بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا و نبينا أبي القاسم المصطفى محمد و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديين المعصومين سيما بقية الله في الأرضين.
الحمد لله الذي جعلنا من المتمسكين بولاية علي أمير المؤمنين و الأئمة المعصومين الطاهرين.
أبارك عيد الغدير السعيد لكم جميعاً أيها الأعزاء المشاركون في هذا التجمع الهائل العظيم، و لكل التعبويين المخلصين في جميع أنحاء البلاد، و لكل الذين يعتبرون أنفسهم ملتزمين بالإسلام و سيادة الإسلام في شتى بقاع الأرض، و لكل الذين يحترمون الاسم المبارك للإمام علي بن أبي طالب.
مع أن عيد الغدير من خصائص فرقة الشيعة‌ الإمامية لكن لهذا الحدث مفهوماً و محتوى و مضموناً واسعاً يجعله مستوعباً لكل المسلمين، بل حسب الإيضاح الذي سأذكره فهو لكل المخلصين و المتشوقين لسعادة الإنسان و تحسين حاله.
نحن الشيعة لدينا هذا الاعتقاد الراسخ بشأن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) و هو اعتقاد متقن لا سبيل للشك فيه، و نعتبر الحديث المتواتر - أي حديث يوم الغدير - الذي رواه كل محدثي الإسلام الكبار من شيعة و سنة سنداً و ركيزة لهذا الاعتقاد المتقن.
عيّن الرسول الأكرم (ص) في يوم حار و في منطقة حساسة و مقابل أعين الناس علي بن أبي طالب (عليه الصلاة و السلام) إماماً للمسلمين من بعده و ولياً لأمور الإسلام و قدمه و عرفه للناس: «من كنت مولاه فهذا علي مولاه» (1). و هذا عطف على آيات عديدة تثبت ولاية الرسول (ص) من قبل الله تعالى. «إنما وليّكم الله و رسوله» (2).. و آيات عديدة أخرى. يقول: من كنت مولاه فهذا علي مولاه. أي معنى للولاية يختص بالرسول (ص) ينسحب على أمير المؤمنين (ع) بهذا التنصيب و التعريف الذي قام به الرسول. هذا دليل متين و موثق و لا سبيل للشك فيه. و قد ناقش كبار العلماء هذه المسألة. و ليس من اللازم أن ندخل في بحوث عقيدية، فهذا أمر محرز.
كان جميع الناس قد خبروا علي بن أبي طالب في ذلك اليوم عن كثب، و لم يشكك أحد في تنصيب أمير المؤمنين. كان واضحاً أن هذا الرجل المضحي المخلص ذا المرتبة العليا في الإيمان و التقوى جدير بمثل هذه الخطوة من قبل الرسول الأكرم (ص) و من قبل الله تعالى في الواقع. لم يكن تنصيب الإمام علي (ع) تنصيباً نبوياً، بل تنصيباً إلهياً. كان هذا شأن الله الذي أبلغه الرسول للناس.
يوم دخل أمير المؤمنين المدينة مع الرسول كان شاباً في الثالثة و العشرين من عمره. و ليقارن الشباب ممن هم في سن الثالثة و العشرين سلوكهم بذلك الشاب الممتاز على امتداد تاريخ البشرية. نفس هذا الشاب أضحى نجم معركة بدر و بطلها. و هو الذي تألق في معركة‌ أحد إلى درجة علم معها كل المسلمين بعظمة‌ ما قام به. و هو نفسه الشاب الذي وقف إلى جانب الرسول في الامتحانات المختلفة، و في غزوات الرسول، و في الصمود بوجه ضغوط جبهة الكفر و الاستكبار يومذاك. و هو الشاب الذي لم يرغب في الدنيا. يوم نصبه الرسول الأكرم (ص) - و كان وقتها شاباً - كان له في أعين المسلمين عظمة لا يمكن لأحد إنكارها. و لم ينكرها أحد لا في ذلك الوقت و لا في الأزمنة اللاحقة.
لم تكن حادثة‌ الغدير مجرد نصب خليفة للرسول، فللغدير جانبان: أحدهما يتعلق بنصب الخليفة، و الجانب الثاني هو الإلفات إلى قضية الإمامة. الإمامة بالمعنى الذي يفهمه كل المسلمين من هذه الكلمة و من هذا العنوان. الإمامة بمعنى قيادة الناس و المجتمع في أمور الدين و الدنيا. هذه من القضايا الرئيسية على امتداد تاريخ الإنسانية الطويل. ليست قضية الإمامة قضية خاصة بالمسلمين أو الشيعة. الإمامة معناها أن يحكم فرد أو جماعة المجتمع، و يرسمون اتجاه مسيرته في أمور الدنيا و الشؤون الروحية و المعنوية و الأخروية. هذه قضية عامة تشمل كافة المجتمعات البشرية.
طيب، هذا الإمام يمكن أن يكون على حالتين: إمام يقول عنه الله تعالى في القرآن الكريم: «و جعلناهم إئمة يهدون بأمرنا و أوحينا إليهم فعل الخيرات و إقام الصلاة و إيتاء الزكاة و كانوا لنا عابدين» (3). هذه إمامة تهدي الناس بأمر الله و تأخذ بأيديهم لتجتاز بهم الأخطار و المهالك و المزالق و الهاويات، و توصلهم إلى الهدف المنشود من الحياة الدنيوية للإنسان، و التي خلق الله هذه الحياة و منحها للإنسان للوصول إلى هذا الهدف. هذا شكل من أشكال الإمامة مصداقها الأنبياء الإلهيون و الرسول الأكرم، و قد جمع الإمام الباقر (عليه الصلاة و السلام) الناس في منى و قال: «إن رسول الله كان هو الإمام». الإمام الأول هو الرسول نفسه. الأنبياء الإلهيون و أوصياء الأنبياء و المصطفون من الناس هم من الفئة الأولى من الإئمة، و مهمتهم الهداية، حيث يهديهم الله تعالى و ينقلون هذه الهداية إلى الناس: «و أوحينا إليهم فعل الخيرات». أفعالهم أفعال حسنة.. «و إقام الصلاة»، و الصلاة رمز ارتباط الإنسان و اتصاله بالله.. «و كانوا لنا عابدين»، و هم عبيد لله ككل البشر الذين هم عبيد لله، و عزتهم الدنيوية لا تنال إطلاقاً من عبوديتهم لله أو من مشاعر العبودية لله في قلوبهم و كيانهم.. هذه فئة.
و الفئة الأخرى: «و جعلناهم أئمة يدعون إلى النار» (4)، و هو ما ورد في القرآن الكريم بخصوص فرعون. فرعون أيضاً إمام. بنفس المعنى الذي استخدمت فيه كلمة إمام في الآية الأولى استخدمت هنا أيضاً كلمة إمام. أي إن دنيا الناس و دينهم و آخرتهم - أجسام الناس و أرواحهم - في قبضة هؤلاء الأئمة، لكنهم «يدعون إلى النار».. يدعونهم إلى الهلاك.
حتى أكثر حكومات العالم علمانية - و على الرغم مما تدعيه سواء علمت بذلك أم لم تعلم - تمسك في قبضتها بدنيا الناس و آخرتهم. هذه الأجهزة الثقافية الهائلة التي تأخذ أجيال الشباب اليوم في مختلف أصقاع العالم نحو سوء الأخلاق و الفساد و الضياع هي الأئمة الذين «يدعون إلى النار».. الأجهزة المقتدرة التي تأخذ الناس إلى النار من أجل مصالحها، و من أجل سيادتها الظالمة، و من أجل أن تصل إلى أهدافها السياسية المختلفة، و دنيا الناس في إيديهم و آخرة الناس أيضاً في أيديهم، أي إن أجسام الناس و أرواحهم في أيديهم.
الادعاء القائل بأن الكنيسة في المسيحية تعنى بالآخرة و السلطة تعنى بالدنيا ادعاء فيه مغالطة. حينما تقع السلطة بيد أناس غرباء على الدين و الأخلاق فسوف تكون الكنيسة أيضاً في خدمتهم، و تقع القيم الروحية‌ و المعنوية أيضاً في قبضة اقتدارهم و تتبدد و تسحق. ستكون أجسام البشر و أرواحهم تحت تأثير سلطتهم. هذه هي حالة الإنسانية دائماً.
المجتمع إما أن يكون تحت إشراف و إدارة إمام عادل - هو منصب من قبل الله و هادٍ إلى الخيرات و الحق - أو في قبضة أناس غرباء على الحق و غير عارفين به و في حالات عديدة معاندين للحق، لأن الحق لا يتصالح مع مصالحهم الشخصية و المادية. إذن، هي إحدى حالتين و لا تخرج الحال عنهما.
لقد أثبت الإسلام بتأسيسه نظام حكم في المدينة و تأسيس المجتمع المدني النبوي أن الإسلام ليس مجرد نصيحة و موعظة و دعوة لسانية. إنما يروم الإسلام لحقائق الأحكام الإلهية أن تتحقق في المجتمع، و هذا غير متاح من دون تأسيس سلطة إلهية. و بعد ذلك، عيّن الرسول الأكرم (ص) في نهاية عمره المبارك بأمر من الله و بإلهام من الله الشخص الذي يليه. طبعاً سار التاريخ الإسلامي في مسار آخر، لكن هذا هو ما أراده الرسول و الإسلام. كانت هذه أطروحة بقيت في التاريخ. يجب أن لا نتصور أن فكرة الرسول قد فشلت، لا، لم تفشل، لكنها لم تتحقق في تلك البرهة الزمنية، و بقي هذا الخط المميز في المجتمع الإسلامي و التاريخ الإسلامي. و تلاحظون نتائجه اليوم في هذا الجزء من العالم الإسلامي، و سوف يزداد هذا النموذج و هذا الخط الساطع انتشاراً في العالم الإسلامي يوماً بعد يوم بفضل من الله و حوله و قوته. هذا هو مضمون الغدير.
إذن، قضية الغدير ليست قضية الشيعة فقط إنما هي قضية المسلمين، بل قضية كل البشر. الذين يفكرون سيتضح لهم أن هذا الخط النير خط لكل البشر. و لا سبيل سوى هذا. إذا كانت السلطة في المجتمعات البشرية بيد ذوي الصفات الشيطانية فسوف يسير العالم نحو المحطات التي تشاهدون اليوم مظاهرها في العالم الحديث. كلما ازداد العالم حداثة كلما ازداد خطر مثل هذه الحكومات. طبعاً كلما تطور العالم من الناحية العلمية و المعرفية أكثر كلما ازداد احتمال و أمكانية‌ بروز خط الهداية. إننا لا نشعر بعرقلة خط الهداية بسبب تقدم العلم، لا، إنما سيتقدم هذا الخط.
إن منظومة‌ التعبئة الشعبية‌ العظيمة تعبئة المستضعفين في البلاد هي اليوم حقيقة‌ ساطعة و جلية. إنكم باقة من روضة التعبئة العظيمة في البلاد. و هي روضة أوجدها إمامنا الجليل و سقاها بكلماته و سلوكه. و قد ازدادت هذه الغرسات و الحمد لله ثمراً و طراوة‌ يوماً بعد يوم. التعبئة في بلدنا اليوم حقيقة عظيمة منقطعة النظير لا تقبل الإنكار. صحيح أن إعلام الأعداء و أتباعهم و أنصارهم في الداخل يحاولون تصغير التعبئة و الحط منها و إهانتها، و هؤلاء أهانوا حتى كلام الله و الرسول. الشيء الذي يتحلى في داخله بالعظمة و التألق لن يصغر بإهانة المهينين و تهم المتهمين و لن ينقص تألقه شيئاً.
التعبئة اليوم حقيقة عظيمة متألقة في بلادنا و ليس لها نموذج أو مثال آخر. لاحظوا الصنوف المختلفة من نساء و رجال و ناشئة و شباب و كهول و شيوخ و شرائح مختلفة من طلبة الجامعات إلى طلبة الحوزات و أساتذة الجامعات و معلمي المدارس و التلاميذ و العمال و المزارعين و التجار و باقي الشرائح المتنوعة المؤمنة في شتى أرجاء البلاد كلهم أعضاء في التعبئة و لهم مشاركتهم فيها، أي إن التعبئة غير محددة بأية حدود من حيث الصنوف و الطبقات أو الجنس أو القوميات أو اللغات. في هذا الحشد الآن يوجد ترك و كرد و لر و فرس و بلوش و سائر القوميات الإيرانية، و كذا الحال في كل أنحاء البلاد. التعبئة جماعة منظمة لها أهدافها، و لا يمكن للمرء أن يشاهد نظيراً لها بهذه السعة و بهذا التنوع و هذا الكم الهائل و هذه الكيفية الإيمانية.
قلوبكم منشدة إلى التعبئة. ثمة في العالم أحزاب و قد تكون أحزاباً كثيرة العدد - طبعاً لا يوجد في أي حزب في العالم هذا العدد المليوني الهائل الذي نلاحظه في التعبئة - و لكن حتى هذا الكم الذي نشاهده في الأحزاب فإن أجسام الأعضاء و ألسنتهم و قدراتهم المادية توظف لصالح الحزب، و ليس من المعلوم و المؤكد أن تكون قلوبهم و اختلاجاتهم الإيمانية للحزب أيضاً، أما التعبئة فهي تعبئة القلوب و الأرواح و العواطف و المعتقدات و الإيمان. و هذا ما ينفع الشعب في الشدائد و الصعاب. حينما تواجه الشعوب المشكلات فلن تنفعها الأجسام، و لا بد من نزول القلوب إلى وسط الساحة، و لا بد من تقدم القلوب و ريادتها و تحطيمها للعقبات. الذين كانوا سباقين و محطمين للعقبات و الموانع لم تكن لهم بالضرورة أجسام قوية بل كانت لهم قلوب قوية و إيمان متين استطاعوا به تحطيم الجبال و طي الطرق الصعبة و تجاوز المزالق و الوصول إلى الأهداف. التعبئة مثل هذه الحقيقة. و علينا أن نعرف قدر هذا الشيء. أولاً على التعبوي نفسه أن يعرف قدر هذا الشيء. و كما سمعنا الآن في هذا الميثاق و كما ذكر هؤلاء الشباب الأعزاء عن ألسنة التعبويين فقد حمدوا الله و أثنوا عليه لأنهم أعضاء في التعبئة. و هذه هي الحقيقة. ينبغي تقديم الشكر لله لتوفيقه الإنسان للانضواء‌ في مثل هذه المنظومة.
الأهمية الأخرى للتعبئة هي أن التعبئة ليست مقصورة على اتجاه معين و بعد واحد و هدف واحد. مع أن للتعبئة فنونها العسكرية و مشاركتها في خطوط القتال الأمامية إينما اقتضى الأمر، و قد تولت أصعب و أشد المهمات و الأعمال، إلا أنها تستطيع القيام بكل شيء. أي إن التعبئة إذا شاركت في أي ميدان من الميادين كانت طليعية و سباقة. و شبابنا التعبوي اليوم سباقون و رواد حتى في ميادين العلم. و أساتذتنا التعبويين من أنجح الأساتذة في المشاريع العلمية. و الفنانون التعبويون - الذين دخلوا ساحة الفن بروح تعبوية - أصابوا نجاحات أكبر و أفضل و استطاعوا اجتذاب مخاطبين أكثر. في أية ساحة، إذا دخل التعبويون بروح التعبئة و أخلاصها و إيمانها و شجاعتها و شهامتها و قدرتها على الابتكار و الإبداع فبوسعهم إنجاز أعمال كبيرة. هذه هي حقيقة التعبئة.
ليعرف التعبويون الأعزاء قدر هذا، و ليعززوا في أنفسهم أركان الحالة التعبوية. للحالة التعبوية‌ أركانها. و علينا جميعاً أن نعزز هذه الأركان في أنفسنا يوماً بعد يوم. أيها الشباب الأعزاء، قلنا مراراً إن المهم بالدرجة الأولى هو روح الإخلاص و روح البصيرة. هذا الإخلاص و هذه البصيرة يؤثران على بعضهما. كلما زادت بصيرتكم كلما اقتربت بكم من الأخلاص في العمل. و كلما عملتم بإخلاص أكبر زاد الله تعالى من بصيرتكم. «الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور».. الله وليكم.. كلما اقتربتم من الله أكثر كلما زادت بصيرتكم و رأيتم الحقائق أكثر. إذا توفر النور استطاع المرء مشاهدة الواقع و الحقائق. و حين لا يتوفر النور لا يستطيع المرء مشاهدة الواقع. «و الذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات» (5). حينما يعمي الطغيان أعين الإنسان و حينما تعمي أهواء النفس - و هي الطاغوت الحقيقي و الأسوء من فرعون في داخلنا - أعيننا، و حينما تعمي أعيننا نزعات الجاه و الحسد و حب الدنيا و عبادة الأهواء‌ و الغرق في الشهوات فلن نستطيع مشاهدة الواقع.
رأيتم كيف لم يستطع البعض مشاهدة الواقع القائم أمام أعينهم و لم يتمكنوا من تشخيصه. في فتنة عام 88 المعقدة المخطط لها كانت هناك حقائق أمام أعين الناس، و لم يسمحوا للبعض بمشاهدة هذه الحقائق و فهمها، فلم يروها و لم يفهموها. حينما يظهر في البلد مثيرو فتن مستعدون من أجل نزعات الجاه و السلطة و الوصول للأهداف المتراكمة‌ و المزدحمة في أنفسهم على شكل آمال، مستعدون لأن يتنكروا لمصلحة البلد و أحقية الدرب و يضربون بها عرض الجدار، فسيفعلون ما يثير حماس الساسة الغربيين و أعداء الشعب الإيراني الألداء و يبثون في نفوسهم الأمل فيبادروا لدعمهم. هذه حقيقة واضحة، و هي ليست بالشيء‌ الذي لا يراه الإنسان حينما يكون هنالك نور، لكن البعض لم يروها.. البعض لا يرون، و البعض لا يدركون، و البعض بسبب ظلمة قلوبهم قد يدركون لكنهم غير مستعدين لترتيب أثر على هذا الإدراك و الفهم. هذه كلها من أعراض هوى النفس. و هي كلها من نتائح أوامر و نواهي فرعون الذات. إنه فيل الهوى و النزوات الثمل الذي أعطى الشرعُ المقدس بيد الإنسان المؤمن مطرقة التقوى و الورع ليقرع به رأس هذا الفيل الثمل و يروّضه. إذا استطعنا ترويض هذا الفيل في دواخلنا فسيصبح العالم نيّراً و سنرى كل شيء، و سوف تنفتح أعيننا، و لكن حينما يكون هناك هوى النفس فسوف لن ترى العيون. و أنتم بوصفكم تعبويين و شباب، و قلوبكم طاهرة و نيرة، تستطيعون بنقاء بواطنكم تعزيز هذه الروح و هذه الحالة في أنفسكم. التعبوي أنسان نقي يتحلى بالصفاء و النور.
أعزائي، أبارك لكم انضمامكم للتعبئة، و لكن أبقوا تعبويين. الصمود في الدرب حالة على جانب كبير من الأهمية. البقاء على الحالة التعبوية منوط بمراقبتنا الدائمة لأنفسنا. يجب أن نواظب و لا نخرج عن الطريق. لقد قام الشعب الإيراني بعمل كبير. و هذا العمل الكبير هو أنه صرخ بالعالم الذي كان يركض بكل قواه و بأقصى سرعته نحو جهنم و نبّهه و استطاع إنقاذ جزء منه. لقد أدركت جماعات كبيرة من الناس في العالم الحقيقة، و قد غيّر الشعب الإيراني طريقهم بوصفه رائداً و سباقاً. مسار المجتمعات الإنسانية يجب أن يكون نحو الله و نحو الجنة و نحو الحقيقة. طيب، من البديهي أنكم أيها الشعب الإيراني قمتم بهذا العمل الكبير، و أهل الباطل لن يقعدوا ساكتين. الذين يرتبط وجودهم بالباطل و الظلم و سحق الشعوب.. هؤلاء لن يقعدوا ساكتين عن الشعب الإيراني و هو يصرخ بنداء الحقيقة و الهداية و يوقظ الناس و البشرية، إنما سيعارضون حركة الشعب الإيراني.
و بالطبع، إذا واصلنا صمودنا فإن نتائج هذه المعارضة ستكون إيجابية «و لينصرن الله من ينصره» (6). جعل الله تعالى النصر - من دون أدنى شك - للذين يسيرون على درب الحق و يدعون إلى الحق، و هذا ما جرّبناه. منذ ثلاثين عاماً و الأعداء يسعون سعيهم و يعملون ضد الشعب الإيراني، لكن الشعب الإيراني ببركة صموده و إيمانه يزداد قوة يوماً بعد يوم. و العدو يزداد ضعفاً يوماً بعد يوم. قدرتنا على الصمود حالياً أكبر مما كانت عليه قبل عشرين عاماً، و مما كانت عليه قبل ثلاثين عاماً. هذه هي تجربتنا. إذن، نهاية هذا الكفاح هو انتصار الإسلام و المسلمين. و لكن يجب أن تتنبهوا إلى أن هناك صراعاً و تحدياً. عليكم أن تحافظوا على جاهزيتكم و استعدادكم و بصيرتكم و إخلاصكم و حالتكم التعبوية. هذا هو رمز نجاح الشعب الإيراني و المجمتمع الإيراني العظيم.
ستشهدون أنتم الشباب إن شاء الله اليوم الذي تفتحون فيه قمم الفخر، و كما وعد القرآن الكريم: «لتكونوا شهداء على الناس» (7)، لتكونوا شهداء على الناس و لتكونوا في القمة، و لتنظر لكم الشعوب و تتحرك صوب هذه القمة.
اللهم عجّل في فرج وليك و جوهرتك الفريدة في عالم الخلقة. اللهم اجعلنا من المتمسكين بولايته و ولاية أجداده الطاهرين. اللهم اجعلنا مؤمنين و تعبويين و ثوريين بالمعنى الحقيقي للكلمة. ربنا بحق محمد و آل محمد بلغ الشعب الإيراني العظيم العزيز آماله الكبرى. اشمل الروح المطهرة لإمامنا الجليل و أرواح الشهداء الأبرار الطيبة بألطافك و فيضك الدائم.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

الهوامش:
1 - الكافي، ج 1، ص 420 .
2 - سورة المائدة، الآية 55 .
3 - سورة الأنبياء، الآية 73 .
4 - سورة القصص، الآية 41 .
5 - سورة البقرة، الآية 257 .
6 - سورة‌ الحج، الآية 40 .
7 - سورة‌ البقرة، الآية 143 .