بسم الله الرحمن الرحيم                                                                                                 

أود في بداية كلمتي الإشارة إلى نقطتين:
النقطة الأولى تتعلق بالقضية التي ألمح إليها صديقنا المحترم - الذي سيذكر لنا اسمه لاحقاَ إن شاء الله لنتعرف عليه أكثر - حول الغيوم، والتي كانت شاغلي الذهني في هذين اليومين أو الثلاثة الأخيرة، فكيف يمكن إنقاذ هذه المدينة وهذه المنطقة التي لا تعاني أي نقص من حيث وجود الغيوم فيها، لكنها محرومة جداَ من حيث الأمطار وهطولها، وتعاني أرضها من العطش دوماَ. أردنا توصية مركز علمي بمتابعة هذه الأمور عسى أن تصل لنتيجة معينة ، وقد أنجزت بعض الخطوات في السابق طبعاَ . من المؤسف أن تبقى هذه الأرض الخصبة وهذه الطاقات البشرية الموهوبة والمستعدة والمتوثبة للعمل محرومة. لذلك فأنا إذ أشكر حضرتك للقضية التي أثرتها، أرجوك أن تكتب على الورق الشيء الذي ذكرته أو أردت شرحه بتفصيل أكثر، وتوقّع عليه، وترسله لي لأجعله منطلقاَ لحركة معينة.
النقطة الثانية تتعلق بالسيد آذريزدي الذي أخبروني الآن بحضوره هذا الاجتماع ويبدو أنه مريض، وتجشّم مع ذلك العناء وحضر هنا رغم مرضه. شاهدت في التلفاز قبل مدة أنهم احتفوا به. ومع أن وقتي قليل لكني منذ أن شغّلت التلفاز وشاهدت برنامج الاحتفاء به بقيت جالساَ أمام التلفاز واستمعت لكلمته التي قال فيها إن أحداَ لم يقدم في سنوات ما قبل الثورة أي شكر أو تقدير لهذا الرجل الدؤوب الخدوم. حين شاهدت ذلك البرنامج كانت هناك فكرة معينة تعتمل في خاطري وأحببت أن أذكرها له يوماَ، وظننتُ أن ذلك لن يتهيّأ لي، إذ متى سأستطيع اللقاء بالسيد آذريزدي؟! وإذا بالصدفة تجمعنا به الليلة هنا. والفكرة هي أنني مدين في جزء من رعايتي لأبنائي لهذا الرجل وكتابه. حينما صدر كتابه - وأخال أنه صدر منه في البداية مجلدان أو الثلاثة قبل أن أطلع عليه قصص طيبة للأطفال الطيبين - أخذته وتصفحته، وكان أبنائي يقتربون من سن المراهقة - أي حوالي فترة البلوغ - والزمن كان زمن الطاغوت والأوضاع كلها تتحرك باتجاه إضلال أذهان الشباب وقلوبهم. كنت أتمنى أن يكون هناك شيء شيق يهدي شبابنا. الكتب الجيدة كانت كثيرة. كنت أكتب لائحة كتب مقترحة لتوزّع بين طلاب الجامعات والثانويات، لكن القضية لم تكن كذلك بالنسبة للأطفال فكنا نعاني من شحة هذه الكتب إلى أن وقعت عيني على كتابه. نظرت فيه فوجدت أنه ومن عدة جهات، من جهتين أو ثلاث جهات، ذلك الشيء الذي أبحث عنه. أتخطّر أنه صدر منه ذلك الحين مجلدان أو ثلاث مجلدات اشتريتها، وتابعته بعد ذلك إلى أن صدر منه المجلد الخامس أو ربما السادس - لا أتذكر الآن على وجه التحديد - صدرت المجلدات تباعاَ واشتريتها لأبنائي. وليس لأبنائي فقط إنما ذكرته لكل الأقرباء والأصدقاء ممن كان لهم أبناء يناسبهم. أردت بدوري أن أشكر وأقدّر هذا الجهد. لقد ملأ فراغاَ في السلسلة الثقافية الطويلة للبلد خلال فترة معينة من الزمن. إنه عمل قيم. تقبّل الله منكم - يا سيد مهدي آذريزدي - هذه الخدمة وآجركم عليها. هذا الثناء اللساني لا يمثل أجر الأعمال التي تنجز بإخلاص... الله هو الذي يجزل أجر العمل المخلص وسيجزله.
أما اجتماع الليلة فقد كان طيباَ ومحبباَ بالنسبة لي، والأمر كذلك دوماَ، ففي أسفاري المختلفة أشعر بارتياح نفسي غامر في هذا الجزء من الزيارة - اللقاء بالنخبة - حتى أنه ليمثل بالنسبة لي محطة للاستراحة وإزالة التعب. إذا كنت قد تعبت من فقرات الزيارة فإن هذا اللقاء يشكل في الحقيقة محطة لتسريب الأتعاب.
لهذه الليلة خصوصيتها، إذ أن يزد أولاَ منطقة منجبة للنخبة، فالنخبة في هذه المنطقة والمحافظة والمدينة - للحق والإنصاف - أكثر منها في كثير من مناطق البلاد الأخرى. وثانياَ تسود اجتماعنا الليلة تلك الصميمية التي عهدناها عن أهالي يزد منذ فترة شبابنا وصبانا وإلى اليوم. والآراء التي طرحها الأعزاء كان فيها ما يمكنني الانتفاع منه، كما كان فيها ما أجد من واجبي متابعته. لقد سجّلت رؤوس النقاط وخلاصة الآراء وتم تسجيل كلماتكم بشكل كامل وستنقل إلى مكتبي لتتم إن شاء الله دراستها ومتابعة ما يجب متابعته منها.
الاجتماع لا يحتمل مزيداَ من الإطالة، إذ أننا في خدمتكم هنا منذ ثلاث ساعات، لذلك لن أذكر سوى نقطتين أو ثلاث. لهذا الاجتماع طابع حقيقي مهني وطابع رمزي. طابعه الحقيقي المهني هو أن النخبة منظومة لابد من تقديم الشكر لها حقاَ. ليس جميع النخبة في يزد حاضرين هنا الليلة، لكنكم باقة منهم، والتقدير والشكر الذي نروم تقديمه هو أن نقول لكم إننا نعرف قدر النخبة في القطاعات المختلفة، في الأنشطة الفنية، والقرآنية، والدينية، والرياضية، والحوزوية، والجامعية، والعمالية، والأصناف، والكسبة، والخدمات، والأنشطة الثورية كالتضحيات والجهاد والاستشهاد والأسر، ونحن نقدر النخبه في كل هذه القطاعات المختلفة ونطلبها ونريدها ونشكرها ونثمّنها. هذا هو الطابع الحقيقي الذي نثبته لكم قولاَ وفعلاَ، وهو واجبنا. هذا هو الجانب المهني والعملي لهذا اللقاء.
والطابع الرمزي هو أن يعلم مجتمعنا الذي سيرى هذا الاجتماع - سيرى شعب إيران وشبابه كلهم هذا الاجتماع من التلفاز لاحقاَ - خصوصاَ المسؤولون سيعلمون أنهم إذا أرادوا تحرك البلاد بخطوات عريضة وبسرعة جيدة نحو الأهداف المرسومة، فعليهم اعتبار النخبة نخبة وتقديرها. هذه هي الرسالة التي نعتقد أن فعلنا الرمزي هذا يحملها للجميع. الأعمال الرمزية يجب أن تنطوي على مضمون، وهذا هو مضمون عملنا هذا. إنه أمر يتعلق بمساحات خارج مساحتكم النخبوية.
أما بالنسبة لكم، فالنخبة امتياز بلا شك، والعلم امتياز بلا ريب، والشاعرية امتياز. لكن هذا الامتياز تتضاعف قيمته آلآف الأضعاف حينما يحبه الخالق ويتقلبه، فهو - على حد تعبير سعدي - يُقبل حينما يُقبل عند الله تعالى، وطريقة قبوله ليست صعبة. إختاروا مهمة تعتقدون أنها لصالح بلدكم ومستقبله، ووظفوا مواهبكم النخبوية فيها وتابعوها وليكن هدفكم منها إيصال النفع للناس. بهذا سيكون عملكم لله. ليس العمل لله مجرد أن يقول الإنسان بلسانه: اللهم إني أفعل هذا لك ولرضاك فقط. إذن، يحدث أحياناَ أن يلهج لسان المرء بهذا لكن في قلبه شيئاَ آخر. لتكن أعمالكم في سبيل رضا الله. يقول الله تعالى: خيركم أنفعكم للناس. لاحظوا، هذا هو نظام القيمي في الإسلام. ترتقون في درجات القرب الإلهي حين تقومون بما ينفع الناس.
حينما يعلم الإنسان المؤمن والقلب العارف بالله أن الله يريد هذا، فلمن سيقوم به حين يقوم به؟ يقوم به لله، إذن، سيحصل المراد والهدف. هذه نقطة... وهي نقطة أصلية وأساسية.
النقطة الثانية - كما ذكرنا - هي أن الفن يجب أن يحفظ هويته واستقلاله وعزته. قد لا يطالبكم أحد بشيء، لكن عليكم أن تشحذوا هممكم وتقوموا بذلك العمل. لا إنني غير مطلع على الدور المؤثر للتشجيعات والمساعدات والمواهب التي يبديها المسؤولون الحكوميون. لديَّ تجربة سنوات طويلة من العمل الإداري في هذا البلد وأدري أن أثر ذلك كبير بالتأكيد. لا أقول هذا ليقل اهتمام المسؤولين، إنما أقوله ليقل اهتمامكم بمساعدات المسؤولين. طبعاَ لا أوصيكم بعدم المطالبة بهذه المساعدات، لكن لا توقفوا نماء هذه الغرسة عليها.
بزوغ فكرة جديدة وانبثاق نتاج جديد في نفس النخبة بمثابة نماء طبيعي. إسمحوا لهذا النماء أن يشق طريقه. يجب أن لا تأخذنا اللجاجة ونقول: طالما لم يرحّب المسؤولون بإنجازنا إذن لنترك العمل، لا، قيمة عملكم أكبر من أن يكون معيار مواصلة أو عدم مواصلته مساعدة أو عدم مساعدة المسؤولين. طبعاَ من البديهي أن مساعدات المسؤولين تكتسب طابعاَ حيوياَ في بعض الأحيان. هذا أمر أكيد في موضعه، وهذه هي توصيتي لكم.
بلدنا اليوم سائر في طريق التقدم شاء ذلك الخصوم أم أبوا. هذا البلد في حال تقدم وافق ذلك المغرضون الموسوسون أم رفضوه وأنكروه ... هذا ما يحصل حالياَ. عدم موافقة بعض الوسواسيين السلبيين ذوي الأفق الضيق لا يلغي هذا التقدم. إنه تقدم حاصل حتى لو لم يوافقوه. نحن نراه أمام أعيننا. نرى أن هذا التحرك موجود ومستمر. كما لو يستقل الإنسان سيارة ولا يشعرأحياناَ بسرعتها حين تسير في صحراء كبرى، لكن المكتوب على لوحات الطريق وعلاماته هو سبعون كيلومتراَ، وبعد دقائق نرى أنه كتب عليها ستون كيلومتراَ حتى النهاية. إذن، تقدمنا عشرة كيلومترات، حتى لو لم يشعر الإنسان بذلك ربما بسبب انشغاله بالحوار، أو قد يتململ البعض دائماَ ويقول: لماذا لا نتقدم، لماذا لا نتحرك. تفضل... هذه علامات الطريق تقول بقي أمامنا سبعون كيلومتراَ حتى النهاية، وبقي الآن ستون كيلومتراَ، ثم خمسون كيلومتراَ، ثم عشرة كيلومترات. هذا دليل إننا نتحرك. علامات الطريق تقول إننا نسير ونتقدم للأمام. البعض يفرحون، هنيئاَ لهم هذه الفرحة. والبعض ينزعجون ... رغمُ أنوفهم ... فلينزعجوا. الشعب الإيراني يتقدم للأمام.
عليكم أيها النخبة الإسهام بالدور المناسب في هذا التقدم. وجميع الميادين مشمولة بهذا الكلام. لستُ من أولئك المتصلبين الذين يقولون: وما حاجاتنا للشعر، وما حاجتنا للفن، لنهتمَّ للعلم الآن. مع أن العلم يحتل برأئي المرتبة الأولى من الأهمية في تقدم البلاد، وهذا ما قلته مراراَ للطلبة الجامعيين وغيرهم - الأساتذة وسواهم - لكني أعتقد أن جميع المجالات: العلم، الدين، الفن، الذوق، الصناعة، البناء، الزراعة، الخدمات، العلاقات الخارجية، تشكل منظومة واحدة ويجب أن تتطور كلها بشكل متوازٍ. وسيتطور كلٌّ منها بطريقة معينة.
حسناَ، لن أتعبكم أكثر من هذا. أشكر الأعزاء الذين تحدثوا، واعتذر للأصدقاء الذين لم يتحدثوا وربما كان لديهم ما يقولونه. أثمن جهودكم جميعاَ خصوصاَ الذين تجشّموا عناء السفر وتلطّفوا وتفضّلوا بالقدوم من مدن أخرى ليضاعفوا من دفء هذا اللقاء، وأتمنى لكم جميعاَ التوفيق والتأييد إن شاء الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.