الخطبة الأولى
بسم الله الرحمن الرحيم
و الحمد لله رب العالمين، نحمده و نستعينه و نتوكل عليه، و نستغفره و نتوب إليه، و نصلي و نسلّم على حبيبه و نجيبه و خيرته في خلقه، حافظ سره، و مبلغ رسالاته، بشير رحمته و نذير نقمته، سيدنا و نبينا أبي القاسم المصطفى محمد و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديين المعصومين، سيما بقية الله في الأرضين، و صلّ على أئمة المسلمين و حماة المستضعفين و الدعاة إلى الله.
أوصيكم عباد الله و نفسي بتقوى الله.
أوصي جميع الإخوة و الأخوات المصلين الأعزاء بمراعاة التقوى، فالله تعالى يقول: »يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ قُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا... يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَ مَن يُطِعْ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا«.(1) يجب أن نراعي تقوى الله في سلوكنا، و أقوالنا، و حتى في أفكارنا و ظنوننا، أي نراقب و نحذر من أن نتعدّى رضا الله حتى بمقدار ذرة في سلوكنا و أعمالنا و أقوالنا. أتمنى أن يوفقني الله تعالى أنا العبد الضعيف لأن أذكر ما أريد ذكره اليوم على أساس هذا المبدأ القرآني الأساسي، أي التحدث و الكلام من منطلق التقوى.
هذه الأيام أيام عيد ولادة الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء سيدة العالمين، و سيدة نساء العالمين (سلام الله عليها). نستمد من الروح الملكوتية لهذه العبدة المخلصة لله، و سوف نقيم إن شاء الله صلاة الجمعة هذه التي صادفت الذكرى الحادية و العشرين لرحيل إمامنا الجليل (رضوان الله تعالى عليه) باحترام و تكريم لمقام هذه الآية الإلهية العظمى، و كما حفظ شعبنا في قلبه و روحه و لسانه و أجواء حياته الذكرى و الأسم المبارك و الخالد لإمامنا الجليل طوال هذه الأعوام الإحدى و العشرين و على أحسن نحو ممكن، فسوف نحفظه في المستقبل أيضاً، و نتقدم به إلى الأمام.
أذكر اليوم في الخطبة الأولی نقاطاً حول الإمام الجليل. النظر للإمام باعتباره معياراً. و تكتسب هذه النظرة أهميتها لأن التحدي الرئيس في جميع التحولات الاجتماعية الكبرى - بما في ذلك الثورات - هو صيانة الاتجاهات الأصلية في هذه الثورة أو هذا التحول. هذا هو التحدي الأهم الذي يواجه أي تحول اجتماعي عظيم له أهدافه، و يروم التحرك نحو تلك الأهداف و الدعوة لها. ينبغي الحفاظ على هذا الاتجاه. إذا لم تجر صيانة الاتجاه نحو الأهداف في الثورة أو في المسيرة الاجتماعية، و لم تُحفظ هذه الأهداف، فسوف تنقلب تلك الثورة إلى ضدها و تعمل في الاتجاه المعاكس لأهدافها. لذلك تلاحظون في القرآن الكريم، في سورة هود المباركة أن الله تعالى يقول لرسوله: »فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَ مَن تَابَ مَعَكَ وَ لاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ«.(2) يأمر سبحانه و تعالی الرسول الأكرم (ص) بالاستقامة. الاستقامة معناها الصمود و مواصلة الطريق بشكل مستقيم و المسير بالاتجاه الصحيح. النقطة المقابلة لهذه المسيرة المستقيمة، و المذكورة في هذه الآية الشريفة هي الطغيان.. »و لا تطغوا«. الطغيان بمعنى التمرد و الانحراف. يقول للرسول: أنت شخصياً و الذين معك واصلوا هذا الطريق بشكل صحيح و لا تنحرفوا »إنه بما تعملون بصير«. يقول المرحوم العلامة الجليل السيد الطباطبائي في تفسير الميزان إن لهجة هذه الآية لهجة تشدد، و ليس فيها أية علامة من علامات الرحمة و اللين. إنها خطاب للرسول نفسه. تخاطب الرسول نفسه بالدرجة الأولى: »فاستقم«. لذلك قال الرسول الأكرم (ص) عن سورة هود: »شيّبتني سورة هود«.. و السبب هو هذه الآية. جاء في الرواية أن الجزء الذي يقول بسببه الرسول إن سورة هود قد شيّبتني هو هذه الآية المباركة. بسبب الشدة الموجودة في هذه الآية. و الحال أنه يوجد في موضع آخر من القرآن: »فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَ اسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ«..(3) لكن قول »فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَ مَن تَابَ مَعَكَ وَ لاَ تَطْغَوْا« خطاب شديد للرسول نفسه، لذلك كان هذا الخطاب يهزّ قلب النبي. هذا بسبب أن تغيير الاتجاهات و الانحراف عن الطريق الصواب - و الهوية الأصلية لكل ثورة تكمن في هذه الاتجاهات، و الواقع أن هذه الاتجاهات الأصلية هي سيرة الثورات - يغيّر السبل تماماً فلا تصل الثورة إلى أهدافها. و تعود أهمية هذه القضية إلى أن تغيير الاتجاهات يحصل بشكل تدريجي و غير محسوس، فتغيير الاتجاه لا يحصل منذ بدايته بـ 180 درجة، بل يحصل بداية بزاوية صغيرة جداً و كلما استمر سيحصل ابتعاد أكبر و أكبر عن الطريق الأصلي - و هو الصراط المستقيم - بسبب هذا الانحراف.
هذا وجه، و الوجه الآخر هو أن الذين يرومون تغيير هوية الثورة لا يعملون عادةً تحت راية رسمية و يافطة صريحة.. إنهم لا يعملون بحيث يتبيّن أنهم يعارضون هذه المسيرة. بل إن بعض خطواتهم و مواقفهم أو تصريحاتهم ظاهرها مناصرة حركة الثورة لكنها تنحرف بالثورة بزاوية معينة عن اتجاهها.
من أجل أن لا يحصل هذا الانحراف و الاتجاه الخاطئ نحتاج إلى معايير معينة. لا بد من وجود علامات و مؤشرات في الطريق. إذا كانت هذه المعايير و كانت واضحةً ساطعة مشهودة من قبل الناس، فلن يحصل الانحراف، و إذا تصرف شخص باتجاه الانحراف فسوف يعرف من قبل عامة الناس، و لكن إذا لم يكن ثمة معيار عندئذ سيكون الخطر جدياً.
حسناً، ما هو المعيار في ثورتنا؟ هذا شيء على جانب كبير من الأهمية. منذ ثلاثين عاماً و نحن نسير في اتجاه هذه الثورة. لقد أبدى شعبنا عن نفسه بصيرة و شجاعة و جدارة بحق. أنتم الذين تتقدمون بهذه الثورة إلى الأمام منذ ثلاثين عاماً. و لكن ثمة أخطار. أعداء الثورة و أعداء الإمام لن يقعدوا مكتوفي الأيدي، بل يحاولون القضاء على هذه الثورة. كيف؟ بتحريف طريقها. لذلك من الضروري أن تكون لنا معاييرنا و علاماتنا.
و أقولها لكم إن أفضل المعايير هو الإمام نفسه و خط الإمام. الإمام أفضل معيار و مؤشر بالنسبة لنا. إذا جاز لنا هذا التشبيه رغم كل البون الشاسع بين الشبيه و المشبه به، لشبهنا الأمر بالكيان المقدس للرسول الأكرم (ص) حيث يقول القرآن الكريم: »لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَ الْيَوْمَ الْآخِرَ«.(4) النبي نفسه أسوة.. سلوكه و أعماله و أخلاقه كلها أسوة. و يقول تعالى في آية كريمة أخرى: »قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَ الَّذِينَ مَعَهُ«،(5) إبراهيم و أنصاره هم أيضاً أسوة لنا. و قد ذكر هنا حتى أنصار و أصحاب النبي إبراهيم حتى لا يقول قائل إن النبي معصوم أو إبراهيم كان معصوماً و لا نستطيع اتباعه و أن نسير على خطاه، لا، »قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَ الَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَ مِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ...«.. إلى آخر الآية الكريمة.
و هذا المعنى يصدق أيضاً على إمامنا الجليل تلميذ هذه المدرسة و السائر على درب هؤلاء الأنبياء العظام. الإمام نفسه أبرز المعايير و العلامات و المؤشرات. سلوك الإمام و أقواله.. و لحسن الحظ فإن كلمات الإمام و خطبه متوفرة لدينا و مدوّنة، و وصيته تعلن بصراحة و وضوح عن ما في ضميره لمستقبل الثورة. يجب عدم السماح بأن تعرض هذه المؤشرات بشكل مغلوط أو تُخفى أو تنسى. إذا عرضنا هذه المعايير و المؤشرات بنحو سيئ و مغلوط فكأننا فقدنا بوصلتنا مثلاً. لنفترض أن إنساناً في رحلة بحرية أو في صحراء لا طريق فيها، و تعطب بوصلته و لا تعود تعمل، سيبقى هذا الإنسان حائراً بالطبع. إذا عرضت آراء الإمام بشكل سيئ فكأننا فقدنا البوصلة أو عطبت عندنا و أضعنا الطريق، و سوف يتحدث كل شخص كما يريد و يحلو له. و سوف يستغل المسيئون و أصحاب النوايا السيئة هذه الفرصة و يعرضون الطريق بحيث يلتبس الأمر على الشعب.
ينبغي عرض مواقف الإمام و تبيينها بكل وضوح و جلاء كما قالها هو نفسه و كتبها.. هذا هو ملاك خط الإمام و دربه و صراط الثورة المستقيم. أحياناً يقول قائل بصراحة إنني لا أوافق الإمام و لا اعترف به.. هذا بحث آخر. موقف أتباع الإمام و أنصاره واضح من الشخص الذي يقول بصراحة إنني لا أوافق الإمام و لا اعترف بخطه و دربه. و لكن إذا كان المقرر أن تسير هذه الثورة على خط الإمام و بتأشير من يد الإمام نحو الاتجاه الصحيح فينبغي أن يكون خطه واضحاً و طريقه جلياً و يجب تبيين مواقفه بصورة صحيحة.
يجب عدم التنكر لبعض المواقف الحقيقية للإمام أو إخفائها لإرضاء هذا و ذاك. البعض يفكرون بهذه الطريقة - و هذا تفكير خاطئ - و هي أنه من أجل أن نكسب أتباعاً و أنصاراً أكثر للإمام و نجعل معارضيه ينجذبون و يميلون إليه فعلينا إما إخفاء بعض المواقف الصريحة للإمام أو أن لا نذكرها أو نقلل من أهميتها، لا، هوية الإمام و شخصيته بهذه المواقف التي أعلنها هو بأكثر التعابير صراحة و وضوحاً و بأسطع و أجلى الألفاظ و الكلمات.. هذه المواقف هي التي هزت العالم. هذه المواقف الصريحة هي التي شدت القطاعات و الكتل الجماهيرية الهائلة للشعب الإيراني و جعلت الكثيرين اتباعاً لشعب إيران. هذه النهضة العالمية العظيمة التي ترون اليوم علاماتها و مؤشراتها في مختلف أنحاء العالم الإسلامي، انطلقت بهذه الطريقة.
ينبغي الإتيان بالإمام بصراحة إلى وسط الساحة و عرض مواقفه ضد الاستكبار، و الرجعية، و الليبرالية الديمقراطية الغربية، و مواقفه ضد المنافقين و المتذبذبين بكل صراحة. الذين تأثروا بهذه الشخصية العظيمة شاهدوا هذه المواقف و سلّموا لها. لا يمكن، من أجل أن يرتاح زيد و عمرو للإمام و يرضوا عنه، أن نتكتم على مواقف الإمام و نخفيها، أو نقلل من حدة الأشياء التي نرى أنها شديدة و حادة. البعض في فترة من الفترات - و نحن نتذكر تلك الفترة حيث كنا شباباً - و من أجل أن يكسبوا أنصاراً للإسلام، كانوا يهوِّنون من أهمية بعض الأحكام الإسلامية و يتجاهلونها، حكم القصاص، حكم الجهاد، حكم الحجاب، كانوا يتنكرون لهذه الأحكام، و يقولون إنها ليست من الإسلام، القصاص ليس من الإسلام، و الجهاد ليس من الإسلام، حتى يرضى عن الإسلام المستشرق الفلاني أو العدو الفلاني للمباني الإسلامية. هذا خطأ، يجب عرض الإسلام بكليته و جامعيته.
الإمام من دون خط الإمام ليس ذلك الإمام الذي اندفع الشعب الإيراني إلی الأمام بأنفاسه و نفسه و هدايته، فوضعوا أكفهم على الأرواح و قدموا أبناءهم لأشداق الموت، و لم يبخلوا بأرواحهم و أموالهم، و خلقوا أعظم أحداث الفترة المعاصرة في هذه المنطقة من العالم. الإمام من دون خط الإمام إمام بلا هوية. و سلب الهوية عن الإمام ليس خدمة للإمام. مباني الإمام مبانٍ واضحة. إذا لم يشأ أحد المجاملة و المحاباة، فإن هذه المباني موجودة في كلمات الإمام و خطبه و رسائله و خصوصاً في وصيته، و هي خلاصة لجميع تلك المواقف. هذه المباني الفكرية هي التي أطلقت تلك الموجة الهائلة العاتية ضد النهب الغربي و التفرد الأمريكي في العالم. تتصورون أنه حينما يسافر رؤساء جمهورية أمريكا إلى أي بلد من البلدان في آسيا و الشرق الأوسط، و حتى بعض البلدان الأوربية، و يجتمع الناس هناك و يهتفون ضد هؤلاء الرؤساء، هل تتصورون أن الأمر كان كذلك دائماً؟ كلا، إنما هو تحرك الإمام و فضحه للظالمين و مواقفه التي فضحت الاستكبار و الصهيونية و أحيت روح المقاومة لدى الشعوب و خصوصاً في المجتمعات الإسلامية.
إنه لاعوجاج فكري أن ننكر مواقف الإمام، و هو اعوجاج فكري يصدر للأسف عن بعض الذين كانوا يوماً ما من مروّجي و ناشري أفكار الإمام أو من أتباعه و أنصاره. و الآن تنحرف السبل و تضيع الأهداف لأي سبب من الأسباب، و يعود البعض أدراجهم بعد أن تحدثوا و عملوا سنوات طويلة للإمام و لهذه الأهداف، فنراهم يقفون بوجه هذه الأهداف و المباني، و يتحدثون بكلام آخر!
حسناً، لخط الإمام أجزاء و أقسام. أهم ما يمكن قوله بخصوص خط الإمام و طريقه هو جملة نقاط سوف أذكرها. و أقول للشباب خاصة: إقرأوا وصية الإمام. الإمام الذي هزّ العالم هو الإمام المتجلي و الظاهر في هذه الوصية و في هذه الآثار و الأقوال.
النقطة الأولى و الأهم في مباني الإمام الخميني و نظراته هي قضية الإسلام المحمدي الأصيل.. أي الإسلام المقارع للظلم، و الإسلام المطالب بالعدالة، و الإسلام المجاهد، و الإسلام المناصر للمحرومين و الفقراء، و الإسلام المدافع عن حقوق الحفاة و المعذبين و المستضعفين. و في مقابل هذا الإسلام أورد الإمام الخميني مصطلح »الإسلام الأمريكي« في ثقافتنا السياسية و قاموسنا السياسي. الإسلام الأمريكي يعني الإسلام التشريفي و إسلام عدم الاكتراث مقابل الظلم، و مقابل الجشع، و اللاأبالية حيال التطاول على حقوق المظلومين، إسلام مساعدة العتاة و المتعسفين و الأقوياء.. الإسلام الذي يتأقلم مع كل هذه الأمور. هذا الإسلام سمّاه الإمام: الإسلام الأمريكي.
فكرة الإسلام الأصيل كانت الفكرة الدائمية لإمامنا الجليل. و هي ليست فكرة مختصة بفترة الجمهورية الإسلامية، بيد أن تحقق الإسلام الأصيل غير متاح من دون سيادة الإسلام و تأسيس نظام الحكم الإسلامي. إذا لم يقم النظام السياسي في البلاد على أساس الشريعة الإسلامية و الفكر الإسلامي، فلن يمكن للإسلام خوض غمار كفاح حقيقي ضد ظلمة العالم و عتاته و متغطرسيه، و ضد المتعسفين في المجتمع. لذلك اعتبر الإمام الخميني حماية الجمهورية الإسلامية و صيانتها أوجب الواجبات. أوجب الواجبات، و ليس من أوجب الواجبات. صيانة الجمهورية الإسلامية أوجب الواجبات. لأن صيانة الإسلام - بالمعنى الحقيقي للكلمة - رهن بصيانة النظام السياسي الإسلامي، و لا يمكن ذلك من دون نظام سياسي.
كان الإمام الخميني يعتبر الجمهورية الإسلامية تجسيداً و مظهراً لسيادة الإسلام. لذلك تابع الإمام قضية الجمهورية الإسلامية و بذل في سبيلها كل تلك الجهود، و وقف من أجلها بكل شدة و حدة و اقتدار. لم يكن الإمام يسع وراء اقتدار شخصي. لم يكن الإمام يريد أن يكسب القوة و الاقتدار لنفسه شخصياً، إنما كانت قضيته قضية الإسلام، لذلك وقف و أصرّ على الجمهورية الإسلامية، و عرض هذا النموذج الجديد على العالم.. نموذج الجمهورية الإسلامية.
المسألة الأكثر جذرية و أهمية في الجمهورية الإسلامية هي الكفاح ضد السيادات التعسفية و المتعطشة للقوة في العالم و التي تفصح عن نفسها بأشكال مختلفة. الحكومة الدكتاتورية و السلطوية ليست الحكومة الملكية فقط، فالحكومة الملكية واحدة فقط من أنواع الحكومات الدكتاتورية. كان في ذلك الزمان دكتاتوريات يسارية، و هي دكتاتوريات الحزب الواحد في البلد، و كانوا يفعلون كل ما يحلو لهم بأبناء الشعب، و لم يكن ثمة من يتحمل المسؤولية أمام الشعب. و الواقع أن الشعب كان سجيناً لدى أقلية محدودة العدد. هذه أيضاً صورة من صور الدكتاتورية. و نوع آخر من الدكتاتورية هي دكتاتورية الرأسماليين الموجودة في الأنظمة الديمقراطية في ظاهرها.. الأنظمة الليبرالية الديمقراطية. هذه أيضاً صورة من الدكتاتورية، لكنها دكتاتورية جد ذكية و غير مباشرة. و هي في الواقع دكتاتورية الرأسماليين و أصحاب الثروات الكبيرة.
أسس الإمام الجمهورية الإسلامية مقابل هذه الطواغيت البشرية. و جعل الإسلام - و ثمة في داخل الإسلام إستناد و اعتماد على الشعب و أصواته و إرادته - المعيار الأصلي لهذا النظام. إذن، الجمهورية الإسلامية هي جمهورية من ناحية، أي تعتمد على أصوات الشعب، و إسلامية من ناحية أخرى، أي تتوكأ على الشريعة الإلهية. هذا نموذج جديد. هذا من المؤشرات الأساسية في خط الإمام. كل من يفكر حول سيادة نظام الجمهورية الإسلامية بخلاف هذه الفكرة فهو يفكر بخلاف رأي الإمام، فلا يدعي أنه من أتباع الإمام الخميني؛ إنه يحمل فكرة مغايرة، و فكرة الإمام هي هذه التي ذكرناها. هذا هو أوضح خط من خطوط فكر الإمام الخميني.
مؤشر آخر في سياسة الإمام و برامجه و خطه و طريقه المستقيم هي قضية الجاذبية والتنفير. الشخصيات الكبيرة لها جاذبية و تنفير بمساحة و أبعاد و مديات واسعة. كل إنسان له جاذبيته و تنفيره. إنكم بسلوككم تجتذبون أحداً إليكم و تجعلونه محباً ميالاً لكم، و تنفرون شخصاً آخر و تجعلونه مستاءً منـزعجاً منكم.. هذه هي الجاذبية و التنفير. لكن الشخصيات الكبرى ذات جاذبية تشمل طيفاً واسعاً، و تنفير له مديات واسعة أيضاً. و جاذبية الإمام و تنفيره لافتان للنظر.
المبنى و المعيار في جاذبية الإمام و تنفيره هو أيضاً العقيدة و الإسلام. بالضبط كما يقول الإمام السجاد (سلام الله عليه) في دعاء الصحيفة السجادية - دعاء دخول شهر رمضان - لله تعالى. قلنا مراراً إن أدعية الإمام السجاد هي حقاً من أرقى كنوز المعارف الإسلامية. ثمة في هذه الأدعية معارف لا يمكن للمرء استخراجها من الروايات و الآثار الروائية. و قد جاءت في الأدعية الصريحة. في الدعاء الرابع و الأربعين من الصحيفة السجادية - و هو دعاء الدخول في شهر رمضان و كان الإمام السجاد يقرأه - يطلب الإمام من الله تعالى بعض الأشياء لشهر رمضان، و منها قوله: »و أن نسالم من عادانا«. يقول: اللهم نطلب منك أن نسالم كل أعدائنا و نداريهم، ثم يقول فوراً: »حاشى من عودي فيك، و لك فإنه العدو الذي لا نصافيه«. باستثناء العدو الذي عاديته من أجلك و في سبيلك.. هذا هو العدو الذي لن نتصالح معه أبداً، و لن تصفو قلوبنا معه على الإطلاق.
هكذا كان الإمام. لم تكن له عداوة شخصية مع أحد. و إذا كانت هناك أكدار شخصية كان الإمام يضعها تحت قدميه. لكن العداء في سبيل العقيدة و الدين كان عند الإمام مهماً و جدياً للغاية. الإمام نفسه الذي فتح ذراعيه منذ بداية النهضة في سنة 1341 لكل شرائح الناس بمختلف صنوفهم و أفكارهم و أنواعهم، و احتضنهم من أية قومية أو جماعة أو دين، هذا الإمام نفسه أقصى عن نفسه في بداية الثورة بعض الجماعات و أبعدهم. أبعد الشيوعيين عن نفسه بصراحة. كان فعل الإمام هذا عجيباً بالنسبة للكثيرين منا نحن العاملين في السياسة و الكفاح آنذاك، أي في مطلع الثورة. في مستهل الثورة اتخذ الإمام الخميني موقفه بصراحة من الشيوعيين و فصلهم عنه. و تصرف بحزم حيال الليبراليين و المفتتنين بالأنظمة و الثقافة الغربية، و أبعدهم عن نفسه، و لم يلاحظ في ذلك أية ملاحظة. و الرجعيون الذين لم يكونوا على استعداد لتقبل الحقائق الإلهية و الروح القرآنية لأحكام الإسلام و لم يتقبلوا التحول العظيم، طردهم الإمام عن نفسه. لقد أدان الإمام الرجعيين مرات عديدة بتعابير مرّة و شديدة، و طردهم عن نفسه. لم يكن يتردد في التبري من الأشخاص الذين لا يقفون داخل دائرة فكره و مبانيه الإسلامية، و لم يكن له معهم في الوقت ذاته عداء شخصي.
لاحظوا وصيته حيث يخاطب الشيوعيين الذين ارتكبوا في الداخل جرائم معينة و هربوا إلى الخارج. لاحظوا لهجة الإمام معهم. يقول لهم: تعالوا و ارجعوا إلى داخل البلاد و تحملوا الجزاء الذي يقرره لكم القانون و العدالة. أي تعالوا و تحملوا الإعدام أو السجن أو سائر العقوبات لتنقذوا أنفسكم من العذاب و النقمة الإلهية. كان يتكلم معهم بإخلاص و حرص عليهم. يقول: إذا لم تتوفر لديكم الشجاعة للعودة و الخضوع للعقوبة فلا أقل من تغيّروا - هناك حيث أنتم - طريقكم و تتوبوا و لا تجابهوا شعب إيران و النظام الإسلامي و الحركة الإسلامية، و لا تكونوا مشاة و جنوداً للعتاة و المتغطرسين.
ليس للإمام خصام شخصي. و لكنه في إطار العقيدة و الدين يبدي جاذبيته و تنفيره بكل حزم. هذا مؤشر رئيس في حياة الإمام و مدرسته. التولي و التبري على صعيد السياسة أيضاً يجب أن يتبع الفكر و المباني الإسلامية و الدينية. هنا أيضاً يجب أن يجعل الإنسان الدين ملاكه و معياره، و ينظر ما الذي يريده منه الله تعالى.
وفق هذه المنهاج الذي سار عليه الإمام و المنعكس في أقواله و أفعاله، لا يمكن أن يعتبر الإنسان نفسه في خط الإمام و تابعاً للإمام لكنه في ذات الوقت يطرح نفسه في جبهة واحدة مع الذين يرفعون بصراحة راية معارضة الإمام و الإسلام. لا يمكن القبول بأن تجتمع أمريكا و بريطانيا و الـ C.I.A و الموساد و أنصار الملكية و المنافقون حول محور معين و يتفقوا عليه ثم يدعي ذلك المحور أنه على خط الإمام، هذا غير ممكن و غير مقبول.
لا يمكن التحالف مع كل من هبّ و دبّ و كل زين و شين. يتوجب أن ننظر ما هو الموقف الذي يتخذه منّا أعداء الإمام بالأمس. إذا وجدنا أن مواقفنا بالشكل الذي تدفع أمريكا المستكبرة و الصهيونية الغاصبة و مرتزقة القوى المختلفة و معارضي الإمام و الإسلام و الثورة و معانديها إلى احترامنا و تكريمنا، فيجب أن نشك في مواقفنا و صحتها، و يجب أن نعلم أننا لا نسير في الطريق المستقيم. هذا معيار و ملاك. و قد شدّد الإمام مراراً على هذه النقطة. كان يقول - و هذا موجود في كتاباته و في الوثائق الأكيدة لأقواله - إنهم إذا مدحونا فيجب أن نعلم أننا خونة. هذا شيء على جانب كبير من الأهمية.
يأتي البعض و يسيروا في الاتجاه المعاكس تماماً لخط الإمام، و يتخذوا تلك المواقف من يوم القدس، و يتركبوا تلك الفضيحة في يوم عاشوراء، ثم نبدي مواكبتنا و انسجامنا مع الذين يعارضون أساس مبنى الإمام و حركته، و نجعل أنفسنا إلى جانبهم و في جوارهم، أو نسكت عنهم، و نقول في الوقت نفسه إننا نتبع الإمام، هذا غير ممكن، و غير مقبول. و قد أدرك الشعب هذا الأمر بدقة، فالشعب يرى هذا و يعلمه و يدركه و يفهمه.
المؤشر الآخر في منهج الإمام و خطه، و هو مهم جداً، قضية الحسابات المعنوية و الإلهية. كان الإمام يضع الحسابات المعنوية في الدرجة الأولى من الأهمية في قراراته و تدابيره. بأي معنى؟ بمعنى أن الإنسان في أي عمل يريد ممارسته يجب أن يكون هدفه بالدرجة الأولى اكتساب رضا الله. فلا يكون هدفه مثلاً الانتصار، أو تولي السلطة، أو اكتساب الوجاهة عند زيد و عمرو. ينبغي أن يكون الهدف الأول إحراز رضا الله. هذا أولاً و ثانياً يجب أن يثق و يطمئن للوعود الإلهية. إذا كان هدف الإنسان رضا الله و وثق بوعوده و اعتمد عليها، عندئذ لن يكون لليأس معنى، و لا للخوف معنى، و لا للغفلة معنى، و لا للغرور معنى.
حينما كان الإمام لوحده لم يعتره الخوف و لا اليأس، و يوم راح الشعب الإيراني كله ينادي و يهتف باسمه، بل و عشقته سائر الشعوب و أبدت حبها له، لم يصب بالغرور. يوم ذهبت مدينة خرمشهر بيد المعتدين العراقيين لم يقنط الإمام، و يوم استرد جنودنا هذه المدينة بتضحياتهم و بسالتهم لم يصب الإمام بالغرور، و قال: »الله هو الذي حرّر خرمشهر«.. أي إننا لا دور لنا. في جميع الأحداث المتنوعة خلال فترة زعامة هذا الرجل الكبير كان على هذه الشاكلة و الطريقة. لم يفزع يوم كان لوحده، و لم يغتر و لم يغفل يوم انتصر و كانت له السلطة و القدرة. هذه هي الثقة بالله. هكذا ستكون القضية إذا كان الهدف رضا الله.
يجب الاعتماد على الوعد الإلهي. يقول الله تعالى في سورة »إنا فتحنا«: »وَ يُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَ الْمُنَافِقَاتِ وَ الْمُشْرِكِينَ وَ الْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ«.(6) من خصوصيات المنافق و المشرك أنهم يسيئون الظن بالله، و لا يثقون و لا يؤمنون بالوعود الإلهية. حينما يقول الله: »وَ لَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ«،(7) فإن المؤمن يتقبل هذا القول من أعماق وجوده و كيانه، أما المنافق فلا يتقبله. يقول الله: »عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَ لَعَنَهُمْ وَ أَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَ سَاءتْ مَصِيرًا«.(8) هذا هو حال الذين يسيئون الظن بالله.
كان الإمام مطمئن النفس للوعد الإلهي. إننا نجاهد لله و نسير خطواتنا لله، و نبذل كل جهودنا و مساعينا في الساحة و سوف يحقق الله تعالى لنا النتائج كما وعدنا. إننا نعمل بدافع التكليف، لكن الله تعالى يمنحنا أفضل النتائج على عملنا بالواجب و التكليف. هذه من خصائص منهج الإمام و خطه. وهذا هو طريق الثورة و صراطها المستقيم.
من الأمور التي يمكن ملاحظتها على هذا الصعيد مراعاة الإمام العجيبة للتقوى في كل الأحوال و الأمور. التقوى في الشؤون الشخصية شيء، و في الشؤون الاجتماعية و السياسية و القضايا العامة شيء آخر أصعب و أهم و أكثر تأثيراً و خطورة بدرجات و درجات. ما الذي نقوله لأصدقائنا و لأعدائنا؟ هنا تترك التقوى أثرها. قد نخالف شخصاً و قد نعاديه، فكيف نحكم عليه؟ إذا كان حكمكم عن الشخص الذي تخالفونه أو تعادونه غير الواقع، فهذا تجاوز لجادة التقوى. أكرر هنا الآية الكريمة التي ذكرتها في البداية: »يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ قُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا«. القول السديد هو القول المتين الصحيح الصائب.. يجب أن نتكلم هكذا. أريد أن أقول لشبابنا الأعزاء، الشباب الثوري المؤمن العاشق للإمام أن يراعوا التقوى مراعاة تامة حينما يتحدثون و يكتبون و يبادرون و يعملون. مخالفتنا لشخص يجب أن لا تدفعنا للخروج عن جادة الحق و ممارسة الظلم فيما يخص ذلك الشخص، لا، يجب عدم ارتكاب الظلم. ينبغي عدم ممارسة الظلم ضد أيٍّ كان.
أروي لكم خاطرة عن الإمام الخميني. ذات ليلة كنت عند الإمام و سألته ما هو رأيكم في فلان - و لا أريد ذكر اسمه، و قد كان من الوجوه المعروفة في العالم الإسلامي خلال الفترة القريبة منا، و الكل سمع باسمه و الكل يعرفه - تريّث الإمام قليلاً ثم قال: لا أعرف. ثم ذكر عبارة في ذمّ ذلك الشخص. انتهى الأمر عند هذا الحد. و لكن في اليوم التالي أو بعد غدٍ - لا أتذكر تحديداً - كان لي شأن و عمل مع الإمام صباحاً فذهبت إليه. و بمجرد أن دخلت الغرفة و جلست و قبل أن أطرح الأمر الذي كنت أريد طرحه، قال لي: بخصوص ذلك الشخص الذي سألتني عنه ليلة البارحة أو قبلها، الجواب هو: »لا أعرف«. أي إنه محا تلك العبارة التي قالها في مذمة ذلك الشخص بعد قوله »لا أعرف«.. لاحظوا، هذا شيء مهم جداً. لم تكن عبارة الذمّ تلك فحشاً من القول ولا بذاءة و لا تهمة، و لحسن الحظ فقد نسيتها تماماً، و مردّ ذلك إما إلى تصرفه المعنوي أو إلى قلة ذاكرتي، لا أدري ما كانت تلك العبارة لكنني أتذكر أنها كانت عبارة ذمّ. قالها في تلك الليلة، و بعد يومين أو يوم واحد محاها و قال: لا، لا أعرف.. لاحظوا.. هذه أسوة.. »لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة«.
حول زيد من الناس الذي تخالفونه يمكن التحدث بطريقتين: أولاً بطريقة متطابقة تماماً مع الحق، و الطريقة الثانية هي خليط من الحق و الظلم. و هذه الطريقة الثانية سيئة و ينبغي اجتنابها. قولوا الصدق و الحق و ما تستطيعون إيضاحه و الدفاع عنه في محكمة العدل الإلهي، و ليس أكثر. هذه من الخطوط الأصلية لحركة الإمام و خط الإمام، و التي يجب أن نتذكرها و لا ننساها.
و من الخطوط الرئيسة الأخرى في خط الإمام دور الجماهير، سواء في الانتخابات حيث قام الإمام على هذا الصعيد بحركة عظيمة حقاً، أو في غير الانتخابات، أي في القضايا الاجتماعية المختلفة. لا يوجد في أي ثورة خلال فترة الثورات - و النصف الأول من القرن العشرين هو فترة الثورات المختلفة، حيث قامت ثورات بأشكال مختلفة في شرق العالم و غربه - أنهم أقاموا استفتاءً عاماً بعد شهرين من انتصار الثورة لانتخاب أسلوب الحكم و نظامه، لكن هذا الشيء حدث في إيران بهمّة الإمام. و لم تمض سنة على الثورة حتى تم تدوين الدستور و المصادقة عليه. في الشهور الأولى حينما لم يكن الدستور قد دوّن بعد و تأخر الأمر، أتذكر أن الإمام طلبنا ذات يوم فتوجهنا إلى قم - و كان حينها لا يزال في قم - فقال مستاءً: اسرعوا في تدوين الدستور. عندها أقيمت انتخابات مجلس الخبراء و انتخب الناس الخبراء لتدوين الدستور. و بعد ذلك عندما دوّن الدستور عرضوه على أصوات الشعب و أقيم استفتاء فانتخب الناس هذا الدستور. ثم أقيمت انتخابات رئاسة الجمهورية و المجلس. لم تلغ الانتخابات حتى في أصعب فترات الحرب حينما كانت طهران تحت قصف الأعداء. و إلى اليوم لم تتأخر الانتخابات في إيران حتى ليوم واحد. أية ديمقراطية تضاهي هذه في العالم؟ بالإضافة إلى الثورات فإنه لا توجد أية ديمقراطية يدلي فيها الناس بأصواتهم بهذه الدقة و في الموعد المقرر. هذا هو خط الإمام.
و ما عدا الانتخابات، اهتم الإمام مراراً بجماهير الشعب، و أشار إلى دورهم، و صرّح أحياناً، حيث قال في بعض المناسبات: إذا لم يفعل المسؤولون العمل الفلاني الذي يجب أن يفعلوه فإن الناس أنفسهم سوف ينـزلون إلى الساحة و يفعلونه.
من النقاط الأخرى الساطعة في خط الإمام عالمية نهضته. كان الإمام يعتبر النهضة عالمية، و يرى هذه الثورة ثورة جميع الشعوب المسلمة، بل حتى غير المسلمة. لم يكن الإمام ليحابي في هذه القضية. هذا شيء يختلف عن التدخل في شؤون البلدان الأخرى، و هو شيء لا نفعله، و هو غير تصدير الثورة بالطريقة الاستعمارية القديمة، و هو شيء لا نفعله أيضاً و لسنا من أهله. إنما معناه أنه يجب أن ينتشر الأريج الطيب لهذه الظاهرة الرحمانية في العالم، و تفهم الشعوب ما هو واجبها و تعلم ما هي هويتها. من نماذج هذه النظرة العالمية موقف الإمام من قضية فلسطين. يقول الإمام صراحة إن إسرائيل غدة سرطانية. حسناً، ماذا يفعلون للغدة السرطانية؟ هل يمكن علاج الغدة السرطانية بسوى استئصالها و قطعها؟ لم يكن يحابي الإمام أحداً. هذا هو منطق الإمام. هذا الكلام ليس شعارات بل هو كلام منطقي. فلسطين بلد تاريخي. كان ثمة بلد طوال التاريخ اسمه فلسطين. جاءت جماعة تدعمها القوى الظالمة في العالم و طردت هذا الشعب من هذا البلد بأعنف و أشد الأساليب و قتلته و نفته و عذبته و أهانته و أخرجته من دياره - حيث يوجد اليوم عدة ملايين من المشردين الفلسطينيين في البلدان المجاورة لفلسطين المحتلة، و في البلدان الأخرى، و معظمهم في المخيمات - و الواقع إنهم ألغوا بلداً عن الساحة الجغرافية، و ألغوا وجود شعب بكامله، و فرضوا وحدة جغرافية مصطنعة و جديدة مكانه، و جعلوا اسمها إسرائيل. لاحظوا هنا ما الذي يقتضيه المنطق؟ كلمتنا بخصوص قضية فلسطين ليست كلاماً شعاراتياً، إنما هو كلام منطقي مائة بالمائة.
جماعة من الأقوياء كان على رأسهم في البداية بريطانيا، ثم التحقت بهم أمريكا، و اتبعتهم البلدان الغربية يقولون إن بلد فلسطين و شعب فلسطين يجب أن يلغيا ليحلّ محلهما بلد اسمه إسرائيل و شعب مصطنع اسمه شعب إسرائيل. هذا كلام، و مقابل هذا الكلام يوجد كلام الإمام الذي يقول: لا، يجب إلغاء هذه الوحدة المصطنعة المفروضة، و يحل محلها الشعب الأصلي و البلد الأصلي و الوحدة الجغرافية الأصلية. أي الكلامين هو المنطقي؟ الكلام المعتمد على عسف السلاح و القوة و القمع و الذي يريد إلغاء نظام سياسي و وحدة جغرافية تاريخية لها سابقة عدة آلاف من السنين، يريد إلغاءها تماماً عن المسرح الجغرافي، أم الكلام الذي يقول: لا، يجب أن تبقى هذه الوحدة الجغرافية الأصلية و تزول الوحدة المصطنعة المفروضة؟ هذا ما كان يقوله الإمام. هذا هو الكلام الأكثر منطقاً الذي يمكن إطلاقه حول إسرائيل الغاصبة و قضية فلسطين. هذا ما قاله الإمام و أعلنه بصراحة. و الآن إذا قال أحد هذا الكلام حتى بالإشارة و التلميح يقول بعض أدعياء خط الإمام: لماذا تطلق مثل هذا الكلام؟! هذا هو كلام الإمام و منطقه و هو منطق صحيح، و على جميع مسلمي العالم و كل الأحرار في العالم و كافة الشعوب المحايدة أن توافق هذا الكلام و تقبله. هذا هو الصحيح و هو موقف الإمام.
و أقول كلمة أخيرة.. لقد تحملتم أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء حرارة الجو.. آجركم الله.. نقطة أساسية أخرى حول خط الإمام و طريقه هي أن الإمام قال مراراً إن إصدار الأحكام عن الأشخاص و تقييمهم يجب أن يكون على أساس وضعهم الحالي الراهن، أي إن ماضي الأشخاص لا يؤخذ بنظر الاعتبار. الماضي يفيد حينما لا يكون الحال معلوماً فيرجع الإنسان إلى الماضي و يتمسك به و يقول: هكذا كان الوضع في السابق و لا بد أن يكون على نفس الشاكلة الآن أيضاً. و إذا كان حاضر الأشخاص على الضد من ماضيهم فلن يعود لذلك الماضي أي فاعلية أو تأثير. و هذا هو التقييم الذي عمل وفقه الإمام أمير المؤمنين (عليه الصلاة و السلام) مع طلحة و الزبير. يجب أن تعلموا أن طلحة و الزبير لم يكونوا أشخاصاً صغاراً. كان للزبير مواقف و سوابق متألقة قلّما يوجد لها نظير لدى أصحاب الإمام علي. بعد أن تولى أبو بكر الخلافة، و في الأيام الأولى، قام أمام منبر أبي بكر عدة أشخاص من الصحابة و عارضوه و قالوا: ليس الحق معك إنما الحق مع علي بن أبي طالب. و أسماء هؤلاء الأشخاص مسجلة في التاريخ. و هذه ليس أشياء يرويها الشيعة، لا، إنما هي مذكورة في كافة كتب التاريخ. من هؤلاء الأشخاص الذين وقفوا أمام منبر أبي بكر، و دافعوا عن حق الإمام أمير المؤمنين هو الزبير. هذه هي سابقة الزبير. و بين ذلك اليوم و اليوم الذي شهر فيه الزبير سفيه في وجه أمير المؤمنين مدة خمس و عشرين سنة. أخوتنا أهل السنة يعتذرون لطلحة و الزبير، و يقولون إن اجتهادهما أفضى بهما إلى هذه النتيجة.. حسناً، مهما يكن الأمر. لسنا هنا في صدد موقفهما أمام الله تعالى. و لكن ما الذي فعله الإمام أمير المؤمنين لهما؟ الحرب. زحف الإمام أمير المؤمنين بالجيش من المدينة و سار نحو الكوفة و البصرة لحرب طلحة و الزبير. أي إن تلك السوابق محيت و انتهت. هذا كان ملاك الإمام و معياره.
البعض كانوا مع الإمام في باريس و جاءوا معه في الطائرة إلى إيران، لكنهم أعدموا في زمن الإمام بسبب الخيانة! و البعض كانت لهم علاقاتهم معه منذ فترة النجف، ثم باريس، و كانوا موضع عناية الإمام منذ بداية الثورة، لكن سلوكهم و مواقفهم بعد ذلك أدت إلى أن يطردهم الإمام و يبعدهم عن نفسه. المعيار هو الوضع الذي يكون لي حالياً. إذا أدت النفس الأمارة بالسوء و الشيطان إلى تحريف الطريق أمامي لا سمح الله، فسوف يختلف الحكم و التقييم. هذا هو مبنى النظام الإسلامي و هذا ما عمل به الإمام الخميني.
و ثمة خطوط أخرى يمكن ذكرها على صعيد منهج الإمام و خطه. و ما ذكرناه هو أهمها و أكثرها تأثيراً.. من المناسب للإخوة و الشباب و أهل الفكر و البحث، و طلبة العلوم الدينية و طلبة الجامعات أن يفكروا و يبحثوا في هذه المباني. لا تبقى النصوص نصوصاً بل يجري إيضاحها و تبيينها.
ليعلم الجميع و خصوصاً شبابنا الأعزاء أن ما حدث بعد رحيل الإمام الخميني و إلى اليوم من عداوات و عراقيل و كل ما فعلوه بكل صنوفه و أنواعه لم يستطع خلق أدنى تضعضع و تزلزل في أركان هذا النظام، بل على العكس، كل ضربة وجهها العدو للجمهورية الإسلامية أدت في النتيجة إلى مزيد من متانة الجمهورية الإسلامية. بالضبط كما هو الحال بالنسبة لثمانية أعوام من الدفاع المقدس. وقفت جميع القوى السياسية و العسكرية و المالية الكبرى في العالم وراء النظام البعثي في العراق لمدة ثمانية أعوام و حاربوا إيران الإسلامية، و أنزلوا كل قدراتهم إلى الساحة حتى يهزموا الجمهورية الإسلامية، أو يقللوا من قوتها، فما كانت النتيجة؟ حينما انتهت هذه الأعوام الثمانية شهد العالم بمنتهى الدهشة نهضة الجمهورية الإسلامية و تحولها إلى قدرة دفاعية و عسكرية أقوى و أعظم بكثير مما كانت عليه أيام الحرب. لقد سطعت قوة الجمهورية الإسلامية بعد الحرب في العالم بحيث أذهلت العيون. و كذلك الحال اليوم. أي حدث يخطط له الأعداء، و مهما تمادى السذج و الغافلون في مواكبة الأعداء فستكون نتيجة ذلك بفضل صمود الشعب الإيراني تعزيز الجمهورية الإسلامية أكثر فأكثر.
لاحظتم أنه حصلت فتنة و أعمال و جهود، و دافعت أمريكا و بريطانيا عن عناصر الفتنة، و دافعت عنهم كذلك القوى الغربية و المنافقون و أنصار الملكية، فماذا كانت النتيجة؟ كانت النتيجة أمام كل هذا التحالف و الاتحاد غير المبارك أن أبدى الشعب الإيراني عن نفسه في يوم التاسع من دي و الثاني و العشرين من بهمن عظمة أذهلت العالم. إن واقع إيران اليوم و شبابها و متعلميها و الإيرانيين عموماً بحيث يستطيعون بتوفيق من الله إحباط أية مؤامرة يمهد لها الأعداء ضد نظام الجمهورية الإسلامية. و لكن دققوا جداً في أننا يجب أن نعمل بالتقوى. التقوى هي التي تقوينا و هي التي تجعلنا لا نتأثر بالضربات، و هي التي تبعث فينا الأمل لمواصلة هذا الدرب حتى الوصول إلى الأهداف النهائية.
اللهم، بمحمد و آل محمد وفقنا جميعاً للتقوى و تفضل بها على كل واحد من أبناء هذا الشعب. اللهم قرب القلوب من بعضها و آلف بينها. اللهم زد يوماً بعد يوم من وضوح خط الإمام و شخصيته و الهوية الحقيقية لهذه الثورة بين أبناء شعبنا. ربنا أرضِ عنا القلب المقدس لإمامنا صاحب العصر و الزمان، و أرضِ عنا أرواح الشهداء الطيبة و الروح الطاهرة لإمامنا الجليل..
بسم الله الرحمن الرحيم
وَ الْعَصْرِ ... إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ... إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَ تَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَ تَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ.(9)
الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
و الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و آله الطاهرين سيما عليّ أمير المؤمنين، و الصديقة الطاهرة، و الحسن و الحسين سيدي شباب أهل الجنة، و علي بن الحسين زين العابدين، و محمد بن علي باقر علم الأولين و الآخرين، و جعفر بن محمد الصادق، و موسى بن جعفر الكاظم، و علي بن موسى الرضا، و محمد بن علي الجواد، و علي بن محمد الهادي، و الحسن بن علي الزكي العسكري، و الحجة القائم المهدي صلوات الله عليهم أجمعين.
و صلِّ على أئمة المسلمين و حماة المستضعفين و هداة المؤمنين.
أوصيكم عباد الله بتقوى الله.
أوصي جميع الإخوة و الأخوات مرة أخرى و أدعوهم لمراعاة تقوى الله.
يشهد العالم الإسلامي راهناً بل كل العالم تحولات كبيرة تنبىء بتغيير في المعادلات العالمية. و لذلك من المهم أن يتنبه الشعب الإيراني لهذه التحولات.
من القضايا قضية فلسطين و غزة - و في الآونة الأخيرة على وجه الخصوص - قضية الهجوم على القافلة السائرة لإمداد غزة و كسر الحصار عنها، و التي هجم عليها الصهاينة الغادرون القساة. ما يلفت النظر أكثر في قضية فلسطين خلال السنة الأخيرة أو الشهور الماضية هو تهويد فلسطين. تقوم سياسة الكيان الصهيوني على إلغاء تدريجي كامل للآثار الإسلامية عن منطقة فلسطين و الضفة الغربية لنهر الأردن - و هم أنفسهم يعترفون بأن هذه المنطقة منطقة محتلة، و العالم يعترف بذلك، و توجد كل هذه القرارات الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة - و تهويد هذه المنطقة. بناء المستوطنات غير القانوني و الظالم، و تهديم بيوت الناس، و التلاعب بمدينة الخليل و مدينة القدس بهدف تهويدها، كلها من أجل استئصال جذور الإسلام من بلد فلسطين كما يتوهمون. هذه نقطة مهمة جداً و على العالم الإسلامي الوقوف ضد هذه الحالة بكل كيانه و قدراته، و الحيلولة دون ارتكاب هذه الجريمة الكبرى.
و الشيء الآخر الملفت للنظر هو المحاصرة الظالمة لغزة و التي مضى عليها ثلاثة أعوام. عملية متعجرفة قاسية وحشية، و العجيب جداً أنها تحظى بتأييد و دعم أمريكا و بريطانيا و سائر القوى الغربية التي تتشدق بحقوق الإنسان دوماً. يحاصرون مليون و نصف المليون إنسان منذ ثلاث سنوات، و لا يسمحون بوصول الدواء إليهم و لا الطعام و يعرقلون وصول مياه الشرب لهم، و كذلك الطاقة الكهربائية، و يعرقلون كذلك وصول الإسمنت و المواد الإنشائية ليبنوا ما هدمته الحرب - كان القسم الأكبر من حمولة القافلة التي ذهبت هو الإسمنت ليستطيع الناس بناء بيوتهم المهدّمة - و بالإضافة إلى ذلك فهم يقصفونهم دوماً و يقتلون البشر... يقتلون الأطفال المظلومين و النساء و الرجال. هذا ما يقوم به الكيان الصهيوني.
و المنظمات التي تدعي حقوق الإنسان واقفة تتفرج. و القوى الغربية لا تتفرج و حسب بل و تدعم. للأسف فإن الكثير من البلدان التي يجب أن تدافع - أي بعض البلدان العربية و الإسلامية - اختارت الصمت المطبق إن لم نقل أنها تصرفت بعض التصرفات الخيانية وراء الكواليس. الواقع عجيب جداً.
الخطوة الأخيرة التي قام بها الصهاينة - أي هجومهم على هذه السفن التي تحمل بعض الأشياء إلى غزة لكسر حصار غزة في المياه الحرة و ليس في سواحلهم و بيئتهم البحرية - يجب أن تدرس من بعدين:
الأول الطبيعة الوحشية للصهاينة و هذا ما فهمه العالم. العالم يجب أن يفهم هذه المسألة. يدعي الصهاينة أنهم دخلوا السفن للتفتيش أو لنقول لهم لا تدخلوا غزة - و هم طبعاً يكذبون كالكلاب، فقد ذهبوا للهجوم و خططوا للهجوم و كانت أهدافهم محددة - حتى لو كانوا قد ذهبوا للوعظ و النصيحة لكان ذلك بخلاف كافة الضوابط الدولية. سفينة تتحرك في المياه الحرة، و أقصى ما تستطيعون فعله هو أن لا تسمحوا لها بدخول موانئكم، فلماذا تحركتم إلى وسط البحر و هجمتم عليهم و قتلتم.. قتلتم عدداً كبيراً و أصبتم أكثر، و أسرتم أكثر؟ لماذا؟ إنها الطبيعة الوحشية. إنها الشيء الذي تهتف به الجمهورية الإسلامية منذ ثلاثين سنة و يتجاهله الغربيون المنافقون المراؤون الكاذبون. و قد شاهد العالم برمته اليوم إلى أي درجة هم متوحشون.
النقطة الثانية التي يتوجب التركيز عليها و الاهتمام بها هي أن الصهاينة أخطأوا في حساباتهم. لقد ارتكبوا خطأً كبيراً. إنه خطأ يقع بشكل متكرر في الأعوام الأخيرة. هاجموا لبنان و أخطأوا، و هاجموا غزة و أخطأوا، و هاجموا هذه السفن و أخطأوا. هذه الأخطاء المتتالية تشير إلى أن الكيان الصهيوني الغاصب يسير نحو نهايته المحتومة و يقترب منها خطوة خطوة، ألا و هي السقوط و الانهيار في هاوية العدم.
الحدث المهم الآخر الذي من المناسب أن يتنبه له شعبنا، و هو حدث له معناه، هو الحدث الذي وقع في الاجتماع المطول للـ N.P.T في نيويورك. كانوا قد عقدوا هذا الاجتماع أساساً لتستطيع من خلاله القوى المتغطرسة أكثر فأكثر تقييد الشعوب التي لم تحصل لحد الآن على الطاقة النووية، و تختلق لهم الموانع و العراقيل. طبعاً كانوا يتمنون ذلك و خططوا له ليبدوا في هذا الاجتماع أحقادهم ضد الجمهورية الإسلامية خصوصاً. فحصل عكس ما أرادوا تماماً. استمر هذا الاجتماع شهراً واحداً على وجه التقريب، و بدل أن يستطيعوا تمرير مقاصدهم و أهدافهم و تقييد بلدان مثل الجمهورية الإسلامية كانت النتيجة التي انتهى إليها هذا المؤتمر الطويل هي أن 189 بلداً فرضت على القوى تدمير أسلحتها النووية، و منعت مواصلة إنتاج هذه الأسلحة، و تم الاعتراف بحق امتلاك القوة النووية السلمية من قبل سائر البلدان، و فرض على الكيان الصهيوني - الذي دافع عنه مربّوه بقوة في هذا المؤتمر و نشطوا لصالحه - الالتحاق بمعاهدة N.P.T و هذا على العكس تماماً مما أرادوه. هذا ليس بالحدث الصغير، إنه دليل على أن القوة الأمريكية التعسفية المتكبرة المستكبرة و سائر القوى المتغطرسة و التابعة لها في العالم لا تستطيع تمرير إرادتها. ليست أمريكا اليوم في وضع يؤهلها أن تتدخل تدخلاً مؤثراً في السياسات الدولية. استطاعت الجمهورية الإسلامية بصمودها الممتد لثلاثين سنة إيجاد واقع لدى الرأي العام العالمي بحيث تقف ليس الشعوب و حسب بل حتى الحكومات - أي هذه الدول الـ 189 - في وجه أمريكا، و تتخذ قراراتها و تصوت على الرغم من إرادتها. هذه من البشائر الإلهية لشعب إيران الكبير.
و ثمة قضايا أخرى تم تسجيلها لتذكر، لكن الوقت فات. نرجو أن يشملكم رب العالمين جميعاً أيها الإخوة و الأخوات المؤمنون و كافة شعب إيران العزيز بنظراته، و يزيد يوماً بعد يوم من انتصارات هذا الشعب.
ربنا قرّب بلطفك و عنايتك و عينك و نظراتك قلوب المسلمين من بعضها، و اجعل الأمة الإسلامية متحدة مقتدرة، و أرفع رأس الشعب الإيراني، و أرفع عنه مشكلاته و متاعبه.
بسم الله الرحمن الرحيم
إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ... فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ ... إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ.(10)
الهوامش:
1 - سورة الأحزاب، الآيتان 70 و 71.
2 سورة هود، الآية 112.
3 - سورة الشورى، الآية 15.
4 - سورة الأحزاب، الآية 21.
5 - سورة الممتحنة، الآية 4.
6 - سورة الفتح، الآية 6.
7 - سورة الحج، الآية 40.
8 - سورة الفتح، الآية 6.
9 - سورة العصر، الآيات 1 - 3.
10 - سورة الكوثر، الآيات 1 - 3.