بسم الله الرحمن الرحیم
الحمد لله رب العالمین و الصلاة و السلام علی سیدنا محمد و آله الطاهرین. اللهم صلّ علی فاطمة و أبیها و بعلها و بنیها.
أبارك هذا الیوم الشریف المتلألئ بالأنوار المعنویة لکم جمیعاً أیها الإخوة و الأخوات الأعزاء مدّاحو أهل بیت الرسول الأطهار، و البلابل المترنّمة في الروضة النبویة و العلویة و الحسینیة. و الحق أنه لمن المناسب أن یبارك المرء هذا الیوم لکم أیها المداحون الأعزاء و القراء في المحافل الدینیة و العاملون علی ترقیق قلوب المستمعین بالمواعظ الإلهیة. نشکر الله علی أن هذه الجلسة تقام سنویاً منذ أعوام - و ربما منذ حوالي ثلاثین عاماً - في مثل هذا الیوم، و ربما یعود ذلك إلی ما یربو علی عمر بعض الحضور المحترمین. طبعاً نحن نتوسل علی طول السنة بهذه السیدة الجلیلة و نتبرك بذکرها. و الیوم ذکری ولادتها، و بالطبع فإن فرحة ذکری ولادتها یضاعف من توجّهاتنا و ذکرنا و خشوعنا القلبي إن شاء الله.
و اقتران هذه المناسبة بذکری ولادة الإمام الخمیني - في یوم العشرین من جمادي الثاني - حالة جد طیبة بالنسبة لنا. کان هذا الإنسان الجلیل الذي أدرکنا محضره طوال أعوام نموذجاً حقیقیاً لتلك الحقیقة العظمی و المتألقة التي سمعناها عن الأئمة العظماء و علمناها من الآثار و حملناها في خواطرنا عن أمّ الأئمة النجباء (سلام الله علیها). طبعاً یجب عدم المقایسة و لا یمکن المقارنة، و لکن علی کل حال کانت هناك نفس العلامات و كان هناك السیر في نفس الطریق لدی هذا الإنسان الجلیل، و کان فیه ذلك الإیمان و الإخلاص و العبادة و الغیرة و الصبر و الثبات في سبیل الله. الأمور التي أعزّت إمامنا في الأرض و السماء و عند عباد الله المخلصین هي هذه الخصوصیات. هذا أیضاً عید مضاعف. و قد تزامن هذا العید في هذه السنة مع الثالث من خرداد، و هذه بحد ذاتها قصة. هذا الأخ العزیز الذي یبدو حسب الظاهر أنه معاق قرأ هذه الأشعار الجزلة هنا و هي ذکریات من تلك الأیام.. أیام الدفاع المقدس. و بالتالي فالیوم من تجلیات الدفاع المقدس، و هو یوم کبیر علی کل حال.
من الخصوصیات البارزة في ثورتنا هو الذکر المتکرر المضاعف لاسم السیدة فاطمة الزهراء المبارك (سلام الله علیها) و الاسم المبارك لسیدنا بقیة الله الإمام المهدي المنتظر (صلوات الله علیه). هذان الاسمان المبارکان تکررا طوال فترة الثورة بمناسبات مختلفة أکثر من سائر المعارف الإلهیة الإسلامیة و المعارف الشیعیة، و هذه بحد ذاتها ظاهرة. خلال فترة ما قبل الثورة الإسلامیة لم یکن الاسم المبارك للسیدة الزهراء (سلام الله علیها) یتکرر بهذه الدرجة لا في المحافل الدینیة و لا في الأجواء العامة و لا في لغة الشعراء و الخطباء و الخواص و العوام و سواهم. کان هناك متدینون و مجالس و محافل و خطباء، و کان اسمها المبارك یذکر، و لکن لا بهذا الشکل و السعة و عمق النظرة. و هذا شيء لم یعلمه أحد للناس. أي إننا لم نطرح هذه القضیة في شعاراتنا و في کلامنا. إنما هي ظاهرة إلهیة و أمر نابع من القلوب و العواطف و الإیمان. لم یقل أحد - لا الإمام الجلیل و لا کبار شخصیات الثورة - للمقاتلین خلال فترة الدفاع المقدس أن اختاروا اسم «یا زهراء» لهجماتکم، أو إعصبوا جباهکم بعبارات «یا زهراء». و لکن كلما نظرتم وجدتم الاسم المبارك للسیدة الزهراء یطرح و یذکر أکثر من کل الأسماء المطهرة و المباركة الأخری طوال فترة الدفاع المقدس. و کذلك الاسم المبارك لسیدنا بقیة الله (أرواحنا فداه). هذان الاسمان نبعا هکذا من القلوب و الإیمان و العواطف في فترة الثورة بشکل طبیعي و من دون أوامر و تعمیمات أو دراسة مسبقة. و هذه علامة مبارکة.. علامة توجّه سیدة العالمین و تلك المخلوقة الملکوتیة الإلهیة المنقطعة النظیر في ساحة الوجود من حیث النور الذي تحمله بعد والدها العظیم و الإمام أمیر المؤمنین (علیه السلام). و قد کان بعض أهل المعنی یشیر إلی هذا التوجّه الخاص. سمعنا من البعض قولهم إن سیدة العالمین لها توجّه خاص. و هذا شيء قیّم جداً و باعث علی الأمل و یربط علی قلوبنا و یزیدنا ثقة و طمأنینة في أعماق أرواحنا بالوصول إلی الأهداف النهائیة. و بذلك تتخذ الخطوات برسوخ و ثقة. حینما ینظر المرء إلی الهدف و یعرف هدفه لن یکون الوصول إلی ذلك الهدف أملاً ساذجاً في نفسه. إنه فرد صاحب أمل و یقطع خطواته برسوخ و لا یضیّع الطریق، و لا یمیل یمیناً أو شمالاً.
من أهم خصوصیات الثورة الإسلامیة في إیران أنها طوال إثنین و ثلاثین عاماً و رغم صعوبة الطریق و طوله و رغم کل هذه المضایقات و المعارضات و سیاسات التصدي المتنوعة ذات الأشکال المختلفة و الجوانب المتعددة فإنها لم تنحرف عن هذا الخط المستقیم حتی بدرجة قلیلة. الشعارات نفس الشعارات و الأهداف نفس الأهداف و الخط نفس الخط و الطریق نفس الطریق. ببرکة الکلمات الواضحة و البلیغة لإمامنا الجلیل - و هي مسجلة لحسن الحظ - لا یوجد مجال للتفسیر و التأویل.. الطریق طریق مستقیم و الثورة سائرة في هذا الطریق. و أقولها لکم: طالما کانت خطواتنا أنا و أنتم راسخة و أعیننا مسمرة علی الهدف و طالما سرنا یحدونا الأمل فلن تستطیع أیة قوة في العالم سدّ الطریق بوجهنا، و لهذا أکبر الأثر في إنماء براعم الأمل في قلوب المسلمین و الشعوب الإسلامیة.
حینما تقع الثورة تُفرِح الکثیرین في العالم. هکذا هي کتل الجماهیر عادة. أتذکر أن دکتاتور إسبانیا فارق الحیاة خلال فترة القمع. و مع أن وفاته لم یکن لها أي علاقة بنا لکننا فرحنا هنا في طهران أو في مشهد، و کأن الأمر کان بالنسبة لنا حفلاً زوال ذلك الدکتاتور الذي حکم لسنین في إسبانیا. أو حینما فارق الحیاة دکتاتور آخر في البرتغال - و الضجة في هذه البلدان الآن علی أشدّها و الحرکة حرکة عظیمة - فرحنا نحن هنا. إذن، حینما تحدث الثورات یفرح کل إنسان في قلبه أمل و طموح و فکرة سامیة و یعیش آلاماً من الواقع المحیط به و من النظام الذي یسوده. و حینما وقعت ثورتنا فرح لها الکثیرون. و لکن في الکثیر من هذه الظواهر لا تستمر الفرحة طویلاً. تقع أحداث تزیل تلك الأفراح. و الأمر مختلف من حالة إلی حالة. أحیاناً یستمر الأمر عشرة أعوام و أحیاناً عشرین عاماً، و أحیاناً لا یستمر الأمر حتی لهذه المدة فتنحرف المسیرة.
في عقد الستینات المیلادیة تقریباً وقعت ثورات في بلدان شمال أفریقیا - في مصر و السودان و تونس و الجزائر - لکنها لم تستمر طویلاً. إما أن الذین کانوا علی رأس الأمور و الممسکین بزمام الثورة إزیحوا بشکل من الأشکال، و ترکوا مواقعهم للعملاء، أو إنهم أنفسهم أصبحوا عملاء. زخارف الدنیا لا تترك البشر لحالهم.. إنها وساوس تعمل و تنشط باستمرار في قلوب الناس. لو لا دروع التقوی لترکت هذه العوامل تأثیرها في البشر بسرعة فیتغیّر الطریق. لذلك تتفتح الآمال نتیجة وقوع الثورات لکنها تتحول بعد ذلك إلی کآبة نتیجة حالات النکوص و التراجع.. ربیع عاجل یأتي و یزول.
خصوصیة هذه الثورة الإسلامیة العظیمة التي فجرتموها أیها الشعب الإیراني هي أن ذلك الربیع لم یتخلله خریف لحد الآن. هذا الصمود و هذا الثبات و هذا الاستمرار و هذا الالتزام بالقیم و الأصول التي جاءت بها الثورة للشعب هي الأمور التي تکرّس الآمال في قلوب الذین یشاهدون هذه التجربة في کل أنحاء العالم. و هذا ما حدث في ثورتنا.
لیست القضیة أننا نرید أن نمدح أنفسنا اعتباطاً و نغترّ بأنفسنا و ننسب لأنفسنا مفاخر فارغة و نقول إن البلد الفلاني تعلم منا و البلد الفلاني تعلم منا، لا، لم یتعلم أي بلد منا، و لکن من الأکید أن بذرة الأمل التي نثرت في قلوب الشعوب و غرست و سقیت و نمت و أزهرت ناتجة عن صمود الشعب الإیراني. لو تراجع الشعب الإیراني، و لو تنازلنا عن شعاراتنا، و لو انتابتنا الرجفة و الفزع أمام لغو الاستکبار العالمي و تهدیداته و ضغوطه لذبلت و ماتت ورود الأمل التي نمت في قلوب الشعوب. صمودکم هو الذي سمح بنماء غرسات الأمل هذه، و هذا ما حصل بفضل المعنویات الإلهیة التي توفرت لنا عن طریق أهل البیت (علیهم السلام) و الاسم المبارك للزهراء الطاهرة و الاسم المبارك لسیدنا بقیة الله و توجهاته علیه السلام. هذه أحوال یجب أن نحافظ علیها و نمسکها بأیدینا بقوة. یجب أن نحافظ علی هذا التوجه لأهل البیت (علیهم السلام) و التوسل بهم، و علی شعورنا بأن کل ما لدینا إنما هو من الله، و عدم الاغترار بأنفسنا.
المسألة الأخری تتعلق بمهنة مدح أهل البیت (ع) الجملیة الظریفة، و من بین الحضور في هذه الجلسة إن لم یکن الجمیع فلا شك أن جماعة کبیرة منهم من المداحین المحترمین. إنني في هذه المناسبة و مناسبات أخری و علی مدی سنوات طویلة ذکرت الکثیر حول هذا الموضوع، لکنني أؤکد مرة أخری. الشعر الذي تقرأونه بصوت حسن و ألحان جمیلة له في أحیان کثیرة تأثیرات أکبر من المحاضرات العلمیة المنطقیة الفلسفیة أو غیر الفلسفیة، هذا في حال تم اختیار ما یقرأ بشکل صحیح و بملاحظة الجوانب الصوریة و المعنویة فیه. الجوانب الصوریة هي جمالیات الشعر. ینبغي اختیار الشعر بصورة صحیحة و جیدة. الشعر من المصادیق البارزة للفن. لیس کل ما ینظم شعراً. للشعر خصوصیاته. ینبغي اختیار الشعر. و لحسن الحظ لدینا شعراء جیدیون.. شعراء ینظمون بأسالیب و لغات مختلفة عن أهل البیت (علیهم السلام)، و ینظمون أشعاراً جمیلة جزلة جیدة. و حینما تطلبون أنتم هذه الأشعار فإن الطلب یستتبع العرض. إذن الشعر الجید و اللحن الجید و الصوت الجید عناصر مهمة. طبعاً الألحان الجیدة لا تعني تقلید موسیقی اللهو المضلة عن سبیل الله، هذه نقطة خذوها بنظر الاعتبار. بعض الألحان ألحان سیئة و خاطئة و لهویة، و یجب عدم إدخالها إلی مجال مدح أهل البیت (عليهم السلام) و القراءة لهم. ما من ضیر في أن تبتکروا أشکالاً جدیدة في قراءة الأشعار و الألحان المتنوعة، و لکن تجنبوا هذا التشابه و التداخل. و أقصد طبعاً الألحان و الأنغام اللهویة المضلة عن سبیل الله و لا نمنع أي لحن قرئ لمضمون آخر، لا، إنما نقصد ألحان اللهو المضلة عن سبیل الله. هذه لا تستخدموها.
المسألة الأخری هي المضمون. أفضل الأشعار التي یمکن للمرء أن یقرأها من علی منبر مدح أهل البیت هي تلک التي تتضمن مناقب أهل البیت (علیهم السلام). ذکر مناقبهم ينیر القلوب و يفرحها و يثیر أشواق الإنسان و يجری الدموع من العیون. و نقصد بها طبعاً المناقب المتقنة الثابتة، إذ یجب أن لا یعتمد الإنسان علی الکلام الضعیف. یوجد هذا الکم الهائل من مناقب أهل البیت (علیهم السلام) في الکتب المعتبرة فلیستفاد منها و من أقوال الأشخاص الذین یعدون بحد ذاتهم سنداً و ثقاة، کهذا الشعر الذي قرأه أحد السادة للمرحوم الشیخ محمد حسین أصفهاني (مفتقر). و هذا الرجل الجلیل أستاذ المجتهدین، و کبار المجتهدین و مراجع التقلید العظام تلامذته في الفقه و الأصول و الفلسفة. و کان أیضاً شاعراً. و مثل أشعاره ستکون موثوقة. أو الروایات المختلفة الموجودة في کتب المناقب و سیر الأئمة (علیهم السلام) المعتبرة. إذن جانب من القضیة یتعلق بمناقب أهل البیت (علیهم السلام).
و الجزء الآخر هو النصائح، و یمکن استلهام هذه النصائح من سیر أهل البیت أنفسهم. نحن الیوم بحاجة للنصیحة. نحتاج إلى النصيحة من أجل تنمية الأخلاق في المجتمع و لنشر الأخلاق الحميدة و لرفع روح التعاطف و الأخوة و الصفاء المحبذة في المجتمع الديني. فمِن مَن نتعلم هذه الأمور؟ أسس الأخلاق و أركانها موجودة في كلمات الأئمة (عليهم السلام) و سلوكهم. لننمّي الأخلاق في المجتمع و ندعو الناس إلى الخير و الأمل و التعاون و الأخوة و الصبر و الحلم و الشكر و الإحسان و الإيثار و التجاوز. و ندعوهم كذلك إلى اجتناب الأخلاق الذميمة و ضيق النظر و اليأس و التشاؤم و النوايا السيئة تجاه هذا و ذاك، و الحسد و البخل و باقي السيئات الأخلاقية. و إذا تمّت هذه العملية بلغة‌ الشعر لكانت أفضل بكثير من لغة النثر و النصيحة العادية.
خطيب مثلنا إذا نصح الناس فلن يكون من المعلوم أنه سوف يؤثر تأثيراً عميقاً. و لكن حينما يقرأ القارئ نفس هذا المضمون على شكل شعر جميل و جيد و بلحن جيد فسيكون كالماء العذب الذي يشربه الإنسان و تنتفع منه جميع خلايا جسمه و يؤثر في أعماق وجوده. طبعاً يجب تكرار الأخلاقيات، فالأقوال تؤثر و الاستماع يؤثر بيد أن هذا التأثير ليس دائمياً و أبدياً. ثمة مؤثرات أخرى في المجتمع تعمل بالاتجاه المعاكس. لذلك يجب ذكر الأخلاقيات و إعادة ذكرها و تكرارها.
و جزء آخر من القضية هو التوعية و منح البصيرة في شؤون الحياة. أنا طبعاً لا أوافق أن يجري التعرض لهذا و الإساءة إلى ذاك باستمرار من على منابر مديح أهل البيت، و لا أحب هذا الأمر، لكن منح البصيرة و توعية‌ الناس أمر جيد. بفضل البصيرة استطاع شعبنا اليوم أن يصمد و يقاوم. يعلم شعبنا أية‌ مؤامرات تحاك ضده، و من الذين يتآمرون ضده، و ما هو الهدف من هذه المؤامرات، و ما الشيء الذي يستآؤون منه في الشعب الإيراني.. هذه أمور يعلمها شعبنا. الشعب الإيراني يعلم أن روح الإيمان و الإسلام و طلب الحرية‌ و الاستقلال و الصمود على هذا السبيل تغضب العدو. شعبنا يعرف العدو، و قد تعلمنا جميعاً أساليبه بالتدريج و أدركنا ما هي أساليبه. هذه البصيرة شيء قيّم جداً. لو لا هذه البصيرة لما صمد شعبنا و قاوم. و الإعلام الذي يبثه العدو، سواء‌ الذين يمارسون هذا الإعلام مباشرة أو الذين ينفخون في أبواقهم المؤجّرة و يتحدثون بالنيابة‌ عن أولئك.. كل هذا الإعلام من أجل سلب الشعب بصيرته و تشبيه الأمور على الناس و إبعادهم عن إيمانهم و إسلامهم و استقامتهم و صمودهم في هذا السبيل و معرفتهم الصائبة لأحداث الحياة. و بالإمكان تخصيص جانب من مجالس مديح أهل البيت (عليهم السلام) لهذه الأمور. فتشوا عن الأشعار المناسبة لهذه الموضوعات و اختاروا الجمل المناسبة. و في اللحظات المناسبة قد تكون الكلمة‌ الواحدة‌ أحياناً مؤثرة في القلوب بمقدار كتاب. حاولوا التأثير في القلوب. و أرى اليوم للإنصاف أن جماعة مداحي أهل البيت قد تقدمت بهذا الاتجاه تقدماً كبيراً لحسن الحظ.. بعض المجالس نوفق لسماعها، أو تقام هنا، أو تبث أحياناً من التلفاز.
و النقطة الأخيرة هي أن صاحب مهنة مديح أهل البيت (عليه السلام) الذي منح نفسه فخر العمل و الخدمة‌ في هذا السبيل إذا أراد الجمع بين كل هذه الخصوصيات يحتاج أولاً إلى المطالعة و القراءة. هناك حاجة‌ للمطالعة و القراءة‌ و التزود. طبعاً المداحون القدماء‌ كانوا ملتزمين بأن يقرأوا عن ظهر خاطر و كانوا يعتبرون أنه من غير المناسب القراءة عن الأوراق. و لحسن الحظ فإن الأمر ليس كذلك اليوم. ليس من الضروري أن ينفقوا ساعات من وقتهم لحفظ قصيدة شعرية، لا، يمكن القراءة عن الورق. و كذلك أهل المنبر. في فترات شبابنا و حداثتنا لم نر أبداً رجل منبر يخرج من جيبه ورقة و يقرأ الأحاديث عنها. كانوا يعتبرون هذا الشيء غير لائق. و كان المرحوم الشيخ فلسفي (رضوان الله عليه) من حطم هذا التقليد، فأخرج من جيبه ورقة و قرأ الأحاديث عنها. و كان واعظاً من الطراز الأول في البلاد. و تعلم الوعاظ الآن هذه الطريقة. من أجل أن يقرأوا بصورة صحيحة و مناسبة‌ و من أجل أن يقرأوا ما يريدون أن يقرأوه يخرجون من جيوبهم أوراقاً يقرأون منها الأحاديث.. يقرأون الشيء الذي كتبوه.. يقرأون الشعر. هذه حالة‌ تسهل العملية‌ كثيراً. و كذا الحال بالنسبة لمديح أهل البيت، فالشرط الأول هو المطالعة‌ و تسجيل رؤوس النقاط و الملاحظات، و التحدث عن مطالعة‌ و دقة و دراسة.
الشرط الثاني هو التعرف في مطالعاتكم على القرآن و الأحاديث. الأنس بالقرآن و مصاحبته ضروري للجميع. هذا ما نوصي به الجميع، و جميع الشباب في بلادنا. و قد أصبح هذا هو الواقع في بلادنا حالياً لحسن الحظ. يرى المرء بين الطلبة‌ الجامعيين و بين طلبة العلوم الدينية ‌و بين الشباب من غير الطلبة‌ الجامعيين و الحوزويين أفراداً يصاحبون القرآن، و بعضهم يحفظون القرآن، و بعضهم ممن لا يحفظ القرآن يفهم القرآن على الإجمال. أي إنه يفهم المضمون رغم عدم علمه بكل التفاصيل. هذه حالة‌ مغتنمة جداً.
حينما يقارن المرء الواقع اليوم بما كان عليه قبل عشرين عاماً أو خمسة و عشرين عاماً يرى أن هناك فرقاً كما بين الأرض و السماء. و الحساب قد خرج عن حصر الكثيرين. و لأنني مهتمّ بهذه المسألة لم يخرج الحساب عن حصري و يدي، و أدري ما الذي حدث و يحدث في ما يخصّ حالة مصاحبة القرآن. في السابق حينما كان القارئ يقرأ القرآن لا يفهم في كثير من الأحيان معنى الآيات، فيقطع حيث يجب أن يصل و يصل حيث يتوجب عليه أن يقطع. أما اليوم فالأمر ليس كذلك على الإطلاق، و الجميع يعرفون هذه المسائل. و بالتالي فالتعرف علر القرآن و الأحاديث هي توصيتنا للجميع. لكن جماعة‌ المبلغين الدينيين و مداحي أهل البيت (عليهم السلام) معنيون بهذا الكلام على وجه الخصوص. تجب مصاحبة‌ القرآن و الاستئناس به. إقرأوا القرآن حتماً و بملاحظة الترجمة و أخذها بنظر الاعتبار. و احفظوا هذه الترجمة في أذهانكم. الآيات التي تتضمن نصائح و معارف سجلوها و استفيدوا منها و اذكروها و اعملوا بها. و كذا الحال بالنسبة للأحاديث.
و لحسن الحظ فإن كتبنا الحديثية‌ المعتبرة‌ ترجمت جميعها حالياً. فـ «الكافي» مترجم، و «من لا يحضره الفقيه» مترجم، و «نهج البلاغة» مترجم، و كلمات السيدة‌ فاطمة‌ الزهراء (سلام الله عليها) مترجمة. أي إن هذه النصوص لم تعد تختص بالذين يجيدون العربية، لا، من يجيد العربية و من لا يجيد العربية‌ كلهم يستطيعون الاستفادة من هذه الكلمات. و هذه فرصة ثمينة و يجب الاستفادة من مثل هذه الفرص. إذن توصيتنا هي تلاوة القرآن الكريم و مصاحبته و الأنس بالأحاديث و التعرف على معارف أهل البيت عن طريق الأحاديث، و فوق كل هذا التوجّه إلى الله تعالى و الحفاظ على الأواصر بين القلب و الذات الأحدية المقدسة‌ و تقويتها بالدعاء و التوسل و الذكر و الخشوع و النوافل من الصلوات.
إذا تم الحفاظ على هذه الأواصر و تعززت فسوف تعالج كل المهمات الصعبة تدريجياً. هذا هو أساس الأمر. أواصر الارتباط بمقام الأحدية - و هي الخشوع و الذكر و التوسل - مرتبطة و متصلة بأهل البيت (عليهم السلام). و لا يمكن التفكيك بين ذا و ذاك - «من أراد الله بدأ بكم» (1) - و هناك أدعية‌ الصحيفة السجادية‌ و المناجاة الخمسة عشر و شتى الأدعية و المناجاة التي تصفّي الفؤاد و الذهن و تجعله فعالاً نشيطاً. كثير من المعارف يكتسبها المرء‌ عن هذا الطريق.
نتمنى أن يوفقكم الله.. و الكلام كثير لكن الوقت لا يتسع.. سعدنا اليوم كثيراً بلقاء‌ السادة و الاستماع لكلمات الأجلاء.
اللهم بحق محمد و آل محمد اجعلنا من أتباع أهل البيت (عليهم السلام). ربنا اجعلنا من الشيعة الحقيقيين لسيدتنا الزهراء (سلام الله عليها). اللهم وفق الشعب الإيراني في كل المجالات و الميادين. ربنا عجّل فرجك لكل المسلمين و لشيعة البحرين و لكل المستضعفين في العالم. ربنا أرضِ عنا القلب المقدس لإمامنا المهدي المنتظر (عج) و أشملنا بأدعيته.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

الهوامش:
1 - مفاتيح الجنان، زيارة الجامعة الكبيرة.