العنصر الأساسي في حياة الإنسان ألا و هو الإيمان. هذه نقطة أساسية مستفادة من القرآن الكريم يجب عليّ أنا و أنتم و كل أبناء وطننا و جميع شبابنا و كل الأجيال الصاعدة التي تريد تأمين غد سعيد للبلاد و لأنفسهم و لأبنائهم الاهتمام بها. أساس الأمور في النظام الإسلامي هو الإيمان و يجب تأمين هذا الإيمان، لا في القلب فقط بل علی المستوی العملي أيضاً و في الخطط و البرامج و في جميع المبادرات و الخطوات.
هذه السنة هي السنة الثانية و الثلاثين علی تأسيس نظام الجمهورية الإسلامية، أي السنة الثانية من العقد الذي أعلن أنه عقد التقدم و العدالة. شعار التقدم و العدالة شعار محوري و قضية أساسية و حاجة ملحة. يجب أن يكون التقدم و العدالة الهدف الرئيس لشعبنا العزيز و مسؤولينا في هذه المرحلة. التقدم و العدالة مطلبان يحتاج إليهما البشر. التقدم بمعنی الوصول إلی نتائج منشودة علی الصعيد العلمي و العملي و ما يحتاجه المجتمع في الدنيا. العدالة معناها عدم وجود تمييز بين الناس و اضمحلال الإجحاف و الظلم. هذان المطلبان من المطاليب الإساسية و الأصيلة و العريقة للبشرية التي كانت دوماً مشهودة و موجودة في التاريخ الإنساني: التقدم و العدالة. يمكن رفع هذه الشعارات و لكن المهم متی يمكن العمل بها. إننا في نظام الجمهورية الإسلامية وجدنا أن هذا العقد الرابع وقتاً مناسباً للعمل من أجل الوصول إلی هذين الشعارين. التقدم مما يمكن بلوغه بالمعنی الحقيقي للكلمة، و العدالة بالنظر للرشد و النضج المشهود في مجتمعنا و الوعي و البصيرة التي يتحلی بها أبناء شعبنا، و الحمد لله حيث قد عرف شعبنا الموانع و العقبات و شخص الأهداف و عرف شبابنا الأصدقاء من الأعداء، و لذلك إذا أراد مسؤول الاهتمام بالعدالة سيكون بوسعه توفير المقدمات اللازمة لتكريسها بشكل تام في المجتمع. و هذا المشروع بالطبع ليس مشروعاً قصير الأمد بل هو من المشاريع طويلة الأمد. إذن لنعتبر هذا العقد عقد التقدم و العدالة. يتعين أخذ هذين العنصرين في كل خطوة و في كل خطة فتكون الخطی و الخطط باتجاه تقدم المجتمع و إفشاء العدالة فيه.
في البلد الكثير من المواهب و الإمكانيات. أعزائي، لقد تقدم الشعب و البلاد خلال هذه الأعوام الثلاثين علی جميع الصعد. الأرضية متوفرة لحركة عظيمة و أساسية و محسوسة تترك آثاراً ملحوظة في حياة الناس. و علی مستوی البنی التحتية الاقتصادية أيضاً حققنا تقدماً كبيراً. و في مجال البنی التحتية المواصلاتية و الاتصالاتية تم إنجاز أعمال كبيرة. و في مضمار التقدم العلمي و التقني انطلقت وتيرة سريعة منذ فترة و لحد الآن. تلاحظون أن شبابنا و المنتسبين للجامعات و النخبة و العلماء في بلادنا وصلوا في الميادين العلمية إلی مراحل تعدّ عجيبة جداً بالنسبة لبلد كان بعيداً كل البعد عن أطوار العلم و البحث العلمي و التقنية و الإبداع العلمي.
أيها الشباب الأعزاء، ليست قليلة في بلادكم اليوم الإشياء التي تجعل إيران واحدة من البلدان العشرة الأولی في العالم أو البلدان الثمانية الأولی في العالم. في المجالات المختلفة و في مجال علوم الأحياء و علوم النانو و العلوم الفضائية و العلوم المختلفة تلاحظون أن علماء البلاد - و غالبيتهم من الشباب المتحمس المشتاق النشيط - استطاعوا إيصالها إلی حيث يمكن القول إن إيران من البلدان الثمانية في العالم في هذا المجال، و إن إيران من البلدان العشرة عالمياً في ذاك المجال، أي إن هذا تقدم عظيم و منزلة مهمة للبلد.
و في مضمار الاعتبار و الاقتدار الإقليمي و الدولي يحظی نظام الجمهورية الإسلامية و الجهاز الإسلامي في بلدنا اليوم بهيبة و أهمية في أعين البلدان إلی درجة أن أعداءنا بدورهم يعترفون أن الاعتبار الدولي للجمهورية الإسلامية من أعلی ما يمكن أن تتمتع به البلدان المماثلة و البلدان التي بوسعها التأثير. يتسنی القول إن الجمهورية الإسلامية من حيث الاعتبار الدولي و السياسي في المنطقة تتمتع بالدرجة الأولی. ثمة أشخاص أفضل ما يصفهم به الإنسان هو أنهم قصار النظر و غير دقيقين يسمع منهم أحياناً بأن التصريحات السلبية لرئيس الدولة الاستكبارية الفلانية أو وزير الخارجية الفلاني أو المأمور الدولي الفلاني حول إيران دليل علی عدم اعتبار نظام الجمهورية الإسلامية، لكن هذا خطأ. الجمهورية الإسلامية اليوم في أنظار الشعوب و في أنظار الحكومات و حتی في أعين أعدائها لها اعتبارها و اقتدارها و هي دولة ذات تأثير.
و المشاركة الإيرانية في القضايا العالمية مشاركة محسوسة و لا تقبل المقارنة ببلد له نفس مستوی إيران من الناحية الإقتصادية و الثروة العامة. بمعنی أن تأثير إيران في سياسات المنطقة أكبر من كافة البلدان المتقدمة علی إيران أو المساوية لها اقتصادياً.
هذه كلها أرضيات. و هناك ثلاثون عاماً من تجارب الخدمة و الإدارة المتراكمة بين أيدي مسؤولي النظام في الجمهورية الإسلامية. استمرار مسيرة هذا النظام و استقراره و ثباته كان له أهمية و تأثير أنْ تتجمع كل هذه التجارب المكثفة و الثمينة في التعامل مع القضايا العالمية و الأقليمية و القضايا الداخلية للبلاد. هذه بحد ذاتها أرضية مهمة جداً و بنية تحتية لها اعتبارها.
كما تم تحديد أفق واضح - و أعني به ميثاق الأفق العشريني للجمهورية الإسلامية - و هو وثيقة قيمة. الحكومات التي تتعاقب تلو بعضها بانتخاب الجماهير بوسعها رسم الأهداف وفقاً لميثاق الأفق هذا، و بإمكان كل واحدة منها قطع جزء من الطريق و السير فيه و إيكال الأمر إلی الحكومة اللاحقة. وجود ميثاق الأفق من الفرص و الإمكانيات الثمينة لنظام الجمهورية الإسلامية.
من الإمكانات و الفرص الكبيرة المتاحة للنظام هذا الجيل الشاب المتعلم الملئ بالطاقة و المحفزات في بلادنا. هؤلاء شباب متعلمون و دارسون و متحفزون و يسعون في سبيل فهم و إدراك القضايا المختلفة في شتی المجالات، و لهم ثقتهم بأنفسهم. إننا نشعر أن لدی شبابنا ثقة بالذات لم تكن في الماضي، و قلما نشاهد لها نظيراً لدی الشعوب الأخری. كل واحدة من هذه القضايا الاقتصادية و التقنية و السياسية و الاجتماعية و القضايا التي تستلزم العلم و التخصص حينما يطرحها المرء علی المجاميع الشابة و أهل البحث العلمي يجد أنهم يقولون بكل ثقة بالنفس إننا قادرون عليها. لا يشعرون أنهم عاجزون و غير قادرين بل يشعرون أنهم قادرون. هذه الثقة بالذات لها قيمتها الكبيرة و من المهم جداً بالنسبة لشعب أن يشعر أنه قادر لأنهم أوحوا لنا و علمونا طوال سنين و سنين: إنكم غير قادرين. كان يقال لشعبنا إنكم لا خير فيكم. ساسة البلاد و الحكام الجائرون الذين تسلطوا علی البلد و الذين كانوا متواطئين مع أعداء هذا الشعب غالباً ما كانوا يوحون و يقولون لبلدنا و لشعبنا و لشبابنا: إنكم غير قادرين، فلا تتعبوا أنفسكم عبثاً. أي علينا أن نقعد مكتوفي الأيدي و ينهمك الآخرون في البحث العلمي و التقدم و نبقی نحن نستجدي منهم و نتملقهم و نأخذ منهم لأننا لا نستطيع أن نتفجر و نتحرك من داخلنا. هذا ما قصفت به عقول شعبنا و شبابنا و جيلنا و كان من قناعات الشعب و معتقداته.
إبان فترة شبابنا، و كما كان واضحاً مما نشاهده في المجتمع، ساد الشعور بأن الإيراني غير قادر و علی الأجانب و الأوربيين و الأمريكيين أن يتقدموا و نسير نحن وراءهم و نتعلم منهم. أما أن نستطيع نحن أيضاً فتح طريق معين و إطلاق حركة معينة و البدء بها و فتح مساحة من المساحات المهمة في الحياة فقد كان هذا أمراً لا يصدق بالنسبة لشعبنا. و قد أضحی الحال اليوم علی العكس تماماً. ما من قضية من القضايا المهمة تطرح علی الشباب الإيرانيين و يشعرون حيالها أنهم عاجزون عنها. و قد ذكرت أنه حينما تطرح القضايا العلمية و التقنية و السياسية و كل القضايا التي تطرح علی محافلنا البحثية و التحقيقية - و غالب من فيها من الشباب - حينما تطرح المشاريع و حالات التقدم المختلفة يشعر الشاب الإيراني بأنه قادر. هذه الثقة بالذات شيء علی جانب كبير من الأهمية. و لهذه الثقة بالذات في الأوساط العلمية رصيدها من الثقة بالذات الوطنية. ما ذكرته قبل سنوات من أن الشعب يجب أن يصل إلی حالة الثقة بالذات الوطنية أي الشعور بأن جميع الأعمال و المشاريع الكبری ممكنة الإنجاز بالإرادة و التحرك و العمل. لسنا عاجزين عن أي شيء. هذه هي أرضيات التقدم.
طيب، ذكرنا أن هذه السنة هي سنة « الهمة المضاعفة و العمل المضاعف » بمعنی الهمة الأعلی و العمل الأكثر. عبارة المضاعف - أي عدة أضعاف - تفيد الشكل المثالي للمسألة، إذ إننا لسنا قانعين بضعفين و ثلاثة أضعاف و عشرة أضعاف، و لكن إذا لم نستطع في أحد المواطن أن نعمل ضعفين و عملنا ضعفاً و نصفاً فلا يعني هذا أننا يجب أن نيأس، لا، المهم أن تكون لنا همة أعلی مما كانت لنا في السابق و أن نعمل أكثر مما عملنا في السابق. هذا هو شعار هذه السنة. هذه الشعارات ليست مجرد أمور استعراضية و لا هي بحيث نتصور أنها ستعالج خلال هذه السنة جميع مشكلات البلاد، لا، هذه الشعارات ليست تشريفاتية و لا استعراضية و إنما ترسم لنا خطاً واضحاً.
ذكرنا في العام المنصرم أنه عام إصلاح النموذج الاستهلاكي. و ذكرت هنا في اليوم الأول من السنة إن إصلاح النموذج الاستهلاكي ليس بالشيء الذي يمكن أن يحصل في غضون عام واحد. قلنا في السنة الماضية إنها سنة إنطلاق الحركة باتجاه إصلاح النموذج الاستهلاكي. و انطلقت الحركة. و لا استطيع القول إن نموذج الاستهلاك تم إصلاحه، لا، لا تزال مسافة طويلة تفصلنا عن هذا الهدف. ما لم نصلح نموذج الاستهلاك و ما لم نعرف كيف يجب أن نستهلك الماء و كيف يجب أن نستهلك الكهرباء و كيف يجب أن نستهلك الخبز و كيف يجب أن نستهلك المال، ما لم نستهلك هذه الأشياء بصورة صحيحة و ما لم نعرف طرائق الاستهلاك ستبقی مشكلاتنا علی حالها. علينا متابعة إصلاح نموذج الاستهلاك. في سنة 88 أنجز المسؤولون بعض الأعمال و خططوا و برمجوا و قاموا ببعض البحوث، و لكن ينبغي لهذا السياق أن لا يتوقف. هذا ما يدلنا علی الاتجاه. تبيّن في سنة 88 أن قضية إصلاح نموذج الاستهلاك قضية أساسية و مهمة و يجب أن تتابع. و كذلك الحال في هذه السنة. نقول في هذه السنة لا بد من همّة أكبر و هذه الهمّة الأكبر لا تختص بهذا العام. الهمة الأكبر و الأمثل لا تختص بسنة 89. علينا أن نضع هذا الأمر نصب أعيننا كيد تشير إلی الطريق الصحيح، إذ يجب أن لا تتضاءل هممنا. لدينا أعمال و مشاريع كبيرة، و ثمة أهداف عظيمة حيالنا ينبغي التحلي أمامها بهمّة عظيمة حتی نستطيع الوصول إلی تلك الأهداف. كما ينبغي مضاعفة العمل. ينبغي تكثيف العمل حتی نستطيع بلوغ تلك الأهداف.
طبعاً كان العام المنصرم عاماً مهماً بالنسبة لبلادنا. اعتقد - و كما ذكرت للشعب الإيراني في ندائي له بمناسبة النيروز - أن سنة 88 كانت سنة الشعب الإيراني، و سنة انتصار الشعب الإيراني و سنة مشاركته البارزة في الساحات الحياتية العظيمة الخاصة بالنظام الإسلامي و بلادنا. في موطن من المواطن حضر في الثاني و العشرين من خرداد أربعون مليون أنسان عند صناديق الاقتراع أي خمسة و ثمانون بالمائة ممن لهم حق المشاركة في الانتخابات، و هذا شيء علی جانب كبير من الأهمية. لا مراء أن مشاركة الجماهير لها دورها في شرعية أي نظام. الذين يعتبرون شرعيتهم ناجمة أساساً من مشاركة الجماهير في الغرب و لا يشركون أي عامل آخر في هذه المسألة لا تتوفر لديهم الآن مثل هذه المشاركة. في فترة قريبة من انتخاباتنا أقيمت في بريطانيا انتخابات بمشاركة بلغت نحو ثلاثين بالمائة ممن لهم حق الاقتراع، فأين الخمسة و ثمانون بالمائة من الثلاثين بالمائة؟ لهذه الحركة الجماهيرية و هذا التواجد الشعبي أهميته الكبيرة. المحللون و المراقبون السياسيون للقضايا العالمية لا يمرون بهذه الأمور مرور الكرام. قد لا ينشرونها في صحافتهم و إعلامهم، و قد لا يذكرها السياسيون في تصريحاتهم التي تبثّ في الإعلام، بل يكتمونها، لكنها مؤثرة في نفوسهم و قراراتهم و هم يفهمونها.
هذا الشعب ثابت عند كلمته. كانت هذه حركة عظيمة من شعبنا. استطاع شعبنا أن يسجل في تاريخ بلادنا أنه بعد مضي ثلاثين عاماً علی تأسيس النظام الإسلامي - و هو نظام قائم علی أساس الإسلامية و الجمهورية، و هذان العنصران لا فصل بينهما، و الذين يفصلون بينهما لم يعرفوا الجمهورية الإسلامية - لا يزال ملتزماً بأسس هذا النظام إلی درجة المشاركة في الانتخابات بكل هذا الحماس و الشوق. هذه خطوة جماهيرية عظيمة. كان لأعداء الشعب الإيراني مخططاتهم قبال هذه الخطوة، و قد بدأوا بتنفيذ هذه المخططات. لو كانت مشاركتكم أيها الشعب في انتخابات الثاني و العشرين من خرداد سنة 88 مشاركة ضعيفة، و إذا كان قد شارك فيها ثلاثون مليوناً علی سبيل المثال بدل الأربعين مليوناً، لكان أعداؤكم قد نجحوا علی أغلب الظن. كانت المخططات قد أعدت سلفاً. إنني لا أتهم أحداً لكنني أعرف هندسة عمل الأعداء و أراها و استطيع تشخيصها و لا يمكنني إنكارها. هندسة عمل الأعداء كانت هندسة مشخصة و قد مارسوا نظيرها في أماكن أخری. حينما لا تكون القوی الدولية الاستكبارية راضية عن نظام من الأنظمة فمن السبل التي اكتشفوها و راحوا يعملون بها هو أن ينتظروا فرصة انتخابات معينة، و إذا فاز في الانتخابات الأشخاص الذين لا يرضون هم عنهم، و لم يفز الذين يريدونهم، سيبادرون إلی تحرك استعراضي شعبي لقلب الأوضاع، و يجرّون جماعة من الناس إلی الساحة بضغوطهم و ينزلونهم إلی الشوارع ليغيروا بالعنف الشيء الذي حصل بالقانون. هذا مخطط معروف، و هذا هو السبب في نسبة أحداث ما بعد الانتخابات إلی العوامل الخارجية في أذهان الناس و في أذهان المحللين المستقلين الصادقين الدقيقين. حتی لو لم يكن للمرء أي اطلاع علی ما وراء الكواليس - المعلومات التي يحصل عليها ذوو الإطلاع - حتی لو لم تتوفر هذه المعلومات، حينما ينظر الإنسان لشكل المسألة يفهم أنها من صنع أعداء الشعب الأجانب.
تقام انتخابات و تحصل خطوة قانونية و تكون لها نتائجها و يريدون تغيير هذه النتائج بالعنف و القوة. يدفعون البعض إلی الساحة و يمارسون العنف إذا اقتضت الضرورة و يشعلون النيران في البنوك و الباصات من أجل قلب النتائج القانونية. هذه ممارسات منافية للشرع و مخالفة للقانون. و واضح أنها ممارسات موجهة من قبل الأجانب. أرادوا فعل هذا الشيء في البلاد.
كان امتحاناً مهماً للبلاد. و أؤكد لكم إنه كان امتحاناً مهماً فيه الكثير من العبر و الدروس. و قد انتصر الشعب الإيراني في هذا الامتحان. أرادوا تقسيم الناس إلی فئة أقلية و فئة أكثرية، و فئة الفائزين في الانتخابات و فئة الذين لم يصلوا فيها إلی نتائجهم المرجوة، و أن يضعوا هاتين الفئتين في وجه بعضهما. أرادوا شطر الشعب إلی شطرين و يدخل عدد من المشاغبين إلی الساحة لتنفيذ أعمال الشغب و التوتر و إشعال حرب داخلية، كان هذا هو أملهم، لكن الشعب أبدی وعيه و يقظته. و قد رأيتم كيف أن الشعب توزع في يوم الانتخابات إلی جماعتين أحداهما من ثلاثة أو أربعة عشر مليوناً و الثانية من أربعة أو خمسة و عشرين مليوناً و لكن بعد مضي مدة غير طويلة اتحدت هاتان الجماعتان و وقفتا بوجه المشاغبين و عناصر التوتر و المخربين. هنا يمكن أن يفهم المرء يقظة الشعب. أرادوا زرع الشقاق و التوتر بين الناس. ذوو النوايا السيئة الذين مارسوا كل ما استطاعوا طوال هذه الثلاثين سنة ضد الثورة و ضد الشعب اغتنموا الفرصة و دخلوا إلی الساحة بدعاياتهم، لم يكن بإمكانهم فعل أكثر من هذا. لو كان بوسع الأمريكيين و البريطانيين و الصهاينة إنزال قواتهم إلی شوارع طهران لفعلوا ذلك يقيناً. و لو أتيح لهم توجيه الساحة كما يحلو لهم بإدخال عملائهم و مرتزقتهم من الخارج لفعلوا ذلك. و لكن كانوا يعلمون أن هذا سينتهي بضررهم. الشيء الوحيد الذي كان بمقدورهم فعله هو الدفاع عن عناصر التوتر و التخريب علی مستوی الإعلام و الساحة السياسية العالمية. دخل رؤساء جمهوريات البلدان المستكبرة إلی الساحة في هذه القضية و سمّوا المخربين و عناصر الشغب في الشوارع ممن أرادوا التعبير عن وجودهم بإشعال الحرائق، سمّوهم الشعب الإيراني عسی أن يستطيعوا تصوير الأوضاع لدی الرأي العام العالمي طبقاً لرغباتهم. لكنهم فشلوا و هزموا.
و كانت الضربة الأقوی و الأخيرة التي وجهها الشعب هي ما صنعه في يوم التاسع من دي. ما فعله الشعب الإيراني في يوم الثاني و العشرين من بهمن كان عظيماً، و كذلك ما فعله في التاسع من دي، حيث اتضح تلاحم الشعب و اتحاده. كل الذين صوتوا لأي مرشح في الساحة السياسية، حينما شاهدوا أن العدو قد نزل إلی الساحة، و حينما أدركوا أهداف العدو السيئة أعادوا النظر تجاه الذين كانوا سابقاً يحسنون الظن بهم. أدركوا أن هذا هو طريق الثورة و هذا هو الصراط المستقيم. في الثاني و العشرين من بهمن نزل الشعب كله إلی الساحة بشعار واحد. حاولوا كثيراً أن يزرعوا الشقاق و الانقسام بين الشعب لكنهم أخفقوا. و وقف الشعب و كان هذا انتصاراً له. من الثاني و العشرين من خرداد إلی الثاني و العشرين من بهمن - ثمانية أشهر - فصل زاخر بالمفاخر و العبر سطره الشعب الإيراني. هذا درس.. حصل وعي جديد. و ابتدأ فصل جديد في بصيرة الشعب الإيراني. هذه أرضية مهمة جداً. و علينا السير وفقاً لهذه الأرضية.
و الآن يجب إبداء الهمّة المضاعفة و العمل المضاعف علی هذا الأساس. ثمة الكثير من المجالات و المستويات و يجب أن لا ندع الوقت يمضي. لكل سنة من السنوات التي مضت علی عهد الثورة، و لكل شهر من كل سنة، و لكل يوم من كل شهر وزنه و مقداره و قيمته و يجب عدم التفريط بهذا. ربما شغلت الأذهان الفتن التي أثارها مشعلوا الفتن خلال ثمانية أشهر من سنة 88 فبقيت بعض الأعمال نصف منتهية، و لذلك يجب التعويض. يجب أن تكون الحركة حركة سريعة. ثمة الكثير من المجالات. هناك مجال العلم و البحث العلمي بالدرجة الأولی، و علی الجامعات و مراكز البحث العلمي مضاعفة هممها في البحث العلمي علی كافة المستويات و في كل حقول العلوم التجريبية و الإنسانية و في جميع القطاعات التي يحتاجها البلد. و ليجعلوا نصب أعينهم مراحل أبعد و آفاقاً أرحب و ليكثفوا العمل و يزيدوه.
قلت إن علی شبابنا أن يركزوا هممهم علی أن يجعلوا بلدهم بعد عقد أو عقدين مرجعاً علمياً لعلماء العالم. إذن، هذه هي الهمة المضاعفة و العمل المضاعف علی صعيد العلم و البحث العلمي.
و هناك الهمة المضاعفة و العمل المضاعف في الاستفادة الأمثل من المصادر و الإمكانيات الموجودة في البلد. ينبغي الاستفادة إلی أقصی حد من كل الأشياء التي يمكن استخدامها لبناء البلد في الفترات المقبلة أو التي يمكن أن تزيد من رفاهية معيشة الناس، أي الشيء الذي يعدّ إصلاح نموذج الاستهلاك أحد أركانه. يجب استهلاك الماء في البلاد بشكل أمثل. إننا اليوم لا نستهلك الماء بشكل أمثل. في العام الماضي حينما طرحتُ قضية إصلاح نموذج الاستهلاك حقق باحثو البلد و درسوا و أخبرونا أنه لم تم الاقتصاد في عشرة بالمائة من الماء الذي يستهلك في البلاد لعادل كل الماء الذي يستهلك اليوم للشرب في البيوت و في الصناعة. تسعون بالمائة من المياه تستهلك حالياً في الزراعة - تستهلك بشكل خاطئ و مسرف - و العشرة بالمائة الأخری تستهلك للشرب و الصناعة و الأمور الأخری. أي إننا لو اقتصدنا بمقدار عشرة بالمائة في الزراعة لوصل مقدار الشرب و الصناعة و غيرها إلی الضعف. المسألة مهمة إلی هذه الدرجة. و كذلك فإن مسألة استهلاك الكهرباء و حاملات الطاقة - البنزين و الگازوئيل - مهمة. لائحة توجيه الدعم التي طرحت للبحث تعنی بهذه الأمور، و هي لائحة علی جانب كبير من الأهمية.
بحضوركم هنا أيتها الجماهير العزيزة أوصي السلطتين التنفيذية و التشريعية بأن يتعاونوا في هذه القضية المهمة. من جهة تقع الأعباء علی السلطة التنفيذية التي عليها أن تعمل و تبادر، و لذلك علی كافة الأجهزة الأخری بما في ذلك الجهاز التشريعي أن تساعدها، و من جهة أخری علی الحكومة أن تنظر بعين الاعتبار للمسائل القانونية و التي اجتازت المراحل القانونية و تعمل وفقاً لها. إذن، علی الحكومة و المجلس - السلطتين التنفيذية و التشريعية - السير في هذا المشروع إلی جانب بعضهما و مساعدة بعضهما « يد الله مع الجماعة ». حينما تكونان مع بعضهما فسوف يمدّ الله يد عونه. و بالتالي فمن المهم الاستفادة من الإمكانات و المصادر المتوفرة في البلاد. الاستهلاك لدينا يحصل بصورة مغلوطة و مسرفة في كثير من الأحيان.
الهمة المضاعفة و العمل المكثف من أجل رفع جودة المنتوجات الداخلية هي أيضاً من المهمات الأساسية. لدينا اليوم منتوجات داخلية كثيرة سواء في مجال الصناعة أو في مجال الزراعة، و يجب الاهتمام بجودة هذه المنتوجات و رفع مستواها. يجب أن يشعر المستهلك أن ما يتم إنتاجه في بلاده و علی يد العامل الإيراني أفضل من حيث الجودة من الأنواع الأجنبية أو في نفس المستوی علی الأقل.
و هناك الهمة المضاعفة و العمل المضاعف في تأمين السلامة و الصحة. قضية الصحة ينبغي أن تؤخذ بنظر الاعتبار في الخطة الخمسية و كذلك في التخطيطات التنفيذية المختلفة لشتی الأجهزة. الرياضة العامة جزء من مسألة تأمين الصحة و قد أوصيت بها مراراً و أعود لأوصي بها. الرياضة العامة ضرورية للجميع. النشاط و السلامة و الصحة و الجاهزية و القدرة علی العمل أمور يمكن تأمينها في المجتمع في ظل الرياضة العامة.
و لا بد من الهمة المضاعفة و العمل المضاعف في الاستثمار و إيجاد فرص العمل. الكثير ممن لديهم الرساميل و المال و المداخيل الكبيرة لا يعلمون كيف يستخدمون هذه المداخيل. و هنا يعبِّر إصلاح نموذج الاستهلاك عن نفسه مرة أخری. البعض يستهلك المال في أمور الترف و الأسفار الخارجية العبثية و غير المثمرة و المكلفة و أحياناً المفسدة بدل استثمارها في الإنتاج، و قد يختلق الذرائع لتغيير أثاث المنزل و وسائل الحياة، و كل هذا تصرفات مسرفة و استهلاك مسرف للمال. يمكن استثمار المال و المداخيل. و أسباب هذا الشيء متوفرة في الحال الحاضر. يمكن الاستثمار بتفعيل البورصات الموجودة في البلاد. بوسع الجميع المشاركة في الاستثمار بما لديهم من أموال.
من المسائل المهمة التي تتطلب همة مضاعفة و عملاً مضاعفاً مسألة إنتاج الفكر، و نشر ثقافة قراءة الكتب، و رفع مستوی المعلومات العامة في المضامير المختلفة. كراسي التفكير الحرّ التي تحدثنا عنها و اقترحنا تأسيسها في الجامعات و الحوزات بوسعها إطلاق تيار فكري قيم جداً في المجتمع.
و الأهم من كل شيء الهمة المضاعفة و العمل المضاعف في مكافحة الفقر و الفساد و اللاعدالة. هذه أمور نراها أمامنا و هي موجودة حيالنا و تستدعي من الشعب و الحكومة و المسؤولين السعي و المثابرة.
طبعاً أمامنا أيضاً تحديات و عقبات. لسنا شعباً ليس له أعداء في العالم. الشعوب التي ليس لوجودها قيمة هي التي ليس لها أعداء. أما الشعب الذي له طريقه و هدفه و أعماله و مساعيه فله أعداؤه. طبعاً ثمة اختلاف بين عدو و عدو. الحكومة الأمريكية أيضاً لها الكثير من الأعداء في العالم. و لكن من هم أعداء الحكومة الأمريكية؟ الشعوب. الشعوب هي التي تكره الحكومة الأمريكية و تبغضها. لماذا؟ لأنها تحتفظ في ملفها بسوابق الأعتداء علی البلدان منذ خمسين أو ستين عاماً و إلی اليوم. طوال الخمسين عاماً الماضية اعتدت الحكومة الأمريكية عسكرياً علی ما يقارب ستين بلداً. هذا ليس بالهزل؟ و هو ليس بالشيء القليل؟ إذن هي أيضاً لها أعداؤها و لنظام الجمهورية الإسلامية أعداؤه. من هم أعداء نظام الجمهورية الإسلامية؟ الحكومات المستكبرة و الرأسماليون الصهاينة و أعداء الإنسانية و الأجهزة التجسسية الغدارة السفاحة. إذن، ثمة عدو و هذا العدو يعمل و ينشط و يبذل مساعيه.
علی الشعب و مسؤولو البلاد التحلي بالوعي و اليقظة. و عليهم أخذ هذه العداوات بالحسبان و العمل حيالها بتدبير و شجاعة. التدبير ضروري و الشجاعة أيضاً ضرورية. إذا لم تتوفر الشجاعة و إذا انهزم الإنسان نفسياً أمام أبهة الحكومات المستكبرة و هيبتها و وجوهها العابسة فسوف ينهزم لا محالة. من ممارسات الحكومات المستكبرة هذا العبوس و الزجر و قلب الحق إلی باطل. إذا لم تكن ثمة شجاعة مقابل هؤلاء و إذا لم يستطع مسؤولو البلاد الوقوف علی أقدامهم مقابل هذه الممارسات الاستعراضية العدوانية المستكبرة فسوف يخسرون الجولة بالتأكيد. سوف يخسرون هم أنفسهم و يفرضون الخسارة و الهزيمة علی الشعب. إذن الشجاعة أمر ضروري.
و التدبير أيضاً ضروري. التدبير معناه وعي مخططات الأعداء و اتخاذ القرار الصائب و في الوقت المناسب لمواجهة هذا العدو. العدو يظهر بأشكال مختلفة. لاحظوا اليوم أن هناك الصهاينة و الحكومة‌ الأمريكية الذين يقفون مقابل الشعب الإيراني و نظام الجمهورية الإسلامية و يرتدون أحياناً ثياب الذئاب و يلبسون تارة أخری ثياب الثعالب. و يبدون عن أنفسهم أحياناً وجوهاً عنيفة عدوانية و يظهرون أحياناً أخری وجوهاً مخادعة. ينبغي التنبه لكل هذا و مراقبته.
في اليوم الأول من السنة الماضية قلت في نفس هذا التجمع الحاشد منكم أيتها الجماهير العزيزة: إننا في مقابل تصريحات رئيس جمهورية الولايات المتحدة الأمريكية الجديد و ما يقوله من أنه يمدّ يد الصداقة، ننظر بدقة للمسألة و نتابعها. ننظر هل هي فعلاً يد صداقة؟ هل النوايا نوايا صداقة حقاً أم أنها نوايا عداء صبّت في قالب ألفاظ مخادعة؟ هذا شيء مهم جداً بالنسبة لنا. قلت السنة الماضية إذا كانت هناك يد فلزية تحت القفاز المخملي فإننا لن نمد يدنا لها و لن نقبل الصداقة. إذا كان إلی جانب الابتسامات خنجر مخفي وراء الظهور فإننا متيقظون و واعون. ما حصل للأسف هو ما كنا ظنه و نتوقعه. الحكومة الأمريكية و هذه المنظومة الجديدة و رئيس الجمهورية الجديد رغم كل ما أبدوه من رغبة في العلاقات العادلة و السليمة و قد كتبوا الرسائل و بعثوا الإشارات و ذكروا ذلك أمام الملأ و كرروه في الاجتماعات و الجلسات الخاصة بأننا نريد أن نطبِّع علاقاتنا مع الجمهورية الإسلامية، إلا أنهم علی الصعيد العملي تصرفوا بعكس ذلك للأسف. في أحداث الأشهر الثمانية التي أعقبت الانتخابات اتخذوا أسوء المواقف. و وصف رئيس جمهورية أمريكا المخربين و عناصر الشغب في الشوارع بأنهم حركة مدنية! إحراق البنوك و الباصات و ضرب العابرين الأبرياء العاديين و الانهيال بالضرب علی أخوات الشهداء و أمهاتهم بسبب ارتدائهن الشادر و إحراق الدراجات النارية للبعض الشباب لمجرد أنهم ملتحون، هل هذه حركة مدنية؟! إنكم تتشدقون بحقوق الإنسان و الديمقراطية لكنكم تتجاهلون حركة الجماهير العظيمة في انتخاباتهم و انتخابهم و في مشاركتهم في الساحة. و تتحيزون لعدد من المخربين و المخلين بالأمن و المشاغبين و تسمون هذا حركة مدنية؟! ألا تخجلون؟! تزعمون: إننا نناصر حقوق الإنسان و نشعر بالمسؤولية تجاه حقوق الإنسان! إنكم لا تصلحون لأن تتحدثوا مع أحد حول حقوق الإنسان. في أي خطوة من خطواتكم طوال هذه السنوات اجترحتم تغييراً بالمقارنة إلی الماضي؟ هل قللتم المذابح في أفغانستان؟ هل قللتم تدخلكم في العراق؟ هل أقلعتم عن المذابح المفجعة ضد الناس في غزة و قتل الأطفال حتی تزعمون مناصرة حقوق الإنسان؟
إنني أعلن اليوم مرة أخری: لتعلم الحكومات التي تريد التعامل مع الشعب الإيراني و مسؤولي الجمهورية‌ الإسلامية بطريقة استكبارية و بروح استكبارية، ليعلموا أنهم مدانون و مرفوضون من قبل الشعب الإيراني و من قبل مسؤولي الجمهورية‌ الإسلامية. ليس بوسعكم التحدث عن رغبتكم في السلام و الصداقة و تمارسون في الوقت ذاته التآمر و إشعال الفتن و تتوهمون بذلك أنكم تريدون توجيه ضربة لنظام الجمهورية‌ الإسلامية.
الشعب يقظ و المسؤولون واعون. التدبير هو أن يرصد الإنسان سلوك الخصم و يری ماذا يريد أن يفعل. يجب أن لا تخفی هذه الممارسات و التصرفات عن أعين الشعب الإيراني سواء جاءت في ثياب الذئاب أو لبوس الثعالب. علی الشعب الإيراني أن يتخذ قراره بوعي و سوف نتخذ قرارنا بوعي إن شاء الله و بتوفيق منه. سوف لن نتخلی عن مصالح شعبنا أمام التعنيف و الوجوه العابسة للأعداء. سنبادر لما يلزم في سبيل تقدم الشعب و نحن علی علم و ثقة بأن هذا الشعب منتصر كما كان منتصراً طوال هذه الأعوام الثلاثين. لقد هزم الأعداء خلال هذه السنوات الثلاثين رغم كل ما فعلوه ضد الشعب الإيراني، و لم يستطيعوا توجيه ضربة لنظام الجمهورية‌ الإسلامية و لا فصل الجماهير عن النظام. و سيكون الحال كذلك بعد الآن أيضاً. سيكون مصير الشعب الإيراني بعد اليوم أيضاً النصر و التقدم بتوفيق الله و حوله و قوته، و مصير أعدائه الهزيمة و التخلف.
اللهم ثبت أقدامنا علی الصراط المستقيم، صراط الإيمان بالله و القرآن و الدين الإسلامي المقدس. اللهم لا تغفل قلوبنا عن التوجه و التضرع أمامك أبداً. اللهم لا تحرمنا من أدعية سيدنا بقية الله (أرواحنا فداه). مُنَّ دوماً بفضلك و لطفك علی هذا الشعب و هؤلاء الشباب و هذه القلوب المتحمسة العاشقة. ربنا وثق يوماً بعد يوم أواصر الأخوة بين هذا الشعب و الشعوب المسلمة و أبطل كيد الأعداء.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

الهوامش:
1) سورة الفتح، الآية 8 و 9.
2) سورة الأحزاب، الآية 45 و 46.
3) سورة المائدة، الآية 66.
4) سورة المائدة، الآية 15 و 16.