تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
  • English
  • Français
  • Español
  • Русский
  • हिंदी
  • Azəri
  • العربية
  • اردو
  • فارسی
  • الرئيسية
  • الأخبار
  • خطابات
  • أفكار ورؤی
  • مرئيات
  • السيرة
  • قضايا وآراء
  • مؤلفات
  • إستفتاءات
  • خط حزب الله
خطابات
الخطابات
القرارات
رسائل ونداءات
مخطّط بياني

كلمة الإمام الخامنئي في الجامعيين بمحافظة كردستان

بسم الله الرحمن الرحيمهذه الجلسة التي أقيمت بحضوركم أيها الشباب و الطلبة الجامعيون و المثقفون، في هذه الأجواء الجامعية، لهي جلسة جد مثمرة و باعثة على الأمل.اجتماع الشباب - خصوصاً حينما يكون في بيئة جامعية و عندما يحضره الطلبة و الأساتذة الجامعيون و الشخصيات الواعية المثقفة - يبعث الأمل في نفس المتحدث و المستمع و في نفوس عامة الشعب. مع أنني على معرفة بالمجاميع الطلابية، و كان و لا يزال لي على مدى سنوات طويلة، ارتباطي و الحمد لله بالجامعيين، و سيبقى هذا الارتباط قائماً في المستقبل أيضاً إن شاء الله، و أعرف جيداً ما يتمتع به الطالب الجامعي من روح تنشد التقدم و الإبداع و الحركة و النشاط و النضارة، مع ذلك فإن مشاهدة هذه الجموع الحاشدة، و الاستماع لما قاله هنا أعزاؤنا - من الطلبة و الشباب و الأساتذة الجامعيين - يبعث في الإنسان مزيداً من الأمل. بهذه الروح و بهذه الفاعلية و التوثب نكون على ثقة، و ليكن الجميع أيضاً على ثقة، بأن مستقبل نظام الجمهورية الإسلامية - حينما يكون البلد بأيديكم أيها الشباب - متقدماً على الحاضر بكثير و ستكون البلاد أفضل بكثير مما هي عليه راهناً. كما أننا لم نتوقف عن التقدم و الحمد لله منذ اليوم الأول للثورة و إلى الآن، كذلك أتوقع بأن تتصاعد وتيرة هذه الحركة التقدمية في الأعوام المقبلة بفضل هذه الصحوة الشبابية التي نلاحظها فيكم و اهتمامكم للعلم و للمبادئ و شعوركم بالمسؤولية. إنني لم أصدق أبداً الكلام السلبي الذي يطلقه البعض بدافع العصبية، و يقوله البعض الآخر هنا و هناك من منطلق الغلفة، حيث يصورون جيل الشباب معرضاً عن المبادئ و القيم، و لن أصدقه في المستقبل أيضاً. شبابنا يتقدمون إلى الأمام و لهم أهدافهم، و كلهم تفاؤل و أمل، و يرتكزون إلى أسس متينة، و سوف يحملون بنجاح إن شاء الله هذه الأعباء الثقيلة بفضل طاقاتهم الشبابية.قبل أن أخوض في الفكرة التي تعتمل في ذهني و أروم طرحها، لنلق نظرة على الأفكار التي أثارها الأعزاء هنا. ذكروا أفكاراً حسنة على العموم، و السبل و الحلول التي اقترحوها هي أيضاً صحيحة و مفيدة، و معظمها يتصل بقضايا العلم و التقنية و البيئة الجامعية و المختبرات و رفع مستوى الجودة و اقتراحات شتى تشدد و تدعم الصناعة ذات الأسس العلمية، و أمور من هذا القبيل و كلها مما نوافقه و نؤيده. و كانت في هذه الكلمات نقاط جديدة أتمنى أن يلتفت إليها السادة الحاضرون هنا، وزير العلوم المحترم و وزير الصحة المحترم و معاون رئيس الجمهورية للشؤون العلمية المحترم، سواء النقاط المتعلقة باستقطاب النخب أو ما يتعلق بالاتصالات اللازمة و سائر الاقتراحات التي ذكرت. اعتقد أنها اقتراحات جيدة جداً و يجب الاهتمام بها كلها. و سأطلب من الإخوة المسؤولين، بعد العودة من السفر إن شاء الله، تزويدي بتقرير حول تنفيذ هذه الاقتراحات في حدود المعقول و الممكن.إبنتنا العزيزة قدمت اقتراحاً بشأن »مجلس الطلبة الجامعيين«. الاسم جميل، لكن الأنشطة الاستعراضية لا تحلّ مشكلة من مشاكل الطلبة الجامعيين و لا من مشاكل البلاد. يجب أن نقلل ما استطعنا من الأعمال و المشاريع الظاهرية و السطحية و الاستعراضية و الشعاراتية، و نركز اهتمامنا أكثر فأكثر على المشاريع التأسيسية و الرئيسية و الحقيقية و التي تحقق لنا التقدم. لنفترض أن مجلس الطلبة الجامعيين قد تشكّل، لاحظوا كم ستأخذ انتخابات هذا المجلس من وقت الطلبة الجامعيين في البلاد! من أية جامعة و من أية مدينة، و من أية ميول، و من أية اتجاهات فكرية أو سياسية و المعارضات و... إلى آخره! كل هممنا الآن منصبة على تأجيج مشعل العلم و البحث العلمي في البيئة الجامعية و الطلابية. ثم إن ابنتنا العزيزة اقترحت أن يكون لهذا المجلس قدرات و صلاحيات تنفيذية. إذا كان مجلساً فلماذا تكون له صلاحيات تنفيذية؟ هو يتخذ القرارات و هو ينفذها؟! لاحظوا ما الذي سيحلّ بالجامعات إذا ألقينا عليها مثل هذه الأعباء و المهام! إنني أوافق مائة بالمائة الاهتمام بالطالب الجامعي و العناية به و الاستماع لكلامه و مداراته و مساعدته، لكن ليس هذا هو السبيل لذلك.ابنتنا العزيزة هذه تحدث بشكل جميل و حماسي جداً. نحن الشيوخ بدورنا حينما يتحدث شاب بهذا الهياج و الحماس نشعر بحالة شبابية. و أضافت: إن على هذا المجلس إيصال صوت الطلبة الجامعيين للمسؤولين. أرى أن اجتماعكم هذا الذي أنتم فيه أفضل من مجلس الطلبة الجامعيين.. أكثروا من هذه المجالس. من أسباب ذهابي إلى الجامعات - في كل سفرة من أسفاري لا بد أن أضع لنفسي اجتماعاً بالطلبة الجامعيين، و في طهران أقصد أحياناً الجامعات المختلفة - هو رغبتي في أن ينفتح المسؤولون على الجامعات و يقصدونها و يتحاورون مع الطلبة الجامعيين مباشرة. الكلام الذي تحدثتم به اليوم سيبث من الإذاعة و التلفزيون و ستكون له أصداؤه في كل البلاد. استمعت له أنا بوصفي أحد المسؤولين، و استمع له المسؤولون الجامعيون، و سيصل إلى اسماع سائر المسؤولين، فأية وسيلة أفضل من هذه؟ زيدوا ما استطعتم من هذه الجلسات و الاجتماعات الطلابية الجامعية بهذا النحو الصميمي المنفتح الخالي من المجاملات. لا أوافق كثيراً أن يأتي الأعزة هنا و يستخدموا عبارات المبالغة بشأني أنا الإنسان الصغير الضعيف. دعوا التواصل يأخذ شكلاً صميمياً ودياً و طبيعياً أكثر. ليقل الطلبة الجامعيون آراءهم و يطرحوا أفكارهم و ليستمع المسؤولون. و أحياناً يكون لدى المسؤولين أيضاً ما يقولونه للطلبة، فليقولوه. على كل حال، الجلسة جلسة جيدة جداً، و أتقدم بالشكر للذين تحدثوا هاهنا فرداً فرداً.الموضوع الذي أروم إثارته موضوع ذو صلة بطبيعة الشباب و ماهية الطلبة الجامعيين مائة بالمائة، و فيه نظرة استشرافية للمستقبل، فالمستقبل لكم. كل ما نقوله اليوم عن المستقبل هو في الحقيقة نظرة و كلام و إشارات لفترة زمنية هي لكم أنتم، و وجودكم الحقيقي في تلك الفترة هو الذي سيحسم الأمور و يعالج القضايا. هذا الموضوع الذي يستشرف المستقبل هو شعار العقد الرابع الذي دخلنا فيه: التقدم و العدالة. لقد أعلنا أن هذا العقد هو عقد التقدم و العدالة. طبعاً بمجرد الإعلان و الكلام لن يحصل تقدم و لن تحصل عدالة، لكن التبيين و التكرار و ترسيخ الهمم و العزائم يساعد في حصول التقدم و العدالة. أردنا تحويل التقدم و العدالة إلى خطاب وطني في العقد الرابع. علينا جميعاً أن نطلب هذا الشيء و نريده. فما لم نرده لن يحصل التخطيط و البرمجة و العمل و التنفيذ، و سوف لن نصل إلى النتيجة. يجب تبيين المسألة. أريد أن أتحدث عن قضية التقدم بعض الشيء. و لقضية العدالة بدورها بابها الواسع و تفاصيلها المطولة.بداية استعرض الشكل العام للبحث و أحاول أن أوجز و أختصر ما استطعت إلى ذلك سبيلاً. أذكر بعض خصائص التقدم و سماته ليتضح الشكل العام و الصورة الكلية التي نحملها في أذهاننا للتقدم - و هذا هو الشطر الأكبر من البحث - ثم نستعرض بعض الشروط التمهيدية للتقدم. ثم إذا كان ثمة وقت و مجال أشرنا إلى بعض العقبات التي تعتور هذا الطريق، و الأضرار و الآفات التي قد تصيبنا في هذا السبيل.بخصوص الجانب الأول - أي تبيين الشكل العام للتقدم - أذكر عدة نقاط تكوّن بمجموعها الشكل العام الذي نبتغيه.النقطة الأولى هي أننا حينما نقول »تقدم« يجب أن لا تتبادر إلى أذهاننا التنمية بمفهومها الغربي الدارج. التنمية اليوم مصطلح شائع في الأدبيات السياسية و العالمية و الدولية. قد تكون للتقدم الذي نتحدث عنه أوجه اشتراك مع ما يفهم من التنمية عالمياً - و ثمة مثل هذه الوجوه المشتركة بالتأكيد - لكن لكلمة التقدم في منظومة مفرداتنا معناها الخاص الذي يجب عدم الخلط بينه و بين التنمية الغربية، بنفس ما لها من خصوصيات و مواصفات. لقد مارس الغربيون على مدى السنين تكتيكاً إعلامياً يتسم بالشطارة و هو أنهم صنفوا بلدان العالم إلى متقدمة و نامية و متخلفة. يتصور للوهلة الأولى أن البلدان المتقدمة هي تلك التي تتوفر على التقنية و العلوم المتطورة، و البلدان النامية و المتخلفة هي التي لا تتوفر على هذه العناصر، و الحال أن القضية ليست كذلك. لعنوان البلدان المتقدمة - و العنوانين الذين يلياه أي النامية و المتخلفة - مضمون قيمي و جانب تقييمي. فحينما يقولون بلد متقدم يعنون في الحقيقة البلد الغربي بكل خصوصياته الثقافية و آدابه و سلوكه و توجهاته السياسية. هذا هو معنى البلد المتقدم. و البلد النامي هو البلد السائر في طريق التغريب. و المتخلف هو البلد غير الغربي و الذي لا يسير نحو أن يكون غربياً. هكذا يريدون تفسير الموضوع. تشجيع البلدان على التنمية في الثقافة الغربية المعاصرة هو في الواقع تشجيعها على التغريب! يجب أن تتنبهوا لهذه النقطة. نعم، ثمة نقاط إيجابية في سلوك و أعمال و شكل و ظاهر البلدان الغربية المتقدمة - و قد أشير إلى بعضها - و إذا تقرر أن نتعلم هذه النقاط فسوف نتعلمها، و إذا تقرر أن نتتلمذ فسوف نتتلمذ. و لكن نعتقد أنه توجد إلى جانب ذلك مجموعة من القيم السلبية في تلك البلدان. لذلك لا نوافق على الإطلاق حالة التغريب، أو التنمية حسب المصطلح و المفهوم الغربي. و التقدم الذي ننشده شيء آخر.النقطة الثانية هي أن التقدم ليس له نموذج واحد لكل البلدان و المجتمعات في العالم. ليس للتقدم معنى مطلق. الظروف المختلفة - الظروف التاريخية، و الجغرافية، و الجغرافية السياسية، و الظروف الطبيعية، و البشرية، و ظروف الزمان و المكان - تؤثر في خلق نماذج التقدم. قد يكون هذا النموذج للتقدم مناسباً للبلد الفلاني، و هو نفسه غير مناسب لبلد آخر. و بالتالي، لا يوجد نموذج واحد للتقدم يجب أن نعثر عليه و نتجه نحوه و نحقق كافة أجزائه و عناصره في أنفسنا. ليس ثمة شيء كهذا. التقدم في بلدنا - بظروفنا التاريخية و الجغرافية و في ضوء أوضاعنا و حال شعبنا و آدابنا و ثقافتنا و تراثنا - له نموذجه الخاص الذي يجب أن نبحث عنه و نجده. ذلك النموذج هو الذي سيأخذ بأيدينا إلى التقدم، و لن تنفعنا وصفة أخرى، سواء وصفة التقدم الأمريكي، أو وصفة التقدم الأوربي الشمالي - البلدان الأسكندنافية، و هي من سنخ مختلف - أي من هذه لا يمكن أن تعدّ نموذجاً منشوداً للتقدم في بلدنا. علينا تحري النموذج المحلي الخاص بنا. و ميزتنا ستكون في أن نستطيع إيجاد النموذج المحلي للتقدم الذي يتناسب و ظروفنا. حينما أثير هذه القضية هنا في البيئة الجامعية فمعنى ذلك أنكم الطلبة الجامعيين و الأساتذة و الجامعيين عموماً من يجب أن ينهض بهذا البحث و المتابعة و التحري بكل جد و اجتهاد، و سوف تستطيعون ذلك إن شاء الله.النقطة التالية أيضاً نقطة مهمة بدورها: المباني المعرفية مؤثرة في نمط التقدم المنشود أو غير المنشود. لكل مجتمع و لكل شعب مبانٍ معرفية و فلسفية و أخلاقية تتسم بأنها مصيرية و مهمة و حاسمة و تقول لنا أي تقدم هو المحبذ و أي تقدم غير محبذ و يجب أن يستبعد. الشخص الذي نادى ذات يوم، عن جهل و صبيانية، أنه يجب أن نكون غربيين و أوربيين من قمة رأسنا إلى أخمص قدمينا، لم يلتفت إلى أن لأوربا سابقتها و ثقافتها و مبانيها المعرفية التي يقوم عليها تقدمها. و قد لا تكون بعض تلك المباني مقبولة عندنا أي إننا نعتبرها خاطئة مغلوطة. لدينا مبانينا المعرفية و الأخلاقية الخاصة بنا. تحمل أوربا في ملفها سابقة محاربة الكنيسة للعلوم خلال القرون الوسطى، و يجب عدم الغفلة عن المحفزات و ردود الأفعال التي ميّزت النهضة العلمية في أوربا ضد تلك الظاهرة و الماضي. تأثير المباني المعرفية و الفلسفية و الأخلاقية كبير جداً على نمط التقدم الذي يريدون اختياره. مبانينا المعرفية تقول لنا إن هذا التقدم مشروع أو غير مشروع، و هل هو محبّذ أو غير محبّذ، و هل هو عادل أم غير عادل.لنفترض أن مجتمعنا تسوده محورية الربح، بمعنى أن جميع الظواهر في العالم تقاس عند ذلك المجتمع بمعيار المال. ما هي القيمة المالية و الربح المادي لكل شيء؟ هذه هي الحالة الشائعة اليوم في جزء كبير من العالم: يُقاس كل شيء بالمال! قد تكون هناك بعض الممارسات القيمية و المبدئية في ذلك المجتمع - لأنها توصلهم إلى المال - و لكن في المجتمع الذي يكون فيه المال و الربح محور الأحكام و الأفكار قد تعتبر نفس تلك الممارسة خاطئة و سلبية. أو قد تسود مجتمع من المجتمعات أصالة اللذة. لماذا تعتبرون هذا العمل مباحاً؟ لماذا تبيحون المثلية الجنسية؟ يقولون: لأن في ذلك لذة، و الإنسان يلتذ منه! هذه هي أصالة اللذة. إذا سادت أصالة اللذة على المجتمع و على ذهنية عموم الناس أبيحت بعض الأشياء. و لكن حينما تتنفسون داخل إطار فلسفة معينة و إيديولوجيا معينة و نظام أخلاقي معين لا تسوده أصالة اللذة، و قد تكون فيه بعض اللذائذ الممنوعة و غير المشروعة، لكن اللذة فيه ليست ترخيصاً لفعل هذا الشيء و ذاك الشيء، و ليست ضوءاً أخضر لاتخاذ القرارات أو إضفاء الشرعية على شيء، هنا لا يمكنكم اتخاذ القرارات كما في مجتمع تسوده أصالة اللذة، فالمباني المعرفية مختلفة.أو إذا كان المال يحظى في مجتمع ما أو في منظومة أخلاقية ما باحترام مطلق. و ليس من المهم من أين جاء هذا المال. قد يكون مصدره استغلال الآخرين، و قد يكون جاء و حصل بفعل ممارسات استعمارية، أو عن طريق نهب و غارات، الأمر لا يختلف عندهم لأنه مال على كل حال. طبعاً، إذا جرى التصريح بهذه الأمور في العصر الحاضر - في المجتمعات المبتلاة بهذه الأمور - قد تنكر و تستنكر، لكن إذا نظرنا لتاريخهم اتضحت حقيقة القضية. في أمريكا تبدو جذور الحرية الفردية و الليبرالية التي يفاخرون بها و تعد من القيم الأمريكية ضاربة في الحفاظ على الثروة الشخصية. أي في البيئة التي ظهرت فيها أمريكا و الناس الذين تجمعوا في أمريكا يومذاك، كان الحفاظ على ثمار النشاط و المساعي المادية بحاجة إلى احترام الثروة الشخصية للأفراد احتراماً مطلقاً. و طبعاً لهذه القضية حكايتها الطويلة من الزاوية علم الاجتماع و بنظرة واقعية للمجتمع الأمريكي. يوم تحولت منطقة أمريكا - و ليس النظام السياسي الحاكم في أمريكا - مكاناً لكسب المال و الثروة بما لها من أرضيات طبيعية مربحة، كان غالبية الذين تجمعوا في أمريكا يومذاك مغامرين هاجروا من أوربا و قطعوا المحيط الأطلسي المتلاطم ليصلوا إلى تلك الأرض. لم يقصد تلك الأرض أيٌّ كان. من كانت له في أوربا حياته و عمله و عائلته و أصالته لم يكن ليتركها و يقصد أمريكا. كان يقصدها أشخاص إما مفلسون مالياً أو مطلوبون للقضاء و العدالة، أو مغامرون. تعلمون أن المحيط الأطلسي أكثر بحار العالم تلاطماً و اضطراباً، و اجتياز هذا المحيط و الانتقال من أوربا إلى أرض أمريكا يستدعي بالطبع نصيباً من المغامرة. مجموعة من هؤلاء المغامرين شكلوا على الأغلب - ولا أقول كلهم - المهاجرين الأوائل إلى أمريكا. و إذا أريد لهم أن يعيشوا إلى جوار بعضهم و أن ينتجوا الثروة يجب إضفاء قيمة مطلقة على الثروة الشخصية، و هذا ما حصل. تلاحظون في أفلام الكاوبوي - طبعاً هذه الأفلام لا تمثل الواقع مائة بالمائة فهي أفلام و قصص على كل حال، بيد أن علامات الواقع واضحة فيها تماماً - أن القاضي يجلس و ينظر و يحكم في قضية بقرة سرقها شخص من قطيع شخص آخر، و يحكم على السارق بالإعدام ثم يشنقونه! كل هذا لكي تكون للثروة الشخصية و للملكية الخاصة قيمة مطلقة. في مثل هذا المجتمع ليس من المهم من أين يأتي المال.في المجتمعات الغربية جاء المال على العموم عن طريق الاستعمار. الثروة التي أصابتها بريطانيا في القرن الثامن عشر و التاسع عشر و استطاعت بفضل تلك الثروة و الأموال و الذهب أن تفرض سياستها على عموم أوربا و المناطق الأخرى، هذه الثروة حصلت للبريطانيين عن طريق استعمار البلدان الشرقية و خصوصاً شبه القارة الهندية، حيث نهبوا شبه القارة الهندية و بلدان تلك المنطقة.. راجعوا التاريخ و أقرأوه؛ الحق أنه لا يمكن تلخيص ما فعله هؤلاء بالهند في كلمة أو كلمتين. عصر البريطانيون ثروات الهند و تلك المناطق - و هي مناطق ثرية جداً - كما تعتصر الرمانة، و ذهب الربح كله لخزينة الحكومة البريطانية فتحولت بريطانيا إلى بلد ثري! لا يسأل هنا من أي جاءت هذه الثروة فهي ثروة لها احترامها و يجب أن تحترم! التقدم في هذا البلد له معنى، و في البلد الذي يحرِّم الاستعمار و يحرم الاستغلال و يمنع الغارة و النهب و يحرِّم الغصب و يمنع الاعتداء على حقوق الآخرين و أخذ أموالهم، يكتسب التقدم معنى آخر. إذن، المباني المعرفية و الأخلاقية و المبادئ الفلسفية لها دورها الهام في تعريف التقدم في البلد.النقطة الأخرى هي أننا حينما نستعرض نقاط اختلاف التقدم حسب المنطق الإسلامي عن التنمية الغربية، يجب أن لا ننسى نقاط الاشتراك. فثمة نقاط اشتراك في تنمية البلدان المتقدمة. روح المخاطرة - و هي للحق و الإنصاف من الخصال الحسنة عند الأوربيين - و روح الإبداع، و المبادرة و الانضباط، هذه أمور و أحوال ضرورية جداً، و أي مجتمع يفتقر لهذه الصفات لن يكتب له التقدم. هذه أمور ضرورية. إذا لزم أن نتعلم هذه الأمور فسنتعلمها، و إذا كانت موجودة في مصادرنا فعلينا أخذها من هناك و العمل بها.النقطة التالية تتعلق بمفردة العدالة. قلنا إنه عقد التقدم و العدالة. و لهذا معنى كبير جداً. لنفترض أن من المؤشرات المهمة زيادة الدخل الإجمالي الوطني للبلدان. البلد الفلاني دخله الإجمالي الوطني عدة آلاف من المليارات، و البلد الفلاني لا يساوي دخله سوى معشار البلد الأول. إذن، البلد الأول أكثر تقدماً. هذا ليس بالمنطق الصحيح. زيادة الدخل الإجمالي الوطني - أي الدخل العام للبلاد - لا يدل لوحده على التقدم، إنما ينبغي النظر كيف يجري تقسيم هذا الدخل و توزيعه. إذا كان الدخل الوطني عالياً جداً، لكن يوجد في نفس هذا البلد أفراد ينامون ليلهم في الشوارع و يموت الكثير منهم في درجة حرارة تبلغ اثنين و أربعين، فهذا لن يكون تقدماً. لاحظوا ما يأتي في الأخبار: في المدينة الغربية الفلانية المعروفة - في أمريكا مثلاً أو مكان آخر - بلغت درجة حرارة الهواء اثنين و أربعين درجة مئوية و مات كذا عدد من الناس بسبب الحر! لماذا يموتون في درجة حرارة اثنين و أربعين؟ معنى ذلك أنهم بلا مأوى و لا سكن إذا كان هناك أناس يعيشون في المجتمع بلا مأوى أو عليهم العمل 14 ساعة في اليوم الواحد ليستطيعوا توفير لقمة العيش لأنفسهم ليكلا يموتوا جوعاً، فلن يكون هذا تقدماً حتى لو كان الدخل الإجمالي الوطني عشرة أضعاف ما هو عليه. هذا ليس تقدماً في المنطق الإسلامي. لذلك كانت العدالة على جانب كبير من الأهمية.طبعاً ثمة كلام و نقاش أكثر حول العدالة. تقوم النظرة الإسلامية للتقدم على أساس نظرة للإنسان باعتباره كائناً ذا حيّزين، فهو يعيش في الدنيا و في الآخرة. هذا أساس كافة الأفكار التي ينبغي أخذها بنظر الاعتبار فيما يتصل بالتقدم. هذا هو المعيار العام و الفارق الرئيس. إذا اعتبرت الحضارة أو الثقافة أو المذهب الإنسانَ ذا حيّز حياتي واحد، و لم تنظر لسعادته إلا في حدود حياته المادية الدنيوية، فمن الطبيعي أن يكون التقدم في منطقها مختلفاً تماماً عنه في منطق الإسلام الذي يرى للإنسان حيّزين و بعدين. بلدنا و مجتمعنا الإسلامي يتقدم حينما لا يعمِّر دنيا الناس و حسب، بل و يعمِّر آخرتهم أيضاً. هذا ما يريده الأنبياء: الدنيا و الآخرة. يجب أن لا يُغفل عن دنيا الإنسان بحجة وهم الاهتمام بالآخرة، و لا أن تُغفل الآخرة بسبب الانهماك في الحياة الدنيا. هذه نقطة على جانب كبير من الأهمية. و هذا هو الأساس. التقدم المنشود في المجتمع الإسلامي هو تقدم من هذا القبيل.و قد تحصل هاهنا عدة أنواع من الانحرافات:أحد الانحرافات هو أن يعتبر البعض الدنيا هي الأصل و ينسون الآخرة، بمعنى أن تنصب كافة جهود المجتمع و المبرمجين و المخططين و الدولة على عمران حياة الناس في هذه الدنيا: أن يكون للناس أموال و ثروة، و يكونوا في عيش مريح رغيد، و لا تكون لديهم مشكلة سكن، و لا مشكلة زواج، و لا مشكلة بطالة.. هذا ليس إلا. أما ما هو وضعهم من الناحية المعنوية فهذا ما لا يجري الاهتمام به على الإطلاق. هذا انحراف.انحراف آخر أن يغفل الناس عن الدنيا. الغفلة عن الدنيا تعني الغفلة عن مواهب الحياة و عدم الاكتراث لها. هذا أيضاً انحراف كالكثير من المشكلات التي عانى منها المتدينون في الماضي. الإقبال على القضايا الأخروية و الدينية و عدم العناية بمواهب الحياة و الإمكانيات و الفرص التي أودعها الله في هذا العالم. هذا أيضاً أحد الانحرافات. »هو الذي أنشأكم من الأرض و استعمركم فيها«. الله كلّفكم بإعمار الأرض. ما معنى الإعمار؟ معناه اكتشاف المواهب اللامتناهية المودعة في عالم المادة واحدة واحدة، و تمكين الإنسان من استخدامها و جعلها وسيلة لتقدم الإنسان. قضايا العلم و إنتاج العلم التي نذكرها و نؤكد عليها تتعلق بهذا المعنى.و ثمة انحراف آخر هو أن يستهين الإنسان في حياته الشخصية بمواهب الحياة و الاحتياجات المادية و لا يأبه بها. هذا أيضاً لم يقل به الإسلام و لم يطالب به، بل طالب بعكسه: »ليس منا من ترك آخرته لدنياه و لا من ترك دنياه لآخرته«. إذا تركتم الآخرة من أجل الدنيا رسبتم في الامتحان، و إذا تركتم الدنيا في سبيل الآخرة رسبتم في الامتحان أيضاً. هذا شيء مهم جداً.صادف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) شخصاً ترك زوجته و حياته و بيته و كل ما عنده، و عكف يعبد الله، فقال له: »يا عدي نفسه«. إنك تعادي نفسك.. لم يطلب الله منك هذا. »قل من حرّم زينة الله التي أخرج لعباده و الطيبات من الرزق«.(1) إذن الموازنة بين الدنيا و الآخرة و النظر لكليهما - سواء في البرمجة و التخطيط أو في الممارسات و الأعمال الشخصية أو في إدارة البلاد - أمر ضروري و لازم. هذا بدوره من المعايير الرئيسية للتقدم.كانت هذه بعض مميزات التقدم الذي نبتغيه و ننشده. و كما قلنا فإن الأمر لا ينتهي بهذا الكلام: ينبغي التدقيق و المتابعة و البحث. ليبحث الجامعيون في هذه القضايا و ليشرحوها علمياً، و ليقدموا نماذج علمية لنستطيع تحويلها إلى خطط و برامج تطرح في الساحة حتى يشعر الشعب في نهاية الأعوام العشرة هذه أنه حقق تقدماً حقيقياً. من الأمور التي لا بد من الالتزام بها هو أن أي نموذج للتقدم يجب أن يضمن استقلال البلاد. ينبغي النظر لهذه المسألة كمعيار. أي نموذج من النماذج المقترحة للتقدم إذا كان يفرض على البلاد التبعية و الذل و اتباع البلدان المقتدرة و ذات القوة السياسية و العسكرية و الاقتصادية، فهو نموذج مرفوض. أي إن الاستقلال من اللوازم و الضروريات الحتمية لنموذج التقدم في عقد التقدم و التنمية. التقدم الظاهري إلى جانب التبعية في السياسة و الاقتصاد و الأصعدة الأخرى، لا يعدّ تقدماً. توجد حالياً بلدان - خصوصاً في آسيا - حققت تقدماً ظاهرياً في مجالات التقنية و العلوم و الصناعات، و قد نفذت إلى أسواق الكثير من أنحاء العالم، لكنها بلدان تعاني من التبعية. لا دور لشعوبها و لحكومتها على الإطلاق لا في السياسات العالمية، و لا في سياسات العالم الاقتصادية، و لا في التخطيطات المهمة على المستوى الدولي. إنها بلدان تابعة، و هي تابعة لأمريكا في الغالب. هذا ليس تقدماً و ليست له قيمة.ثمة نقطة لا بأس أن أذكرها هنا هي مسألة العولمة. العولمة اسم جميل جداً و كل بلد يخال أن العولمة ستفتح أسواق العالم في وجهه. لكن العولمة بمعنى التحول إلى صامولة أو برغي في ماكنة الغرب الرأسمالية يجب أن لا يكون مقبولاً لدى أي شعب من الشعوب المستقلة. إذا أريد للعولمة أن تتحقق بالمعنى الصحيح للكلمة فعلى البلدان المحافظة على استقلالها الاقتصادي و السياسي و قدرتها على اتخاذ القرارات، و إلا فالعولمة تحققت منذ عشرات الأعوام عن طريق البنك العالمي و صندوق النقد الدولي و منظمة التجارة العالمية و غيرها من المنظمات التي كانت جميعها أدوات أمريكية و استكبارية، و هذا شيء لا قيمة له. إذن، الاستقلال مبدأ مهم إذا لم يتحقق لم يتحقق التقدم بل كان مجرد سراب.من القضايا الأخرى ذات الصلة الوثيقة بكم هي قضية إنتاج العلم. لحسن الحظ أرى أن إنتاج العلم و ضرورة اجتياز حدود العلم تحوّل في الجامعات إلى خطاب عام غالب. هذا شيء يبعث على أملي و ارتياحي بشدة، و يجب تنفيذه. الاقتراحات التي تقدم بها أعزائي في مضامير العلم و البحث العلمي و تأسيس مراكز لإعداد النخبة و التواصل و غير ذلك، تصب كلها باتجاه إنتاج العلم. و هذا شيء له قيمة كبيرة. يجب متابعة هذا الدرب و السير فيه بخطى حثيثة لأننا متأخرون. سرعة تقدمنا في الوقت الحاضر جيدة، و لكن بالنظر للتخلف الذي عانی منه بلدنا في الماضي لن تكون سرعتنا كبيرة مهما كانت كبيرة. يجب أن نحقق تقدماً كبيراً و نسير في الطرق المختزلة و نتميّز بسرعة عالية. ينبغي أن يكون لنا إنتاجنا العلمي في كافة الحقول و المجالات.العلاقة بين البلدان فيما يتصل بقضية العلوم يجب أن تكون علاقة تصدير و استيراد، بمعنى أن يسودها التعادل و التوازن. كما أنه في القضايا الاقتصادية و التجارية إذا كان استيراد البلد أكثر من تصديره كانت نتيجته سلبية و كان مغبوناً، كذلك الحال في مجال العلوم. لا عيب في استيراد العلم، و لكن ينبغي إلى جانب ذلك تصدير العلم بنفس مقدار الاستيراد على الأقل إنْ لم يكن أكثر. يتعين أن تكون الحركة ذات اتجاهين، و إلا إذا بقيتم تقتاتون على فتات موائد علم الآخرين لما كان ذلك تقدماً. اطلبوا العلم و خذوه و تعلموه من الآخرين، و لكن انتجوه أنتم أيضاً و امنحوه للآخرين. احذروا من أن تكون نتائج تجارتكم هنا أيضاً سلبية. للأسف كانت نتائجنا و محصلاتنا سلبية على مدى القرنين التي ازدهر فيهما العلم في العالم. أُطلقت أعمال و مشاريع جيدة منذ انتصار الثورة، و لكن يجب مواصلتها بسرعة و شدة أكبر.طبعاً، أنا لا أقصد العلوم الطبيعية فقط، فالعلوم الإنسانية لا تقلّ أهمية عنها: علم الاجتماع، و علم النفس، و الفلسفة، و... . نظريات الغرب في علم الاجتماع محترمة لدى البعض كالقرآن، بل هي محترمة لديهم أكثر من القرآن! عالم الاجتماع الفلاني قال كذا. و كأنه لا نقاش في هذا! لماذا؟ تستطيعون أن تفكروا و تنظروا، نستفيد من العلوم المتاحة و المنتجة في العالم، و نضيف لها شيئاً و نعلن عن مكامن الخطأ فيها. هذه من الأعمال التي تعدّ من ضروريات التقدم وحتمياته.أريد أن أنهي الكلام عند هذا الحد. واحد آخر من الضروريات هي قضية الكفاح.. الكفاح.. إذا أردتم التقدم فعليكم أن تكافحوا. الركون إلى العافية و حبّ السلامة و العزلة و وضع يد على يد، و التفرج على أحداث العالم، و عدم النـزول إلى الميادين الكبرى لن يحقق التقدم لأي شعب. عليكم النـزول إلى وسط الساحة. و هذه الساحة ليست ساحة حرب عسكرية بالضرورة. المعارك السياسية و الأخلاقية أهم اليوم من الحروب العسكرية. الكثير من البلدان و الحكومات و المجتمعات التي تعدّ متطورة في العالم حالياً، إذا حوسبت أخلاقياً و سياسياً مُنيت بالخزي و الصغار.انظروا اليوم إلى المشهد في العالم، في غزة مثلاً. جماعة محاصرة في بقعة من الأرض - لا يسمحون بدخول أو خروج أي شيء من مستلزمات الحياة إليهم - يقصفونهم بالطائرات و الصواريخ و المدفعية، و تزحف جيوشهم المدرعة نحوهم، و يقتلون منهم أكثر من خمسة آلاف إنسان خلال 22 يوماً، ثم يقعد العالم و يتفرج، و بعد مدة يُسمع من هنا و هناك بعض الأنين و الاعتراض غير المؤثر. و أخيراً تعلن منظمة الأمم المتحدة - و قد أعلن ذلك الأمين العام للأمم المتحدة قبل أيام - أن ملف قضية غزة قد أغلق! عجيب!ثمة في العالم اليوم ظلم و تمييز و كيل بمكيالين. و من مصاديق ذلك قضيتنا النووية. و من مصاديق ذلك الاعتداء العسكري على البلدان المسلمة الجارة. تقتيل المدنيين و قصفهم أصبح شيئاً يومياً مألوفاً. قبل أسبوع أعلنوا عن مقتل 150 إنساناً في أفغانستان بسبب القصف الجوي الأمريكي، و لا يكترث أحد لذلك! ثم يقولون: نعم، عفواً، لقد أخطأنا. هل هذا كلام!؟لو حاسبوا صداماً يوم قصف حلبجة بالأسلحة الكيمياوية و لو أخذوه و حاكموه. لو حاسبوا الجنرال الأمريكي الذي قصف الطائرة المدنية الإيرانية و أسقطها في الخليج الفارسي و قتل المئات من الإيرانيين و غير الإيرانيين، و حاكموه - و عوضاً عن ذلك منحه رئيس جمهورية أمريكا آنذاك وساماً، لاحظوا الانحطاط - و إذا حاكموا الضابط المجرم المسؤول عن قصف أول قافلة عرس في أفغانستان من قبل العسكريين الأمريكيين، لما وقعت هذه الأحداث في العالم مجدداً أو لقلّت. هذا واقع قبيح و سيئ و لا إنساني. على الشعب الحي أن يناضل ضد هذا الواقع.نحن نفخر بأن شعبنا و حكومتنا و مسؤولينا و شبابنا و نخبتنا لم يكونوا غير آبهين حيال هذه الأمور طوال السنوات الماضية، بل أعلنوا مواقفهم و أبدوا نفورهم و إدانتهم. يتوجب على الشعب الإيراني أن لا يفقد هذه الروح التي يتحلى بها.. لا تتركوا هذه الروح.. خصوصاً أنتم الشباب. البعض يريدون قلب المفاهيم و الأمور رأساً على عقب، فيعترضون قائلين: كم ترفعون شعارات الموت لفلان، و الموت لفلان؛ يعترضون: لماذا تطرحون جرائم أمريكا و الصهاينة و حلفائهم من على المنابر العالمية علانية. يجب أن تطرح هذه الجرائم و يجب أن نتحدث بها لتأخذ الشعوب الدروس. أقول لكم - مع إننا لا نستطيع إثبات ذلك لكننا نعلمه و قد شاهدتُهُ عياناً - إن بعض البلدان المستقلة و المتحررة - و منها أحد البلدان الأفريقية المعروفة - استلهمت النموذج من إيران. استخدموا ذات الأسلوب الذي انتهج في إيران خلال أيام الثورة. قيل لهم هذا الشيء هنا. جاء زعماؤهم الثوريون إلى هنا و قيل لهم إن الإمام استخدم هذا الأسلوب، فعادوا إلى بلادهم و استخدموا نفس الأسلوب، و استطاعوا تحقيق استقلالهم، و قضوا على التمييز العنصري في بلادهم.الشعوب تستلهم، و الحكومات تتعلم، و القادة الوطنيون يتشجعون حينما يرون شعباً صامداً بهذا الشكل. فلماذا نخجل؟ في عهد الطاغوت قبل انتصار الثورة إذا أراد شخص أن يصلي أمام الأنظار - إذا كانوا يمشون في الشارع مثلاً أو كانوا بانتظار الرحلة الجوية في المطار، أو كانوا في زاوية من زوايا الجامعة - كانت إقامة الصلاة غير مألوفة و غير عادية إلى درجة أن من معهم يقولون لهم متعجبين: أنتم تصلّون؟! أخزيتمونا! كانت الصلاة مدعاة خزي! هكذا كان الحال، و أنتم الشباب لم تدركوا ذلك العهد، لكننا شهدناه. إذا قام شاب متدين و صلى في مكان أمام أعين الآخرين و أنظارهم كان أصدقاؤه يخجلون و يقولون له: لقد أخزيتنا. و في الاجتماعات العامة - التي يلقي فيها عدة أشخاص كلماتهم - إذا بدأ المحاضر كلمته بعبارة (بسم الله الرحمن الرحيم) يخجل أصدقاؤه و ينكّسون رؤسهم!اليوم و في عهد عظمة الإسلام و شموخ النظام الإسلامي و عزة شعب إيران بفضل مواقفه المناهضة للاستكبار، إذا وقف شخص على المنابر العالمية و تحدى أمريكا و إسرائيل و الصهيونية و حلفاءهم، و تحدث بصراحة، يخجل البعض هاهنا! و يتأفأفون و يقولون: لقد أخزيتنا! خجل يشبه ذلك الخجل من أداء الصلاة في أيام حكم الطاغوت. لماذا نخجل؟! المواقف الصريحة للشعب الإيراني - و خصوصاً الشباب - من الظلم و الجور الدولي يجب أن لا تتوقف.أعزائي، هذه سوح التقدم و على الجميع أن يبذلوا مساعيهم. هنا جامعة كردستان. أغلبيتكم أيها الشباب من الكُرد. إنني فخور لأن الشعارات الإسلامية و مشاعر الارتباط بالمبادئ الوطنية في البيئة الكردية و بين الطلبة الجامعيين الكرد حية و متصاعدة إلى درجة تغضب الأعداء. هذا مبعث فخر وطني لنا. عملوا كل ما استطاعوا على كردستان و أشاعوا ما استطاعوا في مكبرات صوتهم و منابرهم و منشوراتهم و صحفهم، في السرّ و العلن، الفصل بين القوميات الإيرانية، و ترون اليوم نتائج ذلك في هذه الحشود، و رأيتموها في حشود ساحة »آزادي« بمدينة سنندج. و في مدينة مريوان. الشعب متحد و متلاحم و له أهدافه و مبادئه. القوميات متحدة. الآراء التي طرحها الأعزاء الكرد اليوم هنا حول التضامن و التعاطف هي أمور واضحة جداً بالنسبة لي، واضحة وضوح الشمس. قد لا يدركها البعض بصورة جيدة، فعليهم إصلاح أنفسهم.أقول لكم: القوميات الإيرانية فرصة. لو تسابقت القوميات الإيرانية في ساحة العمل نحو الخيرات لكان ذلك شيئاً جد مفيد و حسن. لتحاول كل قومية من القوميات الإيرانية - الكرد، أو الفرس، أو الترك، أو البلوش، أو العرب، أو التركمن، أو اللُر - أن تقطع خطوات أوسع و أوسع بروحها القومية نحو أهداف التقدم الوطني و ليس مجرد التقدم الوطني. هذا شيء ممتاز جداً. ذكر أحد أعزائنا الكرد قبل أيام و في اجتماع النخبة في سنندج و كردستان - الذي انعقد في إحدى صالات هذا المكان - نقطة جيدة فقال: كما كتب الشهيد مطهري كتاب »الخدمات المتبادلة بين إيران و الإسلام - فما أحسن أن يكتب شخص حول الخدمات المتبادلة بين الكُرد و إيران.. خدمات الكرد لإيران و خدمات إيران للكرد. هذا شيء حسن جداً. أوضحوا أية خطوات يمكن أن يقطعها هؤلاء القوم من أجل المبادئ الوطنية و الإسلامية. ثم تسابقوا: سباق بين الفرس، و الكرد، و الترك، و العرب، و اللُر، و التركمن، و البلوش، و سيكون ذلك أفضل سباق وطني. و عندئذ سيتضح كم هناك مواهب متفجرة مؤثرة. و هكذا تتوفر لدينا فرصة. طبعاً يستطيع العدو تحويل هذه الفرصة إلى تهديد، و لكن كلكم واعون لحسن الحظ. الشجارات الضيقة و النظرة القومية المحدودة تتناقض تماماً مع نظرة الإسلام و الرؤية المتسامية المنفتحة التي نحتاج إليها جميعاً.أتمنى أن ينـزل الله تعالى رحمته و بركته و فضله و لطفه عليكم جميعاً أيها الأعزاء. و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.الهوامش:1 - سورة الأعراف، الآية 32.
2009/05/16

كلمة الإمام الخامنئي في أهالي مريوان

بسم الله الرحمن الرحيمو الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا و نبينا أبي القاسم المصطفى محمد و على آله الطيبين الطاهرين و صحبه المنتجبين سيما بقية الله في العالمين.منطقة مريوان بهذه المدينة و هؤلاء الأهالي، و هذه المناظر و هذه المناطق الحساسة من أكثر مناطق كردستان و غرب البلاد التي تثير ذكرياتي و تحييها. أشكر الله تعالى أن وفقني تارةً أخرى لزيارة هذه الأرض الزاخرة بعظمة البطولة و جمال الطبيعة و المفعمة بمشاعر المحبة و الوفاء التي سبق أن جربتها في هذه المنطقة.اعلموا يا أهالي مريوان الأعزاء الذين احتشدتم في هذه الساحة بشكل مكثّف و صميمي أنني اعتبر هذه المدينة و هذه المنطقة و هذه المجاميع الشعبية الهائلة من نعم الله و بركاته على بلدنا و ثورتنا.منذ الأيام الصعبة في السنوات الأولى للثورة حيث بدلت أيدي الأعداء الحقودين هذه المنطقة الخضراء الجميلة إلى ساحة حرب و ابتلت هذه الجماهير العطوفة الحميمة المؤمنة بالمشكلات اليومية للاشتباكات و القتال و النواقص و سائر مشكلات فترة الحرب، قدّر الله أن يكون لنا ترددنا على هذه المنطقة و تعرفنا عليها عن كثب. ما عدا ما ذكره الإخوة المؤمنون الذين جاءوا إلى هنا من مناطق البلاد الأخرى حولكم أيها الأهالي الأعزاء العطوفون الأوفياء الصميميون، فقد شاهدتُ بنفسي بعض النماذج عن قرب. لا أنسى حينما التقيت سنة 59 في مدينة مريوان هذه جموع الأهالي الحميمين و سرنا إلى إحدى مراكز التربية و التعليم - كانت مدرسة ابتدائية على ما أظن - و تحدثنا مع الشباب اليافعين هناك. لا شك أن أولئك اليافعين صاروا اليوم رجالاً كهولاً. و سرنا من هنا مع بعض الأفراد من مريوان نفسها إلى مناطق دزلي و دركي - إذا لم تخنّي الذاكرة - و كانت مناطق جد حساسة و مهمة، و من حيث الطبيعة جد جميلة، و أهاليها طيبون جداً، و لكن للأسف بسبب جفاء أعداء الشعب الإيراني و أعداء الثورة الإسلامية دخل هؤلاء الأهالي الطيبون و هذه المنطقة الطيبة، و هذه الجبال الشاهقة الخضراء و هذه السهوب النضرة في جحيم الاشتباكات، و استطاع العدو استغلال بعض مرتزقة و جعلهم وسيلة لقمع الجماهير، و ضرب النظام الإسلامي و إذلال الشعب الإيراني بنحو غير مباشر.لا أنسى أن الناس استقبلونا في دزلي بوجوه بشاشة. خرجنا من دزلي مع الإخوة لنتوجه إلى المرتفعات المطلة على الأراضي العراقية - مرتفعات »تته« - حيث تغلغل مرتزقة أذلاء سود القلوب بين أولئك الأهالي و أخبروا العدو بمجيء وفدنا فبعث العدو طائراته. في وسط الطريق حينما كنا متوجهين نحو المرتفعات شاهدنا طائرات العدو تعبر و علمنا أن حدثاً سيقع لدزلي، فعدنا و شاهدنا للأسف أنهم قصفوا الأهالي العزل في الأزقة و الأسواق، فجرحوا البعض و قتلوا البعض، فحملنا جثامين بعض الشهداء و بعض الجرحی و جئنا إلى مريوان.هذه ذكريات حافلة بالعبر. يومها كانت هذه الأنظمة العالمية التي تتشدق بحقوق الإنسان تدافع عن صدام حسين، و عن ممارساته الوحشية هذه. ليعلم جيلنا الشاب في بلادنا اليوم و هو يعلم أن مختبر الكذب و الخداع، و مختبر الأخطاء الكبيرة التي لا تعوض للأجهزة التي تدعي حقوق الإنسان هو بلدنا العزيز هذا و حدودنا الغربية هذه بما في ذلك منطقة كردستان.في عمليات (و الفجر 4) حيث توجه الشباب المقاتلون الكرد و الفرس و سائر الشباب المقاتلين لإطفاء نيران العدو و إخراج مريوان من تحت نيران مدفعية العدو، و فعلوا ذلك، كان العدو البعثي يقصف مدينة مريوان باستمرار بمدفعيته بعيدة المدى. هؤلاء الشباب المجاهدون و مقاتلو الحرس الثوري و التعبئة من مختلف المناطق بما في ذلك الأبطال و الشباب الكرد نظموا عمليات (و الفجر 4) و أطفأوا نيران العدو و فرضوا عليه التراجع، و استطاعوا إخراج مدينة حلبجة العراقية من سيطرة العدو. تعلمون ماذا فعل العدو انتقاماً لهذا العمل؟ ما كان بوسعه التوغل إلى هنا لأن أبطالنا كانوا قد لقنوه درساً. قصف العدو البعثي المنـزوع الرحمة و الإنسانية مدينة حلبجة بالأسلحة الكيمياوية فقتل المئات و ربما الآلاف من الأهالي الكرد في حلبجة و تلك المناطق بالأسلحة الكيمياوية، لأن صدام حسين أراد الانتقام من الأهالي الكرد الذين لم يقاوموا قوات الجمهورية الإسلامية المؤمنة و استقبلوهم بأذرع مفتوحة.لقد جربت هذه المنطقة ذلك الامتحان. لا أريد ذكر الوقائع التاريخية. و هي ما يجب طبعاً أن تعلموه، خصوصاً الجيل الشاب. عليكم أيها الشباب أن تطلعوا على الامتحانات الكبرى التي مرت بها الجمهورية الإسلامية، و على هذه الحركة العظيمة التي قام بها شعب إيران و حقق هذا النصر الكبير بالاعتماد على كل واحد من أبناء إيران كعبر تاريخية عظيمة و دروس تاريخية قيمة لكي تدركوا حجم و وزن الدعايات التي تبثها أيادي الاستكبار في العالم راهناً. لا أريد سرد الوقائع التاريخية بل أروم القول: تحدثت في سنندج يوم الثلاثاء عن العزة الوطنية. على الشعب أن يعلم نفسه عزيزاً و يجعل نفسه عزيزاً. على الشعب أن يكافح الصَّغار و الذل بأية وسيلة من أي طرف جاءه و يصل إلى مواقع العزة. هذه العزة ضرورية لشعب إيران، و قد توفرت بفضل من الله و بواسطة الثورة الإسلامية الأرضية الكاملة للشعور بالعزة بين شعبنا، و من عناصرها عدم الميل و التبعية للأجنبي و للأعداء و الذين لا يشعرون بأية منفعة لهم في المستقبل المزدهر لشعب مثل شعبنا، فهم يلهثون وراء مصالحهم و يرون هذه المصالح في إذلال الشعوب و سحقها و استضعافها. ينبغي عدم الركون لهؤلاء.أنتم الشباب مدراء مستقبل هذا البلد. البلد بلدكم و المستقبل لكم. على شبابنا أن يحفظوا هذا الشيء في أذهانهم كمبدأ عام فلا يختاروا لإدارة البلاد و مستقبل البلاد الوصفات التي يصفها الأجانب. ليختاروا الوصفات الإسلامية و الوطنية و المحلية. في الوقت الحاضر و منذ سنين تركز الدول الغربية و الناشطون في الحضارة الغربية كل جهودهم على فرض ثقافتهم و معارفهم و معطياتهم و أقاويلهم على الشعوب و على الأذهان. الشعب الذي ينشد العزة و الشعب الذي يريد أن يكون مستقلاً عليه الصمود بوجه هذا التحرك.العالم كله يشهد راهناً كم هو خاوٍ و عاجز النظام الرأسمالي الغربي في مواجهة الأحداث و الأزمات. هذا النظام نفسه خلاق أزمات، و حينما تظهر الأزمة لا يستطيع الدفاع عن نفسه. هذا هو النظام الاقتصادي الغربي الذي كانت كل مفاخرهم به.. الاقتصاد الرأسمالي.. و حاولوا فرضه بألف أسلوب و بألف لغة كوصفة اقتصادية فذة على الشعوب.أقول لينظر شعبنا و شبابنا و علماؤنا و طلبتنا الجامعيون و صنّاع مستقبلنا لعجز أساليب إدارة البلدان الغربية و لينظروا إلى عجزهم في إدارة الجزء الأهم من إدارتهم أي الاقتصاد - و للثقافة مكانها، و للآداب الإنسانية مكانها، و لإهمال حرمة الإنسان مكانها، و التمييز الذي يمارسونه في بلدانهم له مكانه هو الآخر؛ في كل هذه الشؤون خرجت الحضارة الغربية منكّسة الرأس - ثم ليجعل شعبنا و مسؤولونا و شبابنا خصوصاً هذا الشيء محور أفكارهم و ليتأملوا و يتدبروا على هذا الأساس في الوصفات الذاتية و المحلية لإدارة البلد و الأساليب المتنوعة لإدارة هذا الشعب الكبير. و هذا يستدعي أن تتنبهوا للإسلام بدقة أكبر. للإسلام نظرة جلية و تنويرية للإنسان و الإنسانية و الأساليب الإنسانية. لا ندافع عن الإسلام المتحجر، و لا ندعو للإسلام الذي ينظر لكافة الأمور بمنتهى الضيق كما يفعل بعض أدعياء الإسلام. الإسلام الأصيل؛ الإسلام الذي ينبِّه الإنسان و يحثه على التعقل و التفكير و التدبر؛ إسلام القرآن و السنة و أهل البيت، الإسلام الذي استطاع نموذج منه في بلدنا الكبير و بكل هذه المعضلات التي تعود لعشرات السنين خلال فترات هيمنة الأعداء أن ينظِّم مثل هذه الحركة و يبدي عن نفسه مثل هذه الحرية و مثل هذا الاستقلال؛ نحن ندعو لهذا الإسلام.ليتأمل شبابنا و أصحاب الفكر و الثقافة منا، و ليتحرك مسؤولو البلاد صوب السياسات الإسلامية. أن يتحدث مسؤولونا أو مرشحو الانتخابات في مواسم الانتخابات كما هو الحال الآن، بكلام الغربيين من أجل لفت انتباه الآخرين إليهم فهذا لا يعد ميزة على الإطلاق. ليس الامتياز أن نقول ما يرضي الغرب. إنهم يعارضون الفكر الإيراني، و الفكر الإسلامي و الهوية الإسلامية - الإيرانية. نشكر الله على أن الشعب الإيراني احرز الرشد و الوعي اللازم الذي أهّله للتغلب على هذه العقبات.منطقتكم - منطقة كردستان - هذه المحافظة الخضراء النضرة الموهوبة، سواء المواهب البشرية أو المواهب الطبيعية، من نقاط البلاد الحساسة. من جملة ما فعله الأعداء هو أن يفصلوها و بعض المناطق المماثلة عن باقي أجزاء هذا الوطن الإسلامي الكبير بهوّة سحيقة من عدم الثقة و سوء الفهم. لكنهم لم يستطيعوا و لم ينجحوا. لم يستطيعوا بأدوات زعزعة الأمن و إعلام السوء تبضيع هذا الشعب المؤمن المسلم إرباً إرباً، و قد أثبت الإخوة و الأخوات الأعزاء الكرد في كل مناطق كردستان وفاءهم و صمودهم و رشدهم و شجاعتهم في الميادين المختلفة خلال هذه الأعوام المتمادية، و خصوصاً في مدينة مريوان كانوا معروفين منذ البداية بالتزامهم بالأصول و المباني الإسلامية و أنهم جماهير مؤمنة و ملتزمة. كنا نسمع هذا كثيراً. أخوتنا الكرد أنفسهم كانوا يقولون إن مريوان هي قم كردستان. أي قطب العلم و الدين. يسكن هنا أناس ذوو ميول دينية و حبّ للعلم. و لحسن الحظ فإن تجارب السنين الطويلة أثبتت هذا و أكدته.النظام الإسلامي اليوم و الحمد لله متمكن تماماً من أموره و عمله. لقد كرّس النظام الإسلامي و نظام الجمهورية الإسلامية نفسه لا في داخل البلاد فقط بل و في المنطقة و على المستوى الدولي أيضاً و في أنظار السياسات و السياسيين و صنّاع السياسة. أرغم الأعداء على الاعتراف باستقرار الجمهورية الإسلامية و الاقتدار المطرد للجمهورية الإسلامية فاستسلموا أمامها.لقد توفرت للجمهورية الإسلامية اليوم و الحمد لله فرصة التخطيط للمشاريع طويلة الأمد الرامية لسد النواقص و الأضرار التي لحقت بالبلاد خلال الفترات السابقة. الأفق العشريني وثيقة جد مهمة و معتبرة أوجبت على مدراء البلاد، سواء في السلطة التنفيذية أو في السلطة التشريعية، أو في القطاعات الأخرى متابعة هذا الأفق خطوة بعد أخرى و الاقتراب من تلك الأهداف. يتحمل الشعب الواعي و الشباب الموهوبون في أية منطقة من البلاد مسؤولية كبيرة في هذا الحيّز. أقول لكم أيها الأهالي الأعزاء و الشباب خصوصاً أن بناء البلد و التقدم به إلى الأمام واجب مشترك بين المدراء و الجماهير.. الجماهير أيضاً تتحمل مسؤولية. ينبغي أن نحذر جداً من أن يستطيع أعداء تقدم البلاد صرف أذهاننا و تركيزنا نحو النقاط الصغيرة و من الدرجة الثانية حتى نستطيع جميعنا و بوحدة تامة حقيقية السير نحو تلك الأهداف.أستطيع أن أقول اليوم بكل ثقة إن مسؤولي البلاد يركزون كل هممهم ليستطيعوا تلافي النواقص في كل المناطق. و في هذه الزيارة إلى كردستان اجتمع المسؤولون و أعضاء مجلس الوزراء في سنندج و ناقشوا القضايا التي يجب أن يتابعوها حسب الأولوية و أعدوا تقريراً زوّدونا به. إنني أشكر مسؤولي الحكومة على همتهم هذه و مجيئهم إلى هنا. القضايا التي يهتمون بها دقيقة و أساسية و حقيقية بالنسبة لكل مناطق كردستان بما في ذلك منطقة مريوان أي منطقتكم هذه. و قد اتخذوا قرارات جيدة نتمنى أن تأخذ طريقها إلى حيّز العمل.رصيد هذه الحركة هو ثبات الشعب الإيراني و الالتزام بشعارات الثورة. شعارات الثورة الإسلامية هي التي بوسعها أن تكون رصيداً لاقتدار الشعب الإيراني و أكبر دعامة للحكومة من أجل التقدم في الميادين المختلفة.من القضايا المهمة جداً بالنسبة لهذه المنطقة هي قضية الاستثمار.. الاستثمار الصناعي و الاستثمار الزراعي الذي يوفر فرص العمل. حينما لا تكون هناك فرص عمل بالمقدار الكافي، و لا تكون الطرق السليمة مفتوحة، عندئذ يلجأ شبابنا للأسف إلى الطرق غير السليمة من قبيل التهريب و ما شاكل. التهريب بلاء على البلاد و مرض يصيب اقتصاد البلاد. إنه فايروس يشلّ إيّما شلل. يجب أن لا يكون شباب البلاد في وضع يشعرون معه بأنهم مضطرون للجوء إلى سبل غير منطقية و غير قانونية و غير مشروعة. هذه من المهام الرئيسة للحكومة و هي ما تنصب عليه همّة الحكومة. و عليكم أنتم أيضاً أن تساعدوا و تتعاونوا في هذه القضية. التهريب الذي يحصل صحيح أنه يوفر نفعاً لصاحبه لكن النفع الأكبر سيكون من نصيب الذين يختبئون خلف أستار هذه الحركة الظاهرية، الأشخاص الانتهازيين و الاستغلاليين الذين يجنون أكبر الأرباح من دون تحمل مشاق أو أخطار، بينما شبابنا المؤمن و بسبب اليأس أو لأي سبب آخر يعرض نفسه للخطر. ينبغي إغلاق هذا الباب و هذا متاح بالاستثمارات الصحيحة و توفير فرص العمل في كافة مناطق كردستان و في جميع نواحي المدن في كردستان خصوصاً المدن القريبة من الحدود مثل مريوان، و قد لاحظت أن مسؤولي البلاد يهتمون لهذه النقطة و يفكرون في هذه المسألة لحسن الحظ. يجب توفير الأرضية لاستثمارات جيدة لكي يتم توفير فرص العمل حتى يستطيع الشاب تأمين معيشته بالطريق السليم و القانوني و الحلال.و اعلموا طبعاً أن العدو و لأنه يعلم بأن شرط الاستثمار و إنتاج الثروة هو الأمن و لأنه لا يريد حصول الاستثمار و إنتاج الثروة في هذه المنطقة لذلك سيحاول مجابهة الأمن و يسعى لزعزعة الأمن. و طبعاً أقول لكم بكل ثقة أن القوى المؤمنة و الوفية للجمهورية الإسلامية و بمساعدة هؤلاء الأهالي و هؤلاء الشباب ستواجه عناصر زعزعة الأمن بكل شدة و ستفِّوت عليهم بلطف من الله كل مجالات ضعضعة الأمن.أشكر الله على توفيقه أياي لزيارة مدينتكم العزيزة مريوان مرةً أخرى و اللقاء بكم أيها الأهالي الأعزاء الأطياب الأوفياء المؤمنون عن كثب. إننا لن نفارق ذاكرتكم، و قلوب المسؤولين تخفق بمحبتكم و تطفح بعشق الناس.. اعلموا هذا. و المساعي التي يبذلها مسؤولو البلاد إنما هي لأجل التقدم في قضايا البلاد الأساسية و منها القضايا الاقتصادية. و قد كانت النجاحات كثيرةً لحسن الحظ و قد تم إنجاز الكثير من الأعمال، و يجب إنجاز الكثير من الأعمال الأخرى. من أهداف زيارتنا هذه لفت انتباه الجماهير في مناطق البلاد الأخرى لهذه المنطقة لكي تتعزز الأواصر العاطفية بين القلوب أكثر فأكثر، فيشعر الأهالي الكرد في هذه المنطقة و كذلك الأهالي الفرس أو الترك أو البلوش أو سائر القوميات الإيرانية في المناطق الأخرى شعوراً قوياً واضحاً بأنهم أعضاء جسد واحد عظيم هائل هو جسد الشعب الإيراني. و هذا حاصل و الحمد لله.أتقدم بالشكر الصميمي لمودتكم أيها الأهالي و استقبالكم و كلامكم الدافئ الصميمي أيها الأعزاء، و أسأل الله أن ينـزل عليكم ألطافه و فضله، و أسأله كذلك أن يوفق مسؤولينا و يعينهم للنهوض بواجباتهم على أتم نحو و أكمله قبال هؤلاء الأهالي الأعزاء. أستودعكم الله العظيم جميعاً.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
2009/05/15

كلمة الإمام الخامنئي في لقائه النخبة بمحافظة كردستان

بسم الله الرحمن الرحيمإنه لاجتماع محبّب و طيّب جداً بالنسبة لي. و مع أن الأصدقاء و الإخوة ألقوا كلمات جيدة و شافية و وافية و بقينا نستمع إليكم طوال أكثر من ساعتين لكنني لم أتعب أبداً و أنا على استعداد و قد كنت على استعداد دوماً لسماع آراء و طروحات سائر الحاضرين في الاجتماع. طبعاً شارفنا وقتُ الظهيرة و نحن نقترب من موعد الأذان و الصلاة و هذا هو قيدنا الوحيد، و إلا فأنا لم أتعب إطلاقاً. أقول هذا لأن عريف الاجتماع المحترم أشار في كلامه إلى أن فلاناً متعب، لا، أنا لا أشعر بالتعب أبداً و على استعداد للاستماع أكثر، لكن الوقت محدود و لا يمكننا الاستمرار لأكثر من وقت الظهر.ما قاله الأصدقاء و الإخوة و الأخوات كان مفيداً لي من زاويتين. الزاوية الأولى هي هذه الكلمات نفسها التي تضمنت نقاطاً و لمحات سواء في حيّز الشؤون الثقافية، أو في مجال القضايا الاقتصادية، و في الميادين المتنوعة الأخرى، و سوف يُنتفع من هذه الآراء إن شاء الله و نتمنى أن يُستفاد بشكل جيد منها في عمليات صناعة و اتخاذ القرار في المستقبل. الزاوية الثانية هي أنني استطعت الاطلاع عياناً على إمكانيات و قدرات الكوادر البشرية المبرزة في هذه المحافظة من خلال معرض مصغّر. هذا مع أنني على إطلاع قديم على أعمال بعض النخبة الكرد.و بمناسبة حضور السيد أحمد قاضي الذي علمنا أنه أخو المرحوم محمد قاضي المترجم المعروف أقول إنني قرأت أول ترجمة للمرحوم محمد قاضي قبل نحو أربعين عاماً أو يزيد، و أخال أنها كانت ترجمة كتاب » المهاتما غاندي « بقلم رومان رولان. كان الكتاب كتاباً ممتازاً و كانت ترجمة محمد قاضي للحق ترجمة رائعة ممتازة أيضاً. طبعاً قرأت بعد سنوات ترجمةً أخرى له لعمل آخر مهم جداً من أعمال رومان رولان أيضاً هو » الروح العاشقة « ظهرت في ثلاثة أو أربعة مجلدات على ما أظن و بنثر جد فاخر و مرصّع و مزيّن بكل إتقان. أنا طبعاً لا استطيع إبداء رأي في درجة تطابق الترجمة مع الأصل، و على الذين يجيدون اللغة الأصلية إبداء آرائهم في هذا الصدد، لكنها كانت من حيث اللغة و النثر عملاً بارزاً بحق. إنني على علم بأعمال المترجمين و الكتاب الإيرانيين و أحمل في ذهني عموماً تقييمات لأعمالهم. و على هذا الأساس أرى أن ترجمة المرحوم قاضي ترجمة مميزة. و قد التقيته هو ذات مرة في أواخر فترة رئاستي للجمهورية في شيراز أثناء مهرجان حافظ الشيرازي و كانت حنجرته مصابة و يتكلم بميكرفون فتحدثت معه قليلاً.و نثر المرحوم عبد الرحمن شرف كندي (هجار) الذي أشار له الأعزاء.. هو أيضاً أنجز عملاً كبيراً جداً و الحق يقال.. ترجمة كتاب القانون لابن سينا عمل معقد و مركب و قيّم جداً. منذ ألف عام وُضع هذا الكتاب باللغة العربية من قبل شخصية إيرانية و وجد طريقه طوال القرون لكبريات الجامعات العالمية المتخصصة في الطب لكنه لم يترجم للفارسية. أنا على علم بأنه إلى حد فترة قصيرة أي إلى ما قبل مائة عام مثلاً كان كتاب القانون مطروحاً في مدارس الطب في البلدان الأوربية و ترجم إلى اللغات الأوربية، أما المتكلمون بالفارسية فبقوا محرومين من قراءته! في أواسط فترة رئاستي للجمهورية التفتُّ إلى هذه النقطة و تساءلت لماذا لم نترجم كتاب القانون للفارسية؟ و طلبت مجموعة من الإخوان و قلت لهم: شدّوا عزمكم و ترجموا كتاب القانون. و صدر حكم بذلك و تابعوا المسألة. هذه الأعمال لا بد لها من الحبّ و الرغبة، و لا يمكن أن تتم و تنجز بإصدار الأحكام و الدساتير. في تلك الآونة أخبروني أن هذا الكتاب قد ترجم - و أتخطر أنه كان في ثمانية مجلدات - و جاءوني بكتاب المرحوم هجار. حينما قرأت الكتاب - و أنا طبعاً لست متخصصاً في الطب و لم أقارنه بالنص العربي للقانون - وجدت للحق و الإنصاف أن أي شخص يطالع الكتاب لا يملك إلا أن ينحني إجلالاً لمتانة و رصانة هذا النثر الجميل. لقد تُرجم الكتاب ترجمةً جيدة جداً. أنا طبعاً لم أكن أعرفه و سألت عنه فقالوا إنه كردي. و علمت قبل سنوات أنه فارق الحياة.كما أنني على معرفة ببعض الشعراء الكرد و منهم السيد الجليل المرحوم ستوده و هو شاعر مُجيد حقاً. كنتُ أعرفه و على صداقة معه منذ بداية الثورة إلى هذه الفترة الأخيرة حينما مرض و جاء إلى سنندج و مكث فيها و يبدو أنه توفي فيها. أو المرحوم كلشن كردستاني الذي اطلعت على شعره قبل أن أراه ثم التقيته عن قرب. كانت لي هذه العلاقات و المعرفة عموماً و كانت الشخصية الثقافية للأهالي الكرد حاضرة في بالي كحقيقة ثابتة ساطعة، لكنني اطلعت اليوم عن قرب - كما ذكرت - على معرض و كان هذا الأمر قيماً و مغتنماً جداً بالنسبة لي. ليت الفرصة كانت متاحة أكثر لمجيء عدد أكبر من النخبة في هذه المحافظة إلى هنا للتعبير عن ما في أذهانهم و قلوبهم و ألسنتهم و أفكارهم و لكان هذا أنفع بالنسبة لي يقيناً. أتمنى أن ننتفع إن شاء الله مما رأيناه و أدركناه لصالح تقدم بلدنا العزيز و هذه المحافظة الثرة الموهوبة.خلال هذين اليومين الذين قضيتهما في كردستان غلب على كلامي وصف بطولات الأهالي الكرد، سواء في اللقاء العام بالجماهير، أو في لقائي بالقوات المسلحة، أو في الفعاليات الأخرى، لكن للحق و الإنصاف سجّلتُ عندي بأن الجماليات الأخرى لهذه المنظومة الإنسانية و هذا الأقليم الجغرافي من البلاد تتفوق على بعد الشجاعة و الشهامة و البسالة التي تعد من مميزات الأهالي هنا. ثمة الكثير من الجماليات في هذه المحافظة؛ الأخلاق الحسنة، و الأصوات العذبة، و الطبيعة الخلابة، و الشعر الجميل، و الأدب الراقي، و الأفكار الجلية، و القلوب المؤمنة، ظواهر يشاهدها الإنسان هنا و هي جديرة بالثناء حقاً.لحسن الحظ يحظى هذا الجانب القيم بالاحترام و التكريم في نظام الجمهورية الإسلامية. إننا في النظام الإسلامي نعرف قدر الأشياء و نثمنّها و نغتنم هذه القيم المعنوية و الثقافية أينما كانت، سواء في كردستان، أو في فارس، أو في إصفهان، أو في خراسان. و المتوقع أن يروي و يعكس النخبة في كردستان هذه الحقيقة و هذا المعنى الواقعي مع أنه كان ماثلاً في كلمات الأعزاء، و أنا أعلم أن بعض النخبة الكرد يرون و يفكرون بهذا الشكل يقيناً. نظام الجمهورية الإسلامية لا ينظر نظرةً تمييزية على الإطلاق، لا لكردستان و لا لأية منطقة أخرى من البلاد. ما كررناه دائماً من أننا نعتبر تنوع القوميات فرصة و إمكانية لبلادنا، هو حقيقة. الحقيقة هي أن التنوع القومي فرصة. نظرة نظام الجمهورية الإسلامية للتنوع القومي و التنوع الطائفي ليست إطلاقاً نظرة عصبية قومية أحادية الاتجاه.. إنني أعلن عن هذا بكل حسم. لم تكن نظرة تمييز لا في هذا الزمن حيث أتحدث الآن عن نيتي و مكنون قلبي، و لا طوال الأزمنة الماضية و في عقد الستينات [الثمانينات من القرن العشرين للميلاد] زمن حياة الإمام الخميني ( رضوان الله تعالى عليه ) المباركة. محور التقييم في نظام الجمهورية الإسلامية هو الإسلام و الإيرانية.. الإسلام و الإيرانية.. جميع المسلمين و جميع الإيرانيين داخل الحدود الجغرافية للبلاد لهم قيمتهم وفق هذه النظرة. نظام الجمهورية الإسلامية يريد تكريس هذه الفكرة. اعتقد أن هذه المحافظة محافظة ثقافية و قد قلت هذا مراراً. لقد حاولوا جعل هذه المحافظة محافظة أمنية عسكرية، و قلبوا الحقيقة رأساً على عقب. الجمهورية الإسلامية لم تفعل هذا و لم يكن بوسعها فعله بطبيعة الحال. فمن فعله؟ فعله أعداء نظام الجمهورية الإسلامية هم الذين روّجوا و أشاعوا أن نظام الجمهورية الإسلامية لا يرتاح للقومية الكردية و لمذهب أهل السنة و لا يقبلهما. كانت هذه كذبة و خلافاً للواقع. و اتضحت الحقيقة بعد ذلك و ثبتت و شاهدها الجميع. كانت هذه النظرة نظرة النظام الطاغوتي. طبيعة ذلك النظام كانت تفرض عليه نظرة تمييزية لا نحو القومية الكردية و حسب، بل نحو مختلف قوميات البلاد و بدوافع و أسباب شتى. لقد نسخت هذه النظرة في عهد الجمهورية الإسلامية. و لم يكن الأعداء يريدون هذا فمصالحهم تقتضي أن لا تتحقق طبيعة نظام الجمهورية الإسلامية في هذه المنطقة من البلاد.جزء من هذه المشكلات الاقتصادية و حالات التأخر و كلها حقيقية - قرأت هذه الأمور في التقارير و أنا على علم و اطلاع بما قاله السادة و هو واقع لا بد من علاجه - تعود أسبابه لذلك الخبث و العداء و الخصومات العمياء و الشديدة التي خلقوها في هذه المحافظة و كانت بتوجيه من الأعداء. و أنا اعتقد أن الجمهورية الإسلامية قد انتصرت لكن ليس بمعنى أن تلك الخصومات قد استئصلت. لا تزال مسؤولياتنا نحن و أنتم قائمة. على الجميع أن يسعوا لإيصال كردستان و المنطقة الكردية بكل هذه المواهب الطبيعية و البشرية إلى مكانتها اللائقة في منظومة وطننا الإسلامي العزيز الكبير. هناك من لا يريد حصول هذا الشيء. و هم يبذلون جهودهم و مساعيهم الآن أيضاً. لا أرغب أن أذكر في هذا الحشد الثقافي أموراً مزعجة و مؤلمة لكنها حقيقية. اعلموها على إجمالها و تنبّهوا لها. الأعداء يعملون و يسعون. تعمل الأجهزة التجسسية للاستكبار حالياً بشكل علني في الجهة الثانية من حدودنا و قد أشرت بالأمس إلى هذه النقطة، أي أن بناية الـ سي. آي. أي تعمل و تنشط و تسعى بنحو رسمي و علني في منطقة كردستان العراق ضد الجمهورية الإسلامية و تركز على توجيه أي تيار يمكنها أن تستخدمه ضد نظام الجمهورية الإسلامية. هذه ليست تحليلات بل هي معلومات و معطيات تتوفر لدينا و تتطلب اليقظة و الترقب. على الأجهزة التحلي باليقظة، و ثمة توقعات من الجماهير، لكن المتوقع من نخب البلاد و نخب المنطقة أكثر. أنتم الأعزاء الذين تدركون الآلام و تفهمونها أفضل و تعرفون العلاج أفضل و لديكم بذهنياتكم المتنورة اطلاع على الكثير من الأمور التي لم يطلع عليها عموم الناس، هناك توقعات منكم. جاء نظام الجمهورية الإسلامية بأفكار جديدة. خلافاً لما يشيعونه و يقولونه - و هذا أيضاً من دعايات أعداء نظام الجمهورية الإسلامية و معارضيه - الجمهورية الإسلامية لا تفتعل الأعداء و لا تخلق القلاقل و لا تصطنع المعارك و لا تبحث عن مشاكل و صداع. طبيعة الجمهورية الإسلامية هي أن لها نظرة مستقلة لقضايا العالم و لا تخضع لتأثير القوى المختلفة في المسائل الصغيرة و الكبيرة. هذه من تعاليم الإسلام و هو أمر أمرنا به الإسلام. لم يُرد الإسلام لشعب مسلم أن يكون في توجهاته و مسيرته و سياسته و قراراته تابعاً لهذا القطب أو ذاك من الأقطاب التي لها مصالحها الاستكبارية و نظرتها النفعية. يجب أن ينظر و يرى ما تقتضيه مصالح الشعب و الأمة الإسلامية فيكون من واجب مدراء الحكومة مراعاته. على هذا الأساس لا نخضع لسياسات القوى المستكبرة و المتسلطة. كان رأيهم في القضايا المختلفة شيئاً و رأي نظام الجمهورية الإسلامية شيئاً آخر. و لم يكن هذا مقبولاً عندهم، لذلك شرعوا في عدائهم، و نظام الجمهورية الإسلامية مضطر للدفاع عن نفسه، و هذه طبيعة الصمود و الاستقلال أن يخلق احتكاكاً. كان يمكن للشعب الإيراني أن تكون له حكومة تخضع لعسف و قوة هذا الطرف و ذاك، و عندها لم تكن هذه الاحتكاكات. بيد أن ما لن يكون موجوداً في تلك الحالة ليس الاحتكاكات و حسب بل ستغيب أشياء أخرى أيضاً.. ستغيب العزة الوطنية، و التقدم الوطني.. و هذا ما لاحظناه في عهد الطاغوت.الإحصاءات التي ذكرتها في ساحة المدينة الكبرى قبل يومين إحصاءات فيها الكثير من العبر. محافظتكم هذه بكل هذه الإمكانات كان عدد الطلبة الجامعيين فيها 365 طالباً قبل ثلاثين سنة طبقاً للإحصاءات الرسمية المحفوظة. و كانت نسبة المتعلمين في المحافظة 29%. نعم، لم تكن للمحافظة يومذاك المشكلات التي يمكن تصورها لها اليوم، و لكن بتلك الهوية و الوضع و الضعف و المهانة. هل يمكن الصبر على هذا؟ و لكم أن تعمموا هذا على شعب إيران، كان الوضع هكذا في كل مكان. الكتب و المذكرات التي وضعها أشخاص كانوا هم أنفسهم من تلك المنظومات حينما يقرأها المرء يتصبب عرقاً من الخجل. كانت الشخصيات الكبرى و أصحاب القرار في البلاد مضطرين لأجل اختيار رئيس الوزراء، و لأجل اتخاذ القرارات بخصوص قضايا داخلية مائة بالمائة، و لأجل رسم الخطوط العامة للبلاد أن يراجعوا السفير الأمريكي و السفير البريطاني و يتأكدوا من مزاجهم لئلا يكونوا معارضين. هذا ليس كلاماً يطلقه معارضو ذلك النظام، كلا، بل هو كلام كتبوه هم أنفسهم. طبعاً كانت هذه الأشياء موجودة في الوثائق التي توفرت لدينا، و هم يكتبونها الآن أيضاً.أقرأ هذه الأيام كتاباً يتحيّر له الإنسان حقاً. أين ذلك الكبرياء الوطني؟! أين تلك العزة الوطنية؟! أين ذاك الشعور بالفخر للانتماء لإيران؟! أين الاعتماد على هذا الشعب ذي الماضي و التراث التاريخي المشرف الهائل؟! لم يكن أي شيء من هذا القبيل مشهوداً في عهد نظام الطاغوت. البهلويون بشكل و القاجاريون من قبلهم بشكل.. بعضهم أسوء من بعض. لكن نظام الجمهورية الإسلامية قلب هذا الصفحة، و علينا النظر لهذا الأمر كحقيقة جديدة و ساطعة و قيمة و اجتراح الحسابات و المبادرة على هذا الأساس. أشعر أن النخب المحترمين الأعزاء في هذه المحافظة بوسعهم ممارسة أدوار مهمة في هذا القطاع و هو في الواقع قطّاع ثقافي - سياسي.طبعاً تربية النخبة و تخريجهم أحد الواجبات المهمة الملقاة على عاتق النخبة. كما تلاحظون ثمة و الحمد لله شباب مميزون نظير هذه الفتاة التي جاءت هنا و تحدثت. يشعر الإنسان أن شبابنا الجامعي - سواء الفتيان منهم أو الفتيات - مواهب ممتازة. و هذا مشهود طبعاً في كل أنحاء البلاد و يراه المرء بوضوح هنا أيضاً و لله الحمد. جانب من تخريج النخب يتعلق طبعاً بأجهزة اتخاذ القرار و مؤسسات الدولة التي يجب عليها متابعة الأمر بكل جد، و سوف يجري التأكيد عليهم إن شاء الله لمتابعة النقاط التي ذكرتموها مضافاً إلى كافة الواجبات الأخرى. لكن جانباً من المسألة يتعلق بالنخبة أنفسهم و يقع على عاتق الأساتذة و المعلمين و أساتذة الدين و معلمي الآداب و الثقافة و العلم ضمن مجالات عملهم و في نطاق طلبة الجامعة و التربية و التعليم حيث يجب أن تؤثروا على أفكار الشباب. و تنبهوا إلى أن الأعداء اليوم قلقون و منـزعجون لوجود إيران متحدة منسجمة متقدمة تعتزّ بمفاخرها الكبرى، و لا تريد أن تحصل هذه النجاحات. هذه المسيرة الكبرى القائمة اليوم تحققت في ظل ديننا الإسلامي و هو الغاية المعنوية الأساسية لشعبنا، و هم يريدون عرقلتها و إعاقتها. و لم يستطيعوا ذلك لحد الآن و لن يستطيعوا في المستقبل بتوفيق من الله. و لكن ينبغي في الوقت ذاته عدم الغفلة عن مؤامراتهم. اعتقد أن على نخبنا الأعزاء المحترمين مسؤولية كبيرة.و أقول أيضاً إن بعض النقاط التي ذكرها الأعزاء تم التفكير فيها و العمل و اتخاذ القرار فيما يتعلق بها. و بعضها بالطبع نقاط جديدة ينبغي التفطن لها.و حول القضايا التي ذكرت فيما يتعلق بالطلبة و الباحثين الجامعيين و أنه لا يوجد اهتمام بهم و لا تخصص ميزانية لهم أذكركم بالمؤسسة الجديدة أي المعاونية العلمية لرئيس الجمهورية - و هي مؤسسة جد جيدة و مرجع لمثل هذه الشؤون و قد أنجزت أعمالاً جيدة كبيرة - و اعتقد أنه ينبغي التوجه لها و مراجعتها. و أتمنى أن يوفقكم الله تعالى جميعاً.كانت هذه الجلسة مفيدة جداً بالنسبة لي. تعرفت عليكم - خصوصاً على بعض الشخصيات المحترمة - عن قرب، و استمعت لكلمات جيدة و مفيدة و بناءة، و أتمنى أن تكون هذه الجلسة إن شاء الله ذات منافع كبيرة لمستقبل كردستان و مستقبل البلاد بتوفيق من الله تعالى.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
2009/05/13

كلمة الإمام الخامنئي في رجال العشائر بكردستان

بسم الله الرحمن الرحيمالجلسة هذه جلسة مفعمة بالصفاء و الصميمية ببركة القلوب النقية و الأرواح النضرة للأعزاء أبناء العشائر. ما ذكره الإخوة الأعزاء هنا حول ثورتنا المجيدة و عن الوفاء لمبادئ هذه الثورة هو من معتقداتي القلبية. إننا منذ بداية الثورة و إلى اليوم لم نشكّ حتى للحظة واحدة في وفاء العشائر الغيورة المؤمنة البطلة في هذه المنطقة الشامخة المجيدة. و ما قلتموه أيها الإخوة الأعزاء و خصوصاً عريف الحفل المحترم الحسن الصوت حول شخصي المتواضع يعود كله في حقيقة الأمر إلى الثورة. شخصي المتواضع ذرة من البحر الهائل لهذه الثورة العظيمة و هذا الشعب العملاق.كل ما يملكه الشعب الإيراني، و كل ما أحرزه أبناء هذا الشعب و مسؤولو البلاد و مضحّو هذا الطريق من مفاخر إنما يعود فضله للإسلام و لهذه الثورة العملاقة، و للطف و الرحمة اللامتناهية التي ظلّل الله تعالى بها هذا الشعب فاستطاع ببركتها النهوض بهذه الحركة العظيمة.أنا مسرور جداً لحضوري في جمعكم. كان لي في بعض زياراتي خلال فترة الحرب بل و قبل بدء الدفاع المقدس لقاءاتي مع بعض هذه العشائر العزيزة الغيورة في هذه المناطق، لكن اجتماعكم اليوم و المتشكل من عشائر ثلاث محافظات - محافظة آذربيجان الغربية، و محافظة كردستان، و محافظة كرمانشاه - اجتماع له معانيه العميقة و رسالته، إنه اجتماع يتحدث بلغة فصيحة.يكتسب الشعب مكانته السامية بين شعوب العالم حينما يتحدث مع العالم بأعماله و تواجده و مشاركته. و قد اثبت شعبنا ذاته بأعماله خلال ثلاثين سنة من عمر الثورة خصوصاً في الفترات الحساسة. ليست المفاخر الوطنية شيئاً يمكن إثباته بالادعاءات و الكلام. لقد عمل هذا الشعب. و قد كنتم أيتها العشائر الكردية الغيورة في هذه المنطقة من أصحاب الأدوار الحساسة المميزة في هذه المشاريع العملية. العشائر كما قال الإمام الخميني هي ذخائر الثورة. جميع أبناء العشائر هم في الواقع حراس الحدود، و حماة الهوية و السمعة المحلية لهذا البلد، ما من شك في هذا. لكن بعض العشائر و بسبب موقعها الجغرافي و السياسي و الحساسيات التي تكثّفت طوال هذا التاريخ الحافل بالمنعطفات، وجدت الفرصة لإثبات هويتها و حقيقتها و كونها ذخراً للثورة بشكل عملي، و أنتم أيها الأعزة من هذه الفئة. لقد تحدثتم اليوم، لكنكم في الفترات الماضية و في الأعوام السابقة عملتم. أعمالكم دلّت على الحقائق التي ذكرتموها اليوم.كردستان و المنطقة الكردية و بسبب موقعها الخاص كانت منذ بداية الثورة هدفاً للمؤامرات، و كان ذلك قبل بدء الحرب المفروضة. لقد عقد أعداء الثورة الإسلامية الآمال على هذه المنطقة. تواجدت شخصيات من التابعين للنظام الطاغوتي في هذه المنطقة على أمل أن تحظى بدعم عشائرنا الغيورة المؤمنة و توجّه الضربات للثورة. لقد رأينا هؤلاء و عرفنا تحركاتهم. ثمة فرق بين عشيرة تعيش في بيئتها و أقليمها و لا تواجه تآمراً و لا تحريضاً و لا نوايا سيئة، و تعمل طبعاً لخدمة الثورة و البلاد، و بين عشيرة تكون هدفاً لمؤامرات الأعداء و تبقى مع ذلك صامدة ثابتة. إننا لن ننسى هذا. لقد سجلت ذاكرة الشعب الإيراني و ذاكرة الثورة الإسلامية و ذاكرة نظام الجمهورية الإسلامية هذه الحقائق الواقعة. لقد حامت العشائر عن الحدود. و لقد حرستم الحدود في هذه المنطقة على أحسن وجه.كانت هاهنا قبائل و عشائر متعددة. كان بين بعض القبائل اختلافات تاريخية و نؤاعات حول الأراضي. و كانت بعض القبائل شيعية و بعضها سنية. و كان بينها اختلافات طائفية أيضاً. نظر الأعداء لهذا الواقع كفرصة لهم و أرادوا استغلاله ضد الثورة. لكن عشائر المنطقة خيّبت الأعداء و فرضت عليهم الإخفاق و الفشل. لهذا الشيء قيمة كبيرة. أعزائي، قام الشعب الإيراني في الثورة الإسلامية بتحرك كان بداية تحوّل لا للمنطقة و حسب، بل لعالم الإنسانية. كان بداية نظرة جديدة و مسار جديد في الحركة الفكرية للبشرية سوف يزداد ظهوراً في المستقبل.لقد تحدثنا عن الإسلام كجذور أساسية، لكن ما رسمه الإسلام للإنسانية و لإسعاد البشرية لا تعود فوائده على معتنقي الإسلام خاصةً. يقول الإسلام عليكم الوقوف بوجه العسف و الجور الدفاع عن المظلوم، و أن لا تهابوا ضغوط العتاة الظالمين، و أن تتحلوا باليقظة و الوعي مقابل مؤامرات المخادعين المحتالين قطّاع طرق الحياة الإنسانية. يوصي الإسلام الإنسان بالعودة إلى فطرته. يناصر الإسلام الحق و العدل. و هذه الأمور علاج لأوجاع البشرية و أمراضها. عانت البشرية طوال التاريخ من الظلم و الإجحاف و التمييز. و تلقّت الأجيال الإنسانية ضربات و ضربات من قبل عتاة التاريخ. ذات يوم ظهر هؤلاء العتاة في شخصيات من قبيل فرعون و قارون و في يوم آخر ظهروا في شخوص أبي جهل و أبي لهب، و ظهروا في يوم آخر على شكل العتاة المتعسفين في زماننا. خطر هؤلاء أكبر من خطر الفراعنة، و ضررهم على البشرية أكبر من أضرار كل ظلمة التاريخ. هؤلاء مجهزون و لهم عدّتهم.. إنهم مجهزون بكل أسباب القوة و التزييف و الخداع. تحاول دعايات الأعداء اليوم - ليس أعداؤنا و حسب بل أعداء الإنسانية كلها - أن تصنع لهم وجوهاً إنسانية و تُظهرهم كمناصرين للبشر و الإنسان. هؤلاء خطرون جداً. وقفت الثورة الإسلامية بوجه مثل هذه الجبهة الخطيرة و صمدت و نجحت.هذه فرصة كبيرة لشعب إيران. نحن أبناء هذا الماء و التراب يجب أن نفخر بأن غرس الله تعالى بيد قدرته هذه الشجرة الطيبة في أرضنا، و عند شعبنا، و في قلوبنا. إنه لفخر لنا نحن الإيرانيين أن استطعنا رفع راية الإسلام و هي راية العدالة و الإنصاف، و العقلانية، و التقدم الوطني، و الإحسان، و العدل، و الإنصاف. رفع الإيرانيون هذه الراية و بذل أعداء الإنسانية و مستكبرو العالم كل جهودهم و قدراتهم لإنزال هذه الراية و قطع هذه اليد، لكنهم لم يستطيعوا. و كان دور عشائرنا العزيز في هذه المنطقة كبيراً جداً في هذا المسعى المقدس.ما أوصيكم به اليوم - مع أني أرى و الحمد لله أن يقظتكم بدرجة قد لا تدع حاجة لهذه التوصيات لكنني أؤكد مع ذلك - هو أن قضية هذه المنطقة اليوم هي قضية الأمن. لقد استطعتم الحفاظ على الأمن. و عليكم تعزيز هذه القدرة في أنفسكم، و أن تشعروا دوماً بهذه المسؤولية الجسيمة على كواهلكم. و أقول لكم: انقلوا هذا الشعور بالمسؤولية لأبنائكم و شبابكم. ينبغي لهذا البلد و لهذا الشعب أن يواصل هذه الحركة، و حالات العداء سوف تستمر. علينا مضاعفة يقظتنا باستمرار. العدو نزل إلى الساحة طبعاً بكل قدراته و عدته و لم يجن نفعاً و من بعد الآن أيضاً لن يستطيع بفضل من الله و بإذن من الله أن يفعل شيئاً. لكن هذا سيكون في حال تحلّينا باليقظة و الوعي. إذا أصابتنا الغفلة و انشغلنا بالأمور الصغيرة، و إذا تجاهلنا في زحمة قضايانا اليومية قضيتنا الرئيسية و هي حفظ كيان هذا الشعب و هذا النظام المقدس فقد يستطيع العدو توجيه ضربته. قال الإمام علي (ع) في نهج البلاغة: » و من نام لم ينم عنه «.. إذا غلبكَ النعاسُ و أنت في الخندق فليس معنى ذلك أن عدوك نائم هو الآخر في خندقه، قد يكون يقظاً و يستغل نومكَ و غفلتك.نحن اليوم على علم بأن أعداء نظام الجمهورية الإسلامية يتآمرون خلف حدودنا. نحن نعلم أن الأكراد حتى في الجهة الأخرى للحدود يعتبرون أنفسهم إيرانيين. نعلم أن أصدقاء النظام الإسلامي و الثورة الإسلامية ليسوا قليلين بين إخوتنا الكرد في الجهة الأخرى للحدود، و ربما أمكن القول إنهم الأكثرية. شبابنا المؤمن استفادوا الكثير من قدرات و يقظة إخوتنا الكرد في الجهة الثانية للحدود خلال فترة الحرب المفروضة. و اليوم أيضاً حين يزورون إيران - يسافرون دوماً و يتحاورون - يتذكرون عظمة النهضة الإيرانية و ثقتهم الدائمة بها. نحن نعلم هذا، بيد أنه لا يعني أن الأعداء أقلعوا عن محاولات التغلغل و التآمر و الاندساس. إنهم هناك يعملون و يسعون. يحاولون بمؤامراتهم و بثهم للخلافات و استخدام الأساليب الدنيئة أن يوجهوا ضربتهم متى ما استطاعوا ذلك. و هذا يتطلب اليقظة و الاحتراس. هذه اليقظة و الجاهزية التي أتحدث معكم عنها ليست جاهزية عسكرية فقط. بل هي الجاهزية الروحية أيضاً. قد لا يستطيع العدو فعل شيء من الناحية العسكرية و لا يخامره الأمل في ذلك، لكنه من الناحية الثقافية، و من الناحية السياسية، و الأمنية، و من حيث إعداد الجواسيس و التغلغل إلى المعتقدات و الإيمان الراسخ لدى الرجال و النساء المؤمنين في هذا البلد، قد يروم على هذه الصعد اصطناع وسائل معينة لبلوغ أهدافه السوداء. هذه الأمور تهدد أمننا. الأمن في البلاد و في أية منطقة يمثّل أساس التقدم. بعض فرص العمل و التقدم في هذه المحافظة و المحافظات المجاورة - في مناطق غرب و شمال غرب البلاد - فاتت بسبب انعدام الأمن الذي فرضه عملاء العدو و مرتزقته طوال الأعوام الأولى على هذه المنطقة. صحيح أن الأهالي الكرد دافعوا دفاعاً مستميتاً لكن الطاقة التي أنفقت للدفاع العسكري في هذه المنطقة كان يمكن إنفاقها على الإعمار، و لو حدث ذلك لكانت المنطقة أكثر تقدماً اليوم مما هي عليه. طبعاً تم إنجاز الكثير من الأعمال. نحن نعلم هذا و أهالي المنطقة يشاهدونه و يعلمونه عن كثب، غير أن ما يجب إنجازه و ما كان يمكن إنجازه أكبر بكثير من حجم الأعمال التي أنجزت لحد اليوم. و كذا سيكون الحال بعد اليوم أيضاً. كلما تكرّس الأمن كلما ازدادت إمكانيات العمل، و الإنتاج، و العمران، و التقدم، و تقديم الخدمات. هذه المنطقة جديرة بما هو أكثر من هذا. الإمكانيات الطبيعية في المنطقة و المصادر الغنية الهائلة فيها - المصادر الطبيعية و الطاقات البشرية - قيمة جداً. و كذا الحال بالنسبة للعشائر العزيزة هنا و في المناطق الأخرى التي شهدناها عياناً.. العشائر قطب مواهب متألقة و بارزة. شبابكم هؤلاء مواهب يمكن للمرء أن يعقد عليهم الأمل في ازدهار البلد و مجده مستقبلاً. ينبغي تفجير هذه المواهب و تثميرها. تنمية الخدمات و تنمية المشاريع التعليمية، و رفع مستوى التعليم و المعارف بين الأهالي و بين العشائر في المدن المختلفة يوفر لنا و لكم هذه الإمكانية في مستقبل المنطقة.أملنا كبير أيها الأعزاء.. تعلّمنا التجارب أن نكون آملين متفائلين و يكون لنا يقيننا بالمستقبل. تجاربنا تجعل هذا الأمر مبرماً و مسلّماً به بالنسبة لنا. ذات يوم ظن الأعداء أن بوسعهم استئصال هذا النظام، و أصدقاؤنا أيضاً في شتى بقاع الأرض كانوا خائفين من هذا. المؤمنون في البلدان الإسلامية و الشباب المؤمن الذين عقدوا آمالهم على هذه الثورة كانت قلوبهم راجفةً على مستقبل هذا النظام الفتي. و عدونا الجار الأبله صدام العفلقي البعثي دخل الحرب بهذه الظنون الباطلة و تصوّر أنه سيُنهي كل شيء، لكن الثورة صفعتهم على وجوههم بحيث شاهدتم عاقبتهم. و الأعداء ممن هم أكبر من صدام عقدوا الآمال طوال هذه الأعوام المتمادية و فكروا و تآمروا و حاكوا الأساطير التي أمّلوا بها أنفسهم، إلا أن كل هذه الظنون عادت باطلةً. كانوا يتصورون أن الثورة الإسلامية إما أنها لا تبقى أو إذا بقيت فلن يكون بمقدرتها التقدم بالبلاد إلى الأمام. و الثورة الإسلامية بقيت على رغم أنوف الأعداء و تجذرت و بهرت أيضاً الأنظار في العلوم و التقنية و مختلف مظاهر التطور الاجتماعي و السياسي.نظام الجمهورية الإسلامية في هذه المنطقة اليوم و بين مجموعة من الأنظمة التي تولّى قسم منها السلطة بالدكتاتورية العسكرية و تولاها قسم آخر بالدكتاتورية الوراثية و راح يحكم الناس، طفق يبث أملاً جديداً في هذه المنطقة على أساسٍ من الديمقرطية الدينية و بالمشاركة الحقيقية للجماهير في انتخاب المسؤولين التنفيذيين و التشريعيين على اختلاف مستوياتهم، و بمساهمة الشعب في الميادين المختلفة، و بفضل الأنس و التعاطف بين المسؤولين و الجماهير، و اعلموا أن جلسة مثل جلستنا اليوم تطفح بالمحبة المتبادلة بين الطرفين و تمتلىء فيها القلوب بمودة البعض، لا يتوفر لها نظير على الأقل في أي من البلدان القريبة التي نعرفها. و نحن لسنا على علم بالبلدان البعيدة و لا نخال أن فيها مثل هذا الشيء حيث تشعر شرائح الشعب المختلفة بالقرب و الألفة مع مدراء البلاد من الطراز الأول، و مسؤولو البلاد يعشقون شرائح الشعب. هذه محبة صادقة لا يوجد لها نظير في البلدان الأخرى حين ترون أن الحكومة الفلانية التابعة لأمريكا، أو الحكومة الفلانية المسلمة في ظاهرها و المتحالفة في باطنها مع الصهاينة، أو الحكومة الفلانية المستبدة المستكبرة لا تكفّ لحظة واحدةً عن الإساءة و الحقد على الجمهورية الإسلامية، فما هذا إلا بسبب هذه الخصوصية في النظام الإسلامي الذي استطاع النفوذ إلى قلوب شعوبهم.حينما تزورون اليوم البلدان المسلمة العربية و تتآلفون مع الناس فيها و تعاشرونهم في الأسواق، إذا علموا أنكم إيرانيون فسيبدون تجاهكم المحبة و المودة. و مسؤولوكم حينما يزورون هذه البلدان - في البلدان التي يتركون للناس حريتهم - تبدي الجماهير هناك مودتها و مشاعرها الطيبة لهم. و هذا ما لا يوجد له نظير في أي مكان آخر من العالم. رؤساؤنا يزورون البلدان المسلمة فيخرج الشباب و الطلبة الجامعيون و الأساتذة و الناس في الأزقة و الأسواق و من مختلف شرائح الشعب يحيّونهم و يهتفون لهم و يبدون لهم المودة و يجتمعون حولهم كما يفعل الناس في أي مدينة من إيران. هذا مؤشر نفوذ هذه الثورة في قلوب الشعوب المسلمة. و هو ما يُغضب و يُقلق الحكومات المعارضة للإسلام و لنظام الجمهورية الإسلامية.ما لدينا هو من لطف الله. يجب أن نتعلم من الإسلام و لا يصيبنا الغرور. الاغترار بالذات بداية الانزلاق و مقدمة الهزيمة. كل ما لدينا يجب أن نعدّه من لطف الله و فضله: » ما أصابك من حسنة فمن الله و ما أصابكم من سيئة فمن نفسك «. كل التقدم و التوفيق و الفرص الإيجابية من لطف الله. و كل النواقص هنا و هناك ناجمة عن أدائنا. يجب أن نراقب أعمالنا، نحن المسؤولين بدرجة أكبر، و شرائح الشعب و أبناؤه كلُّ بدوره، و أنتم رجال العشائر الكردية و المتنفذين في المدن الكردية تقع عليكم أيضاً مسؤوليات جسيمة حسب مواقعكم. كما عملتم لحد اليوم بصورة إيجابية و الحمد لله اطلبوا العون من الله و سيروا في المستقبل أيضاً على هذا الطريق، و حافظوا على وحدتكم و زيدوا من العلاقة الصميمية بينكم. الثورة ثورتكم و البلد بلدكم، و المسؤولون أبناؤكم و خدمكم.. اعتبروهم منكم و اعتبروا أنفسكم منهم. حافظوا على يقظتكم و وعيكم ما استطعتم، و اعلموا أن المستقبل لكم و لشعب إيران بفضل من الله تعالى.أسأل الله تعالى توفيقاته و لطفه و رحمته لكم جميعاً أيها الأعزاء. و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته. 
2009/05/13

كلمة الإمام الخامنئي في رجال الدين الشيعة و السنة بكردستان

بسم الله الرحمن الرحيمو الحمد الله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا و نبينا أبي القاسم المصطفى محمد و على آله الطيبين الطاهرين و صحبه المنتجبين.لهذا الاجتماع خصوصيات استثنائية و فريدة حيث اجتمع هنا العلماء المحترمون و أئمة الجمعة و الخطباء و طلبة العلوم الدينية من الشيعة و السنة. و قد حضر الاجتماع أيضاً الأخوات طالبات العلوم الدينية من السنة و الشيعة. و كما قيل لنا فإن عوائل الشهداء من رجال الدين في كردستان حاضرة في الاجتماع أيضاً. فالمعنوية، و العلم، و الروحانية، و الشهادة، و الوحدة تتجلى كلها في هذا الاجتماع النيّر. و هذا شيء بارز و مميّز. عليَّ أنا و عليكم أنتم أيضاً معرفة قدر هذا الاجتماع، و قدر هذا التعاطف و الألفة و المواكبة، و علينا جميعاً معرفة قدر هذه الروابط الصميمية، إذ تقع على عواتقنا جميعاً مسؤوليات جسيمة. المسؤولية مسؤولية كبيرة على كل واحد من أبناء الشعب الإيراني في هذه الفترة، خصوصاً على حملة العلم و الوعي و الدين و الشريعة.أول ما يخطر على بالي طرحه في هذا الاجتماع النيّر و المعنوي هو ما أشرت إليه الآن من جسامة المسؤولية. علماء الدين في الإسلام رواد الإصلاح و الرقي و التقدم. ألقيت هذه المسؤولية على عاتق علماء الدين. ما قاله الإمام علي (ع) و ورد في نهج البلاغة: » و ما كتب الله على العلماء أن لا يقاروا على كظّة ظالم و لا سغب مظلوم « معناه أن عالم الدين لا يمكنه اتخاذ جانب الصمت و الحياد حيال الظلم و الإجحاف و اعتداء الناس على بعضهم. لا معنى للحياد هنا. القضية لا تتلخص بأن نعرض على الناس حكم الشريعة و المسائل الدينية. مهمة العلماء مهمة الأنبياء. » إن العلماء ورثة الأنبياء «. لم تكن مهمة الأنبياء مجرد عرض المسائل. لو اكتفى الأنبياء بهذا الجانب و ببيان الحلال و الحرام للناس لما كانت ثمة مشكلة و لما عارضهم أحد. في هذه الآيات الشريفة التي تلاها المقرئ المحترم بصوته الحسن و تجويده الرائق: » الذين يبلغون رسالات الله و يخشون و لا يخشون أحداً إلا الله « لنا أن نتساءل أي تبليغ هذا الذي تندرج فيه خشية الناس و على الإنسان أن لا يخشاهم حينما يبلغ؟ لو كانت القضية تقتصر على بيان جملة أحكام شرعية لما كان هناك سبب للخوف بحيث يثني الله تعالى على الذين لا يخشون الناس و لا يخشون أحداً إلا الله. التجارب الصعبة التي عاناها الأنبياء الإلهيون طوال أعمارهم المباركة ما هو سببها و ما الهدف منها؟ « و كأيٍّ من نبي قاتل معه ربّيّون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله و ما ضعفوا و ما استكانوا «. ما هي الرسالة التي ينبغي القتال من أجلها؟ و تعبئة جنود الله من أجلها و الزحف بهم؟ هل كانت مجرد ذكر بضعة عبارات في الحلال و الحرام و بعض المسائل؟ لقد ثار الأنبياء لإقامة الحق و إقامة العدل و مقارعة الظلم و الفساد و تحطيم الطواغيت. ليس الطاغوت ذلك الوثن الذي يعلقونه على الجدران أو يضعونه في الكعبة أيام الجاهلية. ذلك الوثن ليس بشيء حتى يطغى. إنما الطاغوت هو ذلك الإنسان الطاغي الذي يفرض صنم وجوده على الناس ارتكازاً إلى ذلك الصنم المعلّق على الجدران. الطاغوت هو فرعون: » إن فرعون علا في الأرض و جعل أهلها شيعاً يستضعف طائفة منهم «. هذا هو الطاغوت. حارب الأنبياء هؤلاء و قارعوهم و وضعوا أرواحهم على الأكف و لم يقعدوا ساكتين عن الظلم و العسف و تضليل الناس. هؤلاء هم الأنبياء. » و العلماء ورثة الأنبياء «. إذا كنّا نرتدي ثياب علماء الدين - سواء منا الرجال أو النساء أو السنة أو الشيعة - فنحن في الواقع نطلق ادعاءً كبيراً و نقول إننا ورثة الأنبياء. ما هي وراثة الأنبياء هذه؟ إنها مقارعة كل تلك الأمور التي يعدّ الطاغوت مظهرها.. مقارعة الشرك، و الكفر، و الإلحاد، و الفسق، و الفتنة.. هذا هو واجبنا. ليس بوسعنا القعود و السكون و الاقتناع بأننا عرضنا على الناس بضعة مسائل. التكليف لا يرتفع بهذه الأمور. هذه هي الخطوة الأولى.لكل فترة مقتضياتها. ذات يوم كنّا نؤلف الكتب و نسوق الأدلة و نتحدث من أجل الدفاع عن الهوية القرآنية للإسلام، و كان هناك عدد من المستمعين و المريدين و الراغبين يصغون لنا و كانت أمورنا تسير على هذا النحو. و كان الطاغوت حاكماً و لا يسمح بالتحرك أكثر من هذا المقدار. البعض منا ممن كانوا أكثر حذاقة أبدوا تحركات أوسع و البعض اكتفوا بهذا المقدار القليل، و لكن ماذا عن الحال اليوم؟ هناك اليوم خصوصيتان تجعلان الأعباء على كواهلنا أنا و أنتم ثقيلة. الخصوصية الأولى هي تطور أساليب نقل الأفكار. لاحظوا التلفاز و الإذاعات و الأجهزة الالكترونية و الانترنت و سائر وسائل الاتصالات في العالم اليوم لأية أهداف تستخدم. لا يكتفي الاستكبار اليوم بأن يشهر سيفه.. هو يشهر سيفه طبعاً.. لكنه يستخدم إلى جانب ذلك عشرات الأساليب الأخرى من أجل أن يفرض تلك الأفكار الخاطئة و الطريق الخاطئ، و المناهج الظالمة الطاغية على الشعوب. لقد ثبت اليوم وفقاً للمعلومات الأكيدة أن مؤسسة هوليود الكبرى و الشركات السينمائية الكبيرة لها تعاونها و مواكبتها المستمرة للسياسات الاستكبارية الأمريكية. هذه المؤسسة السينمائية الكبرى التي تحتوي في داخلها على عشرات الشركات السينمائية الكبيرة بما فيها من فنانين و مخرجين و ممثلين و كتاب مسرحيات و سيناريوات سينمائية و مستثمرين إنما تعمل لخدمة هدف معين. و الهدف هو أهداف السياسة الاستكبارية التي تحرك الحكومة الأمريكية. هذه ليست بالمسألة الصغيرة. من أجل أن تدلوا الناس على الإسلام و الدين و الحقيقة و الصراط المستقيم و تجعلوهم يسيرون في هذا الصراط تواجهون مشكلات كبيرة. علينا أن نكيّف أنفسنا مع الزمن. الشبهات ليست من قبيل شبهات ما قبل مائة سنة و مائتي سنة. الشبهات التي يقصفون بها أذهان شبابكم و طلبتكم الجامعيين و حتى طلبة مدارسكم شبهات عصرية. من الذي يجب أن يقف بوجه هذا؟ سوى علماء الدين و حماة حدود العقيدة، من الذي ينبغي أن يقف أمام هذه السهام المسمومة؟ هذه هي النقطة الثانية.الخصوصية الأخرى في عصرنا هذا هي وجود حكومة قرآنية. توجد اليوم مثل هذه الحكومة، و لم تكن موجودةً بالأمس، لكنها قائمةٌ اليوم. لا توجد لدينا طوال تاريخ الإسلام، و منذ صدر الإسلام و إلى اليوم و منذ أن تحولت الخلافة في العالم الإسلامي إلى ملك وراثي و لحد اليوم أية حكومة حكمت على أساس الشريعة. حتى الخلافة العثمانية التي كانت تسمى خلافة و الكثير من المسلمين عقدوا الآمال و القلوب على الجهاز العثماني لأنه حمل عنوان الخلافة، لم تكن أكثر من جهاز ملكي، أي إن الحكم لم يكن هناك على أساس الدين و لا على أساس الشريعة. لم تكن لدينا حكومة دينية و لدينا حالياً مثل هذا الحكومة.إنني لا أدعي أن هذه الحكومة الدينية حكومة قرآنية متكاملة، أبداً. أول ناقد للحكومة هو أنا. إننا نسير في تطبيق الشريعة الإسلامية وفقاً للحد الأدنى. بيد أن الاتجاه اتجاه صحيح. و نروم التحرك و التقدم صوب الحد الأعلی. الحكومة حكومة دينية رسمياً و قانونياً و بحسب الدستور. أية خطوة أو قانون بخلاف الشريعة الإسلامية فهو منسوخ. الحكومة حكومة تقوم على أساس الدين. هذه ظاهرة مهمة للغاية. معناها أن الجهاز السياسي في البلاد يسمح لأهل الدين بل و يريد منهم التحرك على سبيل إشاعة الشريعة. مسؤولو النظام إذا لم يكونوا متطابقين مع المعايير الدينية فسوف يفقدون شرعيتهم بمقتضى القانون. هذا شيء بديع و جديد لم يكن لنا في الماضي. و يجب استثمار هذه الفرصة. إذن، هذه هي الخصوصية الثانية للوضع الحالي. يمكن توظيف هذه الخصوصية لأقصى درجة من أجل إشاعة حقائق الإسلام و معارفه و شريعته في هذا العالم الواقع في فخ الماديات.للمرحوم سيد قطب كلام في إحدى كتاباته قرأته قبل أربعين سنة أو أكثر و هو في ذهني دائماً. يقول إن أنصار الإسلام و دعاته - و هذا مضمون كلامه و لا أتذكر التفاصيل لتباعد الزمن - بدل أن يكتبوا كل هذه الكتب و بدل أن يجترحوا كل هذا الإعلام و الخطابات و بدل إدارتهم لكل هذه المساجد لو كانوا قد فعلوا شيئاً واحداً لإشاعة الإسلام لكان تأثير ذلك الشيء أكبر من كل هذا الذي يفعلونه. و هو أن يشكلوا في زاوية نائية من العالم - أتخطر أنه قال في جزيرة بعيدة - حكومةً إسلامية. مجرد تشكيل حكومة إسلامية في ناحية من هذا العالم الكبير له من التأثير ما يفوق آلاف الكتب و آلاف المحاضرات و آلاف الأفكار الدقيقة الرامية لنشر الدين. لقد اختبرنا هذا الشيء و جربناه. حينما تأسس النظام الإسلامي، و حينما صدر هتاف الإسلام من حنجرة ذلك الرجل الكبير الشجاع الفذ أي إمامنا الجليل - الذي لا يسعنا مقارنته بأي من هذه الشخصيات المصلحة الإسلامية في تاريخنا. إنني على معرفة بحيوات و سير المصلحين الكبار نظير السيد جمال الدين و سواه و لا يمكن مقارنة ذلك الرجل الكبير أي إمامنا العزيز الذي وفقنا الله لإدراك عصره بأيٍّ من هذه الشخصيات، حيث تحدث عن الإسلام بتلك الشجاعة و الصراحة و الشعور بالعزة -توجّهت قلوب كل المسلمين فجأة نحو الإسلام. أية جامعة من جامعات البلدان الإسلامية تقصدونها اليوم تلاحظون حبَّ الإسلام و الميل إليه بين الطلبة الجامعيين و الشريحة الشابة المتعلمة. إنهم أولئك الذين كان الشيوعيون يستقطبونهم بسهولة و تجتذبهم التيارات الملحدة على اختلاف أنواعها. لقد بلغت تلك الميول و الاستقطابات اليوم أدنى مستوياتها، و سادت النظرة و التوجّه للإسلام. حينما ترون كل هذا العمل و النشاط من قبل الحكومات الرجعية التابعة الأسيرة الذليلة في المنطقة ضد الثورة فهذا هو السبب. إنهم يخافون... يرون الميول و يشاهدون الحبَّ الصميمي و القلبي لدى شبابهم خصوصاً و لدى شعوبهم نحو هذه الثورة و هذا النظام و هذه الراية الإسلامية المرفوعة الخفاقة هنا. يرون هذا و ينتابهم الخوف فينشطون ضدنا. لكن الأنشطة متنوعة. لو أردنا إحصاء أنواع النشاط الذي يقوم به السلاطين و الرؤساء الظلمة المتسلطين على البلدان الإسلامية ضد الثورة الإسلامية و ما يقومون به من جفاء و عدم إنصاف لكانت لدينا قائمة طويلة. و ربما كنتم على اطلاع بكثير من هذه الأنشطة. هذا هو السبب.. السبب هو تأثير الثورة الإسلامية. لو لم يكن للثورة الإسلامية هذا التأثير العجيب العميق المستمر التغييري الجذري لما حاربوا الثورة الإسلامية إلى هذه الدرجة. خصوصاً و أن اسمهم مسلمون.أعزائي، قضية النـزاع بين الشيعة و السنة التي تلاحظون أنها اشتدت خلال فترة معينة بعد انتصار الثورة الإسلامية ناجمة عن هذا الواقع. خلال فترة الحكم الإسلامي لاحظنا فجأة أن النـزاع بين الشيعة و السنة في إيران و في العراق و في بلدان أخرى يزداد ضراوة. يلقون القبض الآن على بعض الأفراد في بعض البلدان بتهمة أنهم يدعون التشيع! كلام فارغ و خاطىء و كاذب. خصوصاً في بلدان شعوبها محبة لأهل البيت. هم من السنة لكنهم سنة محبون لأهل البيت.. يعشقون أهل البيت. هذا ما رأيناه و نراه.بلغ الأمر درجة أن الكثير من العرب الذين كانوا يستمعون إذاعات إيران في بدايات الثورة بدافع الرغبة و المحبة تعلموا اللغة الفارسية. كثير من الأشخاص التقوا بي في السنوات الأولى للثورة و قالوا لي إننا تعلمنا الفارسية بسبب حبنا للثورة. بقينا نستمع للإذاعة الفارسية التي لا نعلم ماذا تقول إلى أن تعلمنا الفارسية تدريجياً. كانوا يتكلمون بالفارسية بعد أن تعلموها. هذا هو نفوذ الثورة. لقد أصاب سيد قطب. تأثير هذا الشيء - النظام الذي تأسس على ركائز الإسلام - أكبر من آلاف الكتب.لو كان باستطاعتهم دفن هذا النظام في السنوات الأولى لأنتهى ذلك بضرر الإسلام، و لقالوا: انظروا كيف لم يستطع الإسلام الاستمرار. فجّر الإسلام ثورةً و أسس نظاماً و لم يستطع الاستمرار لأكثر من سنتين أو لم يستطع الاستمرار لأكثر من خمسة أعوام. و لو بقي النظام الإسلامي لكنه لم يتقدم و يتطور لعاد ذلك بالضرر على الإسلام. و لقالوا: نعم، تأسس نظام إسلامي و عاد بالناس إلى عهد ما قبل التاريخ حيث تركهم بلا علم، و لا تقدم، و لا تقنية. لكن الثورة الإسلامية بقيت و تجذرت و تقدمت علمياً بنحو حيّر العقول، و قدمت جيلاً شاباً نخبوياً واعياً. حين تسمعون أن إيران هي البلد الثامن في العالم في الخلايا الجذعية فهذا كلام كبير جداً. إيران التي حرموها من كل إمكانات التقدم. حينما استلم النظام الإسلامي هذا البلد لم تكن البُنى التحتية تلائم كل هذا التقدم العلمي على الإطلاق. حينما يقولون إن الجمهورية الإسلامية بإطلاقها قمراً صناعياً إلى الفضاء - أذهل عيون منافسي الجمهورية الإسلامية و أعدائها - كانت البلد العاشر أو التاسع الذي يفعل ذلك، فهذا كلام كبير جداً. إيران؟! من الذي فعل هذا؟ النظام الإسلامي. من الذي تقدم بالعلم هكذا؟ من الذي أطلق النهضة العلمية في البلاد؟ من الذي وظف الذكاء الإيراني الذاتي لخدمة الإبداع و الابتكارات؟ النظام الإسلامي. إذن، أثبت النظام الإسلامي قدرته على البقاء و أيضاً قدراته على التقدم بالشعب إلى الإمام.و سيكون هذا مفخرة للمسلمين و مبعث عزة لكل مسلم في أية نقطة من العالم. عندئذ تبدأ العداوات أي تشتد. إذا لمستم شخصاً في الشارع لمسة خفيفة فأقصى ما سيفعل هو أن ينظر لكم بغضب و يمرُّ في طريقه. أما إذا ضربتموه لكمة فسيعود و يُسمعكم كلاماً شديداً. و أما إذا وجهتم له ضربة شديدة فسيمسك بتلابيبكم و لن يترككم لحالكم. و حين ترون أنهم يمسكون الجمهورية الإسلامية و النظام الإسلامي من تلابيبه و لا يدعونه لحاله فهذا دليل على أن الجمهورية الإسلامية وجهت ضربة لجسد الاستكبار، و كانت ضربة عميقة شديدة. ليس عدونا الزمرة الفلانية الصغيرة أو أربعة أشخاص صغار أو كبار. ليس عدونا الحكومة الإقليمية الفلانية العاجزة و التي ليس لها قواعد شعبية حتى بين أبناء شعبها. عدونا هو أجهزة الاستكبار الهائلة التي يعد الرأسماليون الصهاينة و أصحاب الشركات و الكارتلات الكبار في العالم أهم من يتخذون لها القرارات. هؤلاء هم الواقفون بوجه النظام الإسلامي و هم طبعاً يستخدمون كافة الأساليب و الأدوات. لقد تلقّوا ضربةً لذلك ترونهم يستخدمون كافة الإمكانات و الوسائل.. من بث روح الانهزام و التشكيك في العقائد الإسلامية و دفع الشباب نحو المخدرات و الأفيون و الفساد و استغلال غفلة بعض المؤسسات لتوجيه ضربة للشباب و تفتيت حصانتهم إلى تأجيج الخلافات الطائفية و النزاع بين الشيعة و السنة إلى تحريض الزمرة الفلانية، و إلى النفوذ - لو أمكنهم ذلك - في المسؤولين رفيعي المستوى أو من هم دونهم في الجمهورية الإسلامية. إنهم يبذلون مختلف صنوف الجهد. و رغم كل هذه المساعي فإن المؤمنين صامدون: » كالجبل الراسخ لا تحركه العواصف «. ليس بوسع هذه الأعاصير هزّ الجمهورية الإسلامية.حينما ننظر إلى قلوبنا و إلى قلوب شعبنا نشاهد الرحمة الإلهية. عندما نلاحظ أن عزمنا راسخ و أن تحريضات العدو لا تنفع معنا، و لا يخيفنا تقطيبه، و لا تخدعنا وعوده، ندرك أن هذه رحمة إلهية. الله تعالى وراء كل هذه العوامل الظاهرية و المادية. يد القدرة الإلهية وراء هذا النظام و هي التي تتقدم به إلى الأمام و تهديه. » اللهم إنما يكتفي المكتفون بفضل قوتك «. في الصحيفة السجادية - و أوصيكم جميعاً بالإكثار من قراءة الصحيفة السجادية و الاستئناس بأدعية الإمام السجاد ( سلام الله عليه ) - ورد أن كل من لهم قوة و قدرة في الدنيا و كل المكتفين بذاتهم إنما هم ضيوف مائدة قدرتك و هم في قبضة قدرتك.. » فصلِّ على محمد و آله و اكفنا، و إنما يعطي المعطون من فضل جدتك فصل على محمد و آله و أعطنا، و إنما يهتدي المهتدون بنور وجهك فصلّ علی محمد و آله و اهدنا «. الاعتماد على الله و الاكتفاء بالكفاية الإلهية و التشجّع بالرحمة و الهداية الإلهية لا يترك الإنسان فريسةً لليأس. و حينما أنظر لجماهير شعبنا أرى مثل هذا. إنْ كانوا في كردستان و إنْ كانوا سنّة، أو بلوش، أو شيعة، أو من إصفهان، أو شيراز، يرى الإنسان علامات الرحمة الإلهية واضحةً في أعماق قلوبهم. لقد ربط الله تعالى على القلوب، و أتمَّ الحجة علينا بتوفيره هذه الإمكانيات و هذه الأرضية فتحركوا و سيروا إلى الأمام. على رجل الدين في هذا الزمن توظيف هذه الإمكانية و الانتفاع منها إلى أقصى درجة، و لا بد له من التعرف على الأفكار الجديدة و الاطلاع على طرائق الأعداء و أساليبه، و أن يكون عالماً بزمانه.. » العالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس «. كجبهة الحرب تماماً. ربما كان الكثيرون من الحاضرين في هذا الاجتماع ممن شهدوا جبهات القتال - و الشباب لم يشهدوا تلك الأيام طبعاً - في جبهات القتال تنهال القذائف و الرصاص و صنوف النيران من كل حدب و صوب و تمرُّ فوق رأس الإنسان بحيث يضلّ اتجاهه أحياناً و لا يدري هل هذا الرصاص و القذائف تُطلق من قبل العدو أم أن الصديق هو الذي يدكّ مواقع العدو. هذا خطر كبير جداً. الخطر الأكبر بالنسبة للمقاتل هو أن يضل اتجاهه و لا يعلم أين العدو و أين الصديق. إذا لم يعلم أين العدو و أين الصديق فقد يفتح النار على الصديق ظناً منه أنه يطلق النيران على العدو. هذه حالة خطيرة جداً. البعض منا يطلق النار على الأصدقاء و يتوهم أنه يطلق النيران على العدو! البعض منّا يغفل عن أن بث الخلافات الطائفية مخطط يريده العدو ليشغلنا ببعضنا. نغفل.. فتصبح ذروة همّة الشيعي ضرب السني و كل همّة السني ضرب الشيعي. هذا شيء مؤسف جداً و هو ما يريده العدو.أريد أن أسوق المثال من قضية دعم فلسطين حيث لم يبلغ أي بلد و لا أية حكومة ما بلغته الجمهورية الإسلامية في دعم فلسطين. و هذا ما يعترف به العالم كله. و وصلت الأمور إلى درجة أن بعض البلدان العربية امتعضت جداً و قالت إن إيران تبذل كل هذه الجهود هنا من أجل مصالحها و أهدافها! الفلسطينيون طبعاً لم يبالوا لهذا الكلام. و من ذلك ما حدث في قضية غزة - في حرب الـ 22 يوماً التي وقعت قبل أشهر - حيث عملت الجمهورية الإسلامية بكافة مستوياتها من القيادة و رئاسة الجمهورية و المسؤولين و المدراء و الجماهير و التظاهرات و الأموال و المساعدات و الحرس الثوري و غير ذلك.. عمل الجميع لخدمة الإخوة الفلسطينيين المظلومين المسلمين. و في ذروة هذا الوضع شاهدنا فجأة أن فايروساً ينتشر و يتكاثر.. يذهبون دوماً عند بعض العلماء و المحترمين و المبرزين و يقولون لهم: من هؤلاء الذين تساعدونهم؟ أهالي غزة من النواصب! و النواصب هم أعداء أهل البيت، و صدّق البعض ذلك! لاحظنا رسائل و ردود رسائل تقول إن هؤلاء نواصب. قلنا: العياذ بالله، لعنة الله على الشيطان الرجيم الخبيث. في غزة هناك مسجد الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، و مسجد الإمام الحسين، كيف يمكن أن يكونوا نواصب؟ نعم، هم سنة لكنهم ليسوا نواصب.. هكذا تحدثوا و عملوا و بادروا.و هناك الاتجاه المقابل أيضاً.. يذهب جماعة إلى قم يفتشون طيات الكتب الشيعية ليجدوا أين أهينت مقدسات أهل السنة، يصورونها و يوزعونها في المحافل السنية و يقولون: هذه كتب الشيعة.. أو يجدوا خطيباً جاهلاً غافلاً أو مغرضاً يُسيئ لمقدسات أهل السنة على المنبر، فيسجلون كلامه على شريط أو قرص مضغوط و يوزعونه هنا و هناك و يقولون: انظروا، هؤلاء هم الشيعة. يشوّهون هذا عند ذاك و ذاك عند هذا. فما معنى هذه المساعي؟ ما معنى » و تذهب ريحكم «؟ هذا معناها بالتالي. حينما يشيع الخلاف و التفرقة و سوء الظن بالبعض، و حينما نعتبر بعضنا خونة فمن الطبيعي أننا لن نتعاون. و حتى لو تعاونّا فلن نكون صميميين مع بعضنا. و هذا ما يريده الأعداء. على علماء الشيعة و على علماء السنة أن يفهموا هذا و يدركوه. من البديهي أن يختلف المذهبان في بعض الأصول و بعض الفروع، و هما متوافقان في الكثير من الأصول و الفروع الأخرى. و الاختلاف لا يعني العداء. فتاوى الفقهاء الشيعة تختلف عن بعضها أحياناً مائة و ثمانين درجة. و فتاوى أئمة أهل السنة تختلف عن بعضها أحياناً اختلافاً كبيراً. و لكن لا ضرورة حينما تختلف الفتاوى أن يلجأ الإنسان إلى السباب و الإساءة ضد من يختلف معه. هذا مذهبه كذا، و ذاك مذهبه كذا...(1) نعم، هكذا هم أهل السنة. أي ينبغي أن لا يتصور أحد أن أهل بيت النبي هم للشيعة فقط، كلا، إنهم لكل العالم الإسلامي. من ذا الذي يرفض فاطمة الزهراء ( سلام الله عليها )؟ و من ذا الذي يرفض الحسنين ( عليهما السلام ) سيدي شباب أهل الجنة؟ من ذا الذي يرفض أئمة الشيعة الأجلاء؟ البعض يعتبرونهم أئمة واجبي و مفروضي الطاعة و البعض لا يعتبرونهم كذلك، لكنهم لا يرفضونهم. هذه حقائق يجب فهمها و تكريسها. البعض طبعاً لا يفهم هذا و تستفزّه تحريضات الأعداء و هو يحسب أنه يحسن صنعاً... » قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً، الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا و هم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً «.(2) يتوهمون أنهم يفعلون خيراً و هم في غفلة عن أنهم إنما يعملون للأعداء. هذه خصوصية زماننا.لقد طال بي الكلام، و لدي الكثير مما أقوله لكم طبعاً. لدي الكثير من الكلام مع العلماء و خصوصاً مع الطلبة الشباب، إلا أن المجال ضيّق. لو كان ثمة مجال و فرصة أوسع فهناك كلام أكثر يمكن أن يقال. إجمالاً اعلموا أن معاداة الإسلام اليوم أخطر من السابق، و السبب هو قيام حكومة الإسلام هنا. يشعرون بالخطر من سيادة الإسلام و رفع رايته في إيران. يجب أن تمسكوا هذه الراية بقوة، و على الجميع معرفة قدر هذه السيادة. كل من يحب الإسلام و يحب القرآن عليه أن يعرف قدر هذه السيادة. هذا هو الهدف و الاتجاه العام.و من الناحية العملية ينبغي التنبّه للنقطة الأولى التي ذكرتها فقد تقدم الزمن و حصلت الكثير من التغييرات و ازدادت طرق النفوذ إلى أذهان الشباب. عليكم معرفة هذه الطرق و الاهتمام خصوصاً بمواجهة الأعداء على صعيد أفكار الشباب و مشاعرهم و اعلموا أن النقطة الأولى التي يستهدفها العدو هي النقطة الناشطة التي يشكل الجيل الشاب أحد جوانبها، إذ الأمل منعقد على جيل الشباب و هو الذي يصنع المستقبل. لذلك يستهدفه الأعداء. و طبعاً من النقاط الحساسة الأخرى علماء الدين. الأعداء يستهدفون علماء الدين أيضاً بأساليب و أشكال مختلفة. و الشاهد على ذلك الضغوط المشهودة و قد أشار سماحة السيد موسوي(3) إلى الضغوط الشديدة التي فرضت على علماء كردستان في السنين الأولى من الثورة و الشهداء الكثار الذين قدموهم - سبعون شهيداً - و قد وفقنا الله بالأمس لزيارة أضرحة بعض هؤلاء الشهداء الأبرار في روضة الشهداء و قرأنا لهم الفاتحة. نرجو أن يرفع الله درجات الشهداء أكثر فأكثر.اللهم اجعل ما قلناه و سمعناه لكَ و في سبيلك و تقبّله منا بكرمك.. اللهم بمحمد و آل محمد أنزل توفيقك و رحمتك و فضلك على شعب إيران و على كل واحد من الحاضرين.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.الهوامش:1 - هنا قرأ أحد الحضور هذين البيتين:آل النبـي ذريعتـي و هـم إليه وسيلتيأرجو بهم أعطى غداً بيد اليمين صحيفتي2 - سورة الكهف، الآية 103 - 104.3 - ممثل الولي الفقيه في محافظة كردستان. 
2009/05/12

كلمة الإمام الخامنئي في مراسم القوات المسلحة بمحافظة كردستان

بسم الله الرحمن الرحيمأشكر الربَّ المتعال على لقائي بهذه الجماعة الرشيدة و المستعدة للعمل من القوات المسلحة في هذه الساحة - كمجموعة نموذجية - و في هذا الأقليم المنجب للأبطال و الأرض المحفوفة بالجهاد.كردستان أرض استثنائية في تاريخنا المعاصر من حيث الإيثار و الشهادة. الأعداء و حسب ما تمليه عليهم سياسات الإيذاء ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية ركزوا على هذه المنطقة بوجه خاص و ساقوا قواتهم بكافة أشكالها و أساليبها إلى هذه الساحة. نظام الجمهورية الإسلامية المعتمد على إيمان المؤمنين و غيرتهم خرج متألقاً مرفوع الرأس من امتحان كبير جداً على هذا الصعيد. لقد أبدت القوات المسلحة في الجيش و الحرس الثوري و التعبئة و قوات الشرطة أعمالاً كبيرة و باهرة و متعددة في هذه المحافظة. أظهر أهالي كردستان الغيارى على شكل البيشمركة الكرد الإسلاميين و التعبئة الشعبية إيماناً و حماساً و شوقاً في ساحات القتال ستبقى دون شك ذكريات كبرى في سجل ملاحم الشعب الإيراني. لقد ارتفع أهالي هذه المنطقة بالتعاون و الصميمية مع القوات المسلحة إلى ذروتها، كما أثبتت القوات المسلحة - الشباب المجتمعون من مختلف أنحاء البلاد - أنهم في النظام الإسلامي قوةٌ هدفها الدفاع عن الجماهير و عن أمنهم. هذه نقطة أساسية.إذا كانت القوات المسلحة في المجتمعات المختلفة و على امتداد التاريخ تتشكل للدفاع عن السلطات و أرباب السلطة فإنها في النظام الإسلامي في خدمة أمن الجماهير و مكلّفة بحفظ الهدوء و الاستقرار في الحياة العامة للشعب. فلسفة وجود القوات المسلحة هي أن يشعر الشعب في ظلها بالأمان. لقد برزت هذه الوظيفة لدى القوات المسلحة في الجمهورية الإسلامية و الحمد لله بكل وضوح منذ بداية انتصار الثورة الإسلامية. ما أبدته القوات المسلحة من أداء في هذه المحافظة و في هذه المنطقة و في غرب البلاد و في مناطق أخرى من هذا القبيل كان بلورة حقيقية و واقعية لفلسفة وجود القوات المسلحة.و كذا الحال اليوم أيضاً. أقول لكم بكل حزم أيها الإخوة الأعزاء و الشباب الرشيد الحاضر في هذه الساحة سواء التعبئة البطلة المحلية أو قوات الجيش، أو قوات الحرس، أو قوات الشرطة إن النظام الإسلامي يريد القوات المسلحة لخدمة أمن الجماهير. كافة جهودكم الرامية للتكامل العلمي و التدريبات العسكرية من أجل رفع قدراتكم القتالية و تأمين تواجدكم السريع و الفوري إنما هو حسنة و خطوة ترضي الله و يمكنكم أن تقصدوا بها القربة إلى الله. و هذه ميزة كبيرة جداً لشبابنا المضحي و قواتنا المسلحة و قادتها.أعزائي، استطاع تواجد القوات المسلحة في أعوام الثورة الأولى إحباط مؤامرات الأعداء الذين أرادوا إشعال نيران الفتنة و الاقتتال و انعدام الأمن في هذه النواحي من البلاد. و هذه المنطقة اليوم محروسة من كيد الأعداء و الحمد لله. تواجد القوات المسلحة تواجد ذكي واع مقتدر. لكنني أوكد عليكم: يجب عدم الغفلة عن كيد الأعداء، لا في هذه المنطقة و لا في أية منطقة أخرى من البلاد. النظام الإسلامي الذي يخوض معركته مع الاستكبار و الظلم العالمي يتوقع دوماً المؤامرات و الضربات و الاعتداءات من قبل الأعداء لذلك لا بد له من أن يحافظ على جاهزيته. هذا أمر قرآني: » و أعدوا لهم ما استطعتم من قوة و من رباط الخيل «. هذه الجاهزية واجب وطني عام، لكنه يقع بنحو خاص على عاتق القوات المسلحة. نحن نعلم و نرى و لدينا معلومات دقيقة أن أعداء نظام الجمهورية الإسلامية و أعداء الشعب الإيراني يرغبون بالتآمر و تمهيد الأرضية لزعزعة الأمن حتى بالقرب من حدود نظام الجمهورية الإسلامية. لذلك يجب التحلّي بالوعي و اليقظة.للأسف فإن خيوط الاغتيالات و عمليات العنف اللا إنسانية في الكثير من أنحاء هذه المنطقة تنتهي إلى أيدي الأجهزة الاستخبارية للمستكبرين. محتلو العراق هم المتهمون الأوائل في العديد من العمليات الإرهابية التي تستهدف أرواح الأبرياء. الذين يتشدقون بمواجهة الإرهاب يديرون و يوجهون أسوء و أعمى الأساليب الإرهابية، و على نظام الجمهورية الإسلامية الحفاظ على يقظته و حذره لأنه من الأهداف الرئيسة لهذه المؤامرات الخيانية، و هو يقظ بالفعل، و شعبنا يقظ. قواتنا المسلحة و مسؤولو الجمهورية الإسلامية يشعرون بثقل هذه المسؤولية الكبرى و هم على أتم الاستعداد و يجب أن يكونوا كذلك.لا بد أن أعداء الجمهورية الإسلامية قد أدركوا بالتجربة أن نظام الجمهورية الإسلامية ليس ممن يعتدي و يبدأ الصراع. طوال هذه الأعوام الثلاثين لم يتعرض أي جار و أي شعب و أية حكومة للتهديد من قبل الجمهورية الإسلامية، لكن هذا الشعب الكبير نفسه و هذا النظام المقتدر نفسه لا يتردد لحظةً واحدةً في الرد على تهديدات الآخرين. هذه الجاهزية مشهودة ليس لدى القوات المسلحة و حسب بل لدى كل أبناء الشعب و الحمد لله بما لهم من روح حيوية متوثبة. عليكم أيها الأعزاء مضاعفة هذه الجاهزية باطراد.اعلموا أن الشعب يستطيع الدفاع عن كرامته و عزته و كيانه بالمعنى الحقيقي للكلمة حينما يكون مستقلاً و معتمداً على نفسه و متكئاً على قواته و إرادته و محافظاً دوماً على جاهزيته بالتوكل على الله تعالى. سوف يزيد الشعب الإيراني و بتوفيق من الله هذه الجاهزية يوماً بعد يوم و لا شك أن أعداء نظام الجمهورية الإسلامية لن يجنوا أي شيء من تهديداتهم و مؤامراتهم و سوء نواياهم.ربنا اشمل هؤلاء الشباب المؤمنين و الإخوة الأبطال المضحين المخلصين في كنف حمايتك و لطفك و فضلك و رحمتك. و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
2009/05/12

كلمة الإمام الخامنئي في حشود أهالي محافظة كردستان

بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا و نبينا أبي القاسم المصطفى محمد و على آله الطيبين الطاهرين و صحبه المنتجبين سيّما بقية الله في الأرضين.أنا مسرور جداً و أشكر الله تعالى على عنايته و توفيقه لحضوري مرة أخرى - و إن كانت هذه المرة بعيدة الزمن عن المرة السابقة - في هذه المحافظة الشامخة و بينكم أيها الأهالي الأعزاء الأوفياء. كردستان أرض التضحيات الكبرى، أرض الفن و الثقافة؛ أرض الإخلاص و الوفاء؛ أرض الناس الأوفياء الذين أحبطوا برجولتهم و شجاعتهم مؤامرات كبرى في أكثر سنوات هذا النظام و البلد حساسيةً. إنها أرض الناس الشجعان ذوي الوعي و النضج العقلي الذين شخّصوا مؤامرة العدو في اللحظات الحساسة و أخمدوا بتضحيتهم فتنة كبرى قبل أن تستطيع بلوغ أهدافها المشؤومة. هذا شيء لن ينساه الشعب الإيراني. تحمل كردستان في تاريخ الثورة الإسلامية وسام فخر قلما يمكن مشاهد نظير له في المحافظات الأخرى. أعزائي، إخوتي و أخواتي، في فجر انتصار الثورة الإسلامية أراد البعض إشعال حرب داخلية و إفشاء الاقتتال بين الإخوة في البلاد. الظالمون العالميون خافوا و اضطربوا من ظهور قوة مستقلة تعتمد على الدين و الإيمان الديني في هذه المنطقة، لذلك عبّأوا طاقاتهم و قدراتهم الصلدة و الرقيقة عسى أن يستطيعوا القضاء على هذا الوليد الظاهر إلى الوجود توّاً و هو في الخطوات الأولی من حياته. و قد خرج الأهالي الكرد في هذه المحافظة من الامتحان و من هذه المواجهة الكبرى مرفوعي الرأس. لقد شهدت كردستان عن كثب و شاهدت بعيني عظمة صمود هؤلاء الأهالي في أيام المحنة و الشدة. الكثير مما أقوله عن كردستان مصدره معلوماتي و معرفتي الشخصية التي أحرزتها بمشاهداتي القريبة. طبعاً ذاعت سمعة مقاومة الأهالي في محافظتكم - في العهود المختلفة: سواء في مطلع الثورة أو في فترة الحرب المفروضة - بين كل أبناء الشعب الإيراني.أعزائي ، ثمة سياسة خبيثة حاولت منذ بداية الثورة أن تفصل القوميات الإيرانية عن بعضها و تمزّق الجسد العظيم للشعب الإيراني بشتى الذرائع. كانوا يلقّنون كل قومية من القوميات الإيرانية المتنوعة - الفرس، و الترك، و الكرد، و العرب، و البلوش، و التركمن، و اللر - على حدة تلقينات شيطانية كي ينفروا القلوب و يكدروها ضد بعض. يقولون للطهراني و الإصفهاني شيئاً، و يقولون للبلوشي - و قد قضيت مع البلوش مدة من الزمن قبل الثورة - شيئاً، و يتحدثون في كردستان بأشياء أخرى. كان لا بد من درجة عالية من الوعي كي يستطيع الشعب الإيراني النهوض لأداء رسالته الكبرى التي ألقيت على عاتقه ببركة رفعه راية الإسلام. خاض الشعب الإيراني جهاداً طويلاً في مختلف أرجاء هذا البلد الكبير، و قد أديتم أنتم أهالي كردستان نصيبكم من هذا الجهاد العام الكبير على أحسن وجه. هذه من الأمور التي ستبقى في ذاكرة التاريخ الإيراني.محافظة كردستان محافظة ثقافية. انظروا للطبيعة الخلابة الخضراء في هذه المحافظة، و للروح العطوفة المخلصة لأهالي هذه المحافظة، و لتاريخها الحافل بالعلماء و الشعراء، و المثقفين و الفنانين و هم كثر في تاريخها القريب؛ كل هذه الحقائق تنمُّ عن أن هذه المحافظة محافظة ثقافية.حاول معارضو إيران و أعداء الإسلام أن يجعلوا هذه المحافظة في بداية الثورة محافظة أمنية. لم تكن معالجة هذه المشكلة الكبرى بالأمر اليسير، بيد أن النظام الإسلامي المقتدر و بتعاونكم أيها الأهالي تغلب على هذه المشكلة. لقد سعوا لفصل أجزاء الشعب الإيراني عند بعضها، و التفريق بين الأهالي الكرد و الفرس و الترك، لكنهم لم ينجحوا. ( و ما يمكرون إلّا بأنفسهم و ما يشعرون ).. عاد مكرهم و كيدهم إلى نحورهم. اعلموا أيها الإخوة و الأخوات الكرد أن كل من جاء في تلك السنوات الأولى إلى هنا - من أولئك الشباب الذين جاءوا هنا للجهاد من أقصى أنحاء البلد - و بقي لفترة من الزمن بقي قلبه عالقاً بأهالي محافظة كردستان. الشباب المتحمس المتوثب الذين حضروا من خراسان، و إصفهان، و فارس، و طهران، و باقي محافظات البلاد، و مكثوا مدة قصيرة في سنندج ، و سقّز، و مريوان، و سائر مدن هذه المحافظة، حملوا عندما عادوا رسالة المحبة فقد طفحت قلوبهم بمحبة أهالي الكرد. حين نقول إن هذه محافظة ثقافية فذلك لانعكاس السلوك العطوف للأهالي الكرد. و عكس القضية صادق أيضاً إذ لا تزال ذكرى الشباب المتحمس الذي جاء من الأنحاء الأخرى و ضحّى هنا حاضرة متفاعلة في القلوب و الأذهان. أنا على علم بأن ذكريات الشهيد كاوه، و الشهيد صياد، و متوسليان، و ناصر كاظمي، و أحمد كاظمي، و الشهيد بروجردي - الشباب الذين قضوا عمرهم هنا و قدموا أرواحهم - حيّة حاضرة في قلوب أهالي المحافظة. نشكر الله على أن العدو لم يستطع بلوغ مقاصده.و أقول لكم إن العدو طبعاً لا يقرُّ له قرار أبداً. سادت البلاد سياسة خبيثة منذ عهد الطاغوت هي اعتبار أبناء القوميات المتنوعة أجانب؛ الكرد كانوا أجانب، و البلوش أجانب، و الترك أجانب، و العرب و التركمن أجانب.. كانوا يعتبرون هؤلاء أجانب، و كان هذا المعنى مشهوداً في أدائهم. لاحظوا أنه لم يجر في هذه المحافظة خلال عهد الطاغوت عمل عمراني يذكر، و لا عمل ثقافي مهم. لم يكونوا يهتمون للمحافظة و يعملون لها. الأعمال العمرانية في هذه المحافظة خلال عهد الطاغوت كانت بحدود الصفر؛ و كذلك المشاريع الثقافية. إن كنتم تلاحظون أن في محافظة كردستان اليوم قرابة خمسين ألف طالب جامعي يدرسون في أكثر من عشرين مركزاً للتعليم العالي فقد كان هذا الرقم في عصر الطاغوت 360 طالباً فقط! و نسبة الأمية في هذه المحافظة خلال عهد الطاغوت مفزعة هي الأخرى. كان 29 بالمائة فقط من أهالي المحافظة متعلمين! لم يكن الطاغوت يريد للأهالي الكرد أن يتعلموا و هم على ما هم عليه من الموهبة و الذكاء و القدرة. كان 29 بالمائة منهم فقط يقرأون و يكتبون! كان ذاك عن أدائهم العمراني و هذا عن أدائهم الثقافي! نظرتهم لهذه المحافظة كانت نظرة مشاكسة خاطئة. جاء النظام الإسلامي و صحّح هذه النظرة، لا على مستوى المسؤولين و حسب بل على مستوى كل أبناء الشعب.أعزائي، ليعلم الجميع أن النظام الإسلامي يرى التنوع القومي في بلادنا الكبيرة الشامخة فرصة مغتنمة. التقاليد المختلفة و الأعراف و العادات و المواهب المتنوعة فرصة تتيح لمكونات الشعب تكميل بعضها عبر التعاطي الصحيح و التعايش و الاتحاد التام. إنه لفخر لشعبنا أن ينظر لتنوعه القومي من هذه الزاوية. و السبب هو أن الإسلام مصدر إلهام هذا النظام، و لا فرق في النظرة الإسلامية بين الأعراق و اللغات المختلفة حتى لو كانت من أمم و شعوب شتى، ناهيك عن القوميات المتنوعة داخل الشعب الواحد. هذه هي نظرة الإسلام و هي أيضاً نظرة النظام الإسلامي. لذا نحن ننظر للمنطقة الكردية - محافظة كردستان - و مناطق القوميات الأخرى نظرة إسلامية مضمونها الأخوة و الاتحاد و التعاطف و الصميمية. و كل من يعارض هذه النظرة و يختار أسلوباً آخر يكون قد سلك مسلكاً معارضاً لسياسة النظام الإسلامي. الجميع أدركوا حقيقة أن النظام الإسلامي يعتبر أهالي هذه المحافظة أهله و الأوفياء للثورة و جنودها. لذلك حينما تحدثت بعض أصابع الأجنبي هنا و في أماكن أخرى باسم الأهالي الكرد و أطلقت بعض الكلام الذي لم يكن الأهالي الكرد على أية صلة به، و يوم فكّرت أيادي الأعداء الشيطانية بالفتنة و اقتتال الإخوة في هذه المحافظة و المحافظات المجاورة، تقدم أهالي المحافظة أنفسهم للخطوط الأمامية فكانت هناك جماعة مجيدة و رشيدة من البيشمرگة الأكراد الإسلاميين لن تفارق ذاكرة الذين شهدوا الجهاد أبداً. نحيّي أرواحهم حيث استشهد من أبناء هذه المحافظة خمسة آلاف و أربعمائة شهيد، كما نحيّي من بقي منهم و عوائلهم. نسأل الله تعالى لهم جميعاً الرحمة و المغفرة.أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء؛ أيها الشباب؛ أقول لكم إنكم أيها الشباب يجب أن تطلعوا على تاريخ هذه المنطقة و المناطق الأخرى الزاخر بالعبر. هذه أمور لم يشهدها جيل الشباب و يجب أن يطلع عليها. أراد البعض تنفيذ مخططات الأعداء في هذه المحافظة و الإيقاع بين الأهالي المؤمنين العطوفين الصميميين و الثورة. لقد ألحقوا - نفس أولئك الذين أرادوا التحدث باسم الأهالي الكرد - الضرر بالأهالي الكرد. و نحن اليوم أمام عوائل استشهد أبناؤها في سبيل هذا الجهاد المقدس، و كذلك أمام عوائل أخرى انطلت حيل الأعداء على أبنائها.. هي أيضاً عوائل مفجوعة و هي موضع تعاطفنا. العوائل التي استطاع العدو خداع أبنائها و استخدام دمائهم في سبيل الأغراض الأمريكية و الصهيونية الفاسدة، هي أيضاً عوائل بريئة و قد فجعت بأبنائها، و الكثيرون لا يذكرونهم لكننا نحرص عليهم. و هذه بدورها من الخسائر التي ألحقها أعداء الثورة بهذه المحافظة. و قد سلبوا فرصة العمل العمراني من هذه المحافظة لفترة من الزمن. محافظتكم محافظة موهوبة جداً من جهات مختلفة. كان بالإمكان الاستثمار هنا بشكل جيد. و كان المقرر القيام بأعمال تأسيسية و بنى تحتية كبيرة في الأعوام الأولى. وصل أول وفد عمراني إلى كردستان من قبل شورى الثورة و قبل تشكيل جهاد البناء. يومها كان المرحوم الشهيد بهشتي ( رضوان الله عليه ) رئيساً لشورى الثورة و قد بعث وفداً لعمران منطقة كردستان، و لم يكن جهاد البناء قد تشكل بعد. النظام كان يعلم ما الذي فعله نظام الطاغوت بالمحافظات النائية و المختلفة في لغاتها و لهجاتها و قومياتها، لذلك أراد تعويض ذلك، لكن أعداء الثورة للأسف سلبوا نظام الجمهورية الإسلامية هذه الفرصة بضع سنوات. إنني على اطلاع و أدري أنه تم طول هذه الأعوام و الحمد لله تقديم خدمات جد كثيرة و كبيرة في هذه المحافظة، و هي خدمات لم تكن تخطر ببال أحد في تلك الأيام. أنجزت في هذه المحافظة و على امتداد هذه الأعوام مشاريع عمرانية تشكل لائحة طويلة: الطرق، و السدود، و عمليات توزيع الطاقة، و عمليات توزيع المياه، و الاتصالات و سائر مؤشرات التنمية على اختلافها و تنوعها. يجري حالياً بناء نحو 19 سداً في هذه المحافظة. لم يكن حتى ليخطر ببال أحد في تلك الأيام أن مثل هذه المشاريع ستنجز، لكنها أنجزت. و لكن مع ذلك ما كان يمكن أن يتم و ما يجب أن يتم أكثر من هذا بكثير.الكثير من الأعمال لم تنجز في هذه المحافظة و ينبغي أن تنصب همم المسؤولين على هذه الجوانب.للمحافظة مشكلاتها. و حسب ما أشعر به و قد درسته و بحثته فإن المشكلة الأولى في المحافظة هي مشكلة العمالة و عدم توفر فرص عمل، و المشكلة الثانية هي قضية الاستثمار. العمالة قضية مهمة. نسبة البطالة في هذه المحافظة عالية حالياً و فيها شباب مستعدون للعمل. أنجزت أعمال كثيرة و جيدة جداً و لكن يجب إنجاز أعمال أخرى و أكثر. نشكر الله على أن أعضاء الحكومات اليوم و خلافاً لعهد الطاغوت يزورون الجماهير و يقصدونهم. ذات يوم كان على الناس تحمل المشاق و بذل المساعي للوصول إلى الحكومات، و اليوم و ببركة الإسلام تتوجه الحكومات بنفسها و تزور المحافظات المختلفة و المدن المختلفة و أبعد مناطق البلاد، يقصدها رئيس الجمهورية، و الوزراء و مختلف المسؤولين. يقول الناس في بعض المناطق التي يزورها رئيس الجمهورية إننا لم نشاهد هنا حتى مديراً عاماً في العهد السابق. و هم على حق. هذه من بركات الإسلام. يفرض الإسلام على الحكومات الخوض في أصعب الأعمال قبل الخوض في الأعمال السهلة و خدمة أكثر الناس حرماناً و فقراً. و هذا ما يحصل اليوم لحسن الحظ. نشكر الله.و أقول في خاتمة هذا الجانب من كلامي: ليعلم الشباب الأعزاء أن مؤامرات الاستكبار قد أحبطت لكنها لم تنته. يقظة الجماهير المؤمنة و استعداد مسؤولي البلاد أحبطت إلى اليوم مؤامرات الأعداء في هذه المحافظة و فيما يخص الأحداث المشابهة لها، و لكن ينبغي أن لا نتصور أن العدو قد كفّ و قعد ساكتاً و أقلع عن متابعة أهدافه المشؤومة، كلا، ينبغي مواصلة اليقظة و الحذر. اعلموا أن أعداء إيران الإسلامية لا يريدون لإيران أن تبقى موحدة و أن يحكمها الإسلام. الجبابرة المستكبرون الذين استطاعوا إخضاع غالبية البلدان و الحكومات في العالم لنفوذ سياساتهم لم يستطيعوا إلى اليوم إخضاع و تركيع نظام الجمهورية الإسلامية المعتمد على الجماهير الشجاعة المؤمنة، لذلك فهم غاضبون. يغيرون الأساليب إلا أن الأهداف نفس الأهداف الدنيئة التي كانت لهم. ليكن الشباب واعين، و لتكن العوائل واعية، و ليكن المسؤولون واعين. إننا ندافع عن كيان بلادنا و وحدتها.. إننا ندافع بكل قدراتنا عن الإسلام العزيز. لم نرهب لحد الآن الرعود و البروق الاستكبارية الجوفاء و لم نتراجع، و لن نخافهم بعد اليوم أيضاً و لن نتراجع.و أذكر بهذه المناسبة نقطة أساسية عامة. أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء، رسم الإسلام من أجل بناء مجتمع شامخ متوثّب خصوصيات معينة و عرض سبيل الوصول إليها للمسليمن و الأمة الإسلامية على مرّ التاريخ. من هذه الخصوصيات و ال مؤشرات العزة الوطنية.. العزة.. كما أن الفرد لا يريد أن يكون ذليلاً بل عزيزاً فإن من الآمال الكبری لأي شعب أن يكون عزيزاً و لا يكون ذليلاً. ما هي العزة الوطنية؟ العزة الوطنية هي أن لا يشعر الشعب بالمهانة في نفسه و من نفسه. النقطة المقابلة للشعور بالعزة هي الشعور بالمهانة و الدونية. حينما ينظر الشعب لذاته - لأرصدته، و تاريخه، و تراثه التاريخي، و كنوزه البشرية و الفكرية - يشعر بالعزة و الكبرياء و لا تنتابه المهانة و الذلة. هذه من الأمور الضرورية للشعب. و قد أشار القرآن في مواطن عديدة لهذا المعنى: » يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، و لله العزة و لرسوله و للمؤمنين و لكن المنافقين لا يعلمون «.(2) كان المنافقون يتحدثون فيما بينهم و يقولون إننا أعزاء و سوف نخرج المسلمين - و هم الأذلة - من المدينة! أوحى الله للرسول أنهم يقولون ذلك لكنهم لا يفقهون و لا يعلمون.. فالأعزة هم المؤمنون، و العزة لله و لرسول الله و للمؤمنين بالله. هذه لوحة مشرقة يجب أن تنتصب دوماً أمام أعين الأمة الإسلامية؛ » العزة الوطنية «. إذا لم يشعر الشعب بالعزة، أي إذا نظر لما عنده من تقاليد و أعراف و لغة و أبجدية و تاريخ و مفاخر و شخصيات كبرى بعين الصغار و الاحتقار و اعتبرها صغيرة و شعر أنه لا يمتلك شيئاً فسيقع في قبضة هيمنة الأجانب بسهولة.منذ أن دخل المستعمرون بلدان الشرق - و منها البلدان الإسلامية - في القرنين السادس عشر و السابع عشر، و لأجل أن يستطيعوا تكبيل أيدي هذه الشعوب و أرجلها بقوة و جعلها أسيرة لهم راحوا يبثون فيهم اليأس و سوء الظن تجاه ماضيهم و ما لديهم و دينهم و أعرافهم و أزيائهم. هذه أمور فيها عبر. و وصل الأمر في بداية ثورة الدستور في إيران إلى أن يقول أحد المستنيرين: يجب على الإيراني أن يصبح أجنبياً من قمة رأسه إلى أخمص قدميه! أي أن ينبذ دينه، و أخلاقه، و أزياءه، و خطه، و ماضيه، و مفاخره و ينساها، و يتبنّى مكانها الثقافة الغربية، و الأعراف الغربية، و التقاليد الغربية، و التفكير الغربي، و المناهج و الأساليب الغربيةّ.. هكذا أعلنوا. هذا الهتاف المذل رفعه في بلادنا الذين أداروا ظهورهم للدين، و واضح أن البلاد إذا فقدت كل ما تملك و تم تفريغها من الداخل سيستطيع الاستعمار الانجليزي السيطرة على كل ما لديه من نفط، و جيش، و ممتلكات، و أجهزة سياسية. بلغت الأمور في العهد البهلوي إلى درجة أن الشاه الخائن و لأجل أن يعيّن فلاناً رئيساً للوزراء كان مضطراً لمناقشة الموضوع مع السفير البريطاني، ثم السفير الأمريكي بعد ذلك، و يحصل منه في الواقع على إذن لذلك التعيين. هذا هو تاريخ بلاطنا في الماضي. هذا على النقيض من العزة الوطنية. الحكومات الدكتاتورية التابعة الفاسدة انزلت شعب إيران عن أريكة العزة، لم تنمِّ علمه، و لم تبنِ دنياه، بل و سلبته آخرته وألبسته ثياب الأسر و الاستعباد. قامت الثورة الإسلامية لمواجهة مثل هذا الوضع، و وقفت الثورة الإسلامية و الإمام الجليل مقابل مثل هذه المصيبة الكبرى و أهدى الشعب الإيراني دمه في هذا السبيل و انتصر.حينما تسود مثل تلك الروح بين أحد الشعوب فإن الجهاز السياسي في ذلك البلد، و شعبه بنحو طبيعي، سيسلك طباع الخدم، و يكون مقابل شعبه كالكلب المفترس و الذئب السفاح لكنه أمام الأعداء كالحمل الوديع المروّض » أسد عليَّ و في الحروب نعامة «. رضا خان الذي تعامل بكل ذلك العنف خصوصاً في النصف الثاني من فترة حكمه - حيث لم يكن الشعب يتجرأ حتى أن يتنفس، و كان الأب لا يثق بأبنه و الأبن لا يثق بأبيه حتى في داخل المنـزل - زال عن السلطة الملكية كالفأرة الميتة برسالة بسيطة من الإنجليز قالوا له فيها » يجب أن تعتزل السلطة «! و كذا الحال بالنسبة لمحمد رضا بهلوي؛ مارس محمد رضا بهلوي في سنوات عقدي الأربعينات و الخمسينات [الستينات و السبعينات للميلاد] أعنف الضغوط على هذا الشعب و على المناضلين و التحرريين - بعنف و بلا ملاحظة أي شيء للشعب - لكنه كان خاضعاً خاشعاً أمام سفير أمريكا و سفير بريطانيا يسمع كلامهم و يطبقه! و كان مستاءً من هذا الوضع لكنه مضطر إليه. هذه حكومة شعب محروم من العزة الوطنية.من أهم الأمور التي منحتها الثورة الإسلامية لنا نحن الشعب الإيراني هو الشعور بالعزة. إمامنا الجليل كان مظهر العزة. يوم قال الإمام علناً: » أمريكا لا تستطيع ارتكاب أية حماقة « كانت أمريكا في ذروة اقتدارها السياسي و العسكري في العالم. أعاد الإمام الشعور بالعزة لهذا الشعب و أعادت الثورة الشعور بالعزة لشعب إيران. الإيراني اليوم يفخر بإيرانيته و بإسلامه. يعترف أقوياء العالم اليوم أن تهديداتهم و قدراتهم العسكرية و إعلامهم السياسي لا تأثير له إطلاقاً مقابل الشعب الإيراني. الشعب الإيراني سيسير في الطريق الذي اختاره و نحو الهدف الذي اختاره بكل قوة و سيبلغ ذلك الهدف.المهم هو الحفاظ على هذه العزة الوطنية. إخوتي و أخواتي، أيتها الجماهير العزيزة في كردستان و يا شعب إيران العظيم، علينا جميعاً التنبّه و الحفاظ على هذه العزة الوطنية. لا يمكن صيانة العزة الوطنية بمجرد اللسان و الادعاء و الشعارات. إذا كان الشعب الإيراني اليوم عزيزاً و له نفوذه في السياسات العالمية الكبرى فالسبب يعود لإيمانه و أدائه و إبداعاته و مبادراته الشجاعة و في وحدته و تلاحمه. أية هذه العناصر إذا فقدناها تعرضت عزتنا للخطر. إذا فقدنا وحدتنا، أو إذا فقدنا إيماننا، و إذا خسرنا روح الجد و السعي و العمل - و التي يمكن لمسها اليوم و الحمد لله لدى الشعب الإيراني الكبير و لا سيما جيله الشاب - فسوف نخسر عزتنا. هذه نقطة أساسية لتحليل الأحداث السياسية، خصوصاً بالنسبة للشباب.انظروا و لاحظوا من هم الذين يريدون إفساد وحدة الشعب الإيراني؟ اعلموا أنهم عملاء الأعداء. إما إنهم من الأعداء و يتحدثون حديثهم، أو إنهم من أصابع العدو. لا شك في ذلك. الذي يرفع نداء التفرقة بين الشيعة و السنة و يريد إرباك الوحدة الوطنية بذريعة الطائفية، إنما هو مرتزق للعدو سواء كان شيعياً أو سنياً، و سواء علم بذلك أم لم يعلم. البعض أحياناً مرتزقة للعدو و هم لا يعلمون. الكثير من هؤلاء الناس المساكين الجهلة السلفيين و الوهابيين الذين تغذيهم دولارت النفط كي يذهبوا و يمارسوا العمليات الإرهابية هنا و هناك - في العراق بشكل، و في أفغانستان بشكل، و في باكستان بشكل، و في الأنحاء الأخرى بأشكال أخرى - لا يعلمون أنهم مرتزقة. و الشخص الشيعي الذي يهين مقدسات أهل السنة و يسبّها هو أيضاً من مرتزقة الأعداء و إن لم يشعر. هؤلاء هم العملاء الأصليون للأعداء. البعض من هؤلاء الأصابع - سواء بين أهل السنة أو بين الشيعة - غافلون و لا يعلمون و لا يفهمون ما الذي يفعلونه، لا يدرون أنهم يعملون للأعداء.قبل سنوات تحدث عالم متنوّر من المنطقة الكردية في صلاة الجمعة. أتخطّر أنه أقسم - هكذا أظن لأن الأمر مضت عليه سنوات - و قال: و الله إن الذين يأتون للشيعة و يزرعون في قلوبهم الضغينة و البغضاء على أهل السنة، و يقصدون السنة و يزرعون الأحقاد و الإحن في أفئدتهم ضد الشيعة، هؤلاء لا هم شيعة و لا هم سنة، لا يحبون الشيعة و لا السنة. إنما يعادون الإسلام. طبعاً لا يعلمون.. الكثيرون منهم لا يفمهمون و هذا يدعو للأسف أنهم لا يفهمون. الجماعة الوهابية و السلفية اليوم تعتبر الشيعة كفرة، و تعتبر السني المحب لأهل البيت كافراً أيضاً، و تعتبر السني من أتباع الطرق العرفانية و القادرية كافراً أيضاً! من أين ينبع هذاالفكر الخاطئ؟ كل الناس الشيعة في كل العالم، و الناس السنة الشافعية في شمال أفريقيا، أو المالكية في بلدان أفريقيا المركزية - و هم محبون لأهل البيت، فالطرق العرفانية تنتهي لأهل البيت - كفّار؛ لماذا؟ لأنهم يحترمون مرقد الحسين بن علي في القاهرة و يقدسون مسجد رأس الحسين، لذلك فهم كفّار! الشيعة كفّار، و السنة في سقّز و سنندج و مريوان إذا كانوا على اتصال بالطريقة القادرية أو النقشبندية كفّار أيضاً! أي فكر هذا؟ لماذ يبثون الخلاف بين الإخوة المسلمين بهذا الفكر الخاطئ المشؤوم. و أقول للشيعي الذي يهين مقدسات السنة عن جهل و غفلة أو عن غرض في نفسه أحياناً - و نحن نعرف مثل هؤلاء، فهناك بين الشيعة من لا يدفعهم الجهل و حسب إنما هم مكلفون ببث الخلافات - أقول له: إن سلوك كلا الفريقين حرام شرعاً و بخلاف القانون.أعزائي، يا كل الشعب الإيراني، اعرفوا قدر وحدتكم. هذا الاتحاد عظيم و مبارك جداً لهذا البلد. اعرفوا قدر الاتحاد، و اعرفوا قدر التعاطف، و اعرفوا قدر التعاون، و اعرفوا قدر التناغم بين الحكومة و الشعب، و اعرفوا قدر حبِّ الحكومة للجماهير. و على الحكومة بدورها أن تعرف قدر إيمان الشعب و حماسه، و تشوق و توثب الشباب و روح الابتكار و النشاط و العمل لدى الأجيال الصاعدة في البلاد، و عليها الانتفاع من هذه الطاقات، و هذا ما سيحصل إن شاء الله.و أذكر بعض الأمور حول قضية الانتخابات. أعزائي، الانتخابات على الأبواب. بقي شهر على موعد الانتخابات. الانتخابات من الاختبارات الكبرى للشعب الإيراني أمام أنظار العدو، لذلك فهو حساس منها. منذ نحو سنة من الزمن بدأت الأجهزة الإعلامية لأعداء الشعب الإيراني كلامها و عملها و اصطناعها المواد الإعلامية ضد هذه الانتخابات بوتيرة هادئة. و بدأت الأجهزة الأمنية أيضاً عملها في تصيّد الأخبار و التحري و طرح الاقتراحات. إنهم حساسون تجاه هذه الانتخابات. و حين تنظرون اليوم لأخبار وسائل الإعلام الأجنبية على اختلافها - و الكثير منها مملوءةً حقداً و عداءً للشعب الإيراني - سترون أنها ليست عديمة الاكتراث تجاه انتخاباتنا، و تحاول العمل لأغراضها و أهدافها. ما هي هذه الأغراض؟ هدفهم بالدرجة الأولى تعطيل الانتخابات و إلغاؤها. في إحدى الدورات حاولوا إلغاء انتخابات مجلس الشورى الإسلامي بمختلف الحيل. لكن الله تعالى لم يشأ ذلك و إرادة المؤمنين لم تسمح به، فلم ينجح الأعداء. إنهم يائسون من تعطيل الانتخابات جذرياً. و هدفهم بالدرجة الثانية أن تكون الانتخابات باهتة و باردة و لا يكون للشعب الإيراني مشاركة فاعلة فيها.أيها الشعب الإيراني العزيز، أقول لكم: علينا جميعاً و على العكس تماماً من إرادة الأعداء أن تكون لنا مشاركة فاعلة في الانتخابات. الانتخابات سمعتنا الوطنية.. الانتخابات من مؤشرات نموّنا الوطني.. الانتخابات وسيلة للعزة الوطنية. حينما يرون الشعب الإيراني يحضر بحماس و شعور و إدراك تام و وعي عند صناديق الاقتراع، فما معنى ذلك؟ معناه أن الشعب يرى لنفسه حق و قدرة اتخاذ القرار. يريد أن يؤثر في مستقبل البلد و يختار مسؤولي البلاد و مدراءها الكبار. انتخاب رئيس الجمهورية يعني انتخاب رئيس السلطة التنفيذية و الشخص الذي تقع غالبية إمكانيات البلد تحت تصرفه. و ترون أنه لو كان رئيس الجمهورية متحلياً بالحماس و التوثب و الحيوية و التشوق و الإرادة فأية خدمات كبيرة سيقدمها للبلد. هم لا يريدون هذا الشيء. و أقول إنكم جميعاً يجب أن تصروا على المشاركة في الانتخابات. اعتقد أن القضية الأولى في الانتخابات ليست انتخاب هذا الشخص أو ذاك، إنما القضية الأولى هي مشاركتكم. تواجدكم هو الذي يعزز النظام و يقوّي أركانه، و يزيد من ماء وجه الشعب الإيراني و سمعته، و يضاعف استقامة البلد حيال العداء و يصرف الأعداء عن الطمع في البلاد وعن التفكير في توجيه ضربة لها و إفشاء الفساد و الفتن فيها. هذه قضية على جانب كبير من الأهمية. إذن القضية الأولى هي المشاركة في الانتخابات.القضية الثانية المتعلقة بالانتخابات هي أن يحاول الناس انتخاب من هو الأكثر صلاحاً. الذين يترشحون لرئاسة الجمهورية، و تخضع صلاحيتهم للنظر تحت مجهر مجلس صيانة الدستور الذي يعلن صلاحيتهم بعد ذلك هؤلاء كلهم صالحون. لكن المهم هو أن تبحثوا بين هؤلاء الأفراد الصالحين و تشخصوا الأصلح. هذا ليس مقاماً نستطيع فيه أنا و أنتم الاكتفاء بالحد الأدنى. اطلبوا الحد الأعلى و انتخبوا من هو أفضل.من هو الأفضل. إنني لا أبدي أي رأي حول الأشخاص و لكن ثمة مؤشرات و سمات. الأفضل هو الذي يفهم آلام البلد و يعلم أوجاع الناس و يكون متحداً و صميمياً مع الناس. و يكون بعيداً عن الفساد و لا يطلب الارستقراطية لنفسه. آفتنا الكبيرة هي الارستقراطية و البذخ. المسؤول الفلاني إذا كان من أهل البذخ و الارستقراطية سيدفع الجماهير صوب الارستقراطية و الإسراف. حين قلنا إن هذا العام هو عام السير نحو إصلاح نموذج الاستهلاك فمعنى ذلك أن هذا العام هو العام الذي يقرر فيه الشعب الإيراني مكافحة الإسراف. لا نقول بنحو قاطع و دفعي و طوال سنة واحدة سوف ينتهي الإسراف، لا، نحن أكثر واقعية من هذا و نعلم أن هذه العملية تتطلب سنوات متعاقبة و ينبغي العمل حتى نصل لهذه الثقافة. يجب البدء بهذه العملية.من الأعمال المهمة جداً كي نحول دون الإسراف هو أن لا يكون مسؤولو البلاد أنفسهم و المحيطون بهم و أقرباؤهم و المرتبطون بهم، أن لا يكونوا من أهل الإسراف و البذخ. إذا كنا من أهل الإسراف كيف سنستطيع أن نقول للناس لا تسرفوا.. » أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم «.(3) » يا أيها الذين آمنوا لِمَ تقولون ما لا تفعلون، كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون «.(4) المهمة الأولى هي أن نختار مسؤولي البلاد من بين الأفراد المتبسطين في حياتهم و من يعرفون آلام الناس و يتألمون لألم الناس. هذه أيضاً برأيي علامة مهمة. ابحثوا بوعي و توصلوا إلى النتيجة و بادروا إلى ما توصلتم له و شخصتموه بقصد القربة.. اقصدوا صناديق الاقتراع بقصد القربة و سوف يوفيكم الله أجوركم. هذه أيضاً نقطة.النقطة الأخيرة حول الانتخابات هي أن يحاول المرشحون المحترمون الذين سجلوا أسماءهم لحد الآن و يعملون إعلامياً و يصرحون - مع أن الوقت القانوني للدعاية لم يحن بعد لكنهم يعملون إعلامياً و لا إشكال في ذلك - ليحاولوا أن يكونوا منصفين. لتكن تأييداتهم و معارضاتهم من منطق الحق و الصدق. يسمع الإنسان أشياءً لا يصدق أنها صدرت عن المرشحين و من يطلبون هذه المسؤوليات عن صدق و إخلاص. أحياناً يسمع المرء كلاماً عجيباً و أموراً غريبة تنسب لهذا و ذاك. هذا الكلام يقلق الناس. و هو كلام لا يجذب قلب أحد لقائله! ليتنبه المرشحون المحترمون و لا يكدروا الرأي العام و الأذهان. كل هذه الأمور غير الصحيحة تُنسب إلى هذا و ذاك تكدر طبعاً ذهنيات الجماهير، و هي أمور غير واقعية و بخلاف الواقع. إنني على علم بشؤون البلاد أكثر من كل هؤلاء السادة، و على اطلاع أوفى، و أدري أن كثيراً من هذه الأمور التي تطرح كنقد لأوضاع البلاد و وضع الاقتصاد و ما إلى ذلك هي خلاف الواقع.. إنهم مخطئون. هم مخطئون و غير متقصدين إن شاء الله. نأمل أن يقدر الله تعالى لهذا الشعب الخير و الصلاح و العمران الكامل.المسألة الأخيرة التي أطرحها هي: يا أعزائي، اعلموا أننا واقفون و صامدون من أجل سيادة الإسلام في هذا البلد - و سيادة الإسلام فيها عمارة دنيا الناس و آخرتهم و صلاح حياتهم المادية و المعنوية - حتى النهاية و ما من ضغوط و لا أية قوة بوسعها التأثير على إرادتنا المعتمدة على إرادة الشعب.اللهم، إنزل رحمتك و لطفك على هذا الشعب. اللهم مُنَّ بفضلك على أذهان هذا الشعب العزيز و فكره و قلبه و عمله. إنني أتقدم بالشكر من الصميم لوفائكم و مودتكم أيها الأهالي الأعزاء لاجتماعكم الهائل الذي عقدتموه هنا و استقبالكم الذي قمتم به. أتمنى أن يوفقنا الله تعالى أنا و أنتم لنستطيع لقطع خطوات واسعة على سبيل أداء واجباتنا.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.الهوامش:1 - سورة الأنعام، الآية 123.2 - سورة المنافقون، الآية 8.3 - سورة البقرة، الآية 44.4 سورة الصف، الآية 2 و 3. 
2009/05/11

كلمة الإمام الخامنئي في عوائل الشهداء و المضحين في كردستان

بسم الله الرحمن الرحيميشعر الإنسان بأريج الشهادة - و هو في الحقيقة عطر جنائني في حياتنا المادية - في هذا الاجتماع الحميم و الزاخر بالمحبة و الروح المعنوية. أولاً أتقدم بالشكر لجميع الإخوة و الأخوات الأعزاء و عوائل الشهداء الذين منحوني اليوم بتفضلهم بالمجيء إلى هنا فرصة التواجد بين عوائل الشهداء العزيزة و الانتهال المعنوي و الروحي من الأنفاس القدسية لشهدائنا الأبرار و أنتم ذووهم و عوائلهم الكريمة. و أشكر خصوصاً الأعزاء الذين قدموا برامج و فقرات سواء أبناء الشهداء الذين أنشدوا قصائدهم أو قرأوا نصوصاً نثرية و كانت جميلة جداً، أو هذا اليافع العزيز الذي قدّم نشيده و استمتعنا به.إنني أفخر في كل أسفاري بزيارة عوائل الشهداء و ألتقي بهم، و ألمس الروح المعنوية في جميع المحافظات و المدن حينما تنعقد اجتماعات مماثلة لهذا الاجتماع، و أشعر بها، و لكن أريد أن أقول إن شهداء كردستان و عوائل هؤلاء الشهداء لهم خصوصيات قلما نجد لها نظيراً في المحافظات الأخرى. من هذه الخصوصيات أن شهداء هذه المنطقة استشهدوا مظلومين و غرباء أكثر، و تحملت عوائلهم صبراً أكبر. لماذا؟ لأن عملاء أعداء الثورة و أعداء البلاد أوجدوا لعوائل الشهداء في هذه المحافظة و خصوصاً في السنوات الأولى وضعاً و ظروفاً ربما كانت أحياناً أصعب لآباء الشهداء و أمهاتهم و أخوتهم و أخواتهم من شهادة أبنائهم نفسها. أعداء الثورة و الأصابع القذرة التي أرادت تحويل كردستان إلى ساحة حرب داخلية و اقتتال بين الإخوة في البلاد لم تكتف بقتل و تخضيب خيرة شباب هذه المحافظة و هؤلاء الأهالي، و إنما مارست الضغوط على عوائلهم لفترة طويلة نسبياً.عوائل الشهداء في سائر محافظات البلاد تلخصت مصائبها في فقدانها أحبّتها، و بقيت الأجواء التي أحاطت بهذه العوائل حميمة و حماسية و حيوية حيث ترفع الجماهير أسماء الشهداء الأبرار على رؤوسها و تفخر بهم، أما في كردستان فكثيراً ما حدث و قد اطلعنا على ذلك و كنّا في مجريات الأمور أن يمارس أعداء هذه المحافظة و أعداء هذا البلد الضغوط على عوائل الشهداء.. ضغوط نفسية، و ضغوط جسدية، و ضغوط أمنية. طبعاً لم تتمخض هذه الضغوط عن نتائج و لم تحسِّن سمعة فاعليها في أنظار هؤلاء الأهالي بل زادتها سوءاً. أهالي كردستان مع اشتهارهم بالعطف و المحبة و حسن الضيافة و الروح الزاخرة بالمودة و اللين - و هذه هي الحقيقة فعلاً - فهم معروفون أيضاً بالشجاعة و الشهامة و البساطة، و لم يستطع أعداء هذا الشعب النيل من عوائل الشهداء.في زيارتي السابقة لسنندج زرت ربَّ عائلة استشهد ستة من أولاده. و قلّما شاهدت نظيراً لهذا في البلاد. ستة أولاد! ثلاثة منهم استشهدوا في سوح القتال و ثلاثة أثناء التظاهرات التي قصفها العدو البعثي. يستشهد ستةٌ من فلذات كبده و يبقى هذا الوالد صامداً قوياً إلى درجة أنني شعرت بالصغر أمام عظمة تلك الروح. شهدت هذا في كردستان. التقيت اليوم بأثنين آخرين من أبناء ذلك الرجل العظيم - و هذه عظمة حقاً - و سألتهم عن والدهم فقالوا إنه انتقل إلى رحمة الله.عوائل قدمت ثلاثة شهداء و شهيدين. سيدات فقدن أزواجهن و أبناءهن و لم يستسلمن لضغوط الأعداء النفسية و السياسية بعد فقدهن فلذات أكبادهن و لم يبدين ضعفاً و خوراً أمام تلك الضغوط. هذه عظمة كبيرة شهدتها هذا في كردستان.شبابكم الأعزاء قاتلوا في جبهة مقارعة أعداء الثورة و في جبهة مقارعة نظام صدام البعثي. صمد أولئك الشباب على الجبهتين أمام مجموعتين من الأعداء لهما جذور متقاربة. قاتل الشباب الكُرد من أهالي مريوان و سقز و بانه و قروه و بيجار في عمليات الفاو إلى جانب باقي أبناء وطنهم و إخوانهم و استشهد منهم من استشهد. و هنا أيضاً جاهدوا ضد أعداء الثورة و أيضاً لمواجهة العدو البعثي. لا أنسى الجهاد الذي شاهدته في مريوان و دزلي و كيف وقف الشباب بوجه الأعداء كالجمرات الملتهبة. أعزائي، الشيء الذي يقوي الشعب من الداخل هو هذا الجهاد. لن نصل لأية نتيجة برداءة المعدن. و لن نكسب أية مرتبة من الاستسلام حيال العسف في السباق بين الشعوب. حين يقول الإمام علي (ع) في نهج البلاغة: »إن الجهاد باب من أبواب الجنة فتحه الله لخاصّة أوليائه«.. فما معنى ذلك؟ معناه أن شبابكم و شهداءكم و أعزاءكم من خاصة أولياء الله حيث استطاعوا اجتياز هذا الباب. لماذا يعتبر الله تعالى هؤلاء خاصة أوليائه؟ لأنه لو لم يكن هذا الجهاد لبقي الشعب دوماً ذليلاً متأخراً ضعيفاً خاضعاً للعسف. شعبنا الإيراني العظيم بمنظوماته و مجاميعه المختلفة أبدى عن نفسه هذه العظمة و خرجتم هنا من الامتحان مرفوعي الرأس. لقد أحرزتم في هذا الامتحان الكبير درجة عالية.ثمة نقطتان لا بد من الالتفات لهما و عدم نسيانهما، يجب عليكم أنتم أن لا تنسوهما، و خصوصاً الشباب و اليافعين الأعزاء يجب أن لا ينسوهما أبداً. النقطة الأولى هي أن نحافظ على الشعور بالفخر الذي يبعثه فينا أسم الشهيد و ذكراه. كما نفخر ببطولات الرجال الكبار في صدر الإسلام لنفخر ببطولات هؤلاء الرجال الكبار في زماننا. و هذا ما لا يريده العدو. يريد العدو لذكريات الشهداء أن تُنسى. يريد العدو لذكريات هذا الجهاد و هذه البسالة أن تمحى من ذاكرة هذا الشعب. و على الجميع السير بالاتجاه المعاكس تماماً لهذه الإرادة. شددوا على ذكرى الشهداء و أحيوها و صونوا ذكرياتهم. هذه هي النقطة الأولى. النقطة الثانية هي أن شعبنا و شبابنا و نساءنا و رجالنا يجب أن لا يشعروا بانتهاء فترة الجهاد و عدم وجود خطر يهددنا. قد لا تهددنا أخطار عسكرية، و هذا هو الحال. لقد بلغ شعب إيران اليوم درجة من الاقتدار رفعت احتمال وقوع الأعداء في المخاطر جداً. لذلك لا يتجرأون على مهاجمة هذا الشعب عسكرياً فهم يعلمون أنهم سيقمعون، و يعلمون أن هذا الشعب شعب مقاوم. إذن احتمال خطر الهجوم العسكري ضئيل جداً. بيد أن الهجوم ليس عسكرياً و حسب. يركّز العدو على الأقطاب التي تمثل أرصدة صمودنا الوطني. يستهدف الأعداء وحدتنا الوطنية و إيماننا الديني العميق. يستهدفون روح الصبر و الاستقامة لدى رجالنا و نسائنا. و هذا الهجوم أخطر من الهجوم العسكري.في الهجوم العسكري تستطيعون معرفة الجانب الذي تواجهونه، و تستطيعون مشاهدة عدوكم، أما في الهجوم المعنوي و الغزو الثقافي و الهجوم » الرقيق « فلا تستطيعون مشاهدة العدو بأعينكم أمامكم. لذلك لا بد من التيقظ و الوعي. أرجو من عموم الشعب الإيراني لا سيما عوائل الشهداء و منكم جميعاً أيها الأعزاء خصوصاً الشباب أن تحرسوا الحدود الفكرية و الروحية بمنتهى اليقظة. لا تسمحوا للعدو أن ينال كالأرضة من الأسس الفكرية و العقيدية و الإيمانية للناس و يتغلغل إليها.. هذه مسألة على جانب كبير من الأهمية. كلنا مكلّفون بحماية حدودنا الإيمانية و تخومنا الروحية و المعنوية.للأسف استطاع أعداء الشعب الإيراني اليوم التواجد حتى في الجبهة الأخرى لحدودنا. في الماضي و في بداية الثورة أيضاً كانت التخطيطات تأتي من الأعداء الأقوياء و الاستكبار و الصهاينة، أما اليوم فقد أوجدوا مقرات و مراكز بالقرب من حدودكم الجغرافية و في ظل التطورات التي شهدتها المنطقة، و راحوا يستخدمونها للأنشطة الرقيقة الموغلة في العدوان. على الجميع التحلي باليقظة. و أقول للشباب خصوصاً:أيها الشباب الأعزاء، وطنكم اليوم بحاجة للوعي و اليقظة. ترصدوا تحركات الذين يرومون إبعاد القلوب عن الوحدة و الصميمية. قلتُ اليوم للجميع في ساحة المدينة و أقول لكم أيضاً: هناك من يريدون بث الخلافات و الفرقة بين أبناء الشعب بأية وسيلة و أية ذريعة. كل من وجدتموه يعمل بهذا الاتجاه احكموا عليه بأنه يد من أيادي العدو سواء عَلِم هو بذلك أم لم يعلم. ربما لا يعلم لكنه يد للعدو لأنه يعمل لصالح العدو. و النتيجة واحدة. الشخص الذي يوجه لكم الضربة متعمداً و الشخص الذي يوجه لكم الضربة غير متعمد لا يختلفان من حيث نتيجة عملهما. ينبغي التحلي باليقظة و الوعي.الشعب يقظ لحسن الحظ. لقد اكتسب شعبنا خبرةً و تمرساً خلال هذه التجارب الطويلة في الأعوام الماضية. استطاع شعبنا معرفة شتى صنوف المؤامرات و مواجهتها. و سيحصل هذا الشيء اليوم أيضاً. علينا تقوية أنفسنا من الداخل.. تقوية أنفسنا علمياً و اقتصادياً و إبداعياً و تقنياً و فوق كل هذا تقوية إيماننا. أقول لكم لن يكون بعيداً اليوم الذي يستطيع فيه شباب اليوم بتوفيق من الله تولي أمور البلاد و سيصل بلدنا و شعبنا في المستقبل غير البعيد بلا شك إلى المرحلة التي لن يفكر فيها أي عدو بالهجوم على هذا البلد، لا الهجوم العسكري و لا الهجوم السياسي و لا الهجوم الاقتصادي. ما لدينا اليوم إنما هو بفضل جهاد السنوات الطويلة - حيث أبدى شبابنا الأعزاء هذا الجهاد - و ببركة دماء الشهداء الأبرار. نتمنى أن يوفقنا الله تعالى لحماية هذه الأمانة الكبرى و أن نضاعف ما استطعنا من كنـز الشعب الإيراني العظيم.اللهم احشر أرواح الشهداء الأبرار الطيبة مع الروح الطاهرة للرسول الأعظم. اللهم اجعلنا من السائرين الحقيقيين على درب الشهداء. و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
2009/05/11

كلمة الإمام الخامنئي لدى استقباله العمال و المعلمين

بسم الله الرحمن الرحيمأرحب بجميع الإخوة و الأخوات الذين تفضّلوا بالمجيء و أهنئ المعلمين الأعزاء بيوم المعلم و أبارك للعمال الأعزاء يوم العامل. كما أحيّّي ذكرى الأستاذ الشهيد العظيم و المعلم الرائد في هذا الوادي - المرحوم آية الله الشهيد مطهري - الذي له حق كبير علی شعبنا و ثورتنا.لقد قيل الكثير من الأحاديث المناسبة حول هاتین الفئتین المهمتین أعني فئتي المعلمين و العمال. و لا ریب أن هاتين الشريحتين تعدّان من أكثر شرائح المجتمع تأثيراً في حاضر البلد و مستقبله. إن المعلمين هم صناع الإنسان؛ أعني الإنسان السامي و الرائد و الإنسان المتمتع بالتربية و التعليم. و المعلمون في الحقيقة هم الذين يُعدّون العنصرَ الرئيسي و ذو الدرجة الأولى لعالم الخلقة و الذي يعتبر وجوده شرطاً رئيسياً و محورياً لجميع حالات التقدم و الرقي - سواء المادية أو المعنوية - و هم من يجعل هذا العنصر مثمراً و كفوءاً. و إذا كان مجتمع المعلمين في بلد من البلدان معززاً و مكرماً، فإن هذا التكريم لا يختص ببعض الناس، بل هو تكريم للعلم و الرقي و التقدم و الإنسان. إن إكرام المعلمين في البلد ليس مجرد مجاملة و تملق. إن هذه الأحاديث و الأقوال معناها هو أن يعرف عموم الجماهير قدر العلم و التعليم و التربية. تطلق هذه الأحاديث من أجل إكرام قاعات الدرس و المعلم و مبدعي العلم و الدرس. إن الشعب الذي لا يعرف قدر العلم و التربية و المعلم و أهمية الثقافة، سيتعرض للمخاطر مهما حقق من إنجازات. كما سيظل عرضة للسقوط و الهزيمة، مهما أحرز من تطور مادي. تكريم العمال يعود إلى سببين: الأول هو أن كل ما يحصل عليه أي بلد من النمو المادي و الثراء، يعود إلى سعي العمال. العامل هو الذي ينتج الثروة و يحقق النمو الاقتصادي. إذا لم يكن هناك عامل، فإن مساعي جميع المخططين و المبرمجين و المفكرين الاقتصاديين، ستذهب أدراج الریاح. و العامل الرئیسي في تحقیق كافة الأفكار و الأهداف و برامج و تطورات علم الاقتصاد بصورة عملية هو يد العامل. لذلك للعامل حق كبير في رقاب كل أبناء الشعب؛ لأن نتيجة عمله هي التي تنظم حياة الناس عملياً باطراد.السبب الثاني الذي نكرم العامل من أجله، هو أن تكريم العامل، تكريم للعمل؛ إن العمل مهم للغاية. کم من الخسائر سببته البطالة؛ سواء أكان سبب هذه البطالة الكسل و عدم سعي الشخص، أو عجز الفرد عن العمل بسبب عدم توفر فرص العمل. إذن العمل يعتبر قيمة و عبادة حقيقية. فالسبب الحقيقي و الواقعي لتقدم البلد هو العمل. لهذا نحن نكرم العامل من أجل تكريم العمل. إن المعلمين و العمال، هما شريحتان مهمتان للغاية. هذا لا يعني عدم أهمية الشرائح الأخرى؛ أجل، كل مجموعة تتمتع بعناصر خلاقة و إنتاجية و فعالة و لها منزلتها الخاصة؛ لكن الاهتمام بهاتين الشريحتين، يحول دون تجاهل كبير و خسائر فادحة قد تعم البلد و الشعب. و من الذي يجب عليه الاهتمام؟ إنهم المسؤولون في الدرجة الأولى و جميع أبناء الشعب في الدرجة الثانية. عليهم معرفة قدر المعلم و العامل، لأنهما يمثلان قيمة. إن المعلمين و العمال أناس يبذلون أعمارهم في العمل الكريم و العزيز عند الله.لو ألقينا نظرة على عمر الثورة البالغ واحداً و عشرين عاماً و كذلك الأعوام الأخيرة قبل انتصار الثورة - خاصة السنة الأخيرة منها - فسنلاحظ أن دور هاتين الشريحتين كان دوراً أساسياً في ظهور الثورة و مواصلة طريقها و انتصاراتها. فلو لم يكن المعلمون، لما حضر هذا العدد الهائل من التلاميذ و الشباب في ساحات القتال و عرصات الثورة و فيما يتعلق ببناء البلد؛ إذ إن المعلمين هم الذين قادوهم إلى الحضور. لقد قدم العديد من المعلمين تضحيات حقيقية و صاروا هكذا أسوة لتلاميذهم. كما أن العمال نجحوا في اختباراتهم سواء أكان ذلك قبل انتصار الثورة أو بعد انتصار الثورة أو في فترة الحرب المفروضة أو الساحات المختلفة. هؤلاء حضروا في الساحة راضين بالقليل و لم يسمحوا بإغلاق أبواب المصانع، حتى تمكنوا من مواصلة هذا الطريق الصعب و الوعر على مدى واحد و عشرين عاماً و وصلنا إلى ما نحن علیه الآن. لذا فقد نجحت كلتا الشريحتين في اختبارهما. إن إحدى الإنجازات المهمة لكلتا الشريحتين، هي مكافحة الذين كانوا يريدون إغلاق أبواب المدارس أو الصفوف أو المصانع و المعامل. و كما يعلم البعض منكم، كانت هناك جهود حثيثة تُبذل لتعم الجمهورية الإسلامية الإضرابات العمالية. فمن الذي وقف صامداً أمامهم؟ إنهم هم العمال. أرادوا أن يغلقوا أبواب المدارس؛ فمن الذي وقف في وجوههم؟ إنهم المعلمون. و لكل هذا أجر جزيل عند الله. و هكذا هو الوضع اليوم. و يسمع المرء اليوم أيضاً همهمات بأن بعض الأفراد أو بعض المراكز يستغلون بعض القضايا و القوانين و الذرائع و يبذلون مساعيهم بصورة منظمة علّهم يستطيعون شل الحركة العمالية في البلاد! هل تعلمون ما الذي سيحل بالبلاد؟ هذا ما يريدونه. إنهم لا يهتمون بحقوق العمال. هم يبذلون مساعيهم لإيقاف هذه الحركة الصعبة التي انتهجتها الحكومة و المسؤولون الذين يتقدمون إلى الأمام بفضل جهودهم المضنية و توكلهم على الله و مواجهتم كل هذه المؤامرات المتراكمة من قبيل العقوبات الاقتصادية و خبث الاستكبار العالمي و المخالفات و زرع العقبات. كيف يتسنى لهم ذلك؟ لا يسمحون للعمل أن يأخذ مجراه في البلد و يفصلون بين العمال و العمل و يصيبون مجتمع العمال بالشلل. إذا لم يكن في المجتمع الانتعاش الاقتصادي، و إذا لم يكن إنتاج العلم و الثروة، فإن أول من سيلحقهم الضرر هم الفئات المستضعفة و المحرومة خاصة شرائح العمال. و هذا ما يريده العدو. إن البعض يحاولون اليوم بكل سذاجة أن يغضوا أبصارهم و لا يروا العدو. لكن العدو لا يكف عن العمل و یسعی منتهى سعیه لإيقاف حركة الجمهورية الإسلامية؛ سواء بالدعايات أو الصخب السياسي، أو التظاهر بدعم هذه الشريحة أو تلك. إنهم يبذلون هممهم لشل حركة العمل في الجمهورية الإسلامية و إيقافه. و اليوم فإن المسؤولين و الحكومة يبذلون جهودهم. إن قضية العمل هي من أهم قضايا بلدنا. ينبغي على المسؤولين أن يوفروا مئات الآلاف من فرص العمل كل عام لكي يتمكنوا من دفع الشباب الذين توفرت لديهم الكفاءة اللازمة على العمل. إن إنتاج العمل ليس بالأمر اليسير؛ يحتاج إلى تخطيط و سعي و إلی فراغ بال. هناك البعض لا یرغبون في تحقیق هذه الأعمال. فمن هم هؤلاء؟ إنهم الأعداء و الذين يحرضهم الأعداء. إن الأعداء يستهدفون الشرائح التي تعاني من المشكلات. و في الحقيقة فإن نوايا الأعداء السيئة لم تنجح حتى اليوم في التغلب على مجتمعنا الثقافي و العمالي و أصيبت نوایاهم بالفشل في استغلال هذين المجتمعين كأداة. و على الأعداء أن يعلموا أن الفشل سيكون حليفهم في المستقبل أیضاً؛ غير أن ذلك بحاجة إلى الوعي. و على الجميع التحلي بالوعي. على الشباب و المعلمين و العمال و التلاميذ و الطلبة الجامعيين أن يتحلوا باليقظة و يدركوا ما الذي يتابعه الأعداء. كما أن على الحكومة و مختلف المسؤولين أيضاً بذل مساعيهم. هناك العديد من البرامج؛ و نسأل الله تعالى أن یتم تنفيذ هذه البرامج و تتقدم إلى الأمام و ستحل المشكلات تدريجياً.إنني أود أن أقول جملة واحدة للمسؤولين. أن بلدنا يمر بمرحلة اقتصادية صعبة، حتى يستطيع أن يصل إلى مرحلة فيها الانفتاح و الحرية و الرفاهية إن شاء الله و حتى يكون بوسع الجماهير الاستفادة من مصادر هذه الطبيعة العظيمة و مواهبها و عطاياها و هذه الإمكانيات الكثيرة التي توجد في بلدنا. نحن نحتاج إلى المساعي الشاملة؛ إلا أن إحدى الآفات التي تهددنا خلال حركة تقدم البلد و تنميته العامة في هذه المرحلة، هي ازدياد الفوارق بين الطبقات إثر بعض السياسات الخاطئة. عليهم أن يحذروا كثيراً من هذا. هناك البعض يفكرون في مصالحهم فحسب. هؤلاء هم الذين لا يفكرون في الشرائح المظلومة و المستضعفة و لا في الفقراء و لا في مستقبل البلد و لا يفكرون إلا في ملىء جيوبهم و في حياتهم الشخصية و جمع الثروات لأنفسهم مهما أمكن. على الأجهزة المسؤولة أن لا تسمح لهم أن يعملوا دائماً على زيادة الفوارق و الفواصل بين الطبقات. إن العدالة الاجتماعية هي الأساس. إذا كان في البلد ازدهار اقتصادي و لم تكن هناك عدالة اجتماعية، فإن هذا الازدهار الاقتصادي لن يصب في صالح الفقراء و المستضعفين و لن يزول الحرمان؛ و تلاحظون أن هناك في العديد من البلدان فيها ارتفاع الإنتاج و هناك المصانع الكبرى التي تعمل، و الثروة التي تنتج؛ لكن الحرمان لا يزال موجوداً في تلك البلدان؛ خاصة في نفس البلدان الأوربية و الغربية المتقدمة. و ما يبینونه لنا أنا و أنتم على شاشات التلفاز و من خلف آلات التصوير، هو الجانب المشرق من أوضاع هذه البلدان. إنهم لا يعرضون الأحياء الفقيرة و صور المرارة و الجوع و الحرمان و الحسرات فيها؛ بل يكتفون بعرض مشاهد المباني و الشوارع الواسعة و الحدائق الكبرى و غيرها! فلو تحقق التقدم الصناعي و الازدهار الاقتصادي، من غیر أن تتوفر العدالة الاجتماعية، فستكون النتيجة هي حالة تلک البلدان و بلدان أخرى هي أسوء حالاً من الأولى. نحن لا نريد الازدهار الاقتصادي في المجتمع فحسب. بل نريد الازدهار الاقتصادي و العدالة الاجتماعية معاً. طبعاً لا نقول يجب أن تكون هناك عدالة اجتماعية دون الازدهار الاقتصادي؛ لأن العدالة الاجتماعية ليست عاملاً مهماً في المكان الذي ليس فيه الازدهار الاقتصادي؛ حيث إن المجتمع لا يحقق الرفاهية المطلوبة. إذا كانت العدالة الاجتماعية إلى جانب التقدم الاقتصادي، فإن المجتمع سيكون مزدهراً. لا يمكننا عدم مراعاة العدالة الاجتماعية.إن المسؤولين هم الذين يمكنهم إدارة الأمور. ينبغي عليهم منح الفرصة للبعض حتى يكون لهم النشاط الاقتصادي السليم و القانوني - لإن إنتاج الثروة ليس أمراً مذموماً في الإسلام - لكن يجب الحيلولة دون استخدام الأساليب اللاشرعية، و اجتناب التزييف و الخداع و المكر و استغلال الثروات العامة. فهذا غير جائز. يجب تقليل الفوارق. إن البعض من هذه الرواتب و المكافآت و الإيرادات التي يحصل عليها بعض الأشخاص - و التي هي أيضاً من بيت المال - لا يمكن تبريرها و لا فهمها و لا قبولها. إن الذين يستفيدون من الأموال الحكومية و بيت المال، عليهم أن يأخذوا منها على قدر و قيمة ما يفعلونه من أعمال. لا يمكن للبعض أن يأخذوا كثيراً. الحقيقة أن الثورة الإسلامية حطمت صنم الفوارق و تربية الطواغيت في هذا البلد. فقبل الثورة كانت الفوارق بين الفقير و الغني أمراً لا يمكن تفادیه. لم يكن أحد يتجرأ على أن يقول شيئاً عن هذا. لقد جاءت الثورة الإسلامية و مهّدت طريق العدالة الاجتماعية. لكن علينا أن نعمل. على الذين يسنون القوانين و يتخذون القرارات و يخططون، أن يأخذوا العدالة الاجتماعية بنظر الاعتبار. عرض تلفزيون الجمهورية الإسلامية قبل عدة أيام مشهداً لإحدى المدارس في إحدى القرى في بوشهر جعلني أشعر بالألم في قلبي! فهذا العدد من الشباب في جزء من هذ البلد يذهبون إلى مدارس بهذه الظروف الصعبة؛ بينما تلاحظون على بعد مسافة وسط البحر، ماذا يفعلونه بالثروات غير المشروعة! إن هذا ليس أسلوباً صحيحاً في نظام الجمهورية الإسلامية بل هو أسلوب خاطئ. على المسؤولين أن يراقبوا هذه الأمور. و على الجميع أن يقوم بواجبه بشكل دقيق. على المسؤولين متابعة العدالة و تسهيل أمور العيش للطبقات المستضعفة و المحرومة و الحفاة. أقصد الذين أنقذوا هذا البلد في أیام المحن، و إذا هدد خطر هذا البلد مرة أخرى لا سمح الله، فإن هؤلاء العمال و المعلمين و هذه الشرائح المستضعفة و هؤلاء الموظفين الذين يتمتعون بأقل مستويات الدخل، هم الذين يهبّون للدفاع و يلبسون قلوبهم على الدروع.على كافة شرائح الشعب المختلفة - سواء العمال أو المعلمون أو موظفو القطاعات المختلفة - أن يحاولوا أداء عملهم على أحسن وجه إن شاء الله مع تحليهم بالوعي و الدقة؛ و على المسؤولين أيضاً أن يشعروا بالمسؤولية. نسأل الله أن يصل هذا البلد إلى ما يستحقه و إلى ما قدر الله له؛ أعني قمة السعادة إن شاء الله؛ سواء دنيوياً مادياً أو معنوياً أو إلهياً.نسأل الله تعالى أن يعرّفنا واجباتنا؛ و أن يساعدنا في سبيل أداء الواجبات؛ و أن يأخذ بأيدينا و يمنعنا من العوج و الانحراف. نتمنى أن تشملكم تفضلات الإمام المهدي المنتظر ( أرواحنا فداه ) و نسأل الله أن يشملنا جميعاً بأدعية ذلك الكريم.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
2009/05/02

كلمة الإمام الخامنئي في حشد من المعلمين و العمال و الممرضين

بسم الله الرحمن الرحيمأولاً أرحب بكم فرداً فرداً أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء فقد شكّلتم اليوم هذا الاجتماع الصميمي و الودّي و ذي المعاني العميقة في هذه الحسينية، و أحيّي الروح الطاهرة للسيدة زينب الكبری ( سلام الله عليها ) و هي محور إحدی المناسبات الثلاث اليوم أي يوم الممرض. كما أدعو بلعو الدرجات للشهيد الغالي المرحوم آية الله مطهري و هو أيضاً محور و عنوان واحدة أخری من مناسبات اليوم.الشرائح الثلاث المجتمعة هنا أراها - كلما نظرت في الأمر - أهم شرائح مجتمعنا. أحد الجوانب هو جانب التربية و التعليم؛ المعلمون هم الأمناء علی أبناء هذا الشعب طوال السنين المتمادية و هم الذين بوسعهم أن يخطوا السطور الحسنة أو السيئة الأولی علی اللوح الأبيض المتقبِّل لأذهاننا و أذهان أطفالنا. ربما لا يسعنا أن نجد دوراً أرقی من دور المعلم - بالمصطلح الدارج في زماننا، أي معلم المرحلة الإبتدائية و المتوسطة و الثانوية - بين كل المهن الموجودة في مجتمعنا. منزلة المعلمين الذين يزاولون التدريس في المراكز العلمية العليا - في الحوزة و الجامعة - منزلة سامقة جداً بالطبع وصولاً إلی المعلمين الأرقی، إلا أن نفس معلمي التربية و التعليم لهم دور استثنائي فريد. الشكل الأساسي لشخصياتنا أنا و أنتم يرسمه و يوجده في الواقع - و إلی جانب التربية العائلية - هؤلاء المعلمون الذين يتعاملون مع أطفالنا و أبنائنا طوال اثنتي عشرة سنة. كلما فكرنا في الأمر نجد أن هذا الشيء له قيمة عالية جداً و هو يستوجب أن يعرف مجتمعنا و شعبنا و حكومتنا و مسؤولونا قدر المعلم و يعلموا أن التعليم بهذا المعنی‌ قيمة عالية جداً، و علی المعلمين أنفسهم أيضاً أن يعرفوا قدر هذا الدور بدقة و يعتبروه موهبة إلهية و يتنبهوا أي عمل كبير يتم إنجازه علی أيديهم بالإذن و الإرادة الإلهيين.و شريحة الممرضين أيضاً شريحة مؤثرة و مهمة جداً من زاوية أخری. دور الممرضين، و كذلك القوابل، مهم و عظيم جداً في نظام سلامة البلاد. إذا لم يكن هناك ممرض مخلص و عطوف إلی جانب المريض فمن المحتمل جداً أن لا يؤثر علاج الطبيب في ذلك المريض. العنصر و الشخص الملائكي الذي يعبر بالمريض من طريق المرض و الشدّة الطويل العصيب هو الممرض. هذا ما شعر به عياناً كل واحد منا نحن الذين تمرّضنا و تعرّضنا لأمراض شديدة و عمليات جراحية صعبة، و أنا واحد من هؤلاء. دور الممرِّض دور الشخص الذي يبعث الحياة في الإنسان. و كذلك القوابل. دورهن حيوي و مصيري في سلامة الوليد و الأم. و أقول هاهنا للممرضين - سواء الإخوة منهم أو الأخوات - و كذلك للقوابل المحترمات أن يعرفوا قدر هذه الخدمة و النعمة الكبيرة. فكما يجب علی الناس النظر إليهم بعين التكريم يجب عليهم هم أيضاً النظر لمهنتهم بعين التكريم، و تكريم الذات هذا و معرفة قدرها له دور هائل في جودة العمل لدی كافة الشرائح. دور العامل أيضاً من الأدوار المعروفة في العالم اليوم تقريباً. مع أن حقوق العمال تغمط في كثير من أنحاء العالم، إلا أن العمال هم في الواقع ذلك العنصر المحوري في نظام أنشطة المجتمع. العامل هو الذي ينهض بالأعمال و ينتج المصنوعات و يسد احتياجات المجتمع الضرورية بيديه و عيونه و عقله و مهارته و خبرته. كلما دقق الإنسان أكثر كلما تجلت له أهمية هذه الشرائح الثلاث أكثر. طبعاً قضية العمل لها طرفان: العامل في طرف و في الطرف الثاني مدراء العمل و المستثمرون و كلهم أصحاب دور و تأثير في العمل.اعتقد أنها نقطة مهمة أن تعرف هذه الشرائح الثلاث قدر نفسها و كرامتها. إذا تبيّنت للإنسان أهمية العمل الذي يقوم به فلن يتهاون فيه و لن ينتابه الخمول و القنوط. حينما نفهم مدی أهمية العمل الذي نقوم به لحياة المجتمع و البلاد فسيخلق هذا في داخلنا طاقة تتغلب علی كل العقبات الخارجية.لذا فإن توصيتنا الأولی للجميع هي أن يعرفوا قدر المهنة الملقاة علی عاتقهم بكل شوق و رغبة مهما كان السبب الاجتماعي أو الفردي لتوجههم نحو تلك المهنة، و أن يثمّنوها و يهتموا بها و ينجزوا أعمالهم بصورة صحيحة. كثيراً ما ذكرنا قول الرسول العظيم: « رحم الله امرأ عمل عملاً فأتقنه »، و هذا ما يصدق عليّ و عليكم و علی كل واحد من العمال و المعلمين و الممرضين و سائر المشاغل و المهن و المسؤوليات. علينا إنجاز العمل الذي نتولاه بإتقان و بشكل كامل.بخصوص مسألة العمل فإن ما أكدت و أؤكد عليه اليوم أيضاً هو أن ننسِّق و ننظم و نتقدم بثقافة بلدنا نحو تشجيع الإنتاج الداخلي. هذا شيء علی جانب كبير من الأهمية. في الماضي قصف شعبنا لأعوام طويلة بثقافة الركض وراء المنتجات و الصناعات الأجنبية. حينما يقال إن هذه البضاعة أجنبية فسيكون هذا دليلاً تاماً و كاملاً علی تفوقها في الجودة. ينبغي تغيير هذه الثقافة. طبعاً جودة البضاعة الداخلية مؤثرة في هذا التغيير، و عدم الدعاية الاعتباطية المنفلتة للمنتجات الأجنبية مؤثر أيضاً، و تشجيع المنتج الداخلي مؤثر أيضاً، و الإخلاص لدی المنتج - سواء كان عاملاً بسيطاً أو عاملاً صاحب خبرة أو مهندساً - مؤثر أيضاً. و للحكومة دورها في هذا و للمسؤولين دورهم و للعامل نفسه دوره و للمنتج و رب العمل دوره و للتاجر الذي يستورد البضائع الأجنبية دوره.علی الجميع أن يتكاتفوا لترجح كفة الإنتاج الداخلي و تزداد قيمته و تسود في مجتمعنا و أذهاننا ثقافة تثمين استهلاك الإنتاج الداخلي. إننا نحضّ العامل الأجنبي علی العمل عبر استهلاك إنتاجه و الثمن هو بطالة العامل في الداخل. علی‌ جميع المسؤولين في البلاد و الذين يرسمون السياسات و المسؤولين الإعلاميين و المنتجين أنفسهم و أرباب العمل و العمال أنفسهم و الحكومة و القطاعات ذات الصلة الاهتمام لهذه النقطة.الكثير من المنتجات و الصناعات الداخلية‌ اليوم هي لحسن الحظ أفضل و أحياناً أفضل بكثير من مماثلاتها الخارجية. لِمَ يجب أن لا نكترث لصناعاتنا الداخلية ؟ مضی‌ ذلك العهد الذي كان فيه عملاء أجهزة السلطة يبثون الدعايات المسمومة التي توحي بأن الإيراني غير قادر علی الإنتاج و البناء. إنهم جعلوا إيران تتخلف. لقد وجهوا ضربة لروح الإبداع و الرغبة في العمل داخل البلاد. و جاءت الثورة فغيرت الوضع. شبابنا اليوم ينجزون أعقد الأعمال. كل هذه البنی التحتية التي أنشئت في البلاد من أجل المشاريع الكبری و كل هذه الأعمال التقنية المعقدة يتم إنجازها بذهنية الشباب الإيراني و إبداعه. المسؤولون يتابعون هذا الأمر. علی الجميع اليوم أن يتوجهوا صوب الصناعات و المنتجات الداخلية. و ينبغي أن تصبح هذه ثقافة. طبعاً جزء ملحوظ من هذا يتعلق بالأمن المهني للعمال و هذا أيضاً ما يجب أن يلتفت له الجميع. يجب أن يكون العمال فارغي البال و مطمئنين و شاعرين بالأمن المهني. و لا بد أن يتعاضد رب العمل و العامل، و المستثمر و العامل، و مدير الورشة و العامل بأخوة و يتقدّموا بعجلة‌ العمل إلی‌ الأمام. هذا ما يتعلق بمسألة العمل.و في مجال التربية و التعليم ما أوكد و أصر عليه هو بالدرجة الأولی مشروع التحول في نظام التربية و التعليم؛ و هي القضية‌ التي أشار إليها الوزير المحترم و شددنا عليها في الماضي مراراً. نظامنا التربوي و التعليمي نظام تقليدي قديم. فيه صفتان سيّئتان. أولاً منذ اليوم الأول الذي أطلقوا فيه نظام التربية و التعليم في بلادنا خلال العهد البهلوي الأسود و قبل ذلك بفترة قصيرة لم يأخذوا احتياجات البلاد و تراثه بنظر الاعتبار. لا بد لركيزة التراث الوطني أن تبقی، كما ينبغي الاستفادة من تجارب الآخرين إلی‌ أقصی‌ حد. لا أن نقتبس لبلادنا النموذج المعتمد في البلد الغربي الفلاني - بكل ما قد يكون فيه من أخطاء - بعينه مع أنه موضوع لمقتضيات ذلك البلد. لقد فعلوا هذا للأسف و كان تقليداً محضاً. هذا أولاً و ثانياً حتی ذلك النظام أصبح اليوم بالياً. الذين كانوا ذات يوم مراجع تقليد مسؤولي بلادنا التابعين للأجنبي تجاوزوا اليوم تلك الأساليب و أطلقوا أساليب أحدث و بقينا نحن ملتصقين بتلك الأساليب القديمة! لا بد من تحوّل.الفرصة لحسن الحظ متاحة اليوم لهذا الإنجاز. يعيش البلد ظروف الاستقرار و الأمن و الهدوء و قد تم إنجاز العديد من المهام. استطاع الشعب الإيراني في هذا العالم الصاخب و المضطرب أن يحافظ علی اتزانه و وقاره و سكينته و هدوئه. تتوفر الفرصة اليوم للخوض في هذه الأمور المهمة. من الإيجابي جداً ما أخبر به الوزير المحترم بأنهم فكروا و عملوا في هذا الموضوع و هو شيء جدير بالتقدير و لكن ينبغي نقله إلی حيز التنفيذ و التقدم به إلی الأمام و البدء به عملياً. إنها مهمة تقتضي الشجاعة و المبادرة و الإبداع و الأفكار الصالحة. كانت هذه إحدی المسائل و هي التحول النوعي في نظام التربية و التعليم. النقطة الأخری و هي مهمة بدورها عبارة عن العناية بنظام التربية في منظومة التربية و التعليم في البلاد. البعض و بسبب عدم التفطن للنظام التربوي استبعدوا عن منظومة التربية و التعليم البناء الذي أرسي بداية‌ الثورة و بدّدوه تدريجياً و يمكن القول إنهم ألغوه. أما أنتم اليوم فتؤمنون بهذا الشيء فانقلوه إلی حيز التنفيذ و العمل. إذا لم تكن التربية‌ أهم من التعليم فهي ليست أقل أهمية منه. اللوح الأبيض المتقبِّل المتمثل بذهنيات أطفالنا و طلابنا لا يصلح بمجرد التخطيط عليه و كتابة الأعداد و الأرقام؛ إنما يحتاج إلی بناء. و هذا البناء يتمثل بالتربية. يجب الاهتمام بقضايا التربية و سياقاتها بكل الأشكال التي يمكن بواسطتها النهوض بها، و لن نتحدث هنا عن هذه الأشكال؛ في الكتب المدرسية و في اختيار المعلمين و في تربية المعلمين و في عملية التخطيط و التنظيم نفسها. كلما استطاعت التربية و التعليم اجتناب التوسع الكمّي - سواء في المؤسسات أو الكوادر الإنسانية - لكان هذا أفضل، فالاتساع الكمّي في التربية و التعليم ليس علی رأس الأولويات راهناً، إنما التنمية النوعية هي المهمة. يجب تلبية الاحتياجات و تأمين الحاجة للمعلمين و المدارس. لتكن الأولوية الأولی التنمية النوعية و رفع مستوی المعلمين من حيث الاستعداد و التجربة و العلوم و الثقافة.. هذه هي الأمور المهمة في التربية و التعليم. أتمنی أن يوفقكم الله تعالی و أنتم و الحمد لله تعملون و تجهدون. و ينبغي معرفة قدر هذه الجهود. التقدم الذي أشار إليه الوزراء المحترمون في قطاع الصحة و قطاع العمل و قطاع التربية و التعليم هو من مفاخر النظام.. النظام هو الذي يبدي عن نفسه هذه القدرات. لا أدري لمَ ينكر البعض هذه الحقائق؟! ليسوا علی استعداد لتصديق هذا التقدم. كلما ازدادت هذه الحقائق كلما تضاعفت مفاخر الشعب الإيراني و نظام الجمهورية الإسلامية.أذكر هنا نقطة خارج نطاق المسائل المهنية و تتعلق بكل الشعب الإيراني و بهذا المقطع الزمني ألا و هي مسألة الانتخابات. أعزائي، كان شعبنا طوال تاريخه الممتد لعدة قرون من الزمن عنصراً عديم التأثير في نظام إدارة البلاد. لماذا؟ لأن هذه هي طبيعة الحكم الاستبدادي و الحكم الملكي. لم يكن الشعب ذا دور يذكر. أما كيف سيكون واقع الشعب و الحال هذه فهذا يرجع إلی إنصاف الشخص الذي يتولی زمام الأمور. إذا كان الشعب محظوظاً فسوف يتولی الحكم دكتاتور في قلبه شيء من الرحمة، يذكرون في تاريخنا مثلاً كريم خان زند، و عندها سيكون حال الناس أفضل بعض الشيء. أما إذا تولی الحكم أمثال رضا خان أو ناصر الدين شاه أو غيرهما من السلاطين المستبدين فإنهم سيعتبرون البلاد ملكهم، و الشعب الذي لم يكم له أي دور سيعتبرونه رعيتهم. لاحظوا التاريخ - لا أقول تاريخ القرون الطويلة بل تاريخ عصر الثورة الدستورية فصاعداً - و ستجدون أن الدستور ظهر في بلادنا بالاسم فقط، و لكن منذ أن تولی النظام البهلوي زمام السلطة أصبحت الانتخابات عملية استعراضية محضة باستثناء فترة قصيرة جداً خلال النهضة الوطنية علی مدی عامين حيث تحسّنت الحال قليلاً، لكن ذلك العهد أيضاً صاحبته مشكلات عديدة فأغلقوا المجلس و منحوا صلاحياته للحكومة، و هذا ما حدث في عهد مصدق. و في سائر ذلك العصر كانت الانتخابات محض مسرحية. في تلك الفترة التي أتذكرها و من هم في سنّي، كان الجميع يعلم أن الانتخابات لم تكن تعني علی الإطلاق انتخابات شعبية. بل كانت هناك جماعة يشخصهم جهاز السلطة و البلاط الملكي يومذاك و تدور المنافسات و الصدامات بينهم لكن الذي يريدونه عضواً في المجلس يجب أن يكون مطيعاً خاضعاً و يضمن مصالحهم و حقوقهم المالية الغصبية.. مثل هذا الشخص يأتون به ليشغل مقعداً في المجلس. و الناس يذهبون لحالهم. طوال كل هذه المدة نادراً ما شعر الناس أن عليهم التوجّه لصناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم من أجل التأثير في إدارة البلاد. لم يكن مثل هذا الشيء علی الإطلاق. كنا نسمع اسم الانتخابات في الصحف حيث يقولون: الآن موسم الانتخابات. و لا ندري متی يوم الانتخابات، و لا يدري الناس بذلك. و في موعد الانتخابات يضعون عدة صناديق في موضع ما و يثيرون ضجيجاً و حوارات قليلة و يفعلون أخيراً ما يريدونه و ينتهي الأمر. لم يكن للجماهير دور حقيقي.قلبت الثورة الإسلامية الصفحة تماماً و صار للجماهير دورهم لا في انتخابات نواب المجلس و حسب بل في انتخاب رئيس الجمهورية، و انتخاب الخبراء الذين يعينون القائد، و في انتخاب المجالس البلدية التي تضطلع بتنصيب رؤساء البلديات. في كل هذه الأطوار الحساسة أضحت أصوات الجماهير حاسمة. علی هذا الأساس تم تدوين الدستور و قد مضیت عليه ثلاثون سنة. و أقول لكم إن هذا السياق مستمر إلی اليوم بكل قوة و اقتدار.في فترة ما قبل الثورة كانت إيران مرتعاً للأجانب. النفط الإيراني و الأسواق الإيرانية و المنتوجات الإيرانية و الطاقات البشرية الإيرانية، و كل ما كان و ما لم يكن، كان تحت تصرف المهيمنين و الأقوياء. الانجليز ذات يوم و الأمريكان و الصهاينة في يوم آخر. و بعد ذلك عندما انتصرت الثورة تولی الشعب زمام الأمور فانقطعت مصالح الأجانب و كان من الطبيعي أن يناصبوا هذا النظام العداء و هم يناصبونه العداء منذ ثلاثين عاماً. و من ممارساتهم العدائية أن ينكروا هذه الظاهرة القيمة أو يتجاهلوها في إعلامهم؛ ظاهرة مشاركة الشعب و دوره و تأثيره في أدارة البلد. طالما شككوا في انتخابات بلادنا في إدلائاتهم الصريحة أو الكنائية. كلا ؛ إن انتخابات بلادنا أكثر حرية و حماساً من غالبية هذه البلدان التي تدعي الديمقراطية، كما أن اندفاع الجماهير للمشاركة فيها أكبر. أنها انتخابات ملحمية و جيدة و نزيهة. الأعداء بثون الشبهات و نحن لا نتوقع من الأعداء سوی العداء؛ ما الذي نتوقعه منهم؟ إنما لا نتوقع مثل هذا الشيء من الأصدقاء و مَن هم جزء من هذا الشعب و يشاهدون الحقائق و يرون كيف تقام هذه الانتخابات بنزاهة و دقة لكنهم مع ذلك يتحدثون بنفس ما يتحدث به العدو! توقعي هو أن الذين هم مع الشعب الإيراني و جزء من الشعب الإيراني و يتوقعون أن يلتفت لهم الشعب، توقعي منهم أن لا يصرحوا ضد شعب إيران و لا يشككوا في انتخابات الشعب الإيراني. لا يكرروا دوماً إن هذه الانتخابات ليست نزيهة و أنها ليست انتخابات. لماذا يكذبون؟ لماذا لا ينصفون؟ لماذا يتحدثون خلاف الواقع؟ لِمَ يتجاهلون كل هذه الجهود التي تحمّلها الشعب و المسؤولون طوال هذه الأعوام؟ لماذا؟ لماذا ينكرون الفضل؟الانتخابات كانت نزيهة في الدورات السابقة. و في الحالات التي تطرح بعض الشبهات بعثنا من حقق و تابع الموضوع. في إحدی‌ دورات المجلس انتشرت إشاعات و قدم البعض أدلة و طرحوا كلاماً معيناً يفيد أن الانتخابات لم تكن سليمة و كان توقعهم إلغاء الانتخابات في بعض المدن المهمة مثل طهران. و بعثنا أشخاصاً ذوي خبرة و اطلاع و حققوا و درسوا القضية و وجدوا أن الأمر ليس كذلك و أن الانتخابات سليمة. من بين آلاف الصناديق قد ترد إشكالات علی صندوقين أو خمسة صناديق. هذا لا يهدم الانتخابات. ثم أن هذا خاص ببعض الأحيان. أحياناً يكون هناك تيار أو مجموعة - من التيارات العادية في البلاد و التي تعرفونها - تتولی السلطة و تنتهي الانتخابات لغير صالحهم بل لصالح التيار المنافس، و قد حدث هذا مراراً. كيف يمكن لأحد التشكيك في هذه الانتخابات؟ (1) حسناً إذا كنتم مستعدين شاركوا كلكم إذن في الانتخابات إن شاء الله، و سيحضر الشعب الإيراني كله عند صناديق الاقتراع علی الرغم من أنف العدو ليشارك في الانتخابات بكل حماس و رغبة و صميمية و سيخلق انتخابات تغضب الأعداء.اللهم أنزل رحمتك و فضلك علی هذا الشعب العزيز. ربنا أفض توفيقاتك علی هذا الشعب أكثر فأكثر. اللهم ثبت أقدام و خطوات هذا الشعب يوماً بعد يوم في طريق الكمال. ارفع دوماً من درجات الروح المطهرة لإمامنا الجليل و أرواح شهدائنا الأبرار.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاتهالهوامش:1- هنا أطلق الحضور شعار: أيها القائد الحرّ، نحن مستعدون مستعدون.  
2009/04/28

كلمة الإمام الخامنئي في مراسم تخرج جامعة الإمام الحسين (ع)

بسم الله الرحمن الرحيمأبارك لكم أيها الشباب الأعزاء و أبناء هذا الشعب و قرة عينه الأعزاء التحاقكم بميدان حراسة قيم الثورة الإسلامية . جامعة الضباط هي مركز علمي و قطب لفوران الجهاد في آن واحد، و هي كذلك موقع لتربية رجال ذوي عزيمة و إرادة حديدية. العلم و الجهاد و الإيمان والإرادة المتينة حينما تكون مع بعضها تنتج أناساً يمكن للعالم ببركتهم أن يتفاءل بمستقبله.المشكلة الرئيسية للعالم الحديث هو أن العلم استخدم فيه للفساد و الطغيان و الاعتداء. العلم موهبة إلهية و أكبر جحود لهذه الموهبة الكبيرة هو أن يوظف جيل أو شعب أو جماعة معينة هذا العلم في زمن من الأزمان لخدمة الظلم و الطغيان و الاعتداء و قمع القيم الإنسانية. و هذا ما حدث في العالم خلال القرنين أو الثلاثة الأخيرة و خصوصاً في العقود القريبة.حصلت بعض الشعوب علی العلم و هذا طبيعي. العلم يُتداول بين الشعوب علی مدی التاريخ. ذات يوم كانت مناطق الشرق قطب العلم في العالم، و في زمن آخر كان مركز العلم في العالم مناطق الغرب. حينما تمكنت هذه الشعوب من العلم استخدمته لصالح الاستعمار و قمع الشعوب. الكثير من البلدان و كثير من الشعوب في شرق العالم و غربه - في أفريقيا و آسيا - قمعت و سحقت و استعمرت بعلم البلدان الغربية و جری أسر الأجيال البشرية و استعبادها. السود في أمريكا اليوم هم أبناء أولئك الضعفاء الذين سيقوا من بلدانهم الأفريقية عبيداً علی يد المستعمرين الغربيين، اصطادوهم من بيوتهم و حياتهم و مزارعهم و بيئتهم كما تصطاد الحيوانات و شرّدوهم و أجبروهم علی الأعمال الشاقة. و قد وقع هذا في كل أنحاء العالم، في شبه القارة الهندية و في آسيا القصوی خلال العهود السوداء. أذلوا عباد الله و خلقه و ظلموهم و أفسدوا حيواتهم لفترات طويلة بواسطة العلم الذي اكتسبوه و كان موهبة إلهية.و بعد ذلك صُنعت القنبلة الذرية بالصعود في سلم العلم و بفضل المعارف التي أحرزوها - كل علم بمثابة درجة في سلم. حينما يصعد الإنسان علی درجة من الدرجات ستتوفر له الفرصة و الإمكانية لصعود الدرجة و الدرجات اللاحقة، و هذا طبيعي أيضاً - و أنتجت الأسلحة الكيمياوية و دمرت الأجيال و فجع الناس بأحبابهم و صارت الدنيا ما تشاهدونه في الجغرافيا السياسية في العالم: تقسيم العالم إلی طيفين، طيف جائر و آخر خاضع للجور، ظالم و خاضع للظلم، و بفواصل كبيرة جداً. هذا ما وصلت إليه الجغرافيا السياسية في العالم و الجغرافيا الثقافية في العالم خلال العصور المظلمة الأخيرة.أعزائي، كانت الثورة الإسلامية العظيمة لشعب إيران انتفاضاً إنسانياً كبيراً ضد هذا الواقع . كانت ثورتنا صرخة الإسلام. صرخة التوحيد، صرخة العدالة، صرخة كرامة الإنسان في هذا العالم الطافح بالظلم الذي تتحول فيه النعم الإلهية و الهدايا الإلهية للإنسان إلی وسائل لقمع البشر. قامت الثورة لمواجهة مثل هذا الواقع.الذين يوصون الشعب الإيراني و نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية اليوم بالعودة إلی النظام العالمي هم أنفسهم الذين أزعجهم و أقلقهم وجود مثل هذه الحركة العظيمة لدی هذا الشعب و خصوصاً في مثل هذا الموقع الحساس. عودوا إلی النظام العالمي و كونوا جزءاً منه معناها الاستسلام لهذا النظام اللاعادل. هذا ما يريدونه من شعب إيران.منذ ثلاثين عاماً و الشعب الإيراني يرد بكلمة ( لا ) و بكل اقتدار و ثقة بالنفس و اعتقاد صادق عميق بجذوره الإيمانية علی هذا الطلب الجاهل المجنون و غير المنطقي. الضغوط التي فرضوها علی الشعب الإيراني و نظام الجمهورية الإسلامية طوال الثلاثين سنة الماضية كانت من أجل الهبوط بهذه الثورة عن مكانتها الرفيعة و أصولها المعنوية و الملكوتية و الإنسانية. طبعاً من البديهي أنهم لم يستطيعوا ذلك و لن يستطيعوا. ( يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم و الله متمّ نوره و لو كره الكافرون ) (1). نور الله نور التوحيد و العدالة و الشعور بالشرف بالعبودية لله حينما يشرق في قلب شعب فلن تستطيع أية يد إطفاءه.شبابي الأعزاء، أنتم حراس مثل هذه الحقيقة المقدسة و الهوية السامقة فافخروا بها. انبثق حرس الثورة الإسلامية من صميم أطهر شباب هذا البلد في الإيام الأولی للثورة. أنتم يا أعزائي لم تدركوا تلك الأيام. أولئك الشباب كانوا في مثل أعماركم، شباب في العشرين و الثامنة عشرة و الثانية و العشرين. أوجدوا حرس الثورة الإسلامية بعزيمة راسخة و إرادة فولاذية و إيمان شامخ فذ، و تواجدوا في ميادين الجهاد منذ الأيام الأولي.شن الأعداء الحرب المفروضة لإطفاء شعلة الثورة، لكن هذه الحرب المفروضة نفسها أدت إلی تصاعد أوار قوة الثورة و الروح الثورية. لقد استعاد هؤلاء الشباب الأعزاء عظمتهم في سوح الحرب، و انبجست ينابيع مواهبهم الداخلية في قلوبهم الطاهرة النيّرة و خلقت منهم في فترة الشباب قادة كباراً و مجاهدين لا يعرفون التعب و رجالاً أصحاب تدبير و تفكير و نظام الجمهورية الإسلامية مدين لهم و لسلوكهم إلی الأبد.و أنتم أتباع طريق اؤلئك الأعزاء و أبدال أولئك السائرين الأوائل. حين يقال: ( كل يوم عاشوراء و كل أرض كربلاء ) فمعنی ذلك أن الزمن يمضي لكن الأحداث الجارية في حياة البشر و حقائق الخلقة تبقی كما هي. للبشر في كل عصر دور إذا مارسوه بشكل صحيح و في اللحظة و الزمن المناسبين فسوف يصلح كل شيء و سوف تتقدم الأمم و تنتشر القيم الإنسانية.هكذا فعل أولئك الشباب و مارسوا دورهم. و كانت النتيجة أنكم ترون الشعب الإيراني اليوم و بعد مضي عقود علی تلك الأيام و بهدي من أدائهم و بفضل الجهود التي تابعت جهودهم، و بفضل توجيهات الإمام الخميني التي تفوح منها رائحة الأنبياء بحق، ترونه يفتح القمم الواحدة تلو الأخری و يتقدم إلی الأمام. تصوروا أيام الحرب لا سيما السنين الأولی للحرب و ذلك الفقر التسليحي و المالي و الفقر في التجارب بين شباب الحرس و التعبئة و قارنوه بالتقدم الذي تحقق راهناً.. التقدم العلمي و البحثي و تراكم التجارب.إنكم تتعلمون في الجامعة و تبنون أنفسكم من حيث الفكر و المعنويات و الإرادة و تسيرون في طريق جد عظيم و مجيد. هكذا هي هذه الجامعة. فاخروا بانتمائكم لهذه الجامعة و تخرّجكم منها. عُدّوا هذه الحال نعمة كبری من الله و هي كذلك فعلاً و حافظوا عليها و تقدموا إلی الأمام.بلادكم بحاجة للشباب المؤمن. و شبابنا اليوم و بلطف الله و فضله و علی الرغم من المساعي المتواصلة للأعداء - و مساعيهم تتركز غالباً علی الشباب - يتوجهون صوب الله و الهداية الإلهية. شبابنا علی رغم أنف العدو شباب مؤمنون متدينون. و الشباب المؤمن اليوم إن لم يكن متقدماً علی الشباب المؤمن في صدر الثورة - قبل ثلاثين و خمسة و عشرين عاماً - فإنه ليس بمتخلّف عنه. ذلك الأتون الساخن و تجربة الحرب المفروضة التي كانت فرصة لتفجر المواهب كانت ستصنع المعاجز لو انتصبت أمام أي جيل مميز و موهوب.إنكم اليوم في ساحة مختلفة. إنكم في ساحة التقدم الروحي و المعنوي و بناء الذات و البلاد و الاستعداد للدفاع. الأعداء أي القوی الاستكبارية الكبری في العالم - و هم أعداء الشعوب و الإنسانية و الفضيلة و ليسوا أعداء الشعب الإيراني فقط - يعيشون بالتهديدات غالباً، و يمرّرون مشاريعهم باستعراض أبهتهم، و يفرضون هيبتهم علی الشعوب، و يُقصونهم عن الساحة بهيبتهم. لا تخافوا هيبة القوی الكبری. هيبتكم المعنوية في قلوبهم أكبر من هيبتهم المادية في قلوب الشعوب. حينما تعتمدون علی إيمانكم و استعدادكم و علمكم و تدبيركم و حساباتكم الدقيقة و إدارتكم و عندما تثمّنون القيم العظيمة المنبعثة من صميم الثورة و تهتمون بها و تحافظون علی إيمانكم بها فسوف تتكوّن لكم في قلوب جميع الشعوب أبّهة أكبر من أبهتهم في قلوب الشعوب الغافلة. الأعداء يعلمون اليوم أن الشعب الإيراني بهذا الشباب المؤمن و هؤلاء الرجال الصلبين و المسؤولين و الساسة الذين يفخرون بالتزامهم بالقيم و هذه الأرصدة القيمة لا يهاب أي تهديد و لا أية هيبة. هم يعلمون هذا.كرسوا بانتمائكم لمؤسسة الحرس المهيبة الشريفة هذه القناعة في قلوب الأعداء أكثر فأكثر. ابنوا أنفسكم معنوياً. العبودية لله و الخشوع أمام الله يجعل الإنسان لا يخضع لأي متعسف. القلب الذي وعی المهابة و العزة الإلهية يشعر في قرارته بعزة لا تستطيع مقاومتها حتی أعتی القوی. ضاعفوا من عبوديتكم لله يوماً بعد يوم.اللهم إني استودعك هؤلاء الشباب الأعزاء و منظومة جنود الإسلام و القوات المسلحة في الجيش و الحرس و الشرطة و التعبئة و هذه المجاميع المؤمنة. اللهم أنزل ألطافك و بركاتك عليهم.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاتهالهوامش:1- سورة الصف ، الآية 8.
2009/04/14

كلمة الإمام الخامنئي في الروضة الرضوية الطاهرة

بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا و نبينا أبي القاسم المصطفى محمد و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين سيما بقية الله في العالمين. أشكر الله تعالى من أعماق قلبي لأن وفقني و أمهلني لأنال مرة أخرى سعادة و شرف الحضور في هذه العتبة المقدسة و التقي أهالي مشهد الأعزاء و زوار هذا المرقد الرفيع. أرجو من الله تعالى أن يبارك هذا العيد السعيد و هذا العام الجديد على كافة الشعب الإيراني العزيز.عامنا هذا هو العام الأول من العقد الرابع للثورة الذي سمّي باسم »عقد التقدم و العدالة«. و أذكر بعض النقاط بهذه المناسبة تتعلق ببعض أهم قضايا بلادنا، و أشير كذلك إلى بعض القضايا الدولية و الخارجية المهمة. سمينا هذا العقد عقد التقدم و العدالة في البلاد و نظام الجمهورية الإسلامية، و الحال أن الشعب الإيراني و منذ مطلع الثورة سار بحركته العظيمة و بتأسيسه و تكريسه لنظام الجمهورية الإسلامية نحو التقدم و العدالة. فما هي خصوصية الأعوام العشرة القادمة حتى أطلقنا عليها عنوان عقد التقدم و العدالة؟ من وجهة نظرنا فإن الفرق بين السنوات العشر القادمة و العقود الثلاثة الماضية يكمن في الاستعدادات الواسعة و الهائلة جداً للتقدم و العدالة التي ظهرت في بلادنا العزيزة ، و هي استعدادات تسمح لشعبنا الكبير ذي العزيمة العالية بأن يقطع خطوة و قفزة واسعة في هذا المجال. الشعب مستعد لتحرك سريع و كبير صوب التقدم و العدالة، و هذا ما لم يكن متوفراً لشعبنا بهذا الحجم في العقود المنصرمة.لو أردنا تحديد العوامل و العناصر الرئيسية لهذا الاستعداد، فيجب عليَّ القول إن هناك عدة عناصر كان لها تأثير كبير في هذا الجانب: أحد هذه العوامل هو تواجد جيلنا الشاب من الخريجين. ثمة اليوم في ساحة العلم و البحث العلمي و النشاطات الاجتماعية و السياسية الملايين من الشباب المتوثبين الدارسين. وجود هذا العدد من الشباب العلماء و الخريجين و الموهوبين في بلادنا ظاهرة جد لافتة و مهمة و كبيرة.العامل الثاني هو عامل التجربة. لقد أحرز نخب بلادنا و مسؤولوها طوال الأعوام الماضية تجارب جد قيمة في مواجهتهم للمشكلات المختلفة. هذه التجارب موجودة اليوم لدى الشعب.و لو أردنا ضرب مثل حول هذه التجارب لقلنا إن من آثارها تنفيذ سياسات المادة 44 من الدستور. الاهتمام بهذه السياسات ناجم عن تجربة طويلة استمرت طوال العقود الماضية و أوصلت نخبة بلادنا إلى هذه المحطة. و النموذج الآخر هو »توجيه الدعم« و الناتج أيضاً عن تجارب طويلة تراكمت لدى نخبة البلاد و أوصلتهم طوال هذه الأعوام إلى أن الدعم الذي يخرج من بيت المال - أي من جيوب عموم الشعب - و يُخصَّص لعموم الشعب، يجب أن يوجَّه للشرائح التي تعاني احتياجاً أكثر؛ أي يجب أن تنال الشرائح الفقيرة و الطبقات المتوسطة فما دون في المجتمع نصيباً أوفر من بيت المال و من كيس الشعب العام قياساً إلى الطبقات المتمتعة بدرجة عالية من الرفاه و من هم لا يحتاجون في الحقيقة لهذا الدعم. بلوغ هذه الحقيقة و العزيمة الراسخة لتنفيذها منبعثة من تجارب طويلة الأمد تراكمت على مدى هذه الأعوام و بلغت أخيراً طور التنفيذ.العامل الآخر هو البنى التحتية للبلاد. ليست بلادنا اليوم كما كانت في العقد الأول أو العقد الثاني للثورة حينما كانت تفتقر للبنى التحتية العلمية التي تحتاجها. شبابنا و متخصصونا و علماؤنا اليوم بوسعهم القيام بأعمال كبيرة في أي فرع يخوضون فيه. لذا فإن الأشياء اللازمة للتقدم الواسع في مضمار الاتصالات و المواصلات و البحث العلمي و البناء متوفرة في بلادنا و الحمد لله. إننا من حيث وجود الطرق المهمة و الدولية، و وجود المطارات، و الاتصالات السلكية و اللاسلكية، و شبكات الاتصال، و بناء السدود، لا نحتاج للآخرين. ذات يوم لم يكن يخطر ببال أحد أن يستطيع خبراؤنا الداخليون بناء سد، أو مخزن غلال، أو طريق سريع، أو مطار، أو معمل فولاذ. كانت عيون شعبنا في كل هذه الأمور على الأجانب. و بعد ذلك حينما قصرت أيدي الأجانب كنا نعاني عوزاً و فقراً في هذه المجالات. لكننا نتمتع اليوم بقدرات كبيرة في هذه الميادين. شبابنا يصنعون المعامل المعقدة، و يقومون بأعمال علمية و تقنية معقدة، و يسدّون احتياجات البلاد، و يساعدون البلدان الأخرى كمستشارين و كجهات تزاول تجارة العلم و التقنية. اكتسبت البلاد واقعاً مميزاً من هذه الناحية. و هذا ليس بالتقدم القليل. ذات يوم لم يكن بوسع شبابنا حتى أن يرموا قذائف الـ (آر. بي. جي) و لم يكونوا يعرفوا ما هي. و اليوم يطلق نفس هؤلاء الشباب صاروخاً حاملاً للأقمار الصناعية يلفت إليه أنظار العلماء و الكل في العالم. ذات يوم كنا بحاجة للمتخصصين من أجل استخدام محطات الطاقة التي كانت لنا في البلاد، و اليوم تطور شباب بلادنا في الصناعة إلى حد أنهم يصنعون و ينتجون المصافي و محطات الطاقة و غير ذلك بأنفسهم. في يوم من الأيام كان البلد يعاني الفقر المطلق على صعيد علم الأحياء، و اليوم يحقق تطوراً في علوم الأحياء بما في ذلك مجال الخلايا الأساسية التي تعد مجالاً على درجة عالية من الأهمية في العالم. هذه إمكانيات متوفرة في البلاد اليوم. هذه كلها بنى تحتية يتيسّر على أساسها التقدم المستقبلي. أضف إلى ذلك - و كما ذكرنا - أن تجربة المدراء باتت اليوم تجربة جد عميقة و واسعة. البلاد اليوم أمام أنظار المدراء و النخبة أشبه بمشهد يمكنهم البرمجة لتقدمه إلى الأمام. زيارات المسؤولين لأنحاء البلاد المختلفة، و المناطق المحرومة، و المحافظات البعيدة، و زيارة المدن المختلفة في المحافظات، و الاتصال بالجماهير، و مشاهدة الأوضاع عن كثب، و الاطلاع على المشكلات برأي العين، اكسبت مسؤولي البلاد تجربة قيمة و عظيمة. هذه أرضية قفزةٍ تؤهل البلاد لأن تستطيع إن شاء الله السير في طريق التقدم و العدالة. و هذا ما يستدعي أن يكون العقد المقبل - أي العقد الذي يبتدئ من هذه السنة - عقد التقدم و العدالة لبلادنا و لنظام الجمهورية الإسلامية، و على الجميع العمل و الجد من أجل ذلك.أذكر نقطة مقتضبة عن مفهوم التقدم و نقطة مقتضبة أخرى عن مفهوم العدالة. و تفصيل هذا المجمل مما يجب أن يعرضه المسؤولون و المتحدثون و من هم على اتصال بالجماهير و الرأي العام. عليهم البحث في هذا المجال و إطلاع الشعب على ما يبلغونه من نتائج. ما هو مرادنا من التقدم؟ ليس القصد التقدم في اتجاه معين بحد ذاته، بل نروم التقدم في جميع الجوانب. شعبنا جدير بالتقدم على كافة الأصعدة.. التقدم في إنتاج الثروة الوطنية، و التقدم في العلم و التقنية، و التقدم في الاقتدار الوطني و العزة الدولية، و التقدم في الأخلاق و المعنوية، و التقدم في أمن البلاد - سواء الأمن الاجتماعي، أو الأمن الأخلاقي للشعب - و التقدم في رفع مستوى الفائدة. رفع مستوى الفائدة معناه أن نستطيع أستخدام ما عندنا على أحسن وجه. استخدام النفط، و الغاز، و المعامل، و الطرق، و كل ما يوجد لدينا على أحسن وجه و بأكبر قدر. و كذلك التقدم في الالتزام بالقانون و الانضباط الاجتماعي، فلو ابتلي شعب بانعدام القانون، و سادت حالة خرق القانون على ذهنية الشعب و ممارساته، فلن يكتب له أي تقدم معقول و صحيح. و التقدم على صعيد الوحدة و الانسجام الوطني، الشيء الذي حاول الأعداء إفساده منذ بداية الثورة، لكن شعبنا حافظ و لحسن الحظ على اتحاده و انسجامه رغم كل الأرضيات التي كان يمكن انتهازها لبث الفرقة. علينا التقدم إلى الأمام و رفع مستوانا في كل هذه المجالات. و هناك التقدم في مجال الرفاه العام حيث تستطيع كافة الطبقات التمتع بالرفاه. و التقدم في التنمية و النضج السياسي، إذ أن الوعي السياسي و الرشد السياسي و القدرة على التحليل السياسي بالنسبة لمنظومة عملاقة مثل شعبنا أشبه بسور فولاذي يصد نوايا الأعداء الشريرة. لذلك علينا رفع مستوى نضجنا السياسي. حتى من حيث الرشد السياسي يتقدم شعبنا اليوم علی كثير من الشعوب، لكننا يجب أن نتقدم أكثر من هذا. تحمل المسؤولية و العزيمة و الإرادة الوطنية، ينبغي تحقيق التقدم في كل هذه المجالات. طبعاً هذا الشيء غير متاح بالكلام و الألفاظ و الكتابة على الورق. لا بد من الحركة و البرمجة و سأشير إلى هذا الجانب فيما بعد.أما بخصوص العدالة فيجب القول إن التقدم إذا لم يكن مصحوباً بالعدالة فهو ليس التقدم الذي يبتغيه الإسلام. أن نرفع الناتج الإجمالي الوطني و الدخل العام للبلاد إلى رقم عالٍ مع وجود تمييز و عدم مساواة في الداخل، و يكون للبعض آلاف الألوف بينما يعيش البعض الآخر الفقر و الحرمان، فهذا ليس ما يريده الإسلام.. ليس هذا هو التقدم الذي يتغيّاه الإسلام. ينبغي تأمين العدالة. و العدالة مفردة جد عميقة و واسعة يجب البحث عن خطوطها الرئيسية و العثور عليها. نعتقد أن العدالة هي خفض الفواصل الطبقية و الجغرافية. فإذا كانت المحافظة أو المدينة أو القرية بعيدة عن العاصمة و تقع في منطقة نائية جغرافياً يجب أن لا تعاني الحرمان بسبب بعدها هذا، بينما تتمتع المناطق القريبة بالخيرات.. هذه ليست عدالة. ينبغي رفع الفواصل الطبقية، و يجب أيضاً رفع الفواصل الجغرافية، و توفير المساواة في الاستفادة من الإمكانيات و الفرص. يجب أن يستطيع جميع أبناء البلاد - ممن لهم القابلية و القدرة - الانتفاع من الإمكانيات العامة للبلاد. يجب أن لا يجري تقديم المحظيين و المخادعين و الغشاشين. لنعمل ما من شأنه أن يستطيع مختلف أبناء البلد التمتع بفرص متساوية أمام إمكانيات البلاد و خيراتها. هذه طبعاً طموحات كبيرة لكنها ممكنة و ليست مستحيلة. و بوسعنا الوصول إليها إذا سعينا و عملنا. العملية هنا صعبة لكنها ممكنة.من مصاديق العدالة مكافحة الفساد المالي و الاقتصادي التي يجب أخذها مأخذ الجد. لقد ذكرت هذه النقطة قبل سنوات و أكدت عليها عدة مرات، و بذلت من أجلها مساعٍ جيدة و لا تزال. بيد أن مكافحة الفساد عملية صعبة تخلق للإنسان معارضين يبثون الإشاعات و يكذبون، و يتعرض الشخص الذي يتقدم الآخرين في هذا الميدان لهجمات أعنف و أشد. و هذا الكفاح بدوره ضروري و لا بد أن يتم. الذين يريدون النهوض بهذه المشاريع الكبرى إن على صعيد التقدم و إن على مستوى العدالة، يجب أن يكونوا مدراء مؤمنين بهذه الأمور. يجب أن يعتقدوا حقاً بتكريس العدالة و مكافحة الفساد. المدراء المؤمنون بهذه الركائز و المتمتعون بالشجاعة و الإخلاص و التدبير و العزم الراسخ بمقدورهم يقيناً تحقيق هذه المقاصد و هذه الأهداف الإلهية العالمية. هذه هي النقطة الأولى التي كان يجب عليَّ ذكرها.من الخطوات الأساسية على درب التقدم و العدالة ما ذكرته في نداء النوروز و خاطبت به الشعب الإيراني العزيز، ألا و هو قضية مكافحة الإسراف و السير نحو إصلاح نموذج الاستهلاك، و الحؤول دون البذخ و تضييع أموال المجتمع. هذه قضية على جانب كبير من الأهمية. طبعاً هذه ليست المرة الأولى التي نطرح فيها هذه الفكرة. إنني في لقائي بالجماهير بداية السنة و في مرات عدة خاطبت شعبنا العزيز و ذكرت بعض النقاط حول الإسراف و التبذير و إتلاف الأموال و ضرورة الاقتصاد، بيد أن هذه المسألة لم تنته، و لم يتحقق هذا الهدف كما يجب. يجب أخذ الاقتصاد بنظر الاعتبار كسياسة في الخطوط العريضة لبرمجتنا على شتى المستويات. ليتنبه شعبنا العزيز إلى أن الاقتصاد لا يعني عدم الاستهلاك، بل يعني الاستهلاك بنحو صحيح و مناسب و عدم تبذير الأموال و جعل الاستهلاك مثمراً و مفيداً. الإسراف في الأموال و في الاقتصاد هو أن يستهلك الإنسان المال من دون أن يكون لهذا الاستهلاك تأثير و فاعلية. الاستهلاك العبثي و التبذير هو في الحقيقة إهدار للمال. على مجتمعنا أن يجعل هذا الأمر شعاراً دائمياً نصب عينيه، ذلك أن واقع مجتمعنا من حيث الاستهلاك ليس واقعاً جيداً. هذا ما أقوله و يجب أن نعترف به. عاداتنا و تقاليدنا و أساليبنا الخاطئة التي تعلمناها من ذا و ذاك تقودنا إلى التمادي في الاستهلاك إلى درجة الإسراف. لا بد أن يكون هناك في المجتمع تلائم بين الإنتاج و الاستهلاك. لا بد أن تكون العلاقة لصالح الإنتاج، بمعنى أن يكون إنتاج المجتمع أكثر دائماً من استهلاكه. ينبغي أن يستهلك المجتمع من الإنتاج الحاصل في البلاد و يُخصص الفائض لرقي البلاد. ليس الوضع بهذا الشكل في بلادنا راهناً. استهلاكنا أكثر من إنتاجنا نسبياً و هذا ما يتسبب في تأخر البلاد و يكبدنا خسائر اقتصادية هامة، و يخلق للمجتمع مشكلات اقتصادية. أكدت الآيات القرآنية مراراً على اجتناب الإسراف في الشؤون الاقتصادية، و السبب هو أن الإسراف يوجّه ضربة اقتصادية و ضربة ثقافية أيضاً. حينما يصاب مجتمعٌ بداء الإسراف فسيترك هذا تأثيراته السلبية عليه من الناحية الثقافية أيضاً. إذن، قضية الاقتصاد و اجتناب الإسراف ليست قضية اقتصادية صرفة. بل هي اقتصادية، و اجتماعية، و ثقافية في نفس الوقت، و الإسراف يهدد مستقبل البلاد.أذكر هاهنا بعض الإحصاءات المهولة المتعلقة بالإسراف في المواد الاستهلاكية المهمة في البلاد و من ذلك الإسراف في الخبز. بحسب دراسات ميدانية أجريت في طهران و بعض مراكز المحافظات يقال إن 33 بالمائة من الخبز يذهب هدراً. ثلث كل الخبز الذي يتم إنتاجه في هذه المدن يرمى بعيداً و لا يؤكل. تصوروا الأمر: ثلث الخبز! و فلاحنا ينتج القمح بكل مشقّة، و إذا كانت الأمطار شحيحة في عام من الأعوام - كالعام الماضي حيث انخفض إنتاج القمح في البلاد - تنفق الحكومة المال العام و من ميزانية الشعب لتستورد القمح من الخارج و تحوله إلى دقيق ثم عجين ثم يكون خبزاً ثم تُرمى ثلث هذه الثروة بعيداً. كم هو مؤسف هذا الوضع! هذا للأسف واقع موجود.و حول الماء تقول الدراسات التي أجريت إن إهدار الماء في الاستهلاك المنـزلي يصل إلى نحو 22 بالمائة. بلدنا ليس بلداً غنياً بالمياه، و على شعبنا الاقتصاد في استهلاك المياه إلى أقصى درجة. ثم إن هذا الماء الذي يتم إنتاجه بكل هذه الجهود و المشاق يجلب عبر طرق بعيدة، و تبنى السدود بتكاليف عالية، و تستخدم كل هذه العلوم و التجارب و الجهود لكي يصل الماء إلى بيوتنا، و إذا بـ 22 بالمائة من هذا الماء يُهدر! هذا بالنسبة للاستهلاك المنـزلي فقط، و الاستهلاك الخاص بالزراعة و الصناعة أيضاً يشهد تبذيراً من نوع آخر. الإحصاءات المتوفرة لدينا بفضل الدراسات تقول إننا نستهلك من الطاقة أكثر من ضعفيْ متوسط استهلاك الطاقة في العالم، سواء بالنسبة للكهرباء أو حوامل الطاقة أي النفط، و الغاز، و الغازوئيل، و البنـزين. استهلاك هذه المواد في بلادنا أكثر من ضعفي متوسط الاستهلاك في باقي دول العالم. هذا إسراف.. أليس إسرافاً؟ثمة مؤشر يسمى مؤشر شدة الطاقة، أي النسبة بين ما يستهلك من الطاقة و بين ما يتم إنتاجه من البضائع. و كلما كانت الطاقة التي تستهلك أقل كان ذلك أنفع للبلد. في هذا المجال تصل شدة الطاقة لدينا أحياناً إلی أكثر من ثمانية أضعاف شدة الطاقة لدى بعض البلدان المتقدمة! هذه نماذج للإسراف الموجود في المجتمع.و يحصل الإسراف الفردي في الاستهلاك الشخصي و العائلي. نزعة البذخ و التنافس مع الآخرين و أهواء أفراد العائلة، ربّ العائلة، أو ربة العائلة، و شباب العائلة، و شراؤهم أشياء غير ضرورية.. هذه كلها من نماذج الإسراف. أدوات الترف، و أدوات التجميل، و أثاث المنـزل، و الزينة و الزخارف داخل البيت.. هذه أشياء ننفق الأموال لأجلها.. الأموال التي يمكن إنفاقها على الإنتاج و الاستثمار فتساعد على تطوير البلاد، و مساعدة الفقراء، و زيادة الثروة العامة للوطن نستهلكها على هذه الأمور المنبعثة عن الأهواء، و التنافس، و الحفاظ الوهمي على السمعة. يسافرون و يرجعون فيقيمون الضيافات، و أحياناً تكون تكاليف تلك الضيافة أضخم من تكاليف السفر إلى مكة! يقيمون عرساً أو عزاءً فينفقون له أموالاً طائلة و يقدمون شتى صنوف الطعام! لماذا؟ ما الداعي لذلك؟ لا يزال في بلادنا من هم محرومون من أوليات الحياة. يجب أن نساعد على تقدم البلاد. لا نقول انفقوا الأموال بالضرورة على الفقراء - و طبعاً أفضل الأعمال أن ينفق الإنسان في سبيل الله - و لكن حتى لو لم ينفقوا، فليستثمروا هذه الأموال التي يبذلونها على الترف في الإنتاج من أجل أنفسهم، و ليساهموا في المعامل و الإنتاج و سيكون ذلك نافعاً للبلاد. لكننا بدل هذه الأعمال نقيم الضيافات و المآتم و المراسم المفتعلة، لماذا؟ ما الضرورة لذلك؟ عقلاء العالم لا يفعلون هذا. هذا ليس رأي الدين فقط. يقول القرآن الكريم: »و لا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين«، »كلوا و اشربوا و لا تسرفوا«. و يقول في آية شريفة أخرى: »كلوا من ثمره إذا أثمر و آتوا حقه يوم حصاده، و لا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين«. نحن عباد الله، و هذا كلام الدين و ثمة الكثير من الأحاديث في هذا المضمار. ثمة في إحدى الروايات أن شخصاً أكل فاكهة و بقي نصفها فرماه، فنهره الإمام (عليه السلام) و قال له: لقد أسرفت! لِمَ رميته؟ و لدينا في الروايات أوامر بالاستفادة حتى من نواة التمر.. القضية جادة إلى هذا الحد! استهلكوا كِسَر الخبز المتفرقة. يقيمون الضيافات في الفنادق لعدد من الناس ثم يرمون كل ما يتبقى من الطعام في عبوات الأزبال بحجة أنه غير صحي! هل هذا مما يناسب مجتمعاً إسلامياً؟ هل يمكن بلوغ العدالة بهذه الطريقة؟علينا إصلاح أنفسنا. يجب إصلاح نموذج الاستهلاك في المجتمع و البلاد. نموذجنا للاستهلاك خاطئ. كيف نأكل؟ و ماذا نأكل؟ و ماذا نلبس؟ نضع في جيوبنا هاتفاً جوالاً، و بمجرد أن ينـزل للأسواق موديل أحدث نرمي جهازنا جانباً و نشتري الموديل الأحدث، لماذا؟! أية نزوة هذه التي أصبنا بها؟!و على المسؤولين واجباتهم. ليس الإسراف في المجالات الفردية فقط، فهناك إسراف على المستوى الوطني. فيما يخص الكهرباء و الطاقة التي قلنا إنهما يُبذّران هناك شطر كبير من هذا التبذير لا يتعلق بالناس و إنما بمسؤولي البلاد. شبكات الاتصالات، و شبكات نقل الكهرباء، و أسلاك الكهرباء حينما تتهرأ فسوف يُهدر الكهرباء. ننتج الكهرباء ثم نهدر قسماً كبيراً منه في هذه الشبكة القديمة التالفة. و شبكات نقل المياه إذا تهرأت فسوف تهدر المياه. هذه نماذج للإسراف الوطني و على المستوى الوطني و المسؤولون عنه هم مدراء البلاد. و قد يحصل الإسراف على مستوى المؤسسات. مدراء المؤسسات المختلفة لا يستهلكون استهلاكاً شخصياً، و لكن يحصل استهلاك منفلت في مؤسساتهم؛ ترف الإدارة، و غرف العمل، و الزينة، و الأسفار و الزيارات غير الضرورية، و أنواع الأثاث.. ينبغي الحيلولة دون هذه الظواهر عبر المراقبة و الإشراف. ينبغي النظر للإسراف بنحو سلبي على مستوى الدولة و على مستوى أبناء الشعب، و على مستوى المؤسسات. و كما ذكرنا فإن هذه الأمور لا تتحقق بمجرد الكلام، بل ينبغي البرمجة لها. و السلطتان التشريعية و التنفيذية مكلفتان بمتابعة الأمر. يجب عليهما البرمجة و التقنين لذلك و تنفيذ القانون بكل حسم. التقدم الذي سنحرز خلال الأعوام العشرة القادمة يرتبط جزء كبير منه بهذه القضية.هذا هو الاقتصاد اللازم ابتداء من الإنتاج و إلى الاستهلاك و إلى إعادة الاستهلاك. لنقتصد في الماء، أي نصون سدودنا، و نصلح شبكات نقل المياه، و نؤهِّل الفلاحين لإتقان الأساليب الاقتصادية في الري و كيف يسقون الأراضي. طبعاً تم إنجاز هذه الأعمال بنسبة كبيرة خلال الأعوام الماضية لحسن الحظ، لكن هذا لا يكفي و يجب تنميته. لنمهّد الأرضية لخفض معدلات استهلاك المياه في المنازل. أن يقال : يجب استيفاء ضرائب أكبر و تقديم دعم أقل لأصحاب الاستهلاك العالي فهذا كلام جد معقول و جيد. أصحاب الاستهلاك القليل يتمتعون بمساعدات الحكومة و المساعدات العامة. البعض يستهلكون الماء بنسبة قليلة جداً جداً بحيث لو لم تقبض الحكومة منهم أموال الماء لما كان في ذلك أي ضير. و البعض يستهلكون عشرة أضعافهم أو عشرين ضعفاً، و لا بد أن يسدد هؤلاء فواتير أكبر.أما بخصوص الخبز فمن الضروري إنتاج القمح الجيد، و الدقيق الجيد، و حفظه بطريقة جيدة، و طحنه بطريقة جيدة، و من ثم استهلاكه بطريقة صحيحة. كان هذا ما يتعلق بقضية الإسراف و الاقتصاد اللازم عليَّ ذكره.الموضوع الآخر من مواضيع البلاد الداخلية هو الانتخابات التي ستقام في بلادنا بعد فترة، و أود هنا الإشارة إليها. طبعاً ثمة وقت إلى حين موعد الانتخابات. و إذا امتد بنا العمر فسأطرح على شعبنا العزيز الأمور التي أرى من الضروري طرحها - لم يفت الأوان - لكنني سأشير هنا إلى بعض النقاط:أولاً : ليست الانتخابات في بلادنا حركة استعراضية فهي أساس نظامنا. الانتخابات إحدى أسس النظام، لا يمكن تحقيق الديمقراطية بالكلام. الديمقراطية الدينية ممكنة الحصول بمشاركة الجماهير، و تواجدهم، و إرادتهم، و ارتباطهم الفكري و العقلاني و العاطفي بتطورات البلاد. و هذا غير متاح إلا عن طريق انتخابات صحيحة عامة و مشاركة شعبية واسعة فيها. هذه الديمقراطية سبب صمود الشعب الإيراني. حينما استطعتم طوال هذه الثلاثين عاماً أن لا تفزعوا من صراخ القوى العظمى، و حينما لم تستطع القوى العظمى توجيه ضربة قاصمة لكم ما عدا صراخهم، و حين يبدي شباب البلاد هذه الشجاعة و الإخلاص في خوض شتى السوح و الميادين، فهذا كله ناجم عن الديمقراطية الدينية و يجب معرفة قدره بحق. الانتخابات هي الرصيد و الاستثمار الكبير للشعب الإيراني. أشبه برصيد كبير هائل تضعونه في البنك فيعمل به البنك و تنتفعون أنتم من أرباحه. الانتخابات أشبه بهذا الشيء. الشعب الإيراني يقوم باستثمار كبير جداً و إيداع هائل للغاية و ينتفع من فوائده. أصوات كل واحد منكم أيها الجماهير سهم من هذا الاستثمار و الإيداع. كل صوت تضعونه في صناديق الاقتراع يشبه جزءاً من المال الذي توفرونه للإيداع و الاستثمار. حتى الصوت الواحد له أهميته. كلما كانت الانتخابات أعظم و أنشط كلما برزت عظمة الشعب الإيراني في أعين معارضيه و أعدائه أكثر، و سيُولون بذلك حُرمةً أكبر لشعب إيران. و أصدقاؤكم في العالم سوف يفرحون بدورهم. عظمة الشعب الإيراني تعبّر عنها مشاركة الشعب في الانتخابات. المسألة الأولى التي أحاول دائماً تركيز جهدي عليها في الانتخابات هي التأكيد علی أهمية مشاركة الجماهير. مشاركتهم تصديق و تأييد و تعزيز لنظام الجمهورية الإسلامية. ليست المسألة مجرد مسألة سياسية و فردية و أخلاقية محضة، بل هي مسألة شاملة متعددة الأبعاد. الانتخابات متصلة بمصير الشعب، و خصوصاً انتخابات رئاسة الجمهورية التي تمثل إناطة السلطة التنفيذية في البلاد بشخص و مجموعة تدير البلاد لعدة سنوات. الانتخابات مهمة إلى هذا الحد.و أقول كلمة للمرشحين المحترمين الذين أعلنوا عن ترشيحهم أو الذين سيعلنون ذلك في المستقبل. ليعلم الذين يرشحون أنفسهم للانتخابات أن الانتخابات وسيلة لرفع قدرات البلاد و تكريس سمعة الشعب و ليست مجرد وسيلة لتولي السلطة. إذا كانت هذه الانتخابات لأجل اقتدار الشعب الإيراني فعلى المرشحين الاهتمام بها و مراعاة ذلك في إعلامهم و تصريحاتهم و نشاطهم. لا يتصرف المرشحون أثناء نشاطهم الانتخابي أو يصرحون بطريقة تُطمِع العدو. ليجعلوا التنافس منصفاً، و ليجعلوا الكلام و التصريحات منصفة، و لا ينحرفوا عن جادة الإنصاف. من الطبيعي أن يكون لكل مرشح كلامه و أن يرفض كلام الطرف المقابل. لا إشكال في نفس هذا الرفض و النقد شريطة أن لا يعتوره عدم الإنصاف أو كتمان الحقيقة. الساحة مفتوحة للجميع فليأتوا و يعرضوا أنفسهم على الشعب في ساحة الانتخابات، و الخيار للشعب الذي سيتصرف إن شاء الله كيفما يدرك و يشخّص و يساعده على ذلك وعيه.الانتخابات سليمة و نزيهة بفضل الله و حوله و قوته. أرى أن البعض بدأوا من الآن يشككون في الانتخابات التي ستقام بعد شهرين أو ثلاثة. أي منطق هذا؟ و أي تفكير هذا؟ و أي إنصاف هذا؟ أقيمت كل هذه الانتخابات طوال الأعوام الثلاثين الماضية - حوالي ثلاثين انتخابات - و تعهّد المسؤولون آنذاك و في كل دورة رسمياً بضمان نزاهة الانتخابات و كانت الانتخابات نزيهة، فلماذا يشككون اعتباطاً و يضعضعون إرادة الجماهير و يبثون فيهم الشكوك؟ طبعاً لن تتزلزل أذهان شعبنا العزيز بهذا الكلام.و أنا أؤكد على مسؤولي الانتخابات و أوصيهم أن يقيموا الانتخابات بشكل حماسي ملحمي، و بحيث تتوفر الحرية لكل المرشحين و يستطيع الشعب أيضاً التصويت بحرية، و تقام الانتخابات و ستقام إن شاء الله بنحو نزيه و بأمانة تامة.و أقول لكم أيضاً أيها الأعزاء و لكل شعبنا العزيز فيما يتعلق بالانتخابات إنه كانت و ستكون هناك دوماً تخمينات و إشاعات حول موقف القيادة من الانتخابات. إنني أمتلك صوتاً واحداً سأضعه في صندوق الاقتراع. و سأمنح رأيي لشخص واحد و لن أقول لأي شخص أنتخب هذا و لا تنتخب ذاك. إنه اختيار و تشخيص الناس أنفسهم. إنني أدعم الحكومة أحياناً و أدافع عنها فيحاول البعض اختلاق معنى غير صحيح لهذه الممارسة. كلا، إنني أدافع عن الحكومات دوماً، و لكن إذا تعرضت حكومة لهجمات أكثر و شعرت أنها تتعرض لهجمات غير منصفة فسأدافع أكثر. إنني أتحيّز للإنصاف و أقول يجب أن نكون منصفين و ننظر إلى الأعمال، و لا صلة لهذا بالانتخابات، إنما هي قضية الإنصاف و عدم الإنصاف. دعم و حماية خدمة البلاد واجب أتحمله على عاتقي و يتحمله الجميع أيضاً. هذا لا علاقة له بالإعلان عن موقف انتخابي. إنني أرحب بكل نشاط إيجابي، و بكل خطوة جيدة، و بكل تقدم إلى الأمام، و بكل خدمة تقدم للجماهير، و بكل تعاطف مع المحرومين، و بكل مواجهة للظلم و الاستكبار، و أقدم الشكر و الثناء للشخص الذي يفعل ذلك، أياً كانت الحكومة، و أياً كان الشخص. هذا هو واجبي.و حول قضايا بلادنا الدولية أشير إلى نقطة واحدة فقط هي قضيتنا نحن مع أمريكا. و قد كانت هذه القضية من الاختبارات المهمة التي واجهت الثورة منذ يومها الأول. منذ اليوم الأول لانتصار الثورة كان الشعب الإيراني أمام اختبار كبير في مواجهته و نمط تعامله مع حكومة الولايات المتحدة الأمريكية. و قد استمر هذا الاختبار الكبير و المهم على امتداد هذه الأعوام الثلاثين. و قد واجهت الحكومة الأمريكية هذه الثورة بوجه مكفهر عبوس و لهجة معارضة منذ البداية. و طبعاً كان معهم الحق طبقاً لحساباتهم الخاصة. كانت إيران قبل الثورة في قبضة أمريكا، و مصادرها الحيوية كانت تحت تصرّف أمريكا، و مراكز اتخاذ القرار السياسي أيضاً كانت في يد أمريكا، و العزل و النصب في المواقع الحساسة بيد أمريكا. كانت إيران مرتعاً ترتع فيه أمريكا و العسكريون الأمريكان و سواهم. و خرج كل هذا من أيديهم. كان بوسعهم أن لا يبدو معارضتهم بهذا الشكل العدائي، إلا أن الحكومة الأمريكية - سواء رؤساؤهم الجمهوريون أو الديمقراطيون - أساءوا معاملة نظام الجمهورية الإسلامية منذ مطلع الثورة. و هذا ليس بالشيء الخافي على أحد. أول ما قام به الأمريكيون هو تحريض معارضي الجمهورية الإسلامية هنا و هناك و مساعدة حركات التجزئة و الإرهاب في الداخل. شرعوا بهذه الممارسات منذ البداية. أية منطقة من مناطق البلاد التي توفرت فيها الأرضية لحركات التجزئة و الانفصال شاهدنا الأصابع الأمريكية فيها؛ شاهدنا أموالهم أحياناً، بل و شاهدنا حتى العناصر الأمريكية في بعض الأحيان. لقد كلّف هذا شعبنا خسائر كبيرة. و للأسف فإن هذا السياق لا يزال مستمراً إلى الآن. الأشرار الذين ينشطون في المناطق الحدودية بين إيران و باكستان، لدينا بعض اتصالاتهم و هم مرتبطون بالعناصر الأمريكية، و يتحدثون معهم عبر اللاسلكيات و يتلقّون الأوامر. أشرار أرهابيون قتلة مرتبطون بضابط أمريكي في بلد جار! هذا الواقع مستمر إلى الآن للأسف. هذه كانت نقطة انطلاق عملهم. ثم كان الاستيلاء على أموال و ممتلكات و بضائع إيران و تجميدها. أعطى النظام السابق أموالاً طائلة للأمريكيين لشراء طائرات و مروحيات و أسلحة منهم. و قد تم إنتاج بعض هذه المعدات هناك، لكنهم لم يسلّموها حينما قامت الثورة، و لم يعيدوا تلك الأموال التي كانت مليارات الدولارات، و الأغرب أنهم احتفظوا بتلك المعدات في مخازن و قرروا لأنفسهم أجوراً على هذا التخزين و ظهروا بمظهر الدائن و اقتطعوا أجور تخزين لأنفسهم من حساب معاهدة الجزائر! يغتصبون ممتلكات شعب و يحتجزونها عندهم ثم يتقاضون أجور تخزينها! هذا سلوك ابتدأ منذ اليوم الأول و لا زال مستمراً إلى اليوم. لا تزال الأموال الإيرانية هناك.. في أمريكا، و في بعض البلدان الأوربية. و قد تابعناهم طوال سنوات و طالبناهم بممتلكاتنا التي دفعت أثمانها، فقالوا: لأنها تحت الليسانس الأمريكي فالأمريكيون لا يسمحون بتسليمها و لن نسلّمها لكم، و ابقوها عندهم. و لا تزال ممتلكات الشعب الإيراني موجودة هناك إلى يومنا هذا.أعطوا لصدام الضوء الأخضر للهجوم على إيران، و كانت هذه خطوةً أخرى من قبل الحكومة الأمريكية. لو لم يتلقّ صدام الضوء الأخضر من أمريكا لكان من المستبعد أن يهاجم حدودنا. فرضوا على بلادنا ثمانية أعوام من الحرب، و استشهد في هذه الحرب قرابة ثلاثمائة ألف من شبابنا و أبناء شعبنا. طوال هذه الأعوام الثمانية - و في السنوات الأخيرة منها خصوصاً - ساند الأمريكان صداماً على الدوام و ساعدوه - مساعدات مالية، و تسليحية، و خبرات سياسية - و زوّدوه بمعطياتهم و أخبارهم المكتسبة من الأقمار الصناعية و سائر إمكاناتهم الاستخبارية. كانت أقمارهم الصناعية تسجل تحركات قواتنا في الجبهة و يعطونها في نفس الليلة لمقرات صدام كي يستخدمونها ضد شبابنا و قواتنا. غضوا الطرف عن جرائم صدام. وقعت فاجعة حلبجة و قصف مدننا بالصواريخ و تخريب بيوتنا، و استخدم الطرف المقابل السلاح الكيمياوي في الجبهات فغضوا طرفهم، و لم يحركوا ساكناً على الإطلاق، بل واصلوا مساعدة صدام. هذه أيضاً كانت واحدة من ممارسات الحكومات الأمريكية طوال هذه الأعوام ضد شعبنا و بلادنا. و في نهايات الحرب أطلق ضابط أمريكي صاروخاً من فرقاطة حربية أمريكية على طائرتنا المدنية في سماء الخليج الفارسي فأسقطها و كان فيها نحو 300 مسافر قتلوا جميعهم. ثم بدل أن يوجهوا توبيخاً لذلك الضابط منحه رئيس جمهورية أمريكا آنذاك مكافأة و نوط شجاعة. فهل ينسى شعبنا هذه الممارسات؟ و هل بوسعه أن ينساها؟ دعموا الإرهابيين المجرمين الذين قتلوا في بلادنا الرجال و النساء و الأفراد و الجماعات و العلماء الكبار و الأطفال الصغار، و سمحوا لهم بالعمل داخل بلادهم. أطلقوا الإعلام العدائي ضد بلادنا دون انقطاع. رؤساء جمهورية أمريكا - خصوصاً خلال فترة الرئيس الأمريكي الزائل السابق - متى ما تحدثوا طوال هذه الأعوام عن شعب إيران و ضد بلادنا و ضد مسؤولينا و ضد نظام الجمهورية الإسلامية أهانوا الشعب الإيراني و اطلقوا كلاماً فارغاً سخيفاً ضده. هكذا كان الوضع دائماً على مدى هذه الأعوام. ضعضعوا أمن منطقتنا، و أمن الخليج الفارسي، و أفغانستان، و العراق، و أطلقوا سيول التسليح لبلدان المنطقة من أجل مواجهة الجمهورية الإسلامية، و في الواقع من أجل ملء جيوب شركات السلاح. دعموا الكيان الصهيوني دون قيد أو شرط.. الكيان الظالم الذي شاهدتم نموذجاً لظلمه في أحداث غزة قبل شهرين أو ثلاثة، و لاحظتم أية فاجعة اجترحوا هناك.. كم قتلوا من الأطفال و الرجال و النساء. قتلوا على مدى 22 يوماً خمسة آلاف إنسان في غزة بقصفهم و صواريخهم و رصاصهم المباشر، و مع ذلك دافعت الحكومة الأمريكية عن ذلك الكيان إلى آخر لحظة. كلما أراد مجلس الأمن إصدار قرار ضد الكيان الصهيوني تقدمت أمريكا للأمام و جعلت من نفسها درعاً يحمي ذلك الكيان و دافعت عنه و حالت دون إصدار القرار. هددوا بلادنا بمناسبة و دون مناسبة. قالوا دوماً إننا سنهجم و أن المشروع العسكري على طاولتنا و سنفعل كذا و كذا. هددوا شعبنا في كل مرة تحدثوا فيها عن بلادنا. طبعاً لم تؤثر هذه التهديدات في شعبنا، لكنهم أبدوا عدائهم عن هذا الطريق. و جّهوا الإهانات لشعب إيران و حكومة إيران، و رئيس جمهورية إيران مراراً. قال أحد الأمريكيين قبل سنوات إنه يجب استئصال جذور الشعب الإيراني! و في السنوات الأخيرة قال أحد المسؤولين الأمريكيين إن الإيراني الجيد و المعتدل هو الإيراني الميت! هكذا وجهوا الإهانات لهذا الشعب الكبير الشريف الذي لم يكن ذنبه سوى دفاعه عن هويته و استقلاله. فرضوا الحظر على بلادنا مدة ثلاثين سنة، و طبعاً انتهى هذا الحظر لصالحنا، و علينا تقديم الشكر للأمريكيين بسبب ذلك. لو لم يفرضوا الحظر علينا لما كنا وصلنا لهذا الموقع الذي وصلناه من العلم و التقدم. الحظر اضطرنا دوماً إلى أن نصحو على أنفسنا و نفكر و نتفجر من الداخل. لكن نيتهم لم تكن مثل هذه الخدمة بل أرادوا ممارسة العدوان. هكذا تعاملوا مع شعب إيران مدة ثلاثين سنة. و الآن تقول الحكومة الجديدة في أمريكا إننا نرغب في التفاوض مع إيران، و تعالوا ننسى الماضي. يقولون إننا مددنا يدنا نحو إيران. طيّب، أية يد هذه؟ إذا كانت اليد الممدودة مغلّفة بقفاز من مخمل لكن تحتها يداً حديدية، فليس لهذا معنى أيجابي على الإطلاق. يباركون العيد للشعب الإيراني، لكنهم في نفس هذا التبريك يتهمون شعب إيران بمناصرة الإرهاب و طلب السلاح النووي و أمور من هذا القبيل!أنا لا أدري من هو صاحب القرار في أمريكا، هل هو رئيس الجمهورية؟ أم الكونغرس؟ أم العناصر الكامنة خلف الكواليس؟ لكنني أريد القول إن لنا منطقنا. لقد سار الشعب الإيراني منذ اليوم الأول و إلى الآن وفق المنطق. لسنا عاطفيين فيما يخص قضايانا المهمة، و لا نتخذ قراراتنا انطلاقاً من العواطف و الأحاسيس، إنما نقرر وفقاً لحسابات. يقولون تعالوا نتفاوض، و نقيم علاقات، و يرفعون شعار التغيير. طيّب، أين هو هذا التغيير؟ و أي تغيير هو؟ أوضحوا لنا هذا. ما الذي تغيّر؟ هل تغيّر عداؤكم للشعب الإيراني؟ أين هي علامة ذلك؟ هل أفرجتم عن ممتلكات الشعب الإيراني؟ هل ألغيتم الحظر الظالم؟ هل أقلعتم عن التشويه و توجيه التهم و الإعلام السيئ ضد هذا الشعب الكبير و مسؤوليه الشعبيين؟ هل أقلعتم عن الدفاع غير المشروط عن الكيان الصهيوني؟ ما الذي تغيّر؟ يرفعون شعار التغيير و لكن لا يُشاهد تغيير على المستوى العملي. لم نشاهد أي تغيير. حتی اللهجة و الأدبيات لم تتغير. رئيس جمهورية أمريكا الجديد و في اللحظة الأولى التي تولى فيها رئاسة الجمهورية رسمياً و ألقى كلمته أهان إيران و حكومة الجمهورية الإسلامية، لماذا؟ إن كنتم صادقين في حصول تغيير فأين هو هذا التغيير؟ لماذا لا يُشاهد شيء؟ إنني أقول هذا للجميع، ليعلم المسؤولون الأمريكيون، و ليعلم الآخرون أيضاً، الشعب الإيراني لا يمكن خداعه و لا يمكن إخافته.أولاً : التغيير في الألفاظ ليس كافياً - و لم نر تغييراً يذكر حتى في الألفاظ - بل يجب أن يكون التغيير تغييراً حقيقياً. و نقول للمسؤولين الأمريكان إن التغيير الذي تتحدثون عنه هو ضرورة بالنسبة لكم، و ليس أمامكم مفر من التغيير؛ إذا لم تغيّروا فسوف تغيّركم السنن الإلهية و سوف يغيّركم العالم. يجب أن تغيّروا، إلا أن هذا التغيير يجب أن لا يكون مجرد لقلقة لسان تقف وراءه نوايا غير نظيفة. تارة يقولون: إننا نروم تغيير سياساتنا لكننا لا نغيّر أهدافنا إنما نغيّر تكتيكاتنا فقط. هذا ليس بتغيير. هذه خدعة. و تارة يكون التغيير تغييراً واقعياً، عندها يجب أن يُشاهد على مستوى الفعل. إنني أنصح المسؤولين الأمريكيين و كل من بيده القرار في أمريكا - سواء كان رئيس الجمهورية، أو الكونغرس، أو غيرهم - و أقول إن الواقع الذي اتسمت به الحكومة الأمريكية في السابق يضرّ بالشعب الأمريكي و يضرّ بالحكومة الأمريكية نفسها. إنكم مكروهون في العالم اليوم. اعلموا ذلك إن لم تكونوا تعلمون. الشعوب تحرق علمكم. الشعوب المسلمة في كل أنحاء العالم تقول » :الموت لأمريكا«. ما هو سبب هذه الكراهية؟ هل درستم ذلك و حلّلتموه؟ هل استلهمتم العبر منه؟ السبب هو أنكم تتعاملون مع العالم تعامل القيّم عليه و تتحدثون بطريقة متكبّرة، و تريدون فرض إرادتكم في العالم، و تتدخلون في شؤون البلدان، و تستخدمون معايير مزدوجة في العالم. تارةً تصبّون سيول الدعاية ضد شاب فلسطيني يضطر بسبب شدة الضغوط لتنفيذ عملية استشهادية، و لكن من جهة ثانية تتجاهلون جرائم الكيان الصهيوني الذي اقترف تلك الفاجعة في غزة على مدى 22 يوماً. تسمّون ذلك الشاب إرهابياً، و تقولون عن هذا الكيان الإرهابي إننا ملتزمون حيال أمنه. هذا ما يجعلكم ممقوتين في العالم. هذه نصيحة لكم و هي لخيركم و صلاحكم و لأجل مستقبل بلادكم: اقلعوا عن لهجة الاستكبار و أساليب الاستكبار و تصرفات القوامة، و لا تتدخلوا في شؤون الأمم، و اقنعوا بحقكم، و لا تقرروا لأنفسكم مصالح في كل مكان من العالم، و سترون أن الوجه الأمريكي في العالم سيخرج تدريجياً من حالة كونه مكروهاً ممقوتاً إلى حالة أخرى. اسمعوا هذا الكلام. هذه هي نصيحتي للمسؤولين الأمريكان سواء رئيس جمهوريتهم أو غيره. فكروا في هذا الكلام بدقة. خذوه ليترجموه لكم؛ طبعاً لا تعطوه للصهاينة ليترجموه، بل استشيروا أشخاصاً نظيفين و اطلبوا آراءهم. طالما واصلت الحكومة الأمريكية أسلوبها، و أعمالها، و توجهاتها، و سياساتها ضدنا كما فعلت في الثلاثين سنة الأخيرة، فسنكون نفس ما كنا عليه في هذه الثلاثين سنة، و سنبقى نفس الشعب الذي كان طوال هذه الأعوام الثلاثين. شعبنا يسوؤه أن تواصلوا رفع شعار ( التفاوض و الضغوط ) و تقولوا نتفاوض مع إيران و نمارس الضغط ضدها في نفس الوقت.. التهديد و التطميع في آن واحد. لا يمكن التحدث مع شعبنا بهذه الطريقة. ليست لدينا سوابق عن الحكومة الجديدة و رئيس الجمهورية الجديد في أمريكا، و سننظر لأدائهم و نحكم. غيّروا و سوف يتغيّر أسلوبنا أيضاً. و إذا لم تغيّروا فإن شعبنا أصبح خلال هذه الأعوام الثلاثين أكثر خبرة و تجربة و صبراً و قوة.أدعو الله تعالى : اللهم بمحمد و آل محمد لا تقطع لطفك و رحمتك عن هذه الأمة. و أقول لشعبنا العزيز إننا علمنا أن زوجة إمامنا الراحل و رفيقة دربه الدائمة رحلت عن الدنيا هذا اليوم للأسف. لقد كانت هذه السيدة الجليلة شخصية قيمة لشعب إيران. لقد صبرت و صمدت عشرات السنين إلى جانب إمامنا العزيز الذي كان قبلة قلوب الشعب، في كل الامتحانات الصعبة، و رافقت الإمام، و كانت سيدة و شخصية بارزة بحد ذاتها. أعزي شعب إيران بمناسبة رحيلها و أعزي ذويها، و أسأل الله أن يشملها برحمته و غفرانه.. اللهم احشر هذه السيدة الجليلة مع أوليائك.. اللهم أحشر إمامنا الكبير و أبناءه الأعزاء و زوجته مع أوليائك.. اللهم اجعلنا دوماً عارفين قدر إمامنا العزيز.. ربنا اشمل جميع أبناء شعبنا، لا سيما شبابنا الأعزاء بهديك و لطفك و تعضيدك.. اللهم أنزل أمطار رحمتك على كل بلادنا و على أراضينا العطشى، و مزارعنا، و شعبنا.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
2009/03/20

كلمة الإمام الخامنئي في مسؤولي الدولة بمناسبة ولادة الرسول

بسم الله الرحمن الرحيمأبارك هذا العيد السعيد لكم جميعاً أيها الحضور المحترمون، و مسؤولو البلاد، و المدراء الكبار في الجمهورية الإسلامية، و ضيوف أسبوع الوحدة الأعزاء، و سفراء البلدان الإسلامية، و لجميع الشعب الإيراني و مسلمي العالم، بل لجميع أحرار العالم و المجتمع البشري.اليوم، و هو ذكرى ولادة خاتم الأنبياء حسب الرواية الشهيرة لمحدثي الشيعة و ذكرى ولادة الإمام جعفر الصادق (عليه الصلاة و السلام) في سنة 83 للهجرة، يوم كبير جداً للعالم الإسلامي.لم تكن ولادة الرسول الأعظم مجرد حدث تاريخي، بل كانت حدثاً مصيرياً في مسيرة الإنسانية. الظواهر التي وقعت تزامناً مع هذه الولادة الكبرى كما يروي التاريخ ما هي إلا إشارات بليغة لمعنى هذه الولادة و حقيقتها. ينقل أن علامات الكفر و الشرك في نقاط شتى من العالم تزلزلت و اختلت أثناء ولادة نبي الإسلام الكريم (صلى الله عليه و آله).فقد انطفأت النار عند ولادة الرسول في معبد فارس بعد أن استمرت متوهِّجة لألف عام. و تهدّمت الأصنام التي كانت في المعابد، و بقي الرهبان و خدمة المعابد الوثنية في حيرة من هذه الحادثة! كانت هذه ضربة رمزية من قبل هذه الولادة نزلت بالشرك و الكفر و النـزعة المادية. من جهة أخرى تعرض قصر جبابرة الامبراطورية الإيرانية المشركين آنذاك لحادث معين حيث انهارت قمم قصر المدائن الأربعة عشرة. و كانت هذه بدورها إشارة رمزية أخرى تفيد أن هذه الولادة مقدمة و خلفية للكفاح ضد الطغيان و الطواغيت في العالم. ذلك عن جانب المعنوية و هداية البشر القلبية و الفكرية، و هذا عن جانب الهداية الاجتماعية و العملية للبشرية.. الكفاح ضد الظلم و الطغيان و ضد سيادة الظالمين الباطلة على الناس.. هذه هي الإشارات الرمزية لولادة الرسول. للإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه الصلاة و السلام في نهج البلاغة العديد من العبارات في وصف الزمن الذي ظهر فيه الرسول الأكرم و طلع كالشمس المشرقة. و من ذلك قوله:»و الدنيا كاسفة النور ظاهرة الغرور« (1).. ظلمات الجهل.. ظلمات الطغيان.. ظلمات الضلال. و طبعاً كان نموذج و مظهر كل هذا الظلام المنطقة التي ولد و بُعث فيها الرسول الأكرم، أي جزيرة العرب. كان لجميع الظلمات و الضلالات و الضياع نماذجها في مكة و في بيئة الحياة العربية في جزيرة العرب. أنواع الضلال الفكري و العقيدي، و ذلك الشرك المذِّل للإنسان، و تلك الأخلاق الاجتماعية العنيفة، و انعدام الرحمة و قسوة القلب: »و إذا بُشِّر أحدهم بالأنثى ظلَّ وجهه مسودّاً و هو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بُشِّر به أيمسكه على هون أم يدسّه في التراب ألا ساء ما يحكمون«. (2) كان ذلك نموذج من أخلاق الإنسانية على عهد ولادة الرسول ثم في زمن بعثته. »و كان بعده هدى من الضلال و نوراً من العمى«. (3) كانت البشرية عمياء فتفتّحت عيونها. و كان العالم مظلماً فتنوَّر بنور وجود الرسول. هذا هو معنى هذه الولادة الكبرى و من ثم بعثة هذا الإنسان العظيم. لسنا نحن المسلمين فقط مدينين للمنّة و النعمة الإلهية بسبب هذا الوجود المقدس، بل الإنسانية كلها مدينة لهذه النعمة.صحيح أن هداية الرسول العظيم طوال قرون متمادية لم تستغرق بعد البشرية برمتها، بيد أن هذا المصباح الوضّاء و هذا المشعل المتوهّج موجود بين البشرية و هو يهدي البشر طوال السنوات و القرون نحو ينبوع النور. إذا نظرنا في التاريخ بعد بعثة الرسول و ولادته (صلى الله عليه و آله و سلم) سنلاحظ هذا التدبير. سارت الإنسانية نحو القيم، و عرفت القيم، و هذا ما سينمو و ينتشر تدريجياً و تتضاعف شدته يوماً بعد يوم، إلى أن »يظهره على الدين كله و لو كره المشركون«(4) إن شاء الله.. يستغرق العالم كله و تبدأ البشرية سيرها الحقيقي في طريق الهداية و الصراط الإلهي المستقيم، و الواقع أن حياة الإنسانية تبدأ منذ ذلك اليوم.. اليوم الذي تكتمل فيه حجة الله على الناس و تضع الإنسانية أقدامها على هذا الطريق.نحن الأمة الإسلامية اليوم نقف أمام هذه النعمة الكبيرة و علينا الانتفاع منها. علينا تنوير قلوبنا، و ديننا، و أفكارنا، و كذلك دنيانا، و حياتنا، و بيئتنا ببركة تعاليم هذا الدين المقدس. و لأنه نور فهو بصيرة و بوسعنا تقريب أنفسنا منه و الانتهال من معينه. هذا هو واجبنا العام نحن المسلمين.ما أشدّد عليه اليوم و هو من واجباتنا الكبرى و الأولى نحن المسلمين هو قضية الاتحاد و الوحدة. لقد سمّينا هذا الأسبوع الذي ينتهي بالسابع عشر من ربيع الأول بأسبوع الوحدة منذ بداية الثورة. و السبب هو أن يوم الثاني عشر من ربيع الأول حسب الرواية الشهيرة لدى إخواننا السنة هو يوم ولادة الرسول، و يوم السابع عشر من ربيع الأول حسب رواية الشيعة المشهورة هو يوم ولادته. و قد أطلق الشعب الإيراني و مسؤولو البلاد منذ بداية الثورة على الأيام الواقعة بين هذين اليومين أسبوع الوحدة، و جعلوه رمزاً للاتحاد بين المسلمين. بيد أن الكلام لا يكفي. و التسمية لا تكفي. ينبغي أن نعمل و نتجه صوب الوحدة. العالم الإسلامي اليوم بحاجة للوحدة. و هناك عوامل تفرقة ينبغي التغلّب و الانتصار عليها.كل الأهداف الكبرى بحاجة للجهاد و الكفاح. ما من هدف كبير يحصل بدون جهاد. و الاتحاد بين المسلمين لا يحصل بدون جهاد و عنت. من واجبنا الجهاد و العمل لأجل اتحاد العالم الإسلامي. بمقدور هذا الجهاد حلَّ الكثير من العقد و المشكلات، و بوسعه إعزاز المجتمعات و الشعوب المسلمة. انظروا حال البلدان الإسلامية. انظروا واقع المسلمين الذين يشكلون اليوم ربع السكان في العالم، كيف أن تأثيرهم في سياسات العالم و حتى في قضاياهم الداخلية أقل و أضعف بكثير من تأثير القوى الأجنبية و الأطراف ذات النوايا السيئة. لسنا نحذر أنفسنا و مخاطبينا من القوى الأجنبية لأنها أجنبية و حسب، بل لأنها سيئة النية أيضاً و ذات محفزات هيمنة. يريدون إذلال الشعوب المسلمة و تحطيمها و فرض الطاعة المحضة عليها. حسناً، ما هو طريق هذه البلدان الإسلامية التي يربو عددها على الخمسين و شعوبها المسلمة إذا أرادت الوقوف بوجه مثل هذه النوايا السيئة الواضحة و الكبيرة و التعسّفية؟ سوى الوحدة؟ علينا الاقتراب من بعض. هناك عاملان أساسيان يعيقان طريق الوحدة و ينبغي علاجهما. العامل الأول عامل داخلي فينا.. تعصباتنا و التزامنا بعقائدنا، كل فريق لنفسه.. هذا ما يجب التغلب عليه. إيمان الإنسان بمبادئه و أصوله و عقائده شيء جيد و محمود جداً، و الإصرار عليها جيد أيضاً. غير أن هذه الحالة يجب أن لا تتجاوز حدود الإثبات إلى حدود الإقصاء المصحوبة بالتطاول و العداء. على الإخوة في منظومة الأمة الإسلامية أن يحترموا بعضهم. و إذا أرادوا الحفاظ على عقائدهم فليفعلوا. لكن عليهم احترام بعضهم، و حدود بعضهم، و حقوق بعضهم، و أفكار و عقائد بعضهم، و ترك النقاشات و الجدال لمجالس العلم. ليجتمع العلماء و أهل الخبرة و يتناقشوا مذهبياً إذا شاءوا. إلا أن النقاش المذهبي العلمي في الأروقة العلمية يختلف عن تبادل الإساءات في العلن و على مستوى الرأي العام و أمام ذهنيات عاجزة عن التحليل العلمي. على العلماء احتواء هذا الشيء، و على المسؤولين احتواءه أيضاً. كل الفئات المسلمة تتحمل واجباً في هذا المجال. الشيعة عليهم واجباتهم، و السنة أيضاً عليهم واجبات. عليهم السير نحو الاتحاد. هذا أحد العاملين و هو عامل داخلي.و هناك العامل الخارجي و هو يد الأعداء المغرضة العاملة على التفرقة. ينبغي عدم الغفلة عن هذا. ليس اليوم فقط، بل منذ أن شعرت القوى السياسية المهيمنة على العالم أن بوسعها التأثير على الشعوب ظهرت يد التفرقة هذه و هي اليوم أشد من أي وقت آخر. و وسائل الإعلام العامة و الاتصال الحديثة تساعد بدورها على ذلك. إنهم يؤججون النيران و ينحتون الشعارات للتفرقة. ينبغي التيّقظ و الحذر. و للأسف يصبح البعض داخل الشعوب و البلدان المسلمة وسائل لتنفيذ أغراض أولئك الأعداء الأصليين.إن في هذا لعبرة كبيرة؛ لاحظوا أنه قبل سنتين حينما انتصر شباب المقاومة و حزب الله في لبنان على إسرائيل، و أذلّوا الكيان الصهيوني بتلك الصورة، و اعتبر ذلك انتصاراً و ازدهاراً للمسلمين في العالم الإسلامي، بادرت أيدي التفرقة من فورها لطرح قضية الشيعة و السنة و تشديد العصبيات المذهبية سواء في لبنان أو في منطقة الشرق الأوسط أو في كل العالم الإسلامي. و كأن قضية الشيعة و السنة قد ظهرت لتوِّها! و ذلك لأجل التفريق بين أبناء الأمة الإسلامية الذين ازدادوا تعاطفاً في ظل ذلك الانتصار الكبير عبر إثارة قضية التشيع و التسنن. يعود هذا إلى قبل سنتين.و قبل شهرين وقع انتصار آخر كبير و متألق للأمة الإسلامية ألا و هو انتصار المقاومة الفلسطينية على العدو الصهيوني في غزة. أي انتصار أكبر من أن يسعى جيش مدجج بالسلاح استطاع خلال يوم واحد دحر جيوش كبرى لثلاثة بلدان بين أعوام 67 و 73 للميلاد، أن يسعى طوال 22 يوماً فلا يستطيع أن يفرض التراجع و الهزيمة على الشباب المقاوم و المجاهدين المؤمنين في غزة؟ و اضطر للعودة مخفقاً خالي الوفاض مضافاً لانهيار سمعة الكيان الصهيوني و حماته و على رأسهم أمريكا في العالم و إراقة ماء وجههم على الأرض. كان هذا انتصاراً كبيراً للمسلمين و قد زاد من تعاطف المسلمين مع بعضهم. و لم يكن بوسعهم إثارة قضية التشيع و التسنن هنا فأثاروا قضية القومية.. قضية العروبة و اللاعروبة.. معركة أن قضية فلسطين تختص بالعرب، و الإصرار على أنها خاصة بالعرب لكي لا يحق لغير العرب التدخل في هذه القضية! لماذا؟ قضية فلسطين قضية إسلامية و ليس فيها عرب أو عجم. إذا تدخلت النـزعة القومية في قضايا العالم الإسلامي فستكون أكبر عامل تفرقة. حينما يُقحمون العامل القومي في قضايا العالم الإسلامي فيفصلون العرب، عن الفرس، عن الترك، عن الكرد، عن الاندونيسيين، عن الماليزيين، عن الباكستانيين، عن الهنود، فما الذي سوف يبقى؟ إنه عَرضٌ للأمة الإسلامية و قواها و قدراتها في المزاد العلني؟هذه حيل الاستكبار التي يقع فيها البعض في العالم الإسلامي للأسف. لا يرومون بقاء حلاوة الانتصار في لبنان و في غزة في أفواه المسلمين، لذلك يثيرون على الفور عوامل الاختلاف و تفرقة.على الأمة الإسلامية أن تبقى متيقظّة و تقف بوجههم. و الواجب الأول يقع على عاتق رجال السياسة. على مسؤولي و ساسة البلدان الإسلامية أن يتيقظوا. قد يصدر هذا الهتاف من حناجر بعض الساسة المسلمين، لكننا لن نخطئ.. إننا لن نخطئ في تشخيص العامل الرئيس. يخرج الهتاف من أفواههم لكنه ليس هتافهم بل هتاف غيرهم.. إنه هتاف القوى الاستكبارية في العالم. هم الذين يعارضون وحدة الأمة الإسلامية. و إذا صدر من حناجر أشخاص ينتمون للأمة الإسلامية فإنهم مخدوعون. ليس هذا الصوت صوتهم، بل صوت أولئك. نحن نعرف هذا الصوت. الساسة و المسؤولون بالدرجة الأولى، و أيضاً المفكرون و من يتعاملون مع عقول الناس و قلوبهم؛ علماء الدين، و المثقفون، و الكتاب، و الصحفيون، و الشعراء، و الأدباء في العالم الإسلامي يتحملون هذا الواجب الكبير بدرجة عالية و هو أن يعرِّفوا للناس الأصابع التي تروم الإخلال في هذه الوحدة و إخراج هذا الزمام الإلهي المتين من أيدي المسلمين.يقول لنا القرآن بصراحة : »و اعتصموا بحبل الله جميعاً و لا تفرقوا«(5).. يقول لنا اعتصموا سويةً بحبل الله. يمكن الاعتصام بحبل الله كلٌّ على انفراد، لكن القرآن يقول: »و اعتصموا بحبل الله جميعاً«.. أي كونوا سويةً.. »و لا تفرقوا« .. حتى في الاعتصام بحبل الله ناهيك عن أن يعتصم البعض بحبل الله و البعض بحبل الشيطان. حتى حينما يريد الجميع الاعتصام بحبل الله، يقول »جميعاً«.. أي افعوا ذلك بتعاطف و تراضٍ و التحام. هذه هي قضية العالم الإسلامي الكبرى.نأمل أن يوفق الله تعالى جميع أبناء الأمة الإسلامية و كافة الشعوب و الحكومات الإسلامية للنظر لهذه المسألة المهمة بوزنها و أهميتها، و تطبيقها عملياً. و رضوان الله و رحمته على روح إمامنا الجليل الذي رفع هتاف الوحدة في عصرنا و دعا المسلمين لهذا الاتحاد. نرجو أن يعرِّف الله قلوبنا النداء الإلهي و الدعوة الإلهية أكثر فأكثر، و يجعل مستقبل الأمة الإسلامية خيراً من ماضيها.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.الهوامش:1 - نهج البلاغة، الخطبة 89.2 - سورة النحل، الآية 58 و 59.3 - مفاتيح الجنان، دعاء الندبة.4 - سورة التوبة، الآية 33.5 - سورة آل عمران، الآية 103.
2009/03/14

كلمة‌ الإمام الخامنئي في مؤتمر الدفاع عن فلسطين

هناك مغالطة کبیرة قد انتابت أذهان بعض المعنیین فیما یتعلق بالقضیة الفلسطینیة و هي أن دولة باسم إسرائیل تمثل واقعاً مضی علی عمره ستون عاماً، فیجب التصالح و التعایش معه. و أنا لا أدري لماذا لا یتلقی هؤلاء الدرس من سائر الوقائع الماثلة أمام أعینهم؟ ألم تستعد دول البلقان و القوقاز و جنوب غرب آسیا هویتها الأصلیة مرة أخری رغم أنها عاشت ثمانین عاماً تحت وطأة غیاب الهویة بعد أن تحولت إلی أجزاء من الاتحاد السوفیتي السابق؟
2009/03/04

كلمة الإمام الخامنئي في لقائه أهالي محافظة آذربيجان الشرقية

بسم الله الرحمن الرحيمأهلاً و مرحباً بكم أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء و أشكر الله كثيراً أن وفقنا اليوم لأن نجرّب في هذه الحسينية النقاء بنقاء و معنوية عوائل الشهداء و الشباب الأعزاء و أهالي تبريز و آذربيجان الأوداء التي تذكرنا بالإمام الحسين بن علي ( عليه الصلاة و السلام ) و تنوّر أجواء حياتنا و عملنا بهذا التوجه و الصفاء الذي ألفناه فيكم أهالي تبريز الأعزاء.إنه اقتران له معنى كبير. اليوم يوم الأربعين، و حادثة التاسع و العشرين من بهمن في تبريز حادثة أربعينية. كان الأربعين في واقعة كربلاء بدايةً. بعد أن حدثت واقعة كربلاء - تلك الفاجعة الكبرى - و تسطّرت التضحيات الفذة لأبي عبد الله ( عليه السلام ) و أصحابه و أعوانه و عياله في ذلك المكان المحدود، كان على واقعة الأسر و السبي أن تنشر الرسالة، و كان على خطب السيدة زينب الكبرى ( سلام الله عليها ) و الإمام السجاد ( عليه الصلاة و السلام ) و كشفهما للحقائق أن تعمل كوسيلة إعلامية قوية لنشر الأفكار و الأحداث و الأهداف و الاتجاهات على نطاق واسع.. و هذا ما حصل بالفعل. من ميزات بيئة القمع أن الناس فيها لا تتوفر لديهم الفرصة و الجرأة على التعبير عن الحقائق التي أدركوها في أعمالهم. فأولاً: لا يسمح الجهاز الظالم المستبد للناس بأن يفهموا و يدركوا، و إذا خرج فهم الناس من يده و فهموا الحقائق و الأمور فلن يسمح لهم بالعمل بما فهموه. في الكوفة، و في الشام، و في وسط الطريق أدرك الكثيرون الكثير من الأشياء عن لسان زينب الكبرى ( سلام الله عليها ) أو الإمام السجاد ( عليه الصلاة و السلام ) أو عبر مشاهدتهم حال الأسرى، و لكن من كان يتجرأ و يقدر على إبداء ما فهمه مقابل أجهزة الظلم و الاستكبار و الاستبداد و القمع؟ بقيت القضية أشبه بغصّة في حناجر المؤمنين. و تفجرت هذه الغصّة لأول مرة في يوم الأربعين.. الفوران الأول حصل في كربلاء في يوم الأربعين.كتب المرحوم السيد بن طاووس - و غيره من الشخصيات اللامعة - أن قافلة الأسرى، أي السيدة زينب ( سلام الله عليها ) و باقي الأسرى، حينما جاءت كربلاء في الأربعين، لم يكن هناك جابر بن عبد الله الأنصاري، و عطية العوفي فقط.. بل » رجال من بني هاشم «.. عدد من رجال بني هاشم و أصحاب الإمام الحسين كانوا مجتمعين حول تربة سيد الشهداء و جاءوا لاستقبال زينب الكبرى. و ربما كانت هذه السياسة الولائية لزينب الكبرى بالتوجه إلى كربلاء - عند العودة من الشام - من أجل قيام هذا الاجتماع الصغير - لكن الغزير بالمعنى - في ذلك الموضع. البعض استبعد وصولهم إلى كربلاء في يوم الأربعين، و للمرحوم الشهيد آية الله قاضي مدوّنة مفصّلة يثبت فيها أن هذا الشيء ممكن الوقوع. على كل حال ما ورد في كلمات القدماء و الكبراء هو أن زينب الكبرى و جماعة أهل البيت حينما نزلوا كربلاء كان فيها عطية العوفي، و جابر بن عبد الله و رجال من بني هاشم. هذا مؤشر و نموذج لتحقق ذلك الهدف الذي كان ينبغي أن يتحقق بالاستشهاد، أي نشر هذا الفكر و بث الجرأة في نفوس الناس. و من هنا انبثقت أحداث التوابين. و مع أن نهضة التوابين قمعت، و لكن وقعت بعد مدة قصيرة ثورة المختار و سائر أبطال الكوفة و كانت نتيجة ذلك انهيار عائلة بني أمية الظالمة الخبيثة. طبعاً حلّت من بعدهم السلالة المروانية، لكن المقاومة استمرت و الطريق انفتح. هذه هي خصوصية الأربعين. أي ثمة كشف للحقائق في الأربعين، و ثمة عمل، و يوجد في الأربعين كذلك تحقيق لأهداف هذا الكشف عن الحقائق.و نظير هذه الحالة حصل في أربعينية تبريز. سبق أن ذكرت هذا لأهالي تبريز الأعزاء: لو لم تقع حادثة التاسع و العشرين من بهمن في تبريز، أي لو لم يتم إحياء ذكرى شهداء قم من قبل الجماهير في تبريز بكل تلك التضحيات، لربما اتخذ مسار الكفاح طريقاً آخر. و كان من المحتمل جداً أن لا يقع هذا الحدث الكبير بهذا الشكل الذي وقع فيه. أي إن قضية تبريز و انتفاضة أهالي تبريز في التاسع و العشرين من بهمن كان حدثاً مصيرياً. أحداث الدماء المسفوكة في قم و أساس الدوافع في انتفاضة قم أشياء أحيتها أحداث تبريز. طبعاً دفع الناس في هذا السبيل تكاليف.. قدموا أرواحهم، و راحتهم، و أمنهم.. قدموا كل هذا لكن النتيجة التي حصلوا عليها هي توعية البلد كله. و هكذا أقيمت الأربعينية لأحداث قم، كما أقيمت عدة أربعينيات لشهداء تبريز الذين تضرجوا بدمائهم في التاسع و العشرين من بهمن. هذا دليل على انتشار الحركة. و هذه هي طبيعة الحركة الصحيحة.حسناً، هذا ما يتعلق بالتاريخ و الماضي. مرّت لحد الآن إحدى و ثلاثون سنة على وقائع تبريز في التاسع عشر من بهمن سنة 56. إحدى و ثلاثون عاماً زمن طويل. الكثيرون من الحضور هنا إما لم يكونوا قد ولدوا في ذلك الحين، أي إنهم الآن شباب، أو إذا كانوا مولودين فقد كانوا صغار السن و لم يفطنوا. ما هو الدرس؟ كل حدث ينبع من نيّة سليمة و فكرة صحيحة له دروسه، فالأحداث الكبرى تنطوي على دروس. ينبغي تعلّم تلك الدروس. دروس واقعة التاسع و العشرين من بهمن هي أولاً تأثيراتها في توعية الجماهير و إيقاظهم، و ثانياً بث الجرأة في نفوسهم و عدم الاكتراث للصعاب و الأخطار، و ثالثاً الأمل بالمستقبل. هذه هي الدروس الثلاثة المهمة. أولاً الوعي و الإدراك. الكثيرون لم يفهموا أهمية الظرف، لكن أهالي تبريز أدركوا الظرف و حساسيته و بادروا. هذه اليقظة و وعي الظروف و حساسيتها تعد أمراً مهماً بحد ذاته. و بعد إدراك الظرف الحساس يجب أن تكون هناك الهمّة و الجرأة للمبادرة. هذه هي النقطة الثانية. ثم ينبغي أن تتم المبادرة انطلاقاً من الأمل و التوكل والاعتماد على الله و حسن الظن بالله. هذا جانب من دروس التاسع و العشرين من بهمن.لو لم يكن هؤلاء الناس مؤمنين، و لو لم يكن الإيمان يموج في قلوبهم، فحتى لو كانوا قد تحلّوا بذلك الوعي لما نفعهم وعيهم شيئاً و لما أفضى إلى مبادرة تذكر. إيمان الناس و يقظتهم و مبادرتهم في الوقت المناسب، كل هذا كان له دوره. و هو ما غدا دروساً لنا. و كذا الحال اليوم أيضاً، و كذا هو المستقبل. ينبغي متابعة الأحداث بوعي.الكثير من الشعوب لم تدرك حساسية الظروف حينما مرّت بظروف حساسة. و لأنها لم تدرك ذلك تراكمت عليها الأحداث فتخطتها و بقيت في غفلة و سُحقت تحت أقدام الأحداث. حينما وقف بعض العلماء بوجه استبداد رضا خان، لو كان الجميع قد واكبوهم، و لو أدرك كل أبناء الشعب و بوعي عميق ما الذي كان يحدث في البلاد و وقفوا بقوة ربما كان شعبنا الآن متقدماً إلى الأمام خمسين عاماً و لما تكبد خسائر خمسين عاماً من عهد النظام البهلوي الطاغوتي التابع المنحط. الغفلة تؤدي إلى أن يتحمل الإنسان هذه الخسائر. ينبغي عدم الغفلة. لو كان ثمة إدراك لحساسية الظرف يوم قام الأمريكان بانقلابهم في هذا البلد - الأمريكان و الانجليز معاً في سنة 32 - و لو اتخذت المبادرة المناسبة لما تحمل البلد - يقيناً - سنوات من الخسائر التي تحملها. ينبغي رصد الأحداث بكل يقظة؟شعبنا اليوم يشاهد أمامه جبهة واسعة تحاول بكل قدراتها سلخ الثورة الإسلامية عن سمتها و تأثيرها المناهض للاستكبار. سعت هذه الجبهة منذ بداية انتصار الثورة للحؤول دون قيام الجمهورية الإسلامية المنبثقة عن الثورة. بذلوا كل جهدهم كي يحولوا دون انبثاق الجمهورية الإسلامية، و لم يستطيعوا طبعاً. كانت لهم مبادراتهم السياسية، و حظرهم الاقتصادي، و حربهم المفروضة على هذا الشعب لمدة ثمانية أعوام. أمدّوا عدو هذا الشعب بالمعدات و بثوا الوساوس الداخلية ضد الثورة الإسلامية و نظام الجمهورية الإسلامية فلم يستطيعوا. و هكذا توصّلوا إلى نتيجة فحواها أن من المستحيل إسقاط نظام الجمهورية الإسلامية، لأن المدافعين عنه و حماته هم الناس المؤمنون الذين جعلوا من صدورهم دروعاً في الدفاع عنه، و هناك الملايين من المؤمنين يسندون هذا النظام. ليست القضية قضية المسؤولين و الحكومة. تارة يكون هناك نظام يقوم على عدة أفراد و عدد من المرتزقة. مثل هذا النظام لا يشكل خطراً على الاستكبار. و تارة يعتمد النظام على إيمان الجماهير و قلوبهم و دعمهم العميق.. مثل هذا النظام لا يمكن زلزلته. هذا ما أدركه الاستكبار. هذه التظاهرات، و ذكرى الثاني و العشرين من بهمن التي أحييتموها هذه السنة كانت استعراضاً عظيماً هائلاً. و تواجد الشباب في الميادين المختلفة، و شعارات الثورة التي احتيت أكثر من السابق لحسن الحظ - ليس هناك بين المسؤولين من يتعامل مع شعارات الثورة بخجل، بل يفخرون بالاستقلال، و الحرية، و الإسلام، و الدستور القيم الغني المحتوى و المعاني - تدل كلها على عدم إمكانية زعزعة النظام. وصلوا إلى نتيجة أنهم يجب أن يقللوا من مضمون النظام ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً. الهجوم الثقافي الذي ذكرته قبل سنين، و هذه الغارة الثقافية التي يلاحظ المرء أماراتها في المرافق المختلفة سابقاً و حاضراً، إنما كانت بهذه النيّة و بهذا القصد. بقصد إفراغ الثورة من محتواها و مضمونها الإسلامي و الديني و من روحها الثورية. هذه من النقاط الحساسة التي تستدعي يقظة الجماهير. إنها أشبه بقضية التاسع و العشرين من بهمن. الكثيرون لم يفهموا أهمية التاسع و العشرين من بهمن لكنكم أيها التبريزيّون فهمتموها و أبديتم فهمكم هذا على المستوى العملي. و كذلك الحال في كافة المراحل. على شعبنا إدراك أهمية الأحداث، و هو اليوم يدرك هذا الشيء لحسن الحظ. الشعب يقظ تماماً. و هذه بحد ذاتها من بركات الثورة و نظام الجمهورية الإسلامية. لقد استيقظ الناس و توفروا على القدرة على التحليل.ليعلم الجميع أن أعداء نظام الجمهورية الإسلامية اليوم عاجزون عن استئصال هذا البناء المتين. يحاولون بشتى الوسائل الانتقاص ذرةً ذرةً من هذا المحتوى على أيدي الذين كانت و لا زالت لهم يد في هذه الثورة. لتحمل الجمهورية الإسلامية اسم الجمهورية الإسلامية و اسم النظام الثوري و لكن لا يكون في هذا النظام أثر لمحتوى الإسلام و الثورة. ما هي قيمة الأسم؟ المحتوى هو الضروري و المهم. واجبي و واجبكم هو الدفاع عن محتوى الثورة و المبادئ القيمة للثورة، و لا نسمح بتجاهل هذه الركائز القيمة و هذه القيم السامية. هذا هو واجبنا.و لنعلم أن الله تعالى يعين الجماعة التي تتحرك انطلاقاً من الإيمان به و تستخدم مبادراتها و قدراتها الإنسانية و طاقاتها من أجل هدف معين. الله تعالى يعين - يقيناً - الذين يعملون من أجل الأهداف الإلهية. حيثما هُزمنا، و حيثما لم يمدّنا الله بعونه فقد كان ذلك لأننا لم نقم بالعمل الصحيح، و لم نقدِّم نصيبنا من العمل. لو كنّا قد أنجزنا حصتنا من العمل لكان الله تعالى قد أعاننا. يقول سبحانه: » اوفوا بعهدي أوفِ بعهدكم «.(1) القضية قضية طرفين. الله تعالى و هو مالك أرواحنا و من وهبنا جميع المواهب عقد معنا عهداً له جانبان. اعملوا أنتم و سنعمل نحن أيضاً. الله سبحانه وعدنا بهذا. إذا لم نعمل بواجبنا فلن يكون بوسعنا توقع العون الإلهي.لقد أثبت الشعب الإيراني و الحمد لله أنه صاحب مبادرة و عمل. طوال هذه الأعوام الثلاثين التي تمنّى فيها أعداؤنا أن تنسى شعارات الثورة. حينما تنظرون اليوم - بعد مضي ثلاثين عاماً على الثورة - إلى التجمعات الجماهيرية و أقوال الجماهير و شعاراتهم ترون نفس تلك المشاعر و نفس تلك الشعارات التي كانت في بداية الثورة. لقد حُفظ هذا الصراط المستقيم، و هذا شيء على جانب كبير من الأهمية لا نلاحظه في ثورات التاريخ. و قد حصل هذا بفضل الإيمان بالله و ببركة الإسلام. ينبغي المحافظة على شعارات الثورة. و على الشباب خاصةً أن يغتنموا هذه الفرصة و يعرفوا قدرها. و لحسن الحظ فإن جيل الشباب عندنا اليوم أكثر تجربة و وعياً من جيل الشباب يومذاك. إذا كانت كفّة المشاعر هي الراجحة يومذاك، فإن تواجد الشباب في الساحة اليوم إنما هو بدافع الفكر و الوعي، و ليس مجرد مشاعر. و مع أنه يحتوي على المشاعر و هي مهمة لكنه يحتوي أيضاً على الفكر و الوعي الصحيح و التواجد في الساحة. حشر الله شهداءنا الأبرار مع الرسول، و حشر إمامنا الجليل رائد هذه الحركة العظيمة مع أوليائه. و جعلنا من جنود هذا الدرب و المضحين من أجل هذا الهدف المقدس، و زاد يوماً بعد يوم من توفيقاته لكم أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاتهالهوامش1 - سورة البقرة، الآية 40.
2009/02/15

كلمة الإمام الخامنئي في لقائه منتسبي القوة الجوية في الجيش

بسم الله الرحمن الرحيمأرحب بكم أيها الأعزاء أجمل ترحيب، و أنا مسرور لرؤية وجوهكم الشابة المتوثبة الأعضاء الغالين في القوة الجوية في جيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية.لا شك أننا يجب أن نكون جميعاً - أنا و أنتم - شاكرين للذين صنعوا يوم التاسع عشر من بهمن بموقفهم العملي - و ليس بألسنتهم و لا بمعاهداتهم - صنعوه و خلّدوه بمواقفهم و مبادرتهم و عزمهم. حينما تتخذ الخطوة بإخلاص و صواب و انطلاقاً من فكرة صحيحة مفعمة بالإخلاص فسوف تتسم بالبقاء و الخلود. قد نفعل الكثير من الأعمال الاستعراضية، و قد نمارس بعض الأعمال المملاة علينا و التي قد لا تتسم بالإخلاص الكافي، فيمحوها مرور الزمن و يقضي عليها، إلا أن حدث التاسع عشر من بهمن لم يكن من هذا القبيل، إنما كان عملاً نبع من صميم الإيمان والإخلاص و العزيمة الراسخة. في تلك الظروف، صحيح أنه لم يكن قد تبقى على الانتصار الحاسم للثورة سوى بضعة أيام، و لكن لم يكن بوسع أي شخص التكهن أن التاسع عشر من بهمن سيعقبه الثاني و العشرون من بهمن. لم يكن بالمقدور التخمين على نحو القطع. كانت خطوة خطرة. العزيمة الراسخة لأولئك الشباب - و قد كانوا شباباً يشبهونكم - تجلّت في أنهم أبدوا عملياً إيمانهم، و عزمهم، و التحامهم بشعبهم، و إدراكهم و تشخيصهم الصائب لعمق الحدث الذي كان يقع آنذاك. طبعاً كانت تلك خطوةً خطيرة، لكنهم بادروا إليها و خلدوا يومُ التاسع عشر من بهمن.لم يكن هذا الحدث حدثاً فجائياً دفعياً. لقد عرضت القوة الجوية بفعلها هذا جوهراً من جواهرها. و قد تجلى هذا الجوهر في الحرب أيضاً. سواء في الجانب الهجومي أو في الجانب الدفاعي. في الدفاع الذي استمر ثمانية أعوام حينما شعر الشعب الإيراني بعدم وجود أسوار أمنية تحيط به، و كان الأعداء يأتون دون أي خوف أو قلق و يقصفون و يهاجمون، أبرزت القوة الجوية جوهرها ذاك. فكانت الأعمال الأفضل، و الأولى، و الأكثر تألقاً و حسنَ صيتٍ في جيش الجمهورية الإسلامية في بداية الحرب المفروضة هي ما قامت به القوة الجوية.. لقد كان هذا استمراراً لذلك الجوهر. و الحال الآن كذلك أيضاً.المهم أن يكون للإنسان أو الجماعة من الناس تقييماً و فهماً صحيحاً للتحولات و التطورات التي تتفاعل حوله. بعض الأحداث التي لا تسترعي كثيراً من الأنظار يفهمها ذوو البصائر و يدركون ماذا تعني و ماذا سيحدث إثرها. هذه نقطة على جانب كبير من الأهمية. التحول الذي وقع في إطار الثورة الإسلامية كان من هذا القبيل. البعض لم يفمهوه و لم يشخصوه. و فريق خلطوا بينه و بين أي تحرك أعمی كثيراً ما يحدث في مناطق مختلفة من العالم. هكذا تصرفوا معه و هكذا كان موقفهم منه. و البعض أعدوا أكياس أطماعهم كي يستغلوا هذا الحدث لصالحهم شخصياً. هذا كله وليد قصر النظر. كانت الثورة بالدرجة الأولى تحولاً في المجتمع الإيراني، و بالدرجة الثانية في مجمل الأمة الإسلامية، و من ثم في عموم المعادلات السياسية العالمية، إذ غيّرت جغرافيا القوة في العالم، خصوصاً في بعض مناطق العالم.. كانت الثورة مثل هذا الحدث العظيم. و اليوم راحت هذه العظمة تبرز مؤشرات و دلائلها. التطور الذي حصل في إيران هو تغيير نظام مغلق استبدادي ظالم تعسفي يترأسه ساسة متعطشون للدنيا، و للشهوات، و لا يفكرون إلا بأنفسهم؛ ساسة غافلون عن الإنسان و الإنسانية، و تابعون من ناحية للأجنبي، و أسرى بيد سياسات الآخرين و مطيعون للقوى المهيمنة. هذا كان التحول الأساسي.. و من ثم تحويل ذلك الوضع إلى مجتمع رشيد، واعٍ، ذي عزيمة راسخة، بشعب له القدرة على الانتخاب، و له حق الانتخاب؛ شعب شامخ عزيز بين المجتمعات البشرية و مؤثر على سائر المجتمعات. كان هذا هو التحول الرئيس الذي وقع.أنتم اليوم ترون و تسمعون و تقرأون بخصوص شتى القضايا ذات الصلة، بمنطقتنا أن كافة القوى العالمية تعتقد أن تواجد إيران و وجودها و رأيها و موقفها مؤثر. هذا ما يقوله حتى ألدّ أعدائنا و يعرفون أنه لحل قضايا الشرق الأوسط أو قضايا بلدان هذه المنطقة لا يمكن اتخاذ أي قرار أو العمل به من دون المشاركة الإيرانية. أين هذا من ذلك الوضع السابق حيث كان بلد كبير كإيران بما له من تاريخ و تراث و شعب عظيم مجرد بيدق بيد المهيمنين و المستعمرين يحركونه كيف ما شاءوا، و يستغلونه و ينتفعون منه، دون أي اكتراث لشعبه.و من الناحية الاقتصادية كانت مصادر البلد بأيديهم.. نفط البلاد، و ثرواتها المعدنية المتنوعة، و ثرواتها البشرية المتنوعة، و واقعها العسكري و الاستراتيجي.. كلها كانت بيد الآخرين يوظفونها كيف ما أرادوا. هذا هو التحول الهائل الذي حصل.طبعاً، لهذا التحول معانٍ أخرى. الشعب الذي يتحلى بمثل هذه الإرادة وبمثل هذه القدرة في شؤون الاقتصادية، و في تعميق و نشر ثقافته، و في طريق أخلاقه الإنسانية، و في طريق تطبيق معتقداته القلبية. هذا هو التحول العظيم الذي لم يفهمه البعض و لا يزال البعض لا يفهمه لحد الآن. القوى الكبرى - التي لا تهدف لسوى قهر الشعوب و الهيمنة عليها - غير مستعدة لفهم أن الشعب إذا استيقظ و أدرك قيمة عزيمته و إرادته.. حينما يعي الشعب أنه إذا أراد و قرّر و عمل فلن يكون بوسع أية قوة الوقوف بوجهه، و لن يمكن ملاواة مثل هذا الشعب. قد يفرضون بعض التكاليف و الفواتير على هذا الشعب، بيد أن السيطرة عليه لن تعود ممكنة. و لن يعود بالمستطاع استعباد هذا الشعب، و فرض معتقداتهم و إراداتهم عليه. هذا ما لم تستطع القوى الكبرى فهمه لحد الآن. مضت ثلاثون سنة على هذا التحول الهائل و استخدم أعداء الشعب الإيراني و أعداء نظام الجمهورية الإسلامية شتى الأساليب و الحيل عسى أن يستطيعوا إخضاع هذا الشعب ثانية، و إعادة تلك الهيمنة الجهنمية التي فرضوها على إيران العزيزة لعشرات الأعوام و لم يكونوا على استعداد للتخلي عنها. التحدي الراهن بين نظام الجمهورية الإسلامية و أعدائها المقتدرين العالميين يتمحور حول هذه النقطة. قضية الطاقة النووية و صناعة الصواريخ و ما إلى ذلك مجرد ذرائع. القضية قضية أخرى. القضية هي أن شعباً استطاع بقوته و غلبته و عزمه و إرادته أن يحرر نفسه من الهيمنة القسرية للآخرين. لكنهم يحاولون إعادة هذه الهيمنة. لم يستطيعوا ذلك طبعاً و لن يستطيعوا في المستقبل أيضاً.من أعماق صنوف الحظر التي فرضوها لسنوات طويلة على بلادنا خرج فجأة القمر الصناعي » أميد « و أطلق إلى الفضاء. و من أعماق كل الضغوط التي مارسوها، ظهرت فجأة القدرة على تخصيب اليورانيوم - و هي عملية محصورة و مقتصرة على القوى الكبرى و تعد ملكاً مطلقاً لهم يجب أن لا تخرج إلى أي مكان دون إذنهم - و تطورت و تفاعلت و أعربت عن نفسها. هذا دليل أن العدو لم يستطع فعل شيء و أن حظره و تهديداته لم يكن لها أثر. لماذا؟ لأن هذا الشعب حافظ على عزيمته الراسخة المستندة إلى إيمانه العميق، و هو الآن يسير و يتقدم إلى الأمام، و هم عاجزون عنه.في حين تعمل أجهزة هذه القوى الإعلامية المتطورة و فوق الحديثة ليل نهار ضد النظام الإسلامي و الحركة الإسلامية و الجمهورية الإسلامية صنع انتشارُ هذا الفكر واقعة غزة فوقفت جماعة صغيرة في أرض محدودة المساحة أمام حكومة تعتبر نفسها إحدى القوى العسكرية الأولى في العالم. استخدم ذلك العدو كل إمكاناته ليستطيع قهر هذا الشعب فلم يستطع. هل هذا حدث صغير؟! هل هذا بالشيء القليل؟! و قبل هذا كانت هناك أحداث لبنان قبل سنتين حيث استخدموا أيضاً كل إمكاناتهم و قدراتهم، بل و ساعد الأمريكان الكيان الصهيوني تسليحياً. و مع أن الكيان الصهيوني يصنع القنابل الذرية و يصدِّر المعدات العسكرية إلا أن الأمريكيين أمدوه بالمعدات لينتصر على مجموعة من الشباب المؤمن المتحفز المدافع، فلم يستطيعوا ذلك في حرب الثلاثة و ثلاثين يوماً. هل هذه أمور صغيرة؟!هذه هي النقاط التي غيّرت جغرافيا القوة في العالم. غيرت شكل النظام العالمي غير العادل الذي يوزّع العالم إلى مهيمنين و خاضعين للهيمنة. اعتاد العالم بعد القرن السابع عشر و الثامن عشر للميلاد - حيث ظهرت الحالة الاستعمارية - على أن تمسك بضع دول بيدها مصير البلدان في العالم - حكومات و شعوباً - اعتماداً على قدراتها العسكرية و ليس على قدراتها الأخلاقية. أحياناً يتهيّأ لدولة من الدول نفوذ بين بعض الشعوب أو الحكومات بشكل طبيعي بسبب متانة أفكارها و إشعاعها الأخلاقي، إلا أن نفوذ الاستعمار لم يكن من هذا القبيل. نفوذه كان قسرياً و بفضل قدراته العسكرية و أسلحته و عسفه. اعتاد العالم على أن يمتلك البعض هذه الأسلحة القاهرة و أن تستسلم أكثرية الحكومات و الشعوب في العالم حيالهم. ثم يكون لبعض هؤلاء المستسلمين - بحسب شطارتهم - وضع مادي أفضل من سواهم. أشبه بغلمان و عبيد سيد قد يكون لبعضهم زاد و حياة أفضل دون البعض الآخر الذي تجتمع له العبودية و الجوع.و قد غاب هذا التعويد عن العالم بفضل الثورة الإسلامية، و اتضح أن مواقف القوى المهيمنة في العالم ليست المواقف الأخيرة، إنما الشعوب هي التي تتخذ المواقف الأخيرة.. عزم الشعوب و إيمانها هو الذي يقول الكلمة الأخيرة. هذا ما علّمه الشعب الإيراني للآخرين. طبعاً كانت هناك ثورات في العالم قبل الثورة الإسلامية، إلا أن أية ثورة - لاحظوا كل تاريخ الثورات، منذ الثورة الفرنسية الكبرى و ما قبلها و إلى ما بعدها - لم تستطع الحفاظ على مبادئها طوال سنوات متمادية كما فعلت الثورة الإسلامية في إيران حيث سارت في خطها المستقيم و لم تستسلم لهذا و ذاك، بل واصلت طريقها المستقيم إلى الأمام.هذه هي وصفة المستقبل. الشعب الإيراني كله يعلم هذا، و يجب أن يعلمه، و عليكم أن تعلموه و أنتم تعلمونه. السبيل لانتصار الشعب الإيراني انتصاراً نهائياً كاملاً هو أن لا يتخلى عن هذا الخط المستقيم، خط الإيمان، الإيمان بالله، و الإيمان بذاته، و الإيمان بالقدرات الوطنية، و الثقة بالذات الوطنية، و عدم تركه طريق الإيمان و الحركة و الجهاد بكل أشكاله؛ الجهاد العلمي، و الجهاد العملي، و إذا اقتضت الضرورة الجهاد العسكري.حينما يسير شعبنا في الثاني و العشرين من بهمن من كل سنة بهياج و الحماس و عزم راسخ في الشوارع و يشارك في هذه التظاهرات الحاشدة و يعبّر عن نفسه فإنما يقوم بحركة رمزية تعبّر عن صموده و صبره على هذه المبادئ. الشعب يقول إننا موجودون. لذلك تلاحظون أن مراسم الثاني و العشرين من بهمن أقيمت طوال هذه الأعوام الثلاثين تحت الثلوج و في البرد القارس و على الأراضي المتصلبة بالثلوج، و تحت الشمس المحرقة - في المناطق الحارة - و جاء الناس إلى ساحة المظاهرات و حافظوا على حضورهم و تواجدهم و لم يسمحوا بأن يفقد الثاني و العشرون من بهمن ألقه و بريقه. و هذا ما سيحدث هذه السنة أيضاً بتوفيق من الله. سيحضر الشعب الإيراني تارة أخرى و يعبّر عن نفسه في الساحة، و هذا ما يبث في العدو الشعور بالخسران بالمعنى الحقيقي للكلمة. هكذا هو التواجد في المظاهرات، و كذلك التواجد في الميادين المختلفة - الانتخابات المختلفة، و مشاركة الناس و تواجدهم، و هذه الاستعراضات العلمية و التقنية العظيمة التي يعرضها شعبنا الواحد تلو الآخر لحسن الحظ - جهود شبابنا تظهر دوماً و يجب أن تزداد يوماً بعد يوم.إن لكم أنتم أيضاً في القوة الجوية في جيش الجمهورية الإسلامية واجبات محددة و معروفة، سواء في القسم الرئيس من القوة الجوية، أو في قسم المضادات الجوية. الواجب الأهم هو أن يشعر الإنسان أن عليه سد الفراغات و الثغرات. سدوا الفراغات في المعدات و التنظيم و الإدارة أينما كنتم. حينما تتحلى المنظومة بالعزيمة على التقدم فلن تنتظر أن تنتقل من مكان إلى آخر أو أن يقول لها أحد شيئاً، إنما تشخص الاحتياجات ضمن المساحة التي تعمل فيها و تحاول رفع هذه الاحتياجات و النهوض بواجباتها بنحو كامل. و هذا ما حصل لحد الآن في القوة الجوية في الجيش بفضل و توفيق من الله، و سيحصل بعد الآن أيضاً. هذا ما أشعر به حينما تقع عيني على الوجوه الشابة المؤمنة ذات العزيمة و الإرادة في القوة الجوية. و يمكن أن يفهم الإنسان هذا أيضاً من التقارير و المعلومات التي تصله؟نحيّي ذكرى جميع الشهداء الأعزاء في القوة الجوية و جيش الجمهورية الإسلامية و كذلك الشهداء الأبرار في المنظومات المختلفة الذين جاهدوا في هذا السبيل و استشهدوا و ضحّوا بأنفسهم و سقوا هذه الشجرة الفارعة، و نحيّي كذلك ذكرى إمامنا العزيز الجليل الذي قاد هذه الحركة العظيمة، و نشكر المسؤولين المحترمين في القوة الجوية و الناشطين في القطاعات المختلفة و المبدعين و الذين أسسوا لهذه الإبداعات في القوة الجوية، و نتمنى أن يمنَّ الله تعالى عليكم بمزيد من التوفيق و العزيمة الراسخة كل يوم كي تستطيعوا إن شاء الله أن تبلغوا بالجيش و بمنظومة القوات المسلحة إلى حيث يشعر الشعب الإيراني بفضل وجودكم بأنه غير مهدّد بأي خطر من قبل الأعداء.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
2009/02/06

كلمة الإمام الخامنئي في شورى تنسيق الإعلام الإسلامي

بسم الله الرحمن الرحيمنحن مسرورون جداً لأننا استطعنا أن نوفق بعد فترة طويلة للقاء بكم أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء - و أنتم تتولون أحد أهم الأعمال و أكثرها تأثيراً في مسيرة نظام الجمهورية الإسلامية - و ندعو لكم بالتوفيق و القوة.»شورى تنسيق الإعلام الإسلامي« من أقدم و أعرق مؤسسات نظام الجمهورية الإسلامية. إنه لمن المهم أن يتشكل الجهاز على أساس حاجة حقيقية و صادقة في البلاد، و أن يأخذ دائماً هذه الحاجة بنظر الاعتبار على مدى السنين الطويلة و مع شتى التطورات و التحولات، و يعطي العمل و الأداء حقهما. شورى تنسيق الإعلام الإسلامي من هذا القبيل من المنظمات. كما قال سماحة الشيخ جنتي (دامت بركاته) و قد كان لإشرافه بلا شك تأثير كبير في هذا الاتجاه، فقد سارت هذه المنظمة طوال هذه الأعوام في الخط الصحيح و الصراط المستقيم، و قد عرفت اللحظات و بادرت إلى الخطوات المتناسبة مع تلك اللحظات. مشكلة بعض الأفراد و المنظمات و المجاميع ليست عدم الإيمان أو عدم التشوق أو عدم المودة، لكن مشكلتهم هي عدم معرفتهم للحظة.ينبغي معرفة اللحظة الحالية و الظرف الراهن. ينبغي معرفة الحاجة. مثلاً الأشخاص الذين كانت قلوبهم في الكوفة مفعمة بالإيمان بالإمام الحسين و بأهل البيت، لكنهم نزلوا إلى الساحة متأخرين بضعة أشهر، و قد استشهدوا جميعاً و هم مأجورون عند الله، بيد أن العمل الذين كان ينبغي لهم القيام به لم يكن هو ذاته العمل الذي قاموا به.. لم يعرفوا اللحظة، و لم يعرفوا عاشوراء، و لم يفعلوا ما فعلوه في وقته. العمل الذي قام به التوابون بعد فترة من واقعة عاشوراء لو كانوا قد نهضوا به عندما دخل سيدنا مسلم بن عقيل الكوفة لتغيرت الظروف و الأحوال، و ربما سارت الأحداث بشكل آخر. معرفة اللحظات و القيام بالمهمات في لحظات الحاجة أمر على جانب كبير من الأهمية.و شوراكم تحلت و الحمد لله بهذه السمة. و ثمة العديد من الدلائل على ذلك. و كان آخرها يوم التاسع من دي قبل فترة. و قبل ذلك - أي قبل عشرة أعوام من الآن - كان هناك الثالث و العشرون من تير الذي أشاروا له. ذلك اليوم أيضاً كان من احتياجات اللحظة. لم يكن فعلاً دارجاً و عادياً. مظاهرات الجماهير في الثاني و العشرين من بهمن بكل ما لها من عظمة - و سوف أتطرق لذلك - عمل دارج مألوف و معروف و من المتوقع أن يحصل و هو يحصل، لكن الثالث و العشرين من تير سنة 78 لم يكن عملاً دارجاً و متوقعاً، و كان المهم أن تعرف هذه المؤسسة و تفهم أن هذه الخطوة في تلك الظروف كانت ضرورية و لا بد أن تحصل. و كذا الحال بالنسبة لخطوة التاسع من دي هذه السنة. معرفة الظرف، و فهم الحاجة، و التواجد في لحظة الحاجة المناسبة. هذا هو أساس الأمر الذي يجب أن يحمله المؤمن دوماً ليكون وجوده مؤثراً، و يستطيع القيام بالفعل الذي يجب عليه القيام به. طيب، نحمد الله على أن شورى الإعلام الإسلامي تتحلى بهذه السمة و قد أثبتت ذلك، سواء في العقد الأول و ما تخلله من أوضاع و أحوال متنوعة - في فترة الدفاع المقدس و ما قبل الدفاع المقدس، و بعد عهد الدفاع المقدس - و بعد رحيل الإمام الخميني في المناسبات المختلفة حيث انتجت قمماً في تاريخنا. و من هذه القمم التي لا تنسى يوم التاسع من دي هذه السنة.هناك نقطتان يجب أن أشير إليهما: واحدة تتعلق بالثاني و العشرين من بهمن و عشرة الفجر. عشرة الفجر ككثير من عناصر الثورة الإسلامية و نظام الجمهورية الإسلامية ظاهرة فريدة في تاريخنا. و هذا ليس بشعار، بل هو الواقع بعينه في ضوء الدراسة و التدبر. لماذا هي ظاهرة فريدة؟ كل الثورات في العالم منذ أن تسير عجلتها و تشارك الجماهير و يبدأ التاريخ تسجيل الأحداث، لها ذكراها السنوية. لكن الشيء الفريد في التاريخ هو أن يجري تكريم الذكرى السنوية و إحياؤها بفعل نفس العامل و العنصر الذي خلق أصل الحادثة. لاحظوا الثورات التي بقيت آثارها عدة سنوات و التطورات التي أبقت ذكراها حية في ذهنية مجتمعها - بعض الثورات و التطورات الاجتماعية تضمحل تماماً بعد مدة و تنسى ذكراها - افترضوا مثلاً ثورة اكتوبر في الاتحاد السوفيتي التي استمرت عشرات الأعوام، و بدرجة أقل الثورة الفرنسية الكبرى، و كذلك باقي هذه التحولات التي وقعت بواسطة الثورات الشعبية أو الثورات شبه الشعبية، لم يعد في ذكراها - في الأعوام الثالثة و الرابعة على الأقل - أثر لشرائح الشعب و كتله، فالجماهير غير متواجدة، و الذكرى السنوية للثورة تقام بشكل تشريفي فيأتي عدد من المسؤولين و يقفون، و ربما تخرج استعراضات للقوات المسلحة و عدد من المتفرجين.مضت على ثورتنا ثلاثون سنة. و كان الذين جسدوا في كل سنة ذكرى الثورة و برّزوها و احتفلوا بها هم أبناء الشعب. الملايين من أبناء الشعب ينـزلون إلى الشوارع كل سنة في ذكرى الثاني و العشرين من بهمن في مختلف أنحاء البلاد. هم الذين يعلنون عن عيد الثورة و الذكرى السنوية للثورة. ما معنى هذا؟ معنى هذا أن الثورة قائمة على إيمان أبناء الشعب، و معارضو الثورة و معارضو النظام المنبثق عن الثورة إنما يجابهون الشعب و يعادون الشعب. و هذا هو السرّ في عدم نجاحهم. و إلا ما من نظام سياسي لا يمكن ضعضعته بالأساليب السياسية أو الأمنية. يأتي طرف أقوى و يضعضعه و يزلزله. لكن النظام المعتمد على الجماهير و الشعب مهما كان معارضوه أقوياء من الناحية الأمنية و العسكرية و المالية و الاقتصادية و ما إلى ذلك، لن يستطيعوا حلحلته و إضعافه. و السبب يعود إلى أنه يعتمد على الشعب و على إيمان أبناء الشعب، و على العامل الذي أوجد أصل هذا النظام. هذا شيء على جانب كبير من الأهمية.يحاولون - كما لوحظ هذا العام في تجارب متعددة - في كل مراسم تعتمد على حشود الشعب و تواجده تخريب هذا التحشد إن استطاعوا. يوم القدس الذي هو لإدانة إسرائيل و معاداتها، ترون أن جماعة معدودة و مخدوعة ترفع فيه شعارات ضد قضية فلسطين و لصالح إسرائيل. و في يوم الثالث عشر من آبان و هو يوم معارضة الشعب الإيراني للاستكبار الأمريكي و براءته منه و إعلان كرهه له، يأتون فيه و يرفعون الشعارات ضد هذا التحرك و ضد نظام الجمهورية الإسلامية، و ضد إسلامية النظام! ما معنى هذا؟ معناه أن أعداء نظام الجمهورية الإسلامية فزعون من هذا التواجد الخالص المندفع لدى أبناء الشعب. هذا التواجد المشتمل على كافة الميول الموجودة بين الناس و على جميع السلائق و المشارب السياسية. الشعب الإيراني متحد، و توجهه واضح، و هم يريدون في إعلامهم عرض هذا الاتجاه المتحد و هذه الحركة المنسجمة على أنها حالة متفرقة. يريدون عرض الشعب الإيراني باعتباره موزعاً إلى جماعات و فئات متجابهة فيما بينها في القضايا الأساسية و الأصولية. هذا هو هدفهم و هذا ما يجب أن تجري مجابهته.تأسست الجمهورية الإسلامية بإرادة الشعب و على أساس إيمانه. و قد تقدمت إلى الأمام لحد الآن بفضل هذا الإيمان و بكل اقتدار و بمنتهى الشعور بالعزة و الاستغناء، و سوف تنتصر بعد اليوم أيضاً بكل اقتدار و عزة على جميع الأعداء إن شاء الله.إذن، النقطة الأولى باختصار هي أن الثاني و العشرين من بهمن ملك الشعب الإيراني و الإمام الجليل و الشهداء و الروح و المعنى الحقيقي للثورة الإسلامية. إنه ملك الشعب. و يريد العدو حلحلة هذه الثروة الهائلة و الرصيد الوطني الضخم و إضعافه. و يجب أن تتواجدوا في الساحة بكل قوة إن شاء الله و تتصرفوا بعقلانية و تدبير. و اعلموا أن الشعب محبّ و منشدّ لهذه الشعارات الأساسية للثورة. عزة الشعب الإيراني و عظمته اليوم في العالم - و التي يعترف بها العدو - إنما هي ببركة هذه الثورة و هذا التواجد الشعبي، و سوف لن يفقد الشعب الإيراني ذلك.النقطة الثانية التي ذكرتها مراراً في غضون الأشهر الماضية، هي أن أعداء الشعب منـزعجون لاتضاح الأجواء و شفافيتها. إنهم لا يطيقون الأجواء الشفافة، و يريدونها حالكة و مضببة. ففي الأجواء المضببة يستطيعون الاقتراب من مقاصدهم و توجيه الضربات لحركة الشعب الإيراني. و الأجواء المضببة هي الفتنة. الفتنة معناها أن يأتي البعض بظاهر الأصدقاء و باطن الأعداء و ينـزلون إلى الساحة و يضببون الأجواء فيستطيع العدو الصريح في هذه الأجواء الضبابية إخفاء وجهه و التغلغل إلى الساحة و توجيه ضرباته. يقول الإمام أمير المؤمنين: »إنما بدء وقوع الفتن أهواء تتّبع و أحكام تبتدع« إلى أن يقول: »فلو أن الباطل خلص من مزاج الحق لم يخف على المرتادين«.. لو ظهر الباطل صريحاً واضحاً مكشوفاً خالصاً لما أشتبه الأمر على طلاب الحق، و لأدركوا أن هذا هو الباطل.. »و لو أن الحق خلص من لبس الباطل انقطعت عنه ألسن المعاندين«.. و الحق أيضاً لو ظهر في الساحة خالصاً من الشوائب لما استطاع المعاندون اتهامه بأنه ليس بحق. ثم يقول: »و لكن يؤخذ من هذا ضغث و من هذا ضغث فيمزجان«. صاحب الفتنة يأخذ جزءاً من الحق و جزءاً من الباطل فيمزجهما و يضعهما بجوار بعضهما.. فحينئذ يشتبه الحق على أوليائه.. عندئذ يشتبه الأمر حتى على طلاب الحق.. هذه هي الفتنة.حسناً، ما هو العلاج الآن حيال مثل هذه الظاهرة؟ العقل السليم و الشرع أيضاً يحكمان بكل حسم بأن العلاج هو الصراحة في تبيين الحق و بيانه. حينما ترون انطلاق حركة معينة بذريعة الانتخابات، ثم يتغلغل عملاء الأعداء داخل هذه الأجواء الحالكة، حين ترون عملاء العدو - الذي ينمّ كلامه و شعاراته عمّا في ضميره - قد نزل إلى الساحة، هنا يجب أن تشخّصوا الخطوط و الحدود. هذا من واجب الجميع، و من واجب الخواص على وجه الخصوص، و من بين الخواص من لهم مستمعون و جمهور أكبر. هذا هو الواجب.. يجب إيضاح الحدود ليكون معلوماً ماذا يقول هذا و ماذا يقول ذاك. فلا يخفي الباطل نفسه في ثنايا الأغبرة و الضباب و العتمة التي تغطّي الساحة، و يبدأ بتوجيه ضرباته و لا تعلم جبهة الحق من أين تتلقى الضربات. لذلك ليس من الحسن بالنسبة للخواص التحدث بكلام ذي وجهين. على الخواص أن يقولوا كلاماً واضحاً و أفكاراً واضحة. و هذا لا يختص باتجاه سياسي معين. جميع الاتجاهات الداخلة في النظام الإسلامي عليها تشخيص هل الدعم الذي يبديه مستكبرو العالم مقبول عندها أم غير مقبول. حينما يبادر زعماء الاستكبار، و رؤساء الظلم، و محتلو البلدان الإسلامية و قتلة البشر المظلومين في فلسطين، و العراق، و أفغانستان، و الكثير من المواطن الأخرى، و ينـزلون إلى الساحة و يتكلمون و يتخذون مواقفهم، يجب أن يتضح ما هو موقف الأشخاص داخل نظام الجمهورية الإسلامية، فهل هم على استعداد للتبرّي و إعلان عدائهم و معارضتهم لأولئك؟حينما يرفض البعض داخل أجواء الفتنة بألسنتهم الإسلام و شعارات نظام الجمهورية الإسلامية بصراحة، و يرفضون بأعمالهم السمة الجمهورية و يشككون في الانتخابات، حينما تبرز هذه الظاهرة في المجتمع، فالمتوقع من الخواص أن يرسموا حدودهم و يحددوا مواقفهم. التحدث بكلام ذي وجهين مساعدة على تضبيب الأجواء و لا يساعد على رفع الفتنة و لا على خلق حالة وضوح و شفافية. الإيضاح عدو العدو و العقبة التي تعتور طريق العدو. و التضبيب مساعدة للعدو. هذا بحد ذاته مؤشر و معيار. من الذي يساعد على الشفافية و الوضوح، و من الذي يساعد على التضبيب و التعتيم. ليأخذ الجميع هذا بنظر الاعتبار و يجعلوه معياراً.و الكلمة الأخيرة هي: أيها الإخوة الأعزاء، أيتها الأخوات العزيزات! اعلموا و أنتم تعلمون أن الثورة الإسلامية حقيقة نابعة من سنة إلهية و لا يمكن القضاء عليها و زلزلتها. طالما تحلّى أفراد الشعب بالإيمان و الحب و العشق و عملوا و بادروا فليعلموا أنه حتى لو تكاتفت جميع قوى العالم فلن تستطيع النيل من هذه الثورة و من هذا النظام و من هذا الشعب. ثمة واجبات ينبغي أداؤها، و هناك منعطفات يجب المرور بها و عبورها. بعض هذه المنعطفات صعبة، و بعضها أسهل. الحمد لله اجتاز شعبنا الكثير من المنعطفات الصعبة و هي أصعب بكثير مما نشهده اليوم، و ستكون هناك منعطفات بعد اليوم أيضاً. قال سماحة الشيخ جنتي أن الشعب الإيراني يجب أن لا يقلق من مثيري الفتن. و أقول له إن الأعداء و مثيري الفتن موجودون دوماً. يوجد اليوم عدو، و يوجد غداً عدو آخر، و بعد غد شخص آخر و بشكل آخر. إذا كان الشعب يقظاً و واعياً و صاحب عزيمة و محافظاً على إيمانه و حياً و صاحب نماء و تجدد سيجابه كل هذه التحديات بسهولة و ستزداد هذه السهولة يوماً بعد يوم، و يعالجها و ينتصر عليها جميعاً. و نرى و الحمد لله علامات هذا النماء اليوم.. هؤلاء الشباب داخل إطار الثورة. و أنا أوصي الأصدقاء بالاستعانة بهؤلاء الشباب و براعم الثورة و نمائها أكثر فأكثر من أجل النهوض بالمهام بصورة أفضل. الكثير من هؤلاء الشباب إما أنهم لم يشهدوا عهد الثورة أو كانوا عند انتصارهم صغار السن جداً، لكنهم يعملون اليوم أفضل بكثير مما عملناه و فعلناه يومذاك. إنهم يعملون بشكل أقوى و وعي و ذكاء أكبر. أوراق الثورة و ثمارها في ازدياد و الحمد لله.وفقكم الله و أيدكم جميعاً، و أنزل رحمته و فضله على الروح الطاهرة لإمام الأمة و الشهداء الأبرار، و أرضى القلب المقدس لإمامنا المهدي المنتظر عنّا جميعاً إن شاء الله.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
2009/01/18

كلمة الإمام الخامنئي في ذكرى انتفاضة 19 دي

بسم الله الرحمن الرحيمأولاً أعزي بمناسبة استشهاد أعظم شهيد في تاريخ البشرية الإمام أبي عبد الله الحسين صانع تلك الملحمة الخالدة و موقظ الأمة الإسلامية على امتداد التاريخ. و ثانياً أرحب بالإخوة و الأخوات الأعزاء الذين جاءوا من مدينة قم بمناسبة الذكرى السنوية لصحوة أهالي تلك المدينة اليقظين الواعين، و أقاموا هذا الاجتماع المفعم بالصفاء و الصميمية.قضية التاسع عشر من دي ليست مجرد حدث تاريخي. أهمية هذا الحدث تعود إلى أن شريحة من الشعب الإيراني - و هم أهالي قم الأعزاء - شعروا بوقوع شيء معين قبل وقوعه. ساعدهم حس اليقظة و الوعي لديهم كي يطلقوا تياراً هائلاً في البلاد. قضية توجيه إهانة للإمام الجليل في إحدى الصحف و بقلم أحد مرتزقة البلاط الطاغوتي لم تكن شيئاً على جانب كبير من الأهمية من وجهة نظر الكثيرين من ذوي النظرات السطحية الظاهرية آنذاك، إذ لم يكن هؤلاء ليشعروا و يدركوا عمق القضية و الجوانب الخفية لهذه المؤامرة. حينما لا يشعر الإنسان بالمؤامرة فمن الطبيعي أن لا يبدي ردود فعل حيالها. لكن أهالي قم و شبابها شعروا بأهمية الحدث و أدركوا مغزاه و فهموه. هذا أهم جانب من هذا الحدث الذي وقع في تاريخ ثورتنا. لو لم تتحلوا أنتم أهالي قم بالوعي و الفهم الذي تحليتم به يومذاك، و لم تخرجوا إلى الشوارع و لم تدافعوا و لم تقدموا الشهداء، و لم تفضحوا نظام الطاغوت تلك الفضيحة المنقطعة النظير، لربما لم يكن سياق الكفاح الثوري قد سار و وقع بالشكل الذي سار فيه و استمر. نقطة البداية مهمة جداً و هي ليست بالشيء الذي تأتي به الصدفة، إنما ينبع من فهم و إدراك حدث تختفي الكثير من أبعاده عن الأعين. و قد توفرت هذه الميزة في حدث التاسع عشر من دي في قم و الذي أثبت أن أهاليها يتحلون بالوعي الصحيح لقضية و حالة سوف تأتي مستقبلاً، أي إنهم فهموا المؤامرة، و علموا ما الذي سيقع بعد هذه المقالة التي نشرت في الصحيفة ضد الإمام (رضوان الله تعالى عليه). و لأنهم فهموا المؤامرة لذلك أبدوا ردود الفعل حيالها.و هذا هو الدرس اليوم أيضاً. الحاسة الإنسانية العميقة لشعب من الشعوب يجب أن تشعر بالأحداث قبل وقوعها و تفهم أي شيء سوف يقع فيبدي الشعب بذلك ردود الفعل المناسبة. و حينما ننظر على طول تاريخ الإسلام نجد أن عدم توفر هذا الإدراك و الحس السياسي السليم أبقى الشعوب نائمةً على الدوام و مكّن أعداء الشعوب من أن يلحقوا بها كل ما يحلو لهم و هم آمنون من ردود أفعالها.انظروا لحادثة كربلاء من هذه الزاوية. الكثير من المسلمين في نهايات الستين عاماً بعد الهجرة - أي الخمسين عاماً بعد رحيل النبي الأكرم - لم يكن لديهم تحليل صحيح لما يجري. و لأنهم يفتقرون للتحليل لذلك لا يبدون رد الفعل المناسب. لهذا كانت الساحة مفتوحة أمام الذين يريدون اجتراح أي انحراف في مسيرة الأمة الإسلامية من دون أن يصدهم أحد. و وصل الأمر إلى درجة أن شخصاً فاسقاً فاجراً سيئ الصيت و مفضوحاً - شاب لا تتوفر فيه أي من شروط الحاكم الإسلامي و خليفة الرسول، بل كان في الاتجاه المعاكس لسيرة الرسول في أعماله و ظاهره - يصبح قائد الأمة الإسلامية و البديل للرسول! لاحظوا كم يبدو هذا الشيء عجيباً في أنظاركم اليوم؟ لكنه لم يبدُ عجيباً في أنظار الناس في لك العهد. لم يشعر الخواص بالخطر. و البعض ممن شعروا بالخطر ربما، لم تسمح لهم مصالحهم الشخصية و طلبهم للعافية و الراحة أن يبدوا رد فعل معين. جاء الرسول بالإسلام ليهدي الناس إلى التوحيد، و الطهر، و العدالة، و سلامة الأخلاق، و الصلاح العام للمجتمع الإنساني، و يجلس اليوم مكان الرسول شخص غارق في الفساد و الفسق، و لا يعتقد بأصل وجود الله و توحيده. بعد خمسين عاماً على رحيل الرسول يتولى زمام الرئاسة مثل هذا الشخص! هذا الأمر يلوح لكم اليوم عجيباً جداً، لكنه لم يكن كذلك في أعين الكثير من الناس يومذاك.. عجيب.. أصبح يزيد خليفة و نشروا الجنود الغلاظ الشداد في أنحاء العالم الإسلامي ليأخذوا له البيعة من الناس. و سار الناس جماعات جماعات و بايعوا.. العلماء بايعوا، و الزهاد بايعوا، و النخب بايعوا، و رجال السياسة بايعوا.ما الذي ينبغي فعله في مثل هذا الظرف حيث تسود الغفلة على العالم الإسلامي إلى حد أن الناس لا يشعرون بالخطر؟ ما الذي يجب أن يفعله شخص كالحسين بن علي و هو مظهر الإسلام و نسخة بلا تغيير عن رسول الإسلام الكريم - حسين منّي و أنا من حسين - في مثل هذه الظروف؟ عليه أن يفعل ما يوقظ العالم الإسلامي لا في ذلك الأوان فقط بل على امتداد القرون التالية.. عليه أن يوعّيه و يهزّه و يحركه. هذه الهزة ابتدأت بثورة الإمام الحسين. أما أن الإمام الحسين دعي للحكومة في الكوفة فسار إليها، فهذه ظواهر الأمر و ذرائعه. حتى لو لم يدع الإمام الحسين (عليه السلام) لوقعت تلك الثورة. كان يجب على الإمام الحسين أن يقوم بهذا التحرك، ليدل على ما هو الواجب فعله من قبل المسلمين في مثل هذه الظروف. عرض الوصفة على كل المسلمين في القرون التالية. كتب وصفة.. لكن وصفة الحسين بن علي لم تكن وصفة كلام و ألفاظ و أوامر يصدرها لغيره و يبقى هو جالساً في مكانه. كانت وصفة عملية. تحرك بنفسه و دلّ على الطريق. قال نقلاً عن الرسول إذا رأيتم الإسلام قد نبذ جانباً، و الظالمين تسلطوا على الناس و راحوا يغيّرون دين الله و يتعاملون مع الناس بالفسق و الفجور، و لم يقف المرء بوجه هذا الواقع و لم يثر ضده »كان حقاً على الله أن يدخله مدخله«.. هذه وصفة.. هذه هي ثورة الإمام الحسين. لو ضحّى الإمام الحسين بروحه الطاهرة المباركة الغالية، و هي أسمى الأرواح في العالم في سبيل هذه الثورة، لما كانت في نظره ثمناً باهضاً. إذا جرت التضحية بأرواح خيرة الناس و هم أصحاب الإمام الحسين لما كانت ثمناً باهضاً في نظر الإمام الحسين. أسر آل الله و حرم الرسول و شخصية مثل زينب تؤسر بيد الأجانب - كان الحسين بن علي يعلم أنه حينما يقتل في تلك الصحراء فسوف يأسرون هذه المرأة و الأطفال - لم يكن هذا الأسر و هذا الثمن الكبير شيئاً جسيماً ثقيلاً في نظر الإمام الحسين من أجل هذا الهدف. الثمن الذي ندفعه يجب أن يؤخذ بنظر الاعتبار في ضوء ما يتحقق مقابله للإسلام و المسلمين و الأمة الإسلامية و للمجتمع. أحياناً ينفق الإنسان مائة تومان و يكون مسرفاً، و أحياناً ينفق مائة مليار و لا يكون مسرفاً. ينبغي النظر ما الذي نأخذ مقابل ذلك.الثورة الإسلامية كانت عملاً بهذه الوصفة. عمل إمامنا الجليل بهذه الوصفة. مجموعة من الأشخاص ذوي النظرة الظاهرية السطحية - و هم طبعاً أشخاص طيبون، لم يكونوا أناساً سيئين، فقد كنا نعرفهم - قالوا حينها أنه جاء بهؤلاء الشباب إلى الساحة ليقتلوا و تسفك دماؤهم و هم خيرة شبابنا. تصوروا أن الإمام لم يكن يدري أن أرواح هؤلاء الشباب معرضة للخطر. كانوا يتألمون له، و هذا ناجم عن حسابات خاطئة. نعم، قدمنا كل هؤلاء الشهداء و المعوقين في الحرب المفروضة و فجعت كل تلك العوائل.. هذا ثمن كبير، و لكن مقابل ماذا؟ لقد حافظنا على استقلال البلاد، و على راية الإسلام، و على هوية إيران الإسلامية مقابل ذلك الإعصار الهائل. الإعصار الذي أوجدوه لم يكن إعصار صدام. كان صدام الجندي الأمامي في جبهة العدو. و قد وقفت خلفه كل أجهزة و عالم الكفر و الاستكبار. حتى لو افترضنا أنهم لم يشاركوا في هذه المؤامرة منذ البداية فإن مشاركتهم فيها لاحقاً كانت واضحة و جلية. الكل جاءوا و اصطفوا وراء صدام. أمريكا جاءت، و السوفيت يومذاك جاءوا، و الناتو جاء، و البلدان الرجعية التابعة للاستكبار جاءت و منحت الأموال، و المعلومات، و الخرائط، و الإعلام. تحركت هذه الجبهة الهائلة لتقضي على إيران الكبيرة الرشيدة الشجاعة المؤمنة قضاءً تاماً. أرادوا أولاً إخضاع منطقة معينة من قبل شخص صغير و منحط مثل صدام، لتبقى ثانياً في قبضة أمريكا. المصيبة التي أنزلوها طوال مائتي عام ببلادنا و خلقوا كل هذه المشاكل للشعب أرادوا مواصلتها لمائة عام أو مائتي عام أخرى. لكن شعبنا وقف و إمامنا الجليل وقف.. طبعاً قدمنا أرواحاً عزيزة و شهداءً كباراً و شباباً محبوبين، لكن هذا لم يكن ثمناً باهضاً مقابل ذلك المكسب.و كذا الحال بالنسبة لقضية فلسطين اليوم. أوضاع غزة التي تلاحظونها ما هي إلا جزء ظاهري من القضية. أما باطن القضية فهو أن أجهزة الاستكبار التي لا تؤمن بأي من المبادئ الإنسانية ترغب في السيطرة على منطقة الشرق الأوسط.. هذه المنطقة الحساسة الزاخرة بالثروات و ذات الأهمية الجغرافية و الاقتصادية البالغة. و وسيلتها لذلك هي إسرائيل الغاصبة.. الصهاينة المسلطون على فلسطين المحتلة. هذه هي القضية. كل التحركات التي أنجزت في المنطقة طوال الأعوام الأخيرة - من قضايا لبنان إلى قضايا العراق و فلسطين - ممكنة الفهم و التفسير بهذا النظرة.. القضية هي أن هذه المنطقة يجب أن تكون في قبضة أمريكا و الاستكبار، و الاستكبار طبعاً أعم من أمريكا، لكن مظهره الأبرز و الشيطان الأكبر هو الحكومة الأمريكية. يريد الاستكبار أن يستولي على هذه المنطقة و يمسك بها في قبضته. الاستكبار بحاجة لهذه المنطقة و أداته في ذلك هي إسرائيل. كل هذه الأمور و القضايا التي جرت خلال هذه السنوات الأخيرة ممكنة التحليل في إطار هذه النظرة. لاحظتم أن وزيرة خارجية أمريكا قالت في حرب الثلاثة و ثلاثين يوماً إن هذا هو مخاض منطقة الشرق الأوسط! أي إن موجوداً جديداً سيولد من هذا الحدث ألا و هو الشرق الأوسط الذي تريده أمريكا. طبعاً تحقق هذا الحلم الأسود بما نزل على رؤوسهم، فالشجاعة، و اليقظة، و التضحية، و الإيثار، و الجهاد لدى الشباب المؤمن في لبنان صفع لا إسرائيل فقط، بل و أمريكا أيضاً، و كل حماتهم و أتباعهم. و الحال من هذا القبيل في غزة أيضاً.يريدون أن لا يبقى أي عنصر مقاومة في المنطقة. و هم يرون أن الجمهورية الإسلامية هي أساس عنصر المقاومة هذا. و قد فهموا هذه النقطة بصورة صحيحة، فهنا مركز المقاومة.. هنا المكان الذي حتى لو لم تصدر عنه أية مبادرة، و لا أي كلام، فإن مجرد وجود الجمهورية الإسلامية مصدر إلهام لشعوب المنطقة. إنها وجود و هوية تنتصب هكذا في المنطقة على الرغم من أنوف كل القوى الاستكبارية و تتجذر يوماً بعد يوم .. و تزداد قوةً باستمرار. مجرد وجود هذا الهيكل العظيم الشامخ إنما هو شوكة في عيون الاستكبار و مبعث أمل للشعوب. نعم، هنا قطب المقاومة، و لا شك في هذا أبداً. الآخرون أيضاً استلهموا من هنا، لكن لأجل سحق المقاومة استهدفوا أولاً الحلقة الضعيفة.. الحكومة الجماهيرية المنتخبة في غزة.. هذا هو المظلوم الذي تمكنوا منه و راحوا يضربونه. كل من يعتبر - في العالم الإسلامي اليوم - قضية غزة قضية محلية و شخصية فهو نائم تلك النومة التي لوّعت الشعوب لحد الآن. كلا، قضية غزة ليست قضية غزة فقط.. إنها قضية المنطقة، إنما النقطة الأضعف هي هناك في الوقت الحاضر. بدأوا الهجوم من هناك، و إذا نجحوا فلن يتركوا المنطقة لحالها. حكومات البلدان المسلمة المحيطة بتلك المنطقة و التي لا تقدم المساعدات التي يجب أن تقدمها و تستطيع أن تقدمها، إنما ترتكب خطأً.. ترتكب خطأً. كلما ترسخت جذور إسرائيل في هذه المنطقة أكثر كلما تضاعفت هيمنة الاستكبار أكثر، و تفاقم بؤس هذه الحكومات و ضعفها و ذلتها أكثر.. لماذا لا يتفطنون لهذا؟ و الحكومات تجرُّ الشعوب وراءها نحو الذل؟ الحكومة الذليلة المطيعة التابعة تجعل من شعبها مطيعاً ذليلاً تابعاً. لذلك يجب على الشعوب أن تصحو. أثبت شعبنا في هذه القضية يقظته و استعداده. أرى لزاماً عليَّ أن أشكر كل الشعب الذي أبدى موقفه و عزيمته في المظاهرات و المسيرات و الشعارات، و خصوصاً الشباب المؤمن المتحمس الذي سار نحو المطارات في طهران و المدن الأخرى كي يتوجه إلى هناك. لكنّ أيدينا قصيرة.. أيدينا قصيرة.. لو كان بوسعنا أن نتواجد هناك لكان لزاماً علينا أن نتواجد و كنّا سنتواجد فعلاً من دون ملاحظة أحد.. لكن هذا غير ممكن. ليعلم الجميع هذا.. حكومة الجمهورية الإسلامية و مسؤولوها يقدمون لذلك الشعب المظلوم أية مساعدة ممكنة، و قد فعلوا ذلك لحد الآن و سيفعلونه في المستقبل أيضاً، لكن شبابنا شباب متحمس. لقد أثبت جيل شبابنا بموقفه هذا اليوم أنه على شاكلة جيل »كربلاء الخامسة« - و هذه الأيام هي ذكرى كربلاء الخامسة - و جيل »و الفجر الرابعة« و عمليات »خيبر« و »بدر«. شباب اليوم مستعدون للتواجد في الساحة كشباب ما قبل خمس و عشرين سنة و ثلاثين سنة.المال الذي منحته الأجهزة التجسسية و الاستعمارية المعادية لبعض العناصر الداخلية التي باعت أنفسها كي تصرف شبابنا عن هذا الطريق، و تكتب التحليلات و تصوّر هذا الاستعداد بأنه منافٍ للحكمة و المصلحة، ذلك المال ذهب هدراً. شبابنا يسيرون بالاتجاه الذي رسمته لهم الثورة و الإسلام و الإمام الحسين (عليه السلام). هذا هو واقع بلادنا. لكن على الشعوب في العالم الإسلامي أن تسجل تواجدها و عزيمتها بنحو ملحوظ.. يجب أن تطالب الحكومات. بعض الحكومات المسلمة بذلت مساعٍ جيدة لكنها غير كافية. ينبغي فرض التراجع على العدو عبر الضغوط السياسية و الضغوط الشعبية. لاحظوا أن الفاجعة التي تقع اليوم في هذه المنطقة على يد الصهاينة فاجعة نادرة النظير. شخص واحد يقع على الأرض في مكان ما من العالم وإذا بضجيج أجهزة حقوق الإنسان يرتفع، فيزعمون مناصرة حقوق الإنسان كذباً، و نفاقاً، و رياءً، و خداعاً. أما حينما يتساقط الأطفال الصغار، و النساء المظلومات على الأرض في غزة كأوراق الخريف فلا يسمع لهم أي نفس. لقد فضح الله تعالى أدعياء حقوق الإنسان هؤلاء، سواء في منظمة الأمم المتحدة، أو في ما يسمى بمنظمات الدفاع عن حقوق الإنسان، أو في الحكومات التي تدعي ذلك. أصبحت حقوق الإنسان لقلقة لسان الحكومات الأوربية! أية حقوق إنسان!؟ أنتم لا تؤمنون بحقوق الإنسان. أنتم تكذبون. تذكرون اسم حقوق الإنسان رياءً و نفاقاً. و إلا كيف يمكن أن يرى رئيس الحكومة الأوربية الفلانية هذه الأحداث و لا يتهجّم على إسرائيل لو كان مؤمناً بحقوق الإنسان؟ و الأسوء من ذلك هم بعض مثقفي العالم الإسلامي. فساد الصحافة و الأجهزة الخبرية و الثقافية في العالم الإسلامي فساد مؤسف جداً. يكتبون التحليلات في الصحافة و الجرائد ضد الحكومة القانونية الحالية في فلسطين لكي يبرروا جرائم الصهاينة! الله تعالى لن يتجاوز عن هؤلاء. و في داخل إيران أيضاً توجد مثل هذه الحالات بدرجات معينة. طبعاً الرأي العام الحاسم للشعب في داخل إيران و الانسجام بين الشعب و الحكومة في هذا الاتجاه لا يسمح للبعض بمتابعة ذلك الخط المغلوط المخادع الخياني، و إلا ربما كان البعض قد تمادى أكثر من ذلك في إبداء مواهبه! التواجد الحاسم للشعب و الانسجام بين الجماهير و الحكومة في الشعارات لا يسمح لهم بذلك. لكن هذا يحدث للأسف في البلدان الأخرى. ما هي حصيلة هذه الأحداث و نتائجها؟ إنها بكلمة واحدة لا شك فيها: انتصار الحق على الباطل.حتى لو استطاع العدو لا سمح الله أن يقتل المجاهدين الفلسطينيين - الذين يدافعون اليوم في صفوف حماس دفاعاً مستميتاً و يقاتلون بعزيمة و إرادة راسخة - واحداً واحداً، فلن تدفن القضية الفلسطينية بهذه الفجائع التي ترتكب. إنما ستنتصب يقيناً بقامتها الفارعة و تجاربها الماضية أقوى بكثير بكثير من الماضي، و ستطرق على رؤوسهم و تنتصر عليهم. ينبغي على شعبنا المسلم المحافظة على هذا العزم الراسخ في ذهنه و قلبه، و أن يغتنم هذه البصيرة و الوعي الذي حظي به، و يحافظ على تواجده، و يعرب بوضوح عن مواقفه و يعلنها للعالم أن الجمهورية الإسلامية صامدة على مواقفها المناهضة للظلم، و ستقاوم و تضحي من أجلها، و لا ريب أن ما ستحصل عليه أغلى و أثمن بكثير مما ستفقده. و لا شك أن الأرواح الطاهرة لشهدائنا الأبرار و الروح المطهرة لإمامنا العظيم ستسند الشعب الإيراني و ستسند هذا الجهاد و الدفاع المستميت، و ستحتفل جميع الشعوب المسلمة بالنصر إن شاء الله في المستقبل غير البعيد.شملنا الله جميعاً بأدعية سيدنا بقية الله (أرواحنا فداه) و جعلنا من الأتباع الحقيقيين للحسين بن علي (عليه السلام).و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
2009/01/07

كلمة الإمام الخامنئي بمناسبة عيد الغدير السعيد

بسم الله الرحمن الرحيمأولاً أبارك لكم أيها الحضور الأعزاء و لكل شعبنا المؤمن و للعالم الإسلامي عيد الغدير السعيد الذي يشكل جزءاً كبيراً من هوية شيعة الأئمة (عليهم السلام) و قد شعر الشيعة رجالاً و نساءً على مدى سنين و قرون طويلة بهويتهم بفضل ذكرى هذا اليوم و هذا الحدث. و أرحب بكم أيها الإخوة و الإخوات الأعزاء، لا سيما الإخوة و الأخوات الذين تفضلوا بالمجيء من طرق بعيدة و مدن مختلفة و كذلك بعوائل الشهداء الكريمة.الغدير من القضايا التي يساعد التفكير حولها اليوم مجتمعنا الإسلامي و خصوصاً شعبنا و بلادنا يساعدهم كثيراً على أن لا يضيّعوا طريق الحركة الصحيح. أذكر نقطتين أو ثلاثاً حول قضية الغدير.النقطة الأولى هي حادثة الغدير ذاتها. شهد العالم الإسلامي في زمن الرسول الأكرم و كان قد أتسع نسبياً، أمراً على جانب كبير جداً من الأهمية، ألا و هو إعلان خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. ليس الشيعة فقط هم من رووا حادثة الغدير، فكثيراً ما روى محدثو أهل السنة و كبار أهل السنة أيضاً هذا الحدث، بيد أن فهمهم للمسألة كان مختلفاً في بعض الأحيان. لكن أساس هذه الحادثة يعدّ من المسلمات بين المسلمين. وقع هذا الحدث و هو تعيين خليفة للرسول في الأشهر الأخيرة من عمره أي قبل نحو سبعين يوماً من وفاته. و الحقيقة أن هذا الحدث يدل على أهمية قضية الحكومة و السياسة و ولاية أمر الأمة الإسلامية من وجهة نظر الإسلام. حينما يشدد إمامنا الجليل و الكثير من كبار الفقهاء قبله على قضية الوحدة بين الدين و السياسة و أهمية قضية الحكم في الدين، فلهذا جذوره في تعاليم الإسلام و من ذلك درس الغدير الكبير. هذا دليل على أهمية الموضوع. كل الذين يفهمون هذا المعنى من حادثة غدير خم - أي نحن الشيعة و حتى كثير من غير الشيعة ممن شعروا أو فهموا هذا المعنى من حادثة الغدير - عليهم التنبّه في جميع عصور التاريخ الإسلامي إلى أن مسألة الحكومة مسألة أساسية و مهمة و في المرتبة الأولى في الإسلام. لا يمكن عدم الاكتراث لقضية الحكومة و السيادة. و دور الحكومات في هداية الناس أو تضليلهم قضية تدل عليها التجربة البشرية. كل هذا التأكيد على قضية إدارة البلد الإسلامي في نظام الجمهورية الإسلامية، سواء في الدستور أو في سائر معارف الجمهورية الإسلامية، يعود إلى هذه الجذور العميقة و العريقة جداً لهذه القضية في الإسلام. هذه نقطة يجب أن لا تغيب عن البال.النقطة الأخرى إلى جانب هذه القضية هي أن رسول الإسلام عيّن علي بن أبي طالب أمير المؤمنين (عليه الصلاة و السلام) في واقعة الغدير. فما هي الخصائص التي عرف بها عليّ في تلك الفترة من حياته و في الفترات اللاحقة؟ هذه الخصائص هي المعيار بالنسبة لنا؟ أولى خصائص الإمام أمير المؤمنين هي حبه و التزامه برضا الله و السير على الصراط المستقيم مهما كانت الصعاب و مهما تطلب ذلك من جهد و جهاد. هذه هي أبرز سمات الإمام أمير المؤمنين.أمير المؤمنين إنسان لم يتراجع للحظة واحدة و في أية قضية حتى خطوة واحدة في سبيل الله و من أجله منذ أوان طفولته و حتى لحظة استشهاده، و لم يعتره التردد و الشك، و نذر كل كيانه في سبيل الله و قدمه إلى الميدان. بلّغ و دعا يوم كان عليه أن يبلغ و يدعو، و يوم كان عليه أن يضرب بالسيف، ضرب بالسيف بين يدي الرسول و لم يهب الموت. و صبر يوم كان عليه أن يصبر. و يوم كان عليه أن يمسك بزمام السياسة أمسك بزمام السياسة و خاض غمار الساحة السياسية. و أبدى في كل هذه العهود و الفترات كل ما تقتضيه التضحية. مثل هذا الشخص يضعه الرسول الأكرم على رأس المجتمع الإسلامي.. و كان هذا درساً.. هذا درس للأمة الإسلامية، و ليس مجرد ذاكرة تاريخية و ذكرى تعود للقرون الماضية. في هذا دلالة على أن المعايير و الملاكات لإدارة المجتمع الإسلامي و المجتمعات الإسلامية و الأمة الإسلامية هي هذه: العبودية لله، و الجهاد في سبيل رضا الله، و تقديم الروح و المال فداءً لذلك، و عدم التهرب من أية مصاعب أو مشاكل، و الإعراض عن الدنيا. هذه القمة هي أمير المؤمنين. المؤشر و المعيار هو أمير المؤمنين. هذا هو درس الغدير الكبير.لننظر للعالم الإسلامي و الحكومات الإسلامية، و على مستوى العالم و الإدارات السياسية في العالم و نرى كم هو البون بين ما عرضه الإسلام على الإنسانية و بين ما هو قائم اليوم على أرض الواقع. الخسائر التي تتحملها الإنسانية يعود شطر كبير منها إلى هذه المسألة. يرى الإسلام أن سعادة الإنسانية تستدعي إدارة من نوع إدارة أمير المؤمنين، و أمير المؤمنين في هذا المجال تلميذ الرسول و تابعه. الإمام علي نفسه حينما جرى الحديث عن زهده قال أين زهدي من زهد الرسول!؟ الإمام أمير المؤمنين تلميذ رسول الله المميّز الكبير في الجهاد، و في الصبر، و في كل هذه الأمور. مثل هذا الشخص هو الجدير، و علينا جميعاً اعتباره نموذجاً و قدوة، لا لبلادنا و حسب، بل للعالم الإسلامي برمته.مثل هذا الإنسان المتسامي الكبير غير الآبه للدنيا و لأموالها و بهارجها، و المستعد للتضحية في سبيل الحق و الحقيقة هو القادر على إنقاذ المجتمعات البشرية الكبرى.. شخص لا يستسلم للنـزوات النفسانية و لا تجعله المصالح الشخصية التافهة ينهزم أمام أحداث الحياة الكبرى. حين نقول مراراً إن رسالة الإسلام و رسالة الجمهورية الإسلامية للعالم رسالة جديدة فهذا هو معنى قولنا. و هذا نموذج بارز لها.لاحظوا مستوى حياة البشرية في العالم راهناً.. رؤساء البلدان، و مدراء شؤون السياسة بين الشعوب، أيهم على استعداد لغض الطرف عن مصالحه الشخصية حين تكون هذه المصالح متاحةً لهم و بوسعهم تأمينها؟ أيهم على استعداد للتضحية بأرواحهم في سبيل مصلحة شعوبهم و بلدانهم؟ أيهم على استعداد لسحق الاعتبارات و الملاحظات؟ الفقر الكبير الذي تعاني منه البشرية اليوم هو في جانب منه هذا الفقر لمثل هؤلاء الرجال الذي عرض الإسلام على الإنسانية نموذجهم السامي. طبعاً من الواضح أن الوصول إلى تلك القمة ليس في مقدور أبناء البشر العاديين. ليس بوسع أحد الحياة و السلوك مثل الإمام أمير المؤمنين.. هذا طموح لا يتحقق. بيد أن القمة تكشف لنا عن الاتجاه. ينبغي السير نحو تلك القمة و التشبه بها و الاقتراب منها. هذه هي النقيصة و الثغرة الكبرى التي تعاني منها البشرية. إنها نقطة موجودة و متوفرة في حادثة الغدير. هذه أيضاً قضية ينبغي التنبه لها؛ رسالة الغدير للعالم رسالة نموذج الحكومة الإسلامية.إنسان شديد و قاطع للغاية مع العدو و مع الحالات الانتهازية في سبيل الله، لكنه متواضع و ترابي و صبور مع المظلومين و الضعفاء إلى درجة لا يصدق معها أحد أنه أمير المؤمنين. في بداية دخول أمير المؤمنين للكوفة حيث لم يكن الناس يعرفونه، كان سلوكه، و ثيابه، و أسلوبه بحيث لا يعلم أحد حينما يمشي الإمام في الأزقة و الأسواق أن أمير المؤمنين بكل تلك العظمة هو هذا الشخص الذي يمشي بنحو جد طبيعي و عادي. متواضع صبور ترابي لهذه الدرجة مع الناس الضعفاء و العاديين، و حاسم صامد كالجبل أمام الأعداء الغادرين العتاة.. هذه قدوة.أذكر نقطة أخرى حول الغدير. قضية الغدير بالنسبة لنا نحن الشيعة هي أساس العقيدة الشيعية. نحن نعتقد أن الإمام علي بن أبي طالب هو إمام الحق للأمة الإسلامية بعد الكيان المقدس لنبي الإسلام المكرم (صلى الله عليه و آله و سلم).. هذا هو الأساس و الرصيد الرئيسي لعقيدة الشيعة. واضح أن إخوتنا السنة لا يوافقون هذه العقيدة، و ينظرون و يفكرون بنحو آخر. إلا أن قضية الغدير هذه تعد في جانب منها سبباً لاجتماع الأمة الإسلامية، و هذا الجانب هو شخصية الإمام أمير المؤمنين. ليس ثمة اختلاف بين المسلمين حول شخصية هذا الإنسان الكبير المتسامي و عظمته. الجميع ينظرون لأمير المؤمنين بتلك المراتب السامقة السامية التي يجب النظر إليه فيها من حيث العلم، و التقوى، و الشجاعة. أي إن أمير المؤمنين هو ملتقى عقيدة جميع أبناء الأمة الإسلامية.ما يلزم أن نتفطن له اليوم هو أن الشيعة حافظوا على هذه العقيدة طوال قرون متمادية كمحافظتهم على أرواحهم العزيزة. رغم كل العداوات التي شنت - و الجميع يعلمون تقريباً بهذه العداوات، و كم مارسوا من الظلم و الضغوط و القمع و الإرهاب - بيد أن الشيعة حافظوا هذه العقيدة و أشاعوا معارف التشيع، و فقه الشيعة، و كلام الشيعة، و فلسفة الشيعة، و علوم الشيعة، و حضارة الشيعة، و فكر الشيعة الرفيع، و عظماء الشيعة و كبراؤهم كانوا على مر التاريخ الإسلامي عناصر متألقة ساطعة. إذن، هذه عقيدة حافظ عليها الشيعة و سيحافظون. و لكن تنبهوا إلى أن هذه العقيدة يجب أن لا تكون سبب معارك و نزاعات هذا هو ما قلناه و كررناه لسنوات و نعود و نكرره. نحن نرى أية نوايا يحملها الأعداء و ما هي مقاصدهم الخبيثة من أيجاد الخلافات بين أبناء الأمة الإسلامية بعناوين مختلفة منها عناوين الشيعة و السنة. العدو هو عدو الإسلام، عدو القرآن، عدو القواسم المشتركة، عدو التوحيد، و ليس عدو جزء من الإسلام. يحاول العدو بث العداوات بين الأمة الإسلامية. يفهم كم هو مضر بالنسبة له اتحاد العالم الإسلامي. لاحظ العدو كيف استطاعت عظمة الثورة الإسلامية في إيران و ألقها حينما انتصرت، أن يستقطب القلوب في العالم الإسلامي.. القلوب التي لم تكن شيعية. الملايين من الإخوة أهل السنة في البلدان العربية، و البلدان الأفريقية، و الآسيوية انجذبوا للثورة و تضرر العدو من هذه الناحية. تضرر العدو من اتحاد القلوب و توجه أفئدة المسلمين نحو الجمهورية الإسلامية، و يريد القضاء على هذه التوجه.. كيف؟ بإيجاد العداوة بين الشيعة و السنة.من الجوانب المهمة للسياسة الاستكبارية في منطقتنا الآن - فضلاً عن صنوف العداء الأخرى التي يبدونها - هي أن يصطحبوا معهم رؤساء بعض البلدان العربية و يضعوهم مقابل الشعب الإيراني في مختلف القضايا و الأمور.. في القضية النووية و غيرها من القضايا.. يعقدون الاجتماعات و يجلسون و يتعاملون و يتآمرون. تطالب أمريكا بعض البلدان الإسلامية و تسألهم ما السهم الذي أنتم مستعدون لتولّيه في مواجهة إيران. يسعون لإيجاد العداوة. الشيء الذي يستطيع العدو فعله في المحافل و القرارات السياسية هو دفع رؤساء الدول نحو مواجهة الجمهورية الإسلامية.. لا يستطيعون أكثر من هذا. ليس بمقدور العدو تغيير قلوب الشعوب - قلوب الشعوب في البلدان العربية و الإسلامية، قلوب الشعب الفلسطيني، و قلوب الشعب العراقي - ضد الجمهورية الإسلامية.. لا يقدرون على القلوب. أقصى ما يستطيعون فعله هو وضع الحكومات بوجه الجمهورية الإسلامية. طبعاً لكل واحدة من تلك الحكومات ملاحظاتها و اعتباراتها، و هي ليست على استعداد لتسليم نفسها بالكامل للصهاينة و الاستكبار في هذه القضية. لكنهم لا يستطيعون التأثير في قلوب الناس. ما الشيء الذي يؤثر في قلوب الناس؟ ما الشيء الذي بوسعه فصل أفئدة العالم الإسلامي عن الجمهورية الإسلامية و شعب إيران؟ هذه الخلافات و العصبيات الطائفية. هذا هو ما يمكنه الفصل بين القلوب، و هو ما ينبغي الخوف منه.. هذا ما ينبغي الخوف منه. الجميع يتحملون مسؤولية الحذر و المراقبة. أن يكتبوا الكتب في العالم الشيعي ضد الإخوة السنة، و في العالم السني ضد الإخوة الشيعة، و يوجهوا التهم و الإساءات فهذا لن يحوِّل أي شيعي إلى التسنن، و لن ينقل أي سني إلى التشيع. الذين يرغبون في أن يميل كل الناس في العالم الإسلامي لمحبة أهل البيت و ولايتهم ليعلموا أنه ليس بالإمكان استقطاب أي إنسان للتشيع و لولاية أهل البيت عبر شن المعارك و الشجارات و توجيه الإهانات و إعلان العداوات. شن الشجارات ليس له من أثر سوى البغضاء و الفصل و العداوة، و هذه البغضاء، و العداء، و الفصل هو ما تريده اليوم أمريكا و يسعى من أجله الصهاينة. تلاحظون أن تلفزيون بلد أوربي غير مسلم و عدو تاريخي و أساسي للبلدان الإسلامية يبث مناظرات بين الشيعة و السنة. يدعون شخصاً من الشيعة و شخصاً من السنة للمناظرة في هذا التلفزيون. ما هو قصدهم؟ بلد مسيحي مستعمر ذو ماضٍ أسود ما هو هدفه من تنظيم هذه المناظرات؟ هل يريد أن تنجلي الحقيقة؟ هل يريد لمستمعيه و متلقيه أن يدركوا الحق في مطاوي هذه المباحثات و المناظرات؟ أم يريد تأجيج نيران الخلافات عبر هذه الحوارات و ما يمكن أن يصدر عن بعض الأفراد خلال هذه الحوارات؟ إنه صبّ للزيت على النار. هذه أمور يجب أن توقظنا و تعيدنا إلى أنفسنا و وعينا. للشيعة منطق قوي. براهين متكلمي الشيعة و علمائهم حول قضايا التشيع براهين فولاذية متينة، بيد أن هذا لا صلة له بتوجيه الإساءات و الإهانات و بث العدوان في العالم الشيعي ضد مخالفيهم، و يحصل الشيء نفسه من الطرف المقابل و تتصاعد نيران العداء و الشجار. نحن على اطلاع، و أنا على اطلاع اليوم و كنت على اطلاع في الماضي أيضاً أن هناك أموالاً تنفق كي يكتب هؤلاء كتب سباب و شتائم و تهم ضد أولئك، و يكتب أولئك كتب سباب و شتائم و تهم ضد هؤلاء.. و هناك مركز واحد يمنح الأموال للطرفين.. أموال الكتابين و نفقات نشر الكتابين تخرج من جيب واحد. أليست هذه أموراً تدعو إلى الحذر و التيقظ؟ ينبغي التنبه لهذه الأمور.أقول هذا اليوم ببركة ولاية أمير المؤمنين و باسم هذا الإنسان الكبير و استمداداً من روحه الكبير ليكون تأكيداً لما قاله إمامنا الجليل طوال سنين متمادية، و ما قلناه نحن: لا يظنن أحد في مكانٍ ما أنه يدافع عن التشيع و يخال أن الدفاع عن الشيعة يكمن في أن يستطيع تأجيج نيران العداء بين الشيعة و غير الشيعة. هذا ليس دفاعاً عن الشيعة و لا دفاعاً عن الولاية. إذا أردتم باطنه فهو دفاع عن أمريكا و عن الصهاينة. لا إشكال إطلاقاً في البراهين المنطقية.. ليكتبوا الكتب و يسوقوا البراهين، و قد كتب علماؤنا و لا يزالون لحد اليوم. لدينا في الفروع و في الأصول و في كثير من المسائل آراؤنا الشيعية المستقلة، ليبرهنوا عليها و يبينوها، و ليرفضوا ما سواها بالبراهين المنطقية أيضاً، لا مانع في هذا إطلاقاً. بيد أن هذا غير الإهانة و الإساءة و خلق العداوات.. يجب التنبه لهذه النقطة.اللهم، بمحمد و آل محمد أيقظ قلوبنا، و لا تقصِّر أيدينا عن الاعتصام بأمير المؤمنين عليّ. تفضّل علينا و على الأمة الإسلامية بصبره، و جهاده، و إخلاصه. ربنا أحينا بولاية أمير المؤمنين و أمتنا على ولاية أمير المؤمنين.. أرضِ عنا القلب المقدس لإمامنا صاحب العصر و الزمان.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
2008/12/16

كلمة الإمام الخامنئي في جامعة »علم و صنعت«

بسم الله الرحمن الرحيمأنا مسرور جداً و أشكر الله لأن وفقنا اليوم للحضور بينكم أيها الأعزاء في هذه الجامعة الكبيرة المهمة. الطلبة الجامعيون الأعزاء و كذلك الأساتذة المحترمون و مسؤولو هذه الجامعة حاضرون هنا، و جامعة »علم و صنعت« و الحمد لله من الجامعات ذات المفاخر العلمية و المفاخر الثورية أيضاً. إذا اعتبرنا إحدى الوظائف المهمة للجامعات إعداد الكوادر الصالحة المميزة المفيدة لإدارة مرافق البلاد و للمشاركة المؤثرة في شؤون البلاد - و هذا هو الصحيح إذ من المتيقن أن هذه إحدى واجبات الجامعات - فإن جامعتكم من أكثر الجامعات تقدماً و ريادة على هذا الصعيد. يمكن ذكر لائحة طويلة من خريجي هذه الجامعة مارسوا أدواراً مهمة في مرافق البلاد المختلفة طوال هذه الأعوام. و كنموذج لهؤلاء، طالما ذكر الأحبّة الشهداء في هذا الاجتماع، أذكر أنا أيضاً القائد الرفيع الشأن و الخالد الأثر الحاج أحمد متوسليان و قد عرفت هذا الرجل المميز عن قرب، و شاهدت أعماله و معنوياته و جهوده، و قد كان من الشخصيات البارزة في ملحمة الدفاع المقدس - أرى أن تقرأوا، خصوصاً أنتم الشباب الأعزة، سير هذه الشخصيات البارزة الزاخرة بالدروس لنا، و لا سيما تلك الأجزاء المتعلقة بالعمليات التي خاضها هذا القائد العزيز، سواء في الغرب، أو في عمليات الفتح المبين، أو في عمليات بيت المقدس - و كذلك الشهيد محمود شهبازي الذي رافق هذا الرجل الكبير دوماً.. هؤلاء من المفاخر الكبرى و من خريجي هذه الجامعة. و اليوم أيضاً و لله الحمد كان رئيس الجمهورية الثوري الملتزم الكفوء الناشط و الشجاع من طلبة هذه الجامعة و من أساتذتها. هذه السوابق جد مميزة و جيدة لهذه الجامعة.مع أن الأساتذة الأعزاء حاضرون اليوم في الجلسة بيد أن كلامي موجّه في غالبه للطلبة الجامعيين، و مع ذلك سأتطرق لنقاط حول قضايا عامة تهمّ الأساتذة الأعزاء بالتأكيد.. سوف أقسّم الوقت و أتناول بأختصار نقاطاً حول قضية الحالة الطلابية و دور الطلبة الجامعيين و هي باعتقادي من القضايا المهمة في البلاد. ثم أحاول على نحو الإيجاز أن أعيد قراءة الثورة من حيث التاريخ ومن حيث المضمون في نهاية عقدها الثالث. بعدها سأذكر نقاطاً مختصرة حول قضايا التقدم و العدالة و قد ذكرنا أن العقد الرابع هو عقد التقدم و العدالة.الاجتماعات الجامعية - اللقاء بالطلبة الجامعيين - محببة و طيبة جداً بالنسبة لنا، إذ تسودها أجواء الصدق و الإخلاص، كما أن للطالب الجامعي دوره الأساسي في تشكيل الحاضر و المستقبل. هذا هو الشيء الذي اعتقد أن طلبتنا الجامعيين يجب أن لا يغفلوه أبداً. للطالب الجامعي دوره سواء في حاضر البلاد أو في غدها و مستقبلها.العنصر الذي يكتسب قيمة إضافية خارقة بهمته و سعيه و بتوجيه الأساتذة و مساعدتهم في هذا المصنع العظيم هو الطالب الجامعي. و لا شك أن الجامعة وفق هذه النظرة هي أهم البنى التحتية لتقدم البلاد و تنميتها، أي إن أياً من البنى التحتية الأخرى للبلاد لا تمتاز بأهمية الجامعة و دورها. ذلك أن الجامعة تخرِّج الكوادر و الطاقات البشرية، و الطاقات البشرية أعظم أرصدة البلاد. المتوقع من الجامعة دوماً و في كل مكان هو أن تكون قطباً لتدفق و تألق تيارين حيويين في البلاد: الأول تيار العلم و البحث العلمي، و الثاني تيار النـزعة المبدئية و نشدان المُثُل و رسم الأهداف السياسية و الاجتماعية. نادراً ما نجد و ربما لا نجد بيئة كالجامعة يتفجر فيها هذان التياران بهذه الشدة و بموازاة بعضهما.. تيار العلم و البحث العلمي الحيوي جداً للمجتمع و لعزة المجتمع، و العزة العلمية تستتبع وراءها العزة الاقتصادية و العزة السياسية و العزة الدولية.. هذا التيار موجود في الجامعات.. و هناك أيضاً قضية النـزعة المبدئية التي لا صلة لها بقضية العلم في ظاهر الأمر، لكن المتوقع من الجامعات في كل العالم و بسبب وجود الطلبة الجامعيين فيها أن تنشط و تعمل في حيز رسم المبادئ و الميل لهذه المبادئ و اكتسابها و الوصول إليها. هذا شيء يرتبط بالطالب الجامعي خصوصاً فشبابية الطالب الجامعي و سنّه و استعداده الروحي يجعل الجامعة في هذا الموقف. هذا هو المتوقع من الجامعة. طبعاً تتم تلبية هذا التوقع في بعض الحالات، ولا تتم تطلبيته في حالات أخرى.بخصوص التيار الأول - تيار العلم و البحث العلمي - ينبغي القول إنه كان سارياً في بلادنا في الماضي بدرجات متفاوتة. لا يمكن إنكار التحرك الجامعي قبل الثورة بالمرة. يمكن تسجيل بعض المؤاخذات عليه، لكن كانت هناك بالتالي تحركات معينة. و كانت هناك عناصر مخلصة و متشوقة و عالمة مارست دورها في الجامعات، إلا أن الحركة العلمية في الجامعات تسارعت بعد الثورة، و لهذا أسبابه طبعاً.في السنوات الأخيرة حيث أطلقت قضية إنتاج العلم و نهضة إنتاج العلم، و النهضة البرمجية، و العودة إلى الذات، و الاهتمام بالبحث العلمي في الجامعات، حدثت قفزة في هذه الحركة. و أنجزت مشاريع مهمة في جامعاتنا تتعلق ببعض المجالات العلمية و التقنية التي تلاحظون نماذج منها حالياً، و في مجال العلوم الطبية، و في مجال العلوم الحديثة، و على مستوى العلوم الذرية، و في مضمار النانو و غير ذلك.. و هي إنجازات لم يكن هناك في الماضي حتى من يتصور أننا قادرون على إنجازها و أن باحثينا، وأساتذتنا، و طلبتنا الجامعيين، و شبابنا قادرون على الوصول لهذه المحطات العلمية و اجتراح هذه القفزة.. لكنها حصلت اليوم.. المهم هو استمرار هذه القفزة. نحن مصابون بتخلف مزمن في المجال العلمي. المهم هو الاستمرار في التحرك السريع. علينا مواصلة هذه السرعة التي تتميز بها حركتنا العلمية لسنوات طويلة.. ليس من الجائز إطلاقاً أن نتوقف، لأن تأخرنا عن العالم المتقدم علمياً تأخر شاسع و ملحوظ.. هذا ما نعلمه و نفهمه و نعاني منه. و السبب هو أن شعبنا ليس شعباً بدرجة ذكاء دون المتوسط كي نقول إن هذا هو استحقاقنا. شعبنا شعب له درجة ذكاء أعلى من المتوسط. هذا كلام تم إثباته و الكل يقولونه و يذكرونه، و يمكن مشاهدة آثاره و دلائله. و سابقتنا العلمية و تاريخنا العلمي يؤيد ذلك. إنه لمما لا يمكن أن يطاق أن يتصف هذا الشعب و في هذه المنطقة الحساسة من العالم بهذا التأخر و الفقر العلمي الذي فرضوه عليه. نشكر الله على أن فتح أعيننا على هذا التأخر و فهمنا أننا نعاني من هذا الفقر، و نشكر الله لانبثاق هذه الهمم و التشوق و التفاؤل عندنا في أننا نستطيع التغلب على هذا التأخر. إذن، يجب مواصلة هذا التعجيل و هذه القفزة لسنوات مديدة.قلنا إن البلاد يجب أن تبلغ العزة العلمية. و ينبغي أن يكون الهدف المرجعية العلمية في العالم كما قلنا مراراً. أي كما أنكم تضطرون الآن لمراجعة علماء و كتب تنتمي لبلدان أخرى من أجل حيازة العلم و النتائج العلمية، كذلك يجب علينا الوصول إلى حيث يضطر طالب العلم و المعرفة إلى مراجعتكم و مراجعة كتبكم و إلى إتقان لغتكم كي يقدر على الانتفاع من علومكم. هذا ما يجب أن يعدّ هدفاً، و هو ليس أملاً تبسيطياً، بل هو شيء علمي. الموقع الذي وصلنا إليه راهناً من الناحية العلمية و التقنية كان يعدُّ في يوم ما أملاً ساذجاً تبسيطياً.لو قيل قبل الثورة - قبل أن تتفجر هذه الحركة و الشوق لدى الجماهير و قبل أن يشعر شعبنا بالشجاعة حيال الموانع و العقبات - إن بلادنا ستستطيع بلوغ هذا الموضع من التطور في الميادين العلمية المختلفة، لما صدق أحد ذلك. يوم كان الناس مضطرين للسفر إلى الخارج من أجل معالجة مرض عادي يعالج اليوم بسهولة في مستشفيات الدرجة الثالثة و الرابعة في مدننا البعيدة، و كانوا مضطرين هناك لإنفاق الكثير من الأموال و تحمل الكثير من المنّة - و هذا لا يعود للماضي القديم، إنما لسنوات ما قبل الثورة - في ضوء الواقع الذي نعيشه اليوم في العلوم و القطاعات المختلفة، لا شك أنه كان مستحيلاً في نظر الكثيرين؟ لكن شعبنا توصل إليه و شبابنا توصلوا إليه. و القضية النووية من هذا القبيل؛ و المسائل المختلفة في الحقول العلمية المختلفة من هذا القبيل.إذن، من الممكن أيضاً أن يأتي يوم تقود فيه بلادنا و شعبنا قافلة العلم بحيث تصبح إيران مرجعاً علمياً في العالم. طبعاً لهذا مقدمات لا بد من اجتيازها و قد بدأت هذه المقدمات فعلاً. من هذه المقدمات الوعي بذاتنا و شعورنا بوجوب القضية و إحساسنا بأننا قادرون. و من المقدمات الأخرى إعداد الخارطة العلمية الشاملة للبلاد بحيث لا تعيش البلاد حالة الحيرة و الضياع من حيث تحصيل العلوم و دراستها. و قد أنجزت هذه المهمة لحسن الحظ. هؤلاء الأصدقاء، و الباحثون، و الشخصيات البارزة المتخرجة من الجامعات و من هذه الجامعة استطاعت إعداد الخارطة العلمية الشاملة و هي على وشك الانتهاء و هذه خطوة جد كبير على طريق التطور العلمي للبلاد. طبعاً بعد أن يتم إعداد الخارطة العلمية الشاملة، يجب القيام بأعمال أخرى منها: إيجاد النظام الهندسي لهذه الخارطة، و تحويلها إلى مئات المشاريع العلمية، و تسليم هذه المشاريع لمقاولين أمناء هم في الواقع نفس هذه الجامعات و الأساتذة و مراكز البحث العلمي في الجامعات. ثم تأسيس شبكة إشراف على هذا التطور العلمي و على حسن تنفيذه، و إشراك الأساتذة، و الطلبة الجامعيين، و الباحثين - و قد سأل الطلبة الجامعيون ما هو واجبنا في مجال التقدم العلمي - في الأمور.. هذه مسائل ينبغي ملاحظتها أكيداً في هندسة الخارطة العلمية الشاملة. كل واحد من الطلبة الجامعيين بوسعه ممارسة دوره، و كل مركز من مراكز البحث العلمي، و كل ورشة تعليمية يمكنها ممارسة دورها؛ و كذلك الحال بالنسبة للأساتذة الجامعيين. إذن، فهي عملية تستغرق عدة سنوات، و يجب متابعتها بكل جد و اهتمام و تفاؤل و ستؤتي ثمارها إن شاء الله. سيأتي يقيناً اليوم الذي ترون فيه أن المرجعية العلمية لجامعات إيران و العلماء الإيرانيين ليس بالأمر البعيد.. إنما هو قريب منكم جداً. أنتم الشباب سترون ذلك يقيناً، و أنا لا أشك فيه أبداً.هذا ما يتعلق بالتيار الأول.. تيار الجامعات و الطلبة الجامعيين و ما هو متوقع من الطلبة الجامعيين.. و لا شك أن دور الأساتذة في هذا التيار الأول حاسم و مهم و حساس جداً.أما التيار الثاني و هو قضية النـزعة المبدئية في الجامعات - و التي تسمى في اللغة الدارجة بالنهضة الطلابية - فلها تاريخ جد لافت في بلادنا. أقول هذا و أشدد عليه لأن هذا التحرك يجب أن يستمر، فهو ليس مما يمكن أن يقف، لأن ظروف البلاد و بنية و خصائص نظام الجمهورية الإسلامية بشكل يستدعي بالضرورة وقوف النهضة الطلابية إلى جانب النظام. النهضة الطلابية في تاريخ هذا البلد مثبتة و معروفة دوماً بمناهضتها للاستكبار، و الهيمنة، و الاستبداد، و القمع، و معروفة أيضاً بشدة نزوعها للعدالة. هذه هي مميزات النهضة الطلابية عندنا منذ يومها الأول و إلى اليوم. إذا ادعى شخص الوصل بالنهضة الطلابية من دون أن تكون له هذه المميزات فهو غير صادق. يد النهضة الجامعية لا يمكن أن تكون في أيدي الذين يرتكبون المذابح في فلسطين، و يمارسون الإجرام في العراق، و يذبحون الناس في أفغانستان.. هذه ليست نهضة طلابية. هذه هي سمات النهضة الطلابية و خصالها في بلادنا على الأقل - و ربما كان الوضع كذلك في العديد من البلدان الأخرى - أي إنها معادية للاستكبار، و الهيمنة، و الدكتاتورية، و مناصرة للعدالة. انطلاقة هذه الحركة أو الفترة المعروفة من هذه الحركة هي السادس عشر من آذر.من المناسب أن تتفطنوا إلى أن السادس عشر من آذر سنة 32 و الذي تخضّب فيه ثلاثةٌ من الطلبة الجامعيين بالدم و التراب، كان تقريباً بعد أربعة أشهر من 28 مرداد، أي بعد انقلاب 28 مرداد و ذلك القمع العجيب و الإرهاب العجيب ضد جميع القوى، و صمت الجميع، و إذا بانفجار مفاجئ يجترحه الطلبة الجامعيون في جامعة طهران يدوّي في الأجواء. لماذا؟ لأن ينكسون الذي كان يومها معاون رئيس الجمهورية الأمريكي زار إيران. تظاهر الطلبة الجامعيون في الحريم الجامعي و اعتصموا اعتراضاً على أمريكا و على نيكسون الذي تسبب في انقلاب 28 مرداد، و واجهوا القمع طبعاً و قتل منهم ثلاثة طلبة. و عرف يوم 16 آذر طوال الأعوام بهذه السمات. 16 آذر ملك الطلبة الجامعيين المعادين لنيكسون و المعادين لأمريكا، و للهيمنة.بعد ذلك، و منذ تلك السنة حتى سنة 42 - و هي سنة انطلاقة نهضة رجال الدين و النهضة الدينية الإسلامية في بلادنا - كان للنهضة الطلابية تحركاتها بدرجات معينة. أتذكر أن الطلبة الجامعيين كان لهم تحركاتهم في سنوات 38 و 39 و 40 و ... ، لكن تحركاتهم هذه كانت تقمع بشدة و لا يسمح لها بالظهور، إلى أن بدأت نهضة رجال الدين في سنة 1341 و بلغت ذروتها في عام 42؛ إلى هنا أيضاً تلاحظون مؤشرات النهضة الطلابية.. أي طوال الأعوام الخمسة عشر ما بين 1342 حيث انطلاقة نهضة رجال الدين و إلى 1357 حيث انتصار الثورة الإسلامية تلاحظون النهضة الطلابية في كل مكان و بنحو متكاتف و مجاور لرجال الدين. جامعات البلاد، و المناخ الطلابي في إيران كان مركز النشاط و العمل و كان الطلبة الجامعيون من الأذرع الرئيسية للنهضة طوال هذه الفترة، و هذا ما شهدناه عن قرب سواء الأصدقاء الذين عملوا في النهضة و الكفاح أو سائر شرائح المجتمع. طبعاً كان هناك في الجامعات تيارات إلحادية و مناوئة للدين و ماركسية و غير ذلك، بيد أن التحرك الغالب اختص بالطلبة الجامعيين المتدينين. لذلك كان للطلبة الجامعيين مشاركتهم في كل مكان، في الجماعات التي يتم تشكيلها - الجماعات المناضلة - و الأعمال و الأنشطة التي تحصل في السجون مثلاً.. السجون المتعددة التي جرّبناها على مدى سنوات. فقد كان رجال الدين الدين و الطلبة الجامعيون يشكلون غالبية السجناء. و هذا ما جعلنا نحن رجال الدين في مشهد، و علماء مشهد، و جماعة كبيرة من أهالي مشهد حينما أردنا القيام باعتصام في سنة 57 قبل انتصار الثورة، تم هذا الاعتصام في مركز الإمام الرضا الجامعي الطبي. بمعنى أن الجامعة كانت هي القطب. و في طهران أيضاً كان اعتصام العلماء و رجال الدين و الثوريون و المجاهدون لأجل عودة الإمام - و قد تأخر وصوله - في جامعة طهران. هذه دلائل على دور الجامعة و طلابها إلى حين انتصار الثورة.و بعد انتصار الثورة كان لهذه الحركة و النهضة الطلابية و مساهمة الطلبة الجامعيين مشهد عجيب. في الأشهر الأولى تأسس حرس الثورة و شارك الطلبة الجامعيون مشاركة فاعلة في الحرس، و بعد عدة أشهر تأسس جهاد البناء من قبل الطلبة الجامعيين أنفسهم.. الطلبة الجامعيون أنفسهم شكلوا جهاد البناء و طوروه بأنفسهم، و عملوا فيه، و هو من بركات و مفاخر النظام الإسلامي. و بعد أشهر انطلقت الموجة الثانية من مشاركة الطلبة الجامعيين في مواجهة العناصر المسلحة التي اتخذت من الجامعة وكراً لها و كان الكثيرون منهم من غير الطلبة الجامعيين، و تحولت جامعة طهران هذه إلى مركز تسلح و بنادق و عتاد و رمانات! جمعوا هذه المعدات هناك للعمل ضد الثورة. و الذين استطاعوا طرد هؤلاء من جامعة طهران هم الطلبة الجامعيون أنفسهم. هنا أيضاً أفصحت حركة الطلبة الجامعيين العظيمة عن نفسها.و في سنة 59 و مع بداية الدفاع المقدس شارك الطلبة الجامعيون في الجبهات و ثمة نماذج متنوعة لذلك منها الحاج أحمد متوسليان و أمثاله ممن توجّهوا للمنطقة الغربية في كردستان، و كانوا غرباء جداً - شاهدت منطقة كردستان في الأشهر الأولى من الحرب أي بعد خمسة أو ستة شهور من اندلاع الحرب، و كان غبار الغربة منثوراً على رؤوس الجميع - و لوحدهم، و بلا سلاح، مقابل فاعلية عالية للعدو و قصف دائم من قبله، لكن هذه القوى الأكثر إخلاصاً قامت بأعمال كبرى هناك، حيث نفذوا عمليات محمد رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) قبل عمليات الفتح المبين - العمليات التي قام بها هذا القائد الكبير و أصدقاؤه - و كانت نموذج لمشاركة الطلبة الجامعيين. و النموذج الآخر هو الطلبة الجامعيون الذين شاركوا في الهويزة، و التقيت عن طريق المصادفة أولئك الطلبة الجامعيين في اليوم الذي توجهوا فيه إلى ساحة القتال و المعركة - يوم 14 دي - و كان بينهم الشهيد علم الهدى، و الشهيد قدوسي و آخرون. كان ذلك في سنوات 60 و 61 و استمر هذا الحال حتى نهاية الحرب. و الواقع أن من القطاعات التي كانت تؤمِّن لنا قواتنا الناشطة على مدى ثمانية أعوام من الدفاع المقدس هي الجامعات. و بعد ذلك حينما أعيد افتتاح الجامعات بدايات عقد الستينات تشكل الجهاد الجامعي و كان من المرافق الحساسة و الباعثة على الفخر و الاعتزاز. و قبل ذلك أي في سنة 58 كان احتلال وكر التجسس أيضاً على يد النهضة الطلابية. الطالب الجامعي من حيث هو طالب جامعي عضو في النهضة الطلابية. الشخص الذي شارك بنفسه في احتلال وكر التجسس قد يندم بعد مدة على فعلته - و لدينا بعض النادمين! الكثير من المشاركين في النهضة الطلابية، ابتلوا في فترات لاحقة بأمور الحياة و الدوافع المختلفة التي زلزلت أقدامهم - بيد أن التحرك الكبير هو تحرك الطلبة الجامعيين، و من أبرز الأمثلة على ذلك احتلال وكر التجسس.هذا تاريخ فترة معينة لا تزال مستمرة إلى اليوم. طوال العهود المختلفة، و على امتداد عهد الثورة، و خلال الأحداث المختلفة و اللحظات الحساسة الخطيرة استطاع تواجد الطلبة الجامعيين المؤمنين، الملتزمين، المضحين، المطالبين بالعدالة توجيه الأجواء نحو الاتجاه السليم. هذه هي تصوراتي و نظرتي للنهضة الطلابية: نهضة معادية للاستكبار، و الفساد، و الارستقراطية، و سيادة البذخ و العسف، و ضد الميول التحريفية. هذه هي سمات النهضة الطلابية. كانت مساهمة الطلبة الجامعيين طوال أعوام الثورة مساهمة فاعلة و مؤثرة في الميادين المختلفة. كان الطلبة الجامعيون صنّاع خطاب.. أوجدوا فضاءً فكرياً، و سوّدوا الخطابات السياسية و الثورية في المجتمع.كلامي طبعاً يختص بالكيان العام للطلبة الجامعيين. و قد يكون بعض الأفراد أو فئات من الطلبة الجامعيين على شاكلة أخرى.. لا نستغرب من ذلك و لا ننكره. هكذا هو الحال بلا شك. بيد أن الكيان العام للطلبة الجامعيين، و طبيعة عملهم و نزعاتهم و روحهم هي على ما ذكرت. الطالب الجامعي مناهض للظلم، مناهض للاستكبار، مناهض لهيمنة الأجنبي، يعشق المبادئ الكبرى، و متفائل بالوصول إلى هذه المبادئ. و الواقع أن مساهمة شريحة الشباب، و لا سيما الطلبة الجامعيون، هو الداينمو المحرك للمجتمع. على الطلبة الجامعيين التنبّه لهذه النقطة دوماً، و على الآخرين الاعتماد على الطلبة الجامعيين لبناء مستقبل البلاد.و أذكر نقطة حول التنظيمات الطلابية؛ القصد طبعاً هو التنظيمات السياسية و الاجتماعية الطلابية أما التنظيمات العلمية فلها مجالها المختلف. التنظيمات الطلابية لها دورها دون مراء. و لكن ينبغي التنبه إلى أن التنظيمات الطلابية ليست أحزاباً بالمصطلح الدارج في العالم اليوم أو بالمعنى الذي تعرف به الأحزاب حالياً، بل هي شيء مختلف. التنظيم الطلابي يختلف عن الحزب. الأحزاب و التنظيمات السياسية بالمعنى الدارج و المألوف في العالم هي تنظيمات من أجل الوصول للسلطة. هكذا هي الأحزاب في العالم. أي إنها مجاميع تتشكل من أجل الإمساك بالسلطة السياسية في المجتمع. هذه هي طبيعة الحزب. أما التنظيمات الطلابية فلا تتأسس أبداً من أجل هذا الشيء و لا تروم الاستيلاء على السلطة. التنظيمات الطلابية تتشكل من أجل بلوغ المبادئ و هي فوق مسألة استلام السلطة السياسية و الحكومة. السلطة السياسية غير مهمة للتنظيمات الطلابية. طبعاً الأحزاب لا يسوؤها أن تستخدم المنظومات الطلابية للوصول إلى السلطة. و هذا ما نعتقد أنه غير صحيح، و على الطلبة الجامعيين أنفسهم التنبه لهذا المعنى. الأحزاب تروم الحصول على شيء و استلام السلطة، أما الطلبة الجامعيون فغالباً ما يضحون في أنشطتهم بأرواحهم و طاقاتهم و قدراتهم، و يقدمون أرواحهم إذا اقتضت الضرورة، و هذا ما شاهدتموه.ثم إن التنظيمات الطلابية تخلق فرصة للطالب الجامعي للعمل الجماعي، و أنا ممن يؤمنون بالعمل الجماعي و اعتقد أنه مما يحتاج إليه الطالب الجامعي.. اكتساب المهارات المختلفة، المهارات السياسية، و الاجتماعية. و أنتم تعلمون أيها الشباب الأعزاء، الإخوة منكم و الأخوات، أن الطالب الجامعي محاط بشتى صنوف الخدع و الدوامات و الأخطار. هكذا هو الحال في بلادنا على الأقل. الطلبة الجامعيون أحد أهداف المؤامرات الاستكبارية في بلادنا، و السبب واضح. نسبة الشباب في بلادنا عالية جداً، و نسبة الطلبة الجامعيين أيضاً عالية، و للطلبة الجامعيين أدوارهم سواء في الحقول العلمية أو المجالات السياسية. الذين ينسجون المخططات لهذا البلد و لهذا الشعب مضطرون لأخذ الطالب الجامعي الإيراني بنظر الاعتبار.. من الجاذبيات الغريزية إلى الحيل السياسية، إلى الدكاكين المعنوية في ظاهرها - الأنماط المختلفة من العرفان - إلى الأنواع و الأساليب الأخرى الموجودة. التنظيمات يمكن أن تمنح الحصانة و تنقذ الطالب الجامعي و تحفظه من السقوط في الدوامات و الوحول. هذا دور يمكن للتنظيمات أن تقوم به. على مسؤولي التنظيمات التي تحمل عناوين مختلفة و تعمل بعناوين مختلفة أن يعتبروا أنفسهم معنيين جميعاً بهذا الهدف: مدّ يد العون للطالب الجامعي.ثم إن على التنظيمات الطلابية الحذر من تضييع أهدافها. الأهداف الرئيسية للتنظيمات الطلابية هي تلك المكتوبة على ناصية النهضة الطلابية: مناوءة الاستكبار، و المساعدة على تقدم البلاد إلى الأمام، و المساعدة على الاتحاد الوطني، و المساعدة على تقدم العلم، و التواجد و المشاركة في الكفاح العام للشعب الإيراني من أجل الانتصار على المؤامرات و العداوات. هذه هي الأهداف الأصلية. و هي ما يجب أن لا ينساها طلبة الجامعات. طبعاً على التنظيمات بدورها أن لا تنفصل عن كيان الطلاب الجامعيين. أي يجب ان لا تكون التنظيمات سبباً في انقسام الطلبة الجامعيين. يجب أن تكون قريبة من طلبة الجامعات، أُنهي هنا الكلام عن قضايا الطلبة الجامعيين و قد طال بنا.قضية إعادة قراءة الثورة قضية مهمة في رأيي. و الوقت الآن ليس واسعاً كي أتحدث بالتفصيل، كما أن وضع صدري و إصابتي بالزكام لا يسمح لي بهذا. أنا مصاب بالزكام منذ عدة أيام و لم أشأ تأجيل الموعد الذي كان لي اليوم معكم، لذلك جئتكم بهذه الحال. و هذا ما سوف يقيد كلامي معكم على كل حال.من النقاط الجديرة بالذكر حول معرفة تاريخ ثورتنا الحافل هي أن نتفطن إلى أن بلادنا و بعد أن ابتليت بسنوات طويلة من الاستبداد الملكي، استطاعت أن تجد في ثورة الدستور فرصة لاستعادة أنفاسها. أي إن المتوقع هو أن تكون ثورة الدستور مجالاً لاستعادة هذا الشعب أنفاسه و منحه الحرية، لكن هذا لم يحصل، فقد صودرت هذه الثورة منذ بدايتها من قبل الأجانب و من قبل القوى المتسلطة على العالم آنذاك أو إحدى هذه القوى العالمية المتسلطة و أعني بها الدولة البريطانية.بعد الفوضى التي وقعت في بدايات الثورة الدستورية بسنوات، فرضت هذه الدولة الأجنبية المتسلطة - أي بريطانيا - دكتاتوراً عنيفاً قاسياً و أخطر بكثير من ملوك ما قبل الثورة الدستورية - أي مظفر الدين شاه و ناصر الدين شاه - ألا و هو رضا خان. دكتاتورية رضا خان كانت أسوأ و أعنف لبلادنا و شعبنا بكثير من دكتاتورية ناصر الدين شاه و مظفر الدين شاه، و هي دكتاتورية جاء بها الإنجليز. و الواقع أننا لم ننتقل من زمن الاستبداد إلى زمن الحرية، إنما دخلنا عهد استبداد آخر ترافقه التبعية. بمعنى أن الشعب لم يذق طعم الحرية. لذلك حينما انطلقت النهضة الإسلامية في إيران، و أعلن الإمام أن الهدف من هذه النهضة هي استئصال الحكومة الاستبدادية و حكومة الهيمنة و إنهاء نفوذ الأجانب، لم يصدق ذلك الكثير من المناضلين القدماء و الأشخاص الذين كانوا ناشطين ضمن صفوف الكفاح. لم يكن بمقدورهم أن يتصوروا بشكل صحيح كيف يمكن لهذا أن يتحقق! و كيف يمكن للإنسان القضاء على الملكية في هذا البلد!؟ أتذكر أنه في السنوات الأخيرة من النضال و الكفاح - حينما طرح الإمام الخميني القضايا الأساسية حول نظام الحكم و شاعت هذه الطروحات بين الناس، و أعلن الإمام أن الشاه خائن و يجب أن يرحل - كان حتى بعض العناصر المكافحة و الناشطة و الجيدة - و التي كان لها أنشطة عديدة في الثورة بعد ذلك - تقول باستغراب: و هل هذا ممكن؟! كيف يطرح الإمام قضية الملكية؟ و هل يمكن مناهضة الملكية؟! لم يكونوا يصدقون. و السبب هو أن العهد الطويل للقمع و الاستبداد في هذا البلد ترافق مع نفوذ الأجانب و هيمنتهم و دعمهم للنظام الملكي. لكن هذا حدث، و فعلت النهضة الإسلامية العظيمة فعلها، و كذلك همم الشعب، و قيادة شخصية فذة كالإمام الذي كان للحق و الإنصاف شخصية نادرة. »الصبر« و »البصيرة«. رويت مراراً هذه الفكرة نقلاً عن كلمات الإمام أمير المؤمنين علي (عليه الصلاة و السلام): »لا يحمل هذا العلم إلا أهل البصر و الصبر«. البصيرة و الوعي و الصبر أي الاستقامة و الصمود و عدم التعب. توفرت هاتان السمتان في الشعب الإيراني و فعلت فعلها و انتصرت الثورة. و الواقع أن تأسيس نظام الجمهورية الإسلامية كان استجابة لحاجة الشعب الإيراني التاريخية الطويلة. رفع الشعب الإيراني الجمهورية الإسلامية من قلب طموحاته التاريخية. و من البديهي لمثل هذا النظام النابع هكذا من صميم آمال الشعب القديمة أن يبقى. لهذا النظام القابلية على البقاء و النمو و التجذر، و ليس من السهل معاداته. و هذا ما حدث على أرض الواقع. من المتيقن أنه ما من تيار مناضل آخر كان بمستطاعه القضاء على النظام الملكي في بلادنا سوى التيار الإسلامي و الديني الذي ظهر على الساحة. اعلموا هذا و اطمئنوا له أيها الشباب الأعزاء. ما من تيار آخر، و لا أي حزب، و لا أية منظومة مناضلة كان بوسعها إسقاط النظام الاستبدادي التابع للقوة الأمريكية في هذا البلد. و قد كانت جميع التيارات المناضلة القديمة في هذا البلد قد عطلت و عطبت، سواء التيارات اليسارية أو التيارات اليمينية، أو المجاميع المسلحة. كل هذه المجاميع كانت قد قمعت من قبل تلك الأجهزة في سنوات 54 و 55. الشيء الوحيد الذي كان بوسعه إسقاط ذلك النظام الباطل هو الأمواج الشعبية الهائلة، و التواجد المتلاحم للجماهير، و هذا بدوره لم يكن متاحاً إلا بالمحفزات الدينية وبقيادة رجال الدين المجاهدين و مرجع كالإمام الجليل. و بعد ذلك حينما سقط ذلك النظام الفاسد لم يكن بوسع أي نظام آخر سوی نظام الجمهورية الإسلامية - لا النظم اليسارية و لا النظم اليمينية - لم يكن بوسعه فيما لو استلم زمام الأمور أن يصمد و يقاوم حيال نفوذ العدو و تدخله.شاهدنا الثورات التي حصلت قبل سنوات من ذلك، سواء اليسارية منها أو المعتدلة، كيف نسفها النفوذ و التدخل الأمريكي.. التدخل السياسي، أو العسكري، أو الحصار الاقتصادي. انظروا حالياً لأوربا الشرقية التي كانت قطباً مهماً للحكومات الاشتراكية اليسارية، و لاحظوا أن الأمور انتهت بهم إلى أن تنصب القوات العسكرية و أنظمة الصواريخ الأمريكية في نفس هذه البلدان اليسارية سابقاً في أوربا الشرقية، و يتواجد الأمريكان فيها! إذن، ما كان بوسع نظام سوى الجمهورية الإسلامية المقاومة إزاء نفوذ أمريكا و ضغوطها.و نشير أيضاً إلى هذه النقطة: السبب في عداء الاستكبار و على رأسه أمريكا و الشبكة الصهيونية العالمية - العميق الذي لا يقبل المصالحة للجمهورية الإسلامية ليس هذا الكلام الذي يقال هنا و هناك أحياناً، سواء الأمور التي يرفعون هم شعاراتها أو التصورات التي يحملها البعض في الداخل. المسألة هي أن الجمهورية الإسلامية لها »رفضها« و لها »إثباتها«.رفض الاستغلال، و رفض الخضوع للهيمنة، و رفض إهانة الشعب من قبل القوى السياسية في العالم، و رفض التبعية السياسية، و رفض نفوذ و تدخل القوى العالمية المهيمنة في البلد، و رفض العلمانية الأخلاقية، و الإباحية، هذه أمور ترفضها الجمهورية الإسلامية بكل حسم.و ثمة أمور تثبّتها الجمهورية الإسلامية كالهوية الوطنية، و الهوية الإيرانية، و تكريس القيم الإسلامية، و الدفاع عن مظلومي العالم، و السعي لفتح القمم العلمية و عدم الاكتفاء بالاتباع في المسائل العلمية بل فتح قمم العلم و المعرفة.. هذه هي من الأمور التي تصرّ عليها الجمهورية الإسلامية.هذا الرفض و الإثبات هما سبب عداء أمريكا و الشبكة الصهيونية العالمية. إذا وافقنا النفوذ الأمريكي فسوف تقل العداوات. و إذا رضينا أن يهان شعبنا من قبل الأجانب و بمختلف الطرق، و تركنا جانباً الدفاع عن الهوية الوطنية أو القيم الإسلامية فلا شك أن العداوات ستقل بنفس النسبة. و هذا هو معنى قولهم إن على الجمهورية الإسلامية تغيير سلوكها. سمعتم بعض المسؤولين السياسيين في البلدان المستكبرة مثل أمريكا يقولون حينما يتحدثون عن إيران: نحن لا نقول يجب إزالة الجمهورية الإسلامية، بل نقول يجب أن تغيّر الجمهورية الإسلامية من سلوكها. هذا هو معنى يجب أن تغيّر من سلوكها. معناه أن تتخلى عن هذا الرفض و الإثبات. هذا ما يريدونه.بهذا الصمود على ما ترفضه الجمهورية الإسلامية و ما تثبّته استطاعت مواجهة جبهة واسعة مجهزة بشتى أنواع الإمكانيات و المقاومة أمامها. و هذه هي نفس الحال التي شهدناها خلال ثمانية أعوام من الدفاع المقدس حيث تعاضد الشرق و الغرب و أوربا و الناتو و بعض البلدان العربية و الكل ضد الجمهورية الإسلامية، لكن الجمهورية الإسلامية استطاعت بالتالي فرض التراجع عليهم جميعاً بينما لم تتراجع هي أبداً. و تكررت هذه الحال على المستوى السياسي و في أعوام ما بعد الحرب إلى يومنا هذا.. أي إن الجمهورية الإسلامية استطاعت الوقوف بوجه الجبهة العظيمة التي تشكلت حيالها. أي إنها لم تتراجع أبداً، و ليس هذا و حسب بل تقدمت إلى الأمام و وجهت الضربات للعدو.. هذا ما حصل.لاحظوا الوضع الحالي لأمريكا في الشرق الأوسط، و لاحظوا ما كانت عليه قبل خمسة عشر عاماً و انظروا كيف هو حال أمريكا في الشرق الأوسط. يزداد كره الناس لها يوماً بعد يوم، و تزداد ذلة و إخفاقاً يوماً بعد يوم.. في القضية الفلسطينية بشكل، و في قضية لبنان بشكل، و في قضايا العراق و أفغانستان بشكل. لقد فشلت أمريكا في مخططاتها للشرق الأوسط، و غالباً من كان المستهدف في هذه المخططات هي الجمهورية الإسلامية قبل تلك البلدان. تلقّت أمريكا الضربات و استطاعت الجمهورية الإسلامية أن تقف و تصمد. طبعاً كانت المؤامرات متعددة و كثيرة.. في العقد الأول من الثورة بشكل من الأشكال، و في العقدين الثاني و الثالث للثورة كانت المؤامرات بأشكال متنوعة - و ليس ثمة متسع من الوقت لذكر التفاصيل - على أن النقطة الرئيسية التي ينبغي للطلبة الجامعيين و المنتسبين الأعزاء للجامعات و كذلك كل أبناء الشعب لا سيما النخبة و الواعون أن يتنبهوا لها هي أن نظام الجمهورية الإسلامية يتمتع بالقوة و الاقتدار الذاتي. و قد استطاع الصمود لحد اليوم طوال هذه الأعوام الثلاثين. انصبت كل هممهم على سحق الجمهورية الإسلامية و القضاء عليها، لكنها لم تسحق أبداً، بل ازدادت قوة في المجالات المختلفة باضطراد.هذه القدرة على البقاء و الاقتدار و إمكانية البقاء يجب أن تحفظ. ليس الأمر أننا مهما عملنا و بأية طريقة سرنا - حتى بطريقة اللا أبالية و عدم الاهتمام بواجباتنا الحساسة - فستبقى إمكانية المقاومة كما كانت. كلا، ينبغي الحفاظ على نظام الجمهورية الإسلامية بالمعنى الحقيقي للكلمة كي يمكن إنفاع الشعب بمصالحه و مصالح بلاده، و لكي يمكن إيصال هذا الشعب إلى ذروة رقية و طموحاته و مبادئه.المهم هو أن لنظام الجمهورية الإسلامية بنية حقوقية و رسمية هي الدستور، و مجلس الشورى الإسلامي، و الحكومة الإسلامية، و الانتخابات - هذه الأمور التي تشاهدونها - و حفظ هذه المفاصل مهم و واجب بالطبع لكنه غير كافٍ.ثمة دائماً في باطن البنية الحقوقية بنية حقيقية أو هوية حقيقية و واقعية ينبغي المحافظة عليها. البنية الحقوقية بمثابة الجسم و القالب، و الهوية الحقيقية بمنـزلة الروح و المعنى و المحتوى. إذا تغير المعنى و المحتوى فلن يعود للبنية الظاهرية و الحقوقية من فائدة حتى لو بقيت على حالها دون تغيير، كما أنها لن تستمر، فحالها سيكون كحال السن المنخور من الداخل.. ظاهره سليم لكنه يتحطم بأول ارتطام له بجسم صلب. تلك البنية الحقيقية و الواقعية و الداخلية هي المهمة، فهي بمثابة الروح من هذا الجسد. ما هي تلك البنية الداخلية؟ إنها مبادئ الجمهورية الإسلامية: العدالة، و كرامة الإنسان، و حفظ القيم، و السعي لتكريس الأخوة و المساواة، و الأخلاق، و الصمود حيال نفوذ الأعداء.. هذه هي عناصر البنية الحقيقية و الداخلية لنظام الجمهورية الإسلامية. إذا ابتعدنا عن الأخلاق الإسلامية، و إذا نسينا العدالة، و تركنا شعار العدالة لأغبرة العزلة، و إذا استهنّا بالحالة الشعبية لمسؤولي البلاد، و إذا نظر مدراء إيران ككثير من مدراء البلدان الأخرى للمسؤولية كوسيلة و كمصدر ثروة و سلطة، و إذا غابت هموم الخدمة و التضحية من أجل الشعب عن أذهان المسؤولين و ممارساتهم، و إذا أقصيت و ألغيت و طردت من أذهان المدراء النـزعة الشعبية و التبسط في العيش و اعتبار أنفسهم في مستوى عموم الناس، و إذا نسيت المقاومة إزاء تطاول العدو و تجاوزاته، و إذا ساد الخجل و التردد و ضعف الشخص أو ضعف الشخصية على العلاقات السياسية و الدولية لدى مسؤولي البلاد، إذا فقد أو ضعف هذا اللباب الحقيقي و هذه العناصر الرئيسة من هوية الجمهورية الإسلامية الواقعية، فإن البنية الظاهرية للجمهورية الإسلامية لن تستطيع فعل الكثير، و لن تؤثر كثيراً، و صفة »الإسلامي« بعد مجلس الشورى حيث نقول مجلس الشورى الإسلامي، و حكومة الجمهورية الإسلامية لن تستطيع لوحدها فعل شيء. أساس القضية هي أن نحرس تلك الروح، و لا نفقد تلك السيرة و لا ننساها، و لا ترتاح ضمائرنا لمجرد حفظ الشكل و القالب. اهتموا بالروح و المعنى و السيرة. هذا هو أساس القضية.و أقول لكم إن تغيير السيرة و تغيير تلك الهوية الحقيقية يحصل بنحو تدريجي و هادئ جداً. غالباً ما لا يتنبه البعض لهذا التغيير أو إن الكثيرين لا يتفطنون له. و قد ينتبه له الجميع بعد فوات الأوان. ينبغي التدقيق كثيراً. العين البصيرة للطبقة المتنورة المثقفة في المجتمع - أي الطبقة الجامعية - و العين البصيرة للطلبة الجامعيين ينبغي أن ترى نفسها دوماً مسؤولةً عن هذه المهمة.النظام الإسلامي نظام إسلامي في ظاهره و باطنه، و ليس نظاماً إسلامياً في الظاهر فقط. مجرد أن تكون في الدستور شروط لرئيس الجمهورية، و القائد، و رئيس السلطة القضائية، و لمجلس صيانة الدستور، و لهذا الطرف أو ذاك، فهذا لا يكفي رغم أنه شيء لازم. ينبغي الحذر من الانحراف عن الأهداف و المبادئ و الاتجاهات. و هذا ما كنّا نكافح من أجله طوال هذه السنوات المديدة خصوصاً بعد انتهاء الحرب و رحيل الإمام. كانت هذه من القضايا الأساسية في العقدين المنصرمين. بذلت جهود جمة لسلخ الجمهورية الإسلامية عن روحها و معناها. بذلوا جهوداً حثيثة و بأشكال مختلفة سواء على الصعد السياسية، أو في الميادين الأخلاقية، أو على المستويات الاجتماعية، و عبر التصريحات و الأقوال التي أطلقت. شهدنا فترة دعت فيه صحافتنا رسمياً و علنياً لفصل الدين عن السياسة! بل شككوا في فكرة الوحدة بين الدين و السياسة و هي أساس الجمهورية الإسلامية و أساس التحرك العام للشعب. هل فوق هذا شيء؟! في فترة ما لوحظ أن صحافتنا دافعت علناً و صراحةً عن النظام البهلوي الظالم المتجبر السفاك! من أجل أن لا يحدث مثل هذا و لأجل مواجهة هذا الانحراف يمكن تكريس التخوم العقيدية و الفكرية و السياسية. ينبغي أن تكون مميزات و علامات الهوية الإسلامية واضحة: ميزة طلب العدالة، و ميزة بساطة عيش المسؤولين، و ميزة الدفاع عن الحقوق الوطنية. الدفاع الشجاع عن حقوق الشعب إحدى المميزات، و مثال ذلك الحق النووي و القضية النووية. هذه إحدى عشرات الأمور التي تحتاجها بلادنا، و ليست القضية الوحيدة. و لكن حين ركّز العدو على هذه النقطة صمد شعبنا بدوره عليها. بالنسبة لهذه النقطة التي ركز عليها العدو، إذا تراجع الشعب و المسؤولون و غضوا الطرف عن هذا الحق الناصع القاطع، فلا شك في أن الطريق سيُفتح أمام العدو للتطاول على الحقوق الوطنية.اجتناب الحالة الارستقراطية ظاهرة كانت مشهودة في ثورتنا، و قد حاول البعض حلحلتها تدريجياً. لهذه القضية تأثيرها في قضايانا الاقتصادية و النفسية. النـزعة الارستقراطية كانت قيمة سلبية في الثورة أي إن الأشخاص و على شتى المستويات كانوا يتجنبون بشدة أن ينسبوا إلى الارستقراطية أو أن تلاحظ عليهم أمور تعد من مميزات النـزعة الارستقراطية. مسؤولو البلاد بالدرجة الأولى ملتزمون بهذه الحالة و يجب أن يكونوا كذلك. لكن هذه الحالة ضعفت شيئاًَ فشيئاً. و اليوم عاد لحسن الحظ و لله الحمد تيار مناهضة النـزعة الارستقراطية و اعتبارها قيمة سلبية، بمعنى أن الحكومة و مسؤوليها شعبيون و متبسطون في معيشتهم و هذه فرصة جيدة جداً، و هي نعمة كبيرة و أحد المعايير. و قيمة الجهاد و الشهادة معيار آخر من هذه المعايير. قيمة الجهاد و منـزلة الشهادة السامقة كانت من الأمور التي جرى التشكيك فيها من قبل بعض العناصر و الأيادي. شككوا في الجهاد و في الشهادة. هذا أحد المعايير و ينبغي أن يبرز. احترام الشهداء و احترام الجهاد و المجاهدين ينبغي أن يكون من الأجزاء البارزة في راية الجمهورية الإسلامية فتعرف هذه الجمهورية بالجهاد و الشهادة.الثقة بالشعب و الإيمان الحقيقي بمشاركته. البعض يذكرون اسم الشعب لكنهم لا يؤمنون إيماناً حقيقياً بمشاركته. أساس الجمهورية الإسلامية هو الثقة بالشعب و الإيمان بمشاركته و دوره.و من المعايير و المميزات أيضاً الشجاعة حيال هيبة العدو. إذا شعر مسؤولو البلاد بالرعب و الخوف أمام الأعداء فستنـزل بالشعب ويلات جسيمة. الشعوب التي ذلت للعدو و قهرت من قبله كانت في الغالب شعوباً لها مسؤولون - حداة قافلة الشعب - لا يمتلكون الشجاعة و الثقة بالنفس اللازمة. أحياناً تكون هناك بين أبناء الشعب عناصر مؤمنة، ناشطة، مضحية، مستعدة للفداء، و لكن حين لا يكون الرؤساء و المسؤولون أنفسهم على استعداد لذلك فإن قواتهم سوف تتلاشى أيضاً و بذلك تضمحل هذه الإمكانية و تزول. يوم تعرضت مدينة إصفهان في عهد الشاه سلطان حسين للهجوم و النهب و تعرض الناس للمذابح و زالت الحكومة الصفوية العظيمة كان هنالك الكثير من الأفراد الغيارى المستعدون للقتال و المقاومة، لكن الشاه سلطان حسين كان ضعيفاً. إذا ابتليت الجمهورية الإسلامية بأمثال الشاه سلطان حسين و بمدراء و مسؤولين لا يتحلون بالجرأة و الشجاعة و لا يشعرون بقدراتهم الذاتية و بالقدرات و القوى الموجودة لدى شعوبهم فإن أمر الجمهورية الإسلامية سوف ينتهي.التقرب إلى الشعوب المسلمة.. الشعوب المسلمة هي العمق الاستراتيجي لنظام الجمهورية الإسلامية. لماذا تحاول الدعايات العجيبة الغريبة التي تبثها أمريكا و بريطانيا التفرقة بين الشعوب المسلمة و شعب إيران؟ لماذا؟ عن طريق النعرات القومية و نعرات السنة و الشيعة؟ لأنهم يعلمون أن تلك الشعوب تمثل العمق الاستراتيجي للجمهورية الإسلامية. الشعب يستند إلى عمقه الاستراتيجي. لا يريدون لشعب إيران و نظام الجمهورية الإسلامية أن يتمتع بهذا الدعم و المناصرة التي يحظى بها في البلدان المختلفة و هي مناصرة منقطعة النظير. لا تجدون في أي بلد أن الجماهير هناك - و ليس الساسة - يحترمون و يكرّمون رؤساء البلدان الأخرى و يرفعون صورهم و يذكرون أسماءهم بهياج، باستثناء ما يحصل لرؤساء الجمهورية الإسلامية. أينما ذهبتم من البلدان المسلمة حيث توجد آثار و تأثيرات للجمهورية الإسلامية تعرب الجماهير عن مشاعرها تجاه الجمهورية الإسلامية بهذه الطريقة. العدو لا يريد هذا. العدو لا يريد مثل هذه الأواصر. و على الجمهورية الإسلامية أن تعتبر هذا أحد واجباتها. هذا من المعايير الرئيسة.و لكم أن تنظروا الآن في كتابات أشخاص هم إما قصيرو النظر - و هذا ما نقوله إذا نظرنا للمسألة نظرة حسنة - أو إذا نظرنا نظرة سلبية قلنا إنهم مغرضون و خونة، حيث انتقدوا مراراً و بصراحة و لا زالوا أواصر الجمهورية الإسلامية بالشعب اللبناني، و بشعب العراق، وبشعب أفغانستان، و بشعب فلسطين. لاحظتم أن هذا ما يقال للأسف في صحافتنا و من على بعض منابرنا السياسية. و هذه مناهضة لأحد المعايير و المميزات الأساسية للجمهورية الإسلامية. كلا، الجمهورية الإسلامية ترى مصالح الشعوب المسلمة مصالحها، و هي على ارتباط بهم و تدافع عنهم.. إنها تدافع عن المظلوم، عن الشعب الفلسطيني. هذه هي المعايير التي ينبغي أن تُبرّز. الطالب الجامعي و المنتسبون للجامعات، و خصوصاً الطالب الجامعي يمكنه ممارسة دوره في هذا الميدان.. ميدان حفظ المعايير و تكريسها و إجلاء الخصائص الحقيقية للجمهورية الإسلامية، و هذا ما عدا الخصائص الظاهرية كالأسماء و المناصب الرسمية و الحقوقية و ما إلى ذلك. يمكنكم أن تساهموا و تبادروا. طبعاً شعبنا شعب يقظ لحسن الحظ.من الشؤون المهمة التي أردت أن أطرحها اليوم هي قضية التقدم و العدالة - و قلنا إن العقد الرابع هو عقد التقدم و العدالة - و لكن مضى الوقت، ثم إنني لا أريد مضايقتكم أكثر من هذا بالوضع الذي حصل لحنجرتي. إنما أذكر بعض النقاط باختصار و أترك الموضوع للقاء طلابي آخر إن شاء الله.أقول لكم أيها الشباب الأعزاء إنه على الرغم من كل ما حصل خلال هذه العقود الثلاثة - المؤامرات المختلفة، و صنوف الإيذاء، و مؤامرات الإسقاط و الانقلاب في السنوات الأولى و العقد الأول للثورة، و إلى الحرب المفروضة، ثم إلى المؤامرات التي تسمى رقيقة و مرنة بعد العقد الأول و بعد انتهاء الحرب و إلى هذا الحين - فإن الشعب الإيراني و الجمهورية الإسلامية أثبتت أنها جديرة بالبقاء.. وقفت بقوة. و بعد الآن أيضاً لن تستطيع أحداث العالم المختلفة زعزعة هذه الشجرة المتينة العظيمة. هم لم يستطيعوا استئصالها يوم كانت غرسة يانعة، أما اليوم فتحولت إلى شجرة هائلة متجذرة. ليس بوسعهم زعزعة الجمهورية الإسلامية. علينا أن نحذر من أن ننخر و نتهرأ داخلياً. إذا حافظنا على سلامتنا المعنوية و سرنا في الطريق الذي رسمه لنا الإسلام و الجمهورية الإسلامية و لم ننحرف عنه فلسنا خائفين من العدو الخارجي على الإطلاق، و لن يستطيع إلحاق أي ضرر بنا.السياسات الاستكبارية، و سياسات أمريكا، و سياسات الشبكة الصهيونية العالمية التي تستهدف بالدرجة الأولى الجمهورية الإسلامية لأسباب واضحة، ليس بوسعها القضاء على الجمهورية الإسلامية. و هي ليست عاجزة عن القضاء عليها و حسب، بل و عن إبطاء حركتها أيضاً. بوسعنا المضي في مسيرتنا بسرعة. و نتوقع مؤامرات العدو بالطبع، فهذه المؤامرات ستستمر إلى حين معين، و هذا الحين المعين هو الاقتدار الشامل للبلاد و هذه هي مهمتكم أنتم الطلبة الجامعيين و جيل الشباب. يوم استطعتم إيصال البلد لمحطة الاقتدار العلمي و الاقتدار الاقتصادي، و يوم تمكنتم من توفير العزة العلمية لبلادكم، عندها ستقل المؤامرات طبعاً، لأن الأعداء سوف ييأسون. و طالما لم نصل إلى تلك المحطة يجب توقع المؤامرات و الاستعداد لمواجهتها. و سوف تكونوا أقوى و يكون عدوكم أضعف مع كل يوم يمرّ إن شاء الله، و لن يكون يوم انتصار الشعب النهائي بعيداً بمشيئة الله.ربنا، اجعل ما قلناه و سمعناه لك و في سبيلك و مقبولاً عندك. ربنا أنزل بركاتك على نظام الجمهورية الإسلامية، و فدائيي هذا النظام، و شهداء طريق مبادئ هذا النظام، و على إمام هذا النظام الجليل. أنزل رحمتك و فضلك على هؤلاء الشباب الأعزاء و على كل شباب البلاد و طلبتنا الجامعيين. اجعلنا دوماً من جنود هذا الطريق و السائرين عليه. أمتنا اللهم على هذا الطريق. اللهم أرفع يوماً بعد يوم من درجات شهدائنا الأبرار.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
2008/12/13

كلمة الإمام الخامنئي في المشاركين بملتقى الصلاة السابع عشر

بسم الله الرحمن الرحيمأولاً، أشكر من أعماق قلبي الإخوة و الأخوات الأعزاء المتصدين لمسألة إشاعة الصلاة. هذا شيء حسن و قيم في كل مكان، لا سيما في الجامعات. و أسأل الله تعالى أن يوفقكم و يوفق حضرة الشيخ قرائتي و سائر العاملين في هذا المشروع الكبير الذين أبدوا همةً - هو الذي غرس هذه الشجرة الطيبة في الأرض و قد نمت و أفرعت و أورقت و أثمرت اليوم و الحمد لله - و يطيل عمره كي يستطيع متابعة المشروع إن شاء الله.أهمية العمل في إقامة الصلاة و إشاعتها نابع من أهمية الصلاة ذاتها. حينما نرى كل هذا الترغيب و التشجيع و الاهتمام بالصلاة في الشرع الإسلامي المقدس - سواء في القرآن، أو في كلمات النبي المكرم، أو في أحاديث المعصومين - نكتشف أن الصلاة العنصر الرئيس أو أحد العناصر الرئيسية بين مجموعة الأدوية المعالجة لأمراض الإنسان الجسمية، و الروحية، و الفردية، و الاجتماعية. تشكل جميع الواجبات الشرعية و اجتناب المحرمات مجموعة من الأدوية الموصوفة من قبل الله لتقوية البنية الروحية للإنسان و إصطلاح أمور دنياه و آخرته - إصلاح المجتمع و إصلاح الفرد - و لكن ثمة في هذه المجموعة عناصر مفتاحية ربما أمكن القول إن الصلاة أبرزها و أكثرها مفتاحية. » الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة «.(1) هكذا هم المؤمنون، و المجاهدون في سبيل الله، و المضحون من أجل تعزيز المعارف الإلهية » إن مكناهم في الأرض « إذا جعلناهم متمكنين قادرين في الأرض و سلمناهم السلطة فعليهم القيام بكثير من الأمور: تكريس العدالة، و إفشاء كثير من الظواهر، و لكن أول هذه الأمور: » أقاموا الصلاة «.. ما هو السرّ في الصلاة و الذي يجعل إقامتها مهمة إلى هذا الحد؟قيل الكثير حول الصلاة. لكل إنسان في داخله نفس متمردة.. فيل ثمل إذا راقبتموه و طرقتم على رأسه بالمطرقة دوماً فسوف لن يوقعكم في الهلاك، و سوف تتم السيطرة علی سلوكه و ستكون هذه النفس الإنسانية سبباً لتقدمكم إلى الأمام. النفس هي مجموعة الغرائز الإنسانية التي إن تمت السيطرة عليها بصورة صحيحة و استخدمت في الطريق الصواب سترتفع بالإنسان إلى ذروة الكمال. المشكلة هي أن هذه الغرائز تصاب بالسكر و الثمالة. لا بد من وجود سيطرة. إذا كان ثمة ظلم في العالم فهو نتيجة سكر الغرائز و النـزعات النفسية لدى شخص أو عدة أشخاص، أو جماعة من الناس. و إذا كان ثمة فحشاء في العالم فالسبب هو ذاك أيضاً. و كذا الحال إذا كان ثمة إهانة للإنسان و سحق لكرامته في العالم. و كذا الحال إنْ كان هناك فقر في الدنيا و كان جزء كبير من المجتمع البشري يعاني الحرمان من النعم الإلهية على الأرض. النـزعات النفسية للجماعة الظالمة هي التي توجد الظلم، و الجماعة المستكبرة هي التي توجد الاستضعاف. و الجماعة الشمولية الطامعة التي لا تعرف الرحمة هي التي تصنع الفقر و الجوع. النـزعات النفسية التي أوجدت كل هذه المفاسد في العالم منذ بداية التاريخ و إلى اليوم، و كلما تمادى الإنسان في استخدام القدرات المتنوعة التي أودعها الله في داخله، كلما ازدادت هذه الأحوال السلبية و لم تنقص. الظالم الذي يمتلك قنبلة ذرية يختلف عن الظالم الذي يقاتل بالسيف فقط. هذه النـزعات النفسية أضحت أكثر خطورة على البشر.ثمة في البشر مثل هذا الشيء. كل البشر مبتلون بهذا الفيل الثمل في داخلهم و يجب عليهم احتواءه. يتأتى هذا الاحتواء بذكر الله، و باللجوء إلى الله، و بالشعور بالحاجة إلى الله، و الإحساس بالتفاهة أمام عظمة الله، و الشعور بقبح الذات مقابل الجمال المطلق لله تعالى. كل هذه الأمور ناجمة عن الذكر. الإنسان المتقي يعني الإنسان الذي يراقب ذاته و يتذكر و لا يكون مصدر شرور و ظلم و فساد و طغيان و سوء على هذا و ذاك من الناس. الذكر الإلهي ينهاه و يصدّه دوماً: » الصلاة تنهى «، تنهى هنا ليست بمعنى أنها تكبل يديه و رجليه و تعطل فيه غرائزه. يخال البعض أن معنى » الصلاة تنهى عن الفحشاء و المنكر « (2) هو أنك إذا صليت فسوف تزول الفحشاء و المنكر، لا، معناها أنك حين تصلي فإن واعظك الداخلي الذي أحيته الصلاة سيتحول صوتاً يذكرك دوماً بسيئات الفحشاء و المنكر. و التذكير و التكرار يؤثران على القلب طبعاً و يجعلانه خاضعاً خاشعاً. لذلك ترون أن الصلاة يجب أن تتكرر. الصيام مرة واحدة في السنة، و الحج مرة واحدة في العمر، أما الصلاة فعدة مرات في اليوم الواحد. هنا تكمن أهمية الصلاة.إذا صلينا فسيعم الأمن داخل الإنسان و في قلبه و كذلك في المجتمع و علی حكّام المجتمع مهما كبر ذلك المجتمع. سيشعر قلب الإنسان بالأمن.. و يشعر جسمه بالأمن.. و يشعر المجتمع الإنساني بالأمن. هذه هي ميزة الصلاة، و هذه هي خصوصية إقامة الصلاة في المجتمع. لذلك يجري كل هذا التأكيد على مهمتكم في لجان إقامة الصلاة و لجان إشاعة الصلاة في كل ناحية من نواحي البلاد، و بين كل شريحة من شرائح المجتمع و أهمها شريحة الشباب النخبة و طلبة الجامعات. معنى ذلك الأخذ بيد المجتمع إلى حالة الذكر العامة، فيتذكر الجميع صغاراً، و كباراً و نساءً، و رجالاً، و مسؤولين حكوميين، و سواهم، و الشخص الذي يعمل لنفسه، و الشخص الذي يعمل لجماعة معينة، إذا تذكروا الله فستنتظم أمورهم. معظم معاصينا تنتج عن الغفلة. لذلك تتكرر الصلاة دوماً.قيل الكثير في هذا المجال، و تحدثنا نحن مرات عديدة. للصلاة جسم و روح. ينبغي التفطن لهذه النقطة. أي إن كل واحد منا، أنا نفسي و الآخرون يجب أن نتفطن لهذه النقطة. للصلاة قالب و مضمون. لها جسم و روح. لنحذر من أن يكون جسم الصلاة خالياً من روح الصلاة. لا نقول إن جسم الصلاة الخالي من الروح لا تأثير له إطلاقاً، بلى، له تأثير بسيط على كل حال. بيد أن الصلاة التي شدد عليها الإسلام، و القرآن، و الشرع، و الرسول، و الأئمة ( عليهم السلام ) كل ذلك التشديد هي الصلاة التي اكتمل جسمها و روحها على السواء. لهذا الجسم قراءته، و ركوعه، و سجوده، و هبوطه إلى الأرض، و قنوته، و ارتفاع صوته وانخفاضه بما يتناسب و تلك الروح. هذا التنوع من أجل تغطية جميع الحاجات التي ينبغي أن تُشبع بواسطة الصلاة، و لكل منها سرّه الخاص، و مجموعها يشكل قالب الصلاة و ظاهرها، هذا الشكل مهم جداً، لكن روح الصلاة هي التوجه. لنعلم ما الذي نفعله. الصلاة من دون توجه قليلة التأثير كما قلنا. بوسعكم الانتفاع بطريقتين اثنتين من قطعة ألماس ثمينة تزن عدة قيراطات. طريقة منهما هي أن تستخدموها كألماسة أي كحجر كريم ثمين. و الطريقة الأخری أن تستخدموها كحجر ميزان فتضعوها في كفّة الميزان بدل عيار ذي عدة غرامات وتضعون في الكفّة الثانية مقابلها » فلفلاً « أو » كركماً « على سبيل المثال! هذا أيضاً استخدام للألماس، و لكن أي استخدام هو؟! إنه أشبه بتضييع الألماس. طبعاً هو استخدام يختلف عن تحطيم الألماس الذي يعد أسوء على كل حال من ذلك الاستخدام. لكن الانتفاع من الألماس ليس في أن يستعمله الإنسان كحجر ميزان و يزن به » الفلفل « و » الكركم «. ينبغي عدم التعامل مع الصلاة كألماسة نستخدمها حجراً للميزان.. للصلاة قيمة كبيرة جداً.تارة يصلي الإنسان كما يمارس سائر عاداته اليومية من قبيل تفريش الأسنان أو الرياضة.. و كذلك نصلي. و تارةً يصلي و هو يشعر أنه يريد الحضور بين يدي الله.. هذه حالة مختلفة. نحن في محضر الله دوماً، سواء كنا نياماً أو صاحين، أو غافلين، أو ذاكرين. لكن تارة تبادرون للتوضّؤ و التطهر و الاستعداد بطهارة جسم و طهارة ملبس و طهارة معنوية ناتجة عن الوضوء و الغسل لتذهبوا عند إله العالم. علينا في الصلاة أن نشعر بمثل هذا الشعور. يجب الدخول إلى الصلاة بمشاعر الحضور أمام الله و التحدث معه. يجب أن نشعر أنفسنا أمام الله و نخاطبه. و إلا مجرد أن نبث في الجو أمواجاً بكلماتنا و حروفنا فهذا ليس الشيء الذي طولبنا به. يمكن القول: » الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين... « و بث أمواج هذه الكلمات. و يمكن قراءتها قراءة حسنة و لكن من دون توجه و سيكون الأمر هنا أيضاً بثاً للأمواج الصوتية في الهواء. هذا ليس الشيء الذي أُريد منا. طُلب منا أن نحمل قلوبنا في الصلاة إلى الباري، و نتحدث حديث القلوب، نتحدث بقلوبنا. هذا هو المهم. علينا التنبه إلى قضية روح الصلاة في عملية إشاعة الصلاة، و في الصلاة التي نؤديها، و الصلاة التي نعلمها للآخرين.طبعاً هذه الروح لا تتحقق بدورها من دون جسم حتى يتصور الإنسان أنه لو كان الأمر كذلك إذن استطيع أن اكتفي بذكر الله مائة مرة و لا أصلي، لا، فكما قلنا تم تصميم ذلك الجسم في ضوء الحاجات التي تشبعها هذه الروح. لذلك لاحظوا وجود خصوصيات معينة لحالات الصلاة المختلفة.. غير واجبة.. مستحبة.. أين ينظر المرء عند الوقوف.. و أين ينظر عند السجود.. توصي بعض الروايات بإغلاق العينين عند الركوع، و توصي بعضها بالنظر إلى الأمام. كل هذه الخصائص تساعد على تحقيق حالة الحضور و التواجه اللازم للإنسان.أما أهمية الصلاة فهو ما قد لا نقدر فعلاً عن وصفه. يقول الإمام الصادق ( عليه السلام ) لوصيه في مرض رحيله: » ليس منيّ من استخفّ بالصلاة «.(3) و الاستخفاف هو عدم الاهتمام. هذه الصلاة بكل هذه السمات و الفضائل كم تأخذ من وقت الإنسان؟ صلاتنا الواجبة - هذه الركعات السبع عشرة - إذا صلاها الإنسان بدقة و رويّة قد تأخذ من وقته أربعاً وثلاثين دقيقة، و إلا فستأخذ من وقته أقل من هذا. يحدث أحياناً أن نجلس أمام التلفاز بانتظار البرنامج الذي يستهوينا و نشاهد قبله الدعايات و الدعايات و الدعايات لمدة عشرين دقيقة أو خمس عشرة دقيقة، و لا ينفعنا أيٌّ منها و تأخذ من وقتنا عشرين دقيقة، من أجل البرنامج الذي نريده. هكذا تنقضي دقائق عمرنا. ننتظر التاكسي، و ننتظر الباص، و ننتظر صديقنا ليأتي و نذهب لمكان ما، ننتظر الأستاذ الذي تأخر في القدوم إلى الصف، ننتظر خطيب المنبر الذي وافى المجلس متأخراً، كل هذه تهدر من وقتنا عشر دقائق، و خمس عشرة دقيقة، و عشرين دقيقة. فكم سيكون من المهم إنفاق هذه العشرين دقيقة أو الخمسة و عشرين دقيقة أو الثلاثين دقيقة على الصلاة.. هذه الممارسة الراقية الكبيرة.ينبغي الاهتمام بالصلاة بين شباب البلاد أكثر من سائر الشرائح. الشاب يتنوّر قلبه بالصلاة، و يتحلّى بالأمل، و تبتهج نفسه و تغتبط. هذه الأحوال تختص بالشباب غالباً. الشاب يستطيع أصابة اللذة. و إذا وفقنا الله أنا و أنتم وصلينا صلاةً بحضور قلب فسنرى أن الإنسان لا يشبع من الصلاة المصحوبة بالتوجه لله. حينما يتوجه الإنسان للصلاة سيصيب لذةً لا توجد في أي من الملذات المادية. هذا نتيجة التوجه. عدم الاهتمام للصلاة، و الخمول أثناء الصلاة من سمات المنافقين. لا أن كل من أصابه الخمول و الكسل عند الصلاة فهو منافق، لا، يعرِّف الله المنافقين في القرآن و يقول: اعرفهم بهذا. كان في زمن النبي منافقون يصلون لأجل فلان و فلان ولا يؤمنون بالصلاة في قلوبهم. » و إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يرائون الناس «.(4) نعم حينما لا يكون للشخص طرف آخر يخاطبه و لا يتحدث مع الله فسوف يتعب و يمل و تبدو الصلاة بالنسبة له عملاً طويلاً. و الحال ما هي الأربع دقائق؟! إذا خاطب الإنسانُ اللهَ في هذه الحال فسترون أن الصلاة تخطف كما يخطف البرق، و سيتحسّر الإنسان و يودّ لو طالت أكثر.أشيعوا هذا المعنى بين الشباب. إذا تعوّد الشباب منذ الآن على الصلاة الحسنة فلن تكون الصلاة صعبة عليهم حين يبلغون أعمارنا. إذا لم يتعود الإنسان على الصلاة الحسنة و بلغ أمثال أعمارنا، فستكون هذه الصلاة الحسنة صعبةً عليه لكنها ليست مستحيلة. ذلك أنه تعود على الصلاة الحسنة منذ شبابه. و أعني بها الصلاة المصحوبة بالتوجه - ليس معنى الصلاة الحسنة تلك التي تقام بصوت حسن و قراءة جيدة، إنما تعني الصلاة بتوجه و حضور قلب؛ أن يكون قلب المصلي حاضراً بين يدي الله فيتحدث معه من قلبه و بقلبه - و عندئذ تصبح سجيته و لن يجد مشقّة فيها، فيبقى يصلي صلاةً حسنة حتى آخر عمره.ثمة نقطة أشار لها الشيخ قرائتي الآن و كرّرها في الماضي، و ذكرناها نحن تتعلق بقلة المساجد و أماكن الصلاة في المواقع المزدحمة. ينبغي أن يطرح أعضاء الحكومة الحاضرون هنا - الوزراء المحترمون الحاضرون هنا - هذه القضية في الحكومة بجد. جميع المشاريع الهندسية الكبيرة يجب أن تتضمن ملحقاً خاصاً بمسجد أو مصلّى. حينما نخطط لقطارات الأنفاق، و محطات قطارات الأنفاق، ينبغي أخذ المسجد بنظر الاعتبار فيها؛ و حين نخطط لمحطات القطار، أو المطار، لا بد من ملاحظة المسجد فيها. حينما نخطط للأحياء السكنية لا بد من ملاحظة المسجد و قد يلزمنا فيها أكثر من مسجد. هل يمكن أن نصمم حياً سكنياً و ننسى تخطيط شوارعه؟ هل الحي السكني ممكن بدون شارع؟ ينبغي النظر للمسجد بهذه الطريقة. لا معنى للحي السكني من دون مسجد. حينما يستطيع بناة المساكن المكثفة الحصول على تراخيص لبناء هذه المساكن و يبنونها، لا بد من وجود مصلى في الخارطة التي يقدمونها و يحصلون في ضوئها على الترخيص. هكذا يجب أن نتعامل مع المصلی.أشاروا إلى الرحلات الجوية، لا رحلات الحج فقط، بل في شتى الرحلات الجوية الداخلية و الخارجية البعيدة التي تغطي وقت الصلاة لا بد من مراعاة مسألة الصلاة. ليكن هناك وقت للصلاة قبل الإقلاع أو بعد حطّ الطائرة. لا يكن الأمر بحيث يقعلوا قبل أذان الصبح و يحطوا بعد طلوع الشمس، لا، لينظّموا الرحلات بحيث يستطيع الناس أداء صلاتهم. إما قبل الرحلة أو بعدها. و إذا لم يتسنّ هذا - أحياناً تحول ضروراتُ الرحلات الداخلية، و الخارجية، و الخطوط الجوية دون ذلك - ليوفّروا داخل الطائرة إمكانية إقامة الصلاة، و طبعاً يمكن تحديد اتجاه القبلة تماماً. أي إن الطيارين خبراء في ذلك و يفهمون المسألة و يعرفونها، كي يستطيع من يريد الصلاة أداءها داخل الطائرة. و قضية حركة القطارات هي أيضاً على هذه الشاكلة من باب أولى.لا يمكن مقارنة هذه الأمور في بلادنا حالياً بما كان عليه الوضع قبل الثورة. غالبكم لا يتذكر الوضع قبل الثورة. كان وضعاً عجيباً! سواء هنا أو في بعض الأماكن الأخرى. سافرنا إلى العراق لزيارة العتبات المقدسة، و لم يتوقف السائق لصلاة الصبح رغم كل محاولاتنا. أي إن ذلك كان متعذراً. نظموا الأمور بحيث يتعذر ذلك. و اضطررت أن أرمي بنفسي من نافذة في آخر القطار - وكنا بالقرب من المحطة أو في بداياتها - كي استطيع أداء الصلاة، لأن القطار كان وسخاً و لا يمكن الصلاة فيه. على كل حال لم تكن هذه الأمور تراعى أبداً. و قد اختلف الوضع الآن كثيراً. غير أن المتوقع أكثر من هذا. ينبغي أن تتضح أهمية الصلاة.أوصي السادة أئمة الجمعة و الجماعة و رجال الدين المحترمين في المدن و في طهران مراراً، بضرورة عمارة المساجد. ينبغي أن يرتفع صوت الأذان من المساجد. يجب أن يرى الجميع مظاهر الاهتمام بالصلاة و إقامة الصلاة في المدينة الإسلامية - خصوصاً في مدن مثل طهران و مدن البلاد الكبرى - و يشعروا به، سواء أبناء شعبنا أو الذين يدخلون هذه المدن. يجب أن تكون العلامات و المؤشرات الإسلامية واضحةً جليةً. كما ينبغي أن تكون العلامات الإسلامية واضحة في هندستنا. الصهاينة إذا بنوا بناية في أي مكان في العالم يحاولون وضع علامة نجمة داود المشؤومة عليها بشكل من الأشكال. هذا هو أداؤهم السياسي. علينا نحن المسلمين مراعاة العلامات الإسلامية و الهندسة الإسلامية في جميع أعمالنا.على كل حال، نتمنى من الله التوفيق. مسألة الصلاة ليست بالمسألة الصغيرة، إنها قضية كبيرة جداً. جميع العاملين في هذه المجال هم من » و المقيمين الصلاة «(5) إن شاء الله. و قد ذكر القرآن » و المقيمين الصلاة « للإشارة إلى المؤمنين الطاهرين النـزيهين المخلصين خصيصاً. جعلكم الله جميعاً من مقيمي الصلاة و مَنَّ الله تعالى بعونه و توفيقه و متّعنا جميعاً ببركات الصلاة إن شاء الله؟و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.الهوامش:1 - سورة الحج، الآية 41.2 - سورة العنكبوت، الآية 45.3 - علل الشرايع، ج 2، ص 356.4 - سورة النساء، الآية 142.5 - سورة النساء ، الآية 162.
2008/11/18

كلمة الإمام الخامنئي في القائمين على شؤون الحج

بسم الله الرحمن الرحيمنسأل الله تعالى من صميم قلوبنا أن يشمل هممكم و جهودكم ببركاته، و أن تنتهي هذه المساعي التي تبذل خالصة و قربةً إلى الله تعالى للنتائج التي تطمحون إليها في قلوبكم إن شاء الله، أي تحقيق حج إسلامي حقيقي يرضي الروح المطهرة لسيدنا خاتم الأنبياء ( صلى الله عليه و آله و سلّم ).فريضة الحج فرصة منحها الله تعالى لنا. إنها فرصة لشخص الإنسان المسلم، و فرصة للأمة الإسلامية الكبرى، و هي اليوم فرصة لنظام الجمهورية الإسلامية الذي يرفع راية سيادة الإسلام و الشريعة الإسلامية. علينا جميعاً الانتهال من هذه الفرصة.فرصة الحج بالنسبة للفرد المسلم هي فرصة دخول الإنسان إلى مناخ معنوي جد رحيب و واسع. ننتزع أنفسنا من ثنايا حياتنا العادية بكل شوائبها و إشكالاتها و نتجه صوب أجواء النقاء و الروح المعنوية و التقرب إلى الله و الرياضة الاختيارية. منذ بداية دخولكم هذه المراسم تحرّمون على أنفسكم الأمور المباحة لكم في حياتكم اليومية الدارجة.. إنه الإحرام.. أي تحريم أمور شائعة مباحة جائزة في الحياة العادية المألوفة، و الكثير منها مدعاةٌ للغفلة، بل إن بعضها سبب في الانحطاط.تُنتزع منا جميع أسباب التفاخر الظاهري المادي، و أولها الثياب. تُستبعد جانباً المناصب، و المراتب، و الثياب الفاخرة و يرتدي الجميع لباساً واحداً.. لا تنظروا في المرآة لأن ذلك من مظاهر الأنانية و النرجسية. لا تتعطّروا بالعطور الطيبة لأن ذلك أداة من أدوات التظاهر و البروز. لا تهربوا من الشمس أو الأمطار إلى تحت السقوف - أثناء المسير - لأن ذلك من مظاهر طلب الراحة و الدعة. إذا مررتم بمكان تفوح منه روائح كريهة فلا تمسكوا أنوفكم، و كذلك سائر أعمال الإحرام.. تحريم الأمور الباعثة على الراحة و شهوة النفس و الشهوات الجنسية خلال هذه المدة، سواء كانت سبباً في التفاخر، أو سبباً في التمييز؛ كل هذه تُرفع و تزول.بعد ذلك يأتي الدور للدخول في فضاء بيت الله و المسجد الحرام و تلك العظمة و الجلال دون الابتعاد عن البساطة و عدم التجمّل، و الشعور بذلك بالعين، و اليد، و بكل الوجود. العظمة و الجلال و لكن ليس من نوع العظمة المادية و عظمة الأموال و الزينة المادية، بل من نوع آخر لا يمكن حتى وصفه للناس العاديين. و من ثم الدخول في هذا السيل الهادر الدوّار و التحرك حول مركز واحد، و بذكر الله، و الدعاء، و البكاء، و الخشوع، و الكلام مع الله تعالى. و كذا الحال بالنسبة للسعي بين الصفا و المروة بعد ذلك، و الوقوف في عرفات و المشعر، و فرائض أيام منى. هذا هو الحج.أشار الأعزاء إلى أنني أوصيت براحة الحجاج و رعايتهم. نعم، هذا طبيعي، لكن هذه الراحة لا تعني الخمول و اللذائذ. لقد ذكرت للأعزاء القائمين على الحج دوماً طوال الأعوام الماضية أن هذه الراحة تعني فراغ البال لأجل هذا الهيام و الانجذاب و الانقطاع إلى الله. افعلوا ما من شأنه أن يفرغ بال الناس ولا يعيشوا هموماً معينة فيستطيعوا بذلك أداء هذه الفريضة على أفضل وجه. هذه هي الغاية. و إلا، ليس المراد الراحة الحيوانية و راحة الأكل و النوم و الأكل الأفضل و الأكثر، كلا، هذا ليس ذوقي، كي نتوخّى هذه الأمور و نجري وراءها.ليس الحج سفرة ترفيهية إنما هو رحلة معنوية. إنه سفر إلى الله بالجسم و الروح كلاهما. السفر إلى الله ليس سفراً جسمانياً بالنسبة لأهل السلوك، إنما هو سفر قلبي و روحي. و هذا السفر إلى الله هو بالنسبة لنا جميعاً نحن الناس سفر بالجسم و الروح معاً، و لا فائدة من أن نأخذ الجسم إلى هناك و لا نأخذ الروح. أو أن يتحول الحج لا سمح الله بالنسبة لبعض من تتكرر لهم هذه النعمة - حيث يوفّقون للذهاب إلى الحج بشكل متكرر فيشاهدون بيت الله و يزورونه - إلى شيء يبعث على اللاأبالية و عدم الاهتمام، فيعجزون عن الإيحاء لأنفسهم بتلك الثورة الداخلية أو وجدانها في نفوسهم. هذا ليس بالشيء الإيجابي.رحمة الله على المرحوم الشيخ محمد بهاري - و من المقرر أن يقام له في هذه الأيام حسب الظاهر مراسم تكريم سنوية أو ملتقى تكريمي - الذي يقول في إحدى كتاباته أن الدعاء، و الذكر، و ربما الصلاة إذا تكررت من دون توجّه إلى الله فستؤدي إلى القسوة! نصلي و تكون الصلاة سبباً في قسوتنا! لماذا؟ لأن قلوبنا غير حاضرة و غير خاشعة أثناء الصلاة. إذن، هذه الصلاة إما أن تؤدّى بخشوع فتكون مدعاة رقة و قرب و لطف و نقاء، أو تقام بلا خشوع فتكون حسب قوله سبباً في قسوة القلب.كذلك الحج.. ينبغي أداء هذه الأعمال بتوجه و حضور.. » أياماً معدودات « (1) ... » معلومات « (2) ... مجموع أيام الحج و العمرة ليس أكثر من عدة أيام. فرصة الحج الممتدة لعدة أيام تمرينٌ و تعليم تجريبي يرى من خلاله الإنسان أن بالمستطاع العيش على هذه الشاكلة أيضاً.. يمكن العيش بلا تفاخر و لا اكتراث للذائذ المادية. لا أننا نريد أن نعيش حياتنا كلها في حالة إحرام، ليس هذا المراد، ينبغي أن تصيبوا من طيبات الرزق التي أحلّها الله تعالى، إنما يجب تبديد التعلق و التعطّش و اختصار الحياة في هذه الأمور - و هذا ما نعاني منه حيث نظن الحياة هذه اللذائذ و الشهوات المادية و الأهواء الفارغة العبثية - كي نفهم أن بالإمكان تخصيص فصل من الحياة و جزء من الأيام، و ساعات من منتصف الليل لحالة النقاء و الانقطاع إلى الله هذه. هذا ما تتدربون عليه و تتعلمونه هناك. يتعلم الحاج أن بالمستطاع القيام بذلك. انظروا كم هي فرصة عظيمة.عليكم أيها العاملون في شؤون الحج أن تفعلوا ما من شأنه جعل العدد الكبير من الناس الذين يأتون للحج معكم أو المتواجدين هناك - القادمين من بلدان أخرى - يدركون هذه النقطة في الحج و يتعرفون على هذه الفرصة و يندفعون نحو اقتناص هذه الفرصة. هذه من أهم الأعمال التي يضطلع بها العاملون في شؤون الحج سواء رئيس القافلة، أو رجال الدين في الحج، أو مدراء الأقسام المختلفة الثقافية و غير الثقافية. الشعور بأن هذه فرصة توفرت الآن و لا تتوفر دوماً ليس بالشعور الذي ينتاب الجميع. كم من الناس يتمنون يوماً واحداً من أيامكم هناك، لكن الفرصة لا تتوفر لهم. الذين يشتاقون للحج في العالم كثيرون، فاغتنموا هذه الفرصة طالما توفرت لكم الآن. هذه فرصة الفرد و على ضوئها تتبين واجبات مسؤولي الحج و العاملين فيه. هذه الفرصة الأولى.الفرصة الثانية هي تلك التي تتهيأ للأمة الإسلامية التي تتعرض بسبب تعدد قومياتها، و أعرافها، و مناطقها في العالم، و ثقافاتها، و عاداتها، و أذواقها للفواصل و التباعد بشكل طبيعي. فالله تعالى لم يبعث الإسلام لعرق خاص، أو لثقافة خاصة، أو لمنطقة معينة من العالم، بل بعثه للبشرية كافة، و البشر كلهم متباينون عن بعضهم من حيث اللون، و اللغة، و العادات، و الأذواق، و المناخات التاريخية و الجغرافية. إذن، ثمة أرضية للاختلاف في الأمة الإسلامية. و يجب أن لا يظهر هذا الاختلاف و لا يكتسب تحققاً و حالةً فعلية. الحج فرصة كبيرة للأمة الإسلامية كي تلتئم بعض الفواصل الطبيعية أو ربما المصطنعة و المفروضة.الحج فرصة للأمة الإسلامية. من بين هذه الأعداد الهائلة التي تشارك في الحج كل عام خذوا مقطعاً زمنياً من عشرة أعوام و أنظروا كم مليون إنسان يشاركون في الحج من أفريقيا، و آسيا، و أوروبا، و من كل أرجاء العالم، من نساء، و رجال، متعلمين، و غير متعلمين، و ذوي أذواق و مشارب مختلفة. لو ساد نداء الاتحاد » و لا تفرقوا « (3) الإسلامي على هذه الحشود فلكم أن تتصوروا أي حدث عظيم سيقع. ستبهت كل أسباب الاختلاف تلك. واحد سني، و آخر شيعي، و لدى الشيعة فرق مختلفة، و بين السنة فرق مختلفة، و مذاهب فقهية مختلفة، و عقائد مختلفة، و عادات شتى تؤدي للتباين على نحو طبيعي.. كل هذه تجمعها يد الحج العطوفة و تقرِّبها و تكاتف بينها.و أريد أن أذكر هاهنا نقطة على هامش هذه القضية. كم هو جفاء كبير أن يصطنع شخص من وسيلة الوحدة هذه أداةً للشقاق و الفُرقة؟ هذا خطاب للجميع، و ليس فقط لذلك التكفيري السلفي المتعصب الذي يقف في المدينة ويسبّ مقدساتكم.. إنه خطاب للجميع. ليدقق مسؤولو الحج - مسؤولو القوافل و رجال الدين فيها - فلا يصنعوا من وسيلة الوحدة هذه أداةً للتفرقة، و يملأوا القلوب بالأحقاد و الآلام. لن أعدِّد الأمور التي تعتبر أدوات تفرقة. فكّروا بأنفسكم و انظروا ما هي الأشياء التي تملأ قلب الشيعي بالضغينة على أخيه المسلم غير الشيعي، و تملأ قلب السني بالبغضاء على أخيه المسلم الشيعي.. انظروا ما هي هذه الأمور و استخرجوها و أرموها جانباً إذ لا ينبغي جعل الحج و هو مناسبة الوئام و الوحدة و توحيد القلوب و النوايا و العزائم في العالم الإسلامي، لا ينبغي جعله على العكس من ذلك وسيلة للفصل و زرع البغضاء.معرفة هذه القضية و مصاديقها تتطلب الكثير من الوعي و الدقة. هذه أمور في منتهى الجد.الفرصة الثالثة هي الفرصة المتاحة أمام الجمهورية الإسلامية. الجمهورية الإسلامية مظلومة. أقول لكم - و قد قلت هذا لسنوات عديدة - إن الجمهورية الإسلامية نظام تجتمع فيه كافة أركان الاقتدار المعنوي.. إنه نظام مقتدر، لكنه مقتدر مظلوم.. و هاتان الحالتان غير متناقضتين. لماذا هو مظلوم؟ لأسباب شتى منها أن أعداء الجمهورية الإسلامية ولكي لا تنتشر أفكار الجمهورية الإسلامية و مبادئها بين مجتمع المسلمين الكبير يكذبون بحق الجمهورية الإسلامية بمختلف الأشكال و الصنوف.. من الأكاذيب العقيدية و الفكرية إلى الأكاذيب الطائفية و السياسية و التنفيذية.. يفعلون كذا و يفعلون كذا، و يقولون هذا و يقولون ذاك، يفكرون كيت و يعملون كيت.. ثلاثين عاماً و هم يحوكون الأكاذيب ضدنا. أنتم بوصفكم القائمين على شؤون الحج، و الذين تفيض قلوبكم بالاعتقاد و الإيمان بنظام الجمهورية الإسلامية ما هو واجبكم الأول في الحج حينما تلتقون بأخيكم المسلم الذي تعرض لهذا الإعلام؟ الإيضاح. أوضحوا معارف الإسلام و معارف النظام الإسلامي. الجمهورية الإسلامية جمهورية » إسلامية «. أكثريتنا نحن الشعب الإيراني شيعة لكن نظامنا نظام يشمل الشيعة و السنة. و آية ذلك أن إخوتنا السنة في الداخل، و أكثرية عظمة من مسلمي العالم و هم سنة دعمونا و دافعوا عنا في الثورة، و بعد انتصار الثورة، و في الحرب المفروضة، و وقفوا لأجل الجمهورية الإسلامية و قتل بعضهم. هذه هي الجمهورية الإسلامية.ثمة في البلدان الإسلامية سواء في أفريقيا، أو آسيا، و في كل أنحاء العالم، و حتى في قلب البلد الذي مارس ضدها أكثر العداء - أي الولايات المتحدة الأمريكية - مسلمون ليسوا من الشيعة لكن قلوبهم طافحة بمحبة الجمهورية الإسلامية، و محبة الإمام، و محبة هذا الشعب الكبير ذي العزيمة و الإرادة، و ذلك لأن الجمهورية كانت جمهورية إسلامية. أولئك يحرِّفون هذا ويبدِّلونه و يريدون وصم الجمهورية الإسلامية كذباً بوصمة معادة الفرق الإسلامية. اذهبوا و أوضحوا هذه الأمور. ليعلم إخوتنا المسلمون و أخواتنا المسلمات في كل العالم أن هذه الجمهورية جمهوريتهم، و ليعلموا أنه جرى فيها ما يتمنى قلب كل مسلم أن يجري و يحصل. أي مسلم في العالم لا يطمح لسيادة القرآن؟ و قد ساد القرآن هنا.. سادت الشريعة هنا.من في العالم الإسلامي اليوم لم يدمَ قلبه لهيمنة الأجانب و الكفار و نفوذهم في البلاد الإسلامية؟ قلوبهم دامية ولا يستطيعون قول شيء.. لا يسمحون لهم بالكلام. الجمهورية الإسلامية هي ذلك المنبر الكبير، العظيم، العالمي، و الحر الذي ينادي هنا بصوت عالٍ بمكنون قلوبهم و بهتافهم المختنق في حناجرهم. ولهذا يعاديه المستكبرون. هذا هو سبب عداء أمريكا لنا.. إننا نطلق كلام قلوب المسلمين. ليست الشعوب المسلمة مجموعة بضع حكومات فاسدة طبعاً. قلوب الشعوب المسلمة مملوءة قيحاً من نفوذ أمريكا، و تدخل أمريكا، و تكبر أمريكا، و تكبر الاستكبار الأمريكي و غير الأمريكي؛ قلوبها دامية، لكن عيونها بصيرة و أيديها قصيرة. هذا الكلام يُطلق هنا بصراحة من قبل الجميع في كافة مستويات الدولة من أعلاها إلى أدناها. هذه حقائق جد مرنة و جميلة حول الجمهورية الإسلامية، فاذكروها كي يعلمها و يستوعبها العالم الإسلامي و الشعوب المسلمة. طبعاً لا يكون هذا الإيضاح مقتصراً على عدد قليل من الخواص كالطلبة الجامعيين مثلاً ممن يطلعون في البلدان الإسلامية و الجامعات على هذه الأمور بحكم اتصالاتهم و علاقاتهم العامة الدولية المتنوعة، بل ليعلم ذلك جميع الناس. هذه هي فرص الإيضاح أمام الجمهورية الإسلامية.طبعاً أنا لا أعتقد أننا يجب أن نصلح مظهرنا الخارجي و ليكن باطننا ما يكون، كلا، اعتقد بجد أن واجبنا الأول و الأمر الأول الموجّه لنا هو أن نصلح أنفسنا، سواء داخل قلوبنا و بواطننا أو داخل بلادنا.داخل بلادنا أيضاً يجب أن نصلحه نحن. شعبنا شعب مؤمن ذو عزيمة و إرادة.. شعب مستعد و صادق، و لكن ثمة هنا و هناك أفراد و تيارات و مجاميع تتسمّى بمسميات عدة كالنخب السياسية وما إلى ذلك تشوِّش فضاء المجتمع و تحارب فيه النقاء و الصدق، وتعرِّض الجماهير للضبابية الذهنية و الشكوك.هذا الشعب هو ذاته الذي حقق الانتصار لهذه الثورة العملاقة، و أسس هذا النظام المتين العظيم و حافظ عليه بكل اقتدار لمدة ثلاثين عاماً. إنه شعب من هذا الطراز بهذا الإيمان و هذه العزيمة الراسخة. هذه المكتسبات لا تتحقق مجاناً. ما لم يكن الشعب مضحياً و ذو إرادة و عزيمة صلبة لا تتحقق هذه الأمور طبعاً. و نأتي و بسبب عدائنا مع زيد و عمر و هذه الحكومة و تلك الحكومة و المسؤولين التنفيذيين أو مسؤولي كذا و كذا، نعرِّض أساس النظام للشكوك و الاستفهامات، و نرسم له صورة سوداء حالكة! الشيء الذي يمارسه بعض النخبة السياسيين للأسف.الأجواء الإعلامية للبلاد.. و الأجواء الصحفية.. و أجواء الإعلام السياسي في البلاد ليست أجواء تبعث على الارتياح أبداً. علينا استلهام الدروس من الإسلام لأعمالنا، و سلوكنا، و مواقفنا، و أن نعلم أن النظام الإسلامي، و البركات الإلهية، و الفضل و الرحمات الربانية تستمر و تبقى طالما كنّا ملتزمين مقيدين، إذ ليس لله قرابة معنا. قلتُ مراراً إن بني إسرائيل هم الذين يقول الله تعالى عنهم كراراً في القرآن: » اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم و أني فضلتكم على العالمين «(4). فضّل الله بني إسرائيل على العالمين، لكنهم بسبب بطرهم لم يعرفوا قدر النعمة الإلهية و كفروها قيل لهم » كونوا قردةً خاسئين « (5)، » ضربت عليهم الذلة و المسكنة «(6).. فتحوّلوا إلى هذا الحال.الرحمة الإلهية تنـزل علينا و تشملنا حينما نراقب أنفسنا و نروّضها.. نراقب كلامنا و تصريحاتنا و أفعالنا و إعلامنا. مناخ اللاأبالية في الكلام و التصريح ضد الحكومة و ضد فلان و فلان لأغراض خاصة ليس بالشيء الذي يتجاوز عنه الله تعالى بسهولة.. يقول الله تعالى » و اتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة «(7).. نعم، بعض أنماط الظلم و بعض الممارسات تعود نتائجها و آثارها على الجميع و ليس على ذلك الظالم فقط، و ذلك بسبب سلوك عدد من الناس ممن يمارسون الظلم في أقوالهم و في أعمالهم و في أحكامهم و تقييماتهم. ينبغي الحذر من هذه الأمور.يجب أن يكون الحج درساً لنا.. درساً للحاج الذي يذهب للحج، و لنا أيضاً نحن الذين ننظر و ندعو ونتمنى أن يؤدوا إن شاء الله حجاً مقبولاً كاملاً. وفقنا الله جميعاً لأن ننتفع أقصى المنفعة من دروس الحج.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.الهوامش1 - البقرة، 184.2 - الحج، 28.3 - آل عمران، 103.4 - البقرة، 47.5 - البقرة، 65.6 - البقرة، 61.7 - الأنفال، 25.
2008/11/04

كلمة الإمام الخامنئي في طلاب المدارس و الجامعات عشية ذكرى 13آبان

بسم الله الرحمن الرحيمأولاً أرحب بكم جميعاً أيها الشباب الأعزاء، طلبة الجامعات و المدارس، و أبناء الشعب الإيراني الأعزاء. و هذه هي رسالتي القلبية و تحيتي الدائمية لكل شبابنا الأعزاء في كل أنحاء البلاد.أقيمت هذه الجلسة بمناسبة الثالث عشر من آبان الذي نحن على اعتابه. و الثالث عشر من آبان يوم مهم جداً. إنه يوم طلبة المدارس بمعنى من المعاني، و يوم طلبة الجامعات بمعنى من المعاني، و يوم ثبات الشعب الإيراني مقابل مكر الاستبكار بمعنى من المعاني. أذكر بهذه المناسبة نقطتين أو ثلاثاً لكم أيها الأعزاء.النقطة الأولى هي أنكم بوصفكم ممن يعشقون شموخ إيران الإسلامية و تعدون أنفسكم جنود الإسلام بحق، تتحملون على عاتقكم مسؤولية كبيرة لصناعة المستقبل. هذه هي خصوصية المدرسة الصادقة و المنهج الحق و الواقعي. الكل مسؤولون. و الشاب أيضاً و هو في عنفوان ازدهار مواهبه من المسؤولين. المسؤولية لا تقع فقط على الشيوخ و الكهول، إنما يتسنى القول بنظرة معينة أن الشاب يتحمل مسؤولية أكبر. لماذا؟ لأن قدرات الشاب، و تفتّحه، و قواه أكبر من الآخرين. على الشاب أن يشعر في داخله و في قلبه و وجدانه أنه يتحمل مسؤولية حيال مستقبل هذا البلد، و مستقبل هذا الشعب، و مستقبل هذا التاريخ. الشعور بالمسؤولية هو الذي جعل معظم الشباب الملتزم يتوجّه لسوح الدفاع خلال فترة الدفاع المقدس. كان بوسع الشباب أن يبقوا في بيوتهم تحت ظلال آبائهم و أمهاتهم ورعايتهم و تدليلهم، فلا يرابطون أثناء الشتاء في جبال الغرب الشاهقة المغطاة بالثلوج، و لا يتواجدون صيفاً في صحاري خوزستان اللاهبة. لكن الشعور بالمسؤولية لم يدعهم ينشدون الراحة بل زحفوا إلى الميدان وحققوا هذه النتيجة المعجزة.أرغب أن يتعرف شبابنا على قصة الحرب المفروضة طوال ثمانية أعوام. قلنا هذا مراراً، و قاله غيرنا و تم شرحه و إيضاحه. لكن نظرة شاملة لهذه الأعوام الثمانية في ضوء التفاصيل والملابسات مهمة جداً للبرمجة لمستقبل شبابنا في الوقت الحاضر. و قد دوّنت كتب جيدة لحسن الحظ. مع أني لا وقت لدي كثيراً حينما أنظر في العديد من الكتب التي ظهرت حول قضايا الدفاع المقدس أجدها مفيدة بالنسبة لي. اقرأوا هذه الكتب، و اعلموا، و انظروا. تعرفوا على سير هؤلاء الشباب البارزين. البعض من هؤلاء الشباب البارزين في ساحة الحرب هم نفسهم الذين صنعوا في يوم الثالث عشر من آبان تلك الملحمة العظيمة، و التحقوا بعد ذلك بساحة الحرب. و الكثير منهم من الوجوه الخالدة الحقيقية في تاريخنا. هذا هو الشعور بالمسؤولية.في حرب الثماني سنوات حينما تحالفت جميع القوى المهيمنة في العالم يومذاك - سواء الاتحاد السوفيتي يومها، أو أمريكا، أو فرنسا، أو الكتلة الشرقية الأوربية يومذاك، أو بلدان المنطقة الرجعية - و أغدقوا المال و القوة و المعلومات و السلاح على النظام البعثي، و وقفوا بوجه بلد و شعب لم يكن له سوى الإرادة و الإيمان؛ لم يكن له سلاح، ولا عتاد، ولا معلومات كافية و وافية؛ لكن الإيمان جعلهم صلبين كالفولاذ و الصخور. حصلت المواجهة بين هذين الجانبين و انتصر هذا الجانب على ذاك. أي إن قوة الإيمان لدى الشعب الإيراني انتصرت على تلك القوة الهائلة الكبيرة التي تمتعت بالمال و المعلومات و السلاح و المعدات و كل شيء. هذا هو الشعور بالمسؤولية.وقبل قضية الحرب المفروضة، أي في أحداث الثورة أيضاً صنعت إرادة الشباب و شعورهم بالمسؤولية هذه المعجزة التاريخية الكبرى، حيث اسقطت الأيدي الصامدة المؤمنة الخندق و الحصن الحصين للاستكبار في المنطقة وأعني به النظام الملكي في إيران، وأقامت مكانه نظاماً شعبياً إسلامياً. هذا هو الشعور بالمسؤولية.غد هذا البلد، وغد هذا الشعب بحاجة لشعوركم بالمسؤولية اليوم. لماذا يجب أن تشعروا بالمسؤولية؟ من أجل بناء أنفسكم، من أجل بناء أنفسكم علمياً، و إيمانياً، و من حيث التقوى. ضاعفوا من بصيرتكم، وزيدوا من وعيكم بالحاضر و الماضي و المستقبل. بعد عشر سنين أو اثنتي عشرة سنة ستكونون أنتم المجتمعين هنا كلكم و نظائركم في كافة أرجاء البلاد شباباً متخرجين دخلتم ساحة حياة الشعب الإيراني و سيكون الكثير منكم قد ألقيت بعض المسؤوليات على عاتقه. رؤساء الجمهورية في المستقبل، و وزراء المستقبل، و مدراء المستقبل، و الشخصيات البارزة في شتی القطاعات مستقبلاً - الشخصيات التي تُخطِّط، و تبرمج، و تفكر، و تنظِّر لإدارة البلد - ستظهر منكم. أولئك المدراء و المبرمجون يجب أن يكونوا علماء، و يجب أن يكونوا متدينين و نزيهين و ذوي بصائر بالمعنى الحقيقي للكلمة. و هذا لا يتاح إلا إذا أعددتم أنفسكم له من الآن. هذه النقطة الأولى.أنتم أبنائي، و الإنسان يتمنّى لأبنائه أفضل الأشياء. وهذا هو الأفضل. يجب أن تعدوا أنفسكم. هذا طريق سلكه هذا الشعب. ليس طريقاً ينتهي اليوم أو غداً أو في المستقبل القريب. إنه طريق رفعة شعب. طريق تلافي التخلّف طوال القرن أو القرنين الماضيين. وسأذكر في النقطة اللاحقة أنه من المهم جداً أن تعدوا أنفسكم اليوم للمستقبل.النقطة الثانية هي أن نظام الجمهورية الإسلامية يتميز بمعارضته و اختلافاته مع عالم الاستكبار و مع أمريكا و الحكومات الأخرى من الكتلة الاستكبارية. لماذا هذا الاختلاف؟ هذه نقطة مهمة. ما هو سبب هذا الشجار بحيث أن المحللين اليوم حين يحللون يقولون إن أمريكا حين تدخل في مختلف قضايا العالم اليوم، لا بد أن تنظر بطرف عينها إلى الجمهورية الإسلامية و الشعب الإيراني؛ لماذا؟ ما هو السبب؟ نحن أيضاً حينما ننظر لقضايانا الداخلية نرى أن الكثير من مشكلات شعبنا و بلادنا ترجع بشكل أو بآخر إلى الضغوط الأمريكية؛ لماذا؟ ما هو السبب؟ ينبغي النظر لهذه النقطة و البحث فيها بدقة.ليس الخلاف حول بضع قضايا سياسية. بلدان اثنان قد يختلفان حول بعض القضايا فيجتمعان و يحلّان هذا الخلاف بالتفاوض و ينهيان المسألة. قضية الجمهورية الإسلامية و الحكومة الأمريكية المستكبرة ليست من هذا القبيل. القضية هنا قضية مختلفة ذات جذور أعمق. القضية هي أن نظام الولايات المتحدة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية ادعت أنها القوة العظمى المطلقة في العالم. طبعاً كان الاتحاد السوفيتي يومذاك يقف بوجهها، بيد أن التنافس بين أمريكا و الاتحاد السوفيتي يومذاك لم يكن مجرد تنافس بين قوتين عظميين. أرادت أمريكا وضع يدها على جميع المصادر الحيوية في العالم. و قد كانت المنطقة العظيمة و الحساسة التي تسمى الشرق الأوسط و شمال أفريقيا و الخليج الفارسي - منطقة النفط - في قبضة القوة الأمريكية عملياً. النفط هو الدم الحيوي لحركة العالم المعاصر. و لا ندري ماذا سيحدث غداً، لكن اليوم و في هذا العالم فإن النفط رصيد الإنتاج و رصيد الحرارة، و سبب النور و الإضاءة، و هو في الواقع سبب الحياة لكثير من البلدان. لولا النفط لما كانت المعامل و الإنتاج و التجارة. النفط يعني الدم؛ يعني الحياة. و الجزء الأكبر من هذا النفط موجود في المنطقة؛ المنطقة التي تسمى الشرق الأوسط. و الهيمنة على هذه المنطقة مهم و قد كانت أمريكا مهيمنة.إيران تقع في وسط الشرق الأوسط، و قد كانت الحصن الرئيسي للاستكبار. و كان حول إيران بلدان عدة سيطرت أمريكا على كل واحد منها بنحو من الأنحاء. و كان للاتحاد السوفيتي في تلك الفترة تطاولاته و أياديه، لكن الغلبة كانت لأمريكا و كان لا بد لهذا السياق أن يستمر. طبعاً، الطمع لم يكن مقتصراً على هذه المنطقة و على النفط، فقد انهمك الأمريكان في تكريس هيمنتهم على أمريكا اللاتينية، أفريقيا، و شرق آسيا، و الأماكن الأخرى - و لا مجال لتحليل ذلك الآن، بل سأطرح هذا الموضوع عليكم أيها الشباب في مناسبة قادمة - و كانوا يحققون تقدماً في هذا الجانب و يعززون هيمنتهم يوماً بعد يوم، و يفرضون التراجع على منافسيهم باستمرار.في ذروة هذا الطمع و الاستزادة في الاقتدار الاستكباري في أكثر المناطق حساسية اندلعت الثورة الإسلامية في إيران و كان أبرز شعاراتها مواجهة الظلم والاستكبار و الدفاع عن حقوق الشعوب. أخرجت الثورة الإسلامية هذه النقطة الرئيسية أي إيران من تحت السيطرة الأمريكية. ذات يوم، كان للأمريكيين عملاؤهم في بلدكم هذا، و في طهران هذه، و في مناطق البلاد المختلفة، و في جميع نقاطها الحساسة. عناصرهم و عملاؤهم كانوا الكل بالكل في القوات المسلحة، و في القطاعات المالية و الاقتصادية، و في القطاعات السياسية الحساسة، و في الأجهزة الأمنية. الشاه نفسه الذي كان رئيس جميع أجهزة البلاد و يتدخل في جميع الأمور كان ينظر لما يقوله سفير أمريكا و سفير بريطانيا. إذا أرادوا شيئاً وأصرّوا عليه فكان يجب عليه أن يطيعهم فيه شاء ذلك أم أبى. و لم يكن يريد ذلك أحياناً، لكنه كان مضطراً للطاعة فكان يطيعهم. طُرد الأمريكان من مثل هذا البلد، وقد كان هذا طبعاً حدثاً مهماً جداً. لم يكن جرحاً بسيطاً.عادةً ما ترتبط الدول المستكبرة بالبلدان و تبث سمومها هناك و توفر فرص التجسس و إمكاناته عن طريق سفاراتها في تلك البلدان - و هذا ما يفعلونه الآن أيضاً و هو حالة دارجة في العالم حيث يرتكبون مفاسد شتى عن طريق السفارات - فراحوا يعملون و ينشطون عن هذا الطريق. لكن الشباب من الطلبة الجامعيين و تحت عنوان » الطلبة الجامعيين المسلمين السائرين على خط الإمام « أحبطوا هذا المكر أيضاً. ساروا و استولوا على السفارة و استخرجوا الوثائق منها. طبع لحد الآن نحو مائة مجلد من الكتب هي في الحقيقة وثائق. لا أدري هل قرأتم أيها الشباب كتب وثائق وكر التجسس، و هل تقرأونها أم لا؟ إنها جديرة بالقراءة حقاً. لاحظوا ما الذي كانت سفارة أمريكا تفعله يومذاك في إيران، و من الذين كانت ترتبط بهم، و ما الدور الذي مارسته طوال أعوام ما قبل الثورة.نهض طلبتنا الجامعيون بهذا التحرك الكبير. و الأمريكان لا يكتمون لحد الآن غيضهم من هذه الخطوة. و للأسف فإن بعض العناصر النادمة، و المتعبة، و المتقلبين - الذين يفعلون ما يفعلون انطلاقاً من أهوائهم و نزواتهم، ثم ينشدون الراحة في حياتهم فتتغيّر أهواؤهم و نزواتهم - من بين أَولئك الشباب الذين كانوا يومذاك، حكموا و لا زالوا بخطأ هذه الخطوة، و لكن اعلموا أنها كانت خطوة كبيرة جداً. و كما قال الإمام الخميني فإنها أكبر حتى من الثورة الأولى لأنها انطوت على انهيار الهيمنة الأمريكية و الاستكبار الأمريكي في إيران و العالم.وقعت مثل هذه الحادثة الكبيرة و لم تكن جرحاً صغيراً. و لم تنته القضية بهذا الحد، فاستمرار النظام الإسلامي الثوري و تقدمه إلى الإمام و فتوحاته على الصعد المختلفة، في المجال العسكري كالدفاع المقدس، و في شتی الصعد الاجتماعية و السياسية و تأثيراته المتصاعدة علی‌ الشعوب الأخری، إذ حينما شاهدت الشعوب - شعوب هذه المنطقة و الشعوب المسلمة الموتورة و التي لم يكن لها قائد - وقوع مثل هذا الحدث في إيران فكأنه عبّر عمّا في قلوبها. لذلك عشقت الشعوب النظام الإسلامي و القيادة الإسلامية، و قيادة الإمام ( رضوان الله تعالى عليه ) و نظام الجمهورية الإسلامية، و لا يزال الحال كذلك اليوم أيضاً. لا تزال الشعوب في العالم الإسلامي - من غرب العالم الإسلامي إلى شرقه، و في كل مكان - اليوم أيضاً تنظر بعين الإعجاب و الاستحسان و الغبطة لشعب إيران و لهذه الحركة. و هذا ما كان يعمِّق الجرح الأمريكي و يزيد محفزات أمريكا لمعارضة الجمهورية الإسلامية.تريد أمريكا أن يرفع نظام الجمهورية الإسلامية يديه إلى الأعلى و يعلن عن تعبه، و يندم على فعلته، و ينخرط ضمن مجموعة عملاء النظام الطاغوتي و مرتزقته و أتباعه. هذا ما يريده النظام الاستكباري. ما تريده أمريكا من الشعب الإيراني هو أن يقبل التبعية، و يخسر استقلاله الذي حازه، و يستسلم بنفسه للقوة الأمريكية مرةً أخرى. هذا ما يتوقعونه من الشعب الإيراني لذلك يوجّهون ضده هذه الضغوط. يضغطون من أجل إتعاب حكومة الجمهورية الإسلامية و إتعاب الشعب؛ لكي يقول الشعب وهو في وسط الطريق: يكفي، لقد تعبنا؛ و لكي تتراجع الحكومات أيضاً وتتمكن أمريكا من استئناف ذات الأسلوب الذي كان لها سابقاً مع هذا البلد، و الذي تمارسه اليوم مع بعض البلدان الأخرى. إنهم يريدون التبعية.و القضية على نفس الدرجة من العمق من جانب نظام الجمهورية الإسلامية و الشعب الإيراني أيضاً. ليست مشكلة الشعب الإيراني مع أمريكا مشكلة الممارسات و الأفعال الحالية، إنما هي مشكلة خمسين و نيف سنة من الأعمال الإيذائية و الخبث الذي مارسه ذلك النظام ضد شعب إيران. منذ عام 1332 و إلى اليوم. منذ أعوام طويلة قبل الثورة، خصوصاً حينما انطلقت نهضة الإمام ( رضوان الله عليه ) و نهضة رجال الدين و إلى انتصار الثورة تآمروا بكل ما أرادوا ضد شعب إيران، و وجّهوا له الضربات، و الخيانات، و الضغوط، و استعملوا معه مختلف الأساليب الاستكبارية. و بعد انتصار الثورة - وقد مضت عليها ثلاثون سنة - لم يمض يوم كان لأمريكا فيه نيّة حسنة تجاه الشعب الإيراني، فتعتذر عن أعمالها السابقة، و تتخلى بصدق عن الاستكبار و الطمع في تعاملها مع شعب إيران. قضيتنا مع أمريكا ليست أننا نختلف معهم في وجهات النظر حول بضع قضايا عالمية، أو دولية، أو إقليمية، فنذهب و نعالجها بالمفاوضات. القضية كقضية الحياة والموت، والوجود واللاوجود. هذه هي النقطة الثانية التي يجب أن تعلموها أيها الشباب و هي أننا لسنا أهل نزاع و صراع، بل أهل حفاظ على هويتنا، و استقلالنا، و عزتنا. و كل من يريد سحق عزة الشعب الإيراني و إهانته، و مدّ يد الهيمنة عليه، فإن الشعب الإيراني بغيرته و إيمانه سيقطع تلك اليد.النقطة الثالثة و الأخيرة هي ماذا ستكون نهاية هذه المواجهة؟ إنها نقطة مهمة؟ كافة الأجهزة الإعلامية الغربية و خصوصاً الأمريكية - الأجهزة الفنية، و الصحفية، و الأجهزة الإعلامية المختلفة، و الأجهزة البحثية السياسية أو العلمية في ظاهرها - تحاول الإيحاء بأن نهاية هذا الدرب بالنسبة لشعب إيران طريق مسدود و أن أمريكا سوف تتقدم و تنجح! هذا محض كذب، فالقضية على العكس من ذلك. نهاية هذا الدرب طريق مسدود لنظام الطاغوت و النظام الأمريكي المستكبر. والدليل الواضح على ذلك هو أنه لو تقرّر أن يستطيعوا دحر الشعب الإيراني لاستطاعوا ذلك يوم لم يكن لهذا الشعب كل هؤلاء الشباب، و كل هذا التقدم، و كل هذه التجارب، و لم يكن قد انتصر في معركة كبيرة كالدفاع المقدس، و لم يكن قد عرض قدراته في الميادين السياسية المختلفة. لو كان بوسعهم هزيمة الشعب الإيراني لأمكنهم ذلك في تلك الآونة و لهزموه في ذلك الحين، و ليس اليوم حيث تجربة الشعب الإيراني أكبر، و يده أقوى، و إمكاناته العلمية أكثر تطوراً بكثير من ذلك الماضي، و قدراته العسكرية أضعاف أضعاف ما كانت عليه في تلك الأيام، ولسانه أمضى و أنفذ بين الشعوب من السابق، و له شباب أكثر مما كان له. الشباب يومذاك كانوا أقلية بين شعب إيران الذي بلغ عدد سكانه أربعين مليوناً و خمسة و أربعين مليوناً، ثم خمسين مليوناً تدريجياً. و اليوم الشباب أكثرية بين شعب إيران البالغ سبعين أو سبعين و نيّف مليون نسمة. سمعة أمريكا في تلك الآونة كانت أوفر بكثير مما هي عليه حالياً. فأمريكا فقدت اليوم سمعتها و ماء وجهها في العالم. ليس الشعوب المسلمة وحسب، بل حتى الكثير من الشعوب الغربية أعرضت اليوم عن أمريكا. العديد من الخبراء في داخل أمريكا و الكثير من أبناء الشعب الأمريكي يعارضون النظام الحاكم هناك.لقد فَضحت اليوم الشعارات الأساسية الأمريكية التي جزّوا بها رؤوس الشعوب و ذبحوها و أسقطوا الحكومات الوطنية، و منها شعار حقوق الإنسان، و الديمقراطية.لقد عرضوا إيمانهم بحقوق الإنسان في سجون أبي غريب، و غوانتانامو، و العديد من السجون الأخرى. و يعرضون إيمانهم بحقوق الإنسان في المذابح المختلفة في أفغانستان، و في باكستان اليوم. و يعرضون ديمقراطيتهم في فلسطين المحتلة. هناك حكومة شعبية تتولى الأمور - حكومة حماس التي استلمت زمام الأمور بانتخابات الشعب - و يريدون بشتى صنوف اللعنات و الخبث أن يضغطوا عليها. و هم يعرضون ذلك في العراق حيث يريدون فرض المعاهدة الأمنية بالقوة. لقد خنقوا الجميع من شدة ضغوطهم. و اليوم حيث رفع الشعب العراقي و المسؤولون العراقيون رؤوسهم وأعلنوا رفضهم، راحوا يضغطون ويهددون، و الحال أن الحكومة الحالية في العراق تولت السلطة بأصوات الشعب. ما معنى الديمقراطية؟ أليس سوى هذا؟ اعترف خبراؤهم كراراً طوال هذه السنوات وكتبوا في تقاريرهم أن الجمهورية الإسلامية هي أكثر البلدان ديمقراطية في الشرق الأوسط. فيها انتخابات و رئيس الجمهورية، و نواب المجلس، و القيادة نفسها، و نواب مجلس خبراء القيادة ينتخبون بأصوات الجماهير. هم يعترفون بذلك. و مع ذلك يتعاملون مع الجمهورية الإسلامية بهذه الطريقة! لقد بليت شعارات الجمهورية، و الديمقراطية، و حقوق الإنسان هذه. حتى أبناء الشعوب العاديين لم يعودوا يصدِّقون هذا الكلام ناهيك عن الخبراء و النخبة.أي بلد من بلدان العالم يزوره رئيس الجمهورية الأمريكي اليوم، تتجمع جماهير ذلك البلد و يخاطبونه: عد إلى بيتك، يانكي، عد إلى بيتك. فهل فوق هذا إراقة ماء وجه؟ هذه هي سمعة أمريكا اليوم. لو كان بإمكان أمريكا صدّ الشعب الإيراني و إيصاله إلى طريق مسدود لفعلت ذلك في تلك الآونة حيث لم تكن سمعتها على هذه الحال. أما اليوم فلا يمكنها.أقول لكم أيها الشباب الأعزاء! المستقبل لكم. المستقبل لشعب إيران. مستقبل الشعب الإيراني هو الوصول لقمم العلم، و الاقتدار، و الرفاه، و الشرف السامقة. هذا هو مستقبلكم المحتوم، و هو الوعد الإلهي. وعدنا القرآن و الإسلام أن الشعوب إذا تحركت و أبدت الإيمان و الغيرة و لم تتعب و صبرت و استقامت، فسوف تبلغ أهدافها لا محالة. لقد اختبرنا ذلك لحد الآن و صمدنا و وصلنا أهدافنا الوسيطة. و لدينا بعض المشاكل في بعض المواطن لأننا لم نصمد، و الذنب هنا ذنبنا. لستُ ممن يجهل مشاكل البلد. كلا، أعلمها. حيثما كانت لدينا مشاكل - انعدام العدالة أو الفقر - فالسبب هو أننا المسؤولين و أبناء الشعب لم نصمد من أجل تحقيق هذه الأهداف. و لو صمدنا لصلُحت تلك الأمور أيضاً. الذنب ذنبنا. يجب أن نقف و نصمد.و أنتم أيها الشباب الأعزاء - تنظيمات طلاب الجامعات، وطلاب المدارس، والشباب خارج التنظيمات - اعلموا أن وحدة الشعب الإيراني، و وحدة الشعب و الحكومة، و الاتحاد بين مسؤولي البلاد هو سرّ الانتصار، و هذا ما يريدون إفساده. أنا أؤمن بشعارات الشباب و الشبيبة، و لكن احذروا من أن تزرع هذه الشعارات الخلاف و تضمن إرادة الأعداء. لا تلعبوا في الساحة المُعدَّة من قبل الأعداء. احذروا من هذا. ليحذر الجميع. ليحذر رجال السياسة أيضاً، و الصحفيون كذلك، و الشباب، و المسؤولون أنفسهم.العدو يُخطط، فلا تلعبوا في الساحة التي يُعِدُّها، لأنه سينتفع من ذلك سواء فزتم في اللعبة أم خسرتم. خطة العدو هو إيجاد الخلافات و بث اليأس و إشعال الشجارات بين الناشطين السياسيين، و عزل الخط الأصيل و القيم الإسلامية. هذه الأعمال من مخططات الأعداء؛ إلهاء الشباب بالأهواء و اللغو و إغفالهم عن المسار العام للشعب الإيراني، و تعطيل المدارس، و تعطيل صفوف الطلبة الجامعيين. هذه مخططات الأعداء، و ينبغي الحذر منها. يجب الوقوف بوجه أية ممارسات تُفضي إلى هذه المخططات. ينبغي الحفاظ على الوحدة، و الأمل، و مضاعفة السعي باستمرار، و يجب انتهاج الصدق مع البعض و تقريب القلوب، و العمل بجد و حماس في الواجبات الاجتماعية المختلفة.البعض بدأ بالأنشطة الانتخابية من الآن و استعجل الأمر رغم أن هناك الكثير من الوقت. القضايا الانتخابية هذه مهمة جداً و أهميتها تكمن قرب الانتخابات و لأجل المشاركة فيها، لكن أهميتها اليوم تأتي من ناحية إشغال الأفراد ببعضهم، و إشعال الشجارات بينهم، و الإساءة لبعضهم، و صرف الأذهان عن القضايا الرئيسية، فكونوا يقظين.وأنا أعلم أن الشعب الإيراني و بتوفيق الله و فضله سيجتاز هذه المنعطفات المتتالية و المتنوعة بكل اقتدار، و سيبلغ القمم إن شاء الله.اللهم اجعل اللقب المقدس للإمام المهدي المنتظر عطوفاً علينا؛ اشملنا بأدعيته؛ احشر إمامنا العزيز و شهداءنا الأبرار مع أوليائهم؛ وفقنا جميعاً للسير في السبيل القويم.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
2008/10/28

كلمة الإمام الخامنئي في مراسم تخرّج طلبة جامعة الإمام علي (ع) لضباط الجيش

بسم الله الرحمن الرحيم أبارك لكم أيها الشباب الأعزاء مساهمتكم في منظومة قوات الجمهورية الإسلامية الإيرانية المسلحة الزاخرة بالمفاخر . هذا الزي هو زي الفخر، إذ أنكم بتواجدكم، و خدمتكم، و الخصال الإنسانية البارزة لجنود الإسلام تبعثون الأمل في قلوب شعبكم و بلادكم و أرضكم الإلهية المقدسة.القوات المسلحة في كل مكان من العالم تعدّ من المكوّنات المهمة جداً للاقتدار الوطني في البلدان، بيد أن هذا الاقتدار و هذا المظهر من مظاهر القدرة الوطنية يكتسب أهمية و قيمة مضاعفة حينما لا تكون تجلياته مجرد اقتدار يحققه السلاح. السلاح مهم و الرجل المسلح قادر علی الدفاع. إلا أن الأهم من السلاح هو القوة المعنوية و القدرة الروحية للرجل المسلح. هذا ما يجعل الاقتدار الوطني للبلد اقتداراً معنوياً و حقيقياً لا يقبل الزوال. إذا كان للشعب رجال و شباب مسلحون و جنود شجعان رشيدون استضاءت قلوبهم بأنوار الإيمان و تعززت إرادتهم بقوة الإيمان و صلابته، فسيكون له اقتدار قلّ ما يمكن ملاحظة نظير له في كل أنحاء العالم بل علی مرّ التاريخ. و أنتم اليوم ترتدون مثل هذا الرداء.القوات المسلحة في جمهورية إيران الإسلامية لا تعبّر عن عظمتها و هيبتها بقدرة السلاح فقط، إنما يعود اقتدارها المعنوي إلی قوة إيمانها. يرتدي الجندي الإيراني و العسكري الإيراني و الشاب الإيراني الإسلامي المسلح هذا الزي و يبقی علی استعداد تام من أجل الله، و من أجل الإنسانية، و لنشر التوحيد، و للدفاع عن القيم الأصيلة. إذا كانت الجيوش قد تأسست و استخدمت في العالم المادي اليوم و علی امتداد التاريخ من أجل إشباع نزعات الحرص و الطمع الملتهبة لدی الجبابرة، و إذا كانت الجيوش المسلحة في العالم اليوم وسائل بيد القوی الكبری تفرض بها منطق القوة، فإن القوات المسلحة في الجمهورية الإسلامية فدائيو الفضائل، و هم يتدربون و يقاومون و يصمدون في الميادين في سبيل تكريس الفضائل الإنسانية و القيم الإلهية. هذا هو ما سيحقق بالتالي النصر الحاسم الأكيد. و هذا ما ينبغي المحافظة عليه.التجارب المتجددة في العالم اليوم تكشف للإنسان حقائق عجيبة. يلاحظ العالم اليوم أن الجيش المدجّج بالسلاح الذي استطاع فرض الاستسلام مقابل هيبته و اقتداره علی نظائره من الجيوش في البلدان العربية، اضطر حيال إيمان الشباب الشجعان البسلاء في حزب الله أن يرضی بذلة الهزيمة و أن يعترف بضعفه و عجزه أمام هؤلاء الشباب المؤمن. هذا معناه تفوّق الاقتدار المعنوي علی‌القدرات المادية.شبابنا الأعزاء في الجيش، و في الحرس، و في التعبئة، و في قوات الشرطة، و في كل قطاع من قطاعات القوات المسلحة المجيدة في الجمهورية الإسلامية - باعتبارهم أفراداً يتحلون بالإيمان و المعنوية إلی جانب استعداداتهم القتالية في أزياء جنود الإسلام - لهم امتياز استثنائي بين كل القوات المسلحة في كل العالم.. فاعرفوا قدر هذا.أعزائي، إنكم تهيّئون أنفسكم كي تكونوا طوال سنوات خدمتكم - بوصفكم الأفراد الذين تم الاطمئنان و الثقة بهم، و بإرادتهم، و بشجاعتهم للدفاع عن هذا الشعب - مرفوعي الرأس أمام شعبكم. لقد سلكتم هذا السبيل و رسمتم لأنفسكم مثل هذا المستقبل. شعبنا دعامة للقوات المسلحة و يعتبرها منه و جزءاً لا يتجزّأ من كيانه. و كما قال عظماء الدين فإنكم الأسوار و الحصون المنيعة لهذا الشعب. تذكروا هذا في كل مراحل التدريب و كل مراحل الخدمة و لا تبعدوه عن بالكم. الحصون المنيعة لشعب ثار باسم الله و باسم العدالة و استطاع بفضل إيمانه، و صلابته، و شجاعته، و إيثاره فرض التراجع علی‌ الأعداء المتسلحين بأحدث الأسلحة. كل الأعداء الذين تصوروا في مطلع الثورة الإسلامية و تشكيل نظام الجمهورية الإسلامية أن هذا النظام لن يستطيع الصمود أمام عواصف المعارضات، شخّصوا اليوم و بعد تجربة ثلاثين عاماً و راحوا يعترفون أن الجمهورية الإسلامية هي الأقوی. إنكم الأقوی‌. هذه القوة والقدرة إنما هي بفضل الإيمان الذي تحملونه.. اعرفوا قدر الإيمان و عززوه في أنفسكم.واجبات الفرد المسلح في القوات المسلحة للجمهورية الإسلامية هي التعلم الجيد، و الانضباط الجيد، و الاستعداد الدائم، و الإخلاص، و الصفاء، و النورانية المعنوية.. اجمعوا كل هذه الخصال لأنفسكم معاً‌، و اغتنموا فرصة الشباب للتحلي بهذه الفضائل الكبری. إنكم اليوم في أفضل سنوات عمركم، و بإحرازكم الفضائل المعنوية‌ الضرورية للإنسان المضحّي المؤمن المرفوع الرأس أمام الله و الناس بوسعكم أن تكونوا عباد الله الكفوئين و الرجال العظماء في عصركم. جيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية كان دوماً بحاجة لرجال عظماء يستطيعون الاضطلاع بالواجبات المهمة الكبيرة لهذه المؤسسة، و الحمد لله أنه توفر طوال فترة ما بعد الثورة و إلی اليوم علی مثل هؤلاء الرجال، و بعدها يجب عليكم أنتم أن تتحمّلوا هذه الأعباء الثقيلة.أسأل الله تعالی أن يوفقكم يا شباب هذا الشعب الأعزاء و يا جنود هذا البلد الأوفياء باعتباركم خيرة جنود الإسلام و أفضل رجال عصركم أن يوفقكم للتطوّر و السمو.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
2008/10/18

خطبتا صلاة عيد الفطر السعيد بطهران (1429هـ)

الخطبة الأولىبسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين.. الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون. نحمده ونستعينه ونؤمن به ونتوكل عليه ونصلّي ونسلّم على حبيبه ونجيبه وخيرته في خلقه سيدنا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين سيما بقية الله في الأرضين. وصلّ على أئمة المسلمين وحماة المستضعفين وهداة المؤمنين.أبارك عيد الفطر السعيد لكم جميعاً أيها الإخوة والأخوات الأعزاء المصلين ولكافة أبناء الشعب الإيراني الكبير، ولجميع الشعوب المسلمة والأمة الإسلامية العظيمة في كل أرجاء العالم.ليوم عيد الفطر خصوصيتان ممتازتان، الأولى هي حالة الطهارة والنـزاهة والنقاء التي تتفاعل في قلوب وأرواح المؤمنين نتيجة الرياضات الشرعية الإلهية في شهر رمضان المبارك، والصيام أحد هذه الرياضات حيث يترك الإنسان باختياره وإرادته الملذات المادية على امتداد ساعات طويلة، ويتغلب على أهوائه وميوله النفسية طوال أيام الصيام. أضف إلى ذلك الاستئناس بالقرآن الكريم وتلاوة كلام الخالق والتعرف على المفاهيم والمعارف القرآنية.. وأضف إلى ذلك أيضاً حالات الذكر والدعاء والتضرع والتوجه واستئناس الإنسان بالله تعالى في أيام وليالي شهر رمضان خصوصاً ليالي القدر المباركة.. كل هذه تشيع في قلب الإنسان نوراً، وتضفي على روحه نزاهة وطهراً، وثمة طبعاً في هذه الأعمال البالغة الأهمية لشهر رمضان المبارك دروس كبيرة لنا لابد من الانتفاع منها.من هذه الدروس أن إرادة الإنسان الباحث عن الله بوسعها التغلب على كافة النـزوات والأهواء والملذات المادية التي تستقطب إليها نفس الإنسان. هذه نقطة مهمة جداً بالنسبة لنا. أحياناً يلقّن الإنسان نفسه : إنني لا أستطيع الانتصار على هوى نفسي. صيام شهر رمضان يثبت للإنسان أنه قادر - إذا ما عقد عزيمة راسخة وأراد فعلاً - أن يتغلب وينتصر على أهوائه. يمكن بفضل الإرادة المتينة والتوكل على الله تعالى قهر التجليات المغرية، والعادات القبيحة الذميمة فينا، وتحرير أنفسنا منها. بوسع هذه الإرادة القوية - وتأثير هذه الإرادة درس كبير لنا - أن تحررنا من عاداتنا الذميمة الشخصية وكذلك عاداتنا الاجتماعية وخصالنا المحلية التي تتسبب في تأخرنا على الصعد المادية والمعنوية. إذن، من هذه الدروس انتصار الإرادة الراسخة على كافة العقبات.مضافاً إلى ذلك، تشيع في شهر رمضان روح مساعدة الناس والتعاون فيما بينهم. أنانيات الإنسان تنهزم لصالح حبه للآخرين. لاحظوا - في هذه الأعوام الأخيرة وهذه السنة بالذات لحسن الحظ - كم من الناس جعلوا المساجد وحتى الشوارع في بعض الأحياء مراكز لاستضافة عباد الله دون أية أسماء أو عناوين. أعدوا طعام الأفطار ودعوا الناس إلى موائد إفطارهم من دون مجاملات دارجة أو ملاحظات واعتبارات شائعة عادةً في الضيافات الشخصية. حالة التعاون وطلب الخير للناس شيء له قيمة بالغة تفضي إلى طهارة نفس الإنسان. كم جرت مساعدة المعوزين في هذا الشهر.. بل جرى حتى التبرع بالدم في شهر رمضان. حينما أعلن المسؤولون أنهم بحاجة لدماء جديدة للمرضى، تبرع الكثيرون بدمائهم في شهر رمضان. هذه هي حالة تغليب حب الآخرين على الأنانية وحب الذات.. تغليب مصالح الآخرين على مصالح الذات، وهي طبعاً ناجمة بدرجة كبيرة عن الروح المعنوية لشهر رمضان الذي كان هذه السنة كالسنوات الماضية والحمد لله، بل سمعنا وجاءتنا أنباء موثقة وتقارير خبرية مؤكدة تقول إن الأجواء العامة للبلاد هذا العام كانت مفعمة بالذكر والدعاء والتضرع، خصوصاً في ليالي القدر وتلك الساعات المباركة هرع الجميع ولا سيما الشباب وسائر شرائح الشعب المختلفة، ومن كافة المشارب الاجتماعية والفردية والسياسية المتنوعة وأحيوا محافل الدعاء والتوجه والذكر.. جاء الجميع ورفعوا أيديهم بالدعاء وربطوا قلوبهم بخالقهم. هذا التوجه والتوسل والتوفيق الذي يكتسبه الإنسان يعد لطفاً إلهياً.. إنه نظرة الخالق لنا والتي يشير لها الإمام السجاد (عليه السلام) في دعاء وداع شهر رمضان المبارك حيث يقول: » تشكر من شكرك وأنت ألهمته شكرك« .. أنت الذي ألهمت الشكر لقلوب من يشكرونك.. » وتكافئ من حمدك وأنت علمته حمدك «.. أنت الذي وفقت وعلمت عبدك فاستطاع أن يحمدك.الحقيقة أنك مجرد أن تقول يا الله وبمجرد أن يستئنس الإنسان بالباري تعالى ويتكلم معه فهذا لطف من الله وتوفيق يمنّ به الله على الإنسان. كلمة » يا الله« بحد ذاتها تنطوي على إجابة الرب. لقد ذقتم هذه اللذة المعنوية بقلوبكم الطاهرة النورانية الخالية من التكلف أو القليلة التكلف. فلا تخسروا هذه اللذة ولا تتركوها. انتفعوا من فرصة الصلوات الخمسة، وتلاوة القرآن، والمساجد، والأدعية الواردة، والصحيفة السجادية، وغير ذلك لكي يتواصل هذا الطهر وهذا النور. هذه خصوصية بارزة ليوم عيد الفطر أن تحملوا في نفوسكم هذا النور المشع من شهر رمضان.والخصوصية الثانية تتجلى في صلاتكم هذه. يوم عيد الفطر تجسيد واستعراض للانسجام القلبي الحقيقي بين أبناء شعبنا.. وحدة الشعب، والاعتصام الجماعي بحبل الله من الأحوال ذات القيمة الكبيرة جداً. علينا الاحتفاظ بهذا الشيء كدرس رمضاني وهو كذلك من ثمار الواقع المعنوي لشهر رمضان. خصوصاً وأن شهر رمضان لدى المسلمين - ولا سيما شعب إيران ببركة إمامنا الجليل - يتضمن يوم القدس الذي يعد من التجليات الحقيقية لاتحاد العالم الإسلامي وانسجامه. التظاهرات الهائلة لشعب إيران في يوم القدس هذا العام لفتت أنظار الشعوب المسلمة من كل أصقاع الأرض. هتف الشعب الإيراني بصوت واحد وأعلن دعمه للشعب الفلسطيني المظلوم، وأرى لزاماً عليَّ تقديم الشكر لشعبنا الإيراني العزيز فرداً فرداً على تحركه العظيم في يوم القدس من هذا العام.أيها الإخوة والأخوات المصلون الأعزاء، وجميع الشعب الإيراني! لنواصل بركات شهر رمضان لأنفسنا، ولذوينا، ولمجتمعنا الإسلامي في حدود استطاعتنا، ولنحافظ على هذا الذخر الإلهي والنعمة الربانية الكبرى.بسم الله الرحمن الرحيموالعصر، إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر.الخطبة الثانيةبسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى آله الأطيبين الأطهرين سيما علي أمير المؤمنين والصديقة الطاهرة سيدة نساء العالمين، والحسن والحسين سبطي الرحمة وإمامي الهدى، وعلي بن الحسين، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمد بن علي، وعلي بن محمد، والحسن بن علي، والخلف القائم المهدي صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وصل على أئمة المسلمين، وحماة المستضعفين، وهداة المؤمنين.. أوصيكم عباد الله بتقوى الله.يجب أن نسأل الله تعالى توفيق مراعاة التقوى الإلهية فيما نقول ونسمع ونعمل، وفي كل الأحوال.من النقاط التي نروم ذكرها نقطة تتعلق بيوم القدس لهذا العام، حيث تترسخ هذه الحركة العظيمة في العالم الإسلامي وتأخذ بالنمو والاتساع يوماً بعد يوم. شهد العالم الإسلامي هذه السنة مظاهرات قطاعات من معظم الشعوب المسلمة، من شرق العالم الإسلامي أي اندونيسيا إلى غرب العالم الإسلامي أي أفريقيا ونيجيريا. أينما سمحوا للجماهير في البلدان المسلمة بأن تعرب عن نواياها وإرادتها في يوم القدس حضرت مجاميع من الناس وأبدت حساسيتها واهتمامها لقضية القدس. حتى المسلمون الذين يعيشون في أوربا.. الأقليات التي تعيش تحت ضغوط عصبيات الحكومات والمؤسسات الأوربية، هؤلاء أيضاً أحيوا يوم القدس. هذا دليل على أن قضية فلسطين تتفاعل وتعظم أكثر فأكثر في العالم الإسلامي على الرغم مما يريده غاصبو فلسطين وحماتهم. كانت نيتهم محو اسم فلسطين من ذاكرة الشعوب المسلمة. هذه هي إرادتهم .. كان هدفهم محو فلسطين وشعب باسم فلسطين من جغرافيا العالم الإسلامي نهائياً. وقد تركزت كل جهودهم طوال هذه الأعوام الستين التي انقضت علی هذه الفاجعة على هذه المهمة. لكن ما حدث هو عكس ما أرادوه وتابعوه. أضحى العالم الإسلامي اليوم أكثر حساسية وتحفزاً بكثير حيال قضية فلسطين. والسبب هو أن العالم الإسلامي قد صحا. لو كانت هذه الصحوة متوفرة في سنة 1948 للميلاد - أي سنة 1327 هجري شمسي - حيث اغتصبت فلسطين رسمياً وصارت بيد الصهاينة، لكانت الوقائع قد جرت على نحو مختلف بالتأكيد، ولما حدثت هذه الواقعة المرة للعالم الإسلامي، ولما أصيب جسد الأمة الإسلامية بهذا الجرح العميق. المسلمون اليوم واعون ومتنبهون، وهم يزدادون يقظة ووعياً يوماً بعد يوم بتوفيق من الخالق. ومن الضروري أن أقول إن من أهم عوامل هذا الدعم وانتشاره عالمياً هو صمود الشعب الفلسطيني الشجاع ومقاومته. إننا نحيي الشعب الفلسطيني. لقد أثبت هذا الشعب للحق أنه جدير باسم الإسلام وبأنه شعب حي. إننا من هنا ومن مقابلكم أيتها الجماعة المسلمة نقول للشعب الفلسطيني ولحكومة فلسطين القانونية، ولأخينا المجاهد هنيه: اعلموا أن الشعب الإيراني لم يترككم ولن يترككم.وفي المقابل فإن العدو الصهيوني يضعف يوماً بعد يوم من حيث المعنويات، ومن حيث واقع بنيته ووجوده الخارجي. كبار الشخصيات الصهيونية تعترف حالياً أنهم آيلون إلى الضعف والهزيمة والانكسار، ولا شك أن العالم الإسلامي سيرى ذلك اليوم، وأتمنى أن يرى هذا الجيل الحالي من الشعب الفلسطيني اليوم الذي تعود فيه فلسطين لشعب فلسطين وأهاليها وأصحاب البيوت ليعيشوا فيها بإرادتهم وكما يليق بهم؟النقطة الثانية التي أرى من الضروري الإشارة لها هي أن العالم الإسلامي يواجه راهناً هجوماً سياسياً وثقافياً وإعلامياً شاملاً يشنه ضده أعداء الإسلام. هذه نقطة ينبغي أن لا يغفل عنها جميع أبناء الشعوب في كل العالم الإسلامي، وخصوصاً النخبة، والمثقفون، وعلماء الدين، والشخصيات السياسية البارزة. الهجوم على الإسلام ومقدسات المسلمين اليوم هجوم شامل، وهذا ليس بسبب أن العدو ازداد قوة، بل لأن العدو يشعر بالضعف حيال الحركة الإسلامية العظيمة، لذلك يستعين بشتى صنوف الحرب النفسية، وأنواع الهجوم، وتخويف الشعوب والبلدان المسلمة من بعضها وبث الدعاية ضد بعضها. والسبيل هو أن يحافظ العالم الإسلامي على وحدته. وأقولها مرة أخرى، للمرة المائة أو المرة الألف، عن لسان الشعب الإيراني خطاباً لكافة الإخوة المسلمين في كل العالم: حافظوا على وحدتكم، وحذار من أن تتحولوا ألعوبة بيد الأعداء المشتركين الذين يرومون التفرقة بينكم تحت عناوين قوميات العرب والعجم، والمذاهب الشيعية والسنية، وما إلى ذلك من عناوين أخرى. يرومون بث الخلاف بينكم. هؤلاء ليسوا أصدقاء للشيعة ولا أصدقاء للسنة.. هؤلاء أعداء الإسلام. يسلكون جميع السبل لأجل أن يضعفوا الإسلام ومنها إشعال نيران الاشتباك والعراك بين المسلمين وإخافة البلدان المسلمة من بعضها. يحاولون إخافة البلدان والدول من النظام الإسلامي ومن الجمهورية الإسلامية بمختلف صنوف الخدع والأكاذيب لأن راية الإسلام قد ارتفعت في هذا البلد. نحن جميعاً إخوة. شعب إيران يسير في طريق التقدم والسمو الإسلامي، ويتقدم بسرعة بتوفيق من الله، وهو يعد هذا ملكاً لكل العالم الإسلامي. إنه يعتبر شرفه شرف العالم الإسلامي، وتقدمه تقدماً للأمة الإسلامية.وأقول كلمة لإخوتنا الأعزاء على المستوى الداخلي للبلاد. هذه التوصية بالاتحاد والوفاق التي نخاطب بها جميع العالم الإسلامي، لها مخاطبوها في داخل البلاد أيضاً. ليحافظ شعب إيران العزيز على اتحاده وتوافقه. كل ما اكتسبتموه لحد الآن إنما اكتسبتموه بفضل الاتحاد والوفاق. ليس معنى الاتحاد والتوافق أن يكون للجميع ذوق واحد ومشرب واحد. الاتحاد والوفاق هو أن تجتمع الأذواق المتنوعة إلى جوار بعضها وتتعاضد، وتقدم المصالح الوطنية على الأهواء الشخصية، ولا تسمح للأنانيات - وشهر رمضان شهر كبت هذه الأنانيات - بالتدخل في ميادين السياسة والاجتماع والعلاقات المختلفة. في هذه الأيام يجرب الشعب الإيراني المسلم تحركات كبيرة، ويقوم بمشاريع مهمة يثني عليها المنصفون والمتخصصون على مستوى العالم.الحمد لله على أن شعب إيران المتوثب المتحفز، وشبابه الحي المتحمس الثوري حاضرون في الساحة اليوم باندفاع كبير ونحن على أعتاب العقد الرابع لانتصار الثورة.. إنهم مستعدون للعمل. إنكم ترون نتائج العمل.. في صعيد العلم.. وفي مضمار التقنية، وفي ميادين الأنشطة الاجتماعية المختلفة.. وفي مجال النشاط السياسي.. هذه إنجازات جد مغتنمة. لأجل حفظ هذه المكتسبات للشعب الإيراني من الضروري لكل أبناء الشعب، ولا سيما النخبة السياسية، والنخب الاجتماعية، والشخصيات المعروفة المؤثرة التنبه إلى أن صيانة الوحدة أهم من كافة الأمور التي يبدو للإنسان أنها مهمة في الدوائر الفئوية والاجتماعية. ينبغي الحفاظ على الوحدة. يقول الله تعالى: » وتلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين« .. العاقبة الطيبة من نصيب المتقين الذين ينأون بأنفسهم عن الممنوعات الإلهية، ويتجنبون الأنانيات، ويبذلون جهودهم في سبيل الله ولأجل الله وباتجاه المصالح الوطنية، ومن أجل إعلاء كلمة الإسلام.اللهم، وفقنا جميعاً - القائل والمستمع - لما قلناه. اللهم احشر الروح الطاهرة لإمامنا الجليل وأرواح الشهداء الطيبة مع أوليائك. اللهم زد دوماً من شموخ شعبنا وانتصاراته.بسم الله الرحمن الرحيمإنا أعطيناك الكوثر، فصلِّ لربك وأنحر، إن شانئك هو الأبتر.والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
2008/09/30

كلمة الإمام الخامنئي في مسؤولي البلاد

بسم الله الرحمن الرحيمأبارك هذا العيد الإسلامي الكبير لكل الأمة الإسلامية الكبرى، ولجميع المسلمين في العالم أينما كانوا ولشعبنا الإيراني العزيز المؤمن الكبير، ولكم أيها الحضور المحترمون والضيوف الأعزاء، ونسأل الله تعالى أن يجعل عيد الفطر عيداً حقيقياً للأمة الإسلامية، وأن يقربها من المستقبل الزاهر الذي تنتظره بحق والذي يمثل الوعد الإلهي لها.الكثيرون منكم وكل واحد من أبناء بلادنا ومسلمو العالم تزودوا في شهر رمضان من مائدة الضيافة الإلهية إلى أقصى حد ممكن. أبواب التوبة، والاستغفار، والذكر، والتوجه إلى الله، والتضرع والاستئناس بالله تعالى كانت مفتحة في هذا الشهر، والفم الصائم والنفس المكفوفة تعد مساعدة كبرى لعباد الله كي يستطيعوا الاغتراف من النعم المعنوية الإلهية في هذا الشهر. الضيافة الإلهية في هذا الشهر هي أن تذوق قلوب المسلمين حلاوة الذكر والمناجاة وتقترب من فطرتها الإلهية.. يقوون إرادتهم ويتزودون من التقوى التي تعد الزاد الحقيقي للإنسان.وأقول إن الأمة الإسلامية حالياً أحوج لهذا الزاد من أي وقت مضى. ذات يوم لم يكن للأمة الإسلامية أمل بالمستقبل. كان مفكرو العالم الإسلامي يكثرون الرثاء والعويل حزناً على واقع المسلمين الحالك. انظروا في أدبيات المسلمين البارزين الرائدين أمثال السيد جمال الدين وسواه قبل مائة سنة.. النخبة من العالم الإسلامي ممن استيقظت قلوبهم شاهدوا واقع المسلمين وراحوا يرثون ويئنون على هذا الواقع أنيناً حقيقياً. الحق أن أفقاً نيراً لم يكن يلوح آنذاك أمام العالم الإسلامي. المستكبرون الجدد كانوا قد دخلوا الأراضي الإسلامية وأمسكوا بزمام الحكومات في البلدان المسلمة واستغلوا غفلتنا ونومنا نحن الشعوب المسلمة إلى أقصى حد وجعلوا الآفاق حالكة مكفهرة أكثر فأكثر أمام أنظار الأمة الإسلامية. هكذا انقضى الزمن على الأمة الإسلامية ذات يوم.لكن الزمن اليوم زمن آخر. تحولت تلك الآفاق المظلمة أمام أنظار الأمة الإسلامية إلى آفاق نيرة. في كل منطقة من مناطق العالم يقطنها المسلمون - سواء كشعب أو كأقلية بين الشعوب الأخرى - فإنهم ينظرون للمستقبل بعين الأمل ويشعرون أن بوسعهم التحرك. أعداء العالم الإسلامي، أي هؤلاء المستكبرون وطلاب الدنيا والمستعمرون، أي الذين دخلوا البلدان الإسلامية بشعارات براقة وخادعة وأذاقوها أحلك أيامها، ومع أنهم متقدمون كثيراً من حيث الإمكانات المادية، والتقنية، والأسلحة المدمرة، ووسائل الاتصال العامة، والأدوات الإعلامية عمّا كانوا عليه في تلك السنين، لكنهم يشعرون بالضعف والهزيمة حيال هذا المحيط الهادر للأمة الإسلامية.. هذا هو واقع العالم الإسلامي اليوم. إذا ظن أحد غير هذا فليعلم إنه يفكر خلافاً للواضحات.العالم الإسلامي اليومي شاهد أمامه أفقاً مشرقاً. الأعداء الأشداء والمستكبرون العتاة الذين يسيطرون على كل العالم يشعرون بالعجز راهناً حيال وثبة الأمم المسلمة وصحوة الشعوب الإسلامية.. الطريق أمامهم مسدود، وهذا دليل الوعد الإلهي حيث قال: »ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز« . وقال أيضاً: »ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين «.. هذه هي الوعود الإلهية. وقال أيضاً: » والله غالب على أمره «. هذه الوعود الإلهية أخذت تعبر عن نفسها وتظهر ببركة صحوة المسلمين وتحركهم.ثمة جهاد كبير مقابل الأمة الإسلامية. إنه ليس جهاداً عسكرياً بالضرورة، بل هو جهاد سياسي، وجهاد فكري، وجهاد علمي، وجهاد اجتماعي، وجهاد أخلاقي. وقد تعرفت الأمة الإسلامية الكبرى تدريجياً على الأبعاد المختلفة لهذا الجهاد، وسوف تتعرف أكثر. أنظروا إلى ساحة منطقة الشرق الأوسط بالغة الحساسية وسترون تقدم الأمة الإسلامية.القضية الفلسطينية التي كانت قضية محزنة بالنسبة للعالم الإسلامي.. مع أن توحش الصهاينة ضد الفلسطينيين تضاعف عدة أضعاف لكن بوسعكم في الوقت ذاته ملاحظة ملامح الأمل على ناصية الشعب الفلسطيني.محتلو فلسطين أنفسهم يشعرون ويعربون عن يأسهم حالياً من مواصلة طريقهم. يعترفون هم أنفسهم أنهم وصلوا لطريق مسدود. نظام الولايات المتحدة الأمريكية الذي شعر بعد انتهاء زمن الاتحاد السوفيتي السابق وانهياره أنه عمدة القرية العالمية والسيد القائد في العالم بلا منازع، لاحظوا كيف وصل لطريق مسدود في مناطق مختلفة وراح يعاني من مشكلات أساسية وعقد لا تحل. دخلوا هذه المنطقة الحساسة بذريعة محاربة الإرهاب.. في أفغانستان.. وفي العراق.. وفي لبنان.. وفي فلسطين.. في كل المناطق التي تلاحظونها عادت المخططات الأمريكية الواحدة تلو الأخرى هباءً منثوراً، ولم يعد ثمة أي أمل للتقدم في هذه المخططات. هم أيضاً لا أمل لهم ويذكرون هذا ويعلنونه.العام الماضي وفي يوم عيد الفطر قلت للأمة المسلمة في صلاة عيد الفطر إن هذا المؤتمر الذي يريدون عقده وسموه مؤتمر الخريف - حيث كان لديهم برامج ومخططات لمزيد من السيطرة على المنطقة - سوف يفشل ويهزم، وتلاحظون اليوم أنه لم يبق أي أثر لذلك المؤتمر وما قالوه وعملوه هناك لا في الساحة الفلسطينية، ولا اللبنانية، ولا سائر مواقع منطقة الشرق الأوسط الحساسة. هذا مؤشر أن جهاز مواجهة الإسلام والتصدي للأمة الإسلامية الذي يتغيّا مزيداً من الهيمنة على هذه المنطقة الحساسة يشعر بالعجز عن التقدم. طبعاً نحن لا نريد أن نمنّي أنفسنا بتفاؤل متطرف. ثمة واقع صعب وعسير ومرير أمام أنظار الجميع والكل يشهده ويراه، بيد أن القضية هي أن القوة الاستكبارية لم تستطع فعل شيء حيال إرادة الشعوب، ولن تستطيع بعد الآن أيضاً.. أقدامهم غائصة في الوحل في العالم، ويعانون معضلات عديدة في أفغانستان، واليوم يهاجمون باكستان أيضاً. تسمعون وترون تدخلهم الظالم في المنطقة الشرقية المجاورة لبلادنا، لكنهم سيخفقون هناك أيضاً كما أخفقوا في أماكن أخرى، فالشعوب يقظة وهي تعرف حقوقها الإسلامية، وتوجد إرادة الصمود بين الشعوب، ويجب تقوية وتعزيز هذه الإرادة أكثر يوماً بعد يوم إن شاء الله.في مثل هذه الظروف فإن ما تحتاجه الأمة الإسلامية أكثر من أي شيء آخر هو التوجه للخالق، وطلب المساعدة من الذات الإلهية المقدسة، وربط الفؤاد بمصدر القوة اللامتناهية. القلب الذي يتعرف على القدرة الإلهية اللامتناهية لا ينهزم حيال تهديدات الأعداء ورعودهم وبروقهم، ولا يصاب بالذعر والهلع ولا يشعر بالضعف، ولا يفقد أمله بالمستقبل. وهذا الطريق طريق مجرب. الجمهورية الإسلامية تقف بقوة منذ ثلاثين عاماً بوجه عداوات الجهاز الاستكباري وعراقيله وخبثه. وقد وقف الشعب الإيراني المسلم بكل همته وبكامل إرادته في الميادين المختلفة وتقدم إلى الأمام يوماً بعد يوم والحمد لله، وسوف يتضاعف هذا التقدم باطراد بإذن الله وبحول منه وقوة، وسيرى العالم الإسلامي كله إن شاء الله يوم العزة والعظمة الإسلامية.لنعرف قدر الهدي الإلهي، ولنعرف قيمة الفضل الإلهي علينا.. ولنعرف قدر عيد الفطر.. هذا الاجتماع الشعبي الهائل وهؤلاء الناس الذين يرفعون أيديهم بالدعاء ويتوجهون للقبلة، ويربطون قلوبهم بالله في يوم معين ويستأنسون به ويعرفون قدره. لنحافظ على اتحادنا، ولنحافظ على همتنا وإرادتنا، ونزيد من أملنا بالمستقبل يوماً بعد يوم.نتمنى أن تشملكم أدعية بقية الله (أرواحنا فداه) أيها الشعب المسلم في بلادنا العزيزة وفي سائر البلدان، وسيكون غد العالم الإسلامي إن شاء الله خيراً من حاضره وأمسه كثيراً.والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
2008/09/30

كلمة الإمام الخامنئي في الشباب النخبة والطلبة الجامعيين

بسم الله الرحمن الرحيمأشكركم كثيراً أيها الأصدقاء الشباب الذين أوجدتم اليوم في هذه الحسينية مناخاً حافلاً بحيوية الشباب ومميزات العقلانية والتفكير. نتمنى أن تترسخ وتنتشر هذه الروح بينكم أيها الطلبة الجامعيين الأصدقاء والشباب الأعزاء... الروح التي إن صاحبتها نزعة التدين والتقوى كانت حلّالة المشكلات في كافة أطوار حياة البلدان.الأفكار التي طرحها الأعزاء هنا كانت لافتة جداً. أي إن أحاديثكم اليوم بدت لي أنا الذي استمع بدقة لكلام من يتحدثون هنا - سواء الطلبة الجامعيون والشباب، أو المجاميع الأخرى التي تشارك هنا أحياناً، أو في أية جلسة أقابل فيها جماعة وأتحدث معهم أرغب أن أصغي لكلامهم بدقة وانتفع منه - عميقة ومفيدة جداً، وهذا يوفر لنا معدلاً إجمالياً ومستوى متوسطاً لذهنية الطلبة الجامعيين وعقليتهم. لا نريد القول إنكم تمثلون كافة الطلبة الجامعيين في البلاد، لكن فيكم بالتالي دلالة على أن هذا المستوى من التفكير والمعالجات والمساعي لحل المشكلات والقضايا موجودة راهناً في جامعاتنا... هذا شيء لافت جداً بالنسبة لي.ذكرتم أيها الأعزاء نقاطاً عدة. لدي بعض رؤوس النقاط التي سجلتها وسأطرحها على الأعزاء إذا توفر المجال، ولكن يلوح أنه من المناسب مراجعة ما ذكرتموه من نقاط وتقديم إيضاحات حولها والإطلال من خلالها على بعض ما كان يدور في ذهني.قال أحد الأصدقاء إن جيلاً جديداً في طور الظهور... هذا صحيح تماماً. طبعاً هذا ليس أول جيل يظهر إبان فترة الثورة. فقد ظهر قبلكم جيل آخر في الثورة - أي ولد في الواقع - وكانت له إياد مقتدرة حلّالة للمشاكل والعقد. ذلك الجيل أيضاً كان جيل الثورة.. لم يتربّ في مكان ومناخ آخر. فالثورة كالأتون المتوهج يغيّر شكل العناصر ونظامها. كما كانوا يقولون قديماً إن الإكسير والكيمياء تبدل عنصر النحاس إلى ذهب. قد يبدو هذا بالطبع أسطورة في ذهن البعض.. إنه ليس أسطورة.. إنه واقع كان ولا يزال.. الثورة شيء من هذا القبيل.. تغيّر الأشياء وتبدلها. لا يقتصر هذا التغيير على نوع العلاقات الاجتماعية، إنما هو بالدرجة الأولى تغيير في الطبقات الداخلية للأفراد وذهنياتهم. التغيير الأول يحصل هناك... في القلوب ... وعليه فالجيل الذي كان له من العمر عند انتصار الثورة خمسة عشر عاماً، أو ستة عشر عاماً، أو ثمانية عشر عاماً، أدى اختباره في ميادين الثورة، ثم في فترة الدفاع المقدس و ما أوجده خلالها من فضاءات عجيبة. ذلك الجيل أيضاً ولد في الثورة، وهذا الجيل الذي تقولون إنه آخذ في الظهور أوافق كلامكم تماماً وأصدّقه وأشعر بصحته.هنا يطرح السؤال: ما هي مهمة هذا الجيل؟ وما هي واجباته؟ من الذي يجب أن يتقدم به ويوجهه؟ هذه أسئلة جيدة. أعتقد أنها أسئلة وليست إشكالات ومؤاخذات. والإجابة عن هذه الأسئلة معروفة. لم تأتي الثورة لتحل حكومة مكان حكومة، إنما جاءت لتأسيس نظام ومنظومة وطنية وإنسانية على أساس نمط فكري معين. إنه النمط الفكري الإسلامي. ما ندعيه - وهذا ادعاء نثبته وقد ثبت وصار أمراً محسوساً - هو أننا نعتقد أن طريق سعادة البشر رهن بتعاليم الأنبياء وأكملها هي تعاليم الإسلام. البشر من دون تعاليم الأنبياء ما كان لهم أن يتقدموا بهذه الحدود التي حققوها حالياً حتى على الصعيد المادي، ناهيك عن التسامي المعنوي والبهجة المعنوية والطمأنينة والاستقرار النفسي الممهد لعروج الإنسان إلى المراتب الملكوتية العليا... هذا هو طريق سعادة البشر.لأجل تطبيق أفكار الأنبياء في المجتمع لابد من حركة طويلة الأمد. ولقد جاءت هذه الثورة لهذا الهدف... المجتمع الإسلامي... البلد الإسلامي.. وليس الدولة الإسلامية فقط.. ليس مجرد تشكيل نظام إسلامي، بل تشكيل واقع ومنظومة جماهيرية تعيش على أساس تعاليم الإسلام - وهي لباب لباب تعاليم الأنبياء - وتشعر بآثارها. هذا هو هدفنا. إننا لم نبلغ هذا الهدف بعد، ولم يكن المتوقع إن نبلغه في ظرف ثلاثين سنة. إنه هدف طويل الأمد جداُ. ينبغي السعي والعمل ليمكن الوصول لهذا الهدف. هذه هي مسؤوليتكم. هذه هي مهمة هذا الجيل. أوصلوا بلادكم وشعبكم إلى المحطة التي يمكن القول معها وبالمعنى الحقيقي للكلمة إن مجتمعاً إسلامياً قد تشكل. اجعلوا هذا نموذجاً. وستكون هذه أفضل وسيلة لنشر هذه الأفكار وتنمية هذه التجربة في العالم. هذه هي مهمة هذا الجيل وهي ليست أمراً صعباً على مستوى التصور والطرح النظري، لكن الجانب العملي صعب جداً، ويستدعي هذه الهمم والمحفزات الشبابية والمساعي الجهادية التي تحدثنا عنها. هذا هو الهدف: نحن نريد بلداً إسلامياً. حينما يتأسس البلد الإسلامي فمعنى ذلك أن دنيا الناس سوف تبنى و تتعمّر، والعمارة هنا ليست بمعنى العمارة في النظم المادية.ثمة في النظم المادية عمارة وبناء. أي إن التقدم المادي بحد ذاته حالة إيجابية، ولكن لا تتوفر نظرة عادلة ومتوازنة حتى بخصوص هذا التقدم المادي. بمعنى أنكم تلاحظون اليوم في بلد غني مثل أمريكا أن أثرياء هذا البلد هم أول الأثرياء في العالم، لكن فقراءه أيضاً يعدون أحياناً أتعس الفقراء في العالم.. يموتون من البرد، ومن الحر، ومن الجوع. ثمة هناك طبقة متوسطة إذا لم يعملوا على مدار الساعة وفي كل أوقاتهم وبكل قواهم وقدراتهم فلن يستطيعوا إشباع بطونهم. هذه ليست سعادة للبشر.. هذه ليست سعادة للمجتمع. نعم، إذا نظرتم لناتجهم الإجمالي الوطني ستجدونه عشرة أضعاف بلد آخر.. لكن هذا لا يعني كل شيء.. أي إنهم لا يتمتعون بالعدالة حتى في امتيازاتهم المادية.. الرفاه هناك ليس شاملاً.. لا يمتلكون أسباب الرخاء جميعهم، ناهيك عن الامتيازات المعنوية.. ليس ثمة استقرار نفسي.. ولا توجه إلى الله، ولا تقوى ولا ورع، ولا طهارة، ولا عفة، ولا تسامح، ولا تجاوز، ولا رحمة، ولا معونة لعباد الله..هذا ليس التقدم الذي ينشده البلد الإسلامي والمجتمع الإسلامي. السعادة والرفاه الذي ننشده للمجتمع الإسلامي ليس هذا.. بل هو الرفاه المادي والمعنوي.. بمعنى أنه يجب أن لا يكون هناك فقر؛ يجب أن تتوفر العدالة، والتقوى، والأخلاق، والروح المعنوية، والورع. هذا هو الهدف الذي ينبغي أن نسعى إليه.قال أحد الأصدقاء إن هناك أسباب تجعل مستقبل النهضة الطلابية غامضاً. أنا أقول إن مستقبلها ليس غامضاً على الإطلاق. ومن الصدفة أن هذا الأخ الذي طرح هذه الفكرة ذكر أيضاً واجبات النهضة الطلابية والمهمات التي ينبغي لها الاضطلاع بها. حسناً، ما الغموض في المسألة إذن؟! عليكم القيام بهذه الأعمال.. بهذه الأهداف والمقاصد. يثار هنا سؤال: هل تقع جميع الواجبات على عاتق الطلبة الجامعيين فقط لأجل بلوغ هذه الأهداف السامية الكبرى؟ والمراد هم الطلبة الجامعيون الذين يؤمنون برسالة يحملونها وتسمونهم أنتم ((النهضة الطلابية)) .. أي الطلبة الجامعيون المتوثبون الناشطون الذين يريدون استخدام طاقاتهم الفكرية والجسدية والروحية في سبيل التقدم. هل هؤلاء هم المعنيون فقط؟ كلا دون شك. المسؤولية الأثقل تقع على كاهل المسؤولين ومختلف صنوف النخبة في المجتمع.. النخبة العلمية، والنخبة الفكرية، والنخبة السياسية.. بيد أن التيار الطلابي الناشط أيضاً تقع على عاتقه مسؤولية ثقيلة. من مسؤوليات التيار الطلابي السعي لأجل الفهم والإدراك، أي التفكير.يبدو لي أن من الأمور الضرورية تشكيل جلسات فكرية واسعة يمكن لمجاميع الطلبة الجامعيين ومجاميع الطلبة الحوزويين عقدها ببرمجة جيدة لتكون محطات يفكرون فيها حول مختلف القضايا. تنمية التفكير الصحيح ونشره يمكن أن يؤتي الثمار التي نتوقعها من الطالب الجامعي في مجالات العلم والتقانة والتطور المعرفي.. أي الازدهار وتقديم جديد لساحة الفكر وفق حركة سليمة وتوجه صائب. هذه إحدى الأعمال الممكنة. ومن الأعمال أيضاً تشخيص المبادئ. لدينا مبادئ وأصول ينبغي عدم تجاوزها. أي يجب عدم الانحراف عن المبادئ باسم التفكير. المبادئ هي علامات الطريق الصحيح والصراط المستقيم. من الخطأ تشبيه الأصول والمبادئ بجدران يجب على الإنسان التحرك بينها. كلا، الأصول هي العلامات والدلائل. ثمة طريق مستقيم.. ثمة صراط مستقيم يوصل الإنسان إلى الهدف. ينبغي معرفة هذا الصراط المستقيم واكتشافه. ما من أحد يحبس في حدود الصراط المستقيم، وليس ثمة إجبار على سلوك الصراط المستقيم. هذه الأصول لا ترغم أحداً على شيء.. لا تلزم أحداً ولا تقيده، إنما تهديه وتقول له إذا سرت وفقاً لهذه الأصول فستصل لتلك النتيجة المنشودة، وإذا تخطيت هذه الأصول فلن تبلغ الهدف. وهذا هو الإشكال الذي يرد على الطريق المنحرف. للطريق المنحرف إشكالان اثنان: الأول هو أن الإنسان لا يصل فيه إلى مبتغاه وهدفه. والإشكال الثاني أنه يضيّع عمر الإنسان ويفوّت عليه الفرص.الذين رفعوا طوال المائة عام أو المائة وخمسين عاماً الماضية نداءات الإصلاح والتقدم في بلادنا والحق أنهم أخذونا إلى متاهات وطرق منحرفة، ارتكبوا في الواقع جريرة كبرى. أولاً لم نصل طوال هذه الأعوام المائة والخمسين إلى مبتغانا وبقينا متخلفين. وثانياً ضاع وقتنا. تعاقبت الأجيال وأهدرت طاقاتها في هذه المتاهات ولم تصل إلى نتيجة.. إلى أن يتفطن جيل إلى الخطأ ويعود أدراجه، ويبدأ المسيرة والحركة من البداية. خطيئة الذين يأخذون المجتمعات الإنسانية إلى طرق منحرفة هي أنهم يضيّعون أعمارهم وأوقاتهم ويفوّتون عليهم الفرص.ذات يوم أفهموا مجتمعنا أن طريق التقدم يكمن في تقليدنا للغربيين، وليس التقليد في طلب العلم، بل التقليد في المظاهر.. أن تكون نساؤنا سافرات.. ويرتدي رجالنا الملابس والقبعات الأجنبية. وتعلمون أنه مر على شعبنا زمن كان فيه ارتداء نوع خاص من القبعات تسمى القبعات البهلوية أمراً إجبارياً. وإذا لم يلبس الرجل هذه القبعة يكون قد ارتكب مخالفة قانونية! وتقدموا خطوة أخرى بعد ذلك فقالوا إما القبعة البهلوية أو الشابو لأن الغربيين يلبسون هذا اللباس. نسخت ومنعت مختلف أنواع الملابس التي كانت ترتدى داخل البلاد كأزياء محلية من أجل أن يلبس الشعب الزي الموحد المستعار من الغرب. لماذا؟ لأجل التقدم! كانوا يرون تقدم البلاد أن يرتدي أبناء الشعب البنطلون والسترة وربطة العنق، وتمشي نساؤنا في الشوارع سافرات، ويتعلم الناس الأعراف والتقاليد الغربية. لاحظوا كم هي خسارة كبرى للبلد وكم هو خزي فادح لو فكّر الإنسان فيه. يومذاك لم يكونوا يشعرون بالخزي أبداً، بل يفخرون ويتباهون وينادون هذا بأعلى أصواتهم. هذا طريق منحرف. إنها وصفة مغلوطة للتقدم. طريق تيه .. والأصول مطلوبة لكي لا تقع هذه الأخطاء.أحد الأصدقاء وجّه اعتراضات صريحة. وهذه هي سمة الطالب الجامعي. اعترض على الشخصيات والأجهزة والمؤسسات وقد تكون هذه الاعتراضات والنقود واردة وقد تكون غير واردة. لا أريد إصدار حكم ورأي في هذا الخصوص، لكن من المحبذ والإيجابي مبدئياً أن يطرح للطالب الجامعي رأيه بوضوح وصراحة ودون تحيّزات سياسية. أسوء إشكالية وحالة ترد على المناخ الجامعي وأجواء الطلبة الجامعيين هو أن تمنى هذه الأجواء بالنزعة المحافظة ويعبر الطلبة الجامعيون عن آرائهم بملاحظة المواقع والمصالح الخيالية. كلا، على الطالب الجامعي أن يقول كلمته بصراحة. طبعاً لا بد إلى جانب هذه الصراحة في التعبير عن الرأي أن يكون ثمة صدق في النية، وأيضاً سرعة في تقبل الاخطاء إذا ثبت أنها أخطاء. هذا هو الفرق الذي يجب أن يكون بينكم أنتم الشباب والطلبة الجامعيين الصادقين طاهري القلوب وبين الشخصيات السياسية.. اطرحوا آراءكم بصراحة.. وليكن ما تطرحونه نابعاً من قلوبكم، وإذا تبيّن أنه خطأ تراجعوا عنه بسرعة وبسهولة. هذا برأيي من أفضل مميزات الطالب الجامعي.من هذه النقود النقد الذي تم توجيهه لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون، وما يقوله البعض من أننا إذا نقدنا الإذاعة والتلفزيون فسنكون قد طرحنا آراء معارضة للقيادة، لماذا؟ لأن القيادة هي التي تعيّن مدير الإذاعة والتلفزيون! إذا كان هذا هو الملاك فعلاً، فينبغي أن لا يعترض الإنسان على أي شخص، لأن رئيس السلطة القضائية أيضاً تعينه القيادة، ورئيس الجمهورية أيضاً يتم تنفيذ حكمه من قبل القيادة بعد الانتخابات. إذن، ينبغي عدم الاعتراض على أي شخص، لا يا أخي، أولاً القيادة ليست هي التي تدير الإذاعة والتلفزيون.. لتكن هذه النقطة معلومة. الإذاعة والتلفزيون يديرها مدير الإذاعة والتلفزيون، وللقيادة في كثير من الأحيان اعتراضاتها.. نظير هذه الاعتراضات التي لديكم الآن، بعضها أو الكثير منها يمثل اعتراضاتنا ونقودنا نحن أيضاً. وربما كانت هناك نقود أخرى... معلوماتي كثيرة لأنهم يوافونني بالتقارير من جهات عديدة، رغم أني قد لا أكون من متفرجي التلفاز أو مستمعي الإذاعة بمقدار ما تتفرجون وتستمعون أنتم. نعترض على وضع الإذاعة والتلفزيون ونسجل إشكالاتنا، وأحياناً نحتد معهم ونعنّفهم.. وهم بدورهم تحكمهم بعض الضرورات ولديهم إجاباتهم.. إجاباتهم صحيحة أحياناً، وغير صحيحية في أحيان أخرى. على كل حال ثمة اعترضات، ونقدكم للإذاعة والتلفزيون لا يسحب على القيادة إطلاقاً.. من حقكم أن تؤاخذوا وتنتقدوا.. لا إشكال في هذا على الإطلاق.يسأل أحد الأعزاء كيف نتوفر على آراء الإمام؟ أعتقد أن هذا الأمر واضح تمام الوضوح. آراء الإمام مجموعة وكلماته لحسن الحظ مسجلة وموجودة.. كسائر النصوص التي يمكن استنباط أفكار القائل منها. ولكن بالأسلوب الصحيح للاستنباط، الأسلوب الصحيح للاستنباط هو نأخذ جميع الأقوال والكلمات بنظر الاعتبار ونضعها بجانب بعضها. في هذه الأقوال هناك العام والخاص، والمطلق والمقيد، ينبغي مقارنة الأقوال ببعضها، وستكون المحصلة رأي الإمام. هذا طبعاً ليس مهمة سهلة جداً، ولكن واضح ما الذي ينبغي فعله.. إنه عمل اجتهادي.. اجتهاد تستطيعون أنتم الشباب الاضطلاع به. شكلوا فرق عمل تتوزع على مجالات مختلفة واستنبطوا آراء الإمام من أقواله. وأذكر الآن نقطة من النقاط التي سجلتها، فالوقت أدركنا ولم يبق الكثير منه حتى الأذان. كما أشار بعض الأعزاء إننا على أعتاب الدخول في العقد الرابع من عمر الجمهورية الإسلامية. طبعاً حينما يكون النظام الاجتماعي في الثلاثين أو الخامسة والثلاثين من عمره فإنه في عنفوان شبابه. وإذا توفرت التحركات والتحولات الداخلية في النظام - وخصوصاً هذا النظام بشكلها المناسب وفي أوقاتها الملائمة فإنه لن يشيخ ويتهرأ بسرعة، بل إنه لن يشيخ حتى بمرور مئات السنين، غير أن المفروغ منه هو النظام الاجتماعي في هذه الأعوام - في أعوام الثلاثين والخامسة والأربعين - يعد نظاماً شاباً.. ما معنى النظام الشاب؟ معناه أنه لا يزال بحاجة إلى تجارب أكثر، ولا يزال بحاجة إلى مزيد من العمل والجد على مستوى المرتكزات كي يصل إلى درجة النضج والاكتمال.لقد قلنا إن ما ينبغي لنا متابعته والاهتمام به كهدف وشعار في هذا العقد ولأجل اجتياز مرحلة معينة، هو التقدم والعدالة. لنجعل هذا شعارنا: التقدم والعدالة. أقول التقدم وأقصد التقدم الشامل.. أي التقدم المادي والمعنوي. نحن لا نرفض التقدم المادي. أي إننا لا نستهين إطلاقاً بقضايا عمل الجماهير، والتقدم العلمي والتقني وما شاكل. هذه قضايا مهمة جداً وينبغي متابعتها، كي لا يكون هناك فقر، وبطالة، وغلاء، وتضخم في الأسعار، هذا مما لا شك فيه. ولكن لا نكتفي بهذا المقدار، إنما يجب أن تتوفر إلى جانب ذلك الأفكار الجلية، والمعتقدات العميقة، والمحفزات المتظافرة الدفاقة، والأخلاق الإنسانية الإسلامية السامية.وكما قلت ينبغي الحذر من طرق التيه والضياع. أحياناً يقترحون أشياءً وطرقاً للتقدم هي طرق ضياع. وقد ذكرت مثالاً لذلك. كطرق التقدم في العهد البهلوي التي كان بعضها بحق طرق مراوحة، وبعضها طرق تراجع وانهيار، ولا مجال للتفصيل في ذلك الآن لأن الوقت لا يسمح. كان ذلك نموذجاً يعد طريقاً منحرفاً بحق.. الرضا بالمظاهر والقشور، واعتبار الغربيين معياراً وملاكاً والسير وراءهم، وستكون النتيجة ما شهدناه في تلك الأعوام الخمسين السوداء المشؤومة خلال العهد البهلوي.ومن نماذج هذه الطرق المنحرفة ما يمكن أن نشهده حتى في أيامنا هذه.. ينبغي الحذر والتفطن.. في هذا النموذج الثاني لا تذكر المظاهر والقشور، ولا ترفض الهوية الإيرانية الإسلامية كما حصل في النموذج المنحرف الأول، ولكن تلاحظ أجواء اليأس من العمل والتقدم في هذا السباق لدى الساسة والمدراء وأصحاب الرأي والقرار في المجتمع. بمعنى أن نظرتهم للغرب نظرة لقطب رفيع جداً لا يمكن بلوغه.. وهم يسمون هذا نظرة واقعية.. يقولون: ما هو واقع القضية يا سيدي؟ أولئك متقدمون اليوم كل هذا التقدم علمياً.. متقدمون كل هذا التقدم في شتى الميادين.. كل هذه النظريات في العلوم الإنسانية، والقضايا الاجتماعية، والشؤون السياسية.. كل هذه الآراء، والأفكار، والنظريات الجديدة المبتكرة.. متى نستطيع اللحاق حتى بغبارهم؟ يعيشون مثل هذه الروح الانهزامية. لقد واجهت شخصياً مثل هؤلاء الأشخاص طوال هذه الأعوام الثلاثين كانوا يعبرون عن هذا المعنى بشكل صريح أو نصف صريح، أو بلسان الحال، ويقولون: يا سيدي نحن يجب أن نتقدم طبعاً، ولكن ينبغي لنا السير وراء هؤلاء! نحن لا نستطيع اللحاق حتى بغبارهم، ناهيك عن أن نستطيع التفوق عليهم وسبقهم.. لماذا تشقون على أنفسكم دون طائل؟ هذا أيضاً طريق تيه وانحراف.معنى هذا الكلام أن الشعب - وشعبنا نموذج لذلك - وشعوب الشرق ومنها الشعوب المسلمة محكوم عليها دوماً باتباع مسيرة الغرب وأن تبقى دوماً تلميذة للغرب، ولا يكون لديها إطلاقاً الأمل في الرقي إلى مستواهم، ناهيك عن أن نتقدم عليهم.. معناه أن لا تتوفر هذه الشعوب أبداً على روح الأمل. هذا طريق منحرف خطير جداً يشاع اليوم للأسف من قبل بعض أساتذة الجامعات، أو المفكرين السياسيين، أو الخطباء الدينيين. هذا على الضد تماماً من تجربة الإنسانية الطويلة.. لماذا؟ هل خلق الله تعالى جماعة معينة من البشر على أن تكون المتوفقة دوماً؟ أي واقع تاريخي يدل على هذا؟ هؤلاء المتقدمون اليوم في العالم، ألم يكونوا قبل قرون من الزمان شعوباً متخلفة على كافة الصعد؟ هل نسي التاريخ فترة القرون الوسطى في أوربا؟ فترة القرون الوسطى - وقد قلت هذا مراراً - فترة ظلام وجهل وعتمة في أوربا، وليس في البلدان المسلمة وإيران. الحقبة التي أطلقوا عليها اسم حقبة الجهل والغفلة والظلام والسبات كانت تمثل بالنسبة لبلادنا والبلدان الإسلامية حقبة عظمة وتقدم في مجالات العلوم والفلسفة والسياسة والاقتدار السياسي.هذه النظرة نظرة جد خطيرة. في هذه الميادين العلمية التي تلاحظون اليوم أن بلادكم تتقدم إلى الأمام، في هذه الميادين على وجه الخصوص كان البعض يأتون ويقولون: يا سيدي لا فائدة من هذا! لكن الشاب الإيراني المسلم نزل إلى الساحة بهمة وتحفز وبلغ مستويات الآخرين، بل وتقدم أحياناً على الآخرين. أي إنه تفوق عليهم قياساً إلى الوقت الذي أنفقه. إذن، هذا النمط من التفكير هو من طرق التيه والخطأ. يجب أن لا تسود النظرة اليائسة أبداً. نظرة الدين، والإسلام، والقرآن للإنسان هي أن الإنسان يجب أن يسعى بشكل منظم ومبرمج وبلا توقف حتى يتسنى له بلوغ النتائج.. ها هو صوت الأذان قد ارتفع.نتمنى أن يوفقكم الله تعالى كي تخرجوا من هذا الميدان - في هذه الفترة التي تجدّون فيها كطلبة جامعيين، وتمر بلادكم بإحدى أكثر فتراتها حساسية - باختبار جيد جداً لبلادكم وتكونوا مبعث تقدم لها.اللهم اجعل هؤلاء الشباب الأعزاء بلطفك وهديك وحمايتك ذخائر لهذا البلد في الدنيا والآخرة.. انصرهم في كافة الميادين. اللهم أمطر ألطافك وبركاتك المعنوية بمناسبة أيام شهر رمضان على هذه القلوب الطاهرة الشابة. أرض عنا جميعاً القلب الطاهر للإمام المهدي المنتظر.والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
2008/09/27

كلمة الإمام الخامنئي في لفيف من النخبة العلمية في البلاد

بسم الله الرحمن الرحيمأولاً أردنا لهذه الجلسة أن يكون لها طابعاً رمزياً قبل كل شيء. الاحترام الذي أحمله في قلبي للأستاذ والعالم أردت أن ينعكس على مستوى المجتمع. نحن بحاجة لأن يشعر علماؤنا وأساتذتنا بالكرامة والاحترام في المجتمع. أفضل مشجع على نشر العلم هو تكريم حامله. أساتذة جامعاتنا، والشخصيات البارزة والنخبة في مراكز البحث العلمي هم ممن يعدون شخصيات علمية ونخبوية مميزة. وبالتالي، فهذه الجلسة هي بالدرجة الأولى لهذا الهدف الذي يتحقق والحمد لله بهذه اللقاءات. اعلموا أيها الأصدقاء الأعزاء والإخوة والأخوات أنني أشعر بالاحترام والتكريم والتواضع في قلبي للعالم والعلم، وأطمح أن نحمل جميعنا وفي كل أنحاء البلاد - المسؤولون وكل واحد من أبناء الشعب ومختلف المستويات الإدارية في المجتمع - هذا الشعور ونعبر عنه عملياً، وهو ما يحصل طبعاً. ولكن ثمة إلى جانب هذا قصد آخر من هذه الجلسة هو أن تطرح آراء وأفكار نخبتنا وشخصياتنا في شتى القضايا العلمية والتعليمية والتربوية وتذاع في المناخ العام للبلاد.. هذا شيء جد ضروري ومهم. لو كان ممكناً ومناسباً فإني أجد من اللازم أن يتحدث هاهنا عدد أكبر منكم أيها الحضور للتعبير عن آرائكم وتصوراتكم وليس فقط الأشخاص الذين تقرر مسبقاً أن يلقوا كلماتهم هنا. لكن هذا غير متاح للأسف في هذه الجلسة. طبعاً ما قيل اليوم كان مفيداً جداً بالنسبة لي، خصوصاً بعض الأعزاء الذين تحدثوا أشاروا إلى نقاط على جانب كبير من الأهمية ولابد من مراعاتها. إنها نقاط وأفكار يمكن الانتفاع منها ضمن أجواء مفتوحة وأمام أنظار وتقييمات العلماء وكذلك مدراء ومسؤولي الأجهزة واللجان التنفيذية العلمية والبحثية، وكذلك - بعد أن تبث - على مستوى الجماهير ومن قبل الذهنيات المهتمة للقضايا العلمية.خطر على بالي هنا - وعلى الأعزاء النظر في ذلك - أنه لو استطعنا إقامة ملتقيات عامة لأساتذة الجامعات والباحثين على مر السنة يشارك فيها أشخاص من هذه الجماعة كمحاضرين يطرحون فيها قضاياهم واهتماماتهم لساعد ذلك على اتخاذ القرارات في الحكومة، وفي مجلس الشورى الإسلامي، وفي مجمع تشخيص مصلحة النظام، وفي مراتب اتخاذ القرار في المؤسسات التنفيذية الحكومية كالوزارات وغيرها.ما كنت أود طرحه نقاط يجب أن نكتفي ببعضها لأن الوقت لا يسع.من هذه النقاط أن كل ما نقوله ينبغي أن يلاحظ في ضوء هذه القبليات والمقدمات. لدينا عدة قبليات. منها أن التقدم العلمي ضرورة حيوية للبلاد على اختلاف الحقول العلمية. طبعاً سنذكر لاحقاً تراتبية العلوم وهي من الأمور المهمة.القبلية الثانية هي أن التقدم العلمي يحصل باكتساب العلم من البلدان والمراكز العلمية الأكثر تقدماً لكن اكتساب العلم شيء، وإنتاج العلم شيء آخر. في قضية العلم يجب أن لا نربط عربتنا بقاطرة الغرب. طبعاً لو كانت هذه التبعية لحصل تقدم معين.. هذا مما لا شك فيه، بيد أن التبعية، وعدم الإبداع، والخضوع المعنوي من التداعيات الحتمية لمثل هذه الحالة، وهذا غير جائز. إذن، علينا أن ننتج العلم بأنفسنا ونفجره من أعماقنا. كل درجة يرتفع بها الإنسان في سلالم العلم تعدّه للخطوة اللاحقة والارتفاع إلی درجة أعلى. علينا مواصلة هذا التحرك من أنفسنا وفي دواخلنا، وباستخدام مصادرنا الفكرية وكنوز تراثنا الثقافي.ثالثاً ينبغي أن يرفق هذا التقدم العلمي بالثقة بالذات أولاً، والأمل بالنجاح ثانياً، والحركة الجهادية ثالثاً. لقد افترضنا أن يتم التقدم العلمي بنظرة محلية وبالاعتماد على ثقافتنا - ثقافتنا تعني الإسلام وموروثاتنا الوطنية الإيجابية - وحسب احتياجات البلاد. هذا ما ينبغي أن يشكل المنحى العام لحركتنا العلمية. قد يشكل البعض ويقولون: وهل هذا ممكن؟ علينا أن نؤمن أننا نستطيع كما ذكر بعض السادة. لنعلم أن الحركة حينما تنطلق فإن هناك أملاً ببلوغ النجاح.رابعاً لا يجوز في هذه الحركة الركون إلى الكسل والتقاعس والنـزعة الاتكالية. ينبغي العمل بطريقة جهادية. ليس الجهاد في سوح الحرب فقط إنما لابد من الجهاد في ميدان العلم أيضاً كسائر ميادين الحياة. الجهاد معناه العمل بلا توقف وتقبّل الأخطار - بالحدود المعقولة طبعاً - والتقدم والأمل بالمستقبل.هذه هي قبلياتنا، وقد تحدثنا فيها كثيراً وذكرناها مراراً وتقبّلها علماؤنا واساتذتنا - وقد لاحظتم اليوم أن بعض الأعزاء الذين تحدثوا هنا أشاروا إلى مطاليب السنوات الأخيرة - وهذا يدل على أن التقدم العلمي وفتح قمم علمية جديدة، والنظرة التجديدية في تخوم العلم وتوسيعها أضحت من الأفكار الشائعة في مجتمعنا العلمي اليوم وأمراً متفقاً عليه من قبل الجميع.والآن ما هو دور الأستاذ على هذا الأساس؟ هذه مسألة ينبغي ملاحظتها. للأستاذ دور كبير في الجامعات وكذلك في مراكز البحث. كما أن للأجهزة التنفيذية والحكومة أيضاً دورها. لا يمكننا مخاطبة المؤسسات الحكومية فقط والغفلة عن دور الأستاذ بوصفه الكادر الوسيط المتواجد في الساحة. كما لا تصح مخاطبة الأستاذ أو المدير التعليمي أو مدير القسم التعليمي والغفلة عن دور الأجهزة التنفيذية الحكومية وهي في الواقع مقاول مشروع العلم والتقدم العلمي الواسع؟ ثمة مشروع عملاق يراد النهوض به في البلاد ألا وهو التقدم العلمي والسمو في ميدان العلم، ومقاول هذا المشروع هي مؤسسات الدولة كوزارة التعليم العالي ووزارة الصحة والشؤون الطبية والأجهزة العلمية المعنية. هذه هي المؤسسات التي ينبغي ان تستلم المهمة وتخطط لها وتوفر الأرضيات المساعدة للعمل، وما ذكره الأعزاء من مطاليب وقد سجلتها هنا بعضها يمثل جانباً من المهمات التي يتعين على مؤسسات الحكومة القيام بها، ولدى هذه المؤسسات مهمات أخرى بطبيعة الحال. إذن، لكل منهم دوره. لا أريد هنا شرح دور الأستاذ أو دور الأجهزة التنفيذية لأن ذلك سيطول - طبعاً سجلت بعض النقاط هنا - لكنني أريد ذكر بعض التوصيات في هذا الصدد.من هذه التوصيات أن تعمل الأجهزة الإدارية والأساتذة داخل الجامعات على إشاعة الإيمان بالذات. الشاب الذي يخضع لتربيتكم وتعليمكم يجب أن يثق بذاته.. وهذه هي الثقة الوطنية بالذات التي تحدثنا عنها. القضية ليست قضية شخص يثق بذاته، إنما هي قضية أن تكون لدينا ثقة عامة بخصالنا الوطنية، وإمكاناتنا الوطنية، وكنوزنا الثقافية، وهو ما أطلقنا عليه عنوان الثقة الوطنية بالذات. هذه حالة ينبغي أن تتوفر لدى كل واحد من شبابنا. بمعنى أن شابنا حينما يقف هنا ويتحدث يجب أن تكون لديه ثقة وطنية بذاته، فالشاب هو مظهر الأمل. لدي لقاء بالطلبة الجامعيين بعد أيام..سيأتي الشباب هنا ويتحدثون. وينبغي أن لا تكون هناك في كلماتهم أية علامات على يأس أو شك في بلوغ هذه الأهداف.. يجب أن تكون أحاديثهم زاخرة بالأمل.. والواقع يؤيد ذلك. أنتم مسؤولون قبال هذا. وطبعاً ثمة عوامل اجتماعية عديدة تتدخل في هذه القضية : عوامل سياسية ، واجتماعية وما إلى ذلك. لكن للأستاذ في الصف أو في المختبر أو في الورشة التعليمية تأثير بالغ. عليكم بث الإيمان بالذات والأمل بالمستقبل في نفوس الشباب.الأمر الآخر الذي أذكره كتوصية والمسؤولون حاضرون هنا أيضاً هو أن نشخص الاحتياجات والأولويات العلمية ونأخذها بنظر الاعتبار في البرمجة التعليمية. بخصوص العلوم الإنسانية، والعلوم الأم، وبعض العلوم التجريبية أو على مستويات مختلفة من البحث العلمي قد تظهر أولويات معينة بعد الدراسة والنظر الدقيق.. ينبغي ملاحظة هذه الأولويات وأخذها في عمليات البرمجة بنظر الاعتبار. إننا بما لنا من إمكانيات محدودة واحتياجات كثيرة يجب أن لا نسمح لأنفسنا بالاستثمار الفكري والمالي والوقتي والإنساني في مشروع لا يتمتع بالأولويات.ومن القضايا أيضاً قضية تعزيز روح البحث والتحقيق لدى الطالب الجامعي. مسألة تطوير النظام التعليمي للبلاد ونظام التعليم العالي مسألة مهمة جداً ومطولة ينبغي أيضاً طرحها في هذه الجلسات ولا مجال لها الآن. أريد أن أقول إن من الأمور التي يتوجب القيام بها في مضمار تطوير النظام التعليمي هو التخطيط للنظام التعليمي بحيث يرغب شبابنا في البحث والتحقيق ويتحمسون للتعمق العلمي والمعرفي. محورية الحفظ حالة غير صحيحة. لا زلنا نرى في جامعاتنا للأسف - وأنا على ارتباط ببعض الشباب - أن المعلم يعطي مئات الصفحات من كتاب معين كفصل دراسي ليقرأها الطالب.. لماذا؟ هذا مجرد حفظ لأقوال وكتابات من غير الواضح كم ستكوم مفيدة كلها وإشغال لذهن الشاب بشيء غير ضروري.. ينبغي التفكير.. يجب على الشخصيات المميزة والمنتخبة أن تخطط لنظام يرغّب شبابنا في البحث والتعمق والتحقيق بما لهم من مواهب مشهودة. الحق أن مواهب شبابنا مميزة. متوسط المواهب في بلادنا عالٍ جداً.أعتقد أن الوقت قد انتهى.. من نقاشاتنا الدائمة مسألة الأستاذ الرائد والأستاذ الجديد. يجب أن لا نسمح لهذه المسألة أن تتحول إلى نقطة خلاف. لو سألتموني لقلت إننا بحاجة للأستاذ الرائد صاحب السابقة وبحاجة أيضاً للأستاذ الشاب المتوثب الفتي القوي. نحتاج لكل هؤلاء. طبعاً أنا لست من أنصار أن تُشكل في عالم التدريس حلقات مغلقة لا سبيل للشباب - وهم أبناء أولئك الأساتذة - الذين يريدون العمل إليها، لا، ينبغي عدم السماح بتشكيل حلقات مغلقة على مستوى الهيئات العلمية والتعليمية.. بل ينبغي السماح للشباب بالعمل والنشاط. لكن الأساتذة الرواد وأصحاب التجارب والسوابق في الحقول المختلفة من ذخائر النظام ويجب الانتهال منهم إلى أقصى حد ممكن. التخطيط لكيفية الجمع بين الأستاذ صاحب التجربة الذي عمل سنوات طويلة في هذا الفرع وبلغ طور النضج واكتسب تجربة ثرة ويعد الآن ذخراً للبلاد وبين الشاب الجديد الذي أنهى فترة الدكتوراه لتوّه في جامعة معروفة وهو الآن مستعد للتدريس بنشاط وتوثب في نفس ذلك الفرع - لا يمكن الاستغناء عن أي منهما. نحتاج إلى ذلك الشيخ صاحب التجارب والسابقة والريادة، وكذلك إلى هذا الشاب الواصل تواً والمتحمس والمتعطش للحركة العلمية والنشاط العلمي والمندفع للعمل والجد - هذا التخطيط ينبغي أن يتم بحيث يُنتفع من خدمات هذا وذاك. نحن بحاجة للكوادر البشرية، وأعتقد أننا إذا وضعنا تنمية المراكز التعليمية والبحثية في جدول أعمالنا لأمكننا الانتفاع من كلا الفئتين مضافاً إلى إمكانية توفير فرص العمل العلمية للطلبة الجامعيين المستعدين للعمل واجتذاب النخبة. هذه أيضاً من المهمات.أعتقد أن صوت الأذان يجب أن يكون قد ارتفع الآن.. أنا لم أسمعه، ولكن لابد أنه قد حان، ولا يمكن الاستمرار أكثر.أشكر الأصدقاء الأعزاء شكراً جزيلاً.. الإخوة والأخوات الذين تفضلوا بالمجيء إلى هنا اليوم، وأقاموا هذه الجلسة الطيبة. سوف يستخلصون في مكتبنا آراء السادة إن شاء الله، وسوف نستلم ما يتعلق بنا وما يجب علينا نحن القيام به ومتابعته، وسيجري تسليم الأجهزة التنفيذية ما يتعلق بهم ليتابعوه إن شاء الله.والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته 
2008/09/23

خطبتا صلاة الجمعة بطهران

الخطبة الأولىبسم الله الرحمن الرحيموالحمد لله رب العالمين نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوكل عليه ونصلي ونسلّم على حبيبه ونجيبه وخيرته في خلقه حافظ سره ومبلغ رسالاته سيدنا ونبينا أبي القاسم محمد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين المعصومين سيما بقية الله في الأرضين، وصلّ على أئمة المسلمين وهداة المؤمنين وحماة المستضعفين.يوم الجمعة وليلة القدر من شهر رمضان، وصيام الإخوة والأخوات الأعزاء فرصة مناسبة جداً كي نعرف أنفسنا ونقربها من مصدر الرحمة والفضل الإلهي في هذه الدقائق المعدودة التي يمكن أن نتحدث فيها قبل صلاة الجمعة، وسوف نوفر بذلك الأرضية لتربية غرسة التقوى في قلوبنا إن شاء الله.ليلة القدر مناسبة دعاء وتضرع وتوجه للخالق، وشهر رمضان لا سيما ليالي القدر ربيع توجه القلوب لله والذكر والخشوع والتضرع. وهي ثانياً مناسبة لنعرف قلوبنا المقام السامق لأمير المؤمنين ومولى المتقين في العالم إلى حد ما ونستلهم منه الدروس. كل ما يمكن قوله في فضائل شهر رمضان وواجبات العباد الصالحين في هذا الشهر، كان أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) نموذجه ومثاله الأعلى الأبرز. أبدأ كلامي في الخطة الأولى بذكر أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) كي نقترب قليلاً من معرفة هذا الإنسان الكبير. كل ما قالوه وقلناه وسمعناه إنما هو شيء قليل وحقير مقارنةً بعظمة ذلك المقام وتميز تلك الشخصية، فنحن عاجزون عن وصف جهاده، وسعيه للتقرب إلى الله تعالى، ومرارات حياته وآلامها، وعظمة الفعل الذي قام به في عهده.لأجل أن نستفيد الدروس من أمير المؤمنين اليوم، سأشير إلى بعد واحد من أبعاد النشاط الشامل لأمير المؤمنين وهو بعد التربية الأخلاقية. يوم تولى أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) زمام الأمور في المجتمع الإسلامي كان وضع الأمة الإسلامية قد اختلف كثيراً عما كان عليه يوم رحل الرسول الأكرم (ص) عن الدنيا. خلال الأعوام الخمسة والعشرين ما بين رحيل الرسول الأكرم وتولي الإمام علي الخلافة وقعت أحداث كثيرة تركت تأثيراتها على ذهنية المجتمع الإسلامي وأفكاره وأخلاقه وسلوكه، وجاء أمير المؤمنين ليستلم هذا النظام والمجتمع.حكم الإمام علي نحو خمسة أعوام في ذلك البلد الإسلامي الكبير. كل يوم من تلك الأعوام الخمسة كان درساً بليغاً. من الأعمال المتواصلة لأمير المؤمنين العكوف على التربية الأخلاقية للناس. كل الانحرافات التي تحصل في المجتمع مردها وجذورها إلى أخلاقنا. أخلاق الإنسان والخصائص والخصال الأخلاقية للأفراد هي التي توجّه سلوكهم وممارساتهم وترسم ملامحها. إذا كنا نلاحظ بعض السلوكيات المنحرفة في مجتمع ما أو على مستوى العالم فعلينا البحث عن جذورها في الأخلاق الذميمة. هذه الحقيقة دفعت أمير المؤمنين للتعبير عن حقيقة أهم هي أن معظم هذه الخصال الباطلة الضارة في البشر تعود إلى طلب الدنيا وحبها. لذلك يقوم أمير المؤمنين: »الدنيا رأس كل خطيئة«.. طلب الدنيا أصل وأساس كل أخطائنا التي تؤثر في حياتنا الجماعية والفردية. طيب ما معنى طلب الدنيا؟ وما معنى الدنيا؟الدنيا هي هذه الطبيعة الهائلة التي خلقها الله تعالى ومنحها للبشر.. هذه هي الدنيا. كل هذه المواهب التي خلقها الله تعالى في ساحة الكون تشكل بمجموعها الدنيا. وأولها أعمارنا. والعائدات الدنيوية وحصائل المساعي الدنيوية.. هذه كلها دنيا. الأولاد دنيا، والمال دنيا، والعلم دنيا، والمصادر الطبيعية دنيا.. هذه المياه والمناجم وكل ما يلاحظه الإنسان في عالم الطبيعة هو دنيا. أي الأشياء التي تكون حياتنا في هذا العالم. طيب ما هو السيئ في هذا؟ ثمة مأثورات ومعارف شرعية وإسلامية تقول لنا عمّروا الدنيا: »خلق لكم ما في الأرض جميعاً«.. اذهبوا حققوا الدنيا وعمّروها واستثمروا النعم الطبيعية لكم وللناس. من الروايات ما تقول: »الدنيا مزرعة الآخرة«، »متجر عباد الله«. ثمة تعابير من هذا القبيل تدل كلها على رؤية إيجابية تجاه الدنيا. وهناك مجموعة من المأثورات والمعارف الإسلامية تعتبر الدنيا رأس الخطايا وأصل المعاصي. هذه هي حصيلة هاتين المجموعتين من المعارف، وهو كلام واضح - طبعاً لابد من دراسات تحليلية عميقة لهذه الأمور فهي دراسات ضرورية وقد تم إنجازها فهنالك بحوث جيدة في هذا الباب - لكن خلاصة الفكرة هي أن الله تعالى مد مائدة الطبيعة هذه للبشر وأوصى كل واحد منهم وأمره بأن يجعلوها أكثر فاعلية واستعداداً وألواناً ويقدمونها للناس ولأنفسهم. غير أن هناك حدوداً وضوابط وقواعد تقيد هذه الممارسة. ثمة مساحات محظورة. الدنيا المحمودة هي أن ينتفع الإنسان من هذه المائدة الطبيعية الإلهية والمواهب الإلهية كما أمرت الضوابط والقواعد الإلهية ويتعامل ويسلك طبقاً لها ولا يتخطى الحدود والضوابط ولا يدخل المساحات الممنوعة. الدنيا الذميمة هي أن يطلب الإنسان لنفسه هذا المتاع الذي وضعه الله تعالى للناس، وأن يريد لنفسه سهماً أكثر من الآخرين، ويتطاول على حصص الآخرين وأن يحب الدنيا - وحب الشيء يعمي ويصم - إلى درجة أنه لا يعود يحترم أية خطوط حمراء ولا أية حدود وضوابط في سبيل الحصول على الشيء الذي يحبه ويعشقه.. هذه ستكون دنيا ذميمة. حب الدنيا، وطلب نصيب أكثر من الحق، والتطاول على نصيب الآخرين، والتعدي على حقوقهم هذه هي الدنيا الذميمة. المال دنيا، المنصب دنيا، السلطة دنيا، الشعبية دنيا، النعم والملذات الطبيعية هذه كلها دنيا. اعتبر الإسلام والأديان الإلهية الانتفاع من هذه الدنيا مباحاً للإنسان. لكن التطاول على حقوق الآخرين والإخلال في قواعد وقوانين عالم الطبيعة، وظلم الآخرين، وإغراق النفس في متاع هذه الدنيا، والغفلة عن الهدف الأصلي والنهائي كلها ممارسات ممنوعة وذميمة. هذه الدنيا وسيلة للسمو والتكامل، وينبغي أن لا تعد هدفاً. إذا لم تؤخذ هذه الأمور بنظر الاعتبار كانت الدنيا ذميمة.كانت هذه البلية موجودة في العالم الإسلامي خلال الفترة التي حكمها أمير المؤمنين، بحيث أدت إلى التشكيك في حق صريح كالإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) ومناقشته، وأن يتجاهل البعض مقامه، ودرجته المعنوية، وسابقته، وصلاحياته الفذة لإدارة المجتمع الإسلامي، والاتجاه نحو معارضته ومحاربته. كان هذا نتيجة طلب الدنيا. طلب الدنيا هو سر الانحراف الذي وجده الإمام أمير المؤمنين يومذاك أمامه ، ونهج البلاغة ملئ بالتعبير عن هذه الانحرافات. انظروا إلى العالم اليوم وستلاحظون نفس هذه الحالة. حين يمسك طلاب الدنيا والانتهازيون والمعتدون زمام الأمور على مستوى العالم فستكون الحصيلة ما تلاحظونه. أولاً ستظلم حقوق البشر، وثانياً سيتم تجاهل حقوق وأسهم الأفراد على هذه المائدة العظيمة الطبيعية الإلهية والمواهب الإلهية. وثالثاً سيخلق طلاب الدنيا الفتن في المجتمع كي يبلغوا مقاصدهم..الحروب، والدعايات الكاذبة، والألاعيب السياسية الخسيسة.. هذه ناتجة عن طلب الدنيا. في مناخ الفتنة - مناخ الفتنة بمعنى المناخ المضبّب الغائم - وحين تتفشى الفتنة في المجتمع، تتضبب أذهان الناس ويخيم عليها الغموض إلى درجة أن الإنسان لا يستطيع مشاهدة حتى ما لا يبعد عنه سوى مترين. يحدث مثل هذا الوضع الذي يقع فيه الكثيرون في الأخطاء ويفقدون بصيرتهم، وتنمو العصبيات الفارغة الجاهلية. طلاب الدنيا هم المحور في مثل تلك الأجواء، لكن البعض حتى ممن هم ليسوا من طلاب الدنيا سيسيرون باتجاه أهداف طلاب الدنيا بسبب الفتنة المستشرية.. هكذا سيكون وضع الدنيا. إذن »الدنيا رأس كل خطيئة«. حب الدنيا والهيام بها يقف على رأس كل الخطايا والمعاصي. ينبّه أمير المؤمنين إلى هذه النقطة. هذا هو البرنامج التربوي الأخلاقي لأمير المؤمنين.لو نظرتم في نهج البلاغة من أوله إلى آخره لوجدتم أن ما قاله أمير المؤمنين حول النهي عن حب الدنيا والرغبة فيها وحول الزهد فيها يفوق حجمه حجم كل ما قاله في نهج البلاغة. وهذا هو السبب. وإلا فالإمام علي لم يكن ممن يعتزل الدنيا، لا، كان من أنشط الناس لعمارة الدنيا.. سواء في زمن خلافته أو بعد ذلك. لم يكن أمير المؤمنين ممن لا يعملون ولا يكدّون. معروف انه حين كان يعيش في المدينة قبل خلافته أحيى حقولاً بيديه وأجرى عليها المياه وزرع النخيل. الخوض في شؤون الدنيا والطبيعة التي وضعها الله تحت تصرف الإنسان، وإدارة معيشة الناس وشؤونهم الاقتصادية، وتوفير أسباب الازدهار الاقتصادي كل هذه ممارسات إيجابية لازمة ومن واجبات الفرد المسلم والمدراء الإسلاميين. هكذا كان أمير المؤمنين، لكنه لم يكن هائماً في الدنيا أبداً. هذا هو وضع أمير المؤمنين وبرنامجه التربوي الأخلاقي.وقد عرض عليه السلام علاج عبادة الدنيا في خطبة المتقين: »عظم الخالق في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم«. علاج حب الدنيا والميل إليها هو أن يسلك الإنسان طريق التقوى ، ومن خصائص التقوى أنها تعظم الخالق في نفس الإنسان فيكتسب الرب في نفس الإنسان مكانة تجعل كل الأشياء حقيرة في نظره ولا تحظى بأهمية في مقابل عظمة ذكر الله في قلب الإنسان. هذه من خصوصيات التقوى. وقد كان هو نفسه - أمير المؤمنين - المظهر التام لهذا المعنى. في خطبة »نوف البكالي« المعروفة التي سأذكرها لاحقاً فقرةً منها يقال إن الإمام وقف على صخرة وعليه ثوب بسيط صوفي قديم زهيد الثمن وفي قدميه نعلان من سعف النخيل أو ما شاكل. حاكم ذلك البلد الإسلامي العظيم ومديره كان له مثل هذا الوضع الفقير الزاهد.. هكذا كان يعيش ويلهج بهذه الكلمات العظيمة وجواهر الحكمة.حينما جاء رجل في حرب صفين وسأله عن قضايا السقيفة أجابه بحدة: »يا أخا بني أسد إنك لقلق الوضين ترسل في غير سدد«(1).. لا تعرف مواضع الكلام، ولا تدري ما تقول ومتى تقول.. تأتي الآن في أثناء هذا الحدث العسكري السياسي الكبير تسأل عن الماضي وماذا كانت قضية السقيفة!؟ لكنه في الوقت نفسه يجيبه باختصار شديد ويقول له كان السؤال من حقك وعليّ أن أجيبك: »فإنها كانت أثرة شحّت عليها نفوس قوم وسخت عنها نفوس آخرين«.. كانت ميلاً للامتيازات أي للسلطة والجاه والمناصب.. وطلب الدنيا بكل أشكاله وفي كل الأزمنة مدان ومرفوض في نظر أمير المؤمنين. هذه هي روح الإمام علي التي يريد تعليمها لنا وعلينا أن نتعلم هذا الدرس منه. ذكر الله والتوجه إليه ومناجاته أهم علاج يذكره الإمام علي لهذه الحالة.علينا معرفة قدر هذه الليالي والأيام والأدعية. التنبه لهذه الأدعية واستذكار مضامينها عملية ذات قيمة كبيرة جداً لو عرفنا قدرها. إنها علاج آلامنا الداخلية التي عانى منها كل أبناء البشرية للأسف على مر العصور. يجب علينا معالجة هذا المرض وهذا الوجع الكبير وهذه الخسارة - حب الدنيا - في أنفسنا ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً. من أساليب ذلك التوجه إلى الله تعالى واستذكار عظمته. إذا راجعتم أدعية أمير المؤمنين فستجدونها أحرّ الأدعية. طبعاً الأدعية المأثورة عن المعصومين (عليهم السلام) كلها عميقة وزاخرة بالمضامين وذات طابع عرفاني عاشق ملؤه الشوق والوجد والذوبان وهي في أرفع المراتب غالباً، لكن من أفضلها وربما أفضلها هذه الأدعية المروية عن الإمام أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام). دعاء كميل، أو دعاء الصباح، أو المناجاة الشعبانية، وقد سألت الإمام (رضوان الله عليه) ذات مرة أي هذه الأدعية تحبها أكثر فقال دعاء كميل والمناجاة الشعبانية وكلاهما مروي عن أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام). هذه النجوى والتضرع والتوسل والذوبان من أمير المؤمنين حالات مثيرة حقاً لمشاعر الشخص الذي يتنبه إليها.وأرجو من الشباب الأعزاء أن يتنبهوا لمعاني الكلمات والعبارات في هذه الأدعية. ألفاظ الأدعية فصحية وجميلة لكن المعاني أيضاً معانٍ راقية. في هذه الليالي ينبغي التحدث مع الله والطلب منه. لو عرف الإنسان معاني هذه الأدعية لوجد فيها أفضل الكلمات والطلبات.. لوجدها في هذه الأدعية وليالي شهر رمضان وليالي الإحياء ودعاء أبي حمزة الثمالي وأدعية ليالي القدر. إذا لم يكن الإنسان ممن يعرف معاني هذه الأدعية فليكلم الله بلسانه وبما يخطر على باله. ليس بيننا وبين الله حجاب. الله تعالى قريب منا ويسمع كلامنا. لنتكلم مع الله ونطلب منه تعالى حاجاتنا. هذا الاستئناس بالله تعالى وذكره واستغفاره ودعاؤه له تأثيرات معجزة على قلب الإنسان فهو يحيي القلوب الميتة.بمناسبة استشهاد هذا الإنسان العظيم أشير إلى أن مناجاة أمير المؤمنين حميمة، وشكاته أيضاً حميمة، وآلام فؤاده أيضاً حميمة حقاً. حينما يتحدث عن فقدان أصحابه ويتذكر الشهداء الذين كانوا معه في سوح القتال في زمن الرسول في ذلك الجهاد العظيم، والذين حضروا حرب صفين وحرب الجمل في فترة خلافته وجاهدوا هناك واستشهدوا، يقول عليه السلام: »أين عمّار، أين ابن التيهان، أين ذو الشهادتين، وأين نظراؤهم من إخوانهم الذين تعاقدوا على المنية«.. أين تلك الشخصيات الكبرى التي تعاهدت على الموت وأصرت على السير في سبيل الله وسارت. و»أبرد برؤوسهم إلى الفجرة«.. أين الذين استشهدوا في سبيل الله وقطعوا رؤوسهم وأرسلوها هدايا للحكّام الفجرة؟ ذرف الإمام علي الدموع في فراق أصحابه ورفاقه وفي فراق الرسول العظيم الذي غالباً ما كان يتذكره ويئن من فراقه. وهذه من شكاة أمير المؤمنين. وقد انتهت هذه الشكاة والمناجاة والتشوّق والذوبان في مثل هذه الليلة - ليلة التاسع عشر من شهر رمضان - بالضربة التي أصابته عليه السلام. مسجد الكوفة بجدرانه وأبوابه والناس الذين كانوا يتجمعون هناك وقد سمعوا من أمير المؤمنين مراراً هذه المناجاة والأدعية والتضرع والتوسل إلى الله تعالى، وشاهدوا دموعه عليه السلام وعبادته المخلصة ورأوا وسمعوا كلماته العارفة العميقة وأحياناً شكاته وآلامه، شهدوا فجأة في ليلة التاسع عشر من شهر رمضان صوته عليه السلام يرتفع في مسجد الكوفة: »فزت ورب الكعبة«. استهدفت الجريمة أمير المؤمنين في ظلام الليل. أثناء النهار لم يكن أحد ليجرأ على الوقوف أمام الإمام علي ومقاتلته. من ذا الذي كان بوسعه مهاجمة أمير المؤمنين في وضح النهار.. إنما اغتالوه ليلاً، وفي حال الصلاة وهو في محراب العبادة. سمع الناس صوت الهاتف يخبر بما وقع لأمير المؤمنين من حدث جلل. توجهوا إلى المسجد وشاهدوا الجسد الدامي لأمير المؤمنين. صلّى الله عليك يا أمير المؤمنين.اللهم بحق أمير المؤمنين اجعلنا من محبي هذا الإنسان العظيم وأتباعه. اللهم ثبّتنا على طريق التقوى والورع.. الدرس الكبير للإمام أمير المؤمنين. ربنا اجعل الأخلاق الفاضلة من نصيب شعبنا في إيران. ربنا نجّنا من أمراض الأخلاق الرذيلة. ربنا منّ علينا بالصبر والاستقامة في سبيل الحق وطلب ما طلبته من عبادك الصالحين. اللهم انصر الشعب الإيراني ووفقه وأعزّه في كل ما يصبو إليه. اللهم أرضِ عنا أرواح الشهداء الطيبة والروح الطاهرة لإمامنا في كل ما يجري علينا وعلى البلاد. اشملهم وكل الماضين برحمتك ومغفرتك. أبلغ سلامنا لإمامنا المهدي المنتظر (أرواحنا فداه) وأجعلنا ممن تشملهم أدعيته الزاكية.بسم الله الرحمن الرحيمقل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد.الخطبة الثانية بسم الله الرحمن الرحيموالحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديين المعصومين المكرمين سيما عليّ أمير المؤمنين والصديقة الطاهرة والحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة، وعليّ بن الحسين، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمد بن علي، وعلي بن محمد، والحسن بن علي، والخلف القائم المهدي حججك على عبادك وأمنائك في بلادك، وصلّ على أئمة المسلمين وحماة المستضعفين وهداة المؤمنين.في الخطبة الثانية أرى من اللازم أن نبارك للناشئة الأعزاء الذين يؤدون هذا العام أول صيام واجب لهم ويتشرفون بالخطاب والتكليف الإلهي. خصوصاً البنات اللواتي يجربن التكليف الإلهي وهن في أعمار صغيرة ويصمن في هذه الأيام الطويلة الحارة نسبياً وهذه من أفضل الاختبارات لشعبنا. شبابنا يجربون رياضة الصيام الشرعية في فترة شبابهم.. تحمل الجوع، وغض النظر عن اللذائذ وتقليل الرغبة في المحرمات طوال شهر شيء قيم جداً بالنسبة لشعبنا وخصوصاً لشبابنا. إنه تمرين اكتساب التقوى منذ فترة الحداثة وبداية البلوغ لدى البنات والبنين. نبارك لكل الشباب خصوصاً للمكلّفين في سنتهم الأولى. أجواء مجتمعنا أجواء معنوية والحمد لله، وهذه الأجواء المعنوية تتضاعف في شهر رمضان، وتشيع الخصال الحسنة بين الناس تدريجياً. هذه المساعدات التي تقدم للمعوزين - أسبوع الإحسان - وولائم الإفطار التي نسمع أن الخيرين يقدمونها في المدن المختلفة في المساجد والأماكن العامة.. هذه أعمال حسنة جداً. إنها مبعث نقاء وصميمة وقرب، وهي في الواقع أداء لحقوق شهر رمضان، وأحد حقوقه هو الإحسان للإخوان ومواكبة الأقارب والمسلمين ومساعدة الآخرين. هذه ممارسات طيبة جداً وقد كانت دارجة في السابق أيضاً وتضاعفت اليوم. مجالس الموعظة والدعاء والقرآن كلها مراسم جيدة ينبغي إشاعتها وتعميقها أكثر فأكثر.. ومضاعفة مضامينها، فأشكال المجالس لا تكفي بل ينبغي الانتفاع من جلسات الدعاء والموعظة والقرآن .. ليحاول كل واحد منا أن ينال نصيبه.أشير هنا إلى بعض النقاط والقضايا منها يوم القدس وقضية فلسطين بمناسبة اقتراب يوم القدس، وقد تم إعداد خطبة باللغة العربية للإخوة العرب سأقرؤها أيضاً.الحمد لله أن الشعب الإيراني سار في طريق مستقيم طوال هذه الأعوام منذ انتصار الثورة وإلى اليوم.. وهذا الطريق المستقيم هو خط الصمود على المبادئ والأسس الإسلامية. ليس الشعب الإيراني شعباً متحجراً، فهو على علم بمتطلبات العصر. إنه شعب علم، وبحث، وتحقيق، وفهم. هذا هو شعبنا. لكل عصر وزمان مقتضياته وقد تصرف شعبنا طبقاً لتلك المقتضيات. كانت فترة الدفاع المقدس فترة عصيبة جداً. ونزل الشعب كله إلى ساحة الدفاع.. سار الشباب لساحة الحرب، والآباء والأمهات قدموا المساعدات كل بنحو معين.. الناشئة قدموا مساعداتهم بشكل من الأشكال، وشرائح الشعب المختلفة شاركت جميعها بأنحاء شتى في هذه العملية الكبرى. وفي عهد البحث والعلم وبناء البلد وإنجاز المشاريع الكبرى، عاد الشعب وأنجز كل ما يجب عليه في كل فترة. في الوقت الذي أشتد فيه الهجوم السياسي لأعدائنا الخارجيين الذين حاولوا بشتى السبل تقوية تيارات معارضة البلاد، شارك شعبنا في جميع السوح التي كان ينبغي أن يشارك فيها. لنلق نظرة على السنوات الماضية. حينما حاولت الأيادي الأجنبية بث الخلافات بين الجماهير في الداخل رفعت الجماهير شعارات الوحدة وأعربوا عن تضامنهم بأشكال مختلفة. وعندما حاول الأعداء بأجهزته التجسسية وأقماره الصناعية إنزال بعض الغوغائيين إلى شوارع طهران وبعض المدن، نزلت الجماهير إلى الساحة وتصرفوا وملأوا الساحة قبل أن تبدأ القوات المكلّفة بمكافحة الشغب مواجهتهم. وحينما تفاقمت دعايات الأعداء فيما يتصل بمختلف القضايا ومنها القضية النووية .. ورأيتم أنهم ملأوا العالم بالدعاية ضد الجمهورية الإسلامية .. وكان من الضروري أن تبدي الجماهير عن نفسها ردود أفعال معينة، أبدت الجماهير للحق والأنصاف أفضل ردود الفعل في مختلف القضايا والمنعطفات. لو نظرنا بعين الإنصاف لما يمكن أن نطلق عليه أسم »حركة وطنية« وهذا يخص أكثرية الشعب والشرائح المتحركة الناشطة منه، لوجدنا أن هذا الشعب الحي تحرك وعمل بكل شوق ورغبة منذ بداية الثورة وطوال هذه الأعوام الثلاثين في كل برهة حسب حاجة البلد التي شعروا بها وعلموا أنها شيء تحتاجه بلادهم. هذا هو الواقع ويجب عدم مجانبة الحق والإنصاف وقد كان الواقع كذلك دائماً. ونتمنى أن يكون كذلك في المستقبل أيضاً. وهذا ما جعل الأعداء لا ينتفعون شيئاً من الضغط على شعب إيران ومسؤولي البلاد. يتكلمون ويهددون لكنهم لم ينتفعوا شيئاً من هذه التهديدات والدعاية ضد شعب إيران. الشعب يواصل طريقه والحمد لله. إنه طريق التكامل والتقدم. لا ندعي أننا استطعنا بلوغ الأهداف السامية للثورة وهي معارف الإسلام الحقيقية، لا، لكننا نسير في هذا السبيل ونتقدم إلى الأمام. وكما قلنا يجب أن يكون عقد الثورة الرابع - ونحن قريبون منه - بإذن الله تعالى وتوفيقه، عقد العدالة والتقدم إلى جانب بعضهما؛ أي التقدم الملحوظ والعدالة الملموسة على مستوى البلاد. هكذا ينبغي تنظيم البرامج، وهو ما يجعل شعبنا وبلادنا مصونين من الأخطار.العدو عدو طبعاً ويجب أن لا نتوقع من العدو الذي تلقى الصفعات والضربات من الإسلام أن يسكت عن نظام الجمهورية الإسلامية. لا شك أن العدو يمارس عداءه. ينبغي أن نتوقع العداوة من العدو، ولكن يجب اختيار أفضل السبل وبكل وعي ويقظة لمواجهة عداء الأعداء من أجل صيانة المصالح الوطنية ومصالح عموم الشعب.ما أراه ضرورياً أكثر من أي شيء آخر لبلادنا اليوم كما في السابق هو وحدة كلمة جميع أبناء الشعب ووحدة كلمة النخبة والمسؤولين فيما يتصل بالمباني الأساسية. من الأمور المهمة حقاً لبلادنا هو أن يشعر الشعب بالأمن السياسي والنفسي، وأن لا يعتري التوتر مناخ المجتمع النفسي. إنهم يحاولون بث التوتر وهذه من سياسات معارضي نظام الجمهورية الإسلامية. طبعاً قد نزيد نحن أيضاً من هذا التوتر دون قصد. أريد أن أوصي - وشعبنا العزيز والحمد لله في منأى عن كثير من هذه الأمور التي يلاحظها الإنسان. ينظر الناس إلى بعض الملاسنات والحوارات غير المناسبة وغير الضرورية التي تلاحظ أحياناً بين النخب السياسية؛ ونظرة الناس هنا ليست نظرة رضا. هذا ما نفهمه جيداً من مراجعات الناس - وسأذكر مسألتين أو ثلاثاً من المسائل الصغيرة غير المهمة التي تجري محاولات لاستغلالها من أجل تصعيد حالة التوتر.. أذكرها من أجل إغلاق باب الملاسنات.يظهر شخص ويصرح برأيه حول الشعب الذي يعيش في إسرائيل، وهذا التصريح طبعاً تصريح خاطئ. أن يقال إننا أصدقاء لشعب إسرائيل كما هو حالنا بالنسبة للشعوب الأخرى! هذا كلام غير منطقي. ومن هم شعب إسرائيل؟ هم الذين يتم بواسطتهم اغتصاب البيوت والأراضي والمزارع والتجارة. إنهم السواد الأعظم للعناصر الصهيونية. لا يمكن للشعب المسلم أن يبقى لا أبالياً محايداً تجاه جماعات كانت الأداة بيد أعداء العالم الإسلامي الرئيسيين. نحن لا مشكلة لدينا مع اليهود إطلاقاً، ولا مع المسيحيين، ولا مع أتباع الديانات الأخرى في العالم. لكن لدينا مشكلة مع مغتصبي أرض فلسطين. والمغتصبون ليسوا الكيان الصهيوني فقط. هذا هو موقف النظام والثورة والشعب. وقد يتكلم شخص بكلام غير صحيح تصدر تجاهه ردود أفعال معينة.. ينبغي إنهاء المسألة. ليس من الصحيح أن يتحدث شخص من هذا الجانب يوماً، ويتحدث شخص آخر من ذاك الجانب يوماً، ويحتج فلان بهذا الشكل، ويتحدث فلان بذاك الشكل... هذا يثير التوتر. هي كلمة قيلت وكانت خطأ وانتهت. وهي لا تمثل موقف الجمهورية الإسلامية. المسألة هنا تختلف عن البلدان الأخرى التي لا تعيش شعوبها على أراضٍ مغتصبة. المستوطنات اليهودية اليوم ممتلئة بهؤلاء الناس الذين يقال إنهم شعب إسرائيل. هؤلاء هم الذين سلحتهم الحكومة الصهيونية المصطنعة ضد الشعب الفلسطيني المسلم كي لا يتجرأ الفلسطينيون علی الاقتراب من تلك المستوطنات. كانت تلك كلمة خاطئة غير صحيحة ويجب عدم جعلها وسيلة للتوتر. أرجو من الجميع أن لا يجعلوا مثل هذه القضايا الصغيرة الجزئية - كلمة جرت على لسان شخص ما، أو فكرة قيلت - وسيلة لخلق توتر ومشاكل لمدة طويلة في كل أنحاء البلاد.. البعض يعارضون، والبعض يؤيدون والقضية أساساً قضية تافهة. موقف نظام الجمهورية الإسلامية معروف وانتهى.مسألة أخرى يلاحظها المرء هذه الأيام - وأريد أن أطلب أيضاً من النخبة خصوصاً أن يتنبهوا لهذا - هي إصدار الأحكام حول شؤون الحكومة وأدائها. وهذا طبعاً من تبعات الاقتراب من موسم الانتخابات، فمع إننا لسنا قريبين جداً ولا زالت أمامنا تسعة أشهر إلى موعد الانتخابات، بيد أن طبيعة الانتخابات هي أن تنشط الشخصيات قبلها بفترة وتتحدث... فلتتحدث. ثمة حول الانتخابات الكثير من الكلام سنذكره لشعبنا العزيز إن شاء الله في وقته وفي الفرصة المناسبة. الوقت الآن مبكر. لكن الإنسان يشعر أن ثمة عدم إنصاف فيما يقال هذه الأيام. إذا كان لدى شخص برامج وأفكار لما يسميه معضلات البلاد فليطرح أفكاره. وإذا كان باستطاعته تقديم حلول للمشكلات الموجودة - مشكلة الغلاء أو التضخم مثلاً - فليطرحها. تسقيط المسؤولين والحكومة ليس من المصلحة إطلاقاً ولا من الممارسات الإسلامية السليمة. طبعاً في أماكن أخرى وبلدان أخرى من العالم يجري التسقيط وتشويه السمعة وإراقة ماء الوجوه تحت طائلة الديمقراطية والحرية.. هذه ليست ممارسات إسلامية.. إنها ممارساتهم كالكثير من أعمالهم وأفعالهم الأخرى. ما يقال حول القضايا الاقتصادية أو غير الاقتصادية يجب أن يطرح أولاً في الأوساط المتخصصة وليس من على المنابر العامة. يلاحظ الإنسان أنهم يقولون أحياناً كلاماً يجانب الإنصاف. ينبغي عدم إشاعة صفة عدم الإنصاف الذميمة في مجتمعنا. يجب أن لا نبتلی بعدم الإنصاف. خصوصاً نخبتنا.. خصوصاً نخبتنا.. يجب أن ينظروا جيداً ويتكلموا بإنصاف. قلنا إن التخريب ليس صحيحاً. لا من قبل أنصار شخص أو جماعة، ولا من قبل معارضي ذلك الشخص أو الجماعة. ليس من الضروري أبداً أن تتخذ مواجهتهم شكل التخريب والتسقيط.. يمكنهم التحدث بطريقة منطقية وطرح انتقاداتهم إذا كانت لديهم انتقادات. نشكر الله على أن أجواء بلادنا أجواء حرية منفتحة بفضل النظام الإسلامي. أمام الجماهير فرصة كي تقول كلمتها.. وبوسع النخبة أيضاً أن يتحدثوا، والناس يستمعون ويقارنون الكلام ببعضه فيقبلون ما يبدو لهم حقاً.ليس قلقي من أن يقال شيء أو ينتقد شخص؛ لا، شخص يُنتقد وشخص يرد على النقد. قلقي من شياع أخلاق اللاإنصاف في المجتمع. تقدم الكثير من الخدمات فيضعها الإنسان كلها جانباً ويركز على نقطة معينة.. هذا ليس صحيحاً.. هذا طبعاً خطاب للجميع، ولا نقوله خطاباً لشخص معين أو جماعة معينة أو تيار معين.. نقول هذا للجميع. ليحذر الجميع من أن يسقطوا بعضهم. أجواء التسقيط هذه ليست محبذة، والناس لا ترغب فيها. أقول هذا الآن للسادة بحضوركم أيها الناس: إذا تصورتم أن تتربعوا وتذموا المسؤول الفلاني أو التيار الفلاني ويبتهج الناس لذلك ويفرحوا فأنتم على خطأ. الناس لا ترتاح لأجواء التسقيط.المسألة الأساسية في منطقتنا اليوم هي قضية فلسطين القديمة.. قضية فلسطين قضية جد أساسية ومهمة. ضاعف الكيان الغاصب المحتل من إجراءاته ضد الفلسطينيين وهذا هو رد فعله تجاه ضعفه الداخلي وهزائمه المتلاحقة. لم يتمكنوا من الحفاظ على الهيمنة التي اصطنعوها لأنفسهم كذباً. الرعب الذي زرعوه في قلوب الشعوب العربية تحطّم بجهاد المجاهدين المضحين من لبنان وفلسطين وراحوا يزيدون من ضغوطهم على الشعب الفلسطيني. الحكومة القائمة في غزة اليوم حكومة قانونية؛ حكومة حماس حكومة قانونية. على العالم كله قبول هذه الحكومة التي تشكلت بأصوات الشعب عن طريق الانتخابات. أدعياء الحضارة الذين يعتبرون أنفسهم بلداناً متحضرة لكنهم لم يشموا رائحة التحضر والإنسانية يتفرجون على سلوك الغاصبين الصهاينة مع أهالي غزة وعلى هذا الحصار الشديد المفروض ضدهم - وغزة طبعاً نموذج من النماذج، فالضفة الغربية ليست بأفضل حالاً، فمع أنه لا يوجد هناك حصار غير أن بطش الصهاينة في مدن الضفة الغربية ليس بأقل مما في غزة. الضغوط على الفلسطينيين المظلومين مستمرة في كل مكان - ولا ينبسون ببنت شفة، بل يدافعون ويدعمون الصهاينة. على العالم الإسلامي أن يقول كلمته إزاء هذا الحدث المرير، ويجب أن يطرح رأيه ويحدد موقفه، ويوم القدس يوم مناسب لهذا.رحمة الله ورضوانه على إمامنا الجليل الذي حدد هذا اليوم يوماً للدفاع عن الشعب الفلسطيني. سيستثمر شعبنا وقطاع واسع من شعوب البلدان الإسلامية كما نتمنى فرصة يوم القدس إن شاء الله ويؤدوا حقوق الشعب الفلسطيني، وستعمل الحكومات المسلمة إن شاء الله بواجبها الكبير في مساعدة حكومة حماس في فلسطين ومساعدة شعب فلسطين.بسم الله الرحمن الرحيموالعصر، إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر.والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
2008/09/18

كلمة الإمام الخامنئي في لقائه بالشعراء الإيرانيين

بسم الله الرحمن الرحيمأولاً أتقدم بالشكر الجزيل لجميع الإخوة و الأخوات سواء الذين قرأوا أشعارهم و استفدت أنا منها و استمتعت بها حقاً، أو الذين لم يقرأوا و ضاعفوا من شوقنا إلى أشعارهم - الدكتور السيد حداد يقترح أن تقام هذه الجلسة مرتين في السنة و قد قلت له إنه حتى هذا لا يكفي - كما أشكر السيد باقري الذي أدار الجلسة بصورة جيدة، و كذلك الإخوة الأعزاء الذين أعدوا لهذه الجلسة منذ فترة، و وجّهوا الدعوات، و اختاروا، و عيّنوا، و قد حصل كل هذا بفضل جهود و مساعي هؤلاء الأعزاء: السيد قزوة، و السيد مؤمني، و سائر الإخوة.لا شك أن الشعر ثروة وطنية. إذا شك أحد في هذا فقد شك في إحدى أكثر المسائل بديهيةً. الشعر ثروة لكل بلد.. ثروة كبيرة و خصبة و مثمرة. أولاً ينبغي إيجاد هذه الثروة و إنتاجها. ثانياً يجب مضاعفتها يوماً بعد يوم كي لا تقل و لا تنحسر. و ثالثاً ينبغي استخدامها لاحتياجات البلد بأفضل صورة. لا استطيع أن أقول و أدعي ما هو بالضبط سبب نمو الشعر و انتشاره في بلادنا، و هذا الانتشار اليوم واضح و جليٌّ جداً بالقياس إلى الماضي. لا شك أن أحد عوامل ذلك هو انفتاح الأجواء على شتى المستويات الفكرية و العلمية و الذهنية و هذه هدية الثورة لنا.. بلا شك. لقد شهدنا عهد ما قبل الثورة و رأينا شعراء ذلك الحين و عرفناهم و عايشناهم. أفضلهم لم يكن يتاح له مجال أن يظهر على الملأ و في الاجتماعات العامة و يقرأ أشعاره. شاعر كالمرحوم أميري فيروزكوهي الذي وقف بحق على قمة » الغزل « في زمانه، كانت أكثر تجلياته و ظهوره أن تكون له جلسات خاصة في زوايا عزلته يجتمع فيها أربعة أو خمسة من أصدقائه فيقرأ لهم غزلياته. أو في مجال الشعر الحديث كان المرحوم أخوان الذي كان بالتأكيد أفضل شعراء الشعر الحر، و أعتقد أنه كان أشعر من جميع أقرانه، و أكثر تمكناً و أجود لفظاً و معنى، كان يعيش في عزلة لا يعلم أحد عنه شيئاً، و لا يعرفه أحد سوى جماعة خاصة.. يعيش العزلة و الغربة. هكذا كان حال انتشار الشعر و ظهوره. و من الطبيعي حينما يعيش كبار الشعراء مثل هذه العزلة و الخمول أن لا يتطور الشباب كثيراً.. هذا شيء أكيد.قضية الجودة قضية أخرى طبعاً. إنما أناقش هنا قضية العدد و الكم و الانتشار. قضية الجودة و النوعية قضية أخرى. ينبغي اجتراح اختبارات واقعية و علمية لنرى كيف يمكن رفع مستوى الجودة. طبعاً جودة الشعر في ذلك الزمن، و بما يتناسب و ذلك الزمن، كانت جيدة جداً. في » الغزل « مثلاً كانت هناك شخصيات نظير أميري، و رهي، و المرحوم شهريار، و في سائر الأنواع ربما كانت هناك شخصيات أخرى، و لا مجال هنا للتفسير و التحليل مع أن في بالي نقاطاً حول هذا الموضوع لا أروم التطرق لها حالياً، لكن الظروف كانت غير ملائمة من حيث السعة و الانتشار و انفتاح المجالات أمام الأفراد كي يعبروا عن مواهبهم و هذا بحد ذاته عامل مشجع كبير لم يكن متوفراً آنذاك. فتحت الثورة هذا المجال لا على صعيد الشعر و الأدب و حسب بل على مستوى العلوم و البحث العلمي و الإدارة أيضاً.. الإدارة العامة كإدارة الحرب و الدفاع المقدس الذي فرض علينا و كان اختباراً للجميع.. هذه حالة موجودة و الحمد لله و قد اتسعت رقعة الشعر كثيراً.أضف إلى ذلك أن هذه الأشعار التي سمعتها الليلة و سمعتها العام الماضي من الشباب في مثل هذا الاجتماع تختلف اختلافاً كبيراً عن الأشعار التي كنت أسمعها قبل أربع عشرة سنة أو خمس عشرة سنة من الشباب.. فقد تقدمت إلى الأمام كثيراً و تحسنت و صقلت فضلاً عن ما يلاحظه المرء من مضامين جيدة فيها. لقد تطور الشعر في هذا البلد حقاً. إذن، نحن نمتلك اليوم هذه الثروة الوطنية لكن علينا أن نضاعفها. و مضاعفتها مهمة تقع على عاتق الأجهزة المسؤولة و كذلك على عاتق الشعراء أنفسهم و أصحاب القرائح. أي إن عليكم أيها الإخوة و الأخوات أصحاب القرائح أن تشعروا بالمسؤولية، فهذه نعمة أعطيت لكم و عليكم شكرها. و شكرها في أن لا تضيعوها و لا تسمحوا بزوالها، بل تحافظوا عليها و تضاعفوها و تفجروا هذا الينبوع أكثر فأكثر. و عندئذ يأتي الدور للطور الثالث و هو أين و كيف نستخدم هذه الثروة.اعتقد أن الشعر كسائر أنواع الفن لا يمكن تأطيره و تقييده - هذا ما نعرفه جيداً و نوافقه. الأنضباط غير ممكن في عالم الفن بنفس معناه الدارج في شؤون الحياة الأخرى. لا يمكن توقع مثل هذا الانضباط و لا هو ضروري أساساً. أرى أنه لو أردنا إشاعة مثل هذا الانضباط في الفن و بشكله الدارج و الضروري في قضايا الحياة المختلفة، لنسفنا الفن و أضعناه. إذن، ليس هذا الانضباط هو ما أرمي إليه - لكن تقع على الشاعر نفسه مسؤوليات، و الذين يستطيعون توفير أرضيات ميل الشاعر نحو مجالات معينة تحتاجها البلاد، تقع عليها أيضاً مسؤوليات. شعبنا اليوم بحاجة لأشياء يمكن إشباعها بلغة الفن و منها لغة الشعر. ثمة سجايا كثيرة نحتاج حالياً إلى جعلها أخلاقاً وطنية في بلادنا. لا نستطيع أن ننسى أننا كنا نعيش لعدة قرون تحت أحذية الاستبداد. أفضل ملوكنا على مرّ التاريخ ممن قد نفخر بأسمائهم كانوا من أقسى الناس و أشد الحكام ظلماً. نادر شاه أسطورة من حيث البطولة و كبطل وطني، لكنه كان غولاً مرعباً لشعبه في زمن حياته. و كذلك الشاه عباس. نحن نفخر بهؤلاء لأنهم أنجزوا أعمالاً كبيرة، و لكن لاحظوا كيف تعامل هؤلاء مع أبناء بلدهم. لاحظوا كيف تعامل أفضلهم ممن يسمّون صالحين و أتقياء نسبياً، و كيف تعامل من لم يكونوا أتقياء.عشنا هكذا قروناً و تكوّنت لدينا طباع و صفات يجب إصلاحها و جعلها إسلامية. نحن بحاجة للصفاء، و عدم التلّون، و روح الإخوة، بحاجة إلى أن يشعر كل واحد منا في المجتمع بالأمن حيال جيرانه، و في محل كسبه و عمله، و في الشارع، و لا يشعر بعدم الأمان. هذه أحوال غير متوفرة الآن. نحن بحاجة إلى القدرة على الإبداع و شجاعة التجديد كسجية وطنية. و هذه ليست الآن من سجايانا الوطنية. قد يكون البعض على درجة عالية في هذه السجايا و الخصال و نحن على استعداد لتقبيل أياديهم، لكن هذا لا يكفي. يجب أن تتحول هذه الصفات الحسنة إلى سجايا وطنية. التراحم مع البعض، و الأمل بالمستقبل، وإشاعة الأمل لدى الآخرين.. هذه سجايا إذا توفرت لدى شعب فسوف يطوي طريق التكامل على أفضل وجه. نحن بحاجة لهذه الخصال. ما هي الوسيلة التي يمكن تأمين هذه الصفات بها؟ لا يمكن توفيرها بالأوامر أو النصائح. يمكن الإيحاء بها عن طريق لغة الفن بحيث تمتلأ الأجواء بها. إذن، الشعر الأخلاقي من احتياجاتنا اليوم. و قد يكون الشعر الأخلاقي في أرقى درجات الجودة. انظروا إلى تاريخ الأدب عندنا. سعدي الشيرازي في قمة الشعر الأخلاقي و شعر المواعظ و النصيحة. و كذلك فردوسي، و نظامي، و سنائي، و ناصر خسرو. و هكذا هم الكثير من شعرائنا الكبار. ثم إن جامي هو أيضاً كذلك. و في الفترة الأخيرة، خلال عهد الأسلوب » الهندي « لدينا واعظ قزويني على هذا النحو. واعظ قزويني كان واعظاً يرتقي المنابر و يعظ، و شعره من الناحية الفنية في القمة و جيد جداً و ذو مضامين رصينة ضمن إطار المدرسة الهندية. و صائب نفسه. لو جمعتم من عدة آلاف بيت لصائب غزلياته الأخلاقية و الوعظية فقط لكانت ديواناً كبيراً.و أنتم الآن تنظمون أشعاراً في القضايا الدينية تسمونه الشعر الديني. إنه شعر يعنی فقط بقضايا الأئمة عليهم السلام و أهل بيت الرسول، و هذه حالة جيدة جداً، أي إن هذا الموضوع قطب عاطفي جيد جداً. و هذه إحدى خصائص التشيع أن يكون له هذا البعد العاطفي و هذه العواطف المتدفقة و الحب إلى جانب البعد البرهاني و العقلي المتين الموجود في عقائدنا، إذ لا يتمتع أي من المذاهب الإسلامية بمتانة العقائد الكلامية للشيعة سواء في أصول الدرجة الأولى أو في أصول الدرجة الثانية.. العواطف الملحوظة في أشعاركم أنتم الشباب و التي يستمتع الإنسان بها حقاً حينما يقرأها. هذا الشعر الديني جيد. إنه صناعة نموذج و إشارة إلى النماذج الواقعية للحياة استمداداً من الأئمة ( عليهم السلام ) أو من شخصيات المعصومين بدل هذه النماذج المصطنعة و الزائفة التي يطرحونها اليوم بمختلف صنوف الوسائل على الشعوب و ليس على شعبنا فقط؛ من قبيل الممثلين و أناس تافهين يعدونهم نماذج.. نساءً و رجالاً، و شخصيات الرقص و الاستعراض.إذن الشعر الديني جيد، و أنا لا أشك إطلاقاً في أن ما تقومون به في مجال قضايا الأئمة و التوسل و إبداء الحب و المودة و الرثاء هو ممارسة جيدة لكنها لا تكفي.جانب مهم من شعرنا الديني يمكن أن يتركز على القضايا العرفانية والمعنوية. و هذا بحد ذاته بحر عظيم. لاحظوا شعر مولوي. لو افترضنا أن أحداً غير قادر على » ديوان شمس « بسبب لغته و حالته الخاصة، و كثيرون منا غير قادرين، و إذا اعتبرناه بعيد المنال إلى حد ما، فهناك » المثنوي « الذي يقول هو نفسه إنه: أصول أصول أصول الدين. و الحق أن هذا هو رأيي. ذات مرة سألني المرحوم الشيخ مطهري ما هو رأيك في المثنوي فقلت له هذا. قلت له أعتقد أن المثنوي هو ما قاله هو عن نفسه: أصول أصول أصول الدين.. فقال إن هذا صحيح تماماً و أنا أيضاً أرى هذا. طبعاً اختلفنا في الرأي قليلاً حول حافظ الشيرازي. أو » بيدل « في الفترة المتأخرة.. ذلك الديوان العظيم و البحر العميق الذي يصنعه بيدل و كم في هذه المفاهيم التوحيدية من العرفان - و قد أنجز السيد كاظمي عملاً جيداً يتعلق بمختارات من غزليات بيدل و قد تصفحت قدراً منها.. هو طبعاً أختار بعضها و قد لا تمثل حتى عشر غزليات بيدل، لكنه عمل جيد على كل حال - مهما يكن من أمر فإن شعر بيدل و هو من منتجات المدرسة الهندية، يعد من الأعمال الفنية المعقدة القوية الدالة على مهارته - و قد لا يستمتع القارئ كثيراً ببعض أِشعاره بسبب هذا التعقيد الفني، لكنها أشعار فنية حقاً و تدل على متانة شاعرية هذا الرجل غير الإيراني، و الذي يظهر أن لغته الأم ليست الفارسية - لا أدري هل كانت لغة الأم لدى بيدل هي الفارسية؟ كانوا يتحدثون الفارسية في دلهي؟ ... نعم، على كل حال، أجيبوا أنتم لاحقاً عن هذه الأسئلة؛ و لكن كان يتحدث الفارسية بكل هذه الطلاقة.. بحر من العرفان. مكان هذه الأحوال خالٍ في أشعار شبابنا اليوم. و هي ليست بالأمور التقليدية. أي لو أراد شخص تقليد عبارات حافظ أو عبارات مولوي أو عبارات بيدل بعينها، و ذكر تلك المفاهيم بنفس تلك الألفاظ التقليدية من دون أن يكون قد غار في أعماقها، فلن يكون للشعر طعم، أو لذة، أو فائدة ينبغي فهم الشيء و تنضيجه في الذهن، ثم التعبير عنه بلغة الفن والقريحة التي يمنّ الله بها و هي متاحة لكم و الحمد لله.و في خصوص القضايا السياسية و الثورية أيضاً اعتقد أنه يجب العمل كثيراً. هناك الكثير من الأعمال غير المنجزة. قضية الشهيد و الشهادة قضية لا تنتهي و لن تنتهي في أي وقت من الأوقات و هي مستمرة و الحمد لله. و هناك الأشعار الجيدة التي نسمعها و الحمد لله في كل مرة نجتمع فيها مع الإخوة و الأخوات، و الأشعار التي أقرأها في مصادر أخرى، لكن قضايا الثورة لا تنحصر في قضية الشهيد. لدينا الكثير من المفاهيم الثورية السامية. لقد طرحت الثورة أفكاراً جديدة في العالم، و هذا ليس بالشيء القليل، و هناك طبعاً الضجيج و اللغو و التضبيب الإعلامي للأعداء ضد الثورة، و لسنا نتوقع منهم غير هذا. لكن هذه هي حقيقة القضية: جاءت الثورة بشيء جديد أثبت إلى اليوم أنه لا يموت. لم يستطيعوا القضاء على هذا الشيء مهما فعلوا، بل انتشر أكثر و ترسخ و تجذر أكثر يوماً بعد يوم و تحدى القوى الكبرى و أحبط ضغوطها. لاحظوا أي شعب في العالم، و أي بلد، و أية حكومة في العالم اليوم بوسعها الوقوف بصراحة أمام شعارات الاستكبار و أهدافه العدوانية التوسعية، باستثناء شعب إيران؟ ليس ثمة أي شعب آخر، و لا أية حكومة أخرى. و ما هذا إلا بفضل هذه الرسالة. هذه المتانة التي أحرزتها بنية هذا النظام ببركة هذه الرسالة لا يمكن الاستهانة بها. هذا شيء على جانب كبير من الأهمية. ينبغي إيصال هذه الرسالة. إنها رسالة العدالة.. إنها رسالة المعنوية. إنها رسالة تكريم الإنسان بالمعنى الحقيقي للكلمة، و ليس التكريم الأمريكي الغارق في الكذب و الدجل. هذه رسائل مهمة جداً، و يجب نقلها بصورة صحيحة، و كما ذكرت لا يمكن استنساخ أي منها، و لا فائدة من تكرارها بطريقة ببغاوية. أي يجب فهمها و إذابتها في الذهن و من ثم نقلها. ثروة الشعر العظيمة - و هي ثروة وطنية باقية - ينبغي إنفاقها في هذه السبل. أنا طبعاً لا أوصي أبداً أي شاعر بأن لا ينظم شعر الحب. واضح أن هذا غير ممكن. لكل شاعر على كل حال ميوله الذوقية الطبيعية. لكن بوسعي أن أوصي بالحذر من الإفراط في هذا الجانب فلا تملأ هذه المضامين الفضاءات الذهنية للشعر كلها، و لا يخرج مضمون الحب عن هالة حيائنا الإيراني - الإسلامي، و لا يشيع الشعراء الشعر الإباحي كما أراد الأعداء دائماً. لتنظم قصائد الحب، لسنا جافين إلى درجة أننا لا نحب مثل هذا الشعر، و لا متجمدين إلى درجة أننا لا نفهم مثل هذا الشعر؛ بلى نفهمه، و يروقنا، و لكن يجب أن لا ننفق هذه الثروة الوطنية على هذا الغرض الشعري فقط. إنها ثروة عظيمة جداً. لكن الوضع كان هكذا في الماضي و عمل الكثيرون على هذه الشاكلة و تحليل ذلك يقتضي الكثير من الوقت.ليت اثنان أو ثلاثة من الأعزاء ألقوا قصائدهم بمقدار ما تحدثنا نحن، و ليتنا أنتفعنا من شعرهم أكثر. على كل حال أتقدم بالشكر لكم جميعاً مرةً أخرى. نحيّي ذكرى المرحوم قيصر أمين بور الذي أفجعنا رحيله حقاً. الحق و الواقع أننا بعد المرحوم حسيني كنا مغتبطين بأمين بور الذي فارقنا هو الآخر للأسف. و الآن يجب أن نعرف قدركم عسى أن لا تتركونا لوحدنا لا قدّر الله.من المعروف أن مراسلاً شاباً قال لكاتب فرنسي مسن جاءوا به على عربة المقعدين: سنراكم في هذا الاجتماع السنة القادمة أيضاً. بمعنى أنك عجوز و نتمنى أن لا تموت! فنظر إليه و قال: نعم، أما أنت فلا تزال شاباً يافعاً! نتمنى أن تكونوا شباباً على الدوام و نراكم في هذا الاجتماع.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
2008/09/14

كلمة الإمام الخامنئي في مسؤولي الدولة

بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين سيّما بقية الله في الأرضين.نشكر الله تعالى على توفيقه لنا كي نعقد تارةً أخرى هذه الجلسة المعنوية الأخوية الصميمية في هذه الحسينية ونلتقي جميع الإخوة والأخوات المخلصين للبلاد والمحبين للثورة والذين عملوا بالأمس أو في الحاضر لخدمة البلد.. نلتقيهم في هذا الاجتماع العاطفي الصميمي.الواقع أن هذه الجلسة رمز لوحدة العاملين والمسؤولين وخدمة النظام الإسلامي وبلادنا الحبيبة. ونتمنى أن تكون حصيلة هذه الجلسة مزيداً من روح الخدمة والشوق للأخوة والتعاطف بين المنظومات المحبة للبلاد والثورة.هذه الآية الشريفة وبعبارة أفضل الجملة المباركة في القرآن »استعينوا بالصبر والصلاة« من سورة البقرة تكررت مرتين: مرة في مخاطبة أهل الكتاب حيث يقول: »واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين« ومرة أخرى في مخاطبة المؤمنين حيث يقول: »يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين«. أولاً تلوح هنا أهمية هذان العنصران: الصبر و الصلاة وتأثيرهما في الشيء الذي يمثل الهدف من تشكيل المجتمع الإسلامي، أي الأهداف السامية للمجتمع الإسلامي. وثانياً يمكن ملاحظة العلاقة والرابطة بينهما - بين الصبر والصلاة - أي بين الثبات والاستقامة من ناحية وبين الاتصال القلبي والروحي بمبدأ الخلقة من ناحية ثانية. هاتان نتيجتان تستخلصان من هذه الآية وخصوصاً قوله »يا أيها الذين آمنوا«. قبل هذه الآية هناك الآية الشريفة القائلة: »فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون« والتي تتناول مفهوم الذكر والشكر. وبعد هذه الآية الكريمة تطرح قضية الجهاد »ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون«. وتأتي بعد هذه الآية الآيات المعروفة »ولنبلولنكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين«، »الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون« ثم يقول »أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة« حيث يفهم منها بكل وضوح الترابط القوي بين هذين العنصرين. هذان العنصران بحد ذاتهما مهمان، والعلاقة بينهما مهمة أيضاً. وسأعود إلى الصبر لأناقشه وأوضحه أكثر.أما الصلة بين الصبر والصلاة.. طبعاً لنأخذ الصلاة بالمعنى العام للصلاة أي التوجه والذكر والخشوع، وإلا ليس المراد شكل الصلاة وهي خالية من الذكر. لذلك يذكر تعالى الصلاة في آية شريفة ثم يقول »ولذكر الله أكبر« »إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر«.. هذه من سمات الصلاة، لكن الأكبر من النهي عن الفحشاء والمنكر هو ذكر الله المودع في الصلاة، فالصلاة تعني الذكر والتوجه والخشوع والاتصال القلبي بالله ولها تأثيرها في تعزيز الصبر وتقويته.والآن وقد اتضحت أهمية الصبر - وهي معلومة بالنسبة لكم أيها الأصدقاء طبعاً - حسب الآيات والروايات والمفاهيم الإسلامية، ستتضح أهمية الصلاة وأهمية ذكر الله وإلى أي مدى يمكنه أن يكرّس عامل الاستقرار والثبات - أي الصبر - في قلوبنا، وأرواحنا، وحياتنا، وآفاق أفكارنا. لذا نلاحظ في القرآن »واصبر وما صبرك إلا بالله«. طبعاً وردت كلمة »واصبر« في القرآن كثيراً، ولو أراد الإنسان قراءة الآيات لوجد أن كل واحدة منها بحر من المعارف. يقول في الآية الكريمة »واصبر وما صبرك إلا بالله« إن العون الإلهي هو الذي يجعلك تصبر، بمعنى أن الاستقامة ستكون لامتناهية حينما تتصل بمعين الذكر الإلهي اللامتناهي. إذا ربطنا الصبر - وهو بمعنى الصمود والثبات والاستقامة وعدم التراجع - بموقع الذكر الإلهي ومعينه الذي لا ينضب فلن تكون لهذا الصبر نهاية، وإذا لم ينفد الصبر وكان لانهائياً فمعنى ذلك أن مسيرة الإنسان نحو كل القمم لن تتوقف أبداً. والقمم التي نتحدث عنها هي قمم الدنيا والآخرة كلاهما: قمة العلم، وقمة الثروة، وقمة الاقتدار السياسي، وقمة المعنوية، وقمة تهذيب الأخلاق، وقمة العروج نحو عرش الإنسانية الشامخ. عندها لن يتوقف أي من هذه المسارات، ذلك أن التوقف في مسيرتنا ناجم عن الجزع وانعدام الصبر. حينما يصطف جيشان ماديان بوجه بعضهما فسوف يهزم الجيش الذي ينفد صبره قبل الآخر، وسينتصر الذي يستمر صبره ومقاومته لمدة أطول لأنه سيمر بلحظة يفقد فيها الطرف المقابل صبره وثباته. هذا مثال ملموس وظاهر جداً.. والحال كذلك في كل السوح والميادين.في مواجهة المشكلات والعقبات الطبيعية وكافة الموانع التي تقف بوجه الإنسان في كل تحركاته نحو الكمال، إذا لم ينفد الصبر فسوف تنفد تلك العقبات وتتفتت. هذا هو معنى »الإسلام منتصر«، وهذا هو معنى »وإن جندنا لهم الغالبون«.. جند الله.. حزب الله.. عباد الله.. يقفون بارتباطهم بذلك المعين الأبدي أمام كل المشكلات التي قد تقهر الإنسان. حين يكون ثمة صمود وثبات في هذه الجهة سيكون هنالك زوال واضمحلال في الجهة الأخرى طبعاً. وإذا كان اسمنا حزب الله وجند الله من دون أن نتحلى بذلك الارتباط والاتصال فلن تتحقق مثل تلك الضمانة. إذن، ينبغي أن نتصل ونرتبط بالله. وهنا تبرز أهمية الصلاة وذكر الله والفرصة المتاحة في شهر رمضان.. فرصة بناء الذات، والتقوى، ومضاعفة رصيد اليقين في القلوب وهو ما نلاحظه في أدعية شهر رمضان في نهاراته ولياليه. على ذلك، لابد من اغتنام هذه الفرصة لهذه المقاصد. وإذا كان ذلك فسيرتفع صبر المجتمع الإسلامي في الأمة الإسلامية والعبد المسلم إلى المستوى الذي يتغلب فيه على كافة المشكلات. وعندئذ سيتقدم ذلك المجتمع في مجال السياسة، ومجال الاقتصاد، ومجال الأخلاق، ومجال المعنوية. هذه حقيقة يجب أن نقرب أنفسنا إليها.سمعتم حول الصبر الروايات المعروفة العديدة التي توزعه إلى ثلاث مساحات هي: صبر على الطاعة، وصبر على المعصية، وصبر على المصيبة. ثمة في هذا المعنى روايات عديدة سمعتموها.الصبر على الطاعة معناه أن لا تتعبوا ولا تملوا من طول المهمة التي تعد ضرورية وواجبة وأمراً عبادياً تتوخون من خلاله عبادة الله؛ أن لا تتركوها وسط الطريق. في الممارسات العبادية الظاهرية الشخصية على سبيل المثال هناك صلاة مستحبة طويلة أو دعاء طويل يجب أن لا يتعب منه الإنسان.. هذا هو معنى الصبر على الطاعة. أن لا يتعب الإنسان من مواصلة الصيام في شهر رمضان، ومواصلة الانقطاع إلى الله في الصلوات الواجبة والفرائض، ومن قراءة القرآن.. هذا هو الصبر على الطاعة.والصبر على المعصية معناه أن يكف الإنسان نفسه إزاء المعصية.. هنا أيضاً لابد من الاستقامة والرصانة. الصبر على الطاعة كان بذلك الشكل المذكور والصبر على المعصية هو أن لا ينجذب الإنسان نحوها ولا يقع في فخ الإغراء ولا يتأثر بالشهوات.. الشهوة أحياناً جنسية، وأحياناً شهوة المال، أو المنصب، أو الشعبية والشهرة.. هذه كلها شهوات إنسانية. لكل إنسان شهوات معينة يجب أن لا تجذب الإنسان إليها إذا استدعت ممارسة الحرام. كالطفل الذي يروم الوصول إلى طبق من الحلوى مثلاً وفي طريقه إليه هناك وعاء ماء وأقداح وأواني خزفية وهو غير منتبه إليها فيضربها ويحطمها.. هكذا يفعل الإنسان المنجذب نحو المعصية. لا ينظر ماذا في طريقه.. وهذه حالة خطيرة جداً، فالإنسان غافل أيضاً.. إنه في تلك الحالة غير متنبه وغير ملتفت إنه غافل عن عدم انتباهه هذا. الطفل غير متفطن إلى إنه غير متفطن. إنه غير منتبه إلى عدم انتباهه لوعاء الماء أو الأواني الخزفية أو المزهرية القيمة. هو غير متنبه إلى عدم التنبه هذا. لذلك ينبغي أن نتبصّر جيداً ونفتح أعيننا ونحتاط لكي لا نقع في غفلة مضاعفة.. هذا هو الصبر على المعصية.والصبر في المصيبة معناه أن لا يتحطم الإنسان ولا يجزع حينما تقع له أحداث مريرة كفقدان الأحبة، وموتهم، وضيق ذات اليد، والأمراض، والأوجاع، والمحن و...الخ. يجب أن لا يشعر عند مثل هذه الأحداث أن الدنيا بلغت نهايتها. هذه ثلاثة مجالات للصبر كلها مهمة. لذلك يقول تعالى: »أولئك عليهم صلوات من ربهم«. أي إن الله تعالى يمطر صلواته ورحمته على كل الصابرين.النقطة الجدير بالذكر هنا هي أن هذه المجالات الثلاث تختص أحياناً بالقضايا الشخصية صرفاً كالأمثلة التي ترد على الذهن ونعرفها جميعاً وقد ذكرت. وتختص أحياناً أخرى بالقضايا غير الشخصية من قبيل القضايا الاجتماعية، والعامة، وبعبارة أخرى: القضايا ذات الصلة بمصير جماعة من الناس: أمة، أو شعب، أو بلد. الطاعة التي يجب أن يصبر عليها الإنسان ستكون عندئذ طاعةً ترتبط بمصير بلد. طاعة الجهاد في سبيل الله مثلاً. في زمن الدفاع المقدس كان التوجه إلى الجبهات طاعةً لله. والثبات في مهمة الدفاع عن البلد وعن النظام كان أمراً ضرورياً وطاعة. لم يكن ثباتاً للدفاع عن شيء يتعلق بالإنسان شخصياً. كل مقاتل يتوجه إلى الجبهة كان في الواقع يرسم مصير البلاد بقتاله وصبره. أحياناً تكون الطاعة من هذا القبيل.. أو العمل الفلاني الكبير الذي تبادرون إليه بصفتكم نواباً في المجلس، أو وزراء، أو مدراء، أو عسكريين، أو عاملين في مؤسسة ثقافية.. سيكون هذا العمل طاعة لله وخدمة لعباده. هذه جهة من إطاعة الله، الواجب في النظام الإسلامي. الأعمال التي يقوم بها العاملون في هذه الأجهزة وهذا النظام الإلهي هو وظائف إلهية يقومون بها.. من الصدر إلى النهاية. إذا تعبتم من هذه الأعمال - سواء كنتم من العاملين في سلك الشرطة، أو الاقتصاد، أو الأمن، أو السياسة - لكان ذلك عدم صبر وخلافاً لوصية »واستعينوا بالصبر والصلاة«. يجب أن تطلبوا العون والمساعدة من الصبر.العمل الحرام.. المعصية التي لا تطال تبعاتها وامتداداتها القبيحة السيئة وضعكم الشخصي فقط »واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة«.. أحياناً يرتكب الإنسان مخالفة أو يقول كلاماً في غير محله، أو يتخذ خطوة غير مناسبة، أو يوقع توقيعاً غير صحيح - هذا هو وضعنا نحن المسؤولين - تطال تبعاته بلداً أو جماعة من البلد أو شريحة بأكملها. الصبر على المعصية يكتسب هنا معنى أعظم. هذا الصبر يختلف عن صبر تصبرونه مثلاً مقابل أخذ الرشوة. هذا الصبر عملية محمودة جداً وكبيرة وعظيمة جداً لكنه صبر حيال معصية شخصية وفوقها الصبر حيال معصية لا تضر بالشخص فقط بل تضر بمجموعة من الناس.. إذن للصبر على المعصية مثل هذه المساحة.وكذا الحال بالنسبة للصبر على المصيبة. المصائب أحياناً مصائب شخصية وأحياناً مصائب عامة. مسؤولو البلاد يواجهون حالياً شتى المؤامرات والتهم والإساءات والإهانات والافتراءات الصريحة - تلاحظون كم من الكلام يطلق في هذه المجموعة الهائلة من الاتصالات العالمية والأخبار ووسائل الإعلام والكتابات والأحاديث.. ضد الإسلام.. أي ضد الجمهورية الإسلامية بسبب الإسلام، وضد الجمهورية الإسلامية بسبب الثورة، وضد الجمهورية الإسلامية بسبب كل واحد من المبادئ التي لا يستسيغها الاستكبار، وضد الجمهورية الإسلامية بسبب بعض شخصيات الجمهورية الإسلامية التي لا يرضى المستكبرون عنها. أي تشن الهجمات ضد الجمهورية الإسلامية لأسباب شتى وبطرق مختلفة.. هذه بالتالي مصائب وليس الصبر عليها باليسير. البعض من الرؤساء والمسؤولين في العالم ممن رأيناهم عن كثب وأطلعنا على أحوالهم يتراجعون عن الأهداف والسبيل المستقيم الذي رسموه لأنفسهم كما تصوروا لا لشيء إلا لأنهم لم يعودوا يطيقون الضغوط والإهانات الدولية التي توجّه لهم.. إذن، هناك أيضاً الصبر على المصيبة.إذن، الصبر بكل أهميته في هذه المجالات الثلاثة يجب أن يلاحظ تارةً على صعيد القضايا الشخصية الفردية - وهو صعيد مهم وعلينا أنا وأنتم أن نهتم له أكثر من الآخرين - وتارةً أخرى على صعيد القضايا الاجتماعية والسياسية والوطنية العامة، وهو صعيد خاص بنا أنا وأنتم.. أي إن الناس العاديين غير معنيين به، فهم ليسوا مسؤولين أو مدراء، لذلك يختص هذا اللون من الصبر بنا.. بي أنا.. وبكم أنتم مسؤولي الحكومة والسلطة القضائية ونواب المجلس والمسؤولين الآخرين. على كلا المستويين ينبغي ملاحظة هذه المجالات الثلاثة والاستعانة بالصبر.. هذا هو أساس القضية.ما نريد قوله إلى جانب هذه الفكرة هو أن من نماذج عدم الصبر التي نبديها عن أنفسنا أو نلاحظها لدى الآخرين أحياناً عدم الصبر إزاء حفظ مبادئ الثورة وأهدافها. وهذه القضية برأيي أهم من كل شيء. الاتجاه العام للنظام الإسلامي مما يجب الإصرار والثبات عليه. يكتسب الصبر هنا معناه أكثر من أي مكان آخر.لاحظوا أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، أنتم مسؤولو النظام ومدراؤه.. أنتم النخب السياسية والثقافية والاجتماعية لهذا النظام، أو أن جماعة من النخبة مجتمعة هنا. معظم مسؤولي البلاد مجتمعون الآن هنا. لماذا أصبحنا مسؤولين في هذا النظام؟ هل كنا نروم منذ البداية تشكيل حكومة ودولة نكون رؤساءها ومسؤوليها ووزراءها ونوابها؟ هل كان هذا هو القصد؟ كلا، لو كان هذا هو القصد وجب أن أقول إن الجهود التي يبذلها كل واحد منا - إن كانت بهذه النية - ستعود كلها »هباءٌ منثوراً«.. لا قيمة لها.. لا أجر لها عند الله تعالى.. تزول بزوال العمل.. بل تزول بزوال المسؤولية. فرقنا عن سائر الجماعات التي تغيّر نظاماً في البلدان الأخرى وتتولى السلطة والمسؤولية هو أننا جئنا لنوفر مجتمعاً إسلامياً.. جئنا لنعيد إنتاج الحياة الإسلامية الطيبة لبلادنا ولشعبنا ونؤمِّنها لهم. ولو أردنا النظر بأفق أوسع، لقلنا بما أن إعادة إنتاج الحياة الإسلامية الطيبة في بلادنا بوسعها أن توفر نموذجاً صالحاً للعالم الإسلامي فقد جئنا في الواقع لنلفت العالم الإسلامي إلى هذه الحقيقة وهذه الشجرة الطيبة.. هذا ما جئنا من أجله.. لم يكن الهدف سوى هذا. والآن أيضاً ليس الهدف سوى هذا.النظام الإسلامي نظام يقوم على أسس الإسلام. حيثما استطعنا إقامة الوضع والبنية الحالية لنظامنا على أساس الإسلام سيكون ذلك ممارسة إيجابية منشودة، وحيثما لم نتمكن من ذلك يجب أن تصب مسعاينا باتجاه إقامة الأوضاع على أسس الإسلام ومبانيه .. ينبغي عدم تخطي الإسلام. هذا هو هدفنا.وهذا هو سر عداء الاستكبار لنا. لأن الإسلام والنظام الإسلامي والحكومة الإسلامية والمجتمع الإسلامي يعارض الظلم والاستكبار والتعدي على حياة الناس.. يعارض الاعتداء على الشعوب.. يعارض تفرعن السلطة.. يعارض الاستبداد الدولي كما يعارض الاستبداد الداخلي للبلدان. وهذه المعارضة ليست معارضة قلبية وحسب، إنما هي معارضة على المستوى العملي تعبّر عن نفسها وتبرز إلى الواقع الخارجي أينما اقتضت الضرورة. هم يعلمون هذا، وهو معروف عن الجمهورية الإسلامية، لذلك فإن أهل الاعتداء والتطاول على مصادر وثروات الآخرين وأهل الاستكبار والتفرعن في تعاملهم السياسي يعادون نظام الجمهورية الإسلامية طبعاً.قلت يوماً أمام السادة المحترمين إنه من الخطأ القول إننا لا نتفاهم مع القوى الكبرى ومع أمريكا. ليس هنالك عدم تفاهم. هم يعرفوننا جيداً، ونحن نعرفهم جيداً. نحن نعرف طبيعة الاستكبار ونزعاته. نعرف أنهم يغطّون قبضاتهم ومخالبهم الدامية بظاهر مخملي ناعم.. هذا ما نعلمه ونراه. لم ننخدع أبداً بما يستعملونه من عطور وربطات عنق وملابس أنيقة.. لقد رأينا باطنهم، وقد أفصحوا هم أنفسهم عن باطنهم.. في غوانتانامو، وفي أبي غريب، وفي العراق، وفي أفغانستان، وفي القصف والغطرسة والتدخل في كل شيء والفئويات الرامية لنهب الثروات حتى من شعوبهم وليس من الشعوب الأخرى وحسب. إنهم ينهبون حتى من شعوبهم.. هكذا هي الشركات. نحن نعرفهم وهم يعرفوننا. يعلمون أن الجمهورية الإسلامية التي جاءت بالثورة وجاء بها الإمام معناها الجمهورية المناهضة للظلم والاستكبار والطمع والاعتداء وكنـز الثروات وما إلى ذلك مما ذكره القرآن. هم يعلمون هذا ولذلك يعارضوننا.هذا هو نظامنا. وأنا وأنتم المسؤولين في هذا النظام سيكون المظهر الحقيقي لصبرنا هو الصبر على هذه المبادئ والأسس. يجب أن لا تتركوا الساحة. إذا أثاروا الضجيج والصخب في العالم حول القصاص الإسلامي، أو الاقتصاد الإسلامي، أو شكل الحكومة الإسلامية، أو حول دستوركم - ومن الممكن أن يفعلوا ذلك ويثيروا الضجيج - يجب أن لا تنهزموا وتتراجعوا، كلا، اصمدوا على مبادئكم. مبادئكم هي العبودية لله وخدمة خلقه ومعاداة أعدائه وأعداء عباده. هذه هي شعاراتنا. يقوم نظام الجمهورية الإسلامية على هذه الأسس. إنه نظام عقلاني علمي. يجب أن تسود العقلانية جميع أركان هذا النظام من أعلى مراتبه إلى أدناها. لكن العقلانية لا تعني الاستسلام والهزيمة. العقلانية من أجل التقدم واكتشاف السبل المؤدية إلى مزيد من التوفيق في تحقيق الأهداف.البعض يروم الانتقاص من مبادئ الثورة ومبانيها باسم العقلانية والاعتدال وتحاشي الصخب والمتاعب الدولية! هذا غير ممكن، وهو دليل نفاد الصبر والتعب. أحياناً ينسبون هذا التعب إلى الجماهير والحال أنهم هم المتعبون. يقولون إن الجماهير تعبت.. كلا.. الجماهير تفرح وتبتهج حينما تشعر أن مسؤولي البلد يعلنون انتماءهم للإسلام وعبوديتهم لله بكل فخر واعتزاز. هذه الجماهير مسلمة، وحركتها كانت من أجل هذا. أليس هؤلاء الناس هم أنفسهم الذين صنعوا الثورة؟ ماذا كانت شعارات الثورة؟ أليس هؤلاء الناس هم الذين أداروا الحرب بكل مظلومية طوال ثمانية أعوام؟ هؤلاء الناس هم الذي أداروا الحرب. هل أدارها أناس آخرون؟ من الذي نهض بهذه الأعمال الكبرى سوى الجماهير التي نهضت بها في هذا البلد؟ قبل البارحة نقل التلفاز قول الإمام حول المرحوم آية الله طالقاني ولاحظنا أن كلام الإمام من أوله إلى آخره، وكل كلمة فيه كان دقةً وحكمةً (رحمة الله ورضوانه عليه).. ذكر في كلمته للجماهير نقطة فحواها: لاحظوا ماذا قال الناس في تشييع جثمان طالقاني؟ قالوا (يا نائب نبينا مكانك خالٍ). عزاؤهم لنائب نبيهم. القضية قضية نيابة الرسول.. استفاد الإمام هذه النقطة من كلام الناس وطرحها علينا، وهي صحيحة. الناس ملتزمون بالإسلام. فضلاً عن رعاية الناس والبقاء إلى جانبهم والإخلاص لهم والعمل من أجلهم والاهتمام لآرائهم ومشاعرهم وعواطفهم، حينما يشاهدكم الناس أنتم مسؤولي الجمهورية الإسلامية تفخرون وتعتزون بانتمائكم للإسلام ومناهضتكم للاستكبار والاستبداد، وتفخرون من جهة ثانية بخدمة الناس ومواكبتهم والاستئناس بهم والتودد إليهم وطلب المساعدة منهم في القضايا المختلفة فسيرضى الناس طبعاً وسيحبون ذلك المسؤول.. هذا هو واجبنا. ليس من حقنا التراجع عن شعارات الثورة والإسلام. هذا معناه نفاد الصبر.. إنه نفاد صبر يجب عدم القبول به. الالتزام بهذه الشعارات يتعارض وإرادة الأعداء ، ولا يتعارض إطلاقاً مع مسيرة البلاد نحو التقدم بالمعنى الحقيقي للكلمة، وقد حاولوا دائماً الإيحاء بهذا والقول إذا كنتم إسلاميين فلن يمكنكم التقدم وبلوغ المراتب الرفيعة من الرفاه المادي والتقدم العلمي.. كلا.. الأمر على العكس تماماً.. لقد كان تقدمنا كبيراً.ألاحظ للأسف في بعض الكتابات والمطبوعات والتصريحات تشكيكاً بالنجاحات الجلية لهذا الشعب. هذا شيء يجب أن لا يقوموا به لأنه سيئ.. إنها ضربة للشعب وتثبيط له وبث لليأس في نفوس أبنائه عن طريق أقاويل خاطئة وكاذبة. من بوسعه إنكار تقدمنا العلمي اليوم؟ والدليل على أهمية هذا التقدم أنه جعلنا في كثير من الحالات ضمن البلدان القليلة المتوفرة على هذا التقدم أو الإنجاز. هل هذا بالشيء القليل؟ قبل نحو شهر أقاموا في هذه الحسينية معرضاً تضمن 51 إنجازاً علمياً تم اختياره من بين الإنجازات العلمية الجديدة. رفع أصحاب بعض المشاريع - بعضهم من القطاع الحكومي وبعضهم من القطاع الخاص - تقارير تقول إن من هذه الإنجازات ما هو غير مسبوق في البلاد ومنها ما هو غير مسبوق في العالم. كان منها إنجازان أو ثلاثة غير مسبوقة في العالم. هل يجب على المرء إنكار هذا؟! في العام الماضي أو ربما أكثر من عام بقليل - لا أتذكر التاريخ على وجه الدقة - تشكّل هنا مجمع علمي كبير حول موضوع معين ولا أريد الآن تكرار التفاصيل، وحضرت شخصيات من عدة بلدان متقدمة في العالم واطلعوا على إنجازاتنا العلمية والتقنية والبحثية المتطورة. وحينما بثوا تصريحاتهم وحواراتهم كانوا يقولون فيها لو لم نشاهد بأنفسنا لما صدقنا أن إيران توصلت إلى هذا المستوى.. هذه ليست حالة واحدة أو حالتين. موضوع الطاقة الذرية نموذج واحد فقط، وقد ذكرت مراراً أنها مجرد نموذج واحد، ولدينا من هذه القبيل نماذج عديدة تمثل تقدمنا العلمي. ما الذي يمكن إنكاره من التقدم الحاصل على مستوى العمران والتمدن وتطوير حياة الشعب ورفع مستواه، لكننا نلاحظ في بعض الكتابات للأسف تشكيكاً اعتباطياً وبذرائع واهية.حركة الشعب الإيراني العظيمة هذه حركة لها قيمتها. ونحن بعد نحو ثلاثين عاماً من انتصار الثورة وحوالي عشرين عاماً على رحيل إمامنا الجليل وهو معلم هذه الثورة ومؤسسها نلاحظ الشعب وهو يرفع تلك الشعارات ويكررها. وشبابنا الذين لم يدركوا عهد الإمام ولم يروا الإمام ولم يدركوا فترة الحرب يمتدحون في كلامهم وفنونهم وأشعارهم تلك القمم الشمّاء التي ارتقى إليها شعب إيران.. فهل هذه أمور بسيطة يمكن إنكارها؟!طيب، يشيرون لنا أن ست دقائق فقط بقيت لنا حتى وقت الصلاة. لذلك نختصر الكلام لديّ عدة توصيات موجّهة للمسؤولين التنفيذيين خاصة ومعهم مسؤولي السلطتين التشريعية والقضائية، لكن المسؤولين التنفيذيين يتعاملون مع الشعب أكثر.النقطة الأولى هي أن نلاحظ رضا الجماهير في مشاريعنا وقراراتنا وهذا شيء جيد، ولكن يجب أن لا نصرف النظر عن رضا الله من أجل رضا الجماهير. إذا كان يجب أن تقوموا بعمل لا ترضى عنه الجماهير لكنه واجب شرعاً فيجب أن تقوموا به. أو عمل يجب أن لا تفعلوه بحسب المعايير الشرعية والعقلائية والخبروية السليمة لكن الناس ترغب فيه وتريد منكم إنجازه، أي الخيارين يجب أن تختاروا هنا؟ عليكم هنا أن تختاروا هنا؟ عليكم هنا أن تختاروا واجبكم وتكليفكم. رضا الناس واقتناعهم وخدمتهم أمور قيمة جداً لكن طالما لم تتعارض مع التكليف.النقطة الثانية هي اجتناب الإفراط والتفريط في القرارات الشاملة الكبرى. ومنها مثلاً مشروع التحول الاقتصادي الذي أشار له السيد رئيس الجمهورية المحترم، وهو من القرارات الكبرى والمتفق على خطوطه العامة من قبل جميع أصحاب الرأي والاختصاص، وإذا كان ثمة اختلاف فهو اختلاف حول كيفية تنفيذه وزمن التنفيذ وما إلى ذلك، وإلا فإن خطوطه العامة متفق عليها من قبل جميع أصحاب الرأي والذي اتصلوا بنا وقدموا تقاريرهم وآراءهم الشفهية والتحريرية، وهم مجمعون على ضرورة النهوض بمثل هذا المشروع.من ناحية يجب أن لا يحجم الإنسان عن المبادرة والعمل خوفاً من عدم النجاح أو إنجاز الأعمال بشكل سيئ.. هذا غير صحيح. ويجب أيضاً عدم التصرف دون تدقيق واحتياط لمجرد أن هذه الخطوة خطوة صحيحة. يجب ملاحظة الجانبين، وقد سرّني قوله إننا سننهض بهذا المشروع طبقاً للقانون وبالتنسيق مع المجلس، هذا شيء جيد. يجب العمل به بتأنٍ وتروٍّ وبملاحظة كافة الجوانب.يجب تعاون السلطات الثلاث عملاً وقولاً.. يجب أن يتعاونوا في العمل وفي الأقوال والألسن أيضاً.. خصوصاً في القضايا المهمة.أردت ذكر بعض النقاط حول المادة 44 لكن صوت الأذان قد ارتفع. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
2008/09/08

كلمة الإمام الخامنئي بمناسبة أسبوع الحكومة

بسم الله الرحمن الرحيمنطلب من الله تعالى بكل تضرع أن يقرِّب سلوكنا وأقوالنا وكل أعمالنا بلطفه وكرمه إلى ما يرضيه.أولاً نبارك أسبوع الحكومة لكم أيها الإخوة والأخوات الأعزاء ولكل العاملين الفاعلين الدؤوبين في الحكومة على مختلف المستويات الإدارية، ونحيّي ذكرى الشهداء الذين يتزين أسبوع الحكومة والحمد لله بأسمائهم. ذكر الشهيدين رجائي وباهنر - وهذان الرجلان العزيزان هما حقاً مظهرا العلم والعمل - في أسبوع الحكومة فرصة مغتنمة ورمز له قيمته، ومعناه أن تكون نظرتنا نحن المسؤولين - مسؤولي القطاعات المختلفة في البلاد - في سلوكنا العام متركزة على ذات القيم التي تميّزت شخصيتا هذين العزيزين بسببهما.أرى لزاماً علي أن أشكر شكراً حقيقياً جميع العاملين في الحكومة - شخص رئيس الجمهورية المحترم وأنتم الوزراء والمسؤولين رفيعي المستوى في السلطة التنفيذية والمدراء في مختلف المستويات - لجهودكم التي تبذلونها والمشاق التي تتحملونها ولإخلاصكم وعملكم من أجل الجماهير. وسوف يبارك الله تعالى عملكم هذا ويقرِّر له الأجر والثواب الأخروي إلى جانب الأجر والثواب الدنيوي. الأجر والثواب الدنيوي هو أن تتجسد وتتبلور نتائج أعمالكم في حياة الناس فيشعرون بها وتتكلّل حياتهم داخل أجواء الخدمة هذه بالسعادة إن شاء الله.وأوصيكم أنتم أيها الأعزاء خصوصاً أن تعرفوا قدر هذا التوفيق وهذه الخدمة المتاحة لكم. إنه لشيء له قيمته العالية أن يتولّى الإنسان موقعاً معيناً يستطيع من خلاله خدمة الناس وفعل شيء لهم. إمكانية تحرك الإنسان - في أي قطاع من القطاعات - لأجل خدمة الجماهير وأهدافهم العليا شيء له قيمة كبيرة جداً. عشنا قروناً طويلة لم تكن أيدينا مبسوطة لفعل الأعمال التي نعتقد أنها جيدة ونودّ القيام بها. وأيديكم اليوم مبسوطة فاعرفوا قدر هذا، واشكروا الله تعالى واسألوه مضاعفة هذا التوفيق واطلبوا منه أن يوفقكم لخدمة الجماهير أكثر فأكثر وأن تنتفعوا من هذه الفرصة المتاحة لكم.وها نحن نمرُّ بالأشهر المباركة لحسن الحظ فنحن في أيام شهر شعبان المباركة جداً. وفي القريب العاجل سيحلُّ شهر رمضان المبارك شهر الضيافة الإلهية حيث تمتد مائدة الدعوة المعنوية الإلهية. لنتزود من هذه الضيافة ونزيد من قابلياتنا ونضاعف من اهتمامنا بالمعنويات فهي تعيننا على كل حال.وحول التقرير الذي تقدم به السيد رئيس الجمهورية وكان تقريراً جيداً جداً أوصي أن تنشر هذه التقارير وأن تبث الإذاعة والتلفزيون كلمته هذه بعينها ليسمعها الناس والنخبة. الكثير من الأمور الواقعية التي تحدث في حياتنا لا يطلع عليها الشعب بنحو دقيق. صحيح أننا نعمل لله إن شاء الله ويجب أن يكون رضا الله هدفنا الرئيس وهو كذلك إن شاء الله، بيد أن اطلاع الجماهير على هذه الإنجازات حالة ضرورية ومهمة جداً. هذا بحد ذاته هدف سبق أن أوصيت به وأوصي به الآن أيضاًهناك عدة خصائص مميزة في هذه الحكومة أرى لزاماً عليَّ التصريح بها. ومع أنها ذكرت مراراً لكن من المناسب أن تلتفتوا أيها الصدقاء إلى أن هذه النقاط هي سرّ تميّزكم. الأسماء والعناوين والمواقع والكراسي لا تمنح الإنسان التميّز؛ إنما يكمن التميّز والشرف الحقيقيان في أمور أخرى؛ ولدينا في الرواية أن: (أشراف أمتي حملة القرآن وأصحاب الليل). الأشراف لهم في النظم المادية معنى ولهم في النظام الإسلامي معنى آخر. الأشراف هم أصحاب الليل أي الذين يقومون الليل لله أو يمارسون أعمالاً صعبة لأجل الناس في الليل، أو حملة القرآن أي من يستأنسون بالقرآن ويسيرون بنوره وهديه. أصحاب المال والثروة والمنـزلة الاجتماعية لا يعدون أشرافاً في منطق الإسلام ونظامه القيمي. وامتيازات الساسة ورجال الحكومة هي أيضاً من هذا القبيل. ثمة أشياء تعد امتيازات حقيقية وينبغي التنبه لها. تذكرتي الأولى هي لكم خصوصاً كي تعلموا أن أهميتكم وتميّزكم مردّه إلى هذه السمات. وإذا تم تكريم ودعم الحكومة أو منظومة معينة داخل المناخ العام للمجتمع فسوف يتّضح سبب هذا التكريم وعلى ماذا يدل وما هو مغزى القضية. سجّلت هاهنا ثلاث سمات لأذكرها.السمة الأولى هي أن هذه الحكومة حكومة عمل بحق.. حكومة حركة ومبادرات، والحيوية والطاقة والنشاطات العملي في هذه الحكومة حالة مميزة وملحوظة. لقد تحركتم بهذا الشكل منذ السنة الأولى والحمد لله، والآن أيضاً رغم مضي ثلاثة أعوام على عمر هذه الحكومة يشعر الإنسان أن الحركة والنشاط التوثب وروح المبادرة ظواهر ملموسة لدى هذه الحكومة. أي إنها لم تنحسر ولم تتراجع. هذا شيء قيم جداً. ثمة جدّ في تقديم الخدمة للناس. السفر إلى المدن والمدن الصغيرة ولكل أنحاء البلاد وعدم نسيان أية ناحية من نواحي البلاد أو تركها دون تغطية علمية وخبروية، هذه حالة قيمة طبعاً. هذه هي الميزة الأولى. أية منظومة تتوفر فيها هذه الميزة من المناسب للإنسان تكريمها والتصريح بذلك وأن يكون متفائلاً ومطمئناً إلى أن الله تعالى سيُعينها ويجزل لها الثواب.السمة أو الميزة الثانية في هذه الحكومة هي شعارها وخطابها العام المتطابق مع شعار الإمام وخطابه ومع شعارات الثورة وخطابها. هذا شيء قيم جداً ولا يمكن لأحد تجاهله. كل عاشق للثورة يثمّن هذا، وكل من يؤمن بتقدم البلاد في ظل هدي الثورة وبرمجتها يجب أن يقدِّر هذا الشيء. طلب العدالة تكرّس في هذه الحكومة. شعار طلب العدالة يلقي بظلاله بنحو جاد على نفسيات المسؤولين ورجال الدولة ومخططاتهم. ومقارعة الاستكبار - التي لها معناها الثوري الخاص - برزت في هذه الحكومة بنحو واضح وملموس. ليس معنى مقارعة الاستكبار معاداة دول العالم، إنما معناه معاداة الاستكبار. الاستكبار من أية دولة أو نظام صدر فهو آفة للبشرية. أمريكا والصهيونية اليوم هما طبعاً مظهر الاستكبار، ولكن أية حكومة أو منظومة أو شخص يستكبر حيال الآخرين في أية رقعة من العالم إنما يزرع آفة في المجتمع البشري وفي نظام الحياة الإنسانية. مقارعة هذا الوضع تعد حالة إسلامية محبّذة. هذه أيضاً من خصوصيات هذه المنظومة وهي خصوصية بارزة لحسن الحظ.ويشعر الإنسان أيضاً أن هذه الحكومة تتّحلى بظاهرة إعادة العزة الوطنية وترك الانفعال مقابل هيمنة الآخرين وتعديهم وأطماعهم واجتناب حالة الخجل أمام الغرب والتغريب. من هنا تتأتّى العزة الوطنية والاستقلال الحقيقي والمعنوي. ليس الاستقلال في أن يطلق الإنسان شعار الاستقلال أو أن يحقق نمواً عالياً في الميدان الاقتصادي مثلاً. الاستقلال هو أن يؤمن الشعب بهويته وعزته ويهتم بهما ويعمل ويجاهد لحفظهما ولا يخجل لتصريحاته ومواقفه حيال المتجاوزين والمستهزئين.للأسف لاحظنا في أوقات ماضية أن بعض المرتبطين بالمسؤولين أو حتى مسؤولي بعض القطاعات أنفسهم كأنهم يشعرون بالخزي أمام الآخرين من خطاب الثورة ويخجلون من التعبير عن حقائق الثورة أو متابعتها أو إضفاء الأهمية عليها! هذا بلاء كبير جداً للمجتمع.. وهو غير موجود فيكم.ومن مظاهر الدفاع عن العزة هو قضية الطاقة النووية هذه. لم تكن قضية الطاقة النووية هذه بالنسبة لنا أننا أردنا الحصول على تقنية معينة وحسب وأراد الآخرون عدم حصولنا عليها. هذا جزء من القضية فقط. الجزء الآخر من القضية أن القوى الوقحة المعتدية المتغطرسة وأذنابها وأتباعها التافهين أرادوا فرض كلمتهم على الشعب الإيراني في هذا المجال. ووقف الشعب الإيراني وحكومتكم وشخص رئيس الجمهورية مقابل هذه الغطرسة وهذا الإكراه والطمع. ومدّ الله تعالى يد العون وتقدمتم إلى الأمام. هذه أجزاء وجوانب الخطاب العام لهذه الحكومة والتي تعد مهمة بالنسبة لي.تيار التغريب الذي كان يتغلغل للأسف في هيكلية المنظومات الحكومية أوقفتموه أنتم، وهذا شيء مهم. عدد من الأفراد في المجتمع قد ينبهرون لأي سبب من الأسباب بحضارة أو بلد ما، لكن إذا دبَّ هذا الشيء في هيكلية مدراء الثورة والمنظومات الثورية فسيكون أمراً خطيراً جداً. كان هذا يلاحظ وقد وقفتم أمامه.كما تم الوقوف بوجه الميول العلمانية التي أخذت هي الأخرى تتوغل إلى جسد المنظومات الإدارية في البلاد. لقد تأسس النظام الثوري على دعامات الدين والإسلام والقرآن، لذلك حظي بدعم الملايين من أبناء الشعب فحملوا أرواحهم على الأكف وبعثوا شبابهم إلى سوح الأهوال، وإذا بمسؤولي مثل هذا النظام يتحدثون عن المفاهيم العلمانية؟! هذا معناه أنهم يهدمون أسس البناء الذي يسكنونه! وهذا شيء خطير جداً. طيّب.. تم التصدي لهذه الحالة والحمد لله.وهناك أيضاً الجرأة على التحوّل، إذ تتميّز هذه الحكومة بروح الجرأة على التحوّل والمبادرة. لا نريد القول إن كل هذه الخطوات والمبادرات صحيحة مائة بالمائة، لا، قد تكون خاطئة في موضع ما، ولكن مجرد أن يتمتع الإنسان بالشجاعة حيال المشكلات ويتخذ قراراً بالعمل لرفع هذه المشكلات فهذا شيء له قيمته وهو متوفر لحسن الحظ.وهناك الجرأة على مواجهة الفساد. مواجهة الفساد عملية صعبة جداً. ذات مرة قلتُ إن تنّين الفساد ذا الرؤوس السبعة لا يمكن قمعه بسهولة.. إنها عملية صعبة جداً. ولا نقول الآن إنه تم قمعه والقضاء عليه، كلّا، لم يجر قمعه لحد الآن؛ ولكن تتوفر الجرأة على مواجهته. طيب، حينما لا تكون عناصر المنظومة ملوثةً بالفساد فسوف تتضاعف جرأتهم طبعاً. والكثير من المنظومات السابقة أيضاً كانت نزيهة طاهرة حقاً - أي إنها لم تكن ملوثة - لكن جرأة مواجهة الفساد هي على كل حال ميزة متوفرة فيكم.وهناك الروح الهجومية في مواجهة المتغطرسين الدوليين. أحياناً يأتي الجبابرة الدوليون ويقولون لقد فعلتم كذا وكذا فنراجع القضية ونناقشها، ولكن أحياناً يكون هجومهم هجوماً متغطرساً ظالماً، وأفضل أنواع الدفاع في مثل هذه الحالة هو الهجوم. للجبابرة الدوليين نقاط ضعف كثيرة؛ يرتكبون الجرائم، ويفسدون في الأرض، وينتهكون حقوق الإنسان، ويعتدون على حقوق الشعوب، ويسحقون البشر ويفعلون كل الأعمال القبيحة، ثم يدينون الجميع ويسائلونهم! يمكن ذكر نقاط ضعفهم بروح هجومية وبلغة الإدانة. ليست القضية أننا نريد نحت إجابات وتبريرات على الهجمات السياسية الدولية التي تشن ضدنا. أحياناً كانوا يسألونني - في السنوات الأولى - ما هو جوابكم على هذا الكلام؟ وكنت أقول ليس لدينا جواب.. لدينا دعوى ونحن أصحاب الدعوى ضدهم.. نحن أصحاب دعوى في قضية المرأة، وفي قضية حقوق الإنسان، وفي قضية الحقوق الأساسية. نحن أصحاب الدعوى. لسنا في مقام الرد والإجابة. لماذا يجب أن يسألوا حتى يضطر المرء للإجابة؟ إنه عمل فارغ منهم أن يسألوا ويدّعوا. هذه الروح روح جيدة؛ هذه هي روح الثورة؛ هذا هو ما يجلي الحقيقة ويجعلها متألقة.هذا هو الخطاب العام للحكومة. خلاصته إحياء وإعادة تشكيل بعض الخصائص الجوهرية للثورة ولمنطق الإمام، ومواجهة الذين أرادوا فسخ هذه القيم والمفاهيم الأساسية أو محوها أو زعموا أنها نسخت واندثرت. هذا شيء له قيمة. هذه هي الخصوصية أو الميزة الثانية في هذه الحكومة.والميزة الثالثة الروح الشعبية المتواضعة لهذه الحكومة. وهو أيضاً شيء قيم جداً فاعرفوا قدره. ليس تميّزكم بالشكل الظاهري والهندام وما شاكل، إنما امتيازكم بأن تجعلوا أنفسكم متساوين مع الناس وعلى شاكلتهم وتعيشوا بينهم وتتواصلوا معهم وتستأنسوا بهم وتسمعوا منهم. هذه ميزة كبيرة موجودة فيكم فحافظوا عليها.بساطة المعيشة - خصوصاً لدى السيد رئيس الجمهورية ذاته - حالة جيدة ومميزة وشيء له قدره. وهي مشهودة بدرجات متفاوتة لدى بقية المسؤولين أيضاً والحمد لله. بساطة المعيشة شيء قيّم جداً. إذا أردنا استئصال البذخ والنـزعة الارستقراطية والإسراف والتبذير - وهو بلاء كبير حقاً - من مجتمعنا، فلن يتسنى ذلك بمجرد الكلام والأقوال، فنتحدث من جهة ويلاحظ الناس من جهة ثانية أن أعمالنا على شاكلة أخرى! ينبغي أن نعمل. يجب أن يكون عملنا شاهداً ودليلاً على أقوالنا حتى يكون لها تأثيرها. وهذا الشيء متحقق لحسن الحظ. قلّلتم فواصلكم عن الطبقات المستضعفة فأبقوا عليها قليلة وقلّلوها أكثر فأكثر. هذه ثلاث سمات وخصائص.»من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق«.. هذا واجبي أنا وواجب الجميع. إذا لم نقدِّر هذه الخصوصيات لدى الحكومة الحالية ونشكرها فإن ذلك لن يرضي الله طبعاً. الله تعالى يحب أن تُشكر الأعمال الصالحة للأفراد وتقدّر ويُثنى عليها. وواجبي أنا أن أقدّرها وأن أدعم الحكومات بسبب هذه الخصوصيات. ودعم الحكومة لا يختص طبعاً بهذه الحكومة، فقد دعمت الحكومات دوماً، والإمام (رضوان الله تعالى عليه) أيضاً دعم الحكومات ورؤساء السلطة التنفيذية ومسؤولي الحكومة. والسبب واضح.. السبب هو أن العبء الرئيس لإدارة البلاد يقع على عاتق السلطة التنفيذية ولا بد للنظام من دعم هذه السلطة ودعم رئيس الجمهورية والمسؤولين والوزراء. كان الإمام يدعم الحكومة، وأنا أيضاً دعمتها دوماً في الدورات السابقة، لكن هذه الخصائص التي ذكرتها تجعل الإنسان يدعمها ويقدّر جهودها بحرارة أكبر.وطبعاً، هذا لا يعني غض الطرف عن نقاط ضعف الحكومة. وبالتالي أنتم أيضاً بشر ولكم نواقصكم ونقاط ضعفكم.. أردتم النهوض بأعمال معينة لكنها لم ينجز، وهناك أعمال لم تفكروا فيها ولم تخطر ببالكم وعليكم الالتفات إليها والقيام بها. وهي أمور ذكرت في الاجتماعات الخاصة بالسيد رئيس الجمهورية وغيره من المسؤولين وفي الكثير من الاجتماعات العامة كهذا الاجتماع أو سواه.. طبعاً، يبقى ذلك الدعم محفوظاً وقائماً في موضعه.نذكر هنا عدة نقاط.. إحداها تتعلق بالمطالبات التي طرحناها دوماً في لقاءاتنا بأعضاء الحكومة. وأريد هنا التشديد على هذه المطالبات. ذكرنا هذه الأمور في لقاءات السنوات الماضية وهي مهمة جداً وتمثل توقعاتنا التي نرجو منكم مسؤولي الطراز الأول في البلاد والسلطة التنفيذية التنبّه لها.المسألة الأولى هي مراعاة القوانين.. يجب أن تحترموا القانون. حينما يشق القانون طريقه بآليات الدستور يكتسب حتمية وجزماً. قد يجترح المجلس أو الحكومة أو غيرهما تمهيدات لتغيير ذلك القانون - بالمشاريع التي تصل المجلس، أو اللوائح التي تقدمها الحكومة، أو القرارات التي تتخذ في القطاعات المختلفة - لا إشكال في ذلك. إذا كان في القانون نقص أو ضعف أو خطأ يمكن تغييره، ولكن طالما كان قانوناً ينبغي العمل به بنحو حتمي وإيلاؤه الأهمية اللازمة. أريد التأكيد على هذه النقطة. وكذا الحال في الأقسام والقطاعات الأخرى. قد تعتقدون بخصوص شيء معين أن سياقه القانوني لم يجر بشكل صحيح أو أن السلطة التنفيذية ليست المعنية بهذا الأمر؛ حينما يتم إبلاغ القانون المصادق عليه من قبل المجلس - بآليات الدستور - للحكومة سيكون من واجب السلطة التنفيذية اعتباره قانوناً. وإذا كان هناك ضعف أو شيء آخر وعوامل أخرى أو مشكلات في القانون ينبغي رفعها ومعالجتها سواء في المجلس ذاته أو مجلس صيانة الدستور أو المؤسسات المعنية الأخرى. يجب أن تهتموا بالقانون.الإشراف على المؤسسات التابعة أيضاً عملية مهمة جداً. إنني أصرّ وأوكد عليكم أيها الأصدقاء الأعزاء - وأنتم مسؤولو ومدراء البلاد رفيعو المستوى - أن تولوا قضية الإشراف على المؤسسات التابعة لكم أهمية بالغة. عيونكم المفتّحة البصيرة حينما تدور وتنظر داخل دائرة مسؤوليتكم بوسعها ضمان صحة العمل وتقدمه إلى الأمام. إذا غفلتم قد يطرأ خلل على القسم الذي غفلتم عنه. المنظومات البشرية ليست كالمكائن يضغط الإنسان فيها على زر فتبدأ الماكنة بالعمل لوحدها. المنظومات البشرية مكوّنة من إرادات، وأفكار، وآراء، وأذواق، وميول نفسية سليمة وخاطئة. الشيء الذي اتخذتم قراره ودبرتموه وأردتم أن يتم داخل منظومتكم قد يصطدم بعقبة من هذه الميول والأفكار والأذواق والإرادات المختلفة ويتوقف عن الحركة.. كتيار ماء يصطدم بصخرة أو جدول صغير قد يتغيّر مجراه لاصطدامه بكمية من الرمال. يجب رفع هذه العقبات. وهذا غير ممكن إلا بالإشراف.. الإشراف مهم جداً.وكذا الحال بالنسبة لرئيس الجمهورية نفسه.. طبعاً إشراف رئيس الجمهورية على الوزراء يجب أن لا يتعارض مع استقلالهم في العمل. فالوزراء لهم مسؤولية قانونية وقد احرزوا الثقة من المجلس ولابد لهم من الاستقلال، لكن الإشراف موجود حتى بالنسبة للوزراء. استقلالهم في أعمالهم محفوظ في محله لكن إشراف رئيس الجمهورية أيضاً لابد أن يأخذ مجراه بكل قوة.هذه مسألة والمسألة الأخرى هي متابعة القرارات المصادق عليها، خصوصاً قرارات زيارات المحافظات والوعود المقطوعة. تزورون منطقة معينة ويقال إن الحكومة اتخذت مائة قرار أو مائتي قرار خاص بتلك المنطقة؛ ينبغي متابعة هذه القرارات بنحو جاد كي تتحقق وتطبق. تعلمون أن لدي تجربة طويلة في استلام الإحصاءات وتسليمها بين المسؤولين والمؤسسات التابعة لهم - سواء خلال فترة رئاستي للجمهورية أو بعد ذلك - يحدث كثيراً أن يأتوا ويقدموا تقريراً يقولون فيه إن المشروع الفلاني أنجز، والعمل الفلاني أنجز، والمشروع كذا انتهى و...! وحينما يقترب الإنسان من الموقف يرى أن التقرير ليس كذباً، لكنه ليس صحيحاً في الوقت نفسه. ثمة نقطة هاهنا؛ لم يكذبوا عليكم لكن الشيء الذي تريدونه لم ينجز ولم يحصل! إذن دققوا كي يحصل الشيء الذي تريدونه. التقارير التحريرية التي يزودوننا بها والمليئة بالأرقام والإحصاءات قد تنطوي على مثل هذا الخلل. لذلك يجب متابعة هذه القرارات - خصوصاً الوعود المقطوعة للناس - بكل دقة واحتياط.وكما ذكرتُ لكم أنتم حكومة شعبية؛ أي إن الشعب حين يسمع كلامكم وصوتكم كأنه يسمع كلاماً من سنخه هو؛ ذلك أنكم لا تخاطبون الناس من موضع استعلائي متكبّر. وهذا يزيد طبعاً من توقعاتهم. إذن هو حالة جيدة لكنها تضاعف التوقعات. إذا تم التصرف في موطن خلافاً لهذه التوقعات سيتعرض إيمان الناس واعتقادهم للخلل وهذا غير جائز. يجب أن لا تسمحوا بذلك. ينبغي أن يتحقق الشيء الذي تعدون به. وإذا تعذّر ذلك يجب أن تطرحوا القضية على الجماهير بكل صراحة وصدق.في بداية رئاسة جمهورية الدكتور السيد أحمدي نجاد قلتُ له إن هذه القضية - قضية خاصة لا أريد التصريح بها الآن وكان قرارها قد اتخذ قبل حكومته - قد تخلق لكم متاعب معينة.. تعالوا وقولوا للناس ولأولئك المسؤولين بصراحة ووضوح إننا لا نستطيع القيام بهذا! سوف يتقبّلون ذلك منكم. هو طبعاً لم ير ذلك صلاحاً ولم يفعل ذلك. وأنا بدوري لم أقل ما قلته من باب الإلزام والإجبار، إنما اقترحت عليه فقط. اعتقد أنه حينما لا تستطيعون فعل شيء - سافرتم مثلاً للمحافظة الفلانية وأعطيتم الوعد الفلاني، وتلاحظون الآن أن المشكلات أو التضخم لا يسمح بتنفيذه أو أنه قد يُخِلّ بأمور أخرى - طيّب قولوا بصراحة ووضوح إننا اتخذنا هذا القرار والآن لا يمكننا للأسف القيام به.ومن التوصيات أيضاً التواصل مع السلطتين الأخريين. التواصل مع المجلس ومع السلطة القضائية حالة ضرورية وينبغي عدم إغفالها على الإطلاق. طبعاً قد تعتور هذا الطريق بعض المرارات والمشاكل، لكن يجب الصبر عليها، فهو أفضل.القضية الأخرى هي قضية التواصل المنتظم مع النخبة وأصحاب الرأي والاختصاص، حتى المعارضين منهم. يجب عدم نسيان نخبة المجتمع. اعتقد طبقاً لقول مولى المتقين الإمام علي حينما يقع التعارض بين إرادة النخبة وإرادة عموم الناس يجب تقديم إرادة عامة الناس. هذا هو المعنى الذي صرّح به الإمام في رسالته وعهده المعروف لمالك الأشتر. بيد أن القضية ليست على هذا الغرار دائماً. أحياناً يكون للنخبة آراء إصلاحية يجب الاستفادة منها. فكما يقال »الكل يعلمون كل شيء؛ والكل يقدرون على كل شيء«.. وهذا هو الواقع.. يجب الانتفاع من آراء وطاقات وأعمال الجميع.وهناك أيضاً مسألة الإعلام التي ذكرتها مراراً. ولحسن الحظ أرى الآن إعلاماً جيداً عشية بعض الزيارات، لكن هذا لا يزال قليلاً. التقرير يجب أن يكون فنياً حقاً، لا على شكل التقارير العادية المألوفة. طبعاً، تقرير اليوم استثناء، واعتقد أنه يجب أن يبث علناً، ولكن على الوزراء البرمجة لتقديم تقارير خاصة بالقطاعات المختلفة. ليس تقديم التقارير عملية يسيرة.. إنها عملية صعبة جداً أن يقدم الإنسان تقريراً لعمله يصدِّقه الناس ويؤمنون به. إنه عمل فني ويجب القيام به.وتوصية أخرى - أكدت عليها وأوكد عليها أيضاً - هي قضية العلم والتقنية. ولحسن الحظ فإن المعاونية الجيدة التي تشكلت تساعد كثيراً على إيلاء مزيد من الاهتمام لهذه القضية. هذا شيء أساسي ومن الممارسات التأسيسية الجذرية في البلاد. إذا استطعنا رفع هذا الأساس إلى الأعلى يمكن بناء الكثير من الأشياء عليه.وهناك أيضاً قضية الاهتمام بالثقافة وهي قضية مهمة جداً. انجزت بعض الأعمال طبعاً والتقرير الذي رفع تضمن إشارة لهذا المعنى وأنا مطلع على الكثير من الأعمال والأمور، بيد أن قضية الثقافة تبقى قضية مهمة جداً، وكما قلنا مراراً فهي كالهواء الذي يتنفسه الإنسان. الكل - كباراً وصغاراً، ومسؤولين وغير مسؤولين ومن مختلف الشرائح والمستويات - يتنفسون في الجو ومن الهواء ولا بد من إصلاح هذا الجو ليتنفس الجميع هواءً نقياً سليماً.لاحظوا النقود واهتموا بها. وسأذكر فيما بعد أن النقد يختلف عن التخريب. للأسف يمارس الكثيرون عملية التخريب ويسمونها نقداً. حينما يكون ثمة نقد حقيقي يبادر فيه البعض بنوايا خيرة لذكر النقاط الإيجابية في عمل معين ويذكرون أيضاً عيوبه وإشكالاته، أصغوا لهذا النقد بكل سعة صدر، لا أن تقبلوا النقد دائماً، فقد يكون الناقد مخطئاً، ولكن أصغوا حتى لا تفوتكم النقاط الصحيحة. هذه أمور سبق أن ذكرناها ونؤكد عليها الآن. تم التنبه إلى بعضها وينبغي التنبه لبعضها أكثر.هناك عدة نقاط يجب أن أذكرها لكم حول السنة الأخيرة من هذه الدورة. النقطة الأولى هي أن تعملوا في هذه السنة الأخيرة بنفس معنويات السنة الأولى. وأشعر أن الأمر كذلك، لكنني أؤكد عليه أيضاً. لا تفكروا أن هذه السنة هي السنة الأخيرة للحكومة، لا، أعملوا كالذي يجب أن يعمل خمسة أعوام أخرى. أي تصوروا أنها سنة بالإضافة إلى أربع سنوات أخرى تتولون فيها الإدارة. انظروا من هذه الزاوية واعملوا وخططوا بهذه الروح.. هذا أولاً.ثانياً خصصوا الأولوية للمشاريع نصف المنتهية.. هذا هو الازدهار. رفعنا شعار الإبداع والازدهار. ليس الإبداع بمعنى إطلاق مشاريع جديدة. الإبداع يعني الإبداع في الفكر والتفكير وإيجاد سبل جديدة وتزويد الحكومة - سواء هذه الحكومة أو الحكومات الأخرى حتى عشرين سنة قادمة - بها كخطط وبرامج وإرشادات عملية.. هذا هو معنى الإبداع.. معناه أن نجد الأساليب الجديدة. وجزء من الازدهار هو أن يشعر الناس بطعم الأعمال والمشاريع التي نهضتم بها. إذن اجعلوا الأولوية للمشاريع نصف المنتهية، سواء التي بدأت خلال فترة حكومتكم أو التي بدأت في الحكومات السابقة. المهم أن يشعر الناس خلال هذه الدورة بطعم جميع خدماتكم.النقطة المهمة جداً التي أريد الإشارة إليها - تتمةً لهذه التوصيات - هي أن العقد الذي نستقبله هو عقد التقدم والعدالة. هذان الشعاران هما شعارا العقد المقبل: التقدم والعدالة. لا أننا لم نتقدم لحد الآن، لا، أو أن العدالة كانت منسية لحد الآن، لا.. إنما نريد أن تحصل قفزة شاملة واسعة في التقدم وفي نشر العدالة على نطاق واسع. ولحسن الحظ فإن الأرضيات ممهدة. خلال هذا العقد يجب أن يكون التقدم والتنمية والعدالة خطاب المسؤولين في البلاد.طبعاً من البديهي أن لا تتحقق العدالة من دون المعنوية والعقلانية. هذا ما سبق أن ذكرناه. من دون المعنوية ستتحول العدالة إلى رياء وتظاهر. ومن دون العقلانية لن تتحقق العدالة أصلاً، فيأتي الشيء الذي يتصور الإنسان أنه عدالة ويحلّ محل العدالة الحقيقية. إذن، المعنوية والعقلانية شرطان لتحقق العدالة.ولكن من دون العدالة لن يكون للتقدم معنى، ومن دون التقدم لا تكتسب العدالة أيضاً مفهومها الصحيح. ينبغي الجمع بين التقدم والعدالة. إذا أردتم أن تكونوا نموذجاً ويكون هذا البلد نموذجاً للبلدان الإسلامية يجب أن يكون هذا هو الخطاب الحقيقي والهدف السامي الذي يعمل الجميع من أجله.خارطة الطريق هي »ميثاق الأفق«.. ينبغي عدم الغفلة إطلاقاً عن »ميثاق الأفق«. فهذا هو بحق وثيقة وخارطة طريق حقيقية. يجب أن تحاسبوا أجهزتكم المشرفة. الآخرون قد يشرفون وقد لا يشرفون.. قد يكون إشرافهم صحيحاً وقد يكون ناقصاً، ولكن نشّطوا الأجهزة المشرفة داخل السلطة التنفيذية نفسها.. السلطة ذات الدور الحساس جداً في بلوغ أهداف »الأفق«، ثم استخدموا آليات إشرافية لتروا كم تقدمت البرامج والسياسات. فلا ننظر في السنة العاشرة من »ميثاق الأفق« ونرى أننا لم نتقدم، لا، ينبغي الرصد بصورة مستمرة ليتبين كم تقدمنا وكم اقتربنا من تلك الأهداف وكم تمهّدت الأرضيات والمقدمات.النقطة الأخرى تتعلق بسياسات المادة 44. يعترف الجميع أن سياسات المادة 44 إذا طبقت فسيحصل تحول في تقدم البلاد في المجالات الاقتصادية والمجالات الأخرى تبعاً لذلك. هذه أيضاً مسألة على جانب كبير من الأهمية. تم الآن تقديم إحصاءات جيدة وأنجزت أعمال مهمة. وقبل المصادقة على هذا القانون الأخير اتخذت الحكومة مبادرات على هذا الصعيد، لكن القانون أيضاً صودق عليه الآن لحسن الحظ وصار تحت تصرفكم.. تابعوا هذه السياسات بقوة وبكل جد.ومشروع التحول الاقتصادي الذي أطلقته الحكومة مؤخراً هو أيضاً من المشاريع الكبرى والذي تعد جرأة المبادرة إليه عملاً قيماً بحد ذاته. الكل يوافقون هذه العناوين العامة.. قضية توجيه الدعم أيضاً قضية مهمة جداً، وقد كانت مطروحة في الحكومات السابقة وجرى الحديث حولها مرات عديدة، لكنها لم تتقدم إلى الأمام. وكذلك المشكلات التي تواجه البنوك والضرائب والضمان والكمارك وسائر القطاعات ذات الصلة بمشروع التحول.. هذا تعد أعمالاً كبيرة ومهمة جداً ولا بد من النهوض بها. أوصي أن تعتمدوا الحزم في هذا المشروع، أي لا تسمحوا بأي تسرع أو عجلة في هذه القضية الكبرى. إنه عمل كبير ومهم إذا استطعتم القيام به على نحو جيد إن شاء الله تكونوا قد قطعتم خطوة واسعة على سبيل تقدم البلاد. وطبعاً إذا لم ينجز بصورة جيدة ستكون له أخطاره وأضراره. أي دققوا كي لا يحصل أي تسرّع أو عجلة. لا أوصي أبداً بالتوقف والخوف من الخوض في هذا الميدان، لكنني أوصي بالنظر إلى الطريق أمامكم والنظر إلى الأفق البعيد والتبعات التي قد تترتب على المشروع والتفكير في سبل الحؤول دونها.افترضوا أن جزءاً من مشروع التحول هذا قد يكون سبباً في زيادة التضخم. فكروا ما الذي يجب أن تفعلوه لمواجهة هذا التضخم.. ما الذي يجب أن تفعلوه كي لا يحصل هذا التضخم أو إذا حصل فبدرجات قليلة حتى يتم هذا المشروع الاقتصادي وهذه العملية الجراحية الكبرى بسلامة ونجاح. قضية التضخم مشكلة حقيقية في بلادنا. قدمتم كل هذه الخدمات وبذلتم كل هذه الجهود وتحملتم كل هذه المشاق حتى يكون لذلك آثاره في حياة الناس. والآن يوجد تضخم - وكما أُشير فإن هناك تضخم عالمي أيضاً - لكن جزءاً منه يرتبط بالتضخم العالمي، وجزءاً منه يتعلق دون شك بحالة الجفاف، وجزءاً منه يعود إلى البرد الشديد في الشتاء الماضي. لكن جزءاً آخر منه قد يعود لعوامل يمكن اجتنابها. لذا يتعين تشخيص العوامل الممكنة الاجتناب والعمل على اجتنابها.وهناك قضية مهمة أخرى - ستكون النقطة الأخيرة التي نتحدث عنها - هي قضية النقد والتخريب. ما هو الحد الفاصل بين النقد والتخريب؟ يخربون ويسمون ذلك نقداً، أو ينقدوننا ونتصور أنه تخريب. يجب بالتالي تحديد ما هو التخريب وما هو النقد؟ معنى النقد هو التقييم المنصف الذي يجترحه إنسان خبير.. هذا هو النقد. حينما تأخذون الذهب للصائغ كي يقيمه وينقده سيقول إن عياره عشرون. وستقبلون أن عياره عشرون وهو أقل بأربعة عيارات من الذهب الخالص ذي الأربعة وعشرين عياراً. هذا هو النقد. هناك صائغ ولديه وسيلة للنقد. ولكن إذا أخذتم الذهب لحداد مثلاً وألقى عليه نظرةً ثم رماه وقال: هذا ليس بشيء، فلن يكون موقفه هذا نقداً، لأن أساس كون الذهب ذهباً قد أُنكر هاهنا.. إن لم يكن له عيار أربعة وعشرون فإن له عيار عشرين على كل حال، يجب الاعتراف بهذا. هذا أولاً، وثانياً الحداد ليس مختصاً وعارفاً بهذه الأمور.للأسف يرى الإنسان آراء وأقوالاً تطرح تحت طائلة نقد الحكومة لكن لها شكل التخريب، أي إنها تنكر نقاط الامتياز وتتجاهل الإيجابيات والإنجازات الناجحة وتركّز على نقاط الضعف وتبرّزها. نعم، هناك نقاط ضعف، لكل حكومة نقاط ضعفها بالتالي.. البشر يعانون من الضعف على كل حال.. يجب أن يذكروا نقاط الضعف وإلى جانبها نقاط القوة. إذا وضعوا نقاط الضعف إلى جانب نقاط القوة بإنصاف عندها يمكن الخلوص إلى نتيجة عامة. لا أن يأتوا وينهمكوا في الإساءة وإنكار كل الامتيازات والإيجابيات. ذكرت ثلاث نقاط رئيسية في بداية كلمتي، وهناك نقاط أخرى.. ليقولوا هذه الخصوصيات والأمور - ما يتعلق بتوجّه الحكومة العام، وخطابها الأساسي، وطبيعة أدائها، وأخلاقها - ثم يقولوا: نعم، هناك أيضاً ضعف في الجانب الفلاني والفلاني.. لا إشكال في هذا. ينبغي الإصغاء لهذا بآذان الروح وقبوله. لكن هذه العملية يجب أن لا ترافقها حالات عدم ملاحظة نقاط القوة وعدم الاكتراث لها، أو في بعض الأحيان طرح نقاط القوة بوصفها نقاط ضعف.لغتنا في مواجهة الاستكبار وفي سياستنا الخارجية اليوم هي لغة المطالبة والعزة والاقتدار المعنوي والوطني. وإذا بالبعض يطرحون هذه الحالة باعتبارها نقطة ضعف ويقولون: لا يا سيدي لقد تصرفتم بطريقة جعلت الدول الفلانية لا ترتاح إليكم. واضح أنها لن ترتاح لنا. الدول الفلانية ترتاح حينما يتملقها الإنسان ويعتبر كلامها أفضل الكلام، ويُصغِّر نفسه ويتراجع عن كلامه وكلام الثورة. عندئذ سيرتاحون لنا! النقد جيد والتخريب سيء. النقد خدمة والتخريب خيانة؛ ليس خيانة للحكومة إنما هو خيانة للنظام والبلاد. يجب أن ينقدوا ولا يخربوا.طبعاً عليكم التحلي بسعة الصدر في الاستماع للنقود. أي لو كان النقد منصفاً حقاً اقبلوه بكل بشاشة. بل أريد توصيتكم بالصبر حتى على التخريب. مثل هذه الأمور تطرح غالباً ضد الحكومات في سنتها الأخيرة، لكنها تطرح ضد هذه الحكومة أكثر. ثمة الآن تياران يناهضان هذه الحكومة، أحدهما تيار داخلي والآخر خارجي وهو أهم. لو ألقيتم نظرة لوسائل الإعلام في العالم والكلام الذي يطلق في المحافل الخبرية والسياسية في العالم تلاحظون أنها جميعاً تعاضدت - كحرب الأحزاب حقاً - وراحت تضغط ضد هذه الحكومة. وليس هدفهم الحقيقي هذه الحكومة أي السيد أحمدي نجاد وأنتم.. طبعاً أنتم الذين تشن الهجمات ضدكم لكن الهدف الحقيقي هو الثورة والنظام. ولأنكم تتكلمون كلام النظام من الطبيعي أن تتعرضوا لهذه الهجمات. هذا هو التيار المشهود حالياً في الخارج. ونلاحظه بكل أنواعه. بعض هذه الهجمات يراها عموم الناس، والبعض منها لا يشاهدها حتى الكثير من الخواص، لكننا نراها. إننا نفهم من الأخبار التي تصلنا ومن طبيعة التحرك والتعاطي الموجود ومن الكلام الذي يُطلق كيف أن الحكومة تتعرض للهجمات. والسبب هو أن خطاب هذه الحكومة يطابق خطاب الثورة وأنها تتحرك على طريق الثورة. هذا هو التيار الخارجي.ومحفزات تيار التخريب الداخلي تمتد على طيف واسع ولا يمكن للمرء إصدار حكم واحد بحقها جميعاً. البعض لا يعلمون حقاً، أي إنهم غير مغرضين ومعلوماتهم قليلة لذلك يطلقون بعض الكلمات نتيجة عدم اطلاعهم. وللبعض أغراضهم الشخصية السطحية، وللبعض أغراضهم العميقة أي إن لهم مشكلاتهم مع النظام وأحقادهم على الإمام، فهم إما لم يكونوا يوافقوا كلام الإمام منذ البداية أو أنهم لا يقبلونه الآن - الذين تراجعوا عن ذلك الكلام وندموا وتغيّروا - هذا طيف واسع من الدوافع، لكن حصيلته بالتالي هي هذه الهجمات والإساءات والتشويه.وتوصيتي الأخرى هي أن لا توفروا الذرائع للآخرين. ألاحظ للأسف أن الذرائع تُوفّر لهم من قبلكم أنتم وعليكم الالتفات وعدم توفير الذرائع للآخرين.. دققوا وكونوا حازمين.. يقول: »اتقوا من مواضع التهم«.. على كل حال كونوا دقيقين حذرين واتقوا من مواضع التهم.. لا تجلبوا المتاعب لكم وللحكومة ولا توفروا الذرائع لمن يريدون الضجيج والصخب. أتمنى أن يكون الله تعالى راضياً عنا وعنكم وأن يعيننا وأن يكون القلب المقدس للإمام المهدي راضياً عنا ونكون خدماً لهذا النظام وللدين وللشعب وننقلب بيض الوجوه أمام الله تعالى.. أيام العمر هذه تنقضي بسرعة.. هل تتذكرون الاجتماع الأول معكم؟ قلنا ما مضمونه إن هذه هي الجلسة الأولى مع الحكومة وسنصل للجلسة الأخيرة بسرعة، وترون كيف ينقضي العمر بسرعة وكيف يقضي الإنسان الزمن بسرعة ويطوي ملف العمر، عسى أن لا ينالنا الخزي يوم يفتحون هذا الملف في حضرة الباري تعالى وأمام أوليائه وجميع الناس يوم القيامة.. إن شاء الله.والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.   
2008/08/28

كلمة الإمام الخامنئي في لقائه الشباب النخبة

بسم الله الرحمن الرحيمإنه ليوم وساعة طيّبان جداً بالنسبة لي أن أجلس إلى مجموعة من النخبة والعينة الباعثة على الأمل لمستقبل البلاد ونتحدث في إحدى أهم وأخطر قضايا البلاد ألا وهي قضية تقدم العلوم المفضية إلى تقدم التقانة. كل الأفكار والطروحات التي جئتم أيها الإخوة والأخوات والشباب الأعزاء إلى هنا وذكرتموها تعزز لدى الإنسان فكرة أن تيار تربية النخبة وتنمية الأفكار البناءة بين شباب البلاد، تيار متنامٍ متقدم إلى الأمام ويبشر بمستقبل جيد. لا زلت أتذكر إلى حد ما كلمات الأعزاء في السنة الماضية - هذا ما عدا كونها سجّلت ودوّنت - وهي بدورها تدل على هذا المعنى أيضاً. الأفكار التي يحملها شبابنا ونخبتنا ويرون من المناسب ذكرها هنا تعد مؤشراً ومعياراً بالنسبة لنا. يلاحظ الإنسان أن الاهتمام والتحفّز لتقدم العلوم والتركيز على أهمية العلم والتقنية في تزايد مضطرد، مضافاً إلى أن التوجهات تتلائم أكثر فأكثر مع الأهداف السامية لنظام الجمهورية الإسلامية.أذكر نقطة قد تكون إجابة عن السؤال الذي طرحه أخونا العزيز في نهاية الجلسة، وهي أن العلم موهبة إلهية للمجتمع الإنساني، سواء العلوم القيمية أو العلوم المعرفية أو العلوم التي تساعد الإنسان كي ينتفع أكثر وأفضل من الكنوز التي أودعها الله العظيم للإنسان في هذه الطبيعة المذهلة. سار الإنسان منذ بداية ظهوره نحو اكتشاف أسرار الطبيعة وخباياها وتعقيداتها الكامنة في بنائها العظيم ونسيجها الكبير، وقد بارك الإسلام وجميع الأديان هذه الحركة وأيدوها. ليس بالإمكان أن تجدوا في أي دين - ولا سيما الدين الإسلامي - عبارة أو جملة تدل على أن العلوم الدنيوية عديمة الفائدة أو مضرة أو يجب أن لا تُطلب؛ بل على العكس، كل العلوم التي توفرت عليها الإنسانية لحد اليوم - وهي وسائل تمكِّن الإنسان من الانتفاع بنحو أفضل من هذه الحقيقة وهذه الطبيعة التي خلقها الله لنا - وكذلك العلوم التي لم يتوفر عليها الإنسان لحد الآن - قد تظهر في المستقبل علوم أكثر ربما كان حجمها أكبر من كل العلوم التي حملها الإنسان لحد الآن - كل هذه العلوم لها أهميتها وقيمتها من وجهة نظر الإسلام.العلم ذاته قيمة. وهي قيمة يمكن تبديلها إلى قيمة سلبية على يد الذين يستخدمونها ضد مصالح الإنسانية. لكن العلم بذاته يعد قيمة، فبفضل العلم تتيسر معرفة الله. أصحاب العلم وحملته يستطيعون فهم أحقية رسالة الأنبياء وأحقية رسالة الإسلام الحقيقية بصورة أفضل. ينبغي عدم خلط العلم بالشهوات والأغراض والميول المادية. الشيء السلبي هو التحرك بخلاف القيم والتوظيف الشهواني والأناني للعلم وليس العلم نفسه. إذن العلم شيء قيم .. لا تشكوا في هذا .. سواء العلوم المعرفية، أو العلوم القيمية، أو العلوم الحقيقية أو العلوم الاعتبارية كالفلسفة والفقه وما إلى ذلك.. إنها علوم قيمة جداً.. وكذلك العلوم التي تمثل وسائل لاكتشاف العالم الذي يعيش فيه الإنسان والاطلاع على أسراره والاقتدار على الاستفادة بشكل أفضل من كنوزه العظيمة.العالم الموضوع تحت تصرفنا، والأرض التي نحن عليها، والمواد الخام الممنوحة لنا، قد يمكن الانتفاع منها أكثر مما انتفع منها الإنسان لحد الآن بملايين الأضعاف. هذا الماء والتراب والمواد والهواء والمواد الجوفية والأشياء الموضوعة تحت تصرفنا ولا نعرف قيمتها، قد ينتفع الإنسان منها في المستقبل كثيراً. نحن نُحرق النفط حالياً، وقد تظهر فيه فوائد قيمة جداً للبشرية مستقبلاً بحيث لا يعود أي إنسان عاقل على استعداد لإحراق قطرة واحدة من النفط، وقد تستخدم بدلاً عنه أنواع أخرى من الطاقة. لاحظوا أنهم اليوم يعيدون استهلاك النفايات ليستخلصوا منها مواداً جد قيمة.. النفايات نفايات على كل حال وهذا مثال صغير جداً.. وثمة أشياء كثيرة جداً يمكن أن تستخدم وتوظّف.. كيف يتسنى الاطلاع على ذلك.؟ كيف يمكن معرفة طرق الطبيعة والسير فيها والانتفاع منها؟ بواسطة العلم. لذلك يقول الرسول (ص): »اطلبوا العلم ولو بالصين«.. لا يروم القول أطلبوا الفلسفة أو الفقه من الصين.. بل أطلبوا العلم.. أي علم.. العلم وما يترتّب على العلم من نتائج، أي التقانة والقدرات العديدة التي يصيبها الإنسان.. هذه أمور ضرورية. حسناً، كانت هذه إشارة إلى قضايا بديهية.. أي إنني لم أتصور أن يكون بينكم أيها الشباب النخبة من يشك في هذه الأمور وفيما يقوله الإسلام في هذا الباب.و»ميثاق الأفق« ليس اقتباساً من الرؤى الغربية بالمطلق.. لقد غيّرنا التوجهات.. من النقاط التي لا بأس أن تتنبّهوا لها أنتم الشباب هي أن هناك العديد من الأمور لا إشكال في مظهرها الخارجي لكن الإشكال يرد على جهتها؛ ولدينا مثل هذه الأمور حتى في الإسلام. الحج والعمرة اللذان تذهبون إليهما وتتأثر بهما فتياتنا وشبابنا بقلوبهم الطاهرة كل هذا التأثر.. هذا الحج رسم جاهلي وقد كان في الجاهلية.. الطواف الذي تطوفونه كانوا يطوفونه في العهد الجاهلي. في موسم الحج أي في الأشهر الحرم كان الناس يتوجهون من أطراف الجزيرة العربية - خارج الجزيرة العربية لم يكن هناك من يؤمن بهذه المعتقدات - إلى مكة كي يطوفوا حول الكعبة. ظاهر العمل هو نفسه الذي تؤدونه أنتم أيضاً، لكن مضمونه واتجاهه تغيّر مائة وثمانين درجة. حينما تطوفون حول الكعبة اليوم إنما تجسّدون التوحيد.. حركة العالم العظيمة حول محور الخالق المتعال حيث ظهرت هاهنا حركة رمزية وصارت الكعبة مظهراً للتوحيد في الإسلام وأضحى الحج خير سبب لتوحيد الكلمة في تجمّع هائل للعالم الإسلامي. هذا هو الاتجاه اليوم وهو مناقض لاتجاه الجاهلية بمائة وثمانين درجة. كانوا قد علّقوا كثيراً من الأصنام داخل الكعبة وخارجها.. البعض كانوا يأتون ويطوفون حول الكعبة وهم في الحقيقة محبّون للأصنام ولا يعرفون شيئاً عن الله الواحد الأحد. لم يكن ذلك الطواف ليقرّبهم إلى بعضهم أبداً، بل كان يبعدهم عن بعضهم، لأن ميولهم ونزعاتهم كانت مختلفة.. أحدهم يطوف حول الكعبة لأجل الصنم الفلاني وآخر يطوف لأجل صنم آخر.. والأصنام كلها كانت مجموعة في الكعبة.. لم يغيّر الرسول الحج والطواف والسعي بالمطلق إنما بقي هذا القالب الخارجي كما هو وغيّر الرسول اتجاهه مائة وثمانين درجة. الحج الذي كان مظهراً للشرك والوثنية والخرافة والعصبية والجهالة المطلقة تحوّل إلى مظهر للتوحيد والإخلاص والنقاء والهيام مقابل الذات الإلهية المقدسة.لا إشكال في القوالب والمظاهر. التقنية النووية لم ترتكب أي ذنب.. الذنب ذنب مَن يوجِّهها باتجاه تدمير البشرية.. أو تقنيات النانو المتقدمة مثلاً.. أو الصناعات الألكترونية المتطورة جداً والآيروديناميكية وما إلى ذلك.. هذه لا ذنب عليها.. إنها إنجازات جيدة جداً وأدوات تُمكِّن الإنسان من الانتفاع على أفضل وجه من المصادر والفرص التي أودعها الله في الطبيعة. الذنب ذنب الذين يوظّفون هذه النعمة والكنوز الإلهية للتجبّر على البشر والهيمنة على الآخرين وسحق حقوقهم.. أما أنتم الذين تنطلقون من أسس حسنة، وتؤمنون بالله وبكرامة الإنسان، وتعارضون الظلم والاغتصاب والاعتداء وتشجبون الاستكبار والمجتمعات او الحكومات الناتجة عن الأهواء الشخصية والجماعية.. اكتسبوا هذه العلوم كي تشيعوا قيمكم في العالم وتسوِّدوا معارفكم في الدنيا. هل هذا شيء سلبي؟! شخص يركب الطائرة ليسافر للمدينة الفلانية في البلد الفلاني من أجل اللهو والفساد، وشخص يركب الطائرة ليزور بيت الله.. لا ذنب للطائرة هنا.. إنما الاتجاهات هي التي تختلف. اكتسبوا العلوم والتقنية واستخدموا الذكاء المميز الذي تتمتعون به - وسوف أشير لهذا الجانب وقد أشار إليه بعض الأصدقاء - كي تفتحوا القمة في هذا الاتجاه. ثم وظفوا هذا الوضع وهذه الفرصة لنشر القيم الحقيقية بدل القيم الكاذبة والأنانيات والفساد وهيمنة المال والقوة على مصير الإنسان.ثمة في العالم اليوم أكثر من ملياري إنسان جائع! هل هذا شيء هيّن؟ ثمة اليوم شعوب تمشي على الذهب لكن بطونها جائعة. النظام العالمي نظام هيمنة واستكبار وظلم. بأية وسيلة وصلت أمريكا إلى ما وصلت إليه؟ كيف استطاعت التجبّر على العالم هكذا؟ لأنها توفرت على العلم واستخدمته. لقد أساء الغربيون استغلال العلم في هذا السباق العالمي الذي أمتد على طول التاريخ.لاحظوا أن العلم تم تداوله بين شعوب العالم على مر التاريخ من يد إلى يد. لا تجدون شعباً كان العلم بيده منذ البداية وإلى النهاية.. كلا.. هذه من سنن الله. في هذا السباق الذي قام بين المجتمعات البشرية - الشعوب في سباق دائم وبعضها يتقدم على بعض - كان الشرق متقدماً علمياً في وقت من الأوقات، وكانت البلدان الإسلامية متقدمة أحياناً، وفي بعض الأحيان كانت إيران على وجه الخصوص هي الرائدة؛ نفس هذه الحالة التي تشاهدونها اليوم في بعض البلدان الغربية حيث تحتل مرتبة عالية من الناحية العلمية وعلى الآخرين أن يرفعوا رؤوسهم حتى ينظروا إليها.. ذات يوم كان لبلادكم مثل هذا الواقع وكان على البلدان الأوربية والشرقية والغربية أن تنظر إلى الأعلى حتى تستطيع أن ترى العالم الإيراني.. العلماء العظام الذين تقدموا على العالم كله لا في العلم وحسب، بل حتى في التقنيات الملائمة لذلك العصر. هكذا كان الوضع في يوم من الأيام. وفي يوم آخر تقدم الغربيون. بيد أن النقطة المهمة هنا هي أن الغربيين حين أن تقدموا استخدموا هذا التفوق العلمي لمقاصدهم السياسية والاقتصادية الرامية إلى الهيمنة، فكان أن ظهر الاستعمار ولم يكن في السابق. معنى الاستعمار أن يعتدي بلد على بلدٍ يبعد عنه آلاف الكيلومترات لأن الثاني مصدر ثروة للأول - شبه القارة الهندية مثلاً - ويستولي عليه بقوة السيف والأسلحة المتطورة. وتعلمون أن بريطانيا محاطة بالبحار، لذلك تطورت في الملاحة وصناعة السفن وتقبّلت الأخطار والمجازفات، ووصل البريطانيون إلى الهند وسيطروا عليه؛ هنا استخدموا تفوقهم العلمي لأهداف سياسية، العمل الذي لم يقم به حتى ذلك الحين أي بلد تمتع بالتفوق العلمي. الإنجليز، والبلجيك، والهولنديون الذين توجهوا نحو الشرق وشبه القارة الهندية وأطلقوا الحالة الاستعمارية لأول مرة، والذي توجهوا بعد ذلك لأفريقيا - بعض البلدان الأوربية كالبرتغال - هؤلاء استخدموا تطورهم وقدراتهم العلمية سياسياً.. أي إنهم أوجدوا الاستعمار. وحينما ظهر الاستعمار وقع مصير الشعب المستعمَر بيد الشعب المستعمِر الذي استخدم علمه لإبقاء المستعمرين في الجهل، وأوقفوا السباق العلمي ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً! هذا حدث قد وقع وهو إساءة استغلال للعلم.. للعالم تحولاته وتغيّراته والبشر لا يبقون ضمن حدود معينة ولا يمكن حبس الإنسان، فتفجّر المواهب الإنسانية العلمية والسياسية يفعل فعله بالتالي وقد فعل، حيث انطلقت حركات جماهيرية عديدة في مختلف أنحاء العالم. الواقع الراهن في العالم هو أن القوى المتقدمة علمياً تحاول احتكار هذا التقدم. تعلمون جيداً أن قسماً من العلم تمتلكه البلدان الغربية المتطورة ولا تسمح لأحد خارج نطاقها بالتوفر عليه إطلاقاً.. إي إنه علم حصري. الوثائق التي تصبح قديمة وبالية ينشرونها، وكذلك العلوم التي يمتلكونها حينما تسقط عن أهميتها الأولى يسمحون لغيرهم بامتلاكها وذلك حينما يكونوا هم قد بلغوا مرحلة أعلى. هكذا هم.. يحتكرون العلوم؟ولأجل تغيير واقع الهيمنة في العالم لابد من النهوض علمياً. نظام الجمهورية الإسلامية الذي يعد من الناحية القيمية النقطة النقيضة لما يريده المهيمنون الغربيون اليوم، وهو نظام استطاع النجاح سياسياً وحقّق لنفسه الاستقرار وصمد بوجه المؤامرات مدة ثلاثين عاماً وتقدم إلى الإمام على شتى الأبعاد والمستويات، على هذا النظام من أجل تحقيق أهدافه الإنسانية السامية التي يوافقها كل إنسان أن يطلب العلم. لذلك أقول إن خطاب التقدم العلمي والتقني يجب أن يكون من الخطابات الأساسية لبلادنا في العصر الحاضر. هذا أمر لا مندوحة منه. لا يمكن مواجهة تلك القوى من دون أن نطلب التطور والنمو العلمي ونضاعف من قدراتنا العلمية ومن دون أن نوفر الفرص العلمية في حياتنا ونرتفع بمستوى حياتنا المادية. الراية التي ترفعها الجمهورية الإسلامية ستبقى مرفوعة مرفرفة منتصرة بهذا الشرط. حسناً، ربما أطلت الحديث حول هذا الموضوع بعض الشيء، وذلك لأنني لم أتصور أن الشباب النخبة يتساءلون عن فائدة العلم، ولهذا قدمت إيضاحات أكثر في هذا المجال؟لاحظوا.. العلم مصدر قوة وثروة. إن كان يجب على بلدكم وعلى نظام الجمهورية الإسلامية أن يتمتع بهذه القوة والاقتدار حتى يستطيع الدفاع عن شعبه وبلده وقيمه ونظامه وصيانته - وهذه هي فائدة القوة.. ليس الاقتدار من أجل التجبّر على الآخرين بل لصد تجبّر الآخرين - وإذا كان إلى جانب ذلك بحاجة للثروة كي يستطيع التغلب على شتى المشكلات التي ورثها عن سنين طويلة من الحكم الاستبدادي في هذا البلد، فعليه أن يكتسب العلم. العلم بالنسبة للشعب وسيلة لبلوغ الاقتدار الوطني والثروة الوطنية.لحسن الحظ لدينا في هذا المجال إمكانات وفرص كثيرة. إذا حسبنا الأمر بصورة دقيقة ربما أمكن القول إنهم أوقفوا الشعب الإيراني لمدة 150 عاماً حقاً. هذه المواهب الدفّاقة التي ترونها الآن ليست ابنة اليوم بل لقد تمتعت الأجيال الإيرانية بمثل هذه المواهب على الدوام، وقد بقيت متوقفة مجمّدة لأسباب مختلفة علی رأسها الحكومات المستبدة الجائرة في كل العصور وخصوصاً في الفترة الأخيرة مضافاً إلى التبعية والفساد. هذا التخلّف موجود، بيد أن موهبة الشعب الإيراني أعلى من الحد المتوسط، وهذا ما ذكرناه مراراً. تصوّر البعض أن هذا مجرد ادعاء نطلقه، واليوم ينتشر هذا المعنى تدريجياً على مستوى العالم فتتكرر الشهادات والتأييدات العالمية في أنحاء مختلفة لصالح الذكاء الإيراني العالي جداً. يكتبون ذلك في المجالات الأمريكية ويذكرون أسماء بعض جامعاتنا علی وجه الخصوص. طبعاً ذكرهم للأسماء له أغراضه الخاصة. الجامعات التي يذكرونها سواء في طهران أو إصفهان هي الجامعات الأفضل دون شك، لكن ذكرهم للأسماء ممارسة مغرضة. فالجامعة تقوم على أساس الطاقات البشرية: الطالب، والأستاذ، والإدارة طبعاً. الطالب والأستاذ من هذه الأجيال الإيرانية، وإذن، فالحالة هذه حالة عامة ولا تخص جامعة دون أخرى. في أي مكان تبذل فيه جهود معينة سيظهر هذا التميّز الذي يعترفون به بعض الأحيان. إذن، نحن نتمتع بهذه الإمكانات البشرية العالية جداً، أي الذكاء والموهبة الإنسانية الأعلى من المتوسطة في إيران. وهذا بوسعه تعويض التخلف. خلال هذه الأعوام التي سرتم فيها وتحركت فيها قافلة العلم في البلاد تحققت الكثير من المكتسبات. في غضون الأعوام العشرة أو الأثني عشر الأخيرة التي انطلقت فيها أفكار النـزعة العلمية وطلب العلم ونهضة إنتاج العلم والنهضة البرمجية وحالة رعاية النخبة في البلاد، منذ ذلك الحين ولحد الآن حققنا تقدماً كبيراً وهو تقدم مغتنم قيّم.أنا طبعاً لست قانعاً بهذا المقدار، فلا تتصورا أنني اعتقد بأننا بلغنا المراد والغاية، كلا، لابد من جهود جبّارة لأجل تعويض هذا التخلف التاريخي الطويل، خصوصاً وأننا لوحدنا.. نحن لوحدنا.. لا أحد يدعم النظام الإسلامي والأفكار الإسلامية. هؤلاء الصينيون - الذين شاهدتم الآن بمناسبة الألعاب الأولمبية في بكين جانباً من قدراتهم التقنية التي ظهرت، أو التي كشف عنها النقاب في الحقيقة - لهم تقدمهم الجيد جداً من الناحية العلمية، ولكن لاحظوا أنهم كانوا صفر اليدين في سنة 1948 حينما تأسست الصين الحديثة الشيوعية! فجاء الاتحاد السوفيتي وهو حكومة أسبق وأعرق من الناحية الإيديولوجية والعلمية والتقنية ووضع كل ما لديه تحت تصرف الصين؛ وكان ذلك في عهد استالين. وجود بلد عظيم كالصين - طبعاً لم يكن عدد السكان فيه كما هو اليوم، لكنه كان بالتالي بلداً كبيراً واسعاً هائل السكان - إلى جانب بلد كبير كالاتحاد السوفيتي وفي قلب آسيا كان مهماً جداً بالنسبة للاتحاد السوفيتي الشيوعي آنذاك. وضعوا تحت تصرف الصينيين كل ما كان لديهم؛ حتى الطاقة النووية. لكن شبابنا توفروا على الطاقة النووية بأنفسهم. استلم الصينيون الطاقة النووية هديةً من الروس الذين منحوها لكوريا الشمالية أيضاً ومنحها لها الصينيون أيضاً.لاحظوا أن تقدم بلدان كالصين كان بفضل دعم استثنائي قدمته لها البلدان الأخرى.. وكذا الحال بالنسبة للهند، ولكن من نواحٍ أخرى. حينما نشب الخلاف بين روسيا والصين - وتعلمون أن خلافاً شديداً وعميقاً نشب لمدة عقود بعد فترة ستالين بين هذين البلدين الشيوعيين الكبيرين، كالخلاف بين الشرق والغرب وربما أكثر حدة بعض الشيء - تحرك الروس لمساعدة الهند جارة الصين، وتحرك الصينيون لمساعدة باكستان منافسة الهند! أي إن العوامل السياسية تركت بصماتها على التحالفات والصداقات. منح الصينيون الطاقة النووية لباكستان، وأعطى الروس الطاقة النووية والكثير من منجزاتهم للهند. أي إن الهند وباكستان استلما تطورهما من الآخرين.كلما أمعنت النظر لا أجد بين هذه البلدان التي حقّقت تطوراً في المجالات المختلفة بلداًيشبه بلدنا! لقد استطاع شبابنا الذكي الشاطر جداً من أبناء شعبنا تنمية هذه الغرسات وتثميرها وسط أجواء تطفح بالمظلومية والغربة والوحدة، ووسط كل هؤلاء الأعداء .. حينما كان الشرق الشيوعي والغرب الرأسمالي يعادوننا بكل جد، وأوربا التي رغبت في ممارسة دور وسط لم تقدم لنا أية مساعدة بل وجهت لنا الضربات بدورها. تم إنجاز أعمال كبيرة، وهذا ما يبعث على الأمل حقاً. بوسعكم إنجاز مثل هذه الأعمال في المستقبل أيضاً، لذلك نظرتي للمستقبل نظرة إيجابية جداً، ومع إني أجد الواقع الحالي جديراً بالثناء والإعجاب لكنني لا أرى الاقتناع به من قبل أياً كان صحيحاً على الإطلاق.. لا من قبل رجال الحكومة، ولا من قبلكم أنتم الشباب، ولا من قبل أساتذتكم. علينا السير مسافات طويلة أخرى والتحرك والعمل كثيراً. المسافات التي تفصلنا عن تلك القمم - بل حتى عن مستوى أدنى من تلك القمم أحياناً - كبيرة وينبغي قطع هذه المسافات.طبعاً هذا بحاجة إلى ثروات وأموال، والأموال ينبغي أن تُجنى بدورها عن هذا الطريق. أشار الأعزاء - معظم النقاط التي ذكرها الأصدقاء كانت صحيحة وهي مدرجة في حساباتنا وفيما سجلناه من رؤوس نقاط - إلى أن الثروة يجب تستحصل عن هذا الطريق. يوم نستطيع كسب عائدات بلادنا عن طريق علومنا ونغلق أبواب آبار النفط يومئذ سيكون يوماً طيباً بالنسبة لنا. إننا اليوم نأكل من ذخائرنا. معظم ميزانية البلد من النفط.. النفط هو ذخيرتنا ونحن إنما نقوم بتفريغ كنـزنا اضطراراً. ينبغي أن يأتي اليوم الذي نستطيع فيه الأكل من علمنا ويستطيع هذا الشعب إنتاج الثروة من علمه. عندئذ ستساعد هذه الثروة بدورها على تقدم العلوم، ويحصل تكاثر مطرد: العلم يساعد الثروة، والثروة تساعد العلم، ويستمر هذا التكاثر والتعاضد دون انقطاع. علينا التطلع إلى ذلك اليوم.طبعاً الاتجاهات يتوجب أن تكون سليمة ومعنوية وإلهية، وهذا ما لمحناه في كلمات العديد من هؤلاء الشباب الأعزاء. هذه الميول العزيزة لدى الشباب تنير قلب الإنسان حقاً وتبعث فيه الرضا. ذكرت نقاط جيدة، وقد كانت تختلج بذهني أيضاً، وأود التأكيد عليها.لحسن الحظ مؤسسة النخبة والسيد الدكتور واعظ زاده ينشطون بشكل جيد جداً والحمد لله. أنا سعيد جداً لأنهم بدأوا التحرك والعمل، ولكن ينبغي التفطن إلى مواطن الضعف وتلافيها ورفعها تباعاً.إحدى نقاط الضعف هي عدم التنسيق.. لابد من التنسيق الدقيق في القطاعات ذات الصلة بالعلم والتقنية. لقد أثرنا قضية التواصل بين الجامعة والصناعة، ويجري العمل على هذا الصعيد والحمد لله وسيجري أكثر في المستقبل. وقد طرح علينا المسؤولون أموراً بشأن ارتباط النخبة بمراكز البحث أو بمراكز الصناعات وما إلى ذلك وهي تبشر بخير وستذاع عليكم إن شاء الله في حينها وتطلعون عليها، لكن التنسيق بين المراكز العلمية ذاتها مهم جداً. أي لا بد من تواصل وتعاون وتكاثر مستمر بين وزارتي العلوم والصحة والمعاونية العلمية والتقنية لرئيس الجمهورية ومؤسسة النخبة ومؤسسة البحوث العلمية والصناعية وأي قطاع من القطاعات الناشطة في هذه المجالات لئلا تحبط الأعمال والمشاريع أو تظهر فراغات وحلقات مفقودة على هذا الصعيد، من قبيل ما ذكرته إحدى السيدات حول مشكلة شباب »خوارزمي«.القضية الأخرى التي لابد لي من إثارتها هنا - رغم أن المعني بها أشخاص آخرون - هي قضية تكريم النخبة واحترامهم. المعني بهذا الأمر هم العاملون في وسائل الإعلام وخصوصاً وسيلة الإعلام الوطنية الإذاعة والتلفزيون. لاحظوا أن الإعلام يسلط الأضواء على الفنانين والفنانين الأجانب والأسماء المختلفة. مثلاً يسألون في المسابقات التلفزيونية ما اسم بطل الفيلم الفلاني؟ وإذا كنت تعرفه وذكرته فسوف تفوز! وما الضير لو لم يكونوا يعرفونه؟ لنفترض أن ملايين الأشخاص لم يشاهدوا هذا الفيلم ولا يعرفون ممثله فهل سيكون ذلك منقصة؟ حتى تكون معرفته ميزة؟! أو في مجال الرياضة مثلاً. تعلمون طبعاً وقد ذكرت مراراً أنني من أنصار الرياضة البطولية، أي خلافاً لمن يقول: وما هي أهمية الرياضة البطولية؟ أقول أنا إن الرياضة البطولية ضرورية. الرياضة البطولية هي في الواقع إعداد للنخبة في مجال الرياضة.. وسيكون أولئك النخبة قمماً، وما لم تكن هنالك قمم لن تكون السفوح. حينما تكون هناك قمة ستكون هناك السفوح طبعاً أي الرياضة العامة. إذن، أنا ممن يؤمنون بالرياضة البطولية، وأحب الأبطال الذين يذهبون ويرفعون علم بلادنا ونشيدنا الوطني هنا وهناك أمام أنظار وأسماع العالم.. وأشكرهم وأحبهم كثيراً، وهم يأتون عندي أحياناً. لكني أقول: لماذا يجب أن نقدِّر النخبة العلمي بأقل مما نقدر به النخبة الرياضي؟ كم لدينا من النخب العلمية ممن هم في القمة؟ كم لدينا من النخب العلمية التي لو تمكنت البلدان الأخرى لسارعت لكسبهم واحتضانهم؟.. ينبغي تكريم هؤلاء.وأذكر هنا من باب المثال المرحوم كاظمي آشتياني، أو هذا الشاب العزيز الذي ذكره الدكتور السيد واعظ زاده والذي كان في اجتماعنا هذا في العام الماضي ورحل عن الدنيا هذا العام.. يجب تكريم هؤلاء ومعرفتهم.. إننا لا نسلط الأضواء حتى على نخبنا العلمية التاريخية.. الكثير من أبناء بلدنا لا يعرفون علماءهم الكبار في الحقول المختلفة، لا في حقول الفقه والفلسفة والعلوم الدينية وحسب، بل حتى علماء الحقول المعروفة في العالم اليوم كالفيزياء، والرياضيات، والكيمياء، والميكانيك، ممن كانوا مميزين في تاريخنا وأنجزوا أعمالاً كبيرة في حينها، وبعض اختراعاتهم لا تزال تستخدم إلى اليوم، هؤلاء لا يعرف شبابنا أسماءهم ولا تسلط عليهم الأضواء ولا يذكرون! هذا نقص كبير ينبغي إصلاحه وتلافيه.ثمة نقاط متنوعة أخرى ذكر الأصدقاء بعضها. مسألة انتقال المشاريع العلمية إلى سوق الاستهلاك من المسائل المهمة جداً التي ينبغي للحكومة أن تساعد عليها وهي تعتزم المساعدة عليها وأنا على علم بذلك.. ستتخذ خطوات على هذا الصعيد إن شاء الله كي تؤتي الأعمال نتائجها التجارية.والنقطة الأخيرة - وقد حان الظهر ويبدو أنه وقت الأذان - هي أن تعرفوا قدر خدمة البلاد عن طريق العلم. خدمة البلاد متاحة بطرائق مختلفة، ومن أفضلها خدمة البلد عن طريق العلم. رجال السياسة يقدمون بدورهم خدمة للبلاد، ومجاهدو سبيل الله ومقاتلو سوح الحرب أيضاً يخدمون البلاد، لكن من أبرز سبل خدمة البلاد هو سبيل العلم. وذلك للأسباب المذكورة سابقاً وهي أن العلم من عوامل الاقتدار الوطني وقوة البلاد وإنتاج ثروتها وتحقيق شموخها. إذا كانت هذه هي نيّتكم في دراستكم وحيازتكم المراتب العلمية العالية كان عملكم عبادة. بمعنى أن عمل الإنسان - عمل واحد ليس إلا - يكتسب حالتين مختلفتين إذا كانت نوايا إتيانه مختلفة.. أحياناً يكون عبادة وأحياناً يكون العمل نفسه معصية. الصلاة التي يؤديها الإنسان إذا كانت بقصد القرب إلى الله والتوجه إليه وإذا صلّاها الإنسان بإخلاص كانت أرقى العبادات، وإذا صلّى الإنسان نفس تلك الصلاة ولكن من أجل الرياء كانت معصية وذنباً. الرياء ذنب كبير، وقد يكون مصداقه الصلاة التي تؤدى بدافع الرياء.. النية مؤثرة إلى هذا الحد. إذا نهضتم بهذا التحصيل الدراسي والجهد العلمي والسعي لإحراز المراتب النخبوية لأجل خدمة الناس والبلد ولرفعة النظام الإسلامي، فسيكون هذا بلا شك إحدى حسناتكم.نتمنى أن يوفقكم الله تعالى جميعاً إن شاء الله ويعينكم، وأن نشهد يوماً بعد يوم انتشار العلم والبحث العلمي في البلاد أكثر فأكثر، ونرى شبابنا المؤمن الصالح وقد استطاعوا السير في مقدمة هذا السباق الكبير. حفظكم الله جميعاً إن شاء الله.والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته 
2008/08/25

كلمة الإمام الخامنئي بمناسبة 15 شعبان

بسم الله الرحمن الرحيم أولاً مبروك عليكم جميعاً أيها الإخوة والأخوات الأعزاء وعلى كافة المؤمنين بولاية أهل البيت (عليهم السلام) وعلى كافة الناس الواعين اليقظين التائقين إلى الحرية والمكافحين ضد الظلم... مبروك عليهم هذا العيد السعيد ذو البشائر والذي يعد قطب آمال المؤمنين. يوم النصف من شعبان يوم الأمل. وهو أمل لا يختص بالشيعة ولا حتى بالأمة الإسلامية. مبدأ الأمل بمستقبل مشرق للبشرية وظهور شخص موعود منقذ ويدٍ تنشر العدالة في كل العالم شيء تجمع عليه كافة الأديان التي نعرفها في العالم تقريباً. فما عدا الدين الإسلامي والمسيحي واليهودي، حتى أديان الهند، والبوذية، والأديان التي لا يعرف الناس حتى أسماءها بشّرت بمثل هذا المستقبل. هذا في الواقع بثٌّ للأمل في نفوس كافة البشر على طول التاريخ واستجابة لحاجة الإنسان إلى الأمل عبّرت عن حقيقة من الحقائق. لم تزرع الأديان الإلهية والسماوية - وغالبية هذه الأديان ذات جذور إلهية وسماوية - أملاً واهياً في نفوس البشر، إنما عبّرت عن حقيقة واقعة. ثمة في خلقة البشرية وعلى امتداد تاريخها الطويل حقيقة هي أن الصراع بين الحق والباطل سينتهي يوماً لصالح الحق وبهزيمة الباطل، ومنذ ذلك اليوم فما بعد سيبدأ العالم الحقيقي للبشرية وحياة الإنسان المنشودة، ولن يكون الصراع هناك بمعنى الكفاح والنضال، بل بمعنى التسابق في الخيرات. هذه حقيقة مشتركة بين جميع الأديان. الميزة في عقيدتنا نحن الشيعة هي أنها أخرجت هذا الأمل من حيّز الأمر الذهني المحض إلى حيّز الحقيقة الواقعة. الحقيقة هي أن الشيعة حينما ينتظرون المهدي الموعود إنما ينتظرون اليد المنقذة ولا يتخبطون في عالم الذهنيات.. يبحثون عن واقع موجود. حجة الله حيٌّ بين الناس يعيش معهم ويراهم، فهو معهم ويشعر بآلامهم وأوجاعهم. والسعداء من البشر ومن يتحلّون بالقابلية والموهبة اللازمة يرونه في بعض الأحيان بشكل خفي. إنه موجود.. إنسان واقعي محدّد له اسم معين وأبٌ وأم معلومان؛ إنه بين الناس ويعيش معهم. هذه ميزة عقيدتنا نحن الشيعة. والذين لا يوافقون هذه العقيدة من أبناء المذاهب الأخرى، لم يستطيعوا أبداً الإتيان بدليل عقلي لدحض هذه الفكرة وهذا الواقع. كل الأدلة الناصعة الراسخة والتي صدّق أهل السنة الكثير منها تشير على نحو القطع واليقين إلى وجود هذا الإنسان السامي وحجة الله والحقيقة الناصعة المتألقة - بهذه الخصائص التي نعرفها أنا وأنتم - ويمكنكم ملاحظة ذلك في العديد من المصادر غير الشيعية. الأبن المبارك الطاهر للإمام الحسن العسكري (عليه الصلاة والسلام) تاريخ ولادته معلوم، والمرتبطون به معروفون، ومعجزاته مشخّصة، وقد حباه وسيحبوه الله عمراً طويلاً. هذا هو تجسيد ذلك الأمل الكبير لدى كل أمم العالم وجميع القبائل والأديان والقوميات والعصور. هذه هي ميزة المذهب الشيعي فيما يتصل بهذه القضية. من النقاط المتعلقة بقضية المهدوية هي أنكم ترون في الآثار الإسلامية والشيعية وصف انتظار الإمام المهدي بأنه انتظار للفرج. فما معنى الفرج؟ الفرج معناه الفتح واليُسر. متى ينتظر الإنسان الفرج والانفتاح؟ حينما يكون هناك انغلاق وعقدة ومشكلة. حينما تكون ثمة مشكلة يحتاج الإنسان إلى الفرج؛ أي الأصابع التي تحلّ العقدة. هذه نقطة مهمة. معنى انتظار الفرج كتعبير آخر لانتظار الظهور هو أن المؤمن بالإسلام وبمذهب أهل البيت (عليهم السلام) يعتبر الواقع الذي يعيشه العالم عقدةً تعاني منها الحياة الإنسانية. وهذه هي حقيقة الأمر. إنه بانتظار انفراج هذا الانغلاق الذي تتسم به شؤون الإنسانية وحلّ هذه المعضلات العامة التي تعانيها البشرية. ليست القضية قضية معضلة في شؤوني الشخصية أو شؤونكم الشخصية أنتم. الإمام المهدي (عليه الصلاة والسلام) يظهر من أجل الفرج لكل البشرية ولكي ينقذها من مغاليقها وينجيّ المجتمع الإنساني، بل تاريخ المستقبل البشري كله. معنى هذا أن الشيء الموجود اليوم وهذا النظام البشري غير العادل الذي يُظلم فيه الكثيرون وتضِل فيه قلوب كثيرة، ولا تتاح فيه للكثيرين فرصة عبودية الله، إنما هو نظام مرفوض وموضع اعتراض ينتظر ظهور الإمام المهدي. انتظار الفرج معناه رفض وعدم قبول الوضع الذي ساد الحياة الإنسانية بسبب جهل البشر وأغراضهم. انظروا لأوضاع الدنيا الراهنة، الصورة الموجودة في روايات ظهور الإمام المهدي (أروحنا فداه) تسود العالم اليوم.. امتلاء العالم بالظلم والجور.. العالم اليوم طافح بالظلم والجور. ورد في الروايات والأدعية والزيارات المختلفة الخاصة بالإمام المهدي (أرواحنا فداه) أنه: »يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً«. كما امتلأ العالم يوماً بالظلم والجور - في يوم ما كان الظلم والجور هو الوضع السائد على الإنسانية - كذلك سيجعل الله تعالى العدل والقسط وضعاً سائداً على البشرية في زمانه. وهذا هو الوضع الآن؛ الظلم والجور يحكمان البشرية. الحياة الإنسانية اليوم خاضعة للظلم والاستبداد في كل العالم. هكذا هو الوضع في كل مكان. تعاني الإنسانية اليوم من مشكلات كثيرة نتيجة غلبة الأغراض والأهواء النفسية. وجود ملياري جائع في العالم اليوم، ووجود ملايين البشر تحت سيطرة الأنظمة الطاغوتية الخاضعة لأهواء الجبابرة الطاغوتيين، وحتى الضغوط على المؤمنين والمجاهدين في سبيل الله والمناضلين في سبيل الحق وشعب مثل الشعب الإيراني استطاع رفع راية العدالة والقسط داخل نطاق محدود ومناخ معين، كلها علامات سيطرة الظلم والجور على العالم. وهذا هو ما يفسِّر انتظار الفرج في العصور المختلفة. نحن اليوم لدينا حالة انتظار الفرج، أي إننا ننتظر مجيء يد قوية تنشر العدل وتقضي على غلبة الظلم والجور التي سحقت البشرية كلها تقريباً، وتغيّر أجواء الظلم والجور وتطلق نسائم العدل على الحياة الإنسانية حتى يشعر البشر بالعدالة. هذه حاجة دائمية للإنسان الحي الواعي.. الإنسان الذي لا يدس رأسه في التراب ولا يقنع بمجرد الاهتمام بشؤونه وحياته الشخصية. الإنسان الذي ينظر للحياة البشرية نظرة عامة شاملة سيعيش حالة الانتظار بشكل طبيعي. هذا هو معنى الانتظار. الانتظار هو عدم الاقتناع وعدم القبول بالواقع الموجود في الحياة الإنسانية والسعي لبلوغ الوضع المنشود الذي سيتحقق بلا شك باليد القوية لولي الله سيدنا الحجة بن الحسن المهدي صاحب الزمان (صلوات الله عليه وعجّل الله فرجه وأرواحنا فداه). علينا إعداد أنفسنا لنكون جنوداً وأشخاصاً مستعدين للجهاد من أجل تحقيق تلك الظروف. ليس معنى انتظار الفرج أن يقعد الإنسان ولا يفعل شيئاً ولا يهتم لأي عمل إصلاحي، ويغتبط فقط بأنه ينتظر الإمام المهدي (عليه الصلاة والسلام). هذا ليس انتظاراً. ما هو الانتظار؟ إنه انتظار اليد الإلهية الملكوتية القاهرة القوية كي تأتي وتزيل الظلم بمساعدة الناس أنفسهم وتُغلِّب الحق، وتسوِّد العدل في حياة الناس وترفع راية التوحيد، وتجعل البشر عباداً حقيقيين لله. ينبغي الاستعداد لهذه المهمة. تأسيس نظام الجمهورية الإسلامية إحدى مقدمات هذه الحركة التاريخية العظيمة. أية خطوة باتجاه تكريس العدالة هي خطوة باتجاه ذلك الهدف السامي. هذا هو معنى الانتظار. الانتظار حركة وليس سكوناً أو إهمالاً أو قعوداً كي تجري الأمور لوحدها. الانتظار حركة. الانتظار استعداد. علينا الحفاظ على هذا الاستعداد والجاهزية داخل وجودنا وفي بيئتنا المحيطة بنا. وقد أنعم الله تعالى على شعبنا العزيز شعب إيران حيث استطاع قطع هذه الخطوة الكبرى وإعداد أجواء الانتظار. هذا هو معنى انتظار الفرج. الانتظار معناه شدّ الأحزمة والاستعداد والجاهزية الكاملة للهدف الذي سينهض الإمام المهدي (عليه الصلاة والسلام) من أجله. تلك الثورة التاريخية الكبرى ستندلع من أجل هذا الهدف.. هدف إفشاء العدل والقسط.. والحياة الإنسانية.. الحياة الإلهية.. العبودية لله.. هذا هو معنى انتظار الفرج. اهتمام شعبنا بفكرة المهدوية والوجود المقدس للإمام المهدي (سلام الله عليه) أكثر اليوم والحمد لله من أي وقت مضى. يوماً بعد يوم يشعر الإنسان أن الشوق نحو الوجود المقدس للإمام الحجة (سلام الله عليه) وحبه والانشداد إليه واستذكاره يتضاعف في قلوب الشباب ولدى كل واحد من أبناء شعبنا. وهذا بدوره من بركات ذلك الإنسان العظيم، فنظرته الرحيمة لشعبنا جعلت قلوب أبناء هذا الشعب تهفو نحو تلك الحقيقة الناصعة. هذا بحد ذاته دليل نظرته الحانية عليه السلام؛ وينبغي معرفة قدر ذلك. وككل الحقائق التي تتحول في فترات معينة من الزمن إلى ألعوبة بيد الانتهازيين، تتحول هذه الحقيقة أيضاً إلى ألعوبة بيد الانتهازيين والنفعيين بعض الأحيان. هؤلاء الذين يطلقون ادعاءات غير واقعية - ادعاء رؤيته، وادعاء لقائه، بل وبنحو خرافي تماماً ادعاء الاقتداء به في الصلاة -وهي ادعاءات مخجلة حقاً تعد إضافات باطلة قد تشوب هذه الحقيقة الناصعة في أعين وقلوب الناس الطيبين.. ينبغي عدم السماح بذلك. ليتفطن كل أبناء الشعب إلى أن ادعاءات الاتصال والارتباط واللقاء بالإمام المهدي واستلام الأوامر منه لا يمكن تصديقها أبداً. كبراؤنا، ومبرّزونا والشخصيات العظيمة التي تفضل لحظة واحدة من أعمارهم أياماً وشهوراً وسنوات من أعمار أمثالنا لم يدعوا هكذا ادعاءات. قد ينال عيون أو فؤاد إنسان سعيد إمكانية الاكتحال بأنوار ذلك الجمال المبارك، لكن هؤلاء لا يطلقون ادعاءات وأقوالاً ولا يفتحون لأنفسهم دكاكين. الذين يفتحون لأنفسهم دكاكين بهذه الطريقة يمكن للمرء أن يقطع ويتيقّن بأنهم كاذبون مفترون. ينبغي إبعاد هذه العقيدة الواضحة الساطعة عن هذه الآفة. من حسن الحظ أن جلستنا هذه تضم عدداً من الشخصيات الثقافية، والمستشارين الثقافيين، ومدراء التربية والتعليم، وعدداً من الشباب المميزين من منظمة الشباب، وعدداً من المؤسسات المتخصصة في فكرة المهدوية. ما أريد أن أقوله لكم أيها الإخوة والأخوات في هذه المناسبة وأمام هذا الجمع الثقافي الواعي اليقظ هو أن عقائدنا الإسلامية، والعقائد الشيعية خصوصاً من أنقى العقائد وأمتنها وأقواها منطقاً. التوحيد الذي نطرحه، والإمامة التي نطرحها، وشخصية النبي التي نطرحها، والقضايا العقيدية والمعارف الدينية التي تطرح في المذهب الشيعي تصورات واضحة ومنطقية يمكن لأية ذهنية نشيطة باحثة اكتشاف أحقيتها وصحتها ودقتها. العقائد الشيعية رصينة جداً.. هكذا عرفت العقائد الشيعية على امتداد التاريخ الإسلامي، وقد اعترف الآخرون والمعاصرون في مقام الاحتجاج والاستدلال والسجالات الكلامية بمتانة عقائد الإمامية المستقاة من الأئمة (عليهم السلام) الذين أمرونا تبعاً للقرآن الكريم بالتأمل والتفكير واستخدام العقل. لذلك يحتل الفكر والعقل منـزلة بارزة في هذه العقائد مضافاً إلى توجيهات الأئمة (عليهم السلام) الهادية والمنقذة من الزلل. أولاً ينبغي فهم هذه العقائد بصورة صحيحة، وثانياً يجب تعميقها بالتدبّر والتأمل فيها، وثالثاً يتوجب نقلها بصورة صحيحة. هذا ما ينبغي فعله في كافة المنظومات الثقافية. في التربية والتعليم يستطيع المعلم أو المدير التعليمي والتربوي الاستفادة على أفضل وجه من الفرصة الذهبية الممنوحة له... أي فرصة أعمار اليافعين. بالمستطاع ترسيخ هذه العقائد الدينية في أعماق أذهان المتعلمين وأرواحهم بدقة ويقظة لا في صفوف التعليمات الدينية فقط بل في كل الفرص التعليمية، كي تتوفر لديهم الفرصة لتنضيجها في قلوبهم وعقولهم. المهمة الرئيسية للمؤسسات الثقافية ذات الاتصال بالشعوب الأخرى والعاملة في الخارج أو المرتبطة بها. هي أن تستطيع عرض هذه الحقائق بأساليب مختلفة أمام أنظار طلابها والباحثين عنها بالمقدار الذي يجعلهم مطّلعين عليها. بخصوص فكرة المهدوية هذه فإن أهل السنة أو حتى العلماء غير المسلمين الذين اهتموا بعقائد الشيعة حول المهدوية واطلعوا عليها صدّقوا أن البشائر الموجودة في التوراة والإنجيل والديانات الأخرى تتطابق كلها مع هذه المهدوية الموجودة لدى الشيعة. هذا ما يعترفون به. الذي لا علم له بعقائد الشيعة أو الذي وصلته هذه العقائد بشكلها المحرّف من البديهي أن لا يصل إلى هذه النتيجة. ينبغي نقل الشكل الصحيح للعقيدة. وعندها سترون أن العقلاء والواعين في العالم سيوافقون هذه العقيدة ويؤيدونها ويصدقونها ويلتفّون حولها. هذا ما ينبغي على شبابنا - شبابنا الواعين والطلبة الجامعيين وطلبة الحوزة الأفاضل - والمؤسسات المعنية بالتعليم والتبليغ وتربية الأفكار والأذهان أن تلتفت إليه. عرض الحقيقة الموجودة لدى مذهب الإمامية وأتباع أهل البيت (ع) على المتلقّين يساوق قبولهم وتصديقهم لها. ينبغي عرض الحقيقة وعدم خلطها بالشوائب والخرافات والادعاءات الكاذبة وسوء الفهم. طبعاً لعلماء الدين والمبلغين البارزين والمستنيرين دور مميّز في هذا المجال. وقد أثبت شعبنا عبر عمله بتعاليم أهل البيت (عليهم السلام) وبالقرآن الكريم سواء في عهد الثورة أو فترة الدفاع المقدس أو الأحداث المختلفة التي مرت على بلادنا، أثبت أحقية هذه التعاليم. الكثير من الناس في العالم تعرفوا على أحقية التشيع خلال فترة الدفاع المقدس والتفوا حول هذه العقيدة وقبلوها. كما أن كثيراً من المراقبين العالميين آمنوا بأحقية الإسلام خلال فترة الدفاع المقدس والثورة عبر الحقائق التي تجلّت في ممارسات إمامنا الجليل وحوارييه وهم الشباب المجاهد ومجاهدو طريق الحق. استيقظت وتوعّت الكثير من الشعوب المسلمة التي كانت غافلة عن حقيقة الإسلام. عرض الحقيقة الصحيحة للدين وخصوصاً عرضها عن طريق العمل له مثل هذه الخصوصية المعجزة. نتمنى أن تشمل الأدعيةُ الزاكية لسيدنا الإمام المهدي (أرواحنا فداه) شعبنا العزيز الذي سيتقدم إن شاء الله باطراد في حبه لهذا الإنسان العظيم وأنسه به وشوقه وانتظاره له. وندعو أن تكون القلوب والعيون وإمكانيات العالم مستعدةً لتلك الثورة الإلهية العظيمة. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
2008/08/17

كلمة الإمام الخامنئي بمناسبة المبعث النبوي

بسم الله الرحمن الرحيمأبارك هذا العيد الكبير العام لكافة طلاب الحق والحرية في العالم وللأمة الإسلامية الكبرى وللشعب الإيراني العزيز المؤمن ولكم أيها الحضور المحترمون والإخوة والأخوات الأعزاء.ليس استذكار البعثة بمعنى استذكار حادثة تاريخية - هذا ما ينبغي أن نتذكره دائماً حيال هذا الحدث الكبير وهذه الخاطرة البشرية والإنسانية - إنما التشديد على هذه الذكرى العظيمة هو في الحقيقة تكرار ومراجعة لدرس لا ينسى بالنسبة للأمة الإسلامية بالدرجة الأولى، سواء كل واحد من أبناء الأمة الإسلامية أو شخصياتها البارزة ونخبها - الساسة، والعلماء، والمستنيرون - وبالنسبة لكل البشرية بالدرجة الثانية. إنها مراجعة درس واستذكار حادثة زاخرة بالعبر.أبعاد هذا الحدث متنوعة جداً، ولو أراد شخص التعبير ببيان بليغ - وإن على نحو الإجمال- عن جوانب مسألة البعثة، لوجب تحرير كتب بأكملها والتحدث ساعات طوال عنها. ولكن بمجرد أن يلقي الإنسان نظرة أولية على هذا الحدث يتعلم منه دروساً عديدة. لاحظوا أن الرسول الأكرم بهذه الرسالة المستوعبة لكل حاجات البشرية للكمال، ظهر وبدأ دعوته في مجتمع لم يكن فيه أي من تلك الكمالات المنشودة.الرسول كان رسول العلم في ذلك المجتمع الخالي من العلم، وكان رسول العدل في ذلك المجتمع الذي لا تشم فيه للعدالة رائحة، ويهيمن فيه الأقوياء والجبابرة والزعماء المتعجرفون على أرواح الناس وأموالهم. كان رسول الأخلاق والتسامح والصفح والإنصاف والمحبة في مجتمع عانى شحة وقحطاً حقيقياً في هذه الأحوال. كان مجتمعاً عنيفاً، متجبراً، خاضعاً لمنطق القوة، بعيداً عن الأخلاق والمعنوية والعلم، منشداً للأهواء النفسية والعصبيات الجاهلية وأنواع التكبر الفارغ غير المبرر. في مثل هذا المناخ المتحجر الصعب، وفي مثل هذا الوضع الصخري الخالي من أية مياه أو زروع نمت هذه الغرسة طوال ثلاث عشرة سنة في تلك الظروف العصيبة وانتهت تلك الأعوام الثلاثة عشر إلى تأسيس حكومة وتشكيل مجتمع يقوم على أساس العلم والعدل والتوحيد والمعنوية والأخلاق والكرامة. أبدل الذلة عزةً، وحوّل الوحشية إلى أخوة، والعصيبة إلى تسامح وتعقل، والجهل إلى علم، وأوجد قاعدة متينة ولبنة محكمة استطاع المسلمون على أساسها ولقرون طويلة الرقي إلى قمة التحضّر في العالم والارتقاء إلى مراتب ومستويات غير مسبوقة في تاريخ الإنسانية.ولم يستمر أمد هذه الحكومة لأكثر من عشرة أعوام. لاحظوا كم هو ثلاثة عشر عاماً مضافاً إلى عشر سنوات في عمر الأمم. إنها بمثابة ثانية واحدة أو ساعة عابرة. في مثل تلك الفترة القصيرة ظهرت حركة هائلة يمكن القول إنها شطرت التاريخ إلى شطرين: شطر ما قبل الإسلام وشطر ما بعد الإسلام. وأخذت بيد الإنسانية إلى الأمام ورسخت دعائم الأخلاق، وتركت للبشرية دروساً لا تنسى؛ انظروا لعظمة البعثة من هذه الزاوية.ما ضمن هذه النجاحات هو طبعاً عناصر متظافرة كثيرة، لكن على رأسها هو ذلك العنصر المحكم الراسخ الطافح بالمعنوية والنقاء ومعرفة الخالق والاتكال عليه، أي وجود الرسول نفسه. كان الرسول الأكرم أعلم أهل مكة وأعقلهم. كان قبل أن يبعث نبياً أكرم الناس في تلك المنطقة وأشرفهم وأحسنهم أخلاقاً.وشمل اللطف الإلهي هذا الإنسان المميّز بين أولئك الناس وألقيت تلك الأعباء على عاتقه، فقد اختبره الله، وكان الله يعرف عبده ويعلم على عاتق من يضع هذا العبء، ووقف الرسول وصمد. هذا الوقوف وهذه الاستقامة مع المعرفة العميقة بالهدف الذي يتحرك نحوه والطريق الذي يسلكه أضحى رصيداً لكل الخطوات التقدمية التي قطعها الرسول ولازدهار هذه الحركة العظيمة. نعم، الحق منتصر ولكن بشروط. شرط انتصار الحق هو الدفاع عن طريق الحق.في الطور الأول من البعثة، وبعد مضي ثلاث سنوات أو أكثر - حيث كانت الدعوة خفية سرية - استطاع الرسول أن يكسب للإسلام ثلاثين أو أربعين شخصاً. وبعد ذلك جاء الأمر الإلهي: فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين. إنا كفيناك المستهزئين. أعلن دعوتك وانزل إلى الساحة وارفع الراية واجعل عملك علناً. نزل الرسول إلى الساحة وحدث ما تعرفونه حيث فزع أكابر قريش وصناديدها وأثرياء ذلك المجتمع وأقوياؤه. الشيء الأول الذي فعلوه هو تطميع الرسول الأكرم. جاءوا لسيدنا أبي طالب وقالوا له إذا كان ابن أخيك يريد الزعامة جعلناه زعيماً مطلقاً، وإذا أراد الثروة أعطيناه منها ما يجعله أثرانا، وإذا أراد أن يكون ملكاً اخترناه ملكاً علينا، ولكن قل له يقلع عن كلامه هذا. وكان أبوطالب يخاف على حياة الرسول ومؤامراتهم ضده، فجاء إلى الرسول وروى له رسالة أكابر مكة، وربما نصحه وأوصاه بأن يتنازل بعض الشيء؛ لماذا الصمود والإصرار إلى هذه الدرجة؛ هذا غير ضروري. فقال الرسول: يا عم، والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي لأعرض عن هذا الأمر لا أفعله حتى أظهره الله أو يذهب بما فيه.وجاء في الرواية أيضاً: ثم أغرورقت عيناه من الدمع.. فاضت العيون المباركة للرسول بالدمع ونهض من مجلسه. وحين شاهد أبو طالب هذا الإيمان والثبات تغيّرت حاله بشدة وقال: يا بن أخي اذهب وقل ما أحببت.. سر وراء هدفك وغايتك. والله لا أسلمنّك بشيء. هذا الصمود يصنع صموداً. وهذه الاستقامة من الرسول كرّست جذور الاستقامة لدى أبي طالب. وهذا الالتزام بالهدف وعدم تهيّب العدو، وعدم الطمع في أيدي الأعداء، وعلى الانشداد للامتيازات التي يريد أن يمنحها الأعداء مقابل إيقاف هذه الحركة تخلق صموداً وسكينة وثقة بالطريق والهدف والإله الذي يختص به هذا الهدف. لذلك استطاع المسلمون وهم يومئذ ليسوا أكثر من ثلاثين أو أربعين شخصاً أن يثبتوا مقابل كل تلك المشكلات والصعاب ويزداد عددهم يوماً بعد يوم. كانوا يشاهدون في مكة ما يصنع المشركون بعمار وبلال وكيف يعاملون سمية وياسر ويعذبونهم ويقتلونهم. كانوا يرون كل هذا ومع ذلك يؤمنون. هكذا هو تقدم الحق. الحق لا يتقدم بمجرد الدعة والأمن والأمان ورفع رايته والمناداة به في الظروف الطيبة. يتقدم الحق حينما يبدي صاحب الحق وتابعه عن نفسه صموداً وثباتاً في طريق تقدم الحق.تقول الآية القرآنية: محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم. ليس معنى أشداء على الكفار أن يكونوا في حالة حرب دائمة مع الكفار. الشدة هنا بمعنى المتانة والصمود وعدم الانهيار. ثمة معدن يصدأ ويتآكل وينخر ويتلف. وثمة معدن لا يتآكل ولا يصدأ ولا يتهرأ ولا ينخر رغم تقادم القرون عليه. هذا هو معنى أشداء. الشدة معناها القوة والمتانة. القوة قد تكون تارة في ساحة الحرب فتبرز بشكل معين. وقد تكون في ساحة الحوار مع العدو فتبرز بشكل آخر. لاحظوا كيف كان الرسول يتحدث مع عدوه في الحروب حينما كان يجب عليه أن يتحدث. موقف النبي عندها كان زاخراً بالصلابة والثبات وعدم التضعضع على الإطلاق. في حرب الأحزاب دخل النبي في حوار مع الجانب الآخر، ولكن أي حوار؟! اقرأوا التاريخ. إذا كانت ثمة حرب فهي بشدة وإذا كان ثمة حوار فهو بشدة. وإذا كان ثمة تعامل كان بشدة وصلابة. هذا هو معنى أشداء على الكفار. رحماء بينهم أي إذا كانوا فيما بينهم كانوا مرنين أودّاء بعيداً عن تلك الشدة والصلابة. هنا ينبغي التعاطف وبذل القلوب وكسبها. هنا ينبغي التعامل مع البعض بالتعاطف والرحمة.الصمود في بداية البعثة كان من شأنه الاستقامة العجيبة ثلاث سنوات في شعب أبي طالب. ليس هذا مزاحاً. ثلاث سنوات في وادٍ بجوار مكة بلا ماء ولا نبات وتحت الشمس المحرقة. الرسول وأبو طالب والسيدة خديجة، وكل المسلمين وعوائلهم عاشوا في هذا الشعب بين الجبلين. وقد أغلق الطريق كي لا يصلهم طعام. أحياناً كان بوسعهم أن يدخلوا المدينة في أيام الموسم - والتي كانت أياماً حرة لا حرب فيها- لكن بمجرد أن يريدوا شراء شيء من حانوت كان أبوجهل وأبو لهب وسائر زعماء مكة يوصون خدمهم وأبناءهم بأن يدفعوا ضعف الثمن للشيء الذي يريد المسلمون شراءه كي لا يسمحوا لهم بشرائه. أمضوا مثل هذا الواقع الصعب لمدة ثلاث سنوات. ليس هذا بالهزل.إنها الاستقامة الأولى وذلك العمود الصلب للخيمة، والقلب المتوكل على الله الذي أوجد مثل تلك الصلابة في الأجواء وأهّل الجميع للصبر والصمود؟ كان الأطفال يبكون من الليل إلى الصباح وكانت أصوات بكائهم تصل أسماع كفار قريش من شعب أبي طالب وترق قلوب الضعفاء منهم لكنهم لا يجرأون على مساعدتهم خوفاً من الأقوياء. لكن المسلمين الذين شاهدوا أبناءهم يتلوّون أمامهم - وكم ماتوا في الشعب، وكم مرضوا، وكم عانوا الجوع - لم يتزلزلوا أبداً. يقول الإمام علي لابنه العزيز محمد بن الحنفية: تزول الجبال ولا تزل. إنها نصيحة الرسول ووصيته، وهذا هو سبيل نهضة الأمة الإسلامية وبعثتها. إنه درس الرسول لنا. هذا ما تُعلمناه البعثة.مجرد أن نجلس ونقول إن آية نزلت وجاء جبرئيل وبعث النبي بالرسالة ونفرح بأن آمن فلان ولم يؤمن فلان، فهذا لا يعالج مشكلة. المسألة هي أن نستلهم الدروس من هذه الحادثة التي وهي أم كل الأحداث في فترة حياة الرسول المباركة. كل هذه الأعوام الثلاثة والعشرين دروس.ذات مرة قلت لبعض الأصدقاء إن علينا دراسة حياة الرسول بالملّي مترات. كل لحظة في حياته حدث ودرس وتجل إنساني عظيم. وهكذا هو الحال بالنسبة لكل هذه السنوات الثلاثة والعشرين. ليقرأ شبابنا تاريخ حياة الرسول من المصادر الموثوقة ويروا ما الذي حدث.حين ترون أن أمة بهذه العظمة قد ظهرت إلى الوجود - واليوم أيضاً تكمن أفضل الأقوال وأفضل الحلول، وأفضل الدروس، وأفضل المعالجات للبشرية في منظومة الأمة الإسلامية - فقد ظهرت ونمت وتجذرت بهذا الشكل. وإلّا لن نتقدم إلى الأمام لمجرد أن الحق معنا. الحق وبجانبه الصمود. يقول الإمام علي - وقد رويت عنه قوله هذا مراراً - في حرب صفين: لا يحمل هذا العلم إلّا أهل البصر والصبر. لا يستطيع حمل هذه الراية إلّا من تكون لديهم بصيرة أولاً ، فيفهمون ما القضية وما الهدف. ثانياً: من يتحلّون بالصبر، والصبر هو الاستقامة والصمود والثبات. هذا هو الدرس الذي ينبغي أن نتعلّمه من البعثة.كان إمامنا العزيز رشحة من ذلك الينبوع الفياض حيث استطاع إطلاق هذا المشروع العظيم في العالم. هو أيضاً كان قلبه مفعماً بالإيمان بهذا السبيل. وكما قال القرآن الكريم: آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كلّ آمن بالله ورسله وملائكته. الرسول نفسه كان أول المؤمنين.وفي ثورتنا كان الإمام الجليل هو المؤمن قبل غيره بهذا السبيل والمفعم قلبه بالإيمان بهذا الطريق وهذا الهدف؛ كان يفهمه ويعلم ماذا يفعل. كان يفهم عظمة هذا العمل ومستلزماته، وأول مستلزماته هو أن يقف بصلابة في هذا الطريق بالتوكل على الله. فوقف بقوة. واكتسب شباب هذا الشعب الصمود من صموده. وحينما فاضت ينابيع الصبر والسكينة هذه استغرقت جميع أبناء الشعب، فصدق عليهم قول الله تعالى: هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم. حينما تنزل هذه السكينة في قلوب الناس يتضاعف إيمانهم. ثم يقول: ولله جنود السماوات والأرض. من ماذا تخافون؟ جنود الأرض والسماء لله. كن مع الله تكون لك وطوعك جنود الأرض والسماء. هذه هي السنن الإلهية.لاحظوا أن الله تعالى خلق شيئين في آن واحد: أحدهما هذا العالم بكل قوانينه وسننه. والآخر قواعد الشريعة ودين الناس ودليلهم. خلق هذين الشيئين معاً وهما متطابقان على بعضهما. إذا عملتم طبقاً للقوانين الإلهية - أي طبق إرادته التشريعية - تطابق عملكم وحياتكم وسلوككم مع قوانين الخلقة، كالسفينة التي تسير باتجاه الرياح فتساعدها الرياح، أو تجري مع تيار الماء فيساعدها هذا التيار. سنن الخلقة تعين الإنسان السائر في هذا الطريق، ولكن شريطة أن يتحركوا. وقد تحرك الشعب الإيراني وأعانته سنن الخلقة وقوانين الله الطبيعية. وإلّا من كان يتصور أن ترفع فجأة راية الإسلام في قلب المنطقة الأكثر حساسية في العالم - أي الشرق الأوسط - وفي بلد تحكمه إحدى أكثر الحكومات تبعية للاستكبار العالمي - أي حكومة الشاه البهلوي- وفي مجتمع تلوّثت أذهان الكثير من مثقفيه ونخبه طوال عشرات الأعوام بالتعاليم الغربية والوساوس الغربية والأهواء النفسية وأن يدعو هذا المجتمع الأمة الإسلامية إلى الإسلام؟ من كان يتصور أن مثل هذا الشيء ممكن؟ لكنه تحقق.معنى ذلك أن الجماعة أو الشعب إذا تحرك في هذا الطريق فسوف تعينه الرياح الإلهية الموافقة أي سنن الخلقة وتأخذ بيده إلى الأمام.ليست القضية قضية إيران فقط. لقد استيقظ العالم الإسلامي اليوم وتحلّى بالوعي. ذات يوم كان التصور السائد أن كل ما يريده جبابرة العالم وشقاته - أمريكا أحياناً والاتحاد السوفيتي السابق أحياناً- سوف يحصل، ولا حيلة أمام رجال السياسة سوى التصرف طبقاً لميولهم. واليوم غاب هذا التصور بين الشعوب نهائياً وهُمّش بين الساسة والنخب السياسية إلى حد كبير. ينبغي الصمود والثبات.أقول لشعب إيران وأتباع البعثة المحمدية أن السبيل هو الصمود. وقد اختار نظام الجمهورية الإسلامية تبعاً لإمامه الجليل هذا الصمود وانتفعنا منه ولم نخسر شيئاً. اجتمعت كل أبواق الاستكبار لتثني الشعب والحكومة الإيرانيين ونظام الجمهورية الإسلامية بمختلف صنوف البراهين والتحليلات عن دعم الفلسطينيين فلم يوافق الشعب الإيراني ولن نوافق فيما بعد أيضاً. نحن ندافع عن الشعب الفلسطيني.الشعب الفلسطيني محق؛ الحق معه؛ إنه شعب مظلوم. العار لدعاة الحرية وحقوق الإنسان إذ يغضعون أنظارهم عن كل هذا الظلم الذي يتعرض له هذا الشعب، ويواصلون مناصرتهم لحقوق الإنسان دون أي خجل. أنا استغرب؛ في أي مكان من العالم يستطيع الإنسان المنصف حتى لو كان الفلسطينيون أقلية أجنبية في بلدهم - لا نقول إنهم أصحاب البلد، بل نفترض أن الفلسطينيين أقلية على أرضهم، أو مهاجرين جاءوا إلى فلسطين - أن يصبر على كل هذا الجور الذي يتعرضون له؟ يهدمون بيوتهم، يقتلون شبابهم، يسجنون رجالهم، يهددونهم دوماً، يقصفون بيوتهم، يمنعون رزقهم، يحاصروهم اقتصادياً، يخربون مزارعهم، يفسدون حياتهم كلها. ومع ذلك يقف السيد بوش ولا يخجل أبداً ويقول إننا ملتزمون بالحرية! هل هذه حرية! هل هذه حرية؟! العار لكم! هل هذه مناصرة للحرية؟!يعرضون شعباً لكل هذه الضغوط وفي بيته؟ وأقوياء العالم يدعمون دائماً الطرف الظالم المعتدي القاتل الإرهابي ويغضون الطرف عن كل الظلم الذي يتعرض له هذا الشعب، ومع ذلك يظهرون ويقولون إننا أنصار الحرية وأنصار كذا وكذا؟الشعب الإيراني يقظ ويفهم الحقيقة. طبيعة الاستكبار هي أنكم إذا تراجعتم خطوة تقدم هو خطوة. لا يظن أحد أن التراجع أمام الاستكبار والعدول عن المواقف الصحيحة والحق والدعوات الصحيحة ستجعل الاستكبار يخجل ويتعامل بنجابة ويقول: طيب، طالما تراجعوا هم خطوة إلى الوراء سنراجع نحن أيضاً خطوة إلى الوراء. هذا شيء غير موجود.إذا تراجعتم خطوة واحدة إلى الوراء تقدم هو خطوة إلى الأمام. وإذا أخليتم خندقاً سيتقدم ويستولي على ذلك الخندق. على الأمة الإسلامية النظر لقضاياها بهذه الطريقة. وعلى رجال السياسة في العالم الإسلامي النظر للأحداث المحيطة بهم من هذه الزاوية. الشعب الإيراني واقف صامد وقد قال كلامه الحق. كلامنا هو كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة. نقول: نريد أن نكون عبيداً لله فقط وليس لأمريكا أو القوى المتغطرسة المستكبرة الشقية أو فراعنة العصر. لا نريد أن نكون عبيداً لأبي لهب الزمان وأبي جهل العصر. من هو أبو جهل العصر؟ لقد مات أبوجهل وولّى؛ واليوم أيضاً يوجد أبوجهل. اليوم أيضاً يوجد في العالم أبوجهل ؛ ويوجد أبولهب. مأجّجوا النيران والشقاة الحمقى.. هؤلاء موجودون اليوم في العالم... أبوجهل عصرهم هم من يصنعون القنابل الذرية ويهددون العالم كله، ثم يشددون الخناق دون سبب على أحد الشعوب ويقولون: لماذا تريدون الحصول على الطاقة النووية، ونحن نعلم أنها لإنتاح الكهرباء والاستخدام السلمي لكننا لا نسمح لكم لأنها تمنحكم هذه القدرة. هذا هو كلام السادة. مقابل هؤلاء المتعجرفين الشقاة الجهلة الذين لا يفهمون منطقاً ولا كلاماً، وهم أشبه بالشقاة والأوباش البلهاء الذين ينظرون دوماً لسواعدهم وعضلاتهم ويقيسون قواهم ويعربدون، إذا تراجعتم أمامهم خسرتم. هذا شيء جرّبه الشعب الإيراني. نحن نواجه هذه القضايا منذ ثلاثين عاماً تقريباً، لكننا تقدمنا حقاً على الأرض.الشعب الإيراني اليوم لا يقارَن بالشعب الإيراني قبل عشرين أو خمس وعشرين سنة من حيث العلم، والتقنية، والتجربة، والمهارات المختلفة، والتنمية العظيمة الشاملة الوطنية والاجتماعية، والاقتصادية، ومن حيث نفوذه واقتداره في المنطقة. هذا نتيجة تلك الاستقامة. وهذا هو درس البعثة. على كل واحد منا أن يعلم هذا ويفهمه. يجب أن نتعرف على تاريخ الرسول ونعلم أن ذلك اليوم كان يوم بعثة الرسول الكريم، واليوم هو يوم بعثة الأمة الإسلامية.على الأمة الإسلامية اليوم أن تشعر بالبعثة وتعتبر نفسها مبعوثة وتتحرك بوعي وبصيرة، وتضيف إلى علومها وقدراتها وانسجامها الوطني والإسلامي الدولي، فتوحيد كلمة الأمة الإسلامية مهم جداً. هذه هي رسالة الشعب الإيراني والثورة الإسلامية ورسالة الجمهورية الإسلامية. والأفق مشرق أمامنا. نعلم بتوفيق من الله ما الذي نفعله ونعلم إلى أين سنصل ونعلم أن التحرك وليس المراوحة أو التراجع هو الوسيلة لبلوغ الهدف.نتمنى أن يمن الله تعالى على هذا الشعب العزيز ببركات بعثة الرسول، ويزيد من عزة الأمة الإسلامية يوماً بعد يوم؛ ويرضي عنّا القلب المقدس للإمام المهدي (أرواحنا فداه) وأرواح الشهداء الطاهرة والروح المطهرة لإمامنا العزيز. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
2008/07/29

كلمة الإمام الخامنئي بمناسبة ذكرى ولادة الإمام علي (ع)

يواجه شعبنا اليوم تحدّيات عالمية لأجل الإسلام. علّمنا الإسلام أنكم إذا أردتم السير في الصراط المستقيم وبلوغ السعادة الدنيوية والأخروية فعليكم أن تكونوا مستقلين ولا تخضعوا للقوى الظالمة المستكبرة الجائرة. هذه هي نقطة الخلاف بين الشعب الإيراني وأعدائه. هنا مكمن الخلاف. يريد شعب إيران عدم الخضوع لقوى الاستكبار وأن لا يضحي بمصالحه من أجل مصالح الاستكبار. ما يرومه الاستكبار العالمي - وعلى رأسه اليوم أمريكا - هو النقيض من ذلك تماماً. هدفهم مصادرة مصالح الشعوب وفرص حياتهم وإمكاناتهم وخيراتهم لصالحهم. كل ادعاءاتهم وشعاراتهم الإنسانية في ظاهرها كذب محض وهذا هو هدفهم الحقيقي. لذا لو أراد شعب الحياة مستقلاً حقاً، وليس خدعة الاستقلال كبعض البلدان المستقلة في ظاهرها لكن استقلالها مجرد خدعة وواقعها أنها في قبضة القوى الكبرى، فلا يمكن أن يسير والقوى الكبرى في طريق واحد.
2008/07/16

كلمة الإمام الخامنئي بمناسبة أسبوع السلطة القضائية

بسم الله الرحمن الرحيمأرحب بالإخوة والأخوات الأعزاء، مسؤولي السلطة القضائية المحترمين، والعوائل العزيزة الصبورة لشهداء السابع من تير(1) الأبرار.إنها لنقطة ذات مغزى أن يعيّن يوم السلطة القضائية أو أسبوعها في ذكرى شهادة كبرى؛ شهادة شخصيات بارزة في النظام الإسلامي منهم الشخصية المميزة للشهيد العزيز المرحوم آية الله بهشتي وآخرون من مسؤولي السلطة القضائية والسلطات الأخرى. فكرة جيدة أن يتوافق الموعد السنوي لتقرير السلطة القضائية مع الذكرى السنوية لهذه الشهادة الكبرى. هذه الشهادات رصيد حركة الشعب. أضحت واقعة السابع من تير واستشهاد الشهيد المظلوم المرحوم الدكتور بهشتي وسائر أصحابه محطة في حركة الثورة العظيمة نحو أهدافها بعد أن أرادوا حرف هذه الحركة باتجاهات أخرى. هذه الشهادات رصيد الحركة. لذلك علينا في تحركنا ومسؤولياتنا أن نستذكر دائماً هذه التضحيات الكبرى، وأن نعلم أننا إذا تمتعنا اليوم بفرصة وإمكانية خدمة نظام الجمهورية الإسلامية وشعب إيران في قطاع القضاء، أو السلطة التنفيذية، أو قطاع التشريع، أو سائر أجهزة البلاد، فما ذلك إلا بفضل تلك الشهادات. إنه شيء توفر في ظل تلك التضحيات. يجب أن نعلم أن ما بأيدينا اليوم لم يتحقق بسهولة؛ أزهقت أرواح عزيزة، وضحّى أناس عظام، وأريقت دماء طاهرة استطاع النظام بفضلها مضاعفة اقتداره يوماً بعد يوم. لنعرف قدر هذه المسؤوليات والقدرة على العمل والفرص المتاحة لنا ولنعمل. لذلك أرى اقتران هاتين المناسبتين اقتراناً متلائماً، وأحيّي من الصميم الأرواح الطاهرة لشهداء السابع من تير (رضوان الله تعالى عليهم) وكافة شهداء الإسلام والثورة وفترة الدفاع المقدس الأعزاء، وأسأل الله أن يوفقنا للسير في دربهم والعمل والنهوض باتجاههم. هذا ما ينبغي أن يحضر في أذهاننا دوماً.ذكرنا لحد الآن أموراً عديدة حول السلطة القضائية، وأدلى المسؤولون المحترمون في السلطة القضائية وأصحاب الاختصاص بآرائهم، سواء حول أهمية هذه السلطة الشريفة والمؤثرة، أو بشأن العقبات التي تواجه المسير الصحيح في هذا الطريق، أو عن سبل العلاج التي يمكن التفكير فيها واقتراحها للنهوض بهذه المهمات الكبرى، واستخدامها لمعالجة المشكلات. المهم أن نرى لماذا نريد الجهاز القضائي في النظام الإسلامي وما هو المتوقع منه؟ ونقارن هذا دوماً بالموقع الذي نقف فيه. نقارن تقدّمنا، وإبداعاتنا، وخطواتنا الجيدة المؤثرة التي تتقدم بنا خطوة إلى الأمام مع حاجتنا وتوقّعنا من هذه السلطة. ينبغي أن نلاحظ هذا دوماً. أي لا نقنع. ولحسن الحظ اتخذت في السلطة القضائية خطوات جيدة خلال هذه الأعوام؛ أعمال كبرى؛ مشاريع مهمة؛ بعض هذه الخطوات تعد تأسيسية تماماً ومؤثرة ومبشرة بتقدم مستقبلي جيد إن شاء الله. بالأمس تلطّف رئيس السلطة القضائية المحترم وزوّدنا بكراس تضمن العناوين العامة للمشاريع التي بدأتها السلطة القضائية في السنوات الأخيرة بعد إعلان السياسات العامة لهذه السلطة والخطة الثانية لتنميتها. المشاريع مشاريع قيمة وعظيمة.من النقاط المهمة أننا يجب أن نواصل هذه المشاريع حتى النهاية. من العيوب الموجودة بدرجات مختلفة في طبيعة غالبية الناس هو أن يبدأوا عملاً أو حركةً ما بعطش، وحينما يُروى عطشهم بعض الشيء يقعدون عن مواصلة العمل. هذا يجب أن لا يحصل. مثلاً تجمع الملفات القديمة، والتكثيف الكومبيوتري لمعلومات الجهاز القضائي، أو الأمور المطروحة اليوم: المراجعات، الفصل في الخلافات؛ القوانين المرجعية للأحكام؛ الأحكام نفسها؛ يدوّنونها، ويجعلونها كومبيوترية، وفي متناول اليد. البدء بهذه البرامج أمر مبارك لكن تأثيره لن يظهر إلا إذا إنجز إلى »تاء تمت«. إذا تقدم بنسبة خمسين بالمائة أو ستين بالمائة ولم يبلغ نهايته فسيكون كعمل لم ينجز. ينبغي المضي فيه إلى نهايته. أو لنفترض: الخطوات المتخذة لشتى قضايا السلطة: قضية تقصير أمد التحقيق والتفتيش ومتابعة الملفات وإتقان الأحكام، أو قضية السجون وما إلى ذلك وهي من القضايا المهمة في السلطة القضائية وقد اتخذت لها تدابير جيدة، بدأ الكثير منها ولكن يجب المضي فيه إلى نهايته. المهم هو استمرار العمل وتواصله. هذه نقطة على مختلف أجهزة السلطة القضائية، الأجهزة المترتبة طولياً أو الأجهزة الناشطة على عرض بعضها، أن تلتفت إليها ولا تترك المهام نصف منتهية، بل ينبغي متابعتها حتى تبلغ نتائجها الأصلية.نقطة أخرى إلى جانب هذا هي أننا - أي منظومة السلطة القضائية - نفعل كل هذا من أجل أن تكتسب السلطة القضائية مكانتها اللائقة المناسبة في المجتمع الإسلامي، وفي أعمال الناس، وفي واقع الحياة، وفي أذهان الشعب. وقد أشرت إلى هذا في السنوات الماضية أو ربما تحدثت عنه بالتفصيل في بعض السنين. يجب أن يشعر الناس إلى جانب السلطة القضائية بالأمان. ذكرت ذات مرة أن الغاية المنشودة بالنسبة للسلطة القضائية على الصعيد العملي هي أن تصل إلى حيث يشعر كل فرد في البلد والمجتمع الإسلامي أنه لو أراد أحد ظلمه أو إذا ظلمه أحد فعلاً واعتدى عليه فإنه سيبقى مطمئن البال بمراجعته للسلطة القضائية ومعالجة مشكلته هناك. هذا شيء يجب أن يشعر به جميع الناس. يجب أن يشعر الجميع أنهم سينالون حقوقهم بمراجعتهم السلطة القضائية. ينبغي لهذه الحالة أن تسود المجتمع الإسلامي.لو تمت المتابعة الدقيقة والحاسمة والعادلة لثمانين بالمائة من القضايا التي ترفع للسلطة القضائية - وليس مائة بالمائة ضرورةً - فسوف يتكون لدى الناس إلى حد ما شعور بأن السلطة القضائية ملاذهم. ينبغي أن يتكون هذا الإحساس لدى الشعب فيدرك أن السلطة القضائية تتكفل إفشاء العدالة؛ هذا ما ينبغي أن يحصل. كل تلك المقدمات من أجل إيجاد هذه الحالة في المجتمع. لو فكرنا في تدابير معينة، وبذلنا جهوداً معينة، لكننا وجدنا أن تصور الملجأ والملاذ لم يتكون في ذهنية المجتمع العامة، فينبغي أن نعلم أن ثمة خللاً في موضع ما من عملنا، ويجب البحث لتشخيص هذا الخلل ومعالجته. هذا ما ينبغي أن يعد معياراً وملاكاً للعمل يسعى الجميع لبلوغه. وهذا يحتاج طبعاً لعناصر مؤمنة كفوءة ومتخصصة، ولدينا في السلطة القضائية الكثير من هذه العناصر والحمد لله؛ الأفراد المخلصون، المؤمنون، العلماء، المحبون للعمل، والعارفون بالواجب ليسوا بقلائل والحمد لله في مختلف مفاصل السلطة القضائية.لحسن الحظ، تدار السلطة القضائية اليوم من قبل حضرة السيد شاهرودي العالم، المجتهد، الفاضل، المتمكن من المباني والمباحث؛ وهذه فرصة جيدة جداً. وجود مثل هؤلاء الأفراد والشخصيات البارزة في السلطة القضائية يعد فرصاً جيدة.إذا كان لدينا نقص في القوانين، فيجب تأمين القوانين. إذا كانت هناك أجهزة لم يُستفد من إمكاناتها، فينبغي الاستفادة من هذه الإمكانات. في العام الماضي تم بمساعدته والتداول معه تشكيل هيئة لرفع مستوى السلطة القضائية، وأصدر حكماً وتوجّه عدد من الإخوة الأعزاء لدراسة واقع السلطة القضائية كي يجدوا سبل رقيها وعقبات هذا الرقي. و أعدوا تقريراً جيداً جداً سلّموه له وأعطونا نسخةً منه، وقد تضمن التقرير اقتراحات جيدة جداً. وشدّدتُ على جملة نقاط تعقيباً على تلك الاقتراحات منها أن نقيّم تقدمنا في تحقيق السياسات العامة. هذا ما ينبغي أن ينجز في السلطة القضائية. لقد صادقنا على سياسات عامة جيدة ومناسبة للسلطة القضائية كانت معظمها اقتراحات تقدمت بها السلطة القضائية نفسها، وأرسلت لمجمع تشخيص المصلحة للاستشارة، ثم تم إعلانها وتنفيذها؛ إنها سياسات حسنة جداً. يجب أن نترصد دائماً لنرى كم تحققت هذه السياسات. هذا هو معيار الحركة ومؤشرها. ينبغي أن ننظر ما هو المقدار الذي تحقق من هذه السياسات العامة التي تعد أهدافاً مقطعية للسلطة القضائية؟ وأين نقف الآن؟ هذا التقييم الصحيح للحركة يساعدنا كثيراً. أحياناً يخال الإنسان أنه قطع ستين كيلومتراً أو سبعين كيلومتراً من طريقه البالغ مائة كيلومتر، ويوجد لديه الوقت الكافي، فيقول لنفسه إذن لأقعد واستريح. إذا كان عدّاد الكيلومترات يعمل بصورة سليمة سيرى الإنسان أنه لم يتحرك بمقدار ستين كيلومتراً بل بمقدار عشرين أو خمسة عشر كيلومتراً مثلاً. وحين نعلم أننا لم نتقدم أكثر من هذا سوف نضاعف السرعة طبعاً ونجتنب الوقوف وسط الطريق. لذلك من المهم جداً معرفة أين نحن في جادة الوصول إلى أهداف تلك السياسات. طلبنا هذا من السلطة القضائية كإحدى الأولويات؛ خصوصاً ظاهرة إطالة المتابعة القضائية، وعلى الأخص في الملفات المهمة ومنها ملفات الفساد الاقتصادي.أنا لا أؤمن بالضجيج والصخب فيما يتعلق بملفات الفساد الاقتصادي، لكنني أؤمن بالسرعة والحسم فيها. السرعة تختلف عن العجلة. السرعة في العمل غير التسرع والعجلة. الملفات التي يهتم بها الناس - وسوف أشير إلى أهمية هذه القضية - خصوصاً، وعموم الملفات، ينبغي أن تلاحظ فيها قضية إطالة المتابعة القضائية. طبعاً، ورد في التقارير التي وصلتنا لحسن الحظ أن زمان العمل في الملفات قد تقلص بعض الشيء؛ ولكن ينبغي مقارنة هذا بما »يجب« أن يكون، لا بما كان في السابق، حتى نرى أين نحن وكم علينا أن نعمل أيضاً لنستطيع بلوغ النقطة المنشودة. نقطة أخرى ضمن الأولويات هي أنني أوصيت - أي سجّلت وأبلغت - بقضية إتقان الأحكام والنقض المتكرر، وهي قضية طرحتها السنة الماضية في هذا الاجتماع تحديداً. ينبغي الهبوط بنقض أحكام المحاكم الأولية - سواء في محاكم الاستئناف أو الديوان العالي - إلى أدنى مستوى ممكن. أي يجب أن تكون الأحكام متقنة ودقيقة بحيث قلما يمكن نقضها. إذا وجدنا أن نسبة كبيرة منها ينقض فينبغي أن نعلم أن هناك مشكلة في هذا الجانب. هذا أيضاً من جملة الأولويات.النقطة الأخرى قضية معالجة مشكلات السجون والتي ينبغي النظر إليها بمنتهى الجد. سياسة إلغاء السجون - وهي من سياسات رئيس السلطة المحترم ومن المشاريع التي اتخذ فيها القرار وتم العمل - مشروع جيد جداً بالطبع؛ لكن وجود السجون حقيقة واقعة على كل حال. يجب أن تكون إدارتنا للسجون بحيث تكون السجون مراكز لتعليم الفضائل بالمعنى الحقيقي للكلمة. ينبغي النظر لهذه الأمور باعتبارها من الأعمال الكبرى والقضايا المهمة. هذه أمور ترتبط بالسلطة القضائية نفسها. وعلى المدراء المعنيين بذل أقصى الجهود في هذا السبيل. طبعاً، بخصوص تقليل عدد المسجونين عن طريق العفو والإجازات - ولهذا الأمر نقاشاته المطوّلة - تداولنا ونتداول مع المسؤولين المحترمين في السلطة ورئيسها المحترم. على كل حال ينبغي صياغة حل حقيقي لهذه القضايا. هذه من الأولويات ذات الصلة برفع مستوى السلطة القضائية عنّت للبال وذكرناها.ومن القضايا الأخرى قضية الإمكانيات غير المُفعّلة، ومنها وزارة العدل ذاتها. لحسن الحظ رسمت لوزارة العدل في القانون إمكانيات جيدة ينبغي الاستفادة منها.المهم هو أن نستفيد من كل الإمكانية الهائلة لهذه السلطة. وكما أشاروا فإن منظومة الجهاز القضائي عندنا سواء من حيث القوانين أو البنية العامة، هي لحسن الحظ منظومة سليمة ومنطقية ومتطورة وعصرية ومتينة. كالرئة السليمة التي يملؤها الإنسان بالهواء النقي فيؤمّن سلامة جسمه. علينا الاستفادة من كل هذه الإمكانية. هذه أيضاً من الأولويات.الشيء الذي أرى على وجه الخصوص التأكيد عليه اليوم إلى جانب ما ذكرته من نقاط هو مسألة ملاحظة المفاسد الاقتصادية. ينبغي عدم النظر للمفاسد الاقتصادية في البلاد كمجرد مخالفة قانونية. إذا لم تجر ملاحقة هذه الظاهرة وتحري جذورها ولم تتعاضد سلطات البلاد المختلفة لتجفيف منابعها، فإن خطرها وإضرارها بالبلد سيكون عظيماً وشاملاً جداً. المفاسد الاقتصادية تستصحب معها المفاسد الثقافية والأخلاقية. وجود المفاسد الاقتصادية وشياعها من أكبر أخطارها أنها تضعضع العناصر الجيدة في الأجهزة المختلفة وتزلزل الأرض تحت أقدامهم. الكثير من حالات المفاسد الاقتصادية ونماذجها التي نقلت إلينا تقاريرها كانت عبارة عن أن المفسد الاقتصادي وجد من الضروري لأجل تمرير مشاريعه أن يتنفذ داخل المؤسسة الفلانية ويكسب إليه عدداً من العناصر العاملة هناك. العناصر العاملة هناك أشخاص مؤمنون، لكنه يقذفهم بشيطان الأهواء والطمع وحب المال، ولا يستطيع الجميع الصمود، فينهار بعضهم وتزل أقدامهم؛ هذا من أعظم أخطار المفاسد الاقتصادية.المفاسد الاقتصادية تعرقل الاستثمارات الصحيحة السليمة في المجتمع. شرحت هذه الأمور في الرسالة التي كتبتها سنة 1380(2) - في أرديبهشت الماضي يكون قد مرَّ عليها سبع سنوات - لرؤساء السلطات الثلاث المحترمين. المفاسد الاقتصادية تحول دون النشاط الاقتصادي السليم، وتبث القنوط في نفوس العناصر المؤمنة التي تروم أن يكون لها نشاطها الاقتصادي الجيد. إنه بلاء ومرض وبيل. كالوباء الذي يتفشى في المجتمع، وكالأمراض المعدية التي ما إن تحل حتى تهبّ جميع الأجهزة - السلطات التنفيذية، والتشريعية، والقضائية - لمكافحتها وتطويقها.طبعاً، للسلطة القضائية دور بارز في هذا الصعيد. لقد ذكرنا توصياتنا للسلطة التنفيذية كراراً بما يتناسب وتلك السلطة، طالبناهم ببعض الأمور، وهذا محفوظ في محله، أما أنتم أيها الإخوة والأخوات الحاضرون هنا فتنتمون للسلطة القضائية؛ اعلموا أن نصيب السلطة القضائية في مواجهة المفاسد الاقتصادية كبير ومهم جداً.الوقاية دون وقوع المفسدة هي أيضاً من واجب السلطة القضائية. راجعوا الدستور ولاحظوا أن من واجبات السلطة القضائية في الدستور هو هذه الوقاية. والوقاية لها أدواتها الخاصة ومؤسساتها المناسبة. الوقاية قد تحصل أحياناً بواسطة المفتشين القضائيين، ومن ذلك الأجهزة الأمنية والاستخباراتية. ينبغي الاستفادة من كل هؤلاء في عملية الوقاية. قد يظهر في البلد الإسلامي شخص مستغل، مفسد، طماع، شاطر، ومحتال يستغل مصادر البلاد العامة التي هي ملك لكل الشرائح - رغم وجود كل هؤلاء الفقراء والبؤساء في البلاد - وينهب منها بلا حساب أو كتاب. ينبغي مواجهة هذه الحالات. واضح أن هذه الخطوة ستبعث ردود أفعال في السلطات القضائية والتنفيذية والتشريعية؛ كل منها ضمن حدودها؛ ولن يقر للعاملين فيها قرار. البعض يخلط الموضوعات ويعمل بطريقة تخريبية سلبية، كهذه الأقوال التي جرت على الأفواه في الفترة الأخيرة؛ هذا تشويه لأصل القضية وتحريف عن الغاية المنشودة. هذه طريقة، وطريقة أخرى هي الضغط وإقامة العلاقات والاتصالات الهاتفية والتوسّط واستخدام النفوذ وإحراج الآخرين وما إلى ذلك. ينبغي مواجهة كل هذا... هذا من الأعمال الكبرى.رسالتنا ومطالبتنا تعود لعام 1380. تاريخها يعود لذلك الزمن، لكن لها تاريخ اليوم دوماً. اليوم أيضاً لو أردنا معرفة واقع المجتمع فإن نفس تلك المطالبة والكلام لا يزال مطروحاً من قبلنا على مسؤولي السلطات الثلاث، وعليهم النهوض به. ينبغي عدم الاستهانة بهذا. والأسوء من كل شيء هو أن تستطيع العناصر المفسدة هذه لا سمح الله التغلغل داخل المؤسسات المسؤولة وتلوين الأشخاص بلونها أو كسب تعاونهم، وهذا من تلك الفجائع المهولة التي ينبغي مواجهتها بكل حسم واقتدار مهما كان نوعها.على كل حال إذا تم انجاز هذه المشاريع الكبرى إن شاء الله، وينبغي إنجازها - وقد تم إنجاز أعمال جيدة خلال هذه الأعوام لحسن الحظ، وتقدمنا إلى الأمام، لكننا غير قانعين بما تم إنجازه. حين يلاحظ الإنسان البون بيننا وبين الوضع المنشود، يجد أن علينا التحرك أكثر وبسرعة أكبر - عندئذ يتحقق ذلك المراد الذي ذكرناه، أي يتحول الجهاز القضائي في البلاد إلى ملاذ ومأمن للمظلومين الذين قد يكونوا من كل الشرائح. ما إن يظلم شخص شخصاً أو يريد ظلمه، يطمئن خاطر الشخص المعتدى عليه بأنه سيقصد السلطة القضائية ليُرفع عنه الظلم. ينبغي إيجاد هذه الحالة. انظروا هل توجد هذه الحالة في مجتمعنا اليوم أم لا؟ إن لم تكن موجودة فاعلموا أن عليكم أن تسيروا باتجاهها وتحققوها.لابد أن يعيننا الله تعالى للتقدم في هذه المشاريع. من واجبنا أن نبذل كل مساعينا وجهودنا ونطلب البركة من الله كي يمنَّ على هذه الحركة بالبركة، وكونوا واثقين أن هذا سيحصل. إذا بدأنا العمل بإخلاص ونقاء ومحفزات كافية فإن الله تعالى سيسهّل الأمور وسنستطيع التقدم بالأعمال إن شاء الله؛ كما حققنا لحد الآن تقدماً كبيراً سوف يتضاعف هذا التقدم في المستقبل إن شاء الله.نتمنى أن يمن الله تعالى عليكم جميعاً وعلى خدماتكم وجهودكم ومساعيكم المخلصة وخدماتكم المشكورة بالعون، وأن تحظى بقبول سيدنا بقية الله (أرواحنا فداه)، وأن يشملكم دعاؤه وأن تكون الروح الطاهرة لإمامنا الكبير وأرواح الشهداء الطيبة - لا سيما شهداء السابع من تير - راضية عنا جميعاً.والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته1- 28 حزيران 1981 - تفجير مكتب الحزب الجمهوري الإسلامي في طهران.2- 2001م 
2008/06/24

كلمة الإمام الخامنئي بمناسبة ولادة الزهراء

بسم الله الرحمن الرحيمأولاً أقدم التبريكات الصميمية العميقة لكل الإخوة والأخوات الحاضرين في هذا المحفل الحميم الصميمي المفعم بالعشق والمحبة بمناسبة ميلاد الصديقة الطاهرة السيدة فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) وولادة ابنها الشامخ الماجد إمامنا العزيز (رضوان الله تعالى عليه)، وأشكر الإخوة الأعزاء الذين نقعوا غليلنا بفنهم وبرامجهم من كوثر محبة أهل البيت عليهم السلام، سواء المدّاحون الأعزاء أو الشعراء الذين نظموا هذه الأشعار.الحق أن محبة أهل البيت مساحة مناسبة لإبداء الفن. ومحبة فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) بين كوكبة النور هذه، هي والحق يقال موضع لإبداء الفنون والأذواق ودقائق الطباع والمواهب. فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) كلمة الله الزاخرة بالمضامين وهي كالبحر اللجّي العميق. كلما غار فكر الإنسان وذوقه والمواهب الدقيقة لأصحابها المواهب في هذا المجال أكثر، وكلما تدبّر وتأمل أكثر، كلما حصل على جواهر أكثر. طبعاً، توصيتنا الدائمة هي أن يكون التعمق في أقيانوس النور والمعنوية هذا بمساعدة أحاديث أهل البيت. وقد جاء هذا المعنى في أحد الأبيات الشعرية التي قرأها السادة حيث قال إن معرفة هذا البيت مودع عنده هذا البيت نفسه، فلنأخذ معرفتهم منهم. لنجعلهم هم يعرّفون أنفسهم. لنتأمل وندقق كي نفهم هذه الكلمات والمعاني بنحو عميق. شعراؤنا الأعزاء، ومداحو أهل البيت (عليهم السلام) فخورون بقدرتهم على مراجعة كلمات أهل البيت ورواياتهم والتأمل والتدبر فيها والاستعانة بأهل البصيرة والمعرفة للتعمق فيها، ومن ثم توظيف أذواقهم ومواهبهم اللطيفة ودقة نظرهم وتعمقهم وأصواتهم الجيدة وحناجرهم القديرة لخدمة هذا البيت. هذا من أفضل الأعمال وأشرفها.طوال السنوات التي انعقد فيها هنا هذا الاجتماع الشريف العزيز المغتنم، تحدثت كثيراً حول مدح أهل البيت والثناء على هذه الأنوار القدسية الطيبة ولا أرى ضرورة للتكرار، ولكن أقول فقط إننا كلما تقدمنا إلى الأمام تجلّى دور التواصل بالفن أكثر؛ التواصل مع أذهان المتلقين والناس وقلوبهم بمعونة أدوات الفن الكفوءة بامتياز. خير وسيلة يستخدمها اليوم من لديهم رسالة للناس ، سواء كانت رسالة رحمانية أو رسالة شيطانية - لا فرق في ذلك - هي وسيلة الفن. لذلك ترون أنهم في العالم اليوم يبدلون بمعونة الفن أشد الأفكار باطلاً إلى حق يبثوّنه في أذهان جماعة عظيمة من الناس، وهذا ما لا يمكن بدون الفن، لكنهم يفعلون ذلك بواسطة الفن وبمساعدة الأدوات الفنية. السينما هذه فن، والتلفاز هذا فن؛ يستخدمون شتى صنوف الفن وأساليبه من أجل نقل رسالة باطلة إلى الأذهان وكأنها حق. إذن، اكتسب الفن كل هذه الأهمية. لكن لنا نحن المسلمين وخصوصاً نحن الشيعة ميزة ليست لسائر الشعوب والأديان بنفس الدرجة، وهي التجمعات الدينية التي تقام وجهاً لوجه وبحضور الناس إلى بعضهم، وهذا ما نلاحظه بمقدار أقل في مناطق العالم الأخرى والأديان الأخرى. توجد هذه الظاهرة ولكن ليس بهذه السعة والتأثير والمضامين الراقية. مثلاً، تتلى آيات القرآن الكريمة وجهاً لوجه بصورت حسن لأناس لا يجيدون لغة القرآن. لهذا تأثير كبير جداً، ومن هنا تبدأ قصة المديح والثناء لدى مداحينا؛ استخدام الفن لنقل المفاهيم السامية القيمة التي تنفذ إلى أعماق روح المتلقي.. هذه وسيلة... وسيلة جد قيمة.. أداة.. لكن هذه الأداة تكتسب من الأهمية بحيث ترتقي أحياناً إلى درجة المضمون نفسه؛ لأنها إن لم تكن لما أمكن نقل المضمون إلى القلوب. مديحكم من هذا القبيل. كلما كان أكثر فناً وأقرب إلى أدوات الفن والصوت الحسن والحنجرة الجيدة كلما كان أفضل، وكلما كان المضمون أكثر تعليماً وفائدة ومفهوماً أكثر من قبل المتلقي وأزخر بالدروس، وأكثر جدة وطراوة لإدارة أفكار المتلقين، كلما كانت قيمته أكبر. طبعاً في ضوء الفكرة التي ذكرناها في البداية، أي داخل إطار تعاليم أهل البيت ومعارفهم. لذلك ليس من المناسب التلاعب بقضية المديح. ليس من الجائز أبداً جعل المديح عملية سطحية، شكلية، ظاهرية، وبعبارة أخرى جعلها تقليداً لعمل غربي مبتذل. ينبغي التنبه لهذا، خصوصاً من قبل الشباب الذين يدخلون هذا الصراط. لا إشكال أبداً في استخدام أبيات شعرية بلغة الناس، ولكن بمضامين صحيحة. إذا استلهم مدّاح أهل البيت عليهم السلام عمله الشريف الطاهر المقدس ممن هم غرقى في بحار الحيرة والبؤس - ميدان الفن الغربي، خصوصاً فنونهم الموسيقية التي انحدرت نحو الابتذال - وفي وديان الضياع والحيرة الشيطانية وليس الحيرة الرحمانية، فهذا ليس بالأمر اللائق المناسب.والنقطة الأخرى التي ذكّرنا بها دائماً وأقولها أيضاً هي أن تجعلوا المضامين مما ينتفع منه مستمعوكم؛ أن تكون منقبة ممكنة الفهم، أو فضيلة محفزة من فضائل أهل البيت (عليهم السلام) تقوّي عقيدة الإنسان وإيمانه. لاحظوا الأمور التي كان مدّاحو أهل البيت (عليهم السلام) في زمن حياة المعصومين (عليهم السلام) يشدّدون عليها. شعر دعبل، شعر الكميت، شعر الفرزدق - الشعراء الذين كان الأئمة (عليهم السلام) يشجعونهم - على ماذا كانوا يشددون؟ لاحظوا أن مضامين تلك الأشعار إما إثبات أحقية أهل البيت بالأدلة - الأدلة التي تعبّر عن نفسها بلبوس الشعر الجميل اللطيف؛ انظروا شعر دعبل - أو إفصاح عن فضائل أهل البيت (عليهم السلام)؛ الشيء الذي تكرر اليوم عدة مرات في أشعار هؤلاء المداحين الأعزاء. إشارة إلى حادثة »هل أتى«، إشارة إلى حادثة المباهلة، إشارة إلى أحاديث النبي المكرم بحق فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)، أو ذكر الدروس التي يمكن استلهامها من تلك الشخصية العظيمة، والنموذج الطيب الكامل لذلك والقريب إلى زماننا هو الأشعار التي ظهرت خلال فترة الثورة - عهد ذروة النهضة سنة 56 و57(1) - في محرم والمواكب الحسينية بمبادرة من المداحين وشعراء المراثي أنفسهم. الموكب الحسيني كان يسير في السوق والشارع وهو يلطم الصدور وينشد المراثي، ولكن كل من يسمع مراثيه كان يفهم ما الذي يجب عليه فعله اليوم، وفي أي اتجاه يجب أن يتحرك.حينما توظفون هذا الفن - فن الصوت واللحن والنغم والشعر، وعملكم مجموعة من عدة فنون - لخدمة هذه المعاني، فتثبتون أحقية أهل البيت، أو تذكرون فضائلهم ومناقبهم التي تنير قلوب المستمعين، أو تفهمون معارف أهل البيت وتضيئون طريق الحياة لمخاطبكم، عندئذ سيكتسب عملكم أعلى قيمة وسيعادل مديحكم عدة ساعات من المحاضرات والدروس والاستدلالية.ليست القضية قضية إثارة عواطف فقط، إنما هي هداية الأذهان، طبعاً أنا أرى اليوم ولحسن الحظ، سواء في هذه الجلسة أو جلسات العزاء والمناسبات حيث يأتي المداحون ويقرأون، أن هناك توجهاً جيداً ظهر خلال هذه السنوات والحمد لله، بيد أن الإمكانية هائلة جداً. أنتم الشباب من أهل القراءة والإنشاد والتعبير وإقامة البرامج انظروا إلى حاجة المجتمع الإسلامي الراهنة. لاحظوا كم يحتاج شعبنا وشبابنا ومجتمعنا في غمرة أعاصير الهجمات السياسية والثقافية وشتى صنوف الإيحادات والدعايات، إلى نظرة جديدة، وروح مفعمة بالأمل، وقلوب زاخرة بالتفاؤل للمستقبل، وفهم للطريق النيّر. هذا ما ينبغي للجميع القيام به؛ كلٌّ بنحو من الأنحاء. وبوسعكم أن يكون لكم نصيب وافر في هذا المجال. على كل حال بمقدور أساتذة المديح وروّاده أن ينهضوا بأعمال جيدة، وأتمنى أن ينجزوها إن شاء الله.نقطة أساسية أخرى هي أننا يجب أن لا ننسى الواقع الحالي للثورة أبداً، وندرجها ضمن مديات أقوالنا. يجب أن نذكّر الآخرين بتأثيراتنا. أعزائي، لم تكن الثورة مجرد حدث في تاريخ إيران فقط؛ بل كانت حدثاً في تاريخ العالم والبشرية. أؤكد على هذه النقطة - وهذا ليس بشعار، بل هو دقة في حقيقة معينة - وهي أنها كانت حدثاً في تاريخ الإنسانية. كلما تقدم الزمن أكثر كلما تجلّت هذه الحقيقة أكثر. لم تكن القضية أن بلداً من البلدان شهد أنظمة طاغوتية فاسدة ثم تحولت إلى نظام إسلامي. هذا حصل طبعاً، ولكنه لم يكن الشيء الوحيد الذي حصل. على الصعيد العقيدي والمعنوي، وجّهوا العالم عمداً ومنذ قرون نحو النظرة والفهم الماديين للحياة والكون، ولا زالوا يمارسون هذا. ووقفت هذه الثورة مقابل هذا التيار الهائل الذي عززوه دوماً بكل القدرات المادية، ووجّهت له ضربة. وجّهت الثورة بطرحها »علم المعنوية« ضربة لذلك التيار الذي قادوه بقوة، وخفّضت من سرعته. تلاحظون اليوم بروز الميول المعنوية بأشكل عدة في البلدان التي كانت مهد النـزعات المادية. أي إن طلب المعنوية وعشقها والميل والشوق إليها ظهر بين شبابها هناك - وطبعاً حين لا يستطيعون إدارة هذه المعنوية بشكل صحيح ستظهر نزعات منحرفة، كأنواع العرفان الزائفة، والمعنوية الكاذبة، وثمة دجالون يمثلون بعض الأدوار - وإذا استطاع الإسلام ومدرسة أهل البيت (عليهم السلام) الوصول في مثل هذه الظروف إلى قلب الإمبراطورية المادية الغربية، فسيكون لها طلّابها ومخاطبوها وعشاقها. وهذا أمر محسوس وواضح في العالم اليوم. حين تلاحظون كل هذه الهجمات التي يشنونها ضد الإسلام وضد الاسم المبارك للرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إنما يعبّرون عن واقعهم وطباعهم، وقد أدى هذا إلى مضاعفة نفوذ هذا الاسم في العالم وتعزيز وجوده وزيادة جاذبيته في قلوب الشباب. وهذا ما جعل مدراء الاستكبار يتخبطون ويحضون عملاءهم ومرتزقتهم على إبداء ردود فعل معينة كل يوم، وهذا ما يدل على هزيمتهم. هذا عن الجانب المعنوي.وعلى المستوى السياسي، منذ أن بدأت ظاهرة الاستعمار في العالم - أي منذ القرن التاسع عشر - حيث انطلقت منذ نحو مائتي عام وبشكل تدريجي حالة الاستعمار وتطاول القوى الكبرى على البلدان الأخرى، ساد نظام الهيمنة وانقسم العالم إلى شطرين؛ شطر متعجرف مهيمن متفرعن، وشطر ضعيف ذليل خاضع للهيمنة. ثورتكم الإسلامية وقفت بوجه هذا التيار الذي تحول إلى تيار طبيعي في عالم السياسة. حين تشاهدون أن هتاف »الموت لأمريكا« يرتفع في العديد من البلدان، فهذا شيء جديد أفرزته حركة الشعب الإيراني، ولم يكن في السابق. وحين تلاحظون السياسة الأمريكية هي المبغوضة أكثر والساسة الأمريكان هم المكروهون كثر في كل العالم سواء البلدان الإسلامية أو حتى البلدان الأوربية، فهذا ناجم عن الحركة العظيمة للشعب الإيراني. هنا انكسر قرن غطرسة القوى العظمى لأول مرة وواجه نظام الهيمنة التحدي. لماذا؟ لماذا يجب أن تتحدث القوى الكبرى كأمريكا وغيرها من موقع القوة مع البلدان الخاضعة للهيمنة دوماً؟ في بلدان إيران لم يكن الساسة الأذلاء سود الوجوه في النظام الطاغوتي يتخذون قراراتهم المهمة بأنفسهم إلا إذا استشاروا سفير أمريكا وسفير بريطانيا قبل ذلك. لماذا؟ لماذا يجب أن يخضع شعب له قدراته وكنوزه الثقافية والمادية والمعنوية لقوة أجنبية ويستسلم لها؟ لماذا؟ الثورة الإسلامية هي التي أطلقت هذه الـ »لماذا« لأول مرة.هذان نموذجان للتأثير الذي تركته ثورتكم أيها الشعب الإيراني على المستويين المعنوي والسياسي في التحرك العالمي العام وليس في تاريخ إيران فقط. هذان نموذجان وثمة نماذج أخرى لا وقت للتفصيل فيها الآن.وقعت هذه الخطوة الكبرى وبدأت معها مظاهر العداء، وبدأت المقاومة مقابل مظاهر العداء. واستطاعت القيادة المذهلة للإمام الجليل وفي أصعب الفترات الحفاظ على هذه الحركة بكل اقتدار والتقدم بها إلى الأمام. الشعب الإيراني وشباب هذا البلد أصغوا بشكل حقيقي لكلام إمامهم الكبير وتقبّلوه من أعماق قلوبهم وأرواحهم، وفهموه، وساروا وفقه. بذلت جهود حثيثة لحرف الناس وصرفهم وحضهم على تغيير طريقهم وسلبهم عقيدتهم فلم يكن ذلك ممكناً لحد الآن، ولن يكون بعد الآن أيضاً إن شاء الله. تواصلت هذه الحركة وكانت مظاهر العداء هذه موجودة بأشكال مختلفة كل يوم. نحن نشبه عدّاءً يعدو نحو هدف معين، لكن البعض لا يريدون له أن يصل وينصبون الموانع والعقبات في طريقه دوماً، فيقفز فوق الموانع. ويرمونه بالحجارة ويوجّهون له اللوم ويصرخون عليه من كل ناحية أن لا تتقدم، لن تصل، لا طائل من هذا، لكنه لا يصغي لهم، ويصبر على الجراح ويتحمل الآلام ويواصل طريقه ويصل. الشعب الإيراني تصرف لحد الآن فيما يشبه العدّاء البطل.. تقدم إلى الأمام.طيب، في مثل هذه الظروف، ما هو واجب المخلصين في هذا البلد والمخلصين لهذا الشعب، والمحبين لمبادئ الإسلام والثورة ومدرسة أهل البيت (عليهم السلام)؟ من واجب الجميع تسهيل هذا الطريق للسائرين فيه أي لشعب إيران. رجال السياسة بشكل، ومسؤولو الدولة بشكل، وعلماء الدين بشكل، وعلماء الجامعات بشكل، والمثقفون بشكل، والشرائح المختلفة بشكل. ومن أكثرهم تأثيراً فئة الخطباء الدينيين، والمنشدين الدينيين، وحملة رايات حب أهل البيت (عليهم السلام) الذين يقرّبون القلوب إليهم في أفراح أهل البيت وأحزانهم.ما يلزمنا اليوم هو أن يتعرف الجميع على هذا الواجب ويعلموا أين نحن؟ البعض يغفلون ولا يفهمون أننا تحركنا وتقدمنا كل هذه المسافة؛ ولا يفهمون أنه لا يزال أمامنا طريق طويل؛ لا يفهمون أن لنا أعداءً يستغلون كسلنا، وغفلتنا، واختلافنا. المعني الأول بهذا الكلام هم الشخصيات المهمة في المجتمع - الشخصيات السياسية والثقافية وغيرها - حيث ينبغي أن يدققوا فيما يقولونه ويكتبونه وفيما يتخذونه من مواقف. الاتحاد والوفاق وهو سر كل تقدم وانتصار، ضروري اليوم لهذا البلد أكثر من أي وقت. ومسؤولو البلاد يبذلون جهوداً ومشقات حقيقية. الحكومة، والمسؤولون، ومدراء القطاعات المختلفة يبذلون مساعيهم. حتى لو كان لدى أحد إشكال أو نقد فيجب أن لا يطرحه بشكل يضعف المدير الذي يبذل مساعيه لتحسين الأداء والعمل. الاختلافات غالباً ما تنبع من الأهواء النفسية. إذا قال قائل إن عملي الذي أدى إلى التفرقة والاختلاف هو في سبيل الله فلا تصدقوه. التفرقة بين المؤمنين ليس عملاً إلهياً ولا يتم لهدف إلهي. إنه عمل شيطاني ومن عمل الشيطان إيجاد الحقد والبغضاء بين المؤمنين وإثارة أجواء الخلاف من عمل الشيطان. وليس عملاً إلهياً. العمل الإلهي هو التعاطف والتواد. شخص لديه مهمة ومسؤولية، على الآخرين مساعدته لإنجاز عمله بنحو جيد. يذكّرونه إذا كان لديه ضعف، ولكن لا يسمحوا بتضعيفه. على الجميع مساعدة الشخص الذي رفع هذه الراية؛ البعض يمسح له عرق جبينه، والبعض يروّحون له الهواء. إذا لاحظوا أنه يخطئ في حمل الراية فليس العلاج أن يوجّهوا له لكمة في ظهره ويسقطوه أرضاً هو والراية. العلاج أن يساعدوه كي يرتفع ذلك الإشكال. على الجميع التنبه لهذه النقطة، خصوصاً من لهم دورهم ومساهمتهم في المجالات السياسية والثقافية والإعلامية وغيرها.اللهم نقسم عليك بمحمد وآل محمد، اجعلنا من الدعاة لأهل البيت ومحبيهم وأتباعهم. أحينا على هذا الإيمان والمعتقد وأمتنا عليه. لا تبعدنا عنهم في الدنيا ولا في الآخرة. ربنا سهِّل علينا واجباتنا. وفّقنا لأداء ما سوف تسألنا عنه. أرضِ عنا القلب المقدس للإمام المهدي.والسلام عليكم ورحمة الله .  1- 1979-1978 م.  
2008/06/23

كلمة الإمام الخامنئي في أول لقاء له بأعضاء المجلس الثامن

بسم الله الرحمن الرحيمأولاً أرحب بالإخوة و الأخوات الأعزاء نواب الدورة الثامنة من مجلس الشورى الإسلامي. أهلاً بكم في حيّز إدارة الثورة الإسلامية و نظام الجمهورية الإسلامية.. هذا الحيّز العظيم و البالغ الحساسية. و نتمنى أن تستطيعوا في هذه الساحة البالغة الأهمية و الحساسية و المفعمة بالأجر و الثواب خلال فترة نيابتكم - في غضون الأعوام الأربعة التي تستقبلونها - أن تحرزوا لأنفسكم كتابَ الأبرار إن شاء الله » إن كتاب الأبرار لفي عليين « و تشكلوا لأنفسكم ملفاً زاخراً بالعمل و المفاخر عند الكرام الكاتبين. و نشكر حضرة الدكتور السيد لاريجاني رئيس المجلس المحترم الذي ألقى كلمة ناضجة متينة.الشعور بالواجب مبدأالشيء الذي يحظى برأيي بالدرجة الأولى من الأهمية في هذا اللقاء و أمثال هذا اللقاء هو أن نشعر أننا في مقام العبودية لله و في حضرته و مسؤولون أمام التكاليف الإلهية في هذا الموقع و المسؤولية التي توليناها. هذا هو أساس القضية.كل اختلاف وجهات النظر و الأذواق و المحفزات المختلفة المعقولة التي لدى شخص معين قد تتباين عن محفزات معقولة أخرى. الأمر يشبه تيارات ماء متعددة تدخل بحراً هادئاً مستقراً أو بحيرةً آمنة ساكنة فتلتقي عندها. إذا استطعنا توفير هذا الفضاء الآمن و النقاء المعنوي في مجال عملنا، و تحقيق هذه الجنة المعنوية لأنفسنا، فلن تعود للمسائل الأخرى أهمية تذكر، و لن تخلق لنا مشكلات خطيرة.. أساس القضية يكمن هنا و لا بد من معالجته.نظام الجمهورية الإسلامية تشكل أساساً استجابةً لدعوة الأنبياء و محورها الأساسي الوصول بالإنسان إلى التكامل المعنوي، و هذا ما لا يتاح إلا في ظل إيجاد عالم حافل بالحسنات و المعروف يجعل الحياة طيبة ممكنة الاحتمال عند الإنسان؛ و من أبرز هذه الحسنات هي العدالة. إذن تشكيل المجتمع العادل هدف. لكنه هدف وسيط.إننا نروم بلوغ المجتمع الإلهي العادل.. المجتمع الإسلامي.. كي نستطيع في ظل هذا النظام الإلهي أن نرفع أنفسنا في مدارج التكامل وصولاً إلى قمة الأمان و السكينة.قضية عالم ما بعد الموت و الحياة الحقيقية » و إن الدار الآخرة لهي الحيوان «.. الحياة الواقعية بعد اجتياز هذا الطور من الحياة، لها تأثير كبير في تنظيم أعمالنا و سلوكنا. هذه الآيات التي تليت الآن. » قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم و أهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين «. هذا هو الخسران الحقيقي.فقدان المال، و فقدان الروح، و فقدان الأحبة، و فقدان ملذات الحياة، خسائر تنـزل بالإنسان في هذه الدنيا، لكنها ليست الخسائر الحقيقية. أحياناً تكون هذه الأشياء التي قد تبدو لنا خسائر و فقدان أشياء معينة وسيلة تحفظنا من تلك الخسارة الحقيقية الكبرى. لذا فإن قضايا الفوز و الخسارة، و التقدم و التأخر، و الجاه أو عدم الجاه، و الشعبية أو السقوط من أعين الآخرين، تعد في إطار الدنيا المادية و في هذه الحياة التي كلفنا فيها بالعمل و الجد و الجهاد، تعد قضايا ثانوية و فرعية تماماً. أساس القضية هي ذلك الشيء الحقيقي و الذي يتحقق عبر العمل بالتكليف الإلهي.الواجبات المرسومة لكمفي فترة رئاستي للجمهورية طلبت من أحد الأفاضل كنت أحترمه و أجلّه دائماً أن ينصحني بشيء أو يأمرني. و كان ما كتبه لي في الجواب هو: أنظر ما الواجب المقرر لك فافعله، و ما هو المحرم عليك فاتركه، و ما هو المشتبه عليك فاحذر منه. قد تبدو هذه فكرة عادية جداً يعلمها الجميع و يفهمونها. و أنا أيضاً حينما نظرت للوهلة الأولى قلت إنني أعرف هذا الشيء، لكنني حينما دققت بعد ذلك وجدت الأمر مختلفاً إذ أن هذا هو منتهى الكلام و حجر الزاوية.لو نظرنا بدقة لوجدنا أن هذا هو أصعب و أثقل الأعمال بالنسبة للإنسان الذي لا يستطيع الإمساك بزمام نفسه و الانتصار على ميوله و نزواته.. من الصعب عليه جداً أن ينظر إلى الواجب و يبحث عنه حقاً. و حينما يری الواجب ينهض به و ينفذه بشجاعة، و حسم، و بشاشة، و طيب خاطر، و عدم اهتمام للتبعات الدنيوية من قبيل ما الذي سيقوله فلان، و ما سيكون موقف فلان، و ما سيكون مستقبلي لو قلت هذا، و لو اتخذت الموقف كذا، و سرت في النهج كذا؟ من دون هذه الملاحظات.إذا لم نستطع التغلب على أنفسنا و نزعاتنا، لكانت تلك من أصعب الأعمال، و هذه الأعمال الأصعب هي التي بوسعها رفعنا إلى أرقى القمم و المراتب. هذا هو أساس القضية.المجلس مُصمّم برمجيات مسيرة البلادتارة يدرِّس الإنسان في مدرسة معينة.. مثلي أنا » الطلبة « الذي أدرس أو أدرِّس في حجرة، أو قاعة، أو جامعة، أو في ورشة، أو في إدارة شركة معينة؛ أو أتولى إمامة مسجد من المساجد حيث تقع على عاتق الإنسان مسؤولية معينة. تارةً تكون هذه هي الحالة، و تارةً يكون الإنسان في موقع بالغ الحساسية هي موقع التشريع لبلاد و لشعب بأكمله.كما قلنا فإن هذا القانون الذي تعدونه أنتم هو في الحقيقة برمجيات المسيرة الكبرى للبلاد. البلد، و الشعب، و سبعون مليوناً من السكان، و هذا بحد ذاته شيء جد خطير و عظيم، إنما هي مسؤوليات جسيمة أينما كانت من العالم و مهما كانت طبيعة ذلك الشعب، بيد أن القضية أعلى حتى من هذا في ظروفنا الراهنة. القضية هي أن بلادكم، و ثورتكم، و نظامكم الجمهوري، فتح طريقاً جديداً أمام الإنسانية. هذه ليست مجاملات.. إنها أعماق الأفكار التي قامت الثورة الإسلامية و الجمهورية الإسلامية على أساسها.انظروا إلى الدنيا و الأنظمة الاقتصادية من حولكم.. لم يتشكل العالم المعاصر على أساس إنقاذ الإنسان. و هذا ليس بالشيء الذي يحتاج لبراهين و أدلة. انظروا إلى قمم الحضارة المعاصرة الرفيعة أو الديمقراطيات الدارجة و المعروفة و لاحظوا على ماذا يجري الصراع. على محور أي الأشخاص و الأشياء تدور الأنظمة. كم يعيرون أهمية و يخلصون نواياهم لأجل الإنسان، و لأجل كرامة الإنسان بما هو إنسان. كم هي مهمة بالنسبة لديهم حقوق الشعوب، و كم يمكن تقييد الذات في التعدي على حقوق الآخرين و الحؤول دون التطاول على حقوق الآخرين. لاحظوا إلى أي حد تمثل هذه الأقوال محور حركة الأفراد و نشاطهم و أفكارهم في العالم.. لا أهمية لهذه الأقوال.ذات مرة قال الإمام الخميني إن البعض ينتظرون أن تمتلأ الدنيا بالظلم و الجور حتى يظهر الإمام المهدي. ثم قال إن الدنيا اليوم مليئة بالظلم و الجور، ألا ترون ما الذي يحدث في العالم؟ ألا ترون ما الذي يجري على الشعوب؟ ألا ترون كيف يتعاملون مع الإنسانية؟ ألا ترون كيف غابت العدالة و عُزلت؟ ثمة نماذج كثيرة دائمية يومية للظلم و الجور يمكن ملاحظتها في كل مكان من العالم. نظام الجمهورية الإسلامية صرخة عالية بليغة تستند إلى فكر رصين، ارتفعت بوجه هذا الواقع الهائل الوحشي الأعمى.تحدينا للنظام العالمي المهيمن ليس بمعنى حربنا ضدهحينما يقول البعض أحياناً - و هو قول صائب - إننا نتحدى النظام المهيمن على العالم و لدينا مشكلاتنا معه، فهذا شيء واقعي. هذه هي طبيعة الإسلام » فمن يكفر بالطاغوت و يؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى «. هذا هو معنى الإسلام. أي إن الإيمان بالله لا يكفي لوحده، إنما الكفر بالطاغوت؟ معناه الكفر بهذه الأنظمة المهيمنة في العالم اليوم.و ليس معنى هذا أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية ستحمل السلاح و تسير هنا و هناك لتقاتل أنظمة العالم، كلا، هذا كلام ساذج جداً. إنما الكلام حول طرح فكرة جديدة و طريق جديد أمام الإنسانية.. مثل دعوة الأنبياء.. هكذا هي دعوة الأنبياء.. » الذين يبلغون رسالات الله« .التبليغ هو أساس القضية في دعوة الأنبياء.. أن يبلغوا و يوصلوا الرسالة. لهذا » الإيصال « طرق مختلفة، و أفضل الطرق هو إيجاد منظومة تنهض على أساس هذه الأفكار و تستطيع توفير السمات البارزة لتلك الأفكار في نفسها و عرضها أمام الناس في العالم. و هذا هو ما تعتزم الجمهورية الإسلامية القيام به. أن نوجد نظاماً إسلامياً عادلاً يبتني على الفكر الإسلامي و نرفعه و نعرضه على العالم. لا ضرورة إطلاقاً لتحريك الجيوش نحو مكان معين أو التصرف بطريقة عسكرية و بأنحاء مختلفة مع الأنظمة الموجودة. لا ضرورة لهذا إطلاقاً. يكفي أن نعرض تجربتنا.و لاحظوا أنه يوم أطلق الإمام الخميني هذا الهتاف البليغ، غاص هذا الهتاف إلى أعماق قلوب الشعوب المسلمة و غير المسلمة في حالات كثيرة، و كسب أنصاراً بنحو لم يكن بوسع أي عمل إعلامي من قبلنا - أعمال كتابية أو شفهية - أن يوصل هذه الرسالة للعالم بهذه القوة و ينقلها إلى القلوب. طبيعة هذا الهتاف، و طبيعة هذا البيان، و عرضه على الآخرين هي أنه يجتذب إليه القلوب. هذا ما نريده.في إنجاز مثل هذا العمل الكبير، أي تأسيس نظام بهذه الخصائص و السمات، تساهم مختلف السلطات: السلطة التنفيذية، و السلطة التشريعية، و السلطة القضائية. و السلطة التشريعية هي كما ذكرنا مُعِدَّة برمجيات هذه الحركة العظيمة. لاحظوا كم هي مهمة هذه القضية.ليست المسألة أننا تنافسنا مع شخص آخر مثلنا في المدينة الفلانية، و قمنا بعمل إعلامي، و قام هو بعمل إعلامي، و انتصرنا عليه في نهاية المطاف فصعدنا إلى المجلس و بدأنا نجلس على المقعد في هذه القاعة. ليست هذه هي القضية.. القضية فوق هذا بكثير.الشخص الذي يدخل هذه الساحة يتقبل مسؤولية هي في الحقيقة مسؤولية إلهية عميقة. إنها مسؤولية بالمعنى الحقيقي للكلمة.. » لتسئلن يومئذ عن النعيم «.. سوف يسألونكم. إنكم مسؤولون. هذا هو لباب ما نريد أن نقوله للإخوة و الأخوات الأعزاء، و نسأل الله إن يوفقكم.من أجل تحقيق هذا المعنى ذكرنا توصيات معينة في النداء الذي وجّهناه لكم و كانت تلك التوصيات على أساس تجربة هذه الأعوام الطويلة من المجالس المتعددة و النواب الكثار. أعتقد أن النقاط القليلة التي ذكرت هنا هي النقاط الأساسية و سوف أذكر بعضها الآن ضمن الحدود التي تطيقونها و لا تسبب لكم التعب.أساس الديمقراطية الدينيةيجب أولاً إيضاح نقطة تأسيسية هي أن حالة نيابة الشعب لها جذور جد عميقة في الفكر الإسلامي. قضية هذه النيابة ليست قضية اتباع للعرف الدارج في العالم، و لأن في العالم انتخابات و ديمقراطية لذا يجب علينا أن لا نتخلف عن العالم.. نظير بعض هذه البلدان التي ترون أنها تصطنع شكلاً ظاهرياً للديمقراطية و تؤسس شيئاً باسم مجلس الشورى ليست له أية حقيقة.. و كذلك الحال في الأنحاء التي تقام فيها انتخابات.أساس أفكارنا ليست من هذا القبيل. لدينا أسس واضحة. الولاية في الرؤية الإسلامية خاصة بالله. أي لا يوجد لأي إنسان ولاية على إنسان آخر. ليس لدينا في الإسلام أن يأتي زيد و هو أنا مثلاً و يقول لعمرو و هو أنتم مثلاً: يجب عليك أن تعمل بما أقوله أنا.ليس لأحد ولاية على غيره. الولاية لله. و إذا رسم الله لهذه الولاية منفذاً محدداً واضحاً فسيكون هذا المنفذ منفذاً إلهياً مقبولاً يمكن اتباعه. و قد رسم الله تعالى هذا المنفذ و تم تحديده في الإسلام. القانون و التنفيذ يجب أن يكون طبقاً للمعايير و الضوابط الإلهية. أي يجب أن يتفقا و لا يتعارضا مع الأحكام الإسلامية أو مع الكليات و القواعد العامة المعروفة و المفهومة عن الإسلام. و الأفراد المسؤولون عن التنفيذ لهم مميزات و خصائص معينة: يجب أن يكونوا عدولاً، غير فاسقين - الخصائص المرسومة في دستورنا - و الدستور هو الشكل التنفيذي و قناة العبور نحو الشيء الذي رسمته لنا الولاية الإلهية.و مسألة الأقلية و الأكثرية بطبيعة الحال مسألة ضرورية. مع أنه لا يوجد لدينا في الإسلام شيء محدد نرجّح بموجبه الأكثرية على الأقلية حينما تختلف الآراء، إلا أنه شيء لا بد منه في مختلف الشؤون الإنسانية. حينما يتخذ خمسة أشخاص قراراً حول شيء معين، و يتفق ثلاثة منهم على قرار يرتبط بمصير الخمسة جميعهم، فعلى الشخصين الآخرين أن يذعنا بطبيعة الحال. هذا شيء عقلائي بيّن يقبله الإسلام و يمضيه.إذن، الولاية التي لكم اليوم - و التشريع ولاية - ولاية إلهية، و لها جذورها في الولاية الإلهية. إنها تنبع و تنبثق من الولاية الإلهية. هذا هو معنى الديمقراطية الدينية التي ننادي بها. معناها أن يكتسب النائب في مجلس الشورى الإسلامي بالطريق المحدد في الدستور كقناة لإعمال الولاية الإلهية.. أن يكتسب ولاية تعدُّ تكليفاً و واجباً عليه. إذن، ما يصادق عليه في مجلس الشورى الإسلامي واجب الاتباع بالنسبة لي أنا الشخصي و النوعي و لا بد أن أعمل وفقاً له. هذا المبنى مبنى إسلامي.حينما تنظرون للمسألة من زاوية نظر البعيدين عن هذا المبنى الإسلامي تجدون في نظرتهم الكثير من التناقض و التهافت. ذات يوم حينما تكون أصوات الجماهير لصالح جماعة معينة تكتسب أصوات الشعب و الحالة الجمهورية أهمية بالغة.. » و إن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين «. إذا أعطي لهم الحق قبلوا به.و إذا كانت نظرة أصحاب الحق، أي أولئك الجماهير الذين يريدون تسليم هذه الولاية لشخص معين طبقاً للدستور - طبقاً للشيء المدوّن في الدستور المستمد من الكتاب و السنة - خلافاً لرأيهم في يوم من الأيام عندئذ يتغير اسم هذه الأصوات الجماهيرية و هذه الحالة الجمهورية إلى نزعة عوام و نزعة كتلة! و تُقدم الشروح التفصيلية حول خطأ آراء العامة من الناس. و تلاحظون أحياناً في بعض الكتابات أن أصحابها يسوقون آراء بعض الكتّاب منذ القرن الثالث و الرابع للهجرة، و إلى فلان من الكتّاب المسلمين، و إلى عصرنا هذا، و كذلك آراء برتراند رسل، و غوستاف لوبون، و... حول أخطار آراء العامة و هيمنتهم، و فلان قال إن آراء العامة خاطئة و مغلوطة أساساً! أي إن الفكرة تنقلب تماماً. » و إذا دعوا إلى الله و رسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون، و إن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين «. إذا قيل لهم تعالوا و أعملوا حسب معايير الكتاب و السنة - حسب المبنى الذي ذكرناه - يعرضون و يرفضون، أما إذا انتهى الأمر لصالحهم فتراهم يذعنون و يقبلون! ثم يقول القرآن: » أفي قلوبهم مرض أم أرتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم و رسوله «. إنهم مرضى. المرض في المصطلح القرآني » في قلوبهم مرض « هو الأهواء النفسية التي تسيطر على إرادة الإنسان. هذه حالة تختلف عن النفاق. » في قلوبهم مرض « حالة أخرى غير حالة النفاق، طبعاً قد تنتهي في بعض الأحيان إلى النفاق.. » أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا «، أم أنهم شكوا في المباني و الركائز الإسلامية.. » أم يخافون أن يحيف الله عليهم و رسوله « أم يخافون أن يظلمهم الله و رسوله؟ لماذا لا يوافقون أساس الحق و كلام الحق على كل حال؟ليس في الفكر الإسلامي مثل هذه الأمور. يقوم الفكر الإسلامي على أساس متين نابع من ولاية الله، حيث يمنح الله تعالى و بأسلوب محدد و مدوّن في دستور الجمهورية الإسلامية الناس حقَّ أن يفوّضوا حقاً معيناً من حقوقهم لشخص معين و كأنهم يقولون له: أنجز لنا المهمات الفلانية. الناس يمنحون هذا الحق لأشخاص معينين عبر أصواتهم في المجلس، و في رئاسة الجمهورية، و في المواطن ذات الصلة بأصوات الناس. هذا هو أساس الديمقراطية الدينية إذن.. أساس أصيل و عميق يؤمن به الناس حقاً.ليخصص المجلس وقته للتشريع و الإشرافما يلوح لي أنه مهم جداً هو أن يخصص الأعزاء الكثير من الوقت للتشريع و الإشراف و هما الواجبان الأساسيان للمجلس. القانون يجب أن يكون جامعاً كاملاً دائمياً نابعاً من التجارب و الخبرات و حلالاً للمشاكل و معنياً بمشكلات حياة الناس. لا نقول إن القوانين التي تعالج المشكلات على الأمد القصير ليست ضرورية، بلى، هناك قوانين تحل عقداً على المدى القصير، و لا مفر من ذلك.. يجب تشريع مثل هذه القوانين - و لدينا مثل هذه القوانين - بيد أن السمة الغالبة و الطبيعية للقوانين هي أن تكون دائمية ممكنة التكيّف مع الظروف المختلفة، و مفيدة، و صريحة، و واضحة، و غير قابلة للتأويل، و ضمن إطار الحدود و الصلاحيات التي رسمها الدستور لمجلس الشورى الإسلامي. إذا كان ثمة نقاش حول هذه الصلاحيات و الحدود فهو نقاش يجب أن يدور خارج فضاء المجلس و في مناخ ما بين السلطات. كانت هناك حالات طرأت و شاهدناها رأى فيها المجلس أن هذه من ضمن حقوقه، و لم ترها السلطة التنفيذية من حقوق المجلس. حسناً، لهذا الأمر طريقة حل. لدينا دستور، و الدستور نفسه عيّن الجهة التي تفسر الدستور. و لدينا خبراء و مختصون حقوقيون يجب أن يجتمعوا و يعالجوا هذه الأمور. يجب إصدار القوانين و بقاؤها ضمن هذا الإطار، و هذه من النقاط المهمة في القانون، أي أن لا يتغير القانون كل يوم بمقتضى الطوارئ المختلفة. بمعنى أن على المشرع ملاحظة الظروف العامة للجماهير. شخص يريد المبادرة لفعل معين، و شخص يريد الاستثمار، و آخر يروم فعل شيء معين، و آخر يريد أن يختار لنفسه مجالاً مهنياً معيناً؛ لا بد أن يطمئن هؤلاء إلى أن هذا القانون ليس قانوناً يوضع اليوم و يتغير غداً بحوافز و دوافع أخرى.يجب عدم تأثر القوانين بنفوذ هذا و ذاكو ينبغي أن يتحرر القانون من نفوذ هذا و ذاك. سمعنا عن المجالس التشريعية في العالم - و ربما كانت هناك حالات مماثلة عندنا، لا يمكن أن ننكرها بالمطلق - أنها سنّت أحياناً قانوناً على وجه السرعة لتأمين مصالح شخص معين أو جماعة من الأشخاص، و بعد أن حصل الغرض نسخ ذلك القانون عقب مدة قصيرة أي بعد بضعة أشهر! كان لدينا مثل هذه الحالات.ينبغي الحذر من خضوع القوانين لنفوذ و تأثيرات الأفراد. و لهذا السبب قيل إن من الأفضل أن لا يقبل النواب المحترمون في إعلامهم و في جهودهم و أنشطتهم الانتخابية مساعدات مالية من بعض المراكز الطامعة. إذ أن المساعدات الناجمة عن الطمع تستتبع مثل هذه المشكلات على كل حال. على النائب في المجلس أن يهتم كثيراً للاستقلال الذي منحه له الدستور، و منحه له الله، و لقدرته على الاختيار و اتخاذ القرارات.. هذا شيء مهم و كبير، و لا يمكن المساومة عليه بأشياء صغيرة.إشراف المجلس عملية ضرورية جداًبخصوص الإشراف ذكرنا أن الإشراف الذي يمارسه المجلس ضروري جداً. إما بهذه الأدوات الإشرافية كديوان المحاسبات و ما شاكل، أو الإشراف الذي يمارسه النواب مباشرة عن طريق الأسئلة و إلفات النظر و غيرها من أدوات الإشراف المتوفرة لدى مجلس الشورى الإسلامي. هذا شيء جد ضروري و مهم. لكن يجب أن لا تتحول هذه العملية إلى ذريعة للصراع بين جهتين أو تيارين. و أعلموا - و أنتم طبعاً تعلمون و لا حاجة للقول - أن الكثير يركزون همّهم على إشعال النـزاعات و الخلافات و المعارك بين سلطات البلاد و تيارات اتخاذ القرار. هذا الشرخ و الهوة في النسيج المتلاحم لقيادة البلاد العامة - و أعني بها السلطات الثلاث التي تقود شؤون البلاد و تحكمها - من الطموحات الكبرى التي يخطط لها أعداء الجمهورية الإسلامية و يتابعونها منذ سنوات لتوجيه ضربة للجمهورية الإسلامية و دحرها. أحياناً يقولون ذلك علناً، كما حصل يوماً - و لعلكم تتذكرون - أن طرحوا قضية السيادة المزدوجة. الآخرون قالوا ذلك، و البعض هنا كرروا قولهم كالببغاء. أساس القضية كان نابعاً من العناصر خارج البلاد، و البعض كرروا كلامهم في الداخل عن غفلة، و الحق أنه يجب القول إن السبب الأول لذلك كان الغفلة. و أحياناً لا يتكلمون و لا يقولون صراحةً كما هم الآن حيث لا يصرحون بهذا المعنى لكنه هدفهم على كل حال. إننا نلاحظ آثار ذلك بوضوح في التقارير الخارجية الخاصة بالأجهزة الأمنية و الاستخبارية، على مستوى الأعمال التي تجري في بعض أوساط النخبة السياسية في العالم. إذن، يجب أن لا تسمحوا بنشوب الخلافات.جهود إدارة المجلس السابع و من الأمور التي تدعوني حقاً إلى تقديم الشكر للإخوة في المجلس السابع، لا سيما الدكتور السيد حداد عادل - ما يظهر إلى الخارج قد يكون بصورة مختلفة أحياناً، لكننا كنّا في الصميم من الشؤون و نسمع الكلام من هذا و ذاك و نرى الجهود المبذولة - هو أن جهوداً كبيرةً حقاً بذلت في المجلس السابع كي يتفادوا الخلاف بين المجلس و الحكومة. بذلت جهود حقيقية في هذا السياق.بعض وسائل الإعلام و الصحافة و المنابر السياسية تجانب الإنصاف، لكن هذه هي حقيقة القضية التي كنا نراها و نعيشها. طبعاً بذلت جهود حقيقية من الجانبين - من جانب المجلس و من جانب الحكومة - من أجل التعاون. و البعض لا يريدون هذا. ينبغي عليكم الاهتمام بهذه النقطة كثيراً أي بالتعاون مع الحكومة كمبدأ. الحكومة لكم. الشيء الذي تريدون القيام به تشمّر الحكومة و السلطة التنفيذية عن سواعدها لتنفيذه. و الحكومة للإنصاف حكومة دؤوبة و مثابرة. قلما شهدتُ عهداً من عهود ما بعد الثورة تتراكم فيه الجهود و الأعمال هكذا، و بنوايا حسنة. طبعاً قد تكون هناك آراء متباينة حول شتى الموضوعات.. حول الموضوعات السياسية، و الموضوعات الاقتصادية. و يجب قدر الإمكان التقريب بين هذه الآراء المتباينة بعيداً عن الضجيج و الغوغاء و الدعاية. يمكن إقامة ندوات قصيرة و مضغوطة من يومين أو يوم واحد، بين المسؤولين الكبار في المجلس و الحكومة و تشخيص نقاط الاشتراك، و يمكن أن يعمل كلٌ على شاكلته في نقاط الاختلاف.. لا بأس في ذلك.ذكرنا أن هذه التيارات المختلفة الهادرة حينما تصل بحيرة الذكر الإلهي و أداء التكليف الهادئة الآمنة فسوف يزول هديرها و صخبها و تنسجم مع بعضها.نقطة أخرى أرى من الضروري أن أذكرها للإخوة - و قد شددت عليها في النداء الذي وجهته للأعزاء - هو أن يحاول السادة و السيدات النواب أن يبقوا شعبيين جماهيريين. و ليست الحالة الشعبية مجرد أن يذهب المرء مرةً في كل فترة إلى مكان الانتخابات. تلك طبعاً ضرورية جداً، إذ ينبغي الذهاب و التفقد و اللقاء بالجماهير و عدم الانقطاع عنهم. لا شك في هذا. لكن هذا ليس كل شيء. نحن في الجمهورية الإسلامية يجب أن لا نساعد على إيجاد طبقة جديدة ارستقراطية. يجب أن لا نسمح بهذا الشيء. و هذا لا يحصل بإصدار الدساتير و الأحكام و القرارات. إنما يحصل بالقلوب و الإيمان و الحوافز.المحفزات المادية جذّابة و خطيرةأحياناً يدخل الإنسان ساحةً و هو طاهر لكنه قد لا يخرج من هناك طاهراً لا سمح الله. الحوافز المادية جذابة و خطيرة. المال شيء خطير يا أعزائي! لاحظوا أن الإمام السجاد ( سلام الله عليه ) في دعاء أهل الثغور من الصحيفة السجادية حيث يدعو للجنود و حراس الحدود و المجاهدين في جبهات القتال، يقول ضمن دعائه اللهم أنسِهم المالَ الفتون. الفتون بمعنى الشيء الذي يتسبب في الفتنة. و هو تعبير استخدم في هذا الدعاء للمال فقط » المال الفتون «.. المال فتّان. الفتنة لا تعني دوماً الفتنة في المجال الاجتماعي. فالأسوء منها الفتنة في قلب الإنسان. إذا فتحتم للقلب طريق حب المال و حياة التشريفات و الجاه و الجلال و ما إلى ذلك فلن يقف عند حد معين.إقرأوا القرآن حتماًأساس القضية هو كما ذكرنا مراقبة الذات. بناء الذات و مراقبتها أساس جميع هذه الأعمال و بوسعها إن شاء الله أن تهدينا جميعاً و من الله العون و السداد. ينبغي طلب العون من الله. ينبغي الاستغاثة.. يجب اللجوء إلى القرآن و الدعاء و التضرع. من جملة التوصيات التي سبق أن أوصيت بها الأعزاء نواب المجلس أحياناً و كذلك مسؤولي الحكومة، هي أن لا تتركوا تلاوة القرآن. اقرأوا القرآن حتماً. في كل يوم.. حتى بمقدار قليل.. حتى بمقدار صفحة واحدة في اليوم.. بتدبر و دقة. ما نصرّ عليه هو أن لا يفقد الأعزاء صلتهم بالقرآن. و لا تكتفوا بالدقائق العشر التي يتلى خلالها القرآن بداية اجتماعات المجلس. و مع أن المجلس السابع سنّ سنة حسنة هي قراءة ترجمة القرآن إلى جانب القرآن، و هذا شيء مفيد و مناسب، و لكن لا تكتفوا بهذا. القرآن دروس و مواعظ، و كلنا بحاجة للموعظة. ليس معنى الموعظة أن يذكر للإنسان على الدوام شيء لا يعلمه. أحياناً هناك أشياء نعرفها لكن في الاستماع أثر لا يوجد في المعرفة. يجب أن نسمع و القرآن يجعلنا نسمع. » موعظة من ربكم «. كثيراً ما استخدم القرآن تعبير الوعظ و الموعظة.. القرآن موعظة.و الدعاء.. الدعاء أيضاً شيء مهم جداً. و اعتقد أن الصحيفة السجادية المباركة من أفضل كنوزنا المعنوية لو استطعنا الانتفاع منها. تواصلوا مع أدعية الصحيفة السجادية و استأنسوا بها فكل واحد منها باب، و عالم خاص، و بحر يعلم الإنسان المعارف و يرقق قلبه و يعلمه الخشوع.نتمنى أن يعينكم الله تعالى.. هذه الفترة كما ذكرنا فترة قصيرة ابتدأت اليوم و ستنتهي بطرفة عين. هذه السنوات الأربع - و الحياة كلها هكذا - فترة قصيرة و ستنقضي بسرعة. طوبى للذين ينتفعون منها للمستقبل و لملف و صحيفة أعمالهم إن شاء الله. عذراً لأن كلامنا طال قليلاً. نتمنى أن لا تكونوا قد تعبتم إن شاء الله.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته. 
2008/06/09

كلمة الإمام الخامنئي في ذكرى رحيل الإمام الخميني (رض)

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا أبي القاسم محمد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين سيما بقية الله في الأرضين.منذ تسع عشرة سنة والشعب الإيراني يحوّل الزمان والمكان في مثل هذه المناسبة مظهراً لحب إمامنا الجليل ومودته. معظم شعبنا شباب لم يدركوا عهد الحياة الثرة للإمام الكبير؛ إما ولدوا بعد وفاة ذلك العظيم، أو كانوا خلال العشرة أعوام الأخيرة من حياته المباركة أولاداً و بناتٍ صغاراً؛ لكن هؤلاء الشباب المؤمنين الوضّائين أنفسهم ومن كافة أنحاء البلاد يعشقون الإمام وذكراه واسمه وكأنهم صحبوه وعايشوه. كما نقرأ في دعاء السمات: آمنا به ولم نره صدقاً وعدلاً .. إيمان خالص طاهر من دون أن يدركوا حياة ذلك العظيم وصحبته. وهذا شيء لا ينفرد به شعبنا، فثمة مثل هذه المشاعر تجاه الإمام الجليل في كثير من مناطق العالم والبلدان الإسلامية. وهذا وليد عاملين مهمين: أحدهما عظمة الإمام والأبعاد المختلفة لشخصيته وهي شخصية استثنائية في عصرنا بل في كل العصور القريبة منا. والثاني عظمة هذه الثورة التي حقّقها الإمام الكبير بإيمانه، وتدبيره، وإرادته، وعزمه الراسخ في هذه البرهة من الزمن. تفجير الثورة الإسلامية وتأسيس نظام الجمهورية الإسلامية. وعظمة هذه الثورة بدورها تشير إلى عظمة إمامنا الجليل. كانت هذه الثورة معجزة إلهية. في حين ظل أعداء الإسلام والأمة الإسلامية يعملون ويبثّون دعاياتهم ضد الإسلام وضد رجال الدين لمائة عام تقريباً، وفي حين قدّم نظام تابع حَكَم هذا البلد لمدة خمسين سنة مصالح الشعب الإيراني قرباناً للأعداء والأجانب و جعل البلد تابعاً لهم تماماً - النظام البهلوي - ثار الإمام الكبير رافعاً راية الإسلام وراية مناهضة الهيمنة في هذه البلاد وبلغ بهذا العمل الكبير طور النجاح. الثورة الإسلامية تختلف عن الثورات الأخرى. إنها ليست ثورة معنوية وثقافية صرفة، ولا ثورة اقتصادية صرفة، ولا ثورة سياسية مجردة؛ بل ثورة شاملة كالإسلام نفسه. كما أن للإسلام أبعاداً معنوية وأخلاقية وإلهية ويعنى في الوقت ذاته بحياة الناس وله أبعاده الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، كذلك للثورة أبعادها المختلفة التي تمثل سر بقائها وتجددها المستمر على مستوى المنطقة والعالم وتماشيها وتكيّفها مع احتياجات البشر.ترك الإمام بكلامه وسلوكه هداية مستمرة لأمته، أي لنا نحن الناس. يد الإمام وأصابع تأشيره ترشدنا في كافة منعطفات الحياة؛ ومن أقوى وأفضل مواريث الإمام هي وصيته التي من المناسب للجماهير والمسؤولين والشباب إعادة قراءتها والتدبر فيها من حين لآخر. وسأطرح اليوم بمناسبة هذا الحشد الهائل من القلوب الواعية اليقظة عدة نقاط من وصية الإمام الحافلة بالدقائق.النقطة الأولى هي أن الإمام يؤكد في وصيته أن هذه الثورة ثورة إلهية والجماهير ركنها الأساسي. أي إن الثورة ملك الجماهير. معنى هذا الكلام أنه ليس بوسع أحد - شريحة، أو فرداً، أو طبقة - ادعاء ملكية الثورة، ويجب أن لا يدعي مثل هذا الادعاء ويعتبر نفسه مالكاً لها وبقية الناس مستأجرين فيها. لو قدّر لأحد أن يعتبر نفسه مالكاً وصاحباً للثورة لكان الإمام نفسه أنسب الجميع وأجدرهم حيث تكوّنت الثورة حول محور عزيمته وإرادته وشخصيته. لكنه كان يرى نفسه لا شيئاً ويرى الله مصدر كل شيء. هذه قضية تطفح بها كلمات الإمام وقد أكدها وصرّح بها في وصيته. إذن، الجماهير هم أصحاب هذه الثورة، وثمة واجب على عاتق الجميع هو صيانة هذه الأمانة الإلهية الكبرى. على الجماهير أن يعتبروا أنفسهم حرّاس هذه الثورة. هوية الثورة ومعناها مودع في شعاراتها واتجاهاتها وقيمها ومبانيها. كان هناك دائماً في الماضي والحاضر وسيكون هناك في المستقبل أشخاص يرومون تغيير شعارات الثورة بذريعة تغيّر أوضاع العالم، أو استبعاد الشعارات الدينية والبعد الديني للثورة، أو إقصاء بعد العدالة الاجتماعية عنها، أو بعد مناهضتها للهيمنة والأجانب، أو بعد تناقضها مع الاستبداد. قد يدخلون الساحة بمحفزات وذرائع مختلفة من أجل أن يغيّروا شعارات الثورة وأهدافها. وعلى الجماهير أن يتيقّظوا ويعلموا هذا. الثورة حية بشعاراتها. الشعار الأهم المكتوب على راية هذه الثورة هو شعار الإسلامية والالتزام بمباني الدين وأصوله وقواعده؛ ومعارضة الهيمنة والاستكبار، والدفاع عن كل مظلومي العالم بصراحة وصدق. ومن جملة أفضل شعاراتها هو أنها ملك لعامة الناس، وما من شريحة أو طبقة ترجُح على الآخرين في الانتساب للثورة. شباب اليوم هم أصحاب الثورة بنفس درجة شباب فترة الدفاع المقدس. لا يتاح القول إن الذين أوجدوا الثورة أو ساهموا في إيجادها ينتسبون إليها بدرجة أكبر؛ لا، كان هناك أشخاص لم يشاركوا في أصل الثورة وبدايتها لكنهم خاضوا غمار الساحة ووضعوا أرواحهم على الأكف في ملحمة الدفاع المقدس. هؤلاء ينتسبون إلى الثورة بنفس الدرجة. طوال فترة العشرين عاماً التي أعقبت نهاية الدفاع المقدس نزل إلى الساحة شباب ضمنوا بقاء الثورة وحيويتها بوعيهم، وحماسهم الاستثنائي، واندفاعهم، ومحفزاتهم الإلهية، وجهودهم العلمية، والاجتماعية، والسياسية. هؤلاء أيضاً أبناء الثورة وأصحابها ونسبتهم إليها كنسبة المشاركين في صدرها الأول. وكذا سيكون الحال في المستقبل أيضاً. الشرائح الشابة والأجيال المتعاقبة لها كلها درجة واحدة من الانتساب للثورة. كلهم مشاركون في الثورة وفي واجب حفظها كأمانة. ليعلم شبابنا اليوم وجيلنا المعاصر والشباب الذين سيأتون في المستقبل أن طريق الثورة طريق يحتاج إلى العزم والإيمان ورسوخ الأقدام. البعض لا يتحلّون برسوخ الأقدام فيعودون أدراجهم في وسط الطريق. وهؤلاء يضرّون أنفسهم طبعاً ﴿ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ ﴾. الذين يعودون أدراجهم في طريق الثورة كالذين يصومون في الصيف ويحفظون صيامهم إلى أواخر النهار لكن صبرهم ينفد قبل ساعة أو ساعتين من الغروب فيفطرون، فيكون حكمهم كحكم الذي لم يصم منذ بداية النهار. إبطال الصيام في أي ساعة من ساعات النهار هو إبطال للصيام. لولا رسوخ الأقدام في الثورة وتداوم الحركة لانقطعت صلة الإنسان بالثورة. وهذا عدم وفاء للثورة. كان هناك دائماً أشخاص لم يفوا للثورة وقلّلوا انشدادهم إليها وأداروا لها ظهر المجن. وصية إمامنا هي أن ينظر شبابنا، وجماهيرنا، وأجيالنا نظرة واقعية. الأصل هو الثورة وليس الأشخاص. والحالة الثورية هي في حفظ الصلة بالثورة والعمل لها. هذه هي النقطة الأولى.النقطة التالية هي إعلان الإمام في وصيته أن هذه الثورة سوف تتسع وتنتشر، وسوف تقصّر أيدي المستعمرين عن العالم الإسلامي. هذه هي نبوءة الإمام الجليل. وحين ننظر اليوم للساحة نرى أن هذا الأمر قد حصل فعلاً. ليس انتشار الثورة من وجهة نظر الإمام عن طريق اختلاق الفتن في البلدان، وزحف الجيوش، ونشر الإرهاب - خلافاً لثورات أخرى - إنما يتم نشرها بين الشعوب عن طريق صناعة نموذج الجمهورية الإسلامية، بمعنى أن يرتفع الشعب الإيراني بنظام الجمهورية الإسلامية إلى مرتبة حين تنظر لها الشعوب الأخرى تتشوق إليها وتسير في هذا الطريق؛ عن طريق إشاعة المعارف الإسلامية والصراحة في الدفاع عن الطبقات المظلومة في العالم الإسلامي والتي سُحقت تحت أقدام الجور الاستكباري. هذا هو انتشار النظام الإسلامي الذي حصل.شعوب العالم اليوم تنظر لشعب إيران وتستمد منه القوة والحوافز والطاقة. لقد انتشرت اليوم شعارات الشعب الإيراني المعادية للاستكبار في كل العالم الإسلامي. أي بلد من البلدان الإسلامية تذهبون له اليوم، مهما كان نظامه الحاكم، ترون شعبه ينظر بعين الاعتزاز والاحترام لشعاراتكم، وحوافزكم ومبادئكم التي رسمتموها ؛ شعارات مناهضة الظلم والهيمنة، والدفاع عن المظلومين وعن شعب فلسطين، ومعاداة الشبكة الصهيونية الأخطبوطية. هذه هي قلوب الشعوب المسلمة، وهذا هو انتشار الثورة الإسلامية. بل ترون أن شعار الطاقة الذرية الذي رفعه الشعب الإيراني - صمود شعب إيران حيال ضغوط الأعداء ومطالبته بحقه - انعكس في العالم الإسلامي إلى درجة أن ساسة البلدان المسلمة والعربية راحوا يعلنون أن الطاقة النووية أصبحت مطلباً عاماً للشعوب العربية.يعترف أعداء الشعب الإيراني وأصدقاؤه أن الانتشار الذي تنبّأ به الإمام للثورة قد تحقق اليوم. ومن ذلك قضية فلسطين. الشعوب قلوبها تخفق لشعب فلسطين كما هو قلب الشعب الإيراني، وتعتبر الكيان الصهيوني على غرار ما يعتبره الشعب الإيراني نظاماً مصطنعاً مفروضاَ في المنطقة.طبعاً، الحكومات لا تواكب الشعوب، وهذا هو ما يقوّي اسرائيل للأسف. ليس للكيان الصهيوني قوة وطاقة ذاتية، وليس له القدرة على الوقوف على أقدامه. هناك عاملان أبقيا على الكيان الصهيوني لحد الآن: الأول الدعم غير المشروط والوقح الذي تقدمه أمريكا لهذا الكيان المنحط، والثاني عدم دعم الحكومات العربية والإسلامية للشعب الفلسطيني. للأسف، لا تعمل الكثير من الحكومات المسلمة راهناً بواجباتها حيال فلسطين كما ينبغي، ولا تتناغم مع شعوبها. لو ضمّت الحكومات صوتها إلى صوت شعوبها ودافعت عن الشعب الفلسطيني المظلوم لتغيّر الواقع في المنطقة تغيّراً جذرياً. هذه هي الإرادة العامة للشعوب وهذا هو الانتشار الذي أخبر به إمامنا الجليل.النقطة الثالثة البارزة في وصية الإمام والموزّعة في كلماته التي ألقاها طوال هذه السنوات العشر من حياته المباركة والمهمة بالنسبة لشعبنا وشبابنا هي أن الثورة الإسلامية عامل يساعد على تقدم الشعب وإبداعه وتجديده. وهذا على الضد تماماً مما أشاعه أعداء الإسلام على مدى سنوات طويلة. أظهر أعداء الإسلام أن التدين يناقض التقدم ولا ينسجم معه. إذا أراد شعب التقدم فعليه التخلي عن الدين والسقوط في أحضان الغرب والتلون بألوانه من قمة رأسه إلى أخمص قدميه كي يستطيع التقدم. أوحوا بهذا الشيء للشعب الإيراني كعقيدة وقناعة طوال عشرات الأعوام. يؤكد إمامنا الكبير منذ بداية الثورة، إلى آخر يوم، وفي وصيته، أن الروح الثورية هي روح التقدم إلى الأمام والتطور والابتكار والتجديد وهذا ما تحقق في واقع الشعب الإيراني.الشعب الإيراني يؤمن بنفسه اليوم، ويخوض في ميادين العلم، والسياسة، ويقف في مقدمة الشعوب في أي ميدان يخوض فيه. واقع شعبنا الراهن على صعيد الإبداعات العلمية والقدرات السياسية والعزة الدولية لا يقبل المقارنة بما كان عليه قبل الثورة. لقد استيقظ هذا الشعب وهو شعب حي بفضل الثورة. كلما تصاعدت وتفاعلت هذه الروح الثورية لدى شعبنا كلما تصاعدت روح الإبداع والابتكار والخلاقية. وقد كانت الثورة نفسها إبداعاً كبيراً. لقد رسم الإمام بالثورة الإسلامية وتأسيس الجمهورية الإسلامية الطريق الوسط بين التخلف والتغريب. تصورت الشعوب أن عليها إما أن تبقى متخلّفة أو تغدو متغّربة. وأثبت الإمام أن كلّا؛ ثمة طريق وصراط مستقيم لا يكون الإنسان فيه أسيراً للغرب لكنه يقطع أشواط الرقي والتقدم والسمو. سار الشعب الإيراني في هذا الطريق. أيها الشباب الأعزاء، تمسكوا بهذا الصراط المستقيم ما استطعتم من أجل تقدم بلادكم ورفعتها. وستستطيعون بالاعتماد على الله تعالى والإيمان بطاقاتكم الذاتية أن ترفعوا عن طريقكم كل العقبات.هذه إحدى أسباب عداء الاستكبار لشعب إيران والمؤامرات العالمية التي تحاك ضده في قضية الطاقة النووية والقضايا المماثلة. ترون أنه في الوقت الذي يقود الأمريكان معارضة حصول الشعب الإيراني على الطاقة النووية ويتبعهم بعض الأوربيين ويبذلون مساعيهم ويهددون ويطلقون كلمات حادة، يعقدون في الوقت نفسه معاهدات طاقة نووية مع بلدان أخرى متخلّفة كثيراً عن الشعب الإيراني من الناحية العلمية والصناعية! فما معنى هذا؟ معناه أن الطاقة النووية إذا أدت لمزيد من تبعية أحد الشعوب لهم اعتبروها أمراً جائزاً مباحاً لذلك الشعب. إنهم يعارضون الطاقة النووية التي يحصل عليها شعب بإبداعه وابتكاره وجهده الخاص وباستقلال تام من دون الحاجة إليهم. وقد أحرز شبابنا الأعزاء وشعبنا الكبير ميزة الوصول إلی هذه المرتبة العلمية‌ والصناعية المتقدمة بالاعتماد علی طاقته الذاتية. لم يجترحوا أية تبعية، إنما كان هذا علی‌ الضد من التبعية‌. هذه الطاقة النووية‌ ذاتها تؤدي للتبعية بالنسبة للشعوب التي تحصل عليها من الدول المستكبرة. أما بالنسبة لشعب إيران الذي يغلي من الداخل ويبدع ويجدد وينتج فتؤدي إلی قطع التبعية. الاستكبار العالمي وأعداء الشعب الإيراني يعارضون هذا الشيء. النقطة الأخری في وصية الإمام (رضوان الله عليه) وهي مهمة جداً التنبه إلی الحرب الباردة والهجمات النفسية التي يشنها الأعداء. حينما يعجز العدو عن فعل شيء في ساحة العمل يبادر لشن حرب نفسية هدفها بث اليأس والقنوط في قلوب الشعوب وتفتيت رباطة جأشها. يحاولون عن طريق الحرب النفسية والتهديدات أن يفرضوا التراجع والهزيمة علی الشعوب التي تواجههم. معنی هذا أنهم افتقروا للقدرة علی مجابهة هذا الشعب في ميادين العمل . استمرت الحرب النفسية منذ أيام الثورة الأولی وإلی اليوم حيث مضت ثلاثون سنة. أحياناً كانوا يقولون إن هذه الثورة لن تستمر لأكثر من شهرين، وأحياناً‌ يقولون إنها لن تستمر لأكثر من سنتين. وقد تقدمت الثورة إلی الأمام طوال ثلاثين عاماً إلی اليوم بكل قوة واقتدار وجعلت الشعب الإيراني أكثر انسجاماً وأملاً وطاقة يوماً بعد يوم.يمارسون الحرب الباردة والحرب النفسية في الوقت الراهن بأشكال شتی. يريدون إقناع الشعب الإيراني وشباب إيران أنكم لا تستطيعون تحقيق شيء من دون الارتباط بالقوی المهيمنة. هذا خطر كبير حذر منه الإمام. ينكرون التقدم الهائل للشعب. تخطّت الثورة كثيراً من العقبات طوال هذه الأعوام الثلاثين - حين ينظر المرء في تاريخ الثورات نادراً ما يجد كل هذه العقبات في طريق شعب أو ثورة، وغالباً ما تتوقف الثورات خلف هذه العقبات وتستسلم للعدو - واستطاعت رغم كل هذه التهديدات والحظر وصنوف العداء والحيل والعرقلة أن تتقدم إلی‌الأمام وتفتتح القمم ولا تزال تتطلع إلی قمم أعلی وتتقدم للأمام بقوة. يريدون سلب الشعب الإيراني هذه الحوافز. أقول لشبابنا الأعزاء من الجامعيين والحوزويين والناشطين في مضمار الصناعة أو الزراعة أو العلم أو الفن : أنتم في منتصف الطريق وما قطعتموه من الطريق رافقته مشكلات جد صعبة، لكنكم استطعتم، وبوسعكم قطع النصف الثاني المتبقي من الطريق، بينما العدو يروم الحؤول دون أن تقطعوا هذا النصف الرئيسي الأخير من الدرب وتصلوا إلی القمة. إنتم قادرون، وقد أثبتّم أنكم قادرون.يقف الشعب الإيراني اليوم بعزة وصلابة بوجه المستكبرين الذين لم يستطيعوا فعل شيء رغم كل ما سعوه في شرق بلادنا وغربها. ربما أستطاعوا فرض حصار علی بلدنا. بيقظة الشعب الإيراني وإيمانه وانسجامه أفضت جهود الاستكبار والحمد لله - جهود أعداء شعب إيران في شرق حدودنا وغربها - إلی مزيد من اقتدار الجمهورية الإسلامية وهذا ما يعترفون به هم أنفسهم حالياً.النقطة الأخری في وصية الإمام الكبير تحذير الشباب من المؤامرات التي لا تستهدف سواهم. الشباب في بلد ما إذا أرادوا التقدم به كما يفعل المحرك فهم بحاجة لأن يكونوا حيويّين متوثّبين سالمين أقوياء منشدّين إلی العمل والتقدم. ولأجل إماتة هذه الروح لدی‌الشباب الإيراني يسعون لاشغالهم بمختلف مؤامراتهم من ترويج الفساد والفحشاء والمخدرات عبر عصابات موجّهة. وعلی الشاب الإيراني أن يتنبّه. إذا كان مسؤولو الجمهورية الإسلامية يكافحون المخدرات بشراسة فهذا جهاد كبير وتحرك عميق جداً في سبيل تقدم الشعب الإيراني. لا يريدون للشاب الإيراني أن يعمل بجد ونشاط في الورشة والمختبر والجامعة والمناخ العلمي وفي مراكز العمل والسعي الصناعي والزراعي. الشاب الذي يقع أسيراً للشهوات الجنسية أو المخدرات لا تبقی فيه طاقة للعمل، ولا للتفكير، ولا للإبداع، ولا يتحلی بالعزيمة والإرادة الراسخة الضرورية. المؤامرات المنظّمة لجرّ الشاب الإيراني نحو الشهوات والمخدرات والتسلية الجنسية مؤامرات خطيرة جداً في الوقت الراهن، وتقع مهمة مكافحتها بالدرجة الأولی‌ علی‌ عاتق كل أبناء الشعب لا سيما الشباب. علی الشباب أن يتحلّوا بالوعي. لقد علم العدو أن تقوی الشاب الإيراني وورعه وتدينه يساعده علی التقدم في الميادين المختلفة ويريدون زعزعة هذا الجانب. يحذر الإمام الشباب والجامعات والحوزات العلمية وكل شباب البلد ويدعوهم إلی اليقظة والحذر. خداع الشباب وتضعيفهم يعني الإبقاء علی‌ الشعب متخلفاً. علی الشعب كله الشعور بالمسؤولية وعلی المسؤولين العمل في هذا السبيل بجد ونشاط فهو جهاد كبير. نقطة أساسية أخری في وصية الإمام وخطبه هي قضية مواجهة المتغطرسين في العالم. طبعاً كانت هناك علی‌ امتداد التاريخ البشرية قوی‌ تسلطية متجبرة ، لكن تقدم العلوم والصناعة ووسائل الاتصال الحديثة سهّل لهم هذا التسلط والهيمنة. لذلك ترون الأمريكان يبدون أطماعهم بكل العالم ويتدخلون بذريعة أن مصالحنا مهددة في المنطقة الفلانية، وكأن مصالحهم مرجحة علی مصالح كل العالم والشعوب. حسناً، كيف يجب التعامل مع هذه الغطرسة والتجبّر واللامنطق وغمط الحقوق؟ ثمة طريقتان للتعامل : أحداهما الاستسلام والثانية المقاومة. الاستسلام حيال متغطرسي العالم يشجعهم علی الغطرسة. استسلام الشعوب وساسة العالم ومثقفي المجتمعات المختلفة حيال عجرفة الاستكبار العالمي يشجعهم علی مزيد من العجرفة. ولن يبقی أمام الشعوب سوی طريق واحد حقيقي هو المقاومة. إذا أراد شعب الخلاص من شرور غطرسة المتغطرسين - وشرور أمريكا حالياً - فعليه الوقوف بقوة وصلابة‌ أمام الغطرسة‌ الأمريكية. انظروا لتصرفات الساسة الأمريكان - رئيس الجمهورية والفريق المحيط به - وكيف يتحدثون. كلامهم ككلام الأشخاص العصابيين؛ يهددون أحياناً، ويصدرون أوامر الاغتيال أحياناً، ويوجّهون التهم أحياناً، ويطلبون المساعدة بسبب يأسهم أحياناً، ويهاجمون استقرار شعب ما وأمنه في بعض الأحيان؛ يتخبّطون هنا وهناك كالمجانين. تصرفاتهم ليست منطقية وعاقلة ومدبرة. طبعاً جزء كبير من هذا يعد انعكاساً لإخفاقات أمريكا في المناطق المختلفة؛ في أفغانستان والعراق. دخلوا أفغانستان والعراق بوعود الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان. واليوم بعد مضي عدة سنوات تعيش هذان البلدان وضعهاً لا يتمناه أي شعب؛ إنعدام الأمن، والتخلّف، والفقر، والهيمنة المتزايدة للقوی‌ الاستكبارية، والقبض علی المصالح الوطنية لتلك البلدان وتجاهل حقوق شعوبها، وخلف كل هذا طبعاً إخفاق تام في تحقيق الأهداف التي أعلنوها أو التي أضمروها في قلوبهم ولم يعلنوها. هذه الإخفاقات تنعكس علی سلوك الساسة الإمريكان؛ تنعكس في اختلافاتهم ومهاتراتهم فيما بينهم وعلی قراراتهم. هذا هو وضع المتجبرين في العالم. حسناً، ما الذي ينبغي فعله إزاء هذا التجبّر؟ وصية الإمام هي الصمود. لحسن الحظ تنادي الأطراف السياسية المتنوعة في البلاد اليوم بالوفاء لخط الإمام. هذه ظاهرة مباركة. لم يكن الحال كذلك في بعض الفترات السابقة. بعض التيارات السياسية كانت تتحدث بصراحة عن الإعراض عن خط الإمام! والفئات السياسية في بلادنا حالياً تنادي كلها بأفكار الإمام وخطه. وإحدی أبرز النقاط في خط الإمام والتي انعكست في وصيته وفي جميع خطبه ضرورة الوقوف الحاسم مقابل الطامعين والمستكبرين.علی الشعب الإيراني وجميع الفئات والنخب الملتزمة والوفية للإمام وآرائه وأفكاره أن تحافظ علی‌ هذا الموقف بكل قوة. هكذا كان الإمام نفسه.. لم يتخلّ أبداً عن الدفاع عن مظلومي العالم مصانعةً لمتجبري العالم. ذكر قضية فلسطين دائماً‌ باعتبارها قضية مركزية واهتم صراحة في وصيته وكلماته بنداء « يا للمسلمين » الذي تطلقه الشعوب المضطهدة؛ الدفاع الصريح عن حقوق المظلومين وعن حقوق الشعب الفلسطيني وأي شعب مظلوم آخر. هذا هو منهج الإمام وخطه وأسلوبه ووصيته. لحسن الحظ تابع الشعب الإيراني ومسؤولو البلد هذا المنهج ومنذ ثلاثين عاماً حيثما واجهتم أيها الشعب الإيراني الاستكبار الأمريكي في أي ميدان من الميادين كنتم المنتصرين وكان عدوكم المغلوب المهزوم.العدو لا يهدأ طبعاً إنما يواصل مساعيه في الحرب النفسية والسياسية ويوجّه التهم. لم يعد للاتهامات الأمريكية والصهيونية ضد شعب إيران والجمهورية الإسلامية اليوم من يأبه لها في العالم؛ تهمة انتهاك حقوق الإنسان ومن قبل طرف هو الأشد انتهاكاً لحقوق الإنسان واغتيالاً للمظلومين واعتداءً علی‌ الشعوب، وصاحب الملف الأسوء في هذا المجال. هؤلاء يتهمون شعب إيران ونظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية بانتهاك حقوق الإنسان! هذا شيء لا أهمية له. أو حول الشأن النووي، أعلن الشعب الإيراني مراراً أنه لا يريد حيازة سلاح نووي، وهذا شيء يعلمه الجميع ويؤيده المنطق. حين يريد الأمريكان أن يتحدثوا ويتخذوا مواقفهم بخصوص قضية إيران النووية، لأنهم لا يستطيعون تجاهل حق الشعب بصراحة وإعلان معارضتهم لحق أحد الشعوب، ولكي يبرروا كلامهم لدی الرأي العام العالمي يتهمون إيران بالسعي لحيازة أسلحة ذرية. هم أيضاً يعلمون أنهم يكذبون؛ يعلمون أن هذا الكلام كاذب. ما من شعب عاقل ولا مسؤول عاقل يريد السلاح النووي اليوم. وشعب إيران يعارض هذا اللون من التسلح حسب مبانيه الإسلامية والفكرية وفي ضوء تدبيره وعقلانيته. ليس للأسلحة النووية أية فائدة سوی تكاليف إنتاجها وحفظها. إنها لا تحقق الاقتدار لشعب ما لأنها غير ممكنة الاستخدام. الذين يملكون قنابل ذرية يعلمون جيداً أنهم إذا أخطأوا واستخدموا هذا السلاح النووي فسوف تلحقهم تبعاته - كما دعموا الإرهابيين يوماً فلحقتهم تبعات ذلك - بحيث لن تمضي فترة طويلة حتی يحصل إرهابيو العالم علی‌السلاح النووي ويهدّدوا أمن جميع مستكبري العالم وجميع الشعوب. يعلمون أن السلاح الذري لا استخدام له؛ يفهمون هذا جيداً. ومع ذلك يتهمون شعب إيران. كلّا؛ شعب إيران لا يسعی‌ وراء السلاح النووي، إنما يسعی‌ للاستخدام السلمي للطاقة الذرية في مجالات الحياة. وسيتابع هذا الطريق وسيصل للهدف بكل اقتدار وعلی رغم أنف الأعداء.ذكری الإمام تذكّر بعزة الشعب الإيراني ويقظته وتحوله إلی أسوة وقدوة لكل الأمة الإسلامية والشعوب المستضعفة. ذكری الإمام تبعث علی الشعور بالقوة والأمل. ينبغي إحياء ذكراه ومعرفة قدر طريق الإمام وخطه وأصابع تأشيره والعلامات التي وضعها للسير في الطريق؛ ويتحتّم علی الشباب والمسؤولين قبل غيرهم أن ينظروا لتوصيات الإمام ووصيته كدساتير وبرامج عمل.علی‌ السلطات الثلاث ومسؤولي البلاد - العسكريين وغير العسكريين والسياسيين والاجتماعيين والخدميين - أن يجعلوا وصية الإمام وإرشاداته برنامج عملهم، فعزة الشعب الإيراني وأمنه الدائم، وتطوره وتنميته المادية، ورفعته المعنوية والأخلاقية رهن بالعمل بهذه التوصيات.اللهم نقسم عليك بأرواح الشهداء والأئمة العظام الطيبة، وفّق شعب إيران في السير علی هذا الدرب. زد من عزته يوماً بعد يوم. اللهم خذ من هذا الاجتماع ومن قلوب الشعب الإيراني ومن قلوبنا وألسنتنا هدايا معنوية لروح إمامنا الكبير الطاهرة؛ وأسبغ رحمتك ومغفرتك وفضلك علی روحه المباركة. اللهم احشر الشهداء طلائع هذا الدرب مع أوليائك. ربنا اشمل كل خدمة طريق الحق والحقيقة ومضحّيه والعاملين فيه بلطفك ورحمتك وهديك ورفقتك. ربنا أرضِ عنا القلب المقدس للإمام المهدي واجعلنا من جنوده بالمعنی‌ الحقيقي للكلمة. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته  
2008/06/02
  • « الأولى
  • ‹ السابقة
  • …
  • 18
  • 19
  • 20
  • 21
  • 22
  • 23
  • 24
  • 25
  • 26
  • …
  • التالية ›
  • الأخيرة »

المستقبل للإسلام وللشباب المؤمن

2017/05/27
خطابات
  • الخطابات
  • القرارات
  • رسائل وندائات
مرئيات
  • الفيديو
  • الصور
  • تصاميم
  • موشن غراف
السيرة
  • السيرة الذاتية
  • قصص وخواطر
قضايا وآراء
  • تقارير
  • مقالات
  • حوارات
مؤلفات
  • مؤلفات الإمام الخامنئي
  • مؤلفات حول الإمام الخامنئي
  • مؤلفات حول الثورة الإسلامية
المزيد
  • الأخبار
  • أفكار ورؤی
  • الإمام الخميني
  • إستفتاءات
إنّ كلّ المحتويات الموجودة على KHAMENEI.IR مرخّصة بموجب ترخيص Creative Commons Attribution 4.0 International License.