جاء النص الكامل للكلمة التي ألقاها سماحته على الشكل التالي:

بسم الله الرحمن الرحيم(1)

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا أبي القاسم المصطفى محمد، وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، سيما بقية الله في الأرضين.

أرحّب بكم كثيراً أيها الإخوة الأعزاء، الشباب الأعزاء، أبناء نظام الجمهورية الإسلامية الأعزاء جداً ممن تعملون وتخدمون في واحدةٍ من أهم مواقع القوّة في البلاد وقوّة نظام الجمهورية الإسلامية وأكثرها حساسية. نتمنى أن تكونوا موفقين جميعاً إن شاء الله ومؤيّدين ومشمولين بلطف الله، وأن يكون مستقبلكم جميعاً أفضل من يومكم بكثير. وأتقدم بالشكر للكلمة الجيدة جداً والشاملة التي ألقاها القائد المحترم، وكذلك لنشيد هؤلاء الشباب الأعزة الذي كان فيه شعر جيد وأداء جيد جداً. نتمنى لكم جميعاً التوفيق والتأييد إن شاء الله.

أستغلّ هذه الفرصة وأستعرض معكم أيها الأعزّاء جملة من النقاط. يوم التاسع عشر من بهمن [الثامن من شباط] يومً مهمًّ للبلاد ومفخرة هامّة للقوة الجوية في جيش الجمهورية الإسلامية في إيران، هذا صحيح. لذلك فإننا وإياكم نحيي هذا اليوم ونثمّنه في كل سنة، ونجلّ ذكراه ونجلس ونتحدث عنه. النقطة المهمة هي أن التاسع عشر من بهمن ليس مجرد ذكرى طيبة ومجيدة. وهذاممّا لا شكّ فيه، ولكن فوق هذا يعتبر التاسع عشر من بهمن ذخراً ورصيداً للثورة. وهكذا هي كل أيام الله، وكذا الحال بالنسبة للثاني والعشرين من بهمن [11 شباط ذكرى انتصار الثورة الإسلامية في إيران]. كل يوم من أيام الله هو من الأيام الخالدة في الذاكرة والذي تتألق فيه تجليات من العظمة والإنسانية والتضحية. وعندما تتكرّر ذكراها في كل عام ويجري الاهتمام بها يزداد رصيد على أرصدة الثورة، وتتكرس وتتمتّن أركان الثورة أكثر. إذن التاسع عشر من بهمن هو من هذا القبيل.

الثورة كائن حي، أقولها لكم. ولديّ إن شاء الله في هذا الخصوص كلام سوف أقوله. ليس اليوم طبعاً، بل في المستقبل القريب إن شاء الله وفي مناسبة من المناسبات. الثورة كائن حيّ. الذين يتصورون أن الثورة كانت قدْحاً انقدح وانتهى بعيدون جداً عن معرفة حقيقة الثورة. لا، الثورة حقيقة حيّة، وكائن حيّ له ولادته ونموّه وقوامه وعمره الطويل في حالة من الحالات، وله أمراضه وله موته ونهايته في حالات أخرى. هكذا هي الثورة. كأيّ كائن حيّ آخر. لأن الثورة كائن حيّ لذلك له تقدّمه ونموّه ورشده وكماله وقوامه. لاحظوا أن القرآن الكريم يقول: {وَمَثَلُهُم فِي الاِنجيلِ كزَرعٍ اَخرَجَ شَطئئَه فَئئازَرَه فَاستَغلَظَ فَاستَوى على سوقِه} (2). بمعنى أن مَثَل أصحاب الرسول، أي المجتمع الإسلامي ـ وهو بمعنى الثوريين أيضاً ـ كمَثَل نبات ينبت ويخرج من الأرض ويفصح عن نفسه ثم ينمو بالتدريج ويتقوى جذعه بالتدريج ويرتفع ويكبر ويتحول تدريجياً إلى موجود مستقر مبارك مدهش. ما هو سبب ومصدر إدهاشه؟ يقول بعد ذلك «يعجِبُ الزُّرّاع». إنه مدهش ومثير للإعجاب حتى بالنسبة للشخص الذي زرعه في الأرض. «لِيغيظَ بِهِمُ الكفّار»، ويتسبب في غيظ العدو. هكذا هي الثورة. يمكنها أن تنمو وتسمو وتتكامل يوماً بعد يوم.

 الثورة كائن حيّ له تقدّمه ونموّه ورشده وكماله وقوامه؛ يمكنها أن تنمو وتسمو وتتكامل يوماً بعد يوم

حسناً، أنتم الشباب ومعظم حضور الجلسة هذه من الشباب، وهم أعزّائي وأبنائي، أكثركم لم تشهدوا تلك الأيام. ناهيكَ عن أيّام ما قبل الثورة، لكنكم لم تشهدوا حتى الأيام الأولى من الثورة، وقد كانت ملحميّة ومفعمة بالحماس، بيد أن متانة الثورة وقوّتها وكيانها أكبر من ذلك اليوم. الثوريون الذين ملأ الإيمان بالثورة قلوبهم، باتوا اليوم أكثر استقراراً وصموداً ووعياً وبصيرة في السير على دربهم والتطلّع لنهاية مطافهم والهدف الذي يصبون إليه. هكذا هو الوضع اليوم. لقد تقدّمت الثّورة إلى الأمام وتكاملت. لذلك قلتُ مراراً إن التغيير والتحول من ذات حياة الإنسان، لذلك فهو من ذات الثورة أيضاً، ولكن أيّ تغيير وتحوّل؟ التغيير والتحوّل الذي تبقى فيه الأصول والأركان ثابتة قوية. {أَلَم تَرَ كيفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَـلًا كلِمَةً طَيـبَةً كشَجَرَةٍ طَيبَةٍ اَصلُها ثابِتٌ وفَرعُها فِي السَّماّْءِ} (3). الأصل ثابت والجذور متينة راسخة، والأركان والركائز الأساسيّة قويّة، والنتائج والثمرات والحواشي متجددة يوماً بعد يوم ومتجليّة في عالم الحياة وفي بيئة حياة الأفراد والمجتمع، وتقدم وتهدي ثماراً جديدة. هذه هي خصوصية الثورة. وقد كانت لثورتنا هذه الخصوصية.

لو نظرتم في تاريخ الثورات في العالم ـ وأقصد القرون الأخيرة وليس الماضي البعيد والقرون القديمة، فليست لدينا معلومات كثيرة عنها، ولا شأن لنا بها، ولكن منذ القرنين أو الثلاثة الأخيرة حيث انطلقت الثورات، من قبيل استقلال أمريكا عن بريطانيا مثلاً، أو الثورة الفرنسية الكبرى، أو ثورة أكتوبر السوفيتية وأمثال ذلك، وصولاً إلى الثورات الصغيرة في بعض البلدان، ولديّ معرفة دقيقة بكل هذه الثورات ـ سنرى أنّ أياً منها لم تكن تتمتع بهذه الخصوصيات الموجودة في ثورتنا لتبقى أصولها ثابتة راسخة وتخرج منها ثمار متجددة من هذه الشجرة الطيبة المتجذرة وتقدّم للناس والمجتمع. مضت على الثورة 39 سنة ونحن ندخل عامها الأربعين، هذا حدث على جانب كبير من الأهمية. هذا حول قضية الثورة.

لا تتمتّع أيّ ثورة من الثورات في العالم بخصوصيّات ثورة الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران

وطبعاً يعارض العدو هذه النقطة تحديداً. من هو المقصود بالعدو؟ المقصود هو الذي تضرر من الثورة. أولئك الذين كانت لهم هنا حكومة عميلة طيّعة في هذه المنطقة البالغة الحساسية، وكانت تطيعهم، وكانت مقاليد أمورها بأيديهم، سياستها واقتصادها ودخلها ومواردها، هؤلاء فقدوا هذا الشيء وتضرروا، وعلى رأسهم أمريكا وبعض البلدان الأخرى الأوربية مثل بريطانيا وغيرها. هؤلاء هم الأعداء. هدف العدو الحيلولة دون هذا الاستمرار والاستقامة والصمود. وهم يبذلون مختلف صنوف المساعي لتحقيق هذا الهدف. ويستخدمون أية وسيلة يستطيعون استخدامها بدءاً بأشباه المفكرين ـ البعض أشباء مفكرين يجلسون ويطرحون أفكاراً كما تسمى تتعارض مع أركان الثورة. وقد تشاهدون مقالاتهم وكتاباتهم في بعض الصحف أو وسائل الإعلام الألكترونية وما شاكل. يستخدمون هؤلاء ويمنحونهم المال ويقولون لهم تعالوا وأنتجوا فكراً مضادّاً للثورة ومعارضاً لأركان الثورة ـ وصولاً إلى المنظّرين المزيّفين الذين يصنعون النظريات، المنظّرين المزيّفين، إلى الصحافيين وأصحاب الأقلام المأجورة، إلى إمكانيات السّاحة الافتراضيّة، إلى المهرجين، وإلى كل ما يستطيعون فعله، وإلى كل ما يستطيعون توظيفه واستخدامه من أجل توسيع دائرة مخاطبيهم وجمهورهم. كل هذه الأعمال تنجز، وكلها موجودة اليوم، وليس اليوم بل منذ بداية الثورة ـ أي منذ 39 سنة ـ كل هذه الأعمال تنجز ويُقام بها لكنها تشتد يوماً بعد يوم، وتوجد اليوم أدوات لم تكن موجودة في تلك الأيام، يستخدمون كل هذه الأدوات. سمعتم في فتنة سنة 88 [2009 م] كان المقرر أن تقوم إحدى الشبكات الإنترنتية الناشطة بإصلاحات سنوية، فقالوا لهم «لا تقوموا بالإصلاحات بل أرجؤوها وأجّلوها لتخدمونا» من أجل أن لا تتوقف خدماتهم لمنظمة السي آي أي في أمريكا والأجهزة السياسية الأمريكية. يستفيدون من كل هذه الأدوات والفرص.

هدف أمريكا وبريطانيا وبعض البلدان الأوروبية هو الحيلولة دون استمرار واستقامة وصمود الجمهورية الإسلامية في إيران

إنهم يقومون بكل هذه المساعي، ولكن فجأة يأتي الثاني والعشرون من بهمن. وقد ركّز هؤلاء ثقل أعمالهم على المتلقين والجماهير، ويأتي الثاني والعشرون من بهمن وترون في طهران والمدن وفي كل أنحاء البلاد شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً سيول الجماهير والحشود تتحرك، وفي الشتاء البارد وعلى الثلج وأثناء هطول الثلوج والأمطار، ويرفعون شعاراً واحداً. أو يأتي التاسع من دي مثلاً وتُسطّر تلك الملحمة. وإذا وقعت أحداث مثل التاسع من دي سنة 88 [30/12/2009 م] أو التاسع من دي في هذا العام فكلها على هذا النحو. لاحظتم أن الجماهير جاءت في التاسع من دي هذا العام إلى الشوارع وبأيّ حماس واندفاع! لأنهم شعروا بوجود العدو ومؤامرته. وهذه هي خصوصية الكائن الحيّ. عندما يشعر بوجود العدو يزداد حساسية ونشاطاً. التاسع من دي وتواجد الشعب في كافة أنحاء البلاد، ومن ثم الثالث عشر من دي إلى الثامن عشر من دي، أربعة أيام أو خمسة أيام متوالية، انطلقت مظاهرات عفوية تلقائية في مختلف المدن. وقد قدّمتُ تقريراً ورؤية إجمالية في التاسع عشر من دي عن هذا التواجد لشعبنا العزيز هنا في هذه الحسينية (4). لاحظوا، هذا هو معنى الحي، وهذا هو معنى المتنامي! لم تؤثر كل محاولات العدو ونشاطاته. والمحاولات ليست في الساحة الافتراضيّة وما شاكل فقط، فهناك الحظر مثلاً، الحظر بالتالي يؤثّر على حياة الناس ويخلق مشاكل اقتصادية وقد أوجدها، والناس كلهم ترتبط أوضاعهم بهذه المشاكل، ولكن مع ذلك يخلق عشق الثورة وحب الثورة والارتباط بالثورة وبالنظام الإسلامي مثل ردود الأفعال هذه.

حسناً، إذاً لنعتبر أيام الله هذه دعامة لمتانة الثورة. وأقولها لكم، في هذه السنة أيضاً وبلطف من الله وحوله وقوّته سيكون يوم الثاني والعشرين من بهمن لهذا العام يوماً لافتاً يُبهر الأعين. لأن الجماهير شعروا من خلال هذا الهراء الذي يطلقه بعض الساسة الأمريكان وغيرهم، شعروا أن العدو يترصدهم في كمائنه ويستعد لشن هجماته ـ وليست الهجمات عسكرية بالضرورة إنما يترصّد لممارسة عدائه ـ عندما يشعرون بذلك فإنهم ينزلون إلى السّاحات. وفي هذه السنة وبإذن الله وتوفيقه وبحوله وقوّته سيكون تواجد الشعب أعظم حماساً وحرارة من أي وقت مضى. سيحضر الجميع بتوفيق من الله. هذه نقطة.

نقطة أخرى حول القضايا المبدئية لنظام الجمهورية الإسلامية. وبالطبع قلتُ إن لديّ كلامي حول هذه المسائل والأمور، وسوف أدلي به إن شاء الله بعد فترة وجيزة. وأقول اليوم إجمالاً إن النظام المنبثق عن الثورة الإسلامية رسم لنفسه سياسات مبدئية. لقد اقترحت الثورة الإسلامية نظاماً سياسياً واجتماعياً وحققته وطبّقته. وثمة لهذا النظام مبادئ وأصول قائمة على أساس الثورة. من قبيل الاستقلال ـ الاستقلال الاقتصادي والاستقلال الثقافي والاستقلال السياسي والاستقلال الأمني ـ وهذه أمور لم تكن متحققة في السابق، فلم يكن أيّ من هذه الأمور موجوداً قبل انتصار الثورة. وقد حققنا كثيراً من التقدم في هذا المجال، وبالطبع لا تزال أمامنا مهام في بعض المجالات. يوجد استقلال، وتوجد حرية.

هناك تقدّم البلاد. تقدّم البلاد من المبادئ الأساسية للثورة، وعلى شتى المستويات، على مستوى العلم وعلى مستوى التقنية وعلى المستوى الأخلاقي وعلى المستويات المادية وعلى المستويات المعنوية، وعلى المستويات المختلفة المتنوعة، يجب أن يتقدم البلد. على هذه المستويات أيضاً تم تحقيق حالات جيدة من التقدم والتطور. وبالطبع فإن ما تم إنجازه يفصله بون عمّا يجب إنجازه، وينبغي ردم هذا البون وطيّه.

وهناك العدالة، العدالة الاجتماعية، ورفع الفواصل الكبيرة بين مختلف شرائح الشعب. ولدينا في هذا الجانب طبعاً ضعف في العمل وقلّة عمل وتخلّف، ولم تُنجز الأعمال التي كان يجدر ويجب أن تُنجز في هذا المجال. ينبغي أن نسعى بجدّ نحو هذا الهدف، واعلموا أننا بتوفيق من الله نسعى نحو هذا، ولن نغضّ الطّرف عن هذه القضية. هذا يُعدّ من الأركان الأساسية لنظام الجمهورية الإسلامية. والسبيل إلى ذلك طبعاً مقارعة الظلم ومحاربة الفساد. للعدالة معنى واسع ومديّات كبيرة جداً، سواء على مستوى الوضع الداخلي للمجتمع نفسه، أو على المستوى الدولي، وسواء في الأبعاد الاقتصادية أو في الأبعاد السياسية. في جميع المجالات تبرز العدالة كقضية بالغة الأهمية. كما أن العدالة قيمة مطلقة، بمعنى أن القيم الأخرى كلها بمعنى من المعاني نسبية، لكن العدالة قيمة مطلقة. إنها ضرورية على كل حال ويجب متابعتها. ينبغي محاربة الفساد ويجب محاربة الظلم. وهذه مهمة صعبة جداً بالطبع. أشرت قبل سنوات من الآن إلى أن الفساد كالتنّين ذي السبعة رؤوس في الأساطير. في الأساطير عندما تقطع أحد رؤوس التنين ذي السبعة رؤوس سوف يواصل أفعاله بستة رؤوس. لذلك فالقضاء عليه ليس سهلاً. وهكذا هو الفساد. ملاواة الذين ينتفعون من الفساد داخل المجتمع والتصدّي لهم عمليّة صعبة جداً. إنها والحق يقال عمليّة صعبة، لكنها من تلك العمليات الصّعبة التي ينبغي القيام بها حتماً. إنها من الأعمال التي يجب القيام بها بكل تأكيد. كل فترة حكم الإمام أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) وهو إمامنا ومقتدانا مضت تقريباً في هذه القضية المهمة، ولم تنته طبعاً. وإذا كان ثمة ظلمٌ وفساد لدى المدراء الحكوميين لا سمح الله فيجب التصدي بمزيد من الجدّ وبشدة أكبر. كل الأجهزة المختلفة وكل مدراء البلاد، كلنا في جميع أنحاء البلاد، يجب عليهم التنبه لهذه القضية وعدم التّغاضي عنها. يجب عدم التّغاضي عن الظلم

لدينا ضعف في العمل وقلّة عمل وتخلّف فيما يخصّ العدالة الاجتماعية ورفع الفواصل الكبيرة بين مختلف شرائح الشعب، ولم تُنجز الأعمال التي كان يجدر ويجب أن تُنجز في هذا المجال. ينبغي أن نسعى بجدّ نحو هذا الهدف
 

وكذا الحال على المستوى الدولي أيضاً. يجب فضح الظّلم الاستكباري وإعلانه. الحكومة الأمريكية هي اليوم أظلم الحكومات في العالم وأقساها وأبعدها عن الرحمة. إنها أظلم الكل. شاهدتم داعش هذا كم هو سيء وظالم ومتوحش، الحكومة الأمريكية أسوء منه. الحكومة الأمريكية هي الجهاز الذي أوجد الدواعش، وليس داعش فقط، وسهّل لهم أعمالهم. بل كانت هي المسبب. وهذا ليس ادّعائنا نحن بل هو كلامهم هم أنفسهم. هذا الشخص نفسه الذي يتولى الآن رئاسة جمهورية أمريكا طرح دوماً في دعاياته الانتخابية إيجاد داعش باعتباره أحد أعمال الديمقراطيين وهو الحزب المنافس له، كرّر ذلك دائماً، وهو على حق في ذلك، فقد كانت هناك وثائق ومستندات تثبت ذلك، وتوجد الآن أيضاً. هؤلاء أنفسهم أوجدوا داعش، وهم الذين عضّدوها ودعموها تسليحياً ومالياً، ومن المحتمل أن يكونوا هم الذين علّموهم بعض الأساليب. تلك المجموعات الوحشية الأمريكية المرتبطة بالحكومة ـ مثل بلاك ووتر ـ يقومون بهذه الأعمال أيضاً، وهم يجيدونها ويتقنونها، وهم متخصصون في هذه الممارسات الوحشية ضد الإنسانية، بل ربما هم الذين درّبوا الدواعش، وإلّا فالمسكين الفلاني القادم من القوقاز كيف يعرف مثلاً كيف يمكن تعذيب إنسان، وكيف يمكن تعذيبه بإغراقه تدريجياً أو بإحراقه تدريجياً؟ من المحتمل أن يكون هؤلاء هم الذين علموه.

الحكومة الأمريكية هي اليوم أظلم الحكومات في العالم وأقساها وأبعدها عن الرحمة وهي أسوء من داعش

مع أن أمريكا هي أقسى الحكومات في العالم وأبعدها عن الرحمة لكنها تدّعي مناصرة حقوق الإنسان في إعلامها، وتدّعي مناصرة حقوق المظلومين وتدّعي مناصرة حقوق الحيوانات! هؤلاء بالتالي يجب أن يُفضحوا، ويجب أن تطرح حقيقتهم وتقال وتعلم على المستوى العالمي. الظلم الذي مارسوه ضد فلسطين. إنهم يمارسون الظلم والجور يومياً ضد الفلسطينيين. سنة، سنتان، عشر سنوات، عشرون سنة، سبعون سنة وهذا الظلم مستمر، والأمريكان هم من كان يقف وراءه، ولا يزالون إلى الآن. هذه أمور يجب أن تُقال وتُطرح. الظّلم ضد اليمنيين. اليمن الآن تُقصف يومياً. الناس يُقصفون، والمحافل والمجالس تُقصف، والأسواق تُقصف، والبنى التحتية للبلاد تقصف. من قِبل من؟ من قِبل حلفاء أمريكا الذين يحظون بدعم أمريكا وتأييدها، والذين تُؤمِّن أمريكا لهم السلاح وتساعدهم. هم يشاهدون المشهد بكل وضوح فلا يَصدر عنهم أي اعتراض أو أبسط امتعاض. ويوجد في داخلهم بعض الأفراد من الكُتّاب مثلاً يعترضون، لكن الحكومة الأمريكية لا تأبه لهم إطلاقاً. ثم تراه يذهب (5) بكل وقاحة ويضع بضع قطع من الحديد ويقول هذه قطع الصاروخ الذي أرسلته إيران للمجاهدين اليمنيين! يطلقون ادعاءً لا يحمل أيّة أدلّة. المجاهدون والمناضلون اليمنيون محاصرون ولا يمكن إيصال شيء لهم. ولو كان يمكن إيصال شيء لهم لأعطيناهم مائة صاروخٍ بدل الصاروخ الواحد، ولكن لا يمكن إيصال شيء لهم. إنهم مظلومون. «كن للظّالِمِ خَصمًا ولِلمَظلومِ عَونا» (6). إذا استطعت مساعدة المظلوم فساعده. نحن صامدون. في خصوص قضية المقاومة قرّر الأمريكيون استئصال جذور المقاومة في غرب آسيا، وكانوا واثقين أنهم سيفعلون ذلك، فوقفنا نحن وقلنا لن نسمح. وقد ثبت اليوم للعالم بأسره أنهم أرادوا ذلك ولم يستطيعوا، وأردنا نحن واستطعنا. هذا ما أدركه الجميع في العالم. ينبغي الوقوف بوجه الظلم. وكان هذا عن الظلم الخارجي، ولكن الظلم الداخلي أيضاً على نفس الشاكلة، بل ربما كانت له الأولوية من بعض الوجوه.

نقطة أخرى يجب أن نذكرها هي قضية الشعب والناس. من أعظم امتيازات نظام الجمهورية الإسلامية شعبية هذا النظام. من أكبر امتيازاته شعبية هذه الثورة واعتمادها على التديّن. لقد كانت الثورة الإسلامية ثورة دينية لها وشائجها بمعتقدات الناس. والنظام الذي انبثق عنها كان نظاماً دينياً شعبياً. لأن الناس تؤمن بالإسلام فقد نزلت إلى الساحة، لذلك ترونهم يتوجّه أبناؤهم وشبابهم وأعزاؤهم إلى جبهات الحرب ويقاتلون ويكافحون ويقتلون، فتتلوّع قلوب آبائهم وأمهاتهم لكنهم يصبرون ويشكرون ولا يشتكون. لأن ذلك كان في سبيل الله ومن أجل الإمام الحسين عليه السلام. هذه من خصوصيات الثورة. الثورة ثورة شعبية. يجب أن يوضع الناس والشعب في الدرجة الأولى من الأولويّة في كل الخطط والبرامج.

المجاهدون والمناضلون اليمنيون محاصرون ولا يمكن إيصال شيء لهم. ولو كان يمكن إيصال شيء لهم لأعطيناهم مائة صاروخٍ بدل الصاروخ الواحد

حسناً، يذكر اسم الشعب وهذا ما يسمعه المرء مراراً. ومن الجيد أن يعتمد المسؤولون في البلاد على الناس والشعب وأن يذكروا اسم الشعب. أنْ يعتمدوا على هذا العنوان فهذا حسن جداً ولكن ليعرفوا الناس والشعب. جميعنا يجب أن يعرف الشعب. لاحظوا أنه خلال فترة نظام الطّاغوت ـ وأنتم لا تتذكرونه، أما نحن فقضينا كل فترة شبابنا ونشاطنا ومساعينا في عهد الطاغوت ـ كان هناك نمط من المفكّرين أو مجموعة من المثقفين ناشطين، وقد كانت لنا آنذاك صلاتنا بكثير منهم. كانوا يذكرون اسم الشعب على ألسنتهم وفي كل مناسبة، فما أن يطرح بحث أو كلام حتى يقولوا «الشعب، من أجل الشعب، دفاعاً عن الشعب» وأمثال هذا الكلام. في حين كانوا على خطأ. أي لا يمكن القول الآن أنّهم جميعهم كانوا كاذبين، بيدَ أنّ الأمر كان متشابهاً عليهم، فلم يكونوا يعرفون الشّعب والناس، ولا حتى الناس كانوا يعرفونهم. ولا هم كانوا يفهمون كلام الناس، ولا الناس كانوا يفهمون كلامهم. كانوا يكتبون كل هذه المقالات التنويرية في المجلات والصحف. وكان نظام الطّاغوت يعلم أن الشعب لا يتأثر بهذا الكلام، لأنه لا يفهم أساساً كلام هؤلاء، إنما كان هؤلاء ينسجون فقط بعض الأشياء. لذلك لم يكن يتشدد معهم كثيراً. كنتُ قد شاهدتُ في مشهد الكتب الشيوعية الصريحة تُباع في المكتبات ومحلات بيع الكتب بسهولة، أما الكتاب الإسلامي حول القضية الإسلامية الفلانية، أو حول فلسطين، أو عن قضايا من هذا القبيل فيواجه شتى صنوف الضغط ويمنع. والسبب هو أن الشيء الذي كان أولئك يكتبونه والكلام الذي يقولونه لم يكن مقبولاً ومصدقاً لدى الناس أساساً، لا هم كانوا يعرفون الناس ولا الناس كانوا يعرفونهم. عندما نزل الإمام الخميني سنة 41 [1962 م] إلى ساحة الكفاح كان يعرف الناس والناس أيضاً كانوا يعرفونه، ويفهمونه وقد تبعوه واندلعت الثورة. إذاً، ينبغي معرفة هؤلاء الناس.

من هم الشعب؟ الشعب هو من أوجد ملحمة الثاني والعشرين من بهمن. هؤلاء هم الشعب. إذا أردتم فهم كلام الشعب فاسمعوا ما الذي يقوله هؤلاء. الشعب هم الذين انسحبوا جانباً بعد أن نزل بعض مثيري الشغب إلى الساحة، بمجرد أن شاهدوا شعارات مثيري الشغب، وإن كانت لديهم اعتراضاتهم ومطالبهم. ثم في يوم التاسع من دي يأتون إلى الساحة ويرفعون شعاراتهم. هؤلاء هم الشعب. لا يخطئوا في تشخيص الشعب. ليعرفوا الشعب من شعاراته وكلامه وليعملوا من أجل الشعب. «مُخلِصاً لِلّهِ ولِوَجهِهِ الكريم». لا تعارض أبداً بين أن يكون المرء في سبيل الشعب وأن يكون في سبيل الله. ليست المسألة بحيث نقول ليعملوا في سبيل الشعب، ولن يكون ذلك في سبيل الله، لا، الله قال يجب أن تعملوا من أجل الناس. لقد طلب الله منا نحن المسؤولين أن نكون في خدمة الناس، ونكون خدماً للشعب، وأن نعمل للشعب. يجب الإصغاء لكلام الناس. كلام الناس يحتوي على شكاوى من الفساد ومن التمييز. هذا هو كلام الناس. الشعب يتحمل الكثير من المشاكل، لكنه لا يرتضي الفساد والتمييز بالطبع، ويشتكي منه. شكوى الناس من الفساد ومن التمييز، وهو ما ينبغي على المسؤولين ـ سواء في السلطة التنفيذية، أو في السلطة القضائية، أو في السلطة التشريعية ـ متابعته بجد.

أما عن القوات المسلحة. كلامي الأخير هو: على القوات المسلحة أن تزيد من بناء ذاتها يوماً بعد يوم. بناء ماذا؟ بناء شخصياتهم. يبنون أنفسهم وذواتهم. يبنون أنفسهم كإنسان من الطراز الإسلامي وكعسكري من الطراز الإسلامي. العسكري من الطراز الإسلامي مؤمن شجاع مضحّ مدبّر يقف بوجه العدو بكل قوة لكنه لا يرى لنفسه أي شأن أو أيّ تكبّر أمام الصديق. هذه هي خصوصية العسكري الإسلامي. ومثاله هو مالك الأشتر الذي كان كذلك مقابل العدو، أما في مقابل طفل غير مؤدب في الكوفة ـ وقصة ذلك معروفة ـ فعلى ذلك النحو. طفل لم يكن يعرف أن هذا هو مالك الأشتر فأهانه. ثم عندما علم ارتبك وركض خلفه فوجده قد سار نحو المسجد وراح يصلي. فجاءه واعتذر منه، فقال له مالك إنما جئتُ إلى المسجد لأدعو الله لك. القائد العسكري، وهو مالك الأشتر في حرب صفين وما قام به من أعمال عظيمة، يتعامل بهذه الطريقة مقابل طفل شاب غير مؤدب! هذا ما يعنيه بناء الذات.

على القوات المسلحة أن تزيد من بناء ذاتها يوماً بعد يوم وصناعة إنسان وعسكري من الطراز الإسلامي

وصناعة المعدات. نعم، صحيح ما قاله القائد المحترم للقوة الجوية وهو أن القوة الجوية كانت أول موقع في الجيش بدأ صناعة المعدات وجهاد الاكتفاء الذاتي، وقد كانت ناشطة وفاعلة وجيدة جداً. لقد أنجزت القوة الجوية الكثير من الأعمال. والكلام عن القوة الجوية كثير جداً، وهذا جانب منه. أنتم الذين بدأتم البناء، فقد كان في قوّتكم في ذلك الحين أشخاص ذوو همّة بدأوا العمل. ولا يزالون موجودين الآن أيضاً بحمد الله وتستطيعون أن تقوموا بهذه الأعمال. حدّثوا المعدّات واصنعوها، اصنعوها، فأنتم قادرون، مواهبكم أنتم الشباب جيدة جداً. قلتُ عن أحد هذه البلدان إن الشيء الوحيد الذي يمتلكه هو المال، ولا يمتلك أيّ شيء آخر غير المال، لا الدين، ولا الأخلاق، ولا العقل، ولا القدرات، ولا المهارة، لديه المال فقط. هكذا هم البعض. وقد لا يكون لديكم الكثير من المال، لكنكم تمتلكون كل الأشياء الأخرى: تمتلكون الموهبة، وتمتلكون القدرات الفكرية، وتمتلكون القدرة على الإبداع، والقدرة على البناء. إنكم قادرون فاصنعوا. إذاً، جدّوا واجتهدوا في بناء ذاتكم أي أنفسكم التي هي مقدَّمة على كل شيء، وأيضاً في بناء المعدّات، وأيضاً في بناء المنظومة. طوّروا منظومتكم ما استطعتم إلى ذلك سبيلاً. واعلموا أن النصر معكم إن شاء الله. في كل الأحداث والقضايا التي وقعت طوال هذه الأعوام حققت القوات الثورية النصر بتوفيق من الله، وفي المستقبل أيضاً وعلى الرغم من أنف العدو سيكون النصر لكم وللشعب الإيراني المقاوم.

والسّلام عليكم ورحمة الله بركاته.

 

الهوامش:

1 ـ في بداية هذا اللقاء ألقى الأمير اللواء حسين شاه صفي (القائد العام للقوة الجوية في جيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية) كلمة بالمناسبة.

2 ـ سورة الفتح، شطر من الآية 29 .

3 ـ سورة إبراهيم، الآية 24 .

4 ـ لقاء الإمام الخامنئي بمختلف شرائح أهالي مدينة قم بتاريخ 09/01/2018 م .

5 ـ نيكي هيلي ممثلة أمريكا لدى منظمة الأمم المتحدة.

6 ـ نهج البلاغة، الكتاب رقم 47 بقليل من الاختلاف.