بسم الله الرحمن الرحيم
أنا مسرور جداً لأني وفّقت هذا العام أيضاً أن أقضي ساعة من شهر رمضان المبارك مع عدد من العلماء و أساتذة الجامعات و هم مثقفو هذا الشعب و البلد. هذه الجلسة مغتنمة عندي لعدة أسباب. الأول هو أن مجرد الحضور بين أهل العلم و من لهم صلة بالعلم و الدراسة و المدرسة و الطلاب يعد حدثاً طيباً حلواً بالنسبة لي. إنها لفرصة و فسحة و استراحة في حياتنا العادية و في هذا الطريق المحفوف بالأحداث و الوعر بشؤون السياسية و الإدارة. ربما كانت أفضل ساعات الترفيه عندي طوال اليوم - حين لا أقوم بأعمالي المكلّف بها كواجبات - هي تلك الساعات التي أمارس فيها أعمالي العلمية.
التواجد بين أهل العلم مغتنم و محبّذ لدي لهذا السبب أولاً، و ثانياً أنا سعيد لأني مستمعٌ بينكم فالدارج في مثل هذه الاجتماعات أن تطرح القضايا الرئيسية حول العلوم و الجامعات و المسار العلمي في البلاد على ألسن أساتذة الجامعات و نخبها، و هذا بدوره شيء مغتنم بالنسبة لي لأنه يمنح المسؤولين ذهنية سليمة فيما يخص قضايا العلم و البحث العلمي و الجامعات و ...، ثم إن بعض هذه الشؤون التي تطرح ستعالج بشكل طبيعي، مثلما تمت متابعة الأفكار المطروحة في الأعوام الماضية و وصلت لنتائج جيدة.
إذن، هذه الجلسة جلسة جيدة و مغتنمة بالنسبة لي. سنستطيع في هذه الفرصة التي تفضلتم بها أن ننتفع من كلمات السادة و السيدات إن شاء الله لتكون الجلسة عموماً مفيدة للجميع و خصوصاً للجامعات؟
الآراء التي طرحتموها تعزّز لدي القناعة بأن تواصل مؤسسات الحكومة مع المراكز الجامعية حالة ضرورية. ينبغي تحقيق هذا التواصل بنحو منتظم و بآليات محددة.
طبعاً كان جل تأكيدي في الماضي منصباً على قطاع الصناعة و التقنية، و كنت أوصي قطاعات الحكومة تعزيز ارتباطهم بالجامعات، و لكن يمكن القول إن هذا التواصل ينبغي أن يتعزز في كافة القطاعات.
إذا استطاعات الأجهزة الإدارية التواصل بشكل منتظم مع الجامعات في المجالات السياسية و القضايا الثقافية و التربوية، و كذلك في التواصل بين الحوزة و الجامعة، فلا شك أن مشاركة الذهنيات الجامعية البارزة في منظومة اتخاذ القرار و صناعته يمكنها أن تؤثر بشكل كبير. هذه قناعتي و قد تعززت هذه القناعة في هذه الجلسة بما طرح من آراء، و من المناسب أن تتعزز.
ما أريد أن أقوله للمنتسبين الأعزاء للجامعات هو ما قلته مراراً في لقاءاتي بالأساتذة و الجامعيين و أريد تكراره تارة أخرى: نحن متأخرون عن العالم علمياً. فهل يوجد طريق لكي نتلافى هذا البون؟ اعتقادي الراسخ هو: نعم، بوسعنا السير في طرق مختزلة لتلافي تلك الفواصل التي تبدو بالنظرة السطحية مما لا يمكن تلافيه أبداً لأن من يتحرك في مقدمة المسيرة و يبعد عنا مسافات كبيرة، تزداد سرعته باطراد بفضل الأدوات و الوسائل التي تتطور يوماً بعد يوم و تكبر الفاصلة بينه و بيننا. إنني اعتقد اعتقاداً راسخاً أن بالمستطاع تصوّر قطع هذه المسافة و ترميم النقص العلمي - في بلادنا و البلدان المماثلة - و البون و الجرح الموجود.
ما يشجعنا على متابعة هذه الفكرة وجود المواهب داخل بلادنا. و لكن أيها الأصدقاء، الموهبة وحدها لا تكفي. ما أشدد عليه هو أن الموهبة شرط لازم و ليس شرطاً كافياً، و من اللازم إلى جانب الموهبة بذل العلماء و المفكرين و الأساتذة جهودهم. هذا لا يعني إلغاء واجبات المؤسسات الحكومة في المجالات التي لها واجبات فيها، كما لا يعني تجاهل مشكلات الأساتذة. هذه بحد ذاتها حقيقة و توقع في محله أن يعكف أهل العلم في الأجواء الجامعية على إنتاج العلم و الرؤى الإبداعية و البناءة في ميدان العلم، الشيء الذي أطلقتُ عليه اسم النهضة البرمجية في الأجواء العلمية؛ نحن بحاجة لهذه الحالة. طبعاً الأجهزة الحكومية تتحمل المسؤولية الأكبر.
في تصريحات الأعزاء حول الاعتمادات الآخذة بالانخفاض في مجال البحث العلمي أو بعض التصريحات الأخرى، طلبوا مني المساعدة في هذا المجال. لو كان توزيع ميزانية البلاد أو أولوياتها بيد القيادة، لجعلت العلم و البحث العلمي على رأس الأولويات دون شك. و الآن أعلنت للأصدقاء في مركز رسم السياسات ( مجمع تشخيص المصلحة ) - و للوزير المحترم الموجود هنا و رئيس الجمهورية - عن قضية العلم في مجال الأعلان عن الأولويات الثلاثة أو الأربع الأولى في البلاد.
عقيدتي الراسخة هي أن مشكلات بلادنا ممكنة الحل على المدى البعيد عن هذا الطريق و لا غير. أي علينا التقدم في ميدان العلم و البحث العلمي. و لأجل تنمية العمل و الارتقاء العلمي لا مندوحة من البحث العلمي، فالأمر متعذر من دون البحث. إذن، المساعدة التي استطيع تقديمها هو تأكيدي على مسؤولي الحكومة و هذا ما سأقوم به يقيناً، و على وزارة العلوم، و كذلك منظمة الإدارة و التخطيط، و سائر المؤسسات المعنية - بعض مؤسسات رئاسة الجمهورية - أن تتخذ قراراً جاداً في هذا الخصوص إن شاء الله. و على مجلس الشورى الإسلامي أيضاً النهوض بوظائفه على أساس هذه الحاجة.
الكثير من الميزانيات الموجودة في البلاد ليست ميزانيات ذات أولوية. العديد من هذه المؤتمرات و الملتقيات و الاجتماعات ليس من ورائها أية فائدة. أتخطر أنه في العالم الماضي أو قبل عامين قلتُ هنا أن هذا الاجتماع هو مؤتمر حقيقي، و ليست له أية تكاليف. اجتمعتم أنتم عدد من العلماء و طرحتم جوهر القضية حول شأن مهم من شؤون البلاد هو شأن التعليم العالي. إذا كان المقدار الذي يخصص للمؤتمرات - سواء المال أو الوقت المخصص - لا فائدة ترتجى من ورائه و هو كذلك في كثير من الأحيان، فينبغي إلغاؤه و تركه جانباً. كثير من المراكز التي تستلم ميزانيات ملحوظة ليست لها أية أولوية. ينبغي صرف تلك الميزانيات علی‌ أقسام البحث العلمي، و معهد باستور، و بعض المراكز الأخرى. على الأجهزة الحكومية متابعة هذا الموضوع، و سوف أؤكد عليه و سأكتبه إن شاء الله.
طبعاً القسم المتعلق بالجامعات نفسها و داخل الجامعات له أيضاً دور كبير للحق و الإنصاف. تأكيدي هو أن يعتبر الأساتذة المحترمون بوصفهم حملة لواء العلم في البلاد أنفسهم مسؤولين حقاً في الفترة الراهنة. بعض الشباب الذين يلتقونني باستمرار و في مناسبات مختلفة - النخبة أو مجاميع الطلبة الجامعيين - لهم عتابهم و كلامهم، و من جملة ذلك أن الملزمات الدراسية لبعض الأساتذة ليست عصرية أو حديثة. أي ليس فيها ما يحتاجه الطالب الجامعي في ذلك الفرع العلمي! و عتابهم الآخر هو أن الأساتذة لا يرعون الطلبة إنما يلقون دروسهم فقط. و هذه بالذات نقطة طرحتها مرتين أو ثلاث مرات في لقاءاتي بالأساتذة المحترمين. طبعاً أنا متفطن إلى أن الأساتذة مضطرون بضغطٍ من الضرورات المعيشية للتدريس بكثرة - هذا ما أوافقه و أعلمه - بيد أن الحالات ليست كلها من هذا القبيل. أرجو أن تكون من الموضوعات التي تحفظونها في أذهانكم و تهتموا لها هو أن تتواصلوا مع الطالب الجامعي بأوسع من مساحة الدرس.. تواصلوا معه و افرضوا عليه العمل و بذل الجهد، و وفروا له أرضيات البحث العلمي. ثانياً النقاش العلمي بين الأستاذ و الطالب هو أيضاً مسألة على جانب كبير من الأهمية.
طبعاً بعض المشاريع ينبغي المصادقة عليها بنحو شامل في مراكز اتخاذ القرار. و من ذلك الآراء التي طرحها الدكتور شريعتمداري و هي صحيحة: قضية التربية و أهميتها، أو الصلة التي يجب أن تقوم بين التعليم العالي و التربية و التعليم.. ينبغي أن تطرح في المجلس الأعلى للثورة الثقافية فهو مركز اتخاذ قرار، و المجلس الأعلى للثورة الثقافية ضروري لهذا السبب. أحياناً تسمع هنا و هناك تشكيكات في الحاجة للمجلس الأعلی للثورة الثقافة، لا، هذه الموضوعات التي أشار لها بعض الأعزاء ينبغي التخطيط لها و رسم سياساتها، و هذا ما يحدث في مركز يجب أن لا يكون مركزاً تشريعياً - القانون هو الشيء الذي يستهلكه الجهاز بشكل يومي، كمصروف الجيب الذي ينفق على نحو يومي - بل يجب أن يكون مركز رسم سياسات. مركز رسم السياسات فوق مراكز التشريع فهو يخطط و يضع البرامج العامة الشاملة، و المجلس الأعلى للثورة الثقافية مركز مناسب لمثل هذه العملية. اعتقد أن مثل هذه الأمور يجب دراستها و مناقشتها هناك.
لقد سجّلت رؤوس نقاط ما ذكره الأصدقاء، و تم تسجيل كامل خطابات الأساتذة المحترمين و سوف تدوّن و تستخرج منها الاقتراحات و النقاط الرئيسية. ما يتعلق منها بنا - أي ما يتعلق برسم السياسات سنقوله إن شاء الله و نوصي به مجمع تشخيص المصلحة أو المجلس الأعلى للثورة الثقافية أو رؤساء السلطات الثلاث. و ما يتعلق منها بالمؤسسات الأخرى سننقله لهم ليتابعوه إن شاء الله.
التفكير بسبل علاج قضايا الجامعات و التعليم العالي في البلاد من الأمور التي اعتبرها مغتنمة و أرجو من الأصدقاء التفكير في هذه الصعد التي تحدثوا عنها - أو الأصدقاء الذين أرادوا طرح آرائهم و لم تسنح لهم الفرصة - و التداول فيها معنا. أنا أرحب، و المقدار الذي يمكن أن يرتبط بالتخطيط الشامل للبلاد، سوف نبادر بخصوصه و سيتم إنجازه دون شك.
ذكر بعض الأعزاء أشياءً يلوح لي أنها مبالغ فيها: مثلاً لا يتم القيام بأي شيء وفق خطة أو برنامج معين، أو لا توجد أية أهداف... ليس الأمر كذلك. هذا القدر مبالغ فيه. طبعاً هناك نقاط ضعف و نواقص و حالات غفلة، و لكن لا يمكن التحدث بهذا النحو العام، لا، ثمة مراكز تعمل حقيقةً، و قد ذكر بعض الأعزاء في اجتماع اليوم أشياء حول الصلة بين مؤسسات التصنيع في البلاد و الأجهزة المستهلكة للعلم و بين مؤسسات البحث العلمي، و كان الأمر يختص بكلية الفضاء و قد ذكروه في السنين السابقة. إنني أؤيد هذه الطروحات.
طبعاً، لقد أوصيت بعض المسؤولين توصيات أكيدة في هذا الجانب و لدي اطلاع بأنها كانت مؤثرة سواء في القطاعات العسكرية أو القطاعات غير العسكرية. أحد الوزراء المحترمين المعنيين بشؤون الصناعة تحدث معي حول قضية معينة و قال لي نريد القيام بالعمل الفلاني. فقلت له: اقصدوا جامعة أمير كبير و هي قريبة جداً لمركز الحكومة - زرت هذه الجامعة و اطلعت على ورشتهم الصناعية و نتاجاتهم - و انظروا كم تستطيعون حل مشكلتكم. و قد وقع هذا القول موقعاً حسناً جداً من قلب صديقنا المسؤول فتابع المسألة على الأغلب و حسب ما أتذكر، و أظن أنه توصل لنتائج معينة أو سيصل في المستقبل غير البعيد. إذا سلك المسؤولون طريق الجامعة و استأنسوا بمراكز البحث العلمي فإن مشاريعهم ستسير بجزالة أكبر دون ريب، كما سيتطور أداء مراكز البحث العلمي أيضاً. نتمنى أن نقترب دوماً من هذه الأهداف كلما تقدمنا إلى الأمام.
أشكر الأصدقاء - الإخوة و الأخوات - مرة أخرى إذ لبّوا هذه الدعوة و شكلوا هذا الاجتماع الحسن و طرحوا هذه الآراء الجيدة و سيكون ما قلناه و ما سمعناه مما يرضي الله إن شاء الله.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.