بسم الله الرحمن الرحيم
أولاً أبارك يوم الممرضة و أيام ولادة زينب الكبرى، هذه المرأة النموذجية في تاريخ البشرية لكم جميعاً أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء و الممرضات المحترمات. نرجو من الله تعالى، ثواباً لهذه الخدمات الجليلة و الجهود الثمينة جداً، أن يشملكم جميعاً و كل الممرضات في البلاد و مجموعة العاملين على شؤون السلامة في البلاد برحمته و هدايته و فضله.
كلامنا الإساسي لهذا اليوم و في هذا اللقاء هو تقديم الشكر لجهود الممرضات. و الحق أنه لمن المناسب أن يقدم المرء الشكر لكافة الممرضات في البلاد، و يقدِّر و يثمِّن هذا العمل الكبير المجهد و الوظيفة الجسيمة الملقاة على عواتقكم.
قضية الصحة و السلامة من أولى المسائل المهمة في حياة المجتمعات. و الحديث المعروف »نعمتان مجهولتان الصحة و الأمان« يشير حقاً إلى قضية أساسية و حيوية. الصحة و الأمن من النعم الكبرى التي ما لم يحرم منها الإنسان لا يدرك أهميتها و قيمتها، فهي كالهواء و التنفس. طالما تنفس الإنسان لم يدرك أهمية هذه النعمة المجانية المتوفرة في كل مكان، فإذا عسر التنفس شعر عندها الإنسان أي نعمة كبيرة فقدها. المنظومة الطبية و التمريض و سائر الأجهزة المعنية بالصحة هي في الواقع من يؤمِّن هذه النعمة الكبيرة للمجتمع. و دور الممرضة في هذه الغمرة دور بارز جداً. تعيش الممرضة حالة جهد و تحدّ روحي و نفسي دائمي؛ ليست القضية قضية الجسم و حسب، فهناك التعب الروحي و التعامل مع المريض المتوجع و الشعور بالواجب لتوفير العلاج الجسمي و الروحي و المعنوي لهذا المريض المتوجِّع. العملية جد استنـزافية و ثقيلة. و هذا الواجب تتحمله الممرضات.
كونوا واثقين أن كل لحظة و ثانية و دقيقة تقضونها في هذه المهنة، مع شعور بالواجب مقابل المريض و مقابل الإنسان المتألم المتوجع، تحصلون بها على حسنة من الله تعالى و أجر من الذات الربوبية. ما من ثانية تضيع في الحسابات الإلهية. ينبغي أن لا نتصور أن اللحظات الصعبة التي تقضيها الممرضة في رعاية المريض تغفل في الحسابات الإلهية.. ليس الأمر كذلك. كل لحظة تقضونها و كل جهد تبذلونه، و كل صبر و تحمّل تبدونه حيال الصعاب إنما هو حسنة و شيء جدير بالأجر، و الله تعالى يسجل جميع هذه اللحظات. يجب معرفة قدر هذه الأعمال الصعبة ذات التأثيرات الكبيرة و المهمة.
طبعاً، الواجبات أيضاً ثقيلة. يجب التنبه للواجبات. أخلاق التمريض كأخلاق الطبابة واجب و فريضة. أجركم كبير جداً و واجبكم أيضاً كبير. فالمريض إنسان و ليس آلة و لا هو مجموعة حديد و فولاذ و براغي و صامولات. إنه ليس مجرد جسم. روح الإنسان و مشاعره و عواطفه خصوصاً حينما يتمرض تتألم و تتوجع و تكون بمسيس الحاجة للطف و الرعاية. أحياناً تكون ابتساماتكم أكثر قيمة و أثراً من الدواء و العلاج المستخدم للمريض. المريض مضطرب و مستاء - خصوصاً المصابون بأمراض عصيّة - و مساعدته ليست مساعدة لجسمه و حسب. يجب معالجة جسمه بالأدوية و العلاجات و الحقن و التدابير الطبية، لكن روحه تعالج بالمحبة و اللطف و الرعاية و العطف. و أحياناً قد يعوض هذا العلاج الروحي عن العلاج الجسمي، و هذا شيء علمي ثبت بالتجارب حيث أن فرحة روح الإنسان و سروره العصبي و الشعوري يترك تأثيراً إيجابياً على جسمه. و هذا الأمر في أيديكم و في أيدي الممرضات.
تتولى الممرضة مهمة صعبة، و يكتب لها أجر عظيم، لكنها تتحمل في الوقت نفسه وظيفة جسيمة. هذه الموازنة بين الواجب و الأجر، و بين الحق و الواجب من الأركان الكبرى في المفاهيم و المباني الإسلامية. إعادة التأهيل الذي تحدثت عنه الوزيرة المحترمة - و هي عملية قيمة جداً - من المناسب أن تشمل لا القضايا العلمية فقط، بل و مجال أخلاق التمريض أيضاً. الحقيقة هي أنه يجب إعداد ميثاق أخلاقي للتمريض و يصار إلى تعليم و تدريس ميثاق التمريض أو معاهدة التمريض، لتعلم الممرضة عظمة عملها - و عظمة العمل هذه ملازمة لأهمية شخصيتها - و تقوم به كما هو حقه.
إنني أسأل الله القوة لكل الممرضات العزيزات في كافة أنحاء البلاد، خصوصاً أنتن الممرضات النموذجيات، و أدعو الله تعالى أن يعينكن و يوفقكن ليحفظ الكرام الكاتبون هذه القيمة العليا التي اخترتنها في عملكن و مهنتكن، و أن يثيبكن و يجعل عواقبكن على خير إن شاء الله.
يوم التمريض في الجمهورية الإسلامية مقرر في يوم ولادة السيدة زينب الكبرى (سلام الله عليها)، و لهذا معنى كبير. زينب الكبرى مثال مميز في التاريخ يدل على عظمة مساهمة المرأة في إحدى أهم قضايا التاريخ. حين يقال إن الدم انتصر على السيف في عاشوراء و في واقعة كربلاء - و الحق أنه انتصر - فالعامل و السبب في هذا الانتصار هو السيدة زينب. و إلا فالدم انتهى في كربلاء و اختتم الحدث العسكري بالانسكار الظاهري لقوات الحق في ساحة عاشوراء، لكن ما جعل هذا الانسكار العسكري الظاهري يتحول إلی انتصار حاسم دائم هو خصال السيدة زينب الكبرى و الدور الذي اضطلعت به. هذا شيء على جانب كبير من الأهمية. هذا شيء دلَّ على أن المرأة ليست على هامش التاريخ بل هي في الصميم من أحداث التاريخ المهمة. و القرآن ينطق بهذه الحقيقة في مواطن عديدة. بيد أن هذا يرتبط بالتاريخ القريب و ليس بالأمم الماضية. في حدث حيّ و ملموس يرى الإنسان زينب الكبرى تبرز في الساحة بعظمة مذهلة متألقة، و تفعل ما من شأنه إذلال و إهانة العدو المنتصر في المعركة العسكرية حسب الظاهر، و الذي قمع معارضيه و اتكأ على عرش الانتصار، و ذلك في مقر سلطته و اقتداره، و تصمه بوصمة العار الأبدية، و تقلب انتصاره إلى هزيمة. هذا ما فعلته زينب الكبرى. لقد أثبتت السيدة زينب (سلام الله عليها) أنه بالإمكان تدبيل الحجاب و العفاف النسوي إلى عزة جهادية و كفاح عظيم.
ما تبقى من كلمات زينب الكبرى، و وصلنا في هذا الزمن، يدل على عظمة التحرك الذي قامت به زينب. الخطبة الخالدة لزينب الكبرى في سوق الكوفة لم تكن كلاماً عادياً، و لا تصريحات و أقوالاً دارجة من شخصية كبرى، إنما كانت تحليلاً ضخماً لوضع المجتمع الإسلامي في تلك الفترة عرض بأجمل الكلمات و بأعمق و أغنى المفاهيم في تلك الظروف. لاحظوا قوة الشخصية كم كانت تلك الشخصية قوية. قبل يومين قتلوا في البيداء أخاها و إمامها و قائدها و كل أولئك الأحبة و الأعزاء و الشباب و الأبناء، و أسروا هذه الجماعة المؤلفة من عشرات النساء و الأطفال و جاءوا بهم على نوق الأسر أمام أنظار الناس، و جاء الناس يتفرجون، و البعض يهلهلون و البعض يبكون.. في مثل هذه الظروف المأزومة أشرقت فجأة شمس العظمة هذه، و استخدمت ذات اللهجة التي كان أبوها الإمام علي بن أبي طالب أمير المؤمنين يستخدمها على منبر الخلافة أمام الأمة.. تكلمت بنفس الطريقة، و بنفس الكلمات و نفس الفصاحة و البلاغة و بنفس علو المضامين و المعاني: »يا أهل الكوفة يا أهل الغدر و الختل«.. ربما صدّقتم أنكم من أتباع الإسلام و أهل البيت، لكنكم أخفقتم في الامتحان هكذا، و كنتم في الفتنة عميان مكفوفين.. »هل فيكم إلا الصلف و العجب و الشنف و الكذب و ملق الإماء و غمز الأعداء«.. لم يكن سلوككم و لسانكم على غرار قلوبكم. اغتررتم بأنفسكم و ظننتم أنكم مؤمنين و أنكم لا تزالون ثوريين و أنكم أتباع لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب، بينما لم تكن حقيقة الأمر هكذا. لم تستطيعوا مواجهة الفتنة و إنقاذ أنفسكم »مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً«.. بعدم التوفر على البصيرة، و عدم معرفة الأجواء و الظروف، و عدم تمييز الحق من الباطل أبطلتم ماضيكم و فعالكم. الظاهر ظاهر إيماني و الأفواه مليئة بالدعاوى الثورية، لكن الباطن أجوف لا مقاومة فيه حيال رياح المعارضة.. هذه هي الآفة.
بهذه البيان المتين و هذه الكلمات البليغة، و في تلك الظروف الصعبة تحدثت بهذه الطريقة. لم يكن أمام السيدة زينب عدد من المستمعين المصغين تخطب فيهم كما يخطب أي إنسان لمستمعيه، كلا، إنما أحاط بها الأعداء يحملون الرماح و السلاح، و حولها أيضاً عدد من الناس ذووي أحوال مختلفة.. أولئك الذين أسلموا مسلم بن عقيل لعبيد الله بن زياد، و الذين كتبوا الرسائل للإمام الحسين و لم يفوا بها.. الذين يوم كان يجب أن يحاربوا ابن زياد اختفوا في بيوتهم - هؤلاء هم الذين كانوا في سوق الكوفة - و كان هناك بعض المنهزمين ضعفاء النفوس راحوا يتفرجون الآن و يرون أبنة أمير المؤمنين فيبكون. كانت السيدة زينب أمام هذه الجماعة غير المتجانسة التي لا يمكن الثقة بها، لكنها تحدثت بتلك الصلابة.. إنها سيدة التاريخ.. لم تكن هذه السيدة ضعيفة. لا يمكن اعتبار المرأة ضعيفة. هكذا يفصح الجوهر النسوي المؤمن عن نفسه في الظروف العصيبة.. هذه هي المرأة النموذجية. نموذج لكل الرجال العظماء و النساء العظيمات في العالم. تشخّص آفات الثورة النبوية و الثورة العلوية، و تقول للناس إنكم لم تستطيعوا في الفتنة تشخيص الحق و النهوض بواجباتكم، و كانت النتيجة أن يرتفع رأس فلذة كبد الرسول فوق الرماح. هنا يمكن فهم عظمة زينب.
يوم الممرضة يوم ولادة السيدة زينب، و هذا تنبيه لنسائنا بأن يجدن دورهن و يمارسنه و يدركن عظمة المرأة في المزج بين الحجاب و الحياء و العفاف النسوي و بين العزة الإسلامية و الإيمانية. هكذا هي المرأة المسلمة.
أراد العالم العربي الفاسد إقحام نموذجه و أساليبه الخاطئة المنحرفة المهينة للمرأة بالقوة في أذهان العالم: فالمرأة من أجل أن تبرز شخصيتها يجب أن تروق لأعين الرجال. هل هذه هي شخصية المرأة؟! يجب عليها ترك الحجاب و العفاف، و التبرج من أجل إرضاء الرجال. هل هذا تكريم للمرأة أم إهانة لها؟ هذا الغرب الثمل المجنون الجاهل، بتأثير من الأيدي الصهيونية، يرفع هذه الأمور باعتبارها تكريماً للمرأة، و البعض يصدقونه. ليست عظمة المرأة في أن تستطيع اجتذاب أنظار الرجال و نزواتهم. هذه ليست مفخرة للمرأة و لا تكريم للمرأة، بل هي إهانة للمرأة. عظمة المرأة في أن تستطيع الحفاظ على حجابها و حيائها و عفافها النسوي الذي أودعه الله في جبلّتها و طبيعتها، و تمزج ذلك بالعزة الإيمانية و الشعور بالواجب و التكليف، و تستخدم ذلك اللطف في مكانه، و تستخدم هذه الصرامة و القوة الإيمانية أيضاً في مكانها. هذه التركيبة الظريفة تختص بالنساء.. هذا المزيج من اللطف و الصرامة شيء خاص بالمرأة. إنها ميزة منحها الله تعالى للمرأة. لذلك جاء نموذج الإيمان في القرآن - و ليس نموذج الإيمان النسوي بل نموذج الإيمان لكل البشرية رجالاً و نساءً - في إمرأتين اثنتين: »و ضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون«(1) و »مريم ابنة عمران«(2) إحداهما زوجة فرعون، و الثانية السيدة مريم. هذه إشارات و علامات توضّح منطق الإسلام.
ثورتنا ثورة زينبية. منذ بداية الثورة مارست النسوة أبرز الأدوار في هذه الثورة. سواء في الثورة نفسها أو في ملحمة الدفاع المقدس التي استمرت ثمانية أعوام، كان دور الأمهات و الزوجات، إن لم نقل إنه أثقل و أوجع و أحوج إلى الصبر من دور المجاهدين أنفسهم فإنه ليس بأقل منه دون شك. الأم التي ربّت ابنها الشاب و عزيزها و زهرة حياتها لثمانية عشرة سنة أو عشرين سنة أو أقل أو أكثر، و أنشأته بعطفها و أمومتها، تدفعه الآن إلى ساحة الحرب بحيث لا تضمن حتى عودة جسده. أين هذا من ذهاب الشاب نفسه إلى الجبهة، و طبعاً يسير ذلك الشاب بحماس و هياج الشباب و الإيمان و الروح الثورية نحو سوح التضحية. ما تقوم به تلك الأم إذا لم يكن أكبر مما يقوم به ذلك شاب فهو ليس بأقل منه. ثم حينما يعود جسده تفخر بأن ابنها قد استشهد. هل هذا بالشيء القليل؟ كانت هذه الأعمال النسوية الزينبية في ثورتنا.
أعزائي، أخواتي و إخواني، هكذا تقدمت ثورتنا و سارت. قوة هذه الثورة و عظمتها في هذه الأمور.. في الانشداد إلى المعنويات و الانبهار باللطف الإلهي. حينما يريد العدو التشمّت بزينب الكبرى لما نزل بها، تقول له: »ما رأيتُ إلا جميلاً«.. إخوتها و أبناؤها و أعزاؤها و أقرب أعوانها تقطعوا أمام عينيها إرباً إرباً و تمرغوا في الدماء و التراب و أريقت دماؤهم و رفعت رؤوسهم فوق الرماح، و تقول: »ما رأيت إلا جميلاً«. فأي جمال هذا؟ استذكروا هذا الجمال مع ما نقل عن زينب الكبرى بأنها لم تنقطع عن صلاة الليل حتى في ليلة الحادي عشر من المحرم. طوال فترة أسرها لم يضعف انقطاعها إلى الله و انشدادها إليه تعالى و علاقتها به عزّ و جلّ، بل ازدادت و تضاعفت. هذه المرأة هي النموذج.
هذه الرشحات المنبثة عن تلك الحقيقة في مجتمعنا و ثورتنا، هي التي منحت الثورة عظمتها، و هي ما جعلت شعب إيران، على الرغم من أنوف الأعداء، يتألق اليوم كمصدر إلهام أمام الشعوب. الشعب الإيراني اليوم مصدر إلهام للشعوب المسلمة. و طبعاً، لا يستسيغ الأعداء هذا الشيء و يحاولون كتمانه، لكن هذا هو واقع القضية.
ليست قوة هذا الشعب بالصواريخ و المدافع والدبابات و الطائرات و المعدات الحربية.. هذه الأشياء ضرورية بدورها و نحن نمتلكها و الحمد لله .. بيد أن اقتدار هذا الشعب بإيمانه. لقد تقدم شعبنا بتوفيق من الله و هدايته و عونه و حقق قفزات واسعة على مستوى الصلائد أيضاً. الإمكانيات التي نمتلكها حالياً لا تقبل المقارنة بإمكانياتنا في بداية الثورة - و قبل الثورة من باب أولى - و لا تقبل المقارنة بالكثير من البلدان التي لم تعش هذه المتاعب سنين طوالاً و كانت متكئة على مساعدات الأجانب و الأعداء. الحمد لله فإن شعب إيران متقدم كثيراً في هذه المجالات أيضاً. لكن هذه الأمور لا تمثل مصدر قوتنا. الإيمان هو مصدر قوة البلد الإسلامي و الشعب الإسلامي، و لا يختلف لديه الأمر إنْ كان يمتلك أسباب القوة المادية أو لا يمتلك. وقف هذا الشعب قبل ثلاثين عاماً. و هو يتعرض للحصار و التهديد و الهجمات العسكرية منذ ثلاثين عاماً، حيث عمل الأعداء بخبث و عملت ضد الشعب شبكات سياسية أمنية معقدة، لكن الشعب رشد و تطوّر يوماً بعد يوم و تقدم إلى الأمام، لم يتراجع إلى الوراء و لم يراوح في مكانه، و ليس هذا و حسب بل تقدم إلى الأمام، و كان تطوره فوق الحدود و المعدلات الدارجة للتطور. إذن، عظمة شعب إيران بسبب جوهره الإيماني.
وإذا بهؤلاء الحمقى يأتون الآن ليهددوا شعب إيران! رئيس جمهورية أمريكا هدّد الأسبوع الماضي بالسلاح النووي بلغة التلويح و الإشارة. هذه التهديدات لا جدوى لها مع شعب إيران، لكنها تحوّلت إلى وصمة عار في التاريخ السياسي لأمريكا، و نقطة سوداء في ملف الحكومة الأمريكية.. التهديد النووي؟! لقد أتضح للعالم ما الذي يخفونه وراء مسرحيات حب السلام و الإنسانية و الالتزام و الإصرار على المعاهدات النووية. اتضح ما الذي يختفي وراء كواليس مسرحية مدّ يد الصداقة. تحوّلت أدبيات الثعالب إلى أدبيات الذئاب. كانوا يقولون لحد الآن: نحن نمدّ يد الصداقة.. و نحن كذا و كذا.. و اتضح الآن ماذا وراء الكواليس.. تبيّن ما الذي تنشده طبيعتهم السفاحة المتعطشة للسلطة و الهيمنة. إنهم يريدون جعل القدرة النووية وسيلة للهيمنة على الدنيا. هكذا هي كل القوى النووية، كلهم يجعلون هذه القوة وسيلة و أداة ليستطيعوا الهيمنة على الشعوب و العالم. لم يوقع أي منهم هذه المعاهدات النووية للوكالة الدولية للطاقة الذرية و لم يوافقوها، و لا يعملون بها من باب أولى. هؤلاء كذابون مفضوحون، لكنهم يُشكلون على البلدان الأخرى و يؤاخذونها بأنها لم تعمل بالجزء الفلاني و البند الفلاني من المعاهدة. يريدون أن لا يكون لهم منافس في مجال الطاقة النووية و السلاح الذري.. هذه هي المسألة.
سياستنا النووية واضحة. قلنا مراراً و كررنا: إننا لسنا ممن يستخدمون أسلحة الدمار الشامل، و لكن ليعلموا أنهم في مواجهتهم للشعب لن ينتفعوا شيئاً من هذه التهديدات و الكلمات الكبيرة. الشعب الإيراني سوف يذلهم و يفرض عليهم الركوع رغم كل ادعاءاتهم.
ليس من حق المحافل و الأروقة العالمية أن تترك هذا التهديد الذي أطلقه رئيس جمهورية أمريكا و تنساه.. يجب عليها متابعته و الإمساك بتلابيبه. لماذا تهدد نووياً؟ لماذا تهدد الدنيا بالدمار؟ لماذا تتجرأ على مثل هذه الحماقات؟ يجب أن لا يتجرأ أي شخص على تهديد البشرية بمثل هذا الشيء؟ حتى ذكر هذه الأشياء حماقة. حتى لو قالوا: لا، نحن لا ننوي ذلك، و قد أخطأنا حين تفوهّنا بهذا الكلام. يجب حتى أن لا يتفوهوا به.. بمثل هذا الشيء الذي يهدد السلام البشري. لا يمكن المرور بسهولة إزاء تهديد أمن المجتمع العالمي.
الشعب الإيراني طبعاً عصيّ على الهزيمة مقابل هكذا كلمات. لا يمكنكم فرض التراجع على شعب إيران بمثل هذه الأشياء. سوف لن نسمح للأمريكان بإعادة هيمنتهم الجهنمية على بلادنا عبر هذه الوسائل و الأدوات.. هذا شيء لن يسمح به شعب إيران. لا تزال تراودهم أحلام تلك الهيمنة التي فرضوها على هذا البلد سنين طوالاً عن طريق خيانة الحكومة البهلوية الطاغوتية لعنة الله و عباد الله عليها. يحلمون بتلك الأيام. و الشعب الإيراني لن يسمح بمثل هذا الشيء.
إننا و على الرغم من إرادة العدو، سوف نتقدم في كل الميادين بتوفيق من الله و عونه وفضله.. اعلموا هذا. شبابنا يسعون سعيهم. و سوف يتغلب الإيمان المتصاعد لشبابنا و البصيرة المتنامية لشعبنا على هذه التهديدات إن شاء الله، و كذلك على الحيل و الأخاديع التي يراد منها إفساد الأوضاع الداخلية للبلاد، من قبيل ما شوهد في سنة 88.
شعبنا شعب ذو بصيرة و إيمان. نرجو من الله تعالى ببركة الأدعية الزاكية لسيدنا بقية الله المهدي المنتظر (أرواحنا فداه) أن يزيد من هذه البصيرة لدى شعبنا يوماً بعد يوم، و أن ينصر شعبنا في جميع الميادين و يعزّه، و سوف ترون أنتم الشباب إن شاء الله في مستقبل ليس ببعيد عظمة بلدكم و تقدمه و حاجة هذه القوى الكبرى لكم.
رحمة الله على الروح الطاهرة لإمامنا الجليل و على أرواح الشهداء المطهرة. نتمنى على الله تعالى أن يوفقكم و يؤيدكم و ينصركم جميعاً.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
الهوامش:
1 - سورة التحريم، الآية 11.
2 - سورة التحريم، الآية 12.