بسم الله الرحمن الرحيم
أبارك عيد الفطر السعيد للأمة الإسلامية الكبرى و للعالم الإسلامي بأسره و للشعب الإيرانـي الواعي المضحي ، و لكم أيها الحضور الكرام و مسؤولـي البلاد الكبار و السفراء و ضيوفنا من البلدان الإسلامية .
نقرأ فـي قنوت صلاة عيد الفطر : « أسألك بحق هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيداً » . لقد جعل الله تعالى هذا اليوم عيداً للمسلمين ، أي إنه يوم يبقى بالنسبة للمسلمين مُحمّلاً بالذكريات دائماً : اجتماع الناس ، تعرفهم على بعضهم ، و تجديد اليوم و الزمن و أسلوب الحياة . و نقرأ فـي تتمة تلك العبارة : « و لمحمد (صلى الله عليه و آله) ذخراً و شرفاً و كرامةً و مزيداً » . إنه ذخر للرسول و شرف و كرامة و مزيد ، أي إنه سبب فـي انتشار و اتساع التراث المعنوي للرسول . متى نستطيع نحن الأمة الإسلامية أن نجعل هذا اليوم عيداً لنا بالمعنى الحقيقي للكلمة ، و شرفاً و شموخاً لرسولنا الكريم ؟ حينما نتنبه لإشارات يد الرسول و نتحرك وفقاً لها .
يستوعب الإسلام كل جوانب الحياة ، و له وصفة و علاج و حل و فرج لكل جزء من الأمور الكبرى فـي حياة الإنسان . بيد أن تفرق المسلمين هو الداء الأكبر و ما يمكن تسميته أم الأمراض من بين الأمراض المختلفة التـي يعانيها المسلمون . نحن المسلمين لا نعمل بوصية رسولنا العظيم ﴿ ولا تكونوا كالذين تفرقوا و اختلفوا ﴾ أو بوصية ﴿ و اعتصموا بحبل الله جميعاً و لا تفرقوا ﴾ ، و ما ضعف العالم الإسلامي إلاّ نتيجة لهذه الفُرقة . تفرق المسلمين اليوم هو سبب استمرار ضعفهم . كانت هناك أمراض معينة فـي كل فترة من الزمن . و المرض الرئيس فـي هذه الفترة هو عدم اتحاد كلمة المسلمين . ترون أن بؤرة الاستكبار العالمي تتخذ موقفاً علنياً و صريحاً ضد الإسلام و تناصبه العداء . إنها الطرف المعادي للإسلام . تعارض الإسلام و تخالفه ، لأنها تعلم أن الإسلام بامتلاكه لخمس سكان العالم و بتواجده فـي واحدة من أكثر مناطق العالم حساسية ـ المنطقة التـي يقطنها المسلمون ـ و بامتلاكه لثروات و مصادر هائلة و تراث علمي و معنوي عميق و عريق و قديم ، يستطيع عبر حشد إمكاناته تشكيل منظومة مقتدرة غنية مستقلة . و وجود منظومة غنية مقتدرة مستقلة مما لا يمكن أن تصبر عليه اليوم أجهزة الاستكبار العالمي ، و هي لا تحتاج لأية ذريعة أخرى .
إذا أحسنت الأمة الإسلامية استخدام نفطها ، و طاقاتها الإنسانية ، و أسواقها ، و علومها ، و مصادرها المادية و المعنوية المختلفة ، لما استطاع الأقوياء و المهيمنون فـي العالم أن يتعاملوا معه بمنطق القوة هكذا . لاحظوا الأمر بالنسبة للشعب الفلسطينـي كم يبدو منطق القوة لدى العالم الاستكباري مفضوحاً و جلياً . شعب فـي أرضه يفرض مغتصبو أرضه أنفسهم عليه بالقوة ، و بكل هذه الفجائع التـي يرتكبونها . حقوق الإنسان تنتهك ، أرواح البشر تزهق ، إمكانات الحياة تسلب من أهالـي تلك البلاد ، يهدمون بيوتهم ، يدمرون مزارعهم ، يمنعون تجارتهم ، يقتلون مواهبهم ، يحولون دون تنميتهم و رقيهم ، يقتلون شبابهم و رجالهم و نساءهم باستمرار ، و شطر من العالم المستكبر يدعمهم بكل صراحة ، و شطر منه يلتزم الصمت ، و قد غدا العالم الإسلامي متفرجاً أيضاً ، متفرجاً يبدو أنه محايد ! إنها كارثة كبرى للعالم الإسلامي . و السبب هو ضعف العالم الإسلامي و هذه الفرقة الفاشية فيه . ينبغي أن نؤمن أن قوتنا تضرب بجذورها فـي الكتلة السكانية العظيمة للمسلمين و فـي قلب هذه الأمة الإسلامية الكبرى . علينا أن نؤمن بهذا . يحرضوننا على بعض ، و يشغلوننا بعناوين و مسميات شتى ، يزرعون بيننا عدم الثقة ، يشعلون المعارك الطائفية و القومية و الخلافات الحدودية ، يشغلوننا ببعضنا ، و يسيئون استغلال فُرقتنا . هذه هي أعظم مصائبنا و بلايانا اليوم .
احتلوا العراق و راحوا يهينون شعبه نساءً و رجالاً . لقد سحقوا كرامة هذا الشعب . و لم يبالوا لغيرته و حميته ، و وجهوا الضربات لدينه و دنياه . أنظروا ماذا فعلوا و يفعلون فـي الفلوجة و الموصل و النجف و كربلاء و فـي غيرها من أنحاء هذا البلد العريق ، و العالم الإسلامي يقف و يتفرج هكذا بصمت ! لماذا ؟ بسبب الخوف . بدل أن تخاف الحكومات من الله ، بدل أن تخشى نقاط ضعفها الداخلية ، تخاف أصحاب منطق القوة ! ... نستطيع ... نحن نستطيع .
سياسة العالم الاستكباري اليوم هي التقدم نحو البلدان الإسلامية واحداً تلو الآخر . أي بلد إسلامي يبدي عن نفسه ضعفاً سوف يبتلع و يُقضى عليه . يثيرون قضية حقوق الإنسان ، يثيرون قضايا سياسية معينة من قبيل قضية التقنية النووية .
إذا كانوا قد ورطوا أنفسهم اليوم مع إيران فـي قضية التقنية النووية ، فبمقدورهم غداً أن يلتمسوا نفس هذه الذريعة أو ذريعة شبيهة بها فـي كل البلاد الإسلامية ، غير أن الشعب الإيرانـي صامد . نحن شعب حي و نحمد الله على ذلك . لا ندعي أننا اقتربنا جداً من الإسلام أو أننا نعمل طبقاً للإسلام بشكل كامل . لا ، هذا ادعاء كبير . لكن الخطوة الواحدة التـي قطعناها باتجاه الإسلام جعلت الإسلام يتقدم لمساعدتنا . لقد أورثنا الإسلام الشجاعة . لقد منحنا الإسلام الوحدة ، منحنا القدرة و ربط على قلوب شعبنا ، قرّب قلوب شعبنا من بعضها و بث فيها القوة و الصمود ، و أحيى روح العزة لدى أبناء أمتنا . ما عاد شعبنا على استعداد للعيش ذليلاً. يتوجب الوقوف بوجه العدو بهذه الطريقة و بهذه الخصوصيات و بالاعتماد على هذه الأركان .
لندعو الله و نطلب منه تعالى أن يقرب قلوبنا و قلوب الأمة الإسلامية من بعضها ، و يحبط بفضله و كرمه مؤامرة الأعداء فـي جعلنا سيئي الظن و عديمي الثقة ببعضنا . ندعوه ليوقظنا و يجعلنا واعين . لو سرنا فـي هذا الطريق لاستعاد العالم الإسلامي قوته . لدينا الكثير من الإمكانات . عيد الفطر هذا أحد إمكاناتنا ، الحج أحد إمكاناتنا الأخرى . عيد الأضحى من إمكاناتنا أيضاً . هذه التجمعات العظيمة ، آيات القرآن التـي تتلى علينا فـي كل الآفاق الإسلامية كلها من إمكاناتنا و يجب الاستفادة منها .
أوصيكم يا مسؤولـي البلاد بأن تعرفوا قدر هذا الشعب . إن لنا شعباً صالحاً و عظيماً جداً . إن لهذا الشعب حقاً كبيراً فـي أعناق الجميع ، خصوصاً فـي أعناقنا نحن المسؤولين . أعباء خدمة هذا الشعب تقع على كواهلنا . اعملوا من أجل الناس و أخدموهم بإخلاص و بكل قدراتكم و إمكاناتكم الفكرية و العملية . إن هذا الشعب شعب عزيز و عظيم . إنه شعب صنع التاريخ ، شعب يسيّر التاريخ فـي هذا المسار البالغ الأهمية و فـي هذا الظرف الحساس جداً .
ربنا احشر روح إمامنا الطاهرة مع الأولياء فقد عرفنا هذا الطريق و جعلنا نسير فيه . ربنا لقد بذل شهداؤنا و مضحونا و رجالنا و نساؤنا المجاهدون الفدائيون أرواحهم و قدراتهم فـي سبيل الله و الإسلام فـي هذه الحقبة الطويلة فاشملهم بلطفك و فضلك . أبلغ صاحب الزمان (أرواحنا فداه) سلامنا و اجعلنا من جنده .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته