بسم الله الرحمن الرحيم
إنه لاجتماع جدّ محبّب و طيب، خصوصاً مع الكلمات التي ألقاها السادة و كانت جميعها مفيدة حقاً بالنسبة لي، سواء ما ذكروه حول قضايا العلوم الإنسانية أو ما أشاروا إليه بشأن علوم ما بين الحقول العلمية، و المسائل الدقيقة التي ذكرت و شرحت، أو ما قالوه عن قضايا الزراعة - و من الضروري أن يأتونا بالبرنامج الذي ذكروه لنطلع عليه و نستفيد منه - أو ما قيل بخصوص العلم و البحث العلمي. و التقارير التي رفعها الدكتور السيد رهبر رئيس جامعة طهران المحترم تقارير جد مفيدة و مطمئنة. ما أحسن أن تعرض تقارير هذا التقدم علی الرأي العام. الحقيقة أن الرأي العام اليوم لا يدري كم هو نصيب الجمهورية‌ الإسلامية‌ طوال ثلاثين سنة في العلم و البحث العلمي و في نمو الجامعات و في كيفية العمل العلمي و في الاختراعات. من النقاط التي أشاعها المعارضون و أعداء‌ الثورة منذ بداية‌ الثورة و ركزوا عليها في إعلامهم، و زركشوا كذبتهم هذه بأنواع الزراكش، هي أن الثورة مناهضة للعلم. و الحال أن الثورة في الحقيقة قائمة‌ علی أساس العلم و سوف أتطرق باختصار لهذا الجانب. و بالتالي من المناسب أن تنشر هذه الإحصاءات.
أنها فرصة جيدة جداً بالنسبة لي، فالمجتمعون هنا أشخاص مميزون و هم مجموعة المدراء و المبرزون و المؤثرون في أفضل جامعات البلاد أي جامعة طهران. و الواقع ينبغي القول إن جامعة طهران هي جامعة إيران فقد كانت رائدة و ملهمة علی الدوام، و ستبقی كذلك في المستقبل أيضاً إن شاء الله. أساتذة هذه الجامعة حاضرون أيضاً هنا، لذلك فهي فرصة طيبة جداً بالنسبة لنا لنستمع و نتحدث.
أريد أن أقول كلمة حول اقتراح الدكتور السيد رهبر. قضية الدكتوراه الفخرية هي بالتالي فخر، و قد أبدت الجامعة هذا اللطف لي، لكنني لست من أهل الدكتوراه، و تكفيني صفة طالب علوم دينية. إذا استطعت أن أبقی ملتزماً بميثاق طلبة العلوم الدينية - و قد عقدت هذا الميثاق مع الله تعالی قولاً و فعلاً منذ فترة الحداثة و الشباب - و إذا أعاننا الله و استطعنا مراعاة هذا الميثاق و السير في طريق طلبة علوم الدين فأنا أفضّل هذا. لقد تلطفتم عليّ و أنا أتباهي بهذا اللطف، لكنني لا أقبل اقتراحكم. وفقكم الله و أيدكم.
أذكر جملة نقاط. و هي نقاط تعرفونها، بل أنتم أصحاب خبرة و رأي في هذه الأمور، و أنا أشدّد عليها منذ سنوات، و لكن ينبغي العمل أكثر لأننا متأخرون. يجب أن نعترف أننا متأخرون. قضية بلادنا و ثورتنا و نظام الجمهورية‌ الإسلامية في العالم اليوم ليست قضية بلد أو شعب بين عدة مئات من الشعوب و البلدان. قلت ذات مرة إن ترابنا و مساحة أرضنا تشكل واحد بالمائة من مساحة بلدان العالم و عدد نفوسنا أيضاً يعادل تقريباً واحد بالمائة من نفوس العالم، لكننا لا نقنع بنسبة واحد بالمائة في القضايا المختلفة. نحن نحمل رسالة. إيران الإسلامية المسلمة تحمل رسالة فوق هذا المستوی. لا أننا نعتزم فتح البلدان و احتلالها - إطلاقاً و أبداً - لا يخطر أساساً ببال المسلم أن يفتح البلدان، إنما القضية قضية رسالة للبشرية. البشرية‌ اليوم و في العصور الماضية تعاني من ابتلاءات كبيرة. كما أننا أنا و أنتم نتحمل مسؤوليات مشتركة تجاه عوائلنا و مدينتنا و وطننا، و نكون مذنبين إذا استطعنا أن نقدم شيئاً لبلدنا و لم نفعل و إذا استطعنا مسح الغبار عن وجه شعبنا و لم نفعل، كذلك نتحمل مسؤولية حيال البشرية. إذا شاهدنا الناس في العالم يعيشون في نظام سياسي باطل و ملئ بالضغوط و استطعنا تقريبهم و لو خطوة واحدة من الخلاص من هذا النظام و لم نفعل نكون قد ارتكبنا إثماً. إذا شاهدنا أن فئة كبيرة من سكان العالم يعانون الجوع و الفقر و البؤس و كان باستطاعتنا اتخاذ خطوة لصالحهم و لم نتخذها نكون مذنبين طبعاً. ينبغي النظر لقضايا الإنسانية و العالم من هذه الزواية. و إذا كانت هذه هي النظرة الصائبة فيجب إذن زيادة قدرات البلد و مضاعفة قوة الشعب و الحكومة و البلاد و النظام. إذا لم نكن مقتدرين أثر علينا المقتدرون في العالم، و لن يبقی لنا مجال حتی لأن نؤثر علی جيراننا و أبناء ديننا، ناهيك عن التأثير علی كل البشرية. إذن، لا بد من التوفر علی المقدرة و الإمكانية. و هذه المقدرة ليست بلا شك في المعدات العسكرية و لا هي حتی في القدرة علی الإنتاج و التقدم التقني.
المهم بالدرجة الأولی في إيجاد القدرة الوطنية هو في رأيي شيئان: أحدهما العلم و الثاني الإيمان. العلم يبعث علی القدرة سواء اليوم أو علی امتداد التاريخ و سيكون الوضع كذلك في المستقبل أيضاً. هذا العلم يفضي أحياناً إلی التقنية، و لا يفضي إليها في بعض الأحيان. العلم نفسه من أسباب الاقتدار، و من بواعث الثروة، و من شروط القوة العسكرية، و القوة السياسية. جاء في إحدی الروايات أن «العلم سلطان» - العلم اقتدار - «من وجده صال به و من لم يجده صيل عليه» (1). أي إن للمسألة جانبين: إذا كان لكم علم كانت لكم الكلمة الأعلی و اليد الأعلی و هذا معنی «صال»، و إذا لم يكن لكم هذا العلم فلن تكون هناك مساحة وسطی، بل «صيل عليه». إذن، الذي يتوفر علی العلم ستكون له اليد العليا عليكم و سيتدخل في مقدراتكم و مصيركم. كنوز المعارف الدينية زاخرة بأمثال هذه الكلمات. و العامل الآخر هو الإيمان و هو بحث آخر مفصل.
إذن، يجب التشديد علی العلم. حالات التقدم التي ذكروها حالات مهمة جداً. و هي وليدة الحرية و الحرية الفكرية المنبعثة من الثورة‌ الإسلامية. و إلا لو كنا نعيش في ظل النظام الدكتاتوري العميل في فترة الطاغوت لما توفر لنا هذا بالتأكيد، أي إن مضي الزمن لن يحقق لنا هذا التقدم. كانت هناك دكتاتورية و تبعية و عمالة. أحياناً تكون هناك دكتاتورية و تصاحبها حالات تقدم، كأن يكون الحاكم شخصاً مثل نابليون الذي كان دكتاتوراً في زمانه، لكنه يؤسس أكاديميات علمية، و كانت هناك حالات تقدم علمي كبير خلال الأعوام الأربعة عشر أو الخمسة عشر التي حكم فيها فرنسا، ربما لم تتحقق لهذا البلد علی مدی سبعين أو ثمانين سنة تلت حكم نابليون. لا تزال حالات التقدم هذه مما يفاخر به الفرنسيون. كان نابليون بالتالي شخصاً ذكياً و دؤوباً و متفاعلاً و فاهماً، و كان إلی جواره أشخاص يفهمون. و لكن أحياناً تكون هناك مثل هذه الدكتاتورية و معها أيضاً تبعية و عمالة، و هو ما ابتلينا به طوال سنوات، خلال فترة البهلويين بشكل و خلال فترة القاجاريين بشكل آخر. في عهد القاجاريين أيضاً كنا تابعين بشكل من الأشكال. أي قبل فترة ازدهار الاستعمار حيث حكم أمثال ناصر الدين شاه، في ذلك الحين أيضاً كنا خاضعين للهيمنة للأسف. حالة‌ الاستبداد و الدكتاتورية التي تسلب الناس الحرية إلی جانبها حالة تبعية للسياسات الأجنبية علی بلادنا. و لو كان ذلك الاستبداد و التبعية لما تقدمنا إلی الأمام، إنما التقدم الحالي ناجم عن الثورة‌ الإسلامية. و إذا أردنا لهذا التقدم أن يستمر فمن الضروري العمل و السعي لذلك. و عليه يجب العمل و السعي بجد و مثابرة. و للجامعة دور أساسي علی هذا الصعيد.
بخصوص جامعة طهران لا بأس أن أقول: مع أنني لست شخصاً جامعياً - و قد ذكر أحد السادة: «جامعي»، لا أنا لست جامعياً - لكنني كنت علی علاقات طويلة منذ القدم مع الجامعة و الطلبة الجامعيين. أحياناً كانت لي بعض الأعمال في الجامعة لبعض المناسبات فكنت أحضر في جامعة طهران و أشعر أنني دخلت إلی أجواء مألوفة لدي. مع أن البيئة هناك لم تكن تتناسب أبداً مع زينا و عمّتنا، لكن المرء كان يشعر أنها بيئة مألوفة. و الأصدقاء الآخرون الذين كانوا مثلنا كان لهم نفس هذا الشعور. و ربما أدی هذا الأمر بمجموعة العاملين و المسؤولين عن استقبال الإمام إلی اختيار جامعة طهران للاعتصام بسبب تأخر عودة الإمام إلی الوطن. لم تكن هذه صدفة محضة بل هي دليل علی صلة معنوية و روحية مع الجامعة، خصوصاً جامعة طهران.
لا أنسی ذلك اليوم حينما جئت مع المرحوم السيد بهشتي و دخلنا من الباب الشرقية لجامعة طهران. أحد الأصدقاء الأعزاء و العلماء المحترمين، الحاضر الآن و الحمد لله، سبقنا إلی هناك و نسّق و فتح الباب الشرقي للجامعة - لأن الباب الجنوبي و هو الباب الرئيسي لم يكن ليفتح لنا - و دخلنا من هناك إلی جامعة طهران و قصدنا مسجد الجامعة و ذهبت أنا إلی الغرفة الواقعة خلف المسجد - كانت هناك غرفة صغيرة لا أدري هل ما تزال موجودة الآن أم لا - مكثنا هناك و بدأنا منذ اليوم الأول بإصدار نشرة‌ خاصة‌ بالاعتصام. أصدرنا من هناك نشرة صدرت منها عدة أعداد في اليوم الأول.. نشرة‌ الاعتصام. هذا الأنس و الألفة له جذوره في الذهن و السوابق. إي إننا كنا حسني الظن بالجامعة و نحمل نظرة إيجابية عنها و الجامعة أيضاً كانت ترحب بنا و تعتبرنا منها. و بعد ذلك و لنفس السبب علی ما يظهر تم اختيار جامعة طهران مكاناً لإقامة صلاة الجمعة.
في طهران كان بوسع الإنسان أن يعمل بصورة‌ مختلفة. تم اختيار الثيّل في جامعة طهران مكاناً لصلاة الجمعة و لا يزال هذا المكان ملجأ و محلاً يراجعه الناس أيام الجمعة بمحفزاتهم القلبية. هذا شيء‌ علی جانب كبير من الأهمية. في السنوات الأولی و الثانية للثورة كنت أقصد جامعة طهران مرة في الأسبوع و ألتقي و أتحدث مع الطلبة‌ الجامعيين. تواجدي في مسجد الجامعة ربما استمر لأكثر من سنة. كنت أحضر في جامعة طهران و أتحدث في مسجدها مع الطلبة الجامعيين و أجيب عن الأسئلة. الحمد لله فإن جامعة طهران ما عدا كونها محوراً و مركزاً و رائداً أكيداً من الناحية العلمية فإنها من الناحية الدينية و المعنوية و الإيمانية - أي الركن الثاني للتقدم - أيضاً محوراً يشار إليه بالبنان. يجب اغتنام هذه الحقيقة و معرفة قدرها.
ما أريد قوله هو أنه لو كانت أهمية العلم إلی هذه الدرجة فعلی جامعة طهران مضاعفة ريادتها في مجال العلوم و عليها تكثيف العمل و زيادته.
جری الحديث عن الاختراعات و قد تم إنجاز بعض الاختراعات و الأعمال الجديدة. و لعلي أری التقدم أكثر من هذا بمقدار معين، إذ تصلني تقارير متنوعة و كثيرة من مصادر متعددة لكنني في الواقع غير راض و هذا القدر من التقدم العلمي غير مرض. هذه قضايا لا يمكن طرحها إلا في هذه الأوساط. حينما نقول إننا غير راضين عن هذا المقدار من العلم فليس معنی هذا أننا كنا نستطيع و لم نفعل. لا، قد لا يكون أي شخص مقصراً، و لم يكن بالإمكان إنجاز إكثر من هذا. قد تكون هذه حقيقة القضية لكن هذه الحقيقة ليست مرضية بالنسبة لي. لا تزال هناك مسافات طويلة تفصلنا عن المحطات التي يجب أن نصلها. و ليس توقعي كثيراً. لا أقول إننا يجب أن نصل في غضون عشرة أعوام أو عشرين عاماً إلی المراتب العلمية‌ الأولی في العالم - و لا أقول المرتبة‌ الأولی - و لكن ينبغي أن يكون هذا هدفنا. حتی لو استغرق الأمر خمسين سنة‌ لخروج البلد خروجاً تاماً من الأسر العلمي. هذا هو معنی إنتاج العلم. العلم ليس بضاعة يمكن إنتاجها كما تنتج البضائع الأخری فهو بحاجة إلی كثير من المقدمات و لكن يجب أن نصل أخيراً إلی حيث نستطيع بسط العلم و توسيع رقعته، و الوصول إلی أعماقه و ملامسة العلوم الجديدة. العلوم المتاحة‌ للبشر ليست فقط هذه العلوم الموجودة اليوم، فثمة الكثير من العلوم يقيناً سيصلها الإنسان في المستقبل. كما أن الكثير من العلوم اليوم لم تكن موجودة قبل مائة سنة. الكثير من هذه العلوم الإنسانية التي أشاروا إليها لم تكن موجودة قبل مائة عام، أي لم تكن هذه الفروع العلمية و لا البحوث العلمية فيها و إنما ظهرت بعد ذلك. قابلية البشر للتوسع العلمي أكثر من هذا بكثير. و إمكانية المعرفة بالعالم أكبر من هذا بكثير. علينا الوصول إلی مراحل نتقدم فيها ما استطعنا و نفهم فيها ما يمكن فهمه. و طبعاً يجب أن نجعل العلم وسيلة لسعادة الإنسان. الفرق بين نظرة الدين - أي الدين الإسلامي - للعلم و نظرة ‌العالم المادي له هو في هذه المسألة. إننا نروم العلم لسعادة البشر و لنمو الإنسان و تقدمه و ازدهاره و لتكريس العدالة و المطامح الإنسانية القديمة.
قلنا مراراً إن تكريس العدالة و شياعها من مطامح الإنسانية القديمة. منذ أقدم العصور عانی البشر من اللاعدالة، و اليوم أيضاً ثمة لاعدل و إجحاف في العالم لا يستطيع أحد الاعتراض عليه. بمجرد أن يعترض البعض يسكتون الصوت المعترض بالأدوات العلمية و بالإمكانات العلمية و بعلوم الاتصالات الآخذة بالتطور يوماً بعد يوم. يخنقون صوتاً معترضاً كل يوم. لاحظوا ما الذي يفعلونه حالياً مع الجمهورية‌ الإسلامية؟ و ما الذي تقوله الجمهورية‌ الإسلامية؟ و ما الذي تريده الجمهورية الإسلامية؟ لماذا كل هذا الإعلام و كل هذه العراقيل و كل هذه المؤامرات ضد الجمهورية‌ الإسلامية؟ لا تريد الجمهورية‌ الإسلامية فتح البلدان و لا هي في صدد الإضرار بالشعوب و إيذائهم، و ليس من منهجها إيذاء أي أحد، إنما تدعو إلی السعادة المعنوية للإنسان. لديها رسالة للعالم. يعلمون هذا لذلك يمارسون كل هذه الضغوط و العراقيل. ثمة في العالم اليوم مثل هذا الإجحاف و اللاعدل. علی العلم أن يقارع هذا الإجحاف و الظلم. يستخدم العلم اليوم لصالح الإجحاف. و هو في خدمة أظلم الناس و المجتمعات. ينبغي الخروج من هذه الحالة. نظرة الإسلام للعلم نظرة شريفة و نظيفة و بعيدة عن الأهواء و النزوات، و هي إلی ذلك نظرة معنوية. هذا ما نريد العلم من أجله، و ينبغي السعي و بذل الجهود من أجل ذلك.
النقطة التي أری أنها مهمة هي أن الجامعة يجب أن تتطرق لقضايا الثقافة بإسهاب، و لا بد من إيلاء هذه القضايا أهمية كبيرة في البيئة الجامعية. طبعاً الرسالة الرئيسية للجامعة هي العلم - لا مراء في ذلك - بيد أن النظرة التي أشرت إليها يجب أن تتوفر لدی الطالب الجامعي منذ البداية و هذا شيء ممكن.
بل لقد تفضل أحد السادة بالقول إنه يجب شياع التعاطف و التوافق الوجداني بين جميع أبناء الشعب، و هذه حالة جيدة جداً لكنها ليست سهلة ولا بد لها من مقدمات. لكن ما نقوله - أي التربية الثقافية للطالب الجامعي - عملية ممكنة و بوسع الإدارات الأساسية في الجامعات تأمين هذا الهدف عبر البرمجة الصحيحة. يمكن تأمين هذا الشيء في الكتب الدراسية و في اختيار الأساتذة و في البرامج المختلفة التي تقرر للطالب الجامعي. لكنها بالتالي عملية دقيقة جداً.
ينبغي النظر للمسألة الثقافية نظرة حكيمة مدبّرة. تحصيل العلم نفسه ثقافة. إذا أولينا المسألة الثقافية في الجامعة الاهتمام اللازم عندئذ سيعشق الطالب الجامعي العلم و يرغب فيه و يتحراه و ينشد البحث العلمي - و لا ينشد الشهادة الجامعية فقط - و سيترك أساتذتنا حالة الاكتفاء بأداء الحد الأدنی من الواجب. في أحيان كثيرة يرفعون لنا تقارير من الجامعة تفيد أن دروس بعض الأساتذة ليست سوی أداء الحد الأدنی من التكليف و الواجب. يأتي الأستاذ و يلقي دروسه التي من واجبه إلقاؤها و ينصرف. و الحال أن المسألة في عملية التدريس التي يزاولها الأستاذ يجب أن لا تكون مجرد أداء التكليف بل لا بد أن يكون ثمة حب و رغبة في العلم و حب لإعداد الطلبة الجامعيين. هكذا يجب أن تكون المسألة.
علی الأستاذ أن يتصرف بطريقة أبوية و أخوية و لا يترك طالبه الجامعي لحاله. هذه حالة متوفرة الآن في حوزاتنا العلمية لحسن الحظ، أي إن من تقاليد الحوزات العلمية الاستعداد التام لدی الأستاذ لاستقبال الطلبة و أسئلتهم و التباحث معهم و مساعدتهم. بعض الأساتذة في الحوزة حينما يخرجون من دروسهم يرافقهم الطلبة إلی بيوتهم و يجلسون هناك و يواصلون الأسئلة و النقاش و يقضون ساعة أو ربما ساعات علی هذا المنوال. هذه ظاهرة جيدة و هي بحاجة إلی تغذية ثقافية. إنها عملية ثقافية و لا يمكن إنجازها بالأوامر و التعميمات.
تعلمون أنني ألتقي الجامعيين و الأساتذة المحترمين عدة مرات في السنة. أن يبقی الأستاذ بعد انتهاء الدرس في غرفته يراجعه الطلبة و يطرحون عليه أسئلتهم فهذا ما قلته مراراً في اجتماعاتي بالأساتذة و الجامعيين و قد طرحه الجامعيون أنفسهم في بعض الأحيان و كرروه. و حينما جاءت الحكومة الجديدة وضعت ضوابط قبل نحو أربعة أو خمسة أعوام، و أنا أعلم و أنتم تعلمون جيداً أنه لا يجري العمل بهذه الضوابط كما ينبغي. فأين تكمن المشكلة؟ المشكلة تكمن في المسألة الثقافية. أو بخصوص البحث العلمي أشار بعض السادة في كلماتهم أن رجالنا و نساءنا و أساتذتنا و باحثونا يتوفرون علی شوق و رغبة‌ للبحث العلمي. هذا شيء علی جانب كبير من الأهمية. أهم الاختراعات البشرية هي تلك التي تأتت بالبحث و التنقيب و التحري و التطلع و التضحية و الفداء الذي يبديه الباحث و ليس عن طريق التوصية و المال. في بعض الأحيان تكون ظروف الباحث عسيرة جداً و يمضي وقتاً طويلاً و سنوات متمادية إلی أن يصل للنتيجة. طبعاً بعد أن يصل للنتيجة قد تقبل عليه الدنيا و يحظی بالشهرة و المال و سائر الأشياء، بيد أن العامل الرئيس هو الشوق و الاندفاع و الحب و الرغبة و الميل للبحث العلمي و التطلع المعرفي و التعمق في المسائل. هذه ثقافة ضرورية و يجب بثها و نشرها.
تعلمون أن للشعوب خصالاً وطنية. لبعض الشعوب خصال عامة و لشعوب أخری خصال أخری تتعلق بالتاريخ و الجغرافيا و الأقليم و بعوامل شتی. علينا أن نخلق لدی شعبنا خصلة الاندفاع و التشوق و الميل للبحث العلمي و التطلع المعرفي و المتابعة و عدم الملل. هذه الخصلة و هذه الروح غير متوفرة. و كذلك الحال بالنسبة‌ للعمل الجمعي. العمل الجمعي أيضاً ليس من خصالنا الوطنية. حتی لو نظرتم إلی صنوف الرياضة المعروفة في بلادنا و قارنتموها بأنواع الرياضة المشهورة في الغرب لوجدتم هذه الحالة. رياضتنا الوطنية المعروفة، أي المصارعة، رياضة فردية. حتی رياضتنا التراثية، و هي رياضة جمعية، فإن كل فرد فيها يمارس الرياضة لوحده. تعلمون أنهم حينما ينزلون إلی ساحة الزورخانه لا يقومون برياضة، يقومون بحركات معينة، كل شخص لحاله، و دون تنسيق مع الآخرين، ليس الأمر ككرة القدم أو كرة الطائرة حيث تتكامل المهام. إذن العمل ليس عملاً جمعياً. هذه نقيصة وطنية فينا، و يجب إصلاحها و إشاعة الحالة الصحيحة. فمن المسؤول عن هذا؟ أنها مهمة الجامعة. و بالتالي فالجامعة ما عدا مهمتها العلمية عليها الخوض في المسألة الثقافية أيضاً.
بوسعنا تربية الشاب ليكون صبوراً قانعاً ميالاً للعمل و البحث العلمي و العمل الجمعي و متساهلاً في سبيل النجاح و ممن يغلبون العقل علی العاطفة، و منصفاً و دقيقاً و منضبطاً في وقته، و صاحب ضمير مهني، و بوسعنا بث عكس هذه الصفات فيه. الحق أن هذا الشاب الذي تستلمه الجامعة - الشاب البالغ من العمر 18 أو 19 سنة - جدير بهذه التربية. في المراحل الجامعة و خصوصاً مرحلة الليسانس - المرحلة الجامعية الأولی - يمكن التفكير بهذه العملية‌ بجد و البرمجة و التخطيط لها. بمقدوركم إنشاء جيل له هذه الخصال الأخلاقية. و هذا بحاجة إلی تخطيط و لا يمكن تحقيقه بالبوسترات و التعميمات و الأوامر.
كما أنكم بحاجة للبرمجة من أجل العمل العلمي و يجب أن تضعوا خططاً شاملة عامة كذلك تحتاجون من أجل تحقيق هذه المهمة إلی البرمجة و التخطيط. و ينبغي وضع هذه الخطة العامة في الجامعة نفسها. أنها ليس بالشيء الذي يمكن أن يتم خارج الجامعة ثم يبلغونه للجامعة. و هي ليست حكماً يتم أصداره و يجري العمل به. إنها مهام يجب أن تتدفق و تنبثق من داخل الجامعة. أقول هذا لتتوفر إن شاء الله الذهنية و الأرضية للعمل في إطار المسألة الثقافية في الجامعة.
طبعاً العمل الديني بدوره جزء من العمل الثقافي. العمل علی جعل الآخرين يستئنسون بالدين و بالعبادة و يشعرون بحلاوة العبادة. الواقع أن إحدی سيئات العهد البهلوي هي أنهم قطعوا المجاميع المتعلمة في ذلك الحين عن القضايا الدينية و عن القرآن و عن الصحيفة السجادية و عن نهج البلاغة، و بعد ذلك استمرت هذه الحالة تقريباً بعد الثورة. طبعاً مضت ثلاثون سنة - جيل كامل - علی بداية الثورة، و كان بالإمكان القيام بالكثير من الأعمال لكننا تابعنا نفس ذلك السياق.
أيها الأصدقاء الأعزاء، أقول لكم: الاستئناس بالقرآن و التدبر فيه و كذلك التدبر في الأدعية المأثورة المعتبرة - مثل أدعية الصحيفة‌ السجادية و الكثير من الأدعية الأخری - له دور كبير في تعميق المعرفة الدينية. تعميق المعرفة الدينية أمر علی جانب كبير من الأهمية. أحياناً قد يشارك شخص في صلاة الجماعة بدافع المشاعر و الأحاسيس أو قد يشارك في الاعتكاف و في مجالس العزاء الحسيني أو في المظاهرات الدينية الفلانية و لكن من دون أن تتوفر لديه معرفة في أعماق روحه، لذلك نلاحظ أنه ينهار في أبسط منعطف و علی نحو مفاجئ. هذا بسبب قلة أو ضعف المعرفة الدينية. لقد شاهدنا الكثير من الأمثلة لذلك. في هذه المجاميع الثورية في بدايات الثورة كان ثمة أشخاص يبدون أكثر تديناً و التزاماً و تعصباً للدين منا نحن ذوي اللحی و العمائم. و بعد ذلك واجهنا منعطفاً و إذا بهم يتزلزلون و يضعفون و واضح أنهم لم يكونوا منذ البداية صلبي الإيمان. إذن، تعميق المعرفة الدينية أمر مهم غاية الأهمية. و الاستئناس بالمعارف الدينية و الاندكاك بها مهم جداً. هذا بدوره جزء من العمل الثقافي الذي يجب أن يشاع و يروج. و هذه العملية تستدعي من يتولاها و أنتم من يتولاها. و ما من أحد سواكم ينهض بها. أي إنكم المدراء و رؤساء أقسام البحث العلمي مسؤولون عن هذه العملية. لا يمكن النهوض بهذه العملية‌ بشكل إداري و بثه بشكل مصطنع في المراكز أو البيئات العلمية. يجب أن تفكروا بدقة لهذه العملية. هذا الأمر علی جانب كبير من الأهمية.
و القضية الأخری هي الحالة السياسية في الجامعات. تعلمون أنني كنت أعتقد منذ السابق أن الروح السياسية يجب أن تبقی حية متوثبة في الجامعات، فهذا يمنح الشاب حيوية و حركة. إننا بحاجة لشاب نشيط. الجامعة البعيدة عن السياسة و المنعزلة تماماً عن السياسة ستكون بعيدة عن الحيوية و الفاعلية و الحماس، ثم إنها ستغدو مكاناً لنمو الميكروبات الفكرية و السلوكية الخطيرة. لذلك من المناسب بل من الواجب أن تدخل السياسة حيّز الحياة الجامعية. لكن معنی تسيّس الجامعة أو حضور السياسة في الجامعة يجب أن لا يفهم بشكل مغلوط. ليس معنی ذلك أن تصبح الجامعة مكاناً تخوضه و تستغله التيارات السياسية و المجاميع السياسية و العناصر السياسية لأغراضها السياسية. يجب أن لا يحصل ذلك. و ينبغي الحؤول دونه. هذا شيء يجب أن تديروه و تدبروه أنتم، و يتعين أن تستخدموا صلاحياتكم و قدراتكم للحؤول دونه. و إذا حصل ذلك المحذور خسرتم الطالب الجامعي، و سيأتي شخص استغلالي ينتهز فرصه هناك. يمكن سرد أمثلة و تشبيهات عديدة لهذه الحالة. و لا حاجة لإيضاح الموضوع أكثر. كأن يأتي البعض و يجعل شاباً يافعاً وسيلة للسرقة من البيوت، و نقعد نحن و نتفرج علی الحالة دون أن نحرك ساكناً. هذا غير صحيح. هذه المهمة أيضاً بحاجة إلی برمجة خصوصاً في جامعة طهران. كما أن جامعة طهران في القمة بين جامعات البلاد من حيث السابقة و الوزن و المفاخر، كذلك هي من هذه النواحي أيضاً. طبعاً في ذلك الحين لم تكن هناك الكثير من الجامعات في البلاد فقد كانت جامعات البلاد قليلة جداً، و لم تكن ثمة قضايا تذكر. بعض كليات جامعة طهران علی وجه الخصوص كانت حساسة من حيث إبداء الميول السياسية و العمل السياسي، و هي كذلك إلی اليوم. إذن دققوا لئلا يتحول هذا المناخ إلی وسيلة يستغلها البعض و يستغلها الأعداء.
البعض يتحسسون من كلمة أعداء و يقولون: لماذا تقولون العدو؟ لماذا تكررون كلمة العدو؟ نحن نكرّر و مع ذلك يغفل البعض، و لا يدركون ما يفعل العدو تجاههم. و نقول و نكرر و لا يحصل! فماذا لو لم نقل! لاحظوا كم ذكر الله تعالی اسم الشيطان و أصحاب الصفات الشيطانية و إبليس من بداية القرآن إلی نهايته، و كم ذكر أسماء فرعون و نمرود و قارون و أعداء النبي في زمن البعثة و كم كررها في القرآن. تكررت قصة إبليس و الشيطان في القرآن. كان يمكن أن يذكرها الله تعالی مرة واحدة تكفي للإطلاع. هذا التكرار من أجل أن لا نغفل أبداً عن كيد العدو. يقول الإمام علي: «و من نام لم ينم عنه» (2). إذا نمتم في خندقكم فلا يعني هذا أن عدوكم الذي يواجهكم نائم هو الآخر في خندقه، لا، قد يأخذكم النوم و هو صاح و عندها يحلّ بكم الويل. ينبغي عدم الغفلة و تلاحظون أن هذه الغفلة تحصل أحياناً.
في قضايا ما بعد الانتخابات كانت منهم غفلة كبيرة حقاً. و أنا أقول غفلة لأنني أبني علی حسن الظن، فأنا لست أنساناً سيئ الظن بل حسن الظن. أنا حسن الظن بالأشخاص. في اليوم الثاني للانتخابات مباشرة مارسوا ممارسات سيئة و هم يرون نتائجها الآن. دعوا الناس للخروج للشوارع تحت طائلة الاعتراض علی الانتخابات، لماذا؟ أي منطق هذا؟ لماذا يدعون الناس للخروج إلی الشوارع؟ و هل قضية الانتخابات الدقيقة و المهمة إلی هذا الحد ممكنة الحل في الشوارع؟ خلقوا قوی ضغط و هذه غفلة كبيرة. حينما يحصل هذا يخلقون مأمناً للعدو و لمن يريد خلق الفوضی و التوتر. هذه غفلة. أي إن الغفلة في السياسة توجه الضربات كما تفعل الخيانة بعض الأحيان. حينما تطلقون رصاصة و تصيب هذه الرصاصة صدر شخص من الأشخاص، قد لا تكونوا متعمدين، لكن عدم التعمّد هذا لن يؤثر في النتيجة فالرصاصة أصابت قلبه و سقط و مات سواء كنتم متعمدين أم فعلتم ما فعلتم عن خطأ. هكذا هي الأخطاء أحياناً. يرتكب خطأ، و هو خطأ فعلاً، لكن ذلك لا يؤثر علی النتيجة فالضربة الموجهة تبقی نفسها. حسناً، تريدون الآن صيانة الجامعة من هذه الآفات فما عليكم أن تفعلوا؟ هذا الشيء علی جانب كبير من الأهمية. تنوير الطلبة الجامعيين و توجيه بعض الأساتذة.
إذن لاحظوا أن المسألة العلمية بالتفاصيل التي ذكرناها مراراً و ذكرناها اليوم أيضاً و أشار إليها السادة، مهمة. الآراء‌ التي طرحت هنا عن مسائل العلم كانت جيدة جداً و هي موضع تصديقنا و تأييدنا. و القضيتان الثقافية و السياسية بدورهما من القضايا المهمة جداً. و هذه طبعاً ليست قضايا جامعة طهران و حسب بل هي قضايا الجامعات في كل البلاد، بيد أن جامعة طهران في القمة منها. بمعنی أنكم حين تفعلون شيئاً سيكون ذلك الشيء نموذجاً و سوف تحافظون إن شاء الله علی ريادتكم هذه.
وفقكم الله و أيدكم لتستطيعوا النهوض بالمهام الملقاة علی عواتقكم و لنستطيع نحن إنجاز الأعمال الملقاة علی عواتقنا. كل شيء ممكن بعون الله و كل شيء ميسور بالهمة و العزيمة. و قد جربتم كل، هذا لحسن الحظ، في الأعوام الماضية و في الميادين المختلفة، في ميدان السياسة و في ميدان العلم و في الميادين الأخری، جربتم و جربنا هذا الشيء. أينما خضنا غمار الساحة و كانت عزيمتنا راسخة و توكلنا علی الله فتح الله السبل أمامنا. نتمنی أن يبارك الله عليكم و علی الشعب الإيراني عشرة الفجر هذه، و حشر الله الأرواح الطاهرة لإمامنا و شهدائنا مع أوليائهم، و أرضی عنا القلب المقدس لسيدنا الإمام المهدي المنتظر (أرواحنا فداه).
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

الهوامش:
1) شرح نهج البلاغة، ج 20، ص 319.
2) نهج البلاغة، الكتاب 62.