بسم الله الرحمن الرحيم،

والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا، أبي القاسم المصطفى محمد، وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديين، [ولا] سيما بقية الله في الأرضين.

أشكركم جزيلًا على هذا العمل العظيم الذي بادرتم به، أي إقامة مراسم تكريم المسعفين الشهداء على مدى سنوات طويلة، سواء في مرحلة «الدفاع المقدّس» أو بعدها. إنّه عمل في غاية الأهمية والضرورة، ونأمل أن يترك آثاره المرجوّة، إن شاء الله.

هذه الابتكارات التي أشار إليها السيّد كوليوند - في ذاك النصّ الجميل الذي تلاه -[1] من أعمال نُفّذت، ينبغي أن تجد جمهورًا ومخاطبين. ليس كافيًا أن تبتكروا فحسب، أو أن تُنتجوا لعبة جيّدة، أو تكتبوا كتابًا قيّمًا، أو تنتجوا فيلمًا جميلًا. ما ذكرتموه يُشعل الحماسة في الإنسان وهو أمر جيد جدًا. لكن يجب أن تعملوا على أن يكون لهذا العمل عشرون مليون مُتلقٍّ في بلد تعداده ثمانون مليونًا؛ أي أن يُروَّج له بجدّ. هذه هي المسألة المهمة. ابحثوا عن السبيل لتحقيق ذلك، فأنتم قادرون. إذا تمكّن شبابنا من أن يجلسوا ويتفرّغوا ويفكّروا ويسعوا إلى إيجاد حلول وابتكارات في المجالات التي تتوافر فيها البُنى التحتيّة — ولا أقصد المجالات التي لا تتوافر فيها البُنى التحتيّة حاليًا — فلا شكّ أنّهم سيصلون إلى نتائج عظيمة. لقد جرّبنا هذا بأنفسنا: في الصناعة وفي الأدب والفنّ وفي السياسة وفي أنشطة البناء والإعمار بمختلف قطاعاتها؛ وكانت النتائج جيّدة ومُشجّعة.

إذا دخل الشباب إلى الميدان بدافع وهمّة وبذلوا جهدهم وتابعوا العمل، فلن يكون هناك أيّ عملٍ غير ممكن. حتى في المجالات التي لا تتوافر لها بنية تحتيّة في البلاد، يمكن تكوين تلك البنية التحتية تدريجيًا. أنواع التقدّم هذه التي تشاهدونها اليوم في مختلف القطاعات، لم تكن لأيٍّ منها بنية تحتيّة وطنية. لدينا اليوم آلاف الكتب القيّمة المتعلّقة بالشهداء، وهي حقًّا جديرة بالقراءة، وكلّ كتاب يطّلع عليه الإنسان ويتاح له أن يقرأه، يجده جذّابًا، وهذا واقع فعلاً. في حين أنّنا قبل الثورة لم نكن نمتلك أرضيّة مناسبة للعمل الفنّي والنشاطات الفنيّة، خصوصًا في مجال الرواية؛ كانت نادرة جدًا وقليلة وعلى مستوى متدنٍّ. أمّا اليوم، فمستوى العمل عالٍ؛ وهذه البنية التحتية أنشأها شبابنا وفنّانونا. إذًا، يمكنكم أن تمضوا قُدمًا، وإن شاء الله تُنجِزوا الأعمال.

لم يُتحدّث كثيرًا عن المسعفين وفضائلهم العظيمة؛ ونرجو إن شاء الله أن يزداد ذلك بعد تأسيس أمانتكم هذه وانطلاق أعمالكم. أقول بضع جملات في هذا الشأن. المجاهد يحتاج إلى التدريب والسلاح، ولكن من يقدّم له هذا التدريب وهذا السلاح غالبًا ما يقدّم خدمته هذه خارج ساحة المعركة. أمّا المجاهد، فهو بحاجة إلى الإغاثة والتضميد والرباط ووقف النزيف ونقله إلى المستوصف أو المستشفى؛ ومن يقدّم له هذه الخدمات والدعم يكون وسط ميدان المعركة؛ وهذه مفارقة في غاية الأهمية بين نوعَي الدعم هذين. المسعف يفكّر في إنقاذ الآخرين وهو تحت وابل الرصاص والشظايا. المجاهد لدينا يؤدي مهمتين: إحداهما إبعاد العدو، والأخرى حماية نفسه؛ ولكن المسعف لدينا لا يفكر في نفسه، بل في إنقاذ الآخرين، ويخوض الميدان من أجل صونهم. ما يطالع الإنسان أحيانًا في هوامش كتب مذكرات المجاهدين من أعمال فعلها هؤلاء المسعفون، مدهش حقًا! تلك التضحيات وتلك الأعمال، وسط تلك الصعوبات والمشقات؛ لا بدّ من توضيح هذا للناس حتى يعلموا ويدركوا.

نقطة أخرى هي أنّ مسعفينا كانوا تجلّيًا للصفات الإنسانية وحبّ الإنسان. لقد شهدنا حالات ساعد فيها المسعفون حتى العدو الجريح المأسور؛ وهذا عمل عظيم. العدو جاء إلى ساحة المعركة ليقتلك، والمقابلة بالمثل تقتضي أن تقرّر أنت قتله أيضًا؛ ولكن عندما تضع حقيبة الإسعاف على ظهرك، أو تتجه إلى الخطوط الأمامية لتقيم هناك مستشفىً ميدانيًا وتقدّم الإسعافات، فإنك بذلك تسلك طريقًا معاكسًا تمامًا لما عليه العالم المجرد من الإنسانية، وتُظهر حب الإنسان. أنا بنفسي رأيت، قرب الخطّ الأمامي – لا أذكر كم كيلومترًا بالضبط، ولكن المسافة كانت قصيرة جدًا – أطباء وممرضين يعملون في مستشفًى ميداني، وقد أنشؤوا غرفة عمليات جراحية هناك، وكان ذلك مثيرًا للدهشة؛ مدى نيران العدو من الرصاص وقذائف الهاون القصيرة يصل إلى هذا المكان، ومع ذلك أنشؤوا غرفة عمليات تحت القصف! هذا أمرٌ في غاية الأهمية. كان هناك أطباء في مرحلة «الدفاع المقدس»، حقائبهم كانت جاهزة دائمًا، وبمجرّد الإعلان عن عملية وصدور التوجيهات، كانوا يتصلون عبر الهاتف بمنازلهم ويقولون: «لقد ذهبنا!»، يأخذون الحقيبة وينطلقون؛ هذه أمور لا يمكن وصفها بالكلمات؛ لا يمكن حفظها وتبيينها إلّا عبر أدوات الفن.

شعبنا اليوم بحاجة إلى أن يعرف هذه الحركات العظيمة وهذه الأعمال الكبيرة التي صدرت من هذا الشعب، من أبناء هذا الشعب؛ هو بحاجة إلى ذلك، ونحن مقصّرون إلى حدٍّ ما في هذا المجال، ولذلك كثيرون لا يعلمون. وما هو أكبر من هذا، تقصيرنا في إيصال هذه الأمور إلى العالم. ترون في بعض الدول أنّهم إن امتلكوا بطلاً متوسّطًا أو غير كامل، كيف يضخّمونه ويكتبون عنه الكتب والقصص؛ وبعضهم لا يملكون بطلاً، فيصنعون بطلاً؛ لا يملكون تاريخًا، فيصنعون تاريخًا. نحن نملك البطل ونملك التاريخ ونملك الماضي المشرّف؛ يجب أن ننقله وأن نُظهره. هذا عمل كبير ومن ضمن المهمات الحتمية. هذا هو العمل الثاني: أن نعرف هذه القيم ونُعرّف بها ونحوّلها إلى ثقافة عامة؛ أي أن يتضح أن الإسعاف والمساعدة واجبان إسلاميان وإنسانيان، ويجب أن يجريا في الأجيال، وأن يستمرا دائمًا. هذه المهمات على عاتق هذه المجموعات التي أنشأتموها. نأمل إن شاء الله أن يكون هذا المؤتمر وهذا التكريم مقدمة طيّبة وحسنة لانطلاق هذه الأعمال وتنفيذها.

الآن قارنوا هذا مع تلك الوحوش الضارية التي تلبس هيئة الإنسان وتقصف سيارات الإسعاف والمستشفيات، وتقصف المرضى وتقتلهم وتبيد الأطفال الأبرياء الذين لا يملكون وسيلة للدفاع عن أنفسهم، بلا هوادة! العالم اليوم تحت هيمنة هؤلاء. إنّ تحرّك الجمهورية الإسلامية ووقوفها و«الحضارة الجديدة» التي تكرّر الجمهورية الإسلامية ذكرها، إنما هي في مواجهة هذا الوضع العالمي. مَن يستطيع أن يدّعي ويؤمن حقاً بمواجهة هذه الهمجيات وسفك الدماء أنْ لا واجب عليه؟ مَن يمكنه ادّعاء ذلك؟ كلّنا مسؤولون. اليوم، أولئك الذين يدّعون الوصاية على العالم أو يحكمون دولاً فيه هم أنفسهم الذين يتصرّفون بهذه الطريقة، يقتلون الأطفال والمرضى ويدمرون المستشفيات ويقصفون المدنيين بلا هوادة. حسنًا، إن كنتم مصرّين على خوض الحرب، فلتكن المواجهة بين العسكريين فقط. هذا الخيار ذاته لا يكون عادلًا أحيانًا، بل هو ظلم، أي إنّ هذا الفعل هو فعل ظالم، ولكنه يظلّ في إطار المواجهة بين العسكريين. لماذا يقتلون المدنيين؟ لماذا يقصفونهم؟ لماذا تُدمَّر البيوت؟ العالم اليوم تحت هيمنة هؤلاء.

هذه هي المسؤولية الكبرى التي تقع على عاتقنا. إنّ هذا الشعور بالمسؤولية هو الذي يدفعنا إلى التحرّك وهو الذي لا يسمح بانطفاء شعلة الأمل في قلوبنا، وهذا الشعور بالمسؤولية هو نفسه الذي يدفع أعداء الجمهورية الإسلامية من هؤلاء المتوحشين الغربيين المتأنّقين بربطات العنق والعطور والمظاهر البراقة إلى الوقوف في وجه الجمهورية الإسلامية ومعاداتها. هذه هي المشكلة؛ فلو لم تعترضوا على همجياتهم ولو سايرتموهم، بل لو امتدحتم أفعالهم، لما عادَوكم أبداً؛ المشكلة هي أنهم يعلمون أنكم ترفضون أساس هذه الحضارة الباطلة، والحق إلى جانبكم، وعليكم أن ترفضوها. إن شاء الله، سيزول هذا الباطل، فهو ليس باقياً، بل هو إلى زوال بلا شك. لكن لا بدّ من العمل. ليس الأمر أن نجلس ونتفرّج حتى يزهق الباطل من تلقاء نفسه ويزول؛ كلا، فحين يُصرّح الله المتعالي أنّ الباطل زائل، فهذا يعني أنّكم إذا وقفتم في وجهه وناضلتم وسعيتم، فإنه لن يبقى ولن تكون لديه قدرة على الصمود. {وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا} (الفتح: 22). إن تصدّيتم وواجهتم فسيتراجع حتمًا؛ أمّا إن جلستم أو أظهرتم له وجهًا لطيفًا أو ابتسمتم أو هربتم أو امتدحتم أفعاله، فلن يزول، بل سيزداد وقاحة يومًا بعد يوم.

نرجو أن يوفّقكم الله المتعالي، إن شاء الله، ويُرشدنا إلى ما هو واجب، ويوفقنا لنتمكّن من أداء هذه الواجبات.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 


[1] في بداية هذا اللقاء، قدّم السيّد بيرحسين كوليوند (رئيس جمعيّة الهلال الأحمر) تقريرًا.