بسم الله الرحمن الرحيم
أشكر جميع الأخوة والأخوات الأعزاء وأتقدّم من أعماق قلبي إليكم جميعا بأحرّ التعازي وأنتم المفجوعون من أعماق قلوبكم.
لقد كانت تلك الحادثة شبيهة بحادثة ارتحال رسول الله وشهادة أمير المؤمنين. حقًا إنّ الأمّة الإسلامية في كل مكان تشعر اليوم باليتم، فلو كان الشعب الإيراني يرتدي ثوب الحداد والحزن، ويذرف الدموع الغزيرة دائمًا، ويلازم مرقده الطاهر باستمرار، لكان ذلك حقًا له. ولعلّ الشعور بالفراغ الهائل الذي أحدثه رحيل الإمام سيستمر سنين طويلة في قلوب وأرواح ومحيط حياتنا وفي العالم الإسلامي. لقد أتيتم إلى هنا من طرق بعيدة ونقاط مختلفة من البلاد لكن لدى الجميع اشتراك في الإحساس والدافع والتكليف وهذه نقطة من نقاط القوة.

إنّ القيام بالمهام الكبرى يتطلّب دائمًا اتكالًا على العون والنصر الإلهيين وإيمانًا عامًّا من قبل الشعب، ويبقى المال والسلاح المتقدّم والقدرات المادية والأعمال السياسية سندًا ضعيفًا للنهوض بتلك المهام. وليس هذَين العاملين في عرض بعضهما بل هما في طول بعضهما، بمعنى أنّ الاستناد لو كان على الله ومعونته فإن قلوب الناس ستتوجه أيضًا إلى الله تعالى. 
لقد خاطب الله سبحانه رسوله الأكرم بعد أن حمّله أكبر مسؤولية تتناسب مع شخصيته في التاريخ الإنساني الطويل قائلًا: {هو الذي أيّدك بنصره وبالمؤمنين}؛ ومن هنا فإنّنا نؤمن إيمانًا عميقًا بأنّه عندما تواجه القوى المادية الحقَ فإنّها ستبدو على حقيقتها جوفاء واهية؛ نعم هذا عندما لا يتم الاعتناء بالقوى الباطلة ولا يذهب الناس بإرادتهم إليها. نعم هم ظاهرًا من الأقوياء فلو وجدت مقدارًا من القطن والقش ولم يحركه أحد ولم تحركه الرياح فإنه سوف يبقى مكانه لعشر سنوات مثلًا، ولكن المسألة ليست هنا، بل القضية تكمن في أنّ قوة الإرادة الشعبية عندما تواجه تلك القوى الاستكبارية فإنكم سترون أين تكون القوة. 

لقد شاهدتم القوى الاستعمارية الأوروبية في أوائل القرن الحاضر أو حتى القوى الأمريكية التي ظهرت في النصف الثاني من القرن الحالي بصورة صراعات في الدنيا وأينما حصل صدام بين هذه القوى وبين الشعوب اضطرت هذه القوى إلى التراجع، وخير شاهد على ذلك فإن أمريكا كانت تلك أمريكا المعروفة قبل أن تحتك بالفيتنام، وعندما احتكت بها أصبحت هذه الدولة - التي هي ظاهرًا قوة عظمى -  قوة منهزمة وبعد عدة شهور اضطرت أمريكا لأن تسحب خمسمائة ألف جندي من جبهات الصراع في هزيمة مذلّة. 
لقد كان النفوذ الاستعماري لفرنسا وانجلترا يعتبر نفوذًا قويًا جدًا أيضًا، ولكن عندما نهضت الشعوب المظلومة في تلك البلاد فإذا بهذا النفوذ ليس سوى جبل من القطن والقش سرعان ما قُضي عليه. إنّ الأنظمة الاستبدادية تمتلك ذات الطبيعة، إنها سرعان ما تتراجع لدى أول هجمة تشنّها الشعوب، أمّا إذا شعرت أنّ الشعوب لا تمتلك شجاعة المواجهة فإنّها تزداد جرأة وتسلطًا أكثر فأكثر. 
إنّ على قوى الشعب أن تتلاحم وأن تتحرك في خط متوازٍ مع الإيمان والتوكل على الله، وأن لا تتهيّب الصعوبات ولا تتراجع، وعندها لن يجرؤ العدو أبدًا على مهاجمتها. في ما مضى كان هناك بعض الأفراد السطحيين في التفكير ورؤيتهم للأمور كانت ظاهرية فعلى الرغم من أنه لا يمكن اتّهامهم بأنهم كانوا مغرضين (حاقدين) ولكنهم لم يكونوا على قناعة بأنّ الشعب يمتلك قدرة المواجهة مع العدو. أما من كان يدرك السرّ في حركة التاريخ والسنن الإلهية في أرضه فإنه يقف وينسجم (ويتماسك) ويقوي إرادته. 
إنّنا نفخر بالرجل الإلهي الذي عاش بيننا: 
وفضلًا عن كل ذلك، فقد كان يلزم لهذا الشعب أن يكون لديه قائد قوي وحذق وقد أنعم الله علينا به بحمد الله، وإنّه لتوفيق من الله لهذا الشعب أن أنعم عليه بهذا الجوهر الفريد والذخر، إنّ الله سبحانه يدّخر جواهره عادة فينثرها في منعطفات التاريخ الحسّاسة للبشر، وإننا لنفخر بأن الله قد أودع بيننا واحدًا من ذخائره الثمينة، فالكثير منكم قد شاهد الإمام ولكنه لا يعرف ويظن بأنه كان إنسانًا عاديًا، لكنه قد صقل جوهره ومعدنه الثمين بمعونة الباري وفي ظل عبوديته.
 لم يكن ليفكّر بذاته لفائدة أو عنوان، إنّ تلك القبضة التي كانت قد أوقفت القوى الكبرى عند حدّها وغيرت سياسات الدنيا بتمامها بقدرتها، وتلك الكلمات التي سرعان ما تتحوّل إلى قذائف وقنابل تنفجر في العالم لتؤثر أثرها، وتلك الإرادة الجبّارة التي تنافس الجبال قوّة فتصغر الجبال أمامها، إنّ ذلك الإمام بكل عظمته عندما كان يتحدّث إلى الشعب كان يتضاءل تواضعًا، بل ويخفض جناحه أمام إيمان الشعب وعاطفته وتضحياته وشجاعته وعظمته ويقول خاضعًا: «إنّ الناس أفضل منّا». وهذا ديدن العظماء إنّهم يرون ما لا يستطيع أو لا يريد أن يراه غيرهم. 
وكان يهتزّ ويرتجف ذلك الجبل الأشم وتلك الروح العظيمة أحيانًا إزاء بعض ما يقوم به الناس من أعمال تبدو عادية في نظر الناس. ففي فترة الحرب قام بعض تلاميذ إحدى المدارس بتحطيم صناديق ادّخارهم والتبرّع بما ادّخروه من نقود لدعم المجهود الحربي، وذلك أثناء مراسم صلاة الجمعة في طهران، وعندما زرت الإمام في اليوم التالي بادرني ــ والدموع تملأ عينيه ــ قائلًا: أرأيت ما فعل التلاميذ؟! إلى هذا الحد كان هذا العمل عظيمًا بنظره حتى جعله يتأثر منه. 
لقد كان يفهم الأمور جيدًا ويقوم بالتشخيص بشكل صحيح، إنّه يفوق الناس جميعًا عدا الأنبياء والأولياء والأئمة (عليهم السلام)، لقد طالعنا حياة الكثير من عظماء التاريخ قديمًا وحديثًا فلم نجد من يمكن مقارنته بلحاظ العظمة بهذا العظيم، ومع كل هذا كان يقول أمام الشعب: «إنّني أشعر بالصغار (بالإذلال/بالازدراء) في حضرتكم». 

إنّ إرادة الشعب لتبلغ من السمو درجة يقرنها الله عزّ وجلّ بنصره في قوله تبارك وتعالى: "هو الذي أيّدك بنصره وبالمؤمنين" فحافظوا على هذه الروحية، كي  تستفيدوا أنتم يا شعب إيران من هذا الاتحاد وهذه الجهوزية من أجل إنجاز المهام الكبرى، فإن جميع أمنيات الأنبياء والأولياء لها قابلية التطبيق على يديكم، فلقد كانت أمانيّهم العظيمة هي استقرار العدل في العالم وإنقاذ المستضعفين والقضاء على الظلم في كل مكان. وبالطبع فإنّ وعد الله حق وإنّ استقرار العدل سيكون محصورًا فقط بفترة ظهور حضرة بقية الله (أرواحنا له الفداء) لكن الشعب المضحّي والقوّي والمؤمن يمكنه أن يمهّد لتشكيل حكومة العدل الإلهي، وهذا ما استطاع الشعب الإيراني أن يفعله، وتحمّل في سبيله الكثير من  المشكلات. 
إنّنا اليوم لا نشعر بأدنى ضعف خلال مواجهة القوى الكبرى في العالم، ، بل إنّ شعورنا بالاقتدار شعور قوي. وإنّنا نقول للقوى الكبرى: إن أردتم مسالمة الشعب في إيران ونظام الجمهورية الإسلامي فما عليكم إلاّ أن تقبلوا شروطنا، وهي أولًا: التخلّي عن سياستكم العنجهية ومحاولة قهر الشعوب وظلمها، وثانيًا: أن تتركوا الدفاع عن الإرهابيين والمفسدين وأعداء الثورة من المتآمرين ضد ثورتنا وسائر الثورات في العالم. 
لماذا تعطي القوى الكبرى ــ مثل أمريكا ــ لنفسها حق التدخّل في شؤون أي شعب ثائر يريد تشكيل حكومة شعبية فتبادر فورًا إلى الإخلال بإدارة هذه البلاد ودعم الفصائل المعارضة المعادية لتلك الحكومة فتضع في خدمتها كل الإمكانات من سلاح ومال وإعلام وترتكب آلاف الخبائث الأخرى لعلّها تستطيع زعزعة تلك الحكومة المستقلة ولو نسبيًا. إنّ على أمريكا أن تتوب من أعمالها القذرة في دعم القتلة والمنافقين والإرهابيين المعادين للثوار، فإن لم تتم هذه التوبة السياسية فإنّ الشعب الإيراني سيستمر في عداوته وغضبه إزاء كل القوى الكبرى المجرمة وفي طليعتها الشيطان الأكبر أمريكا ولن يخفف من هذه العداوة بأي وجه.   

إنّنا نثق بأنفسنا (نشعر بأننا أقوياء من الداخل) والحمد للّه، وليس هذا نابعًا من اعتمادنا على أحد أو سياسة أو منهج من المناهج السياسية أو المناهج المعروفة في العالم بل نابع من ارتباطنا بالله سبحانه، ونحن نعلم بأننا نعمل في سبيله وثقتنا بأنّ عونه سيشملنا. 
ليس لنا غاية سوى رضا الله عزّ وجلّ وتطبيق شريعته في واقع الحياة، هذا هو هدفنا وكل حياتنا، ولقد أمضينا أعمارنا في هذا الطريق، والشعب الإيراني كله لديه هذا الإحساس نفسه أيضًا ومن هنا فإنّنا نثق بنصر الله ونستند أيضًا إلى خبرة وإيمان والدافع القوي للناس؛ وهاتان قوتان يجب المحافظة عليهما.
فلا تدعوا أدنى ضعف يتسلل إلى إيمانكم وغاياتكم، إنّ العدو يحاول جاهدًا تهويل المشكلات والتقليل من إيمان وحرارة ودوافع الناس. لا شك إنّه من الطبيعي جدًا لشعب ثائر منذ عشر سنوات أن يخوض صراعًا مريرًا مع العدو وأن يتحمل في سبيل ذلك مقدارًا من الصعاب، وذلك الشعب هو الذي صمد طوال ثمانية أعوام من الحرب فلم يقترض من دولة بفضل تدبيره ومساعيه، وأثبت خلال كل ذلك أنّ قدراته القتالية لم تضعف لهو شعب عظيم. ومن الطبيعي أيضًا أن يدفع الشعب ضريبة الاستقلال في مواجهة المشاكل والصعاب.
عندما لا نمد أيدي الحاجة إلى الدول الأخرى ونحافظ على عزتنا واستقلالنا فمن الطبيعي أن نبتلى بصعوبات داخلية، فلو كان شعبنا الرشيد والقوي يسعى دائمًا فإن هذه الصعوبات والمشكلات سوف تنقضي. إن الأكاذيب المغرضة للعدو تتجلى في تقديم المشكلات بشكل أكبر وتصغير التوفيقات والإشارة إلى نقاط الضعف والإضاءة عليها بجعلها المشكلات الأصلية لمجتمعنا؛ يجب على الشعب أن يتغلّب على تلك الإشاعات والأكاذيب. وإنّا لواثقون بأنّ النصر النهائي سيكون حليف الشعب الصامد الذي يتعامل مع المشاق بروح من الإيمان والمقاومة والثبات.  

إنّ النوع الثاني من مؤامرات العدو يرمي إلى التفرقة بين الشعب والمسؤولين، وبث روح الاختلاف بين صفوف الشعب، وإشاعة روح الخلاف والنزاع. فعلى أبناء الشعب أن لا يلتفتوا إلى هذه الدعايات. وبالطبع فإنّ اختلاف الرأي في المشارب السياسية أمر مشروع وطبيعي ولا يشكل خطرًا، ولطالما قال الإمام: «إنّه لا يقلقني أبدًا مثل هذا الجدل، إنّ ما يقلقني تهويل ذلك (إن ما يقلقني هو جعل هذه الاختلافات هي العمدة)».
ينبغي أن لا نظن أن ّهذا الاختلاف سيكون مدعاة لتمزّق الشعب، فلو اختلف المسؤولون أو الناس اختلافًا سياسيًا أو في وجهات النظر، فإنهم أيضًا يعملون من أجل البلد والنظام يدًا بيد وكتفًا بكتف، وعلى الرغم من كون الاختلافات في الآراء قد تلاشت ولكن المسؤولين والشعب لا يسمحون بوجود خلفيات للاختلاف. 
إنّني أنا العبد أطلب من كل أبناء الشعب أن لا يتخذوا تأييدي والولاء لي ذريعة لمهاجمة أيًّا كان أو إهانته؛ لا يوجد أي مبرر لعمل كهذا، فلا معنى لأن نقول إنّني أحبّ فلانًا أكثر وإنّني أكثر قربًا من اتجاهه الفكري والآخرون مبتعدون. إنّ علينا جميعًا أن نكون في خط الإسلام والثورة، وأن تكون الأهداف الإسلامية نصب أعيننا؛ وأن نديم المسير الذي وقف من أجله إمامنا العزيز في وجه الأعداء وسار من خلاله. 
إنّ خباثة وعداوة العدو لم تتغير في محتواهها وماهيتها، من هنا يتوجب علينا من خلال التوكّل على الله والتمسك بالأصول نفسها أن نتحرك في صف واحد. لا تتهموا أحدًا ولا تتعرضوا له بإهانة ولا تطردوا فردًا؛ إنّ الجميع أخوة وهم في خط الإمام وهم جميعًا يؤيدون منتخبي الشعب من صميم وجودهم فإننا نحمل على عواتقنا مسؤولية ثقيلة، ولهذا ينبغي علينا أن نواصل هذا الطريق بكل ما أوتينا من قوّة وقدرة. 
إنّني أرى المستقبل مضيئًا جدًا، وأرى المشكلات قابلة للحلّ، وأشعر أنّ الزخم الشعبي الثوري الهائل سيكون قادرًا على زعزعة الجبال. لقد اجتزنا كثيرًا من الصعاب ــ طبعًا لا أقول لا تعترضنا الیوم أية صعوبة؛ لأنه لا يمكن لأي إنسان ولا مجتمع النهوض بمسؤوليات جسام دون أن تعترضه الصعاب ــ وأمّا ما سنواجهه فهي مشكلات لا يعتد بها في مقابل همة شعب إيران وإرادته وقدرته الداخلية وفوق كل ذلك مقابل اللطف الإلهي لنا. 
أسأل الله سبحانه أن يوفّق الجميع بتأييده، وأن يشمل دعاء ولــي العصــر أرواحــنا فداه ببركته حالنا جميعنا؛ وأن يوفقكم جميعكم لكي نحظــى برضــا هذا العظيم على أكمل وجه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.