بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا و نبينا أبي القاسم المصطفى محمد و على آله الأطيبين الأطهرين سيما بقية الله في الأرضين.. »يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و قولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم، و يغفر لكم ذنوبكم، و من يطع الله و رسوله فقد فاز فوزاً عظيماً «.
إنها لجلسة جد مهمة و نوعية و مغتنمة. و الأيام و الساعات أيضاً من الساعات التي ينبغي اغتنامها حقاً.. شهر رمضان المبارك و نحن على مائدة الفيض الإلهي و الضيافة الرحمانية .. و الحضور هم عدد من موظفي الدولة و مسؤولي البلاد رفيعي المستوى في نظام جعل هدفه الخدمة و الجهاد لرفع شأن الحسنات و نشر الطيبات في العالم » أحل لكم الطيبات « و منع و تقييد و تقليل السيئات و الشرور و المفاسد.
كلمتنا الأساسية و المهمة في اجتماعنا هي أن نفكر في مسؤوليتنا و هي قضية خطيرة و ثقيلة جداً، و قيمة في الوقت نفسه.. نفكر فيها و نقدرها و ننهض بها. هذا ما ينبغي أن تنصب عليه مساعينا و هو غير متاح إلا بمراعاة التقوى الإلهية. إذا عملنا بالتقوى فسوف تنجز أعمالنا بصورة صحيحة، و تتقدم إلى الأمام بالشروط اللازمة و بعيداً عن الشوائب و الاختلالات التي تتطرق لأي عمل عبر منفذ الفساد، و تبلغ نتائجها المنشودة. التقوى من شأنها أن تجعلنا نفهم بصورة جيدة و صحيحة، و أن نعمل و نتكلم بنحو صائب أيضاً. إذا فهم الإنسان بصورة صحيحة و عمل و تحدث بنحو صائب فإن النجاح سيكون حتمياً و لا مناص منه. لذلك كانت التوصية بالتقوى أكثر ما وصى به القرآن الكريم و الأحاديث الشريفة المؤمنين. نحن أحوج للتقوى من كل الناس. فمسؤولياتنا أكبر و جزء من الاقتدار الوطني في أيدينا. لولا التقوى، ربما جرى توظيف هذا الاقتدار الذي هو ملك الشعب، و جزء منه في يد كل واحد من الشخصيات الحاضرة هنا، ربما جرى توظيفه في السبيل و المواضع غير المناسبة. إذن، أهم قضية بالنسبة لنا هي التقوى.
حينما نوصي بالتقوى فليس معنى ذلك غياب التقوى وعدم وجودها، كلا، إنما التوصية هي بالحفاظ على هذا المكسب المعنوي إذا كان موجوداً فينا. و إذا كان ناقصاً فيجب استكماله، و إذا لم يكن موجوداً فلابد من حيازته. و ليست القضية أن الشخص الذي يوصي بالتقوى - و هو أنا في هذه الجلسة، و في صلوات الجمعة و في الخطب و الكلمات الوعظية - بحاجة للتقوى أقل من حاجة المستمعين لها، لا، بل الشخص الموصي قد يكون أحياناً أحوج للتوصية أضعافاً. لكن الموعظة، و الكلام، و التوصية أمور ضرورية. لذلك ورد » التواصي « في الشرع الإسلامي المقدس. الكل يجب أن يتواصون بالحق، و الصبر، و السير في السبيل الإلهي المستقيم كي لا ننحرف عن هذا السبيل.
إذا أردنا إبراز التقوى في حياتنا و أعمالنا و سلوكنا - فادعاء التقوى و ذكرها بالألسن لا يكفي، و لابد من أن يكون الإنسان متقياً ورعاً حقاً - فإن أهم مساحات ذلك بالنسبة لنا نحن المسؤولين هي متابعة مسؤولياتنا الاجتماعية و أهدافنا الثورية بكل جد. للثورة الإسلامية أهداف و شعارات سالت لأجل تحقيقها دماء و أرواح طاهرة. تتمثل هذه الأهداف في النمو المعنوي و المادي، و بناء دنيا الشعب و آخرته، و التأثير فيهما، و التسامي الأخلاقي، و وصول البلاد إلى موقع جدير بالكرامة الإنسانية و توفير مناخ لتفتح المواهب و تمتع الناس بالمواهب و العطايا الإلهية - سواء المواهب المادي أو المواهب المعنوية - و منها الحرية، و العلم، و الفضائل الأخلاقية.
لم يتأسس هذا النظام لأجل أن ينتزع السلطة من أيدي جماعة و يعطيها لأيدي جماعة أخرى هي أنا و أنتم من دون أن يكون لهذه الجماعة التزام حيال حركة الجماهير العظيمة هذه. للشعب الذي أطلق هذه الأمواج الصاخبة و البحر الهادر من الثورة، و حفظها في شتى الأزمات و نقل هذا النظام بسلامة عبر المنعطفات الخطيرة، لهذا الشعب توقعاته و مطاليبه. نحن المؤمنين بالإسلام نلخص هذه التوقعات في كلمة الإسلام، و هذه هي الحقيقة. و لكن لأن الإسلام قد يعرض أمام الكثيرين بتفاسير و إيضاحات خاطئة توقعهم في اللبس، كان للجمهورية الإسلامية شعارت محددة: الاستقلال، الحرية، التنمية المعنوية و الرقي المادي، و توفير مناخ آمن كريم للإنسان. علينا متابعة هذه المطاليب و العمل من أجلها.
أرقى مظاهر التقوى لدى مسؤولي البلاد رفيعي المستوى و مدراء القطاعات المختلفة هو نهوضهم بالمسؤولية المناطة بهم حسب القانون على أفضل وجه و بلا أية نقيصة . طبعاً في المستويات المتوسطة أو في الهيكل الواسع لمدراء البلاد قد لا يمكن عرض هذه التوقعات بهذه الدرجة و الحدود، و لكن فيما يخص المسؤولين رفيعي المستوى و المدراء الكبار للنظام - نواب المجلس و مسؤولي السلطة القضائية، و أعضاء الحكومة، و القوات المسلحة، و المؤسسات الثورية، و الأقسام الخاصة برجال الدين في مؤسسات الثورة - يمكن طرح التوقعات بهذه الدرجات و المستوى. على هؤلاء المسؤولين - و معظمهم حاضرون هنا و الحمد لله - بذل أقصى الجهد و السعي لإنجاز هذه المسؤوليات المناطة بهم على خير وجه. إذا كان هذا فستشهد حياة الشعب بناءً و ازدهاراً، و سيتم تلافي تخلف البلاد و قد شاهدنا آثار أعمالنا و جهودنا في المجتمع بمقدار ما عملنا.
من أهم مواطن ظهور التقوى في عمل المسؤولين هو أن لا ينظروا لأنفسهم كمدراء وأصحاب مناصب. و هو على العكس تماماً من نظرة الدنيويين للمسؤوليات، فهم يريدون مسؤولياتهم و مناصبهم لدنياهم. إذا كانوا يريدون الرئاسة و الإدارة أو عضوية البرلمانات و ما إلى ذلك من مراكز فإن المهم لهم بالدرجة الأولى في كل هذا هم مكاسبهم الشخصية. لذلك يحوزون ما يريدونه خلال فترة مسؤوليتهم و يؤمّنون بذلك حياتهم لفترات طويلة من أعمارهم! هذه الحسابات في نظام الجمهورية‌ الإسلامية حسابات خاطئة بلا شك. الذي يتحمل مسؤولية يجب أن لا ينظر لمصالحه الشخصية إطلاقاً في موقعه و مسؤوليته، و إذا كانت هذه المهمة و المسؤولية فوق طاقته فيجب أن لا يقبل المسؤولية، و لكنه حين يقبلها ينبغي أن يكون المهم لديه بالدرجة الأولى و قبل أي شيء آخر هو أداء مسؤوليته حتى لو انتهى ذلك بضرره و كان على الضد من مصالحه.
لنقبل المسؤوليات بصعابها و همومها و الجهاد الذي ينبغي تحمله من أجل النهوض بها. إذا كان هذا عاد الإنسان مرفوع الرأس أمام الله تعالى و الناس، و سيعلم الناس هذا منه. صحيح أن الدعاية و الأقاويل و الضجيج و البهرجة و.. تؤثر في ذهنيات بعض الناس، إلا أن هذا التأثير ليس بدائم: » فأما الزبد فيذهب جفاءً « .. الحقيقة هي التي تبقى، و الحق و الصدق يحتل مكانه في أذهان الناس.
إذا عملنا لا سمح الله خلافاً لالتزامنا الديني و الثوري و التزامنا الذي قبلنا المسؤولية على أساسه، فإن الناس ستعلم ذلك منّا بالتالي حتى لو استطعنا إخفاء الحقيقة و تزييفها لفترة قصيرة من الزمن.
من المظاهر الأخرى للتقوى في النظام الإسلامي هو أن يتنبه الجميع إلى أن القوى العالمية الكبرى - و أنتم تعرفونها غالباً - تعادي هذا النظام لأسباب عديدة:
لقد نقض هذا النظام و لأول مرة القواعد التي وضعتها الأجهزة و المراكز الاستكبارية العالمية و نظمت علاقاتها على أساسها، و أعلن أنه يؤمن بالإسلام، و العدل، و الدفاع عن العدالة و المظلومين في كل ناحية من العالم. إنه نظام أيقظ برفعه راية الإسلام مشاعر النـزعة الإسلامية و انبعاث الحياة الإسلامية مجدداً على مستوى واسع من الجماهير التي تعيش في واحدة من أكثر مناطق العالم حساسية، أي منطقة الشرق الأوسط و أجزاء من آسيا. و من البديهي أن لا ترتاح القوى الاستكبارية العالمية الطامعة الجشعة ذات السوابق و اللواحق السيئة و الواقع الردئ الملوث و الجدير بالتوبيخ، من البديهي أن لا ترتاح لمثل هذا النظام و أن تعاديه بمقدار ما تستطيع.
ليحذر الجميع من أن يساعدوا عدو النظام الإسلامي بأي شكل من الأشكال، سواء بالمواكبة أو المماشاة أو في اتخاذ المواقف والإدلاء بالتصريحات و المبادرة للخطوات. هذا بحد ذاته من الممارسات الناقضة للتقوى والورع.
و من الأمور الأخرى التي ينبغي أن تنبثق عن تقوى المسؤوليين و النظام مراعاة الحدود القانونية في كافة القطاعات و عدم تجاوز ما رسمه الدستور و القوانين المعتبرة للقطاعات و الأجهزة المختلفة. تجاوز هذه القوانين تترتب عليه في بعض الأحيان مفاسد اقتصادية كبرى أو فساد الأجهزة و المؤسسات المسؤولة، أو قد يؤدي إلى تعارض الأجهزة المختلفة و التشتت و الملاسنات الضارة المفسدة.
الأجواء حالياً أجواء شهر رمضان المعنوية، و هذا المكان حسينية و الوقت خير الأوقات لنتذاكر هذه الأمور فيما بيننا. الكثير من هذه الأمور نعلمها أنا و أنتم، بيد أن الموعظة ليس معناها أن يذكر الإنسان أموراً لا يعرفها الجانب الآخر المتلقي. بل الموعظة ليست حتى تكرار الأفكار التي يعلمها الإنسان، ففي الاستماع ذاته آثار لا توجد حتى في العلم و المعرفة. و أنا و أنتم بحاجة لأن نستمع و نتواعظ. الموعظة الرئيسية و المهمة بالنسبة لنا هي موعظة التقوى، والتقوى بالنسبة لنا نحن المسؤولين أهم و درجتها الخاصة بنا أعلى، أي لا نستطيع الاكتفاء بالمستوى العادي الدارج من التقوى لدى الناس.
ثمة مسألة أو مسألتان أخريان لابد أن أتطرق لهما. الأولى هي المسألة التي أشار إليها رئيس جمهوريتنا العزيز الملتزم حضرة السيد خاتمي و شرحها بالتفصيل. أولاً ينبغي القول إن مثل هذه الأحداث في البلاد يجب أن لا تتخذ إطلاقاً وسيلةً للملاسنات و الخلافات بين المسؤولين، و بين التيارات السياسية في البلاد. هذا ما يجب أن تتجنبوه. قوله صحيح حول النقد و النصيحة... لا إشكال في هذا، بل إن بعض حالات التبرم والتذمر التي شاهدناها من الطلبة الجامعيين، و أبناء الشعب، أو بعض الصحافة صاحبة الهموم والنقود في هذه القضية، كانت إيجابية و تدل على مدى اهتمام المجتمع بالعزة و الاستقلال الوطني. غير أن أياً من هذه الأمور يجب أن لا يؤدي إلى الشجار أو خلافات أو النـزاعات. المهم هو أن يعلم النخبة و المسؤولون و لا سيما أصحاب المنابر و ذوو الأدوار بالغة الأهمية = سواء في المجلس، أو الصحافة، أو صلوات الجمعة، أو سائر المواضع والمنابر - أن البلاد حينما تواجه مثل هذه القضية - و هي قضية واحدة من عشرات بل مئات القضايا التي تواجهها البلاد - فإن أسوء أسلوب يمكن العمل به حيالها هو تحويلها هي بحد ذاتها إلى ذريعة للملاسنات والنـزعات.. هذا سيئ جداً.
في بدايات هجوم العراق علينا، كان واجب الجميع معروفاً و واضحاً.. و كان جلياً ما ينبغي أن يقوم به الجميع، لكن المنافقين الذين كانوا يومئذ ناشطين في طهران و المدن الأخرى و يعملون و يتحدثون و يخطبون بكل حرية كانوا يقولون إننا لا نتمتع بالحرية! كبعض الأشخاص الآن ممن يقولون كل ما يخطر ببالهم، و يعملون كما يحلو لهم، و مع ذلك ترى أن من شعاراتهم أننا لا نتمتع بالحرية! لا يفهمون أن هذا الادعاء نفسه يستدعي الاستهزاء بهم.. و قد كان الحال كذلك في ذلك الحين أيضاً، فكانت دمى المنافقين تقف في التقاطعات واللافتات بأيديها لتبث الشك و القلق في قلوب الجماهير حول أساس قضية الدفاع عن الوطن. و بعد ذلك حينما تم إلفات أنظارهم و زجرهم لملموا وضعهم و أنشطتهم. حينما تقع مثل هذه الأحداث في البلاد يجب أن لا تؤدي أبداً إلى الملاسنات و الخلافات و الافتراق و تباعد الأشخاص عن بعضهم و النظر للأمور من زاوية فئوية.. هذه حالة جد سلبية.
ليتنبه الجميع إلى أن خلاصة ما حدث هو أن الصهاينة غاصبي أرض فلسطين و الهيئة الحاكمة في أمريكا و التي لا نهاية لأحقادها و ضغائنها على الجمهورية الإسلامية و المستعدة لاستخدام أية وسيلة قذرة للوصول إلى أهدافها، أطلقت على مستوى العالم شعاراً يقول إن ايران تروم الحصول على السلاح النووي! و بذلك أثاروا الرأي العام و العديد من الحكومات، و نيتهم من هذا الضجيج هو خلق إجماع عالمي ينتهي إلى نتيجة أن الجهود العلمية و التقنية النووية الإيرانية تؤدي إلى خوف وهلع عام في العالم. ما الذي ينبغي فعله هنا؟ هل يجب السماح للصهاينة والأمريكان بتكرار دعاياتهم، أم ينبغي إثبات و إيضاح أن الأمر ليس كذلك؟ اختار مسؤولو النظام المحترمون طريق و تدبير الإيضاح و القول: كلا، تعالوا و شاهدوا حقيقة الأمر بأنفسكم. ما وافقت عليه الجمهورية الإسلامية لحد الآن هو أن يأتوا و يطلعوا على عمليات التخصيب، و فعلاً جاءوا و شاهدوا العمليات و كان مسموحاً لهم بالذهاب لأي مكان يظنون أن فيه عمليات تخصيب، و الاطلاع عليه كي يعلموا أن دعايات الصهاينة كاذبة. هذا طريق سلمي للحفاظ على التنقية النووية.
ليس من حقنا التفريط بهذه التقنية مهما كان الثمن. و ما يبثه البعض من دعايات تقول إنه لم نحصل على شيء كثير، هو أيضاً قول غير سليم. اعلموا أن ما تم الحصول عليه كثير و مهم جداً. و لو لم يكن كثيراً لما أثار حساسية أعدائنا إلى هذا الحد. الخبراء و الأشخاص المتخصصون المطلعون لهم أحكامهم الصائبة في هذا الصدد. لقد تمكنا من تقنية تعد محلية في بلادنا.. هذا هو المهم. لو استطاع أعداؤنا اليوم تدمير جميع الأجهزة التي تمتلكها الجمهورية الإسلامية - و هو ما لا يستطيعوه طبعاً - فإن هذه التقنية لن تزول ولن تمحى، لأننا لم نستعرها ولم نقترضها من أحد إنما توصل إليها متخصصونا الأذكياء. طبعاً لو جرت الأمور حسب رغبات الغربيين و مراكز القوة العالمية لما سمحوا للجمهورية الإسلامية بالحصول على مثل هذه التقنية حتى بعد مائة سنة، لكن هذه المهمة أنجزت على الرغم من إرادتهم و رغم الحصار المفروض علينا. إذن، ما تم الحصول عليه شيء قيم، وليس من حق الحكومة، و لا المسؤولين، و لا منظمة الطاقة النووية، و لا أي شخص في هذا البلد أن يفرط بهذا العلم الأثير ويساوم عليه. و لا شك أنه لم تحصل أية مساومة و لن تحصل. طبعاً إذا أراد الذين دخلوا في حوار مع مسؤولي الجمهورية الإسلامية تحدي الجمهورية الإسلامية في هذه القضية والمطالبة بأشياء أكثر، فإن كل شيء سيفسد وسوف يتلقون صفعة من الجمهورية الإسلامية يقيناً، و لا شك في أننا لن نكون مستعدين لإعطاء أي امتياز. علينا حفظ هذه التقنية و كل ما اكتسبناه و الحمد لله في قطاعات بلدنا العزيز المختلفة من تطورات علمية وبحثية لافتة. طبعاً لا تزال أمامنا مسافة طويلة حتى بلوغ الخطوط الأمامية للتقنية و العلوم، و السبب هو أننا بدأنا من تحت الصفر، ولا يمكن القول من الصفر. تعاملوا مع هذا البلد بحيث لا يعدم المكتسبات العلمية و التقنية و حسب، بل و يفتقد كذلك الأمل بامتلاكها. و عليه، نحن لم نبدأ من نقطة » اللاشيء « ، بل بدأنا من » اللاشيء و معه اليأس « . من هنا نزلت الجمهورية الإسلامية للساحة و تقدمت اليوم و الحمد لله.
الشباب ينشطون راهناً في الكثير من جامعاتنا، و كما أخبرني أشخاص أصحاب خبرة و اطلاع فإن مستوى العمل العلمي و البحثي في عشرين أو ثلاثين جامعة كبرى في البلاد من حيث المواهب و العمل و الجهود و متابعة الأساتذة، و وجود الأساتذة الجيدين، يرقى إلى مستويات الجامعات الجيدة و المتقدمة في العالم. التقدم جيد و الحمد لله. هذه ليست إمكانات و إنجازات أهداها شخص لهذا البلد.. إنها ملك هذا البلد. لكن المستبدين الداخليين من جهة و الاستغلاليين الأجانب من جهة ثانية لم يكونوا يسمحون بها. أما الآن حيث البلاد مستقلة و حرة و الحمد لله فإن هذه العلوم أخذت في الظهور تدريجياً.
الخطوة التي قام بها المسؤولون كانت صائبة، و قد تمت بتدبير و من دون استسلام أو قبول منطق القوة كي يتم إحباط المؤامرة المحاكة ضد الجمهورية الإسلامية من قبل الأمريكيين والصهاينة. طبعاً، هذه بداية القضية والمهمة لم تنته بعد. إذا استمر العمل بهذا السياق المقرر فلن تكون هناك أية مشكلة، أما إذا أراد الأعداء أو مراكز القوة أن تبدي أطماعاً و استزادةً و تتقدم خندقاً تلو خندق لنتراجع نحن خندقاً تلو خندق، فسيكون هذا استسلاماً و هو غير صحيح إطلاقاً و لن يسمح بمثل هذا الشيء.
أعتقد أن كلا الرأيين المطروحين حول المفاوضات الجارية لا تتطابق مع الواقع. نمط من التفكير هو أن تظن عناصرنا المؤمنة الغيورة أن الحكومة استسلمت، و يجب القول هنا إن الأمر ليس كذلك، و لم يكن ثمة أي استسلام لحد الآن. هذه خطوة سياسية و عمل دبلوماسي. نمط التفكير الآخر الذي يقف على الضد من النمط الأول هو أن يخال البعض أنه يجب عدم التريث، و لابد من إعطاء كل ما يطلبونه كي لا يتذرعوا بشيء! هذا أيضاً غير صحيح لأنه انفعال و ارتباك. من جهة أخرى فإن نمط التفكير الذي يحمله أعداء الجمهورية الإسلامية و يتصورون أن السنارة علقت في فم الجمهورية الإسلامية و لم يعد أمام هذا البلد طريق أو مفر، هو الآخر غير صحيح، كلا، هذا النمط من التفكير سذاجة و تفاؤل ساذج.
أينما سرنا في طريق يفضي إلى موضع تتعرض فيه مصالح الجمهورية الإسلامية للتشكيك و الضرر، فسوف نحجم هناك عن مواصلة السير دون أي تردد. إذن، نحن نسلك الطريق السلمية التي تضمن عزة الجمهورية الإسلامية لأجل صيانة البلاد والحفاظ على هذا المكسب، والخط الأحمر في ذلك هو أن يتدخلوا في شؤوننا الداخلية. إذا قالوا: » إننا نريد الاطمئنان و التأكد «، فلن نعترض على ذلك و سيحصل الشيء الذي حصل لحد اليوم بعد الآن أيضاً ضمن حدود معينة. طبعاً، القرار النهائي طبقاً للقانون من صلاحية مجلس الشورى الإسلامي ثم مجلس صيانة الدستور الذي يجب عليه عرض القرار على الشرع و القانون. لم تتخذ الحكومة لحد الآن أي قرار و ليس بمستطاعها ذلك؛ المسؤولون المحترمون يقومون بالمهام التمهيدية حالياً. ما تكلف المسؤولون المحترمون - سواء الشيخ الدكتور روحاني، أو السيد رئيس الجمهورية، أو المسؤولون الآخرون - القيام به هو العمل بدقة و ملاحظة جوانب المسألة و التدقيق لئلا يحصل شيء بخلاف المباني و المبادئ. و أنا على اطلاع، و حيثما شعرت بوجود شيء خلافاً للضوابط و الأهداف و العزة الوطنية و توجهات النظام الإسلامي فسوف لن أسمح به يقيناً و سأحول دونه. طبعاً لم يحدث مثل هذا لحد الآن، و بعد اليوم أيضاً نتمنى بفضل من الله تعالى أن يستطيعوا التقدم في هذه المهمة بملاحظة جميع الجوانب.
القضية المهمة هي أن تفهم الأطراف الأجنبية في هذه القضايا - سواء هذه القضية أو القضايا المختلفة الأخرى التي تتعامل فيها الجمهورية الإسلامية مع أطراف أجنبية - أن الجمهورية الإسلامية ليست المكان الذي يستطيعون فيه تحقيق إراداتهم وأطماعهم التي كانت لهم قديماً في إيران. للجمهورية الإسلامية ماهية و هوية أخرى. إيران الإسلامية هذه ليست إيران مستعمرة بريطانيا والمقسّمة بين القوى الكبرى، حتى يفرضوا عليها منطق القوة و يتدخلوا في شؤونها مهما صغرت. الجمهورية الإسلامية حالياً متسلحة بسلاح أمضى و أقوى حتى من السلاح النووي.. إنه سلاح إرادة الشعب و إيمانه و تواجده و مواكبته للحكومة، وهو سلاحنا الضخم. هم بالطبع يبثون الدعاية، و قد بلغت بهم الوقاحة حداً يريدون معه إقناعنا نحن أيضاً بأننا غير متسلحين بهذا السلاح و أن الجماهير أعرضت عن الإسلام و الثورة، لكننا نعلم أن هذا الكلام بخلاف الواقع.
أطرافنا العالمية، سواء الأوربية أو غير الأوربية - طبعاً بخصوص غير الأوربيين لم نلحظ حالات مثل الطمع و الاستزادة و...، لكن الأوربيين مع أنهم حملوا في أذهانهم غالباً أهدافاً و مطامع استعمارية منذ القدم - يجب أن يعلموا أن الجمهورية الإسلامية ترفض العسف، و الإكراه، و التدخل في تعاملاتها، و معاهداتها، و تداولاتها. و لا يغتروا بأن عدداً قليلاً في الداخل تأثيرهم في المناخ السياسي العام للبلاد قريب من الصفر - إن لم نقل إنه بمستوى الصفر - يحملون لهم أخباراً سارة من حين لحين. الذين يتعاملون مع نظام الجمهورية الإسلامية يجب أن يدركوا أن الجماهير في صميم نظام الجمهورية الإسلامية و هم عشاق هذا النظام وجنوده.. يحبون إسلامهم و استقلالهم و يحرسونه.
بعض المفلسين السياسيين و طريدي الإمام و الثورة يفرحون بظنهم أن الجمهورية الإسلامية تعاني أزمة معينة: » إن تصبك حسنة تسوءهم « .. إذا أصبتم خيراً ساءهم ذلك، وإذا أصابكم شر أو سيئة » يفرحوا بها « . يفرحون باحتمال أن يصيب نظام الجمهورية الإسلامية شر، و يعربون عن فرحهم هذا. هؤلاء غارقون إلى هاماتهم في منن الجمهورية الإسلامية و الجماهير الثورية المسلمة، و الجمهورية الإسلامية، فقد منحهم هذا الشعب الحرية وخلّصهم من محن شديدة عاتية، لكنهم جحدوا جميل الإمام، و الثورة، و الشعب. تمتعوا بالنعمة و أنكروها، و ها هم اليوم يمنّون النفس بأن أمريكا تهدد إيران. إنهم يفرحون مسبقاً لأية ذريعة أو تهديد يطلقه الأمريكان والصهاينة ضد الجمهورية الإسلامية. و غداً حين يحاربون الجمهورية الإسلامية بسلاح حقوق الإنسان سيفرحون أيضاً. هؤلاء ليسوا بشيء و حذار من أن يخدعوا المراكز السياسية في العالم و الأوربيين خصوصاً. هؤلاء مفلسون غير مقصّرين في نظام الجمهورية الإسلامية.. أشخاص زعلوا علی الشعب، و زعل الشعب عليهم و فقد ثقته بهم. نظام الجمهورية الإسلامية طبعاً لن يواجههم بشيء طالما لم ير منهم شروراً وضرراً. و هذا خلافاً لما يدعونه و يروجون له من أن النظام يجابهنا لأننا نفكر بطريقة مختلفة! وضع هؤلاء لأنفسهم اسماً محترماً هو » أصحاب الفكر الآخر « . و قد قلت ذات مرة إن عبارة » أصحاب الفكر الآخر « خاطئة، فثمة في المجتمع الإسلامي الكثير من أصحاب الفكر الآخر، و الفكر الآخر لا يعني العداء. الجمهورية الإسلامية لا تجابه صاحب الفكر الآخر أبداً. هناك في الجماعة الحاضرة هنا إخوة مسلمون من غير الشيعة و من غير المسلمين و كلهم أعضاء في النظام الإسلامي و يعملون له. الجمهورية الإسلامية تجابه العناد و المعارضة والشرور. إذا مارس أحد العناد و الشر فلن تتردد الجمهورية الإسلامية في توجيه ضربة له.
من القضايا التي طرحت في هذه المفاوضات العالمية، و قالها بعض الأوربيون و سواهم هو أننا لا نوافق الطاقة النووية السلمية في إيران و حسب، بل و نحن على استعداد لبناء محطات طاقة نووية لهم نمدهم بوقودها. هذا الشيء غير مقبول عندنا. فمحطة الطاقة التي يريد الغربيون بناءها لنا و تزويدنا بوقودها لن تنفع إيران شيئاً. هذه العملية تعني ارتهان إيران و الإيراني. قلت ذات مرة إن هذا النفط الذي تسيطر عليه بلدان المنطقة لو كان بيد الأوربيين و أرادوا بيعه لكم أيها الشعب الإيراني و شعوب باقي البلدان المنتجة للنفط حالياً، لسلبوكم أرواحكم مقابل كل كوب صغير منه! و هم الآن يشترون ملايين البراميل بأثمان بخسة و المال الذي يعطونه لقاءه أشبه بعدم الإعطاء. لو أراد الغربيون تزويدنا بوقود محطاتنا لأعطوه لنا بألف شرط: لماذا صرحتم التصريح الفلاني؟ لن نعطيكم الوقود. لماذا لم تصرحوا التصريح الفلاني؟ لن نعطيكم وقوداً. الجمهورية الإسلامية لا تخضع لمثل هذا الكلام. نحن ننتج وقود المحطات و هذا شيء مسموح به في الضوابط و القوانين الدولية. طبعاً إنتاج الوقود يحتاج لتقنية عالية، و عمليات جد معقدة، و حساسة، و مؤثرة في المستوى التقني العام للبلاد.
و حول الانتخابات أقول فقط إنه على الجميع السعي لإقامة الانتخابات بنحو جيد. أن يصرح بعض المسؤولين و النخبة - سواء في المجلس، أو في الحكومة، أو في سائر القطاعات - أنه لو حصل كذا فإن الشعب لن يشارك، فهذا ليس الواجب الذي يضطلع به فرد مسؤول في نظام الجمهورية الإسلامية .. التفتوا إلى هذه النقطة. واجب المسؤول الأمني الذي يعتبر نفسه جزءاً من النظام - المندس داخل هذا النظام له وضعه المختلف - هو أنه لا يحق له التصريح بما يناقض مصالح النظام الإسلامي. لماذا لا يشارك الشعب في الانتخابات؟! يشاركون على أحسن وجه. و هل هذه هي انتخاباتنا الأولى؟ منذ خمسة و عشرين عاماً نقيم الانتخابات من مطلع الثورة إلى اليوم، و كانت لنا ثلاث وعشرون انتخابات و أظن أن الانتخابات القادمة التي ستقام بعد عدة أشهر هي الانتخابات الرابعة و العشرون. الشعب طبعاً لا يبالي لهذا الكلام.. أقول هذا لكم.. شارك الشعب مشاركة أوسع في الانتخابات التي قاطعتها بعض الفئات. طبعاً ينبغي أن تقام الانتخابات بشكل حر، و نزيه، و طبقاً للقانون. وزارة الداخلية هي المنفّذ، و مجلس صيانة الدستور هو المشرف. و لكل منهما وظائفه التي لابد له من القيام بها و عدم تجاوزها. هذا شيء ثابت في محله.. غير أن كل جهود المسؤولين و مختلف الأصدقاء، و الصحافة يجب أن تنصب على تشجيع الشعب على المشاركة في الانتخابات و جعل الأجواء أجواءً مشجعة و مشوِّقة للمشاركة. أكبر الأثر طبعاً يتركه سلوكي أنا و أنتم. لو كنا في خدمة الناس و عملنا لهم، و احترمناهم، فالناس أخيار و صالحون جداً و سيشاركون و هم يعرفون قدر هذه الثورة خصوصاً و أن لمجتمعنا أكثرية شابة، و قلوب الشباب و الحمد لله تشملها الألطاف و الرحمة الإلهية أكثر من غيرهم.
اللهم، بمحمد و آل محمد اشملنا في شهر رمضان المبارك هذا برحمتك و رضوانك و توفيقك. ربنا انصر الشعب الإيراني في كل الميادين. ربنا أنكب أعداء إيران و أعداء الجمهورية الإسلامية ولا تُنجِحهم في أهدافهم. اللهم زد دوماً من الدرجات و المراتب المعنوية الرفيعة لإمامنا الجليل صاحب هذا الحق الكبير في عنق كل الشعب الإيراني، و الذي فتح أمامنا هذا الطريق. ربنا احشر شهداءنا الأعزاء مع الرسول، و وفق مسؤولي البلاد المحترمين في النهوض بواجباتهم أكثر فأكثر.. و اجعل ما قلناه لك و في سبيلك و مقبولاً و مرضياً عندك.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.