بسم الله الرحمن الرحيم
أنا مسرور جداً و أشكر الله تعالى أن وفقنا للقاء في شهر رمضان آخر، و في جلسة أخرى، و ساعات أخرى بالأساتذة المؤمنين المبرّزين في بلادنا من إخوة و أخوات، و أن ننتفع من الكلمات الجيدة التي ألقوها.
إنها الأيام الأخيرة من شهر رمضان المبارك، و الأجواء التي تسود قلوب شعبنا و أرواحه - و أنتم من جملة شعبنا - هي أجواء العبادة و الخشوع و النقاء إن شاء الله. قرأتم في أدعية هذه الليالي: اللهم و هذه أيام شهر رمضان قد انقضت و لياليه قد تصرّمت«.(1) نقول إن ليالي شهر رمضان قد انقضت و أيامه انقضت و مضت أيضاً و لا ندري كم استطعنا في هذه الأيام و الليالي التي مضت أن نملأ وعاء أنفسنا و أرواحنا برحمتك و عنايتك، و كم استطعنا أن ننتفع من هذه الليالي و الأيام. و نقول: »إن لم تكن رضيت منّا فالآن فارضَ منّا«.. ربنا، إن لم نستطيع حتى هذا الحين كسب رضاك، فنرجو منك أن تشملنا برضاك من الآن.
الطهارة و صفاء النفس حالة مهمة للجميع، و ضرورية للجميع، و مؤثرة في حياة الجميع، لكنني أعتقد أنها أهم و أنفع و أكثر فائدة و ربحاً للأساتذة و العلماء. أولاً لأنكم الأساتذة تؤثر طباعكم و سلوككم في تكوين شخصية الشباب و الطلبة أكثر مما يؤثر كلامكم. هكذا هو الأمر غالباً. بحيث لو دفع كلامكم الشاب باتجاه معين، لكن سلوككم لم يكن بنفس ذلك الاتجاه، فإن سلوككم و تصرفاتكم هذه ستؤثر في مخاطبيكم و طلابكم و متعلميكم و الشباب الذين يدرسون عندكم. هذا جانب من جوانب أهمية نقاء النفس. إذا كان أستاذنا يتحلى بالمعنويات و الروح النقية الطاهرة فسوف ينوِّر أجواء الصف و الدرس و فضاء قلوب المتعلمين. هذا ما نحتاج إليه. إضافة إلى هذا أنتم علماء، و إذا رافق النور المعنوي العلم فسوف يُوضع العلمُ في الاتجاه الصحيح.
هذه الآراء التي طرحتموها أيها الأعزاء، و العقبات و المشكلات و المؤاخذات التي تلاحظ في الميادين المختلفة، و قد نبّهتم إلى بعضها، الكثير منها بسبب أن العلم لم يتحرك في اتجاهه الصحيح أي باتجاه السنن الإلهية. نقاء النفس و نورها يساعد العالم على توجيه العلم بالاتجاه الصحيح.
اعرفوا قدر هذه الأيام و الليالي. لقد صمتم أكثر من عشرين يوماً، و كنتم موفقين و الحمد لله، و لا شك أنكم انتهلتم من الأنوار الملكوتية لهذه الليالي و الأيام، فاسعوا سعيكم خلال هذه الأيام و الليالي القليلة الباقية لتملأوا ما استطعتم وعاء كيانكم الواسع من معين اللطف و النقاء الإلهي الذي ينهمر علينا.
الجامعة هي الداينمو المحرك لتقدم البلاد. هذا مما لا شك فيه. إذا أراد الشعب العزة و الاستقلال و الاقتدار و الثروة فعليه تقوية جامعته. لقد تكرست هذه النقطة في ذهنية مسؤولي البلاد لحسن الحظ، فقد أدرك الجميع هذه المسألة و هي أن يهتموا للجامعة.
البلاد بحاجة إلى جهاد علمي. طبعاً حين أقول هنا العلم أعني العلم بالمعنى العام، و ليس العلوم التجريبية. نحن بحاجة لجهاد علمي. و سوف أتطرق لبعض الآراء التي ذكرها الإخوة و الأخوات، و سوف أذكر بعض التعليقات إن وجدت على هامش كلمات الأعزاء. على أن ما أعتقد أنه خلاصة و عصارة لكافة المسائل - و أجد نفسي ملزماً و مكلفاً بذكره و متابعته و أرصد المراحل التي وصل إليها بدقة و قلق - هو أن البلد بحاجة إلى جهاد علمي.
لاحظوا أن للجهاد معنى خاصاً. ليس معنى الجهاد مجرد السعي. الجهاد في المفهوم الإسلامي عبارة عن السعي و العمل الذي يبذله الإنسان مقابل خصم أو عدو. و ليس كل سعي جهاداً... جهاد النفس، و الجهاد أمام الشيطان، و الجهاد في ميدان القتال العسكري، و مجابهة العدو، و مواجهة معارض معين. في مضمار العلم في البلاد نحن اليوم بحاجة لمثل هذا الجد و السعي. أنْ نشعر أن هناك موانع و عقبات يجب أن نزيلها، و أن هناك معارضات ينبغي أن نحطمها. و في مجال عرض الإمكانات العلمية هناك بخل و خسة من قبل أصحاب هذه الإمكانيات العلمية - و هم البلدان المتقدمة علمياً - يجب أن نبدي عن أنفسنا قبالها عزةً و تعففاً و فوراناً و تفجراً داخلياً. على الرغم من السخاء العلمي الذي يتظاهر به العالم اليوم، فإنه في غاية الخسّة العلمية. الذين استطاعوا بفضل عوامل متعددة و متنوعة، و في برهة زمنية معينة، أن يتوفروا على التقدم العلمي و يمتلكوا محرِّك التقدم و يسبقوا جميع البشر - و هم البلدان الغربية المتقدمة التي توفرت على العلم و المعرفة منذ عصر النهضة تقريباً و إلى اليوم، و قد كنّا نحن ذات يوم حملة العلم - هؤلاء احتكاريون و لا يريدون لدائرة هذا العلم و الاقتدار أن تتسع. يعارضون توفر الشعوب على العلم، خصوصاً بعد أن تحول هذا العلم عندهم إلى وسيلة سياسية، و قد ولد الاستعمار من رحم العلم. العلم هو الذي استطاع تقويتهم و منحهم الاقتدار، لذلك ساروا في أنحاء العالم و ظهر الاستعمار، و إلا فالشعوب كانت تعيش حياتها العادية. أين بريطانيا من أندونيسيا؟ ساروا بأدوات العلم و استعمروا تلك المناطق. حينما ولد الاستعمار من رحم العلم، و صارت القوة الدولية و السياسية تعتمد على العلم، وجدوا أن عليهم عدم تزويد الآخرين بهذا العلم، و إلا فسوف تتعرض قوتهم للخطر و التهديد. و قد عملوا على هذه الشاكلة إلى اليوم.
و الآن يبدي شعب إرادته و عزيمته على الوقوف على قدميه، و استخدام مواهبه، و لحسن الحظ فإن هذه الأرضيات ممهدة له بنحو من الأنحاء - هكذا هو شعبنا - و ربما توجد بعض الشعوب لو قررت أن تقف علمياً على قدميها لما استطاعت، لأنها لا تمتلك الماضي العلمي، و لا الموهبة المحلية و الإقليمية و الذاتية. و بلادنا تتوفر على هذه الشروط و الحمد لله. و قد حصلت فيها ثورة و حركة عظيمة و صحوة و شعور بالقدرة.. انطلقت حركة مهمة و حققت تقدماً كبيراً. و يجب أن نعترف أن هذه الحركة لا تزال في بداياتها و لا نزال في أول الطريق.
أشار الأعزاء إلى البرمجة و التخطيط لثلاثمائة سنة. أنا طبعاً لا أومن بالبرمجة لثلاثمائة سنة، لكنني ارتضي هذه الأفكار و الروح التي تشعر بأننا لم نقطع طول الأعوام الثلاثين الماضية سوى الخطوة الأولى، و إذا أردنا قطع عشر خطوات سنحتاج من الزمن إلى ثلاثمائة سنة. يجب أن نعلم أننا في الخطوات الأولى و يجب أن نعلم أننا نستطيع قطع خطوات أوسع. ينبغي تنامي هذا الشعور. و اعتقد أن هذا الشعور سيتنامى حتماً. كما أن هذه الحركة العلمية العظيمة و هذا الإبداع العلمي، و إنتاج العلم، و تحطيم حدود العلم لم يكن ليخطر على بالنا أن يتحقق في يوم من الأيام، لكنه طرح و قيل و جرت متابعته، و تشاهدون اليوم ثمراته، إذن نستطيع قطع خطوات أوسع و إنجاز أعمال كبيرة.
من الضروري أولاً مراجعة ما قاله الأصدقاء الأعزاء لأن الآراء التي أثارها الأعزاء اليوم هنا مرضية و مريحة حقاً بالنسبة لي. طبعاً لم يكن الأمر هكذا دوماً. أحياناً كنّا نجلس في جلسات الأساتذة المحترمين و لا أستفيد أنا شيئاً، لكنني اليوم أستفدت الكثير. كانت الآراء متنوعة و زاخرة بدقائق الأمور و الإشارات. الذي قيل كان حياً متفاعلاً تماماً. النقاط و الآراء التي طرحت كانت نظرات حية و كذلك الاقتراحات التي أثيرت، و كانت ذات طابع تنفيذي عملياتي.. كانت جيدة جداً. كان اجتماعنا اليوم مفيداً جداً و أودّ أن تنشر تفاصيل هذه الكلمات. إذا بثت من الإذاعة و التلفزيون فهذا جيد، لكن الأفضل من ذلك أن تدوّن جميع هذه الكلمات و تنشر. الكلمات كانت جيدة جداً.
أشار أحد الأعزاء إلى تأسيس كلية الطب التقليدي، و هذه بشارة بالنسبة لي. و تحدث أحد الأعزاء عن النظام الاقتصادي السائد في البلاد راهناً و جرى الادعاء بأننا ابتعدنا عن الدستور. أنا طبعاً لا اعتقد بمثل هذا الشيء. إنني أخلص لأخينا العزيز الدكتور سبحاني. إنني أعرف الدكتور سبحاني و على معرفة بأفكاره و آرائه، و هو من إخوتنا الأعزاء جداً، بيد أن هذا الكلام ليس الكلام الذي أقبله. طبعاً قد تكون بعض البُنى الفوقية و المظاهر مما لا نوافقه و نرضاه، و من المتيقن منه وجود مثل هذه الحالات، بيد أن المباني و الأسس مبانٍ صحيحة و خصوصاً قضية سياسات المادة 44 التي أشبعت بحثاً. و قد طرحت آراؤه و غيره من الأعزاء سواء حينما كان في المجلس أو في أحيان أخرى.
أشار أحد الأصدقاء إلى جامعة حكمية المحور، و هذا كلام جديد عليَّ. و لا أدري هل يقصد الحكمة بالمعنى الذي ذهب إليه الدكتور فياض - و ما قاله عن الحكمة يعدُّ تعريفاً صحيحاً تماماً - أم بمعنى آخر، إلا أن الجامعة الحكمية المحور كلام جديد، و الأجد من ذلك أنه قال إن بعض أعمال هذه الجامعة قد تم إنجازها و أن جامعة طهران أنجزت بعض الأجزاء. هذا جديد عليَّ تماماً. لم أسمع بمثل هذا و لم أطلع على أن مثل هذا الأمر قد حصل في البلاد فعلاً.
اقتراح تأسيس مرصد لتقدم الخارطة العلمية الشاملة في البلاد اقتراح صحيح تماماً. و قد كان هذا الشيء ضمن ما سجلته هنا لأطرحه. الخارطة العلمية الشاملة بحاجة إلى برنامج تنفيذي، و تحتاج أيضاً على حد تعبيره إلى مرصد لكي نرى كم تقدم العمل فيها، حتى لا ينحرف البرنامج و لا يتوقف.
و حول أهمية العلوم الإنسانية تحدث الأعزاء اليوم بنحو وافٍ لحسن الحظ. و هذا هو ما يعتمل في قلوبنا. حينما ذكرت العام الماضي رأياً حول العلوم الإنسانية لاحظت أن لهذا الرأي انعكاساته لدى بعض الأفراد، و لم تكن هذه الانعكاسات علمية أو منطقية. قرأوا هذا الكلام قراءات لم تكن مما نقصده إطلاقاً. كلامنا حول العلوم الإنسانية هو نفس هذا الكلام الذي طرحه الأصدقاء هنا و كان صائباً تمام الصواب. العلوم الإنسانية مهمة، و العلوم الإنسانية الموجودة في البلاد حالياً ليست محلية و ليست لنا و لا تعنى بحاجاتنا، و لا تتوكأ على فلسفتنا، أو على معارفنا، بل تهتم و تعنى بقضايا أخرى، و لا تعالج قضايانا. آخرون طرحوا بعض القضايا و عالجوها و حلوها لأنفسهم - و لا شأن لنا بصحة طروحاتهم أو خطئها - فهي أجنبية علينا أساساً. طبعاً، ليست ثمة الآن مجال لأتحدث حول العلوم الإنسانية. و في المستقبل إذا امتد بنا العمر و وفقنا سنعقد اجتماعاً جامعياً آخر مع الأساتذة المحترمين أو الطلبة الجامعيين إن شاء الله و أتحدث هناك حول قضايا العلوم الإنسانية بالتفصيل. لدي الكثير مما أقوله حول قضايا العلوم الإنسانية.
المشكلات التي ذكرها أحد السادة صحيحة تماماً. عدم تغيير فصول العلوم الإنسانية و أوقاتها.. هذه المسألة التي طرحت أنا على علم بها و هي صحيحة تماماً. إنه لعيب حقاً أننا لم نغيّر طوال عشرين سنة أو خمس و عشرين سنة فصول العلم الفلاني على الإطلاق. هذا يدل على عدم جرأة على الدخول في النقاش، و هو تحديداً الشيء الذي نخشاه. لا يجرأون على المناقشة إنما يدرسون هذا الموجود و يعودون و يدرسونه مرة أخرى، و قد يبقون يدرسونه لعشرة أعوام أخرى. و الحال أنه - على حد تعبير هذا الأخ المحترم - قد تحدث تغييرات أساسية في العلوم الإنسانية كل خمسة أعوام أحياناً. الأمر كذلك في بعض العلوم الإنسانية على الأقل. إنني أشكر أخانا هذا و باقي الإخوة و الأخوات و الأساتذة المحترمين الذي يفكرون في العلوم الإنسانية و يتحدثون حديثاً نابعاً من دراسة و تفكير و تأمل. هذا شيء قيّم جداً.
أشار أحد السادة إلى أننا في تعاملنا مع العلوم الإنسانية الحالية يجب أن نتعامل إيجابياً بدل التعاطي السلبي مع المناحي الغربية، بمعنى أن نطرح المناحي الإسلامية. نعم، هذا هو أساس القضية. لا شك في هذا. لا يمكن العيش في الفراغ. حينما تطرح المسألة فهي بحاجة إلى جواب، إما جوابه هو أو جوابنا نحن، بيد أن المهم هو شيئان: الأول أن يجري تدوين إجاباتنا. و هذا ما يجب أن تقوموا به أنتم، هذا ما يجب أن يقوم به أساتذة الحوزة و الجامعة. فمن يا ترى يجب أن يقوم بهذا؟ هذه المهمة ليست طبعاً من واجبات الحكومة. و الثاني أن تكون هناك جرأة على مناقشة المنحى الغربي الحالي المنبثق عن الليبرالية الغربية. هذان الشيئان ضروريان و لازمان. و هما في أيديكم.. في أيدي الأساتذة المتخصصين في العلوم الإنسانية. طبعاً حين يقال إنه لا بد لهذا من إدارة و لا بد من بنية خاصة، فهذا الكلام يحتاج إلى تأمل و يجب دراسته، و هو كلام صحيح - صحيح بصفته الكلية على الأقل - لكن المهمة على كل حال مهمة أساتذة العلوم الإنسانية.
تحدثت إحدى السيدات عن اختيار الطلبة الجامعيين و عدم تلائم الأطروحات الجامعية مع الاحتياجات العلمية للبلاد، و هذا كلام صحيح جداً، و هو من جملة آرائنا و كلامنا. كما أكدت على ضرورة التحرك ذي الطرفين بين القيادة و المجتمع النسوي. طبعاً لا يمكن مقارنة المجتمع النسوي بالجامعات أو القوات المسلحة. المجتمع النسوي نصف سكان البلد و لا يمكن افتراضه كالمجتمع الجامعي أو المنظومة العسكرية. لكنه كلام صحيح على كل حال. ينبغي أن نفكر و نستمع لآراء السيدات العالمات المثقفات الدارسات في البلاد. ذلك أن قضايا المرأة قضايا مهمة، و هي على حق. الواقع أن مشكلة المرأة في العالم اليوم - و ليس في بلادنا فقط - من المشكلات الرئيسية. و قد تكون مشكلات المرأة في بلادنا أقل منها في الكثير من بلدان العالم بما في ذلك البلدان الغربية. ثمة هناك مشكلات أصعب و أعقد بكثير.
أشار أحد السادة - الدكتور زالي - إلى التقدم الباعث على المباهاة و الفخر في قطاع الطب و العلاج و السلامة و البيئة، و قدّم إحصائيات لافتة جداً. أولاً، ما شاء الله على هذه الذاكرة حيث ذكر كل هذه التفاصيل و الخصوصيات واحدة واحدة عن ظهر قلب.. جميل جداً، و المرء لا يمتلك إلا أن يثني على هذه الذاكرة. نتمنى أن تبقى له هذه الذاكرة إن شاء الله. ينبغي أن تطرح حالات التقدم هذه و تقال حتى تعلم بها الجماهير. راح البعض يقصفون أذهان الطلبة الجامعيين و الأساتذة بأمواج اليأس و القنوط و يقولون: لا يا سيدي لا يمكن، لا نستطيع، لا فائدة من هذا. هذه الأفكار كالأرضة المخربة الهدّامة. البلد يتقدم إلى الأمام بكل حيوية و مرونة. هذه الشجرة الهائلة كانت غرسة صغيرة، و هي اليوم شجرة طيبة، »... كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَ فَرْعُهَا فِي السَّمَاء «.(2) إننا نتقدم في جميع القطاعات. طبعاً تواجهنا بعض التحديات. إذا أراد الإنسان أن لا يسقط أرضاً فعليه أن لا يمشي أساساً. و إذا أردنا أن نمشي فهناك التعثر و السقوط و التزاحم بالاكتاف. التحديات خصوصية الشعب المتحرك، و لا يمكن الحركة من دون تحديات. الشعب يتقدم إلى الأمام بهذه المرونة و الثبات، و هناك من يقعد هنا و هناك و يوسوس في آذان هذا و ذاك من الطلبة الجامعيين و الأساتذة، و مع كلٍّ بشكل من الأشكال، و مع الناس العاديين بشكل معين، فيبث مشاعر اليأس و القنوط و التشاؤم. لا، واقع القضية هو هذا الذي قاله. طبعاً هو تحدث عن قطاع الطب، و الحال كذلك في القطاعات الأخرى، و قد تحدث الأصدقاء عن القطاعات الأخرى. طبعاً، لاحظت أن بعض الأعزاء الذين تحدثوا غير مطلعين على بعض الجوانب و الأقسام، و أنا على إطلاع. مثلاً في مجال التقنيات العسكرية تم إنجاز أعمال عجيبة و غريبة كثيرة. الشيء الذي يلاحظه المرء في التلفزيون هو مجرد واجهة، و الواجهة أو العارضة لا يمكنها تصوير حقيقة العمل و عظمته و تعقيده. لقد تم إنجاز الكثير من الأعمال.
ذكر أحد السادة فكرة مهمة جداً بشأن إنتاج الأفكار، و هي صحيحة تماماً. و أساس العلم هو الفلسفة، إذا لم تكن الفلسفة لم يكن العلم. إذا لم يكن ثمة استنتاج فلسفي كان العلم عديم المعنى أساساً. إنتاج الفكر مهم جداً. طبعاً إنتاج الفكر أصعب من إنتاج العلم. المفكرون و النخبة الفكرية معرضون لآفات و أخطار قلما يتعرض لها النخبة العلمية. إذن، العمل صعب لكنه مهم جداً، و النقطة التي طرحوها صحيحة. لقد استفدت منها و أوافق عليها.
و بخصوص تاريخ الفكر العقلي تجري الآن بعض الأعمال. قالوا إنه لم يجر عمل معين، بلى، تجري على هذا الصعيد بعض الأعمال. الفلسفة لنا، و بلدنا مهد الفلسفة. ما يوجد في بلدنا تحت عنوان الفلسفة أقرب إلى عنوان الفلسفة و معناها من الشيء الذي يوجد لدى الغربيين الذين تملأ أصوات فلسفتهم العالم اليوم. يجب أن يعملوا.. حوزاتنا مركز الفلسفة، و خريجو الحوزات أساتذة كبار في الفلسفة و قد ترسخ هذا المعنى في الجامعات أيضاً لحسن الحظ. و عليه، ينبغي العمل في مضمار إنتاج الفكر المنبعث من الفلسفة.
و ذكروا بعض الآراء حول علم الاقتصاد، و هو كلام صائب تماماً. ثمة تقصير و لا بد من القيام بهذه الأعمال، و لا بد من الاستثمار. كانت نقطة صحيحة جداً أن المال الذي نخصصه لبناء سد من السدود أو محطة طاقة أو طريق سريع، لا نخصصه لفرع مهم من فروع العلوم الإنسانية كعلم الاقتصاد مثلاً. هذا كلام صحيح و أنا أوافقه.
و أشار أحد السادة إلى ما وراء كواليس الطب الاستهلاكي. و لا بأس أن نمزح هنا و نقول: بالتالي هل تعطي أنت الوصفات أم لا؟ و كم تصف من الدواء؟ هذا الشخص طبيب محترم و معتبر.
كانت لدي توصيات عديدة، و قد سجّلت هنا نقاطاً عدة، و هي في الواقع كراسة، و لكن لأن الوقت ضيق أذكر نقطتين منها فقط. أحداهما مسألة الخارطة العلمية. ذكروا لي في التقارير أن الخارطة العلمية الشاملة للبلاد تمر حالياً بمراحلها النهائية، و تقترب من المصادقة النهائية و الإبلاغ. إذا توفرت لنا جميعاً هذه الخارطة العلمية الشاملة في الجامعات، عندئذ يجب العمل عليها، و ينبغي للجميع الالتزام بها. أولاً تحتاج الخارطة العلمية الشاملة لخطة تنفيذية. على مسؤولي الأجهزة الحكومية تصميم خطة و برنامج يمكن من خلاله تطبيق هذه الخارطة العلمية الشاملة و تحقيقها. على حد تعبير أحد السادة يجب أن لا نكتفي بإنتاج العلم، ثم لا ننشره و ندعه جانباً و لا نستفيد منه. يجب أن نستفيد منه. ثانياً يجب أن تكون الخارطة العلمية الشاملة حية متحركة و عصرية. إننا لا نروم إطلاق شيء لسنوات طويلة، إنما هي لهذه السنوات و الوقت الراهن. ربما صارت الأوضاع بعد ثلاثة أعوام أو خمسة أعوام بحيث نضطر إن إجراء تغييرات في جوانب من هذه الخارطة. ينبغي أن تكون الخارطة حية و متوثبة و عصرية. لا بد من وجود جماعة تلاحظ هذا المعنى و تراقبه. ثالثاً يتعين أن تكون الخطط التنموية الخمسية فيما يتعلق بالعلم و التعليم العالي متطابقة بنحو دقيق مع الخارطة العلمية الشاملة. على الخطط التنموية أن تتبع الخارطة العلمية الشاملة في هذه المجالات. كما يجب أن تكون هناك آليات قوية للإشراف، و هذا ما ذكره الأصدقاء أيضاً.
النقطة الأخرى هي أن تنمية التعليم العالي يجب أن يكون باتجاه الأهداف المرسومة. على مسؤولي التعليم العالي اجتناب التنمية غير الهادفة بشدة، لأن في هذا إتلاف للمال و إتلاف للمصادر الإنسانية. يتوجب النظر ما الذي نحتاج إليه و ما هو الهدف و إلى أين نريد الوصول، و نقوم بتنمية المناخ التعليمي في التعليم العالي على هذا الأساس. إذن، لنتابع أهدافنا حسب احتياجاتنا. اعتقد أن هذه قضية حساسة و مهمة جداً. يجب إحصاء احتياجات البلاد الرئيسية في مجال العلوم و التقنية، و كذلك في مضمار العلوم الإنسانية، و لا بد من البرمجة على أساس هذه النتائج. ينبغي أن نعرف ما هو عدد الطلبة الجامعيين الذين نحتاجهم، و ما عدد الجامعات التي نحتاجها، و ما الحقول و الفروع العلمية التي تلزمنا، و في أية مستويات يجب تدريس هذه الفروع.
نتمنى أن يعيننا الله تعالى جميعاً لنستطيع إن شاء الله تأمين ما يرضيه و ما يلزمنا لتقدم البلاد و لتقدم شعبنا باستمرار، و أن نفهم هذه الضرورات بالهداية الإلهية، و نستطيع بعد ذلك السير في هذا الطريق و بذل كل جهودنا فيه.
ربنا، اجعل ما قلناه لك و في سبيلك و تقبله منّا، و اهدنا و أعنّا على ما نفكر فيه و نعتقد أنه واجبنا. اللهم أرض عنا القلب المقدس لسيدنا الإمام المهدي المنتظر (عج). بارك لنا جميعاً شهر رمضان هذا.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

الهوامش:
1 - مفاتيح الجنان، من أدعية العشرة الأخيرة في شهر رمضان.
2 - سورة إبراهيم، الآية 24.