بسم الله الرحمن الرحيم

أبارك عيد الغدير السعيد لكل الحضور المحترمين، الإخوة و الأخوات الأعزاء، و لشعب إيران العزيز، و لكل الشيعة، بل لكل الذين يشعرون بالارتياح و الأنس لحقائق الإسلام و معارفه و ما في هذا الدين الشريف من توعية و علوم. و أرحب بكل الحضور المحترمين، خصوصاً الإخوة و الأخوات الذين تفضلوا بالمجئ من أماكن بعيدة و زيّنوا هذه الحسينية بحضورهم. نذكر نقطة بخصوص قضية الغدير، و نشير إلى نقطة حول الواجبات التي يضعها الغدير و معارف الغدير على عواتقنا، و يجب أن نتفطن لها.
قضية الغدير قضية على جانب كبير من الأهمية في تاريخ الإسلام. أولاً أصل هذه الحادثة العجيبة المهمة و هذا البيان الشريف: «مَن كنتُ مَولاه فَهذا عَليٌّ مَولاه» (1) ليس بالشيء الذي يرويه الشيعة فقط، بل هو من الأمور المسلم بها. الذين أرادوا أن يشكلوا و ينقدوا لم يشككوا في أصل صدور هذا البيان، إنما تحركوا نحو تأويله و تبريره و معرفة معنى هذه الجملة، أما أصل الحادثة فهي قضية تاريخية إسلامية مسلم بها. و الشبهات التي تعنّ لأذهان بعض الجدد على الأمور و الانتهازيين الفكريين و المعرفيين الذين ظهروا حديثاً و لا سوابق مهمة لهم، هي نفسها الآراء التي ما برحت مطروحة منذ ألف سنة، و قد أجاب عنها العلماء الكبار، و لا توجد أدنى شبهة في أصل هذه القضية و الحادثة و معنى الجملة التي سأل فيها رسول الله (ص) الناس: «اَلَستُ اَولى‌ بِكم مِن اَنفُسِكم» (2) و في سؤاله هذا إشارة إلى الآية القرآنية: «اَلنَّبِىُّ اَولى‌ بِالمُؤمِنينَ مِن اَنفُسِهِم» (3) ، ثم قال بعد ذلك هذه العبارة: «مَن كنتُ مَولاه فَهذا عليٌّ مَولاه». أصل هذه القضية لا شك و لا ريبة فيها على الإطلاق. ما ينبغي أن يقال حول مضمون هذه العبارة التاريخية الشريفة الزاخرة المعاني هو ما عدا تنصيب الإمام علي بن أبي طالب (ع) للخلافة و الإمامة بعد النبي الأكرم و لوصايته (ص) - و هذا هو المعنى الشائع و الرائج لهذه العبارة - هو وجود مضمون مهم آخر في هذا البيان ينبغي عدم الغفلة عنه، و هو تطرق الإسلام لقضية الحكم و سياسة الأمة و أهمية هذا الموضوع من وجهة نظر الإسلام.
الذين حاولوا عزل الإسلام عن الشؤون الاجتماعية و القضايا السياسية، و حصره في الأمور الشخصية و الشؤون الخصوصية لحياة الأفراد - و كانت لهم في الواقع نظرة علمانية للإسلام، و قد روّج إعلام الأعداء و أياديهم لهذه الرؤية بين المسلمين على مدى سنين طوال - الردّ عليهم هو حادثة الغدير. بيّن الرسول الأكرم (صلى الله عليه و آله و سلم) في ذلك الظرف الحساس و في الشهور الأخيرة من حياته و بأمر من الله تعالى قضية أساسية مهمة، هي التطرق لقضية نظام الحكم لما بعد زمن حياة الرسول الأعظم (ص). تنصيب الإمام علي بن أبي طالب (ع) هنا لا يعني فقط تنصيب الجوانب المعنوية، إنما يتسنى القول إن قضية الجوانب المعنوية لا تقبل التنصيب، إنما الذي يقبل التنصيب هو: الحكم و إدارة البلاد و السياسة و إدارة المجتمع الإسلامي؛ و هذا ما أوصى الرسول الأكرم (ص) الناس به. إنها نقطة على جانب كبير من الأهمية في قضية الغدير تمثل رداً حاسماً على كل الذين يتصورون و يشيعون انفصال الإسلام عن القضايا السياسية و شؤون الحكم و ما إلى ذلك. و عليه، هاتان الحقيقتان، أي حقيقة تنصيب الإمام علي بن أبي طالب (ع) للإمامة بعد الرسول الأكرم (ص) و قضية الخوض في شؤون الحكم و السياسة و الإمامة و إدارة الأمة بعد الرسول الأعظم (ص)، هذان الموضوعان البالغا الأهمية و الحساسية موجودان في حادثة الغدير، و هما من المعارف التي تتضمنها واقعة غدير خم، و يمثلان درساً كبيراً لكل المسلمين، و لحاضر المسلمين و غدهم.
ما ينبغي أن نتنبّه له اليوم هو أن قضية الغدير قضية عقيدية. الشيعة و أتباع مدرسة أهل البيت (ع) و مدرسة الإمامة ملتزمون بقضية الغدير، و هذا هو أساس الفكر الشيعي و ركيزته، و لا مراء و لا نقاش في هذا. الذين لديهم شبهات و نقاش يمكنهم مناقشة ذلك في المحافل و المجالس و الأروقة العلمية التخصصية، و منطق الشيعة منطق قوي، و حججهم حجج قاطعة و لا شك فيها، و لكن ينبغي أن لا يؤثر ذلك على الحياة العامة للمسلمين و تعاضدهم و اتحادهم و أخوّتهم في ما بينهم. قضية الاختلاف بين فرق المسلمين - سواء فرقتا الشيعة و السنة، أو مختلف الفرق الموجودة داخل الفرقتين الإسلاميتين الأساسيتين - من البؤر التي يطمع بها أعداء الإسلام و ليس أعداء التشيع فقط. على مدى سنين طويلة انصبّت المحاولات و المساعي على تأجيج الخلافات بين المسلمين، لأن الخلافات بين المسلمين من شأنها أن تصبّ همم المسلمين و طاقاتهم و دوافعهم على معارك داخلية أهلية، فلا يعودوا يهتمون بقضاياهم الخارجية و أعدائهم الكبار. كانت هذه هي السياسة الأساسية للاستعمار طوال سنين متمادية و بعد انتصار الثورة الإسلامية و تأسيس نظام الجمهورية الإسلامية في إيران، فقد لاحظوا انتشار فكر الجمهورية الإسلامية في العالم الإسلامي، و بالتالي راحوا يشددون أكثر على سياسة التفرقة و يصرون عليها و يستثمرون من أجلها، و هدفهم فصل الجمهورية الإسلامية عن العالم الإسلامي.
لقد استطاع نظام الجمهورية الإسلامية و ثورتنا الكبيرة و إمامنا الخميني الكبير أن يستقطب أفكار العالم الإسلامي و يجتذب قلوب المسلمين، و يوجّه دوافعهم و مسيرتهم في الاتجاه الصحيح، و هذا ما أخاف الأعداء و الاستعمار و الاستكبار و الصهيونية، و أخاف على وجه الخصوص أيادي السياسة الأمريكية، فلجأوا إلى نفس السلاح القديم، و هو سلاح بث الخلافات و التفرقة. في الوقت الحاضر و على مدى هذه الأعوام الطويلة، عملوا أكثر فأكثر على تأجيج الخلافات بين الشيعة و السنة من أجل أن يصرفوا أذهان الجانبين عن العدو الأصلي - و هو عدو الإسلام و ليس عدو التشيع خصوصاً أو عدو التسنن خصوصاً - و إشغالهم بأنفسهم بعضهم ببعض. هذه هي سياسة الاستعمار. و المتخصص في هذه السياسة هي الأيدي السياسية و الأمنية للحكومة البريطانية الخبيثة التي نشطت في هذا النطاق منذ القديم و عملت و أتقنت كيف تشعل الخلافات بين الفرق المسلمة، و جرّبت طرائق ذلك، و هم على علم بهذه الأساليب و يعملون بشكل دؤوب.
هذا التيار التكفيري - هذا الشيء الذي ظهر اليوم في العراق و سورية و بعض بلدان المنطقة الأخرى، و الذي راح يواجه في الحقيقة المسلمين كلهم و ليس الشيعة فقط - من صناعة يد المستعمرين أنفسهم؛ هم الذين أوجدوا شيئاً اسمه القاعدة و داعش من أجل مواجهة الجمهورية الإسلامية، و لمجابهة حركة الصحوة الإسلامية، لكن النار طالتهم و وصلت إليهم اليوم. طبعاً حتى في الوقت الحاضر عندما ينظر المرء نظرة تحليلية دقيقة يجد أن المساعي التي تطلقها أمريكا و حلفاؤها في إطار ما يسمّونه «الحرب ضد داعش» - و هي أمر غير حقيقي - هي مساع لأجل توجيه عداء المسلمين نحو بعضهم أكثر من كونها مساع للقضاء على نطفة هذه الحركة الخبيثة. يحاولون أن يوقعوا بين المسلمين، و قد جعلوا ذلك في الوقت الحاضر على يد هذه الجماعة الجاهلة المتعصبة المتحجرة العميلة، و إلّا فالهدف الرئيس هو ذاك الهدف، يحاولون أن يصرفوا المسلمين عن عدوهم الحقيقي. علينا أن نعلم ذلك - سواء كنا من الشيعة أو السنة؛ كل من يلتزم بالإسلام، و كل من يؤمن بسيادة القرآن يجب أن يعلم ذلك - و هو أن أمريكا و سياسات أمريكا و السياسات الاستكبارية و السياسات الصهيونية تعادي الإسلام و تعادي الوعي الإسلامي و تخاصم سيادة الإسلام؛ و المساعي التي يبدونها اليوم هي تتمة مساعيهم طوال 35 عاماً. منذ 35 عاماً و هم يبدون أنواع المساعي و المحاولات ضد الجمهورية الإسلامية، و التي باءت كلها بالفسل بإذن الله و بحوله و قوته، و سوف يخفقون في هذه أيضاً بكل تأكيد بفضل من الله.
واجب المسلمين - سواء كانوا مسلمين شيعة أو مسلمين سنة - هو أن لا يساعدوا العدو عن طريق استفزاز مشاعر بعضهم البعض. على الشيعة أن يعلموا أنه إذا جرى تحريض و استثارة الخلافات و المعارك و الحساسيات بين الشيعة و السنة، فإن العدو المشترك سوف يربح و ينتفع، لذلك ينبغي أن لا يسمحوا بذلك. و كذا الحال بالنسبة للسنة أيضاً. على الجانبين أن يحذروا و يتفطنوا و لا يستفزوا مشاعر بعضهم بعضاً، و لا يوجّهوا الإهانات لمقدسات بعضهم، و لا يؤجّجوا نيران المعارك بين طوائف المسلمين و الجماعات المسلمة، و خصوصاً بين الشيعة و السنة، فهذا ما يهلل له أعداء الإسلام. يجب على الجميع أن يتنبهوا لهذه القضية. إذا فعل شخص شيئاً على هذا الصعيد مما يستفز مشاعر الطرف المقابل و يخلق العداء و الضغينة فليتيقن من إنه يساعد أمريكا و بريطانيا الخبيثة و الصهيونية. إنه يساعد الذين أوجدوا داعش و القاعدة و أمثالهما و أطلقوا التيار التكفيري لإشعال الخلافات و النزاعات بين الشيعة و السنة. الاتحاد الإسلامي و الأخوّة الإسلامية و التضامن الإسلامي هو اليوم من أوجب و أهم واجبات كل المجتمعات الإسلامية، و ينبغي على الكل الالتزام بهذا الواجب. طبعاً المسلمون المؤمنون الواعون ذوو البصيرة الذين يعيشون في نظام الجمهورية الإسلامية يعرفون واجباتهم، و نتمنى أن يبدوا التزامهم بهذه الواجبات هنا و في كل مكان. وفقكم الله تعالى جميعاً و متّعكم جميعاً و كل العالم الإسلامي ببركات عيد الغدير إن شاء الله.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.‌

الهوامش:
1 - الاحتجاج، ج 2 ، ص 450 ، خطبة غدير خم.
2 - جامع أحاديث الشيعة، ج 23 ، ص 742 .
3 - سورة الأحزاب، شطر من الآية 6 .