بسم الله الرحمن الرحيم
أولاً، أرحب بجميع الإخوة و الأخوات الأعزاء.. النواب المحترمين. و أدعو الله لأن يكون هذا العام الذي أمضيتموه في نيابة مجلس الشورى الإسلامي موضع رضاه، و حسنة في سجلّ أعمالكم. كما أدعو الله سبحانه و تعالى لرئيس المجلس المحترم و الهيئة الرئاسية التي حظيت مرة أخرى بثقتكم أيها النوّاب المحترمون، و تقبّلت المسؤولية، بأن يقدّر لها و لكم الخير، و يوفقكم جميعاً لما فيه كسب رضوانه.
هو هذا الأساس و الشيء المهم في عملنا أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء.. هذه المواقع الظاهرية و العناوين و الرئاسة و الإدارة و النيابة و المكانة عند الناس تذهب و تنقضي، و ما يبقى لنا أنا و أنتم هو أعمالنا، فإذا كنا قد اكتسبنا أعمالاً صالحة بنيّة صحيحة سليمة خلال هذه الأعوام التي تمرّ علينا و بهذه العناوين و الخصوصيات فلن نكون قد خسرنا. أما إذا كانت فترة المسؤولية و العناوين و الأسماء خالية من مكتسبات لنا لا سمح الله، أو إذا تركت علينا لا قدّر الله تأثيرات سلبية و جعلتنا مطلوبين مديونين، فهذا أسوء مصير يمكن أن تجرّه المسؤوليات على أمثالنا أنا و أنتم. يجب أن نتنبّه لهذه المسألة دوماً.
طبعاً هذه الفرصة - فرصة نيابة الشعب في مجلس الشورى الإسلامي - فرصة مغتنمة. كل من يستطيع في المجتمع الإسلامي و في النظام الإسلامي أن يتولى مأمورية و يقوم بهذه المأمورية بشكل صحيح، فيجب عليه بحق أن يشكر الله تعالى. و لكن ينبغي التنبّه إلى أن هذه الفرصة هي في الوقت نفسه امتحان إلهي كبير. إننا في حال امتحان نمرّ به. تحصل الامتحانات الصعبة في الفترات المميّزة من الحياة. هناك امتحانات في السياقات العادية للحياة، بيد أن الامتحانات الكبيرة و الصعبة عادة ما تكون عندما يمرّ الإنسان بمقاطع حساسة، و من أمثلة ذلك هذه المسؤوليات التي نتولّاها. أحياناً يقضي الإنسان سنين طويلة من عمره أميناً طاهراً إلى أن يواجه فترة امتحان، فإذا لم يستطع في هذه الفترة الامتحانية عرض قدراته في احتواء نفسه و السيطرة عليها فإنه سوف يزلّ و ينزلق. هذه الفترة الحساسة هي نيابة مجلس الشورى الإسلامي و المسؤوليات الحكومية.. مسؤوليات من قبيل مسؤوليتي أنا العبد الضعيف.. هذه هي المقاطع الحساسة من حياتنا، و هناك يجب أن نحذر و ندقق و نصون أنفسنا و نراقبها. أحياناً يعيش الإنسان حياة صالحة في الأحوال العادية، لكنه حين يصل إلى الهاوية و النقاط الحساسة و المنعطفات الخطيرة تراه لا يستطيع العمل و التصرّف بصورة صحيحة تنمّ عن سيطرة على الذات. هذا ما يجب أن نتذكّره. «في تقلّب الأحوال علمُ جواهر الرجال» (1). نستطيع أن نختبر أنفسنا و نعرف عيارها في مثل هذه المراحل و الأطوار.
عادة ما يكون الإنسان حسن الظن بنفسه. إننا لا نرى عيوبنا، و كثيراً ما نرى حسناتنا أكبر مما هي. في مثل هذه الأحوال حينما نخلو مع الله يمكننا أن نكتشف نقاط ضعفنا و نواقصنا. تارة تعرض لنا الأموال، و تارة تعرض لنا القدرة و السلطة، و تارة هناك الوجاهة، و أحياناً الشهوات الجنسية.. هذه امتحانات صعبة. المهم بالنسبة لنواب المجلس المحترمين، و بالنسبة للمسؤولين الحكوميين، و بالنسبة للمسؤولين القضائيين، و بالنسبة للقوات المسلحة، و بالنسبة لرجال الدين، و بالنسبة للذين يتولون مجموعة من هذه المواقع هو أن يعرفوا بنظراتهم الثاقبة مواطن الامتحان. أن يعرفوا أن هذه النقطة و الموقع موقع امتحان، فلا نغفل. إذا استطعنا اجتياز هذا المنعطف الخطير و هذه النقطة الحساسة و هذه الهاوية بسلام فلنشكر الله على ذلك و نحمده. هذه هي النقطة الرئيسية و الكلام الأصلي لنا معكم أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء. هذه نصيحة موجّهة بالدرجة الأولى لي أنا. أقولها لكم حتى يتأثر إن شاء الله قلبُ هذا القائل الضعيف بهذا الكلام، و نسمع النصيحة و نتعظ، و أن نعرف من جانب قدر الموقع الذي منحنا فرصة خدمة الناس و خدمة الإسلام و خدمة البلاد و خدمة النظام، و نعدّ ذلك نعمة كبيرة من قبل الله سبحانه و تعالى، و نتفطن من جانب آخر إلى أن التوفر على هذه الفرصة فيه بعض الأخطار. أن يكون تحت تصرف الإنسان سيارة قوية و سريعة و نظيفة و جيدة و سهلة المقود فهذه موفقية توصل الإنسان إلى مقاصده، لكنها تحتوي بنفس المقدار على مخاطر، لذا يجب الحذر. هذه هي كلمتنا الأصلية لكم أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء. نتمنى أن تكون هذه الكلمات مؤثرة فينا جميعاً.
ما نستطيع أن نقوله حول مجلس الشورى الإسلامي بعد هذا العام الذي انقضى من عمره في هذه الدورة، هو أن تواجد التخصّصات المتنوّعة فيه، استطاع و الحمد الله - كما رُفعت لي التقارير - أن يساعد على تنضيج و تثمير المشاريع المختلفة و البرامج المتنوعة و اللوائح التي تقدمها الحكومة، و إيصالها إلى نتائج أفضل. و هذه هي سمة التخصص و ميزته. حين يكون هناك العلم و تكون ثمة مقدرة، و هناك من وراء ذلك الشعور بالواجب و الخدمة، فإن حصيلة العمل ستكون أفضل بالطبع. هذا شيء يستدعي الارتياح و الشكر، فمجلس الشورى الإسلامي يتمتع بمثل هذه القدرات و الحمد لله.
و المواقف السياسية لمجلس الشورى الإسلامي طوال هذه المدة - كما هو مشهود - و في مختلف المجالات كانت مواقف جيدة و صحيحة و في محلها. إنكم نواب مجموع أبناء الشعب، و تتجلى في سلوككم مطاليبهم و مكنونات قلوبهم. ما شُوهد كان جيداً جداً و الحمد لله.
الشيء الذي من المهم أن يتفطن له الإخوة و الأخوات النواب، و قد ذكّرت به دوماً و في كل الدورات أو في أغلب الدورات التي وفّقت فيها للتحدّث مع النواب المحترمين، هو أن تعلموا أنكم أشبه بالقمّة، و ما يتفجّر من صميم هذه القمّة ينهمر على السفوح و السهول. السلوك و الآداب و الأخلاق و كيفية التعامل في مجلس الشورى الإسلامي كباقي القمم في البلاد أمور تترك تأثيراتها على السلوكيات و الآداب و الأخلاق و الطباع لدى أفراد المجتمع. هذه حالة طبيعية و مستمرة. إذا كان العقل و الفكر و الهدوء و السكينة و الطمأنينة و المحبّة هي السائدة في مجلس الشورى الإسلامي، و فشت هذه الأمور و الأحوال من مكبّرات الصوت في مجلس الشورى الإسلامي و انتشرت على مستوى المجتمع، فإن هذه السمات و الخصال ستترك تأثيراتها تدريجياً في المجتمع. و إذا كان في مجلس الشورى الإسلامي توتر و بغضاء و قلة عمل فإن ذلك سينتشر بدوره في سلوكيات الناس. هذه تأثيرات طبيعية. هذه التأثيرات ليست دفعية و بارزة و ظاهرة، لكنها تفعل فعلها تدريجياً عبر الزمن. و هذا ما يرفع من مستوى مسؤولية المسؤولين المحترمين. لذا اعتقد أن الإخوة الأعزاء و النواب المحترمين يجب أن يراقبوا سلوكهم و منحاهم بشكل كامل من هذه الزاوية.
العمل على اللوائح و المشاريع واجب، و يعتبر حقاً من حقوق الناس يجب أداؤه، و هذا أمر قطعي و واضح. أي حينما تصل لائحة إلى مجلس الشورى الإسلامي، أو تعدّون أنتم مشروعاً في مجلس الشورى الإسلامي و تريدون إطلاقه في قطاع من قطاعات البلاد يمكنه ملء جدول أنشطة البلاد الكبيرة، فإن دقتكم و مراقبتكم و اهتمامكم و تحقيقكم و دراساتكم التي تساعد على تنضيج هذا المشروع أو اللائحة، إنما هي حق للناس على عواتقكم. تصل لائحة إلى مجلس الشورى الإسلامي - و قد كنتُ في المجلس و جرّبتُ هذه الأمور عن قرب - و حين ترفع هذه اللائحة إلى اللجنة المختصة و تعرض على النواب في تلك اللجنة، يتعامل النواب معها أحياناً و كأنها عملهم الشخصي، فيدققون و يدرسون و يحققون و يستشيرون الخبراء و يبحثون معهم القضية، و يرسمون الموضوع في أذهانهم و يتصوّرونه و كأنه قد تحقق و انتهى. و أحياناً يكون الحال على العكس من ذلك، إذ تصل اللائحة أو يريد المجلس المصادقة على مشروع، و ترى النائب غير مطلع بصورة جيدة على محتوى اللائحة و المشروع، و لا يشعر بكثير من المسؤولية تجاه الموضوع، و لا يتابع الأمر لا في اللجنة المختصة، و لا في قاعة المجلس. و تصويته بنعم أو لا على هذه اللائحة أو المشروع لا يخلو من شبهة. و تصويته الممتنع أيضاً لا يخلو من شبهة. لم نأت إلى هنا كنواب لنصوّت تصويتاً ممتنعاً، إنما جئنا لنقول هل يجب القيام بهذا الشيء أم لا. التصويت الممتنع مناسب حينما يكون المرء قد بذل كل جهوده الممكنة و قام بواجبه و لم يصل إلى نتيجة.. هناك يصوّت الإنسان تصويتاً ممتنعاً طبعاً. كالفقيه أو المجتهد الذي يبذل جهوده و يسعى سعيه و يراجع المصادر و ينظر في الأدلة الاجتهادية و الأدلة الفقهية، ثم لا يصل مع كل ذلك إلى نتيجة، فيقول: يجب هنا الاحتياط، و يقول: لا رأي لي في الموضوع، و لا فتوي لي. التصويت الممتنع مناسب هناك. أما أن لا ندرس الموضوع و لا نعمل، ثم من أجل أن لا نتحمّل تبعات التصويت بنعم أو لا بشكل اعتباطي و من دون أدلة و توثيق، نصوّت تصويتاً ممتنعاً، فهذا غير ممكن. إذن، من الأمور المهمة جداً و اللازمة و الأصلية في مجلس الشورى الإسلامي العمل على اللوائح و دراستها، سواء اللوائح التي ترسلها الحكومة أو المشاريع التي تنظمونها و تعدّونها أنتم في المجلس.. يجب العمل بشكل حقيقي. إذا كان الشخص من أهل الخبرة و الاختصاص فليعمل حسب خبرته و معرفته، أما إذا لم يكن من ذوي الخبرة و التخصّص في موضوع معين، فيجب عليه الاستشارة و التحقيق و الوصول إلى نتيجة حاسمة. هذه من المهام الأساسية في مجلس الشورى الإسلامي.
طبعاً هنالك عتب، و قد عاتبت النواب المحترمين في المجلس مراراً في الدورات الماضية، و ذكرت ذلك لرؤساء المجلس سابقاً، و هو أن المرء يرى أحياناً أن الكثير من المقاعد فارغة، إلى حدّ يتجاوز النصاب المسموح به! عدد محدود من المقاعد تبقى فارغة بطبيعة الحال لأن هناك أعذار في التغيّب، لكن هذا الأمر له بالتالي نصابه. و أحياناً يرى المرء أن الأمر تجاوز النصاب فيشعر أنه لم يجر العمل بالواجب. و أحياناً يوجد البعض في المجلس - و هذه بدورها ظاهرة - لا يشاركون في الاقتراع و التصويت.. يذهب السادة و يشكلون ما يسمى بـ «الگعدة» في آخر قاعة المجلس! هذا أيضاً ليس من المصلحة، إذ من اللازم أن يكون هناك تواجد جسماني في قاعة المجلس و كذلك تواجد و حضور بالأذهان و القلوب، أي تنبّه و تركيز على القضية المطروحة و سماع الآراء المؤيدة و المعارضة. هذه من الواجبات التي لا قوام لنيابة الشعب في مجلس الشورى من دونها، و لا يمكن غضّ الطرف عنها.. هذه أمور على جانب كبير من الأهمية. الواقع أن طلبي من الإخوة و الأخوات النواب الأعزاء هو الاهتمام بهذه القضايا، سواء التواجد في المجلس بمعنى الحضور الجسماني و المادي، أو التواجد و الحضور المعنوي و الروحي بمعنى حضور القلب و تركيز الذهن.. هذه قضية مهمة.
و قضية أخرى - كما سبق أن ذكرنا - هي أن سلوك النواب في تربية المجتمع و الأخذ بيده إلى هذا الاتجاه أو ذاك مؤثر جداً. إذا شوهدت في المجلس حالات التقوى و الأمانة و الأخلاق و الشعور بالمسؤولية و الحيوية في العمل، فإن ذلك سيؤثر إيجابياً على المجتمع. و التأثير هو أولاً أنه سيجلب محبة الشعب لنواب المجلس و يجعله واثقاً متفائلاً بهم و يشعر بالمسؤولية تجاههم. و ثانياً سيقترب سلوك أبناء الشعب من سلوك هؤلاء النواب الأعزاء الذين يقفون - على كل حال - في القمة و يمثلون رموز البلاد و شخصياتها المبرزة.
في العبارات و الأدبيات التي يستخدمها النائب المحترم في مجلس الشورى، سواء في الخطابات التي تسبق جدول الأعمال، أو في التصريحات المختلفة أو في السجالات و النقاشات، إذا لوحظت مراعاة الأدب و اجتناب الإهانات و تحاشي العبارات و الألفاظ السخيفة و غير المقبولة - و هذا ما يمكن أن يشعر به المرء عندما يستمع للمذياع، فيدرك أن هذا النائب كان يمكنه هنا أن يستخدم تعبيراً مهيناً لكنه لم يستخدمه - فإن ذلك سيؤثر فيّ أنا المستمع. أما إذا كان العكس لا سمح الله، أي عدم التدقيق في التعبير و عدم التحرّج في الكلام و العبارات، و استخدام ألفاظ و عبارات مهينة و غير مؤدبة، أو إذا صدر سلوك غير مؤدب، فإن ذلك أيضاً سيؤثر بشكل فوري. بمعنى أن المستمع حتى لو كان لا يستسيغ هذا السلوك فإنه سيتأثّر به. الناس ليسوا كالأطفال الذين يتأثرون بسلوك الأب من دون أن يدركوا قبح ذلك السلوك أو حسنه، لا، الناس يدركون قبح السلوك أو حسنه، هكذا هي طبيعة القضية. لاحظوا في البيئات و الجماعات و الأماكن المختلفة، قد يفعل الشخص فعلاً أو يذكر عبارة أو كلاماً على لسانه، و لا يروق للإنسان ما فعل ذلك الشخص، لكن فعله يترك في الوقت نفسه تأثيره، أي إن ذلك الفعل يسهّل تكراره على الآخرين. هكذا هي طبيعة القضية.
و القضية الأخرى هي مراعاة الإنصاف. طبعاً هذا الذي أقوله هو في الواقع توضيح واضحات، و أنتم أيها السادة و السيدات تعرفون هذه الأمور، و ربما كنتم أنفسكم توصون الناس بهذه الأمور، لكننا بدورنا من واجبنا ذكر هذه الأمور، حتى لو كنتم و الحمد لله لا تحتاجون أبداً لأقوالنا هذه، لكن من اللازم أن نذكر هذه الأمور. يجب مراعاة الإنصاف.. الإنصاف حيال صديقكم و زميلكم في المجلس، و الإنصاف حيال الشخص الذي هو خارج المجلس، و الإنصاف في التعامل مع الحكومة، و الإنصاف مقابل السلطة القضائية. يجب عليكم مراعاة الإنصاف.. «و لا يجرمنّكم شنئان قوم على أن لا تعدلوا» (2). أحياناً تكون لنا علاقات سيئة مع شخص، أو لا نرتاح لشخص، و قد يكون وضعنا هذا مبرراً، فلدينا بالتالي أدلتنا و أسبابنا لهذه العلاقة السيئة.. لا نرتاح لشخص معين، و لكن يجب على الإنسان مراعاة الإنصاف تجاه نفس هذا الشخص الذي لا نرتاح له و لدينا أدلتنا و مبرراتنا على عدم ارتياحنا له. قد يكون لشخص نقطة إيجابية حسنة، فلا ننساها بتأثير من نقطة سلبية نحملها عنه في أذهاننا. هذه شيء على جانب كبير من الأهمية. عدم الإنصاف و السلوك غير اللائق و غير المناسب يؤدي إلى ردود أفعال مشابهة لدى الطرف المقابل. نحن بشر ضعفاء على كل حال. إذا تعاملتم معي أنا الإنسان الضعيف بعدم إنصاف، فقد لا يكون لديّ من القدرة و القوة و ضبط النفس بالمقدار و المستوى الكافي، فأقول: لا بأس، إذا كان قد تعامل بعدم إنصاف فليفعل، و سوف أقابله بعدم الإنصاف أيضاً. بهذه الطريقة ينتشر تبادل عدم الإنصاف في المجتمع بدل تبادل الإنصاف و المحبة. لاحظوا أن هذا الأمر له تأثيراته، لأنكم نواب في مجلس الشورى الإسلامي. و إلّا لو كنتم من الأشخاص العاديين في المجتمع لكانت درجة التأثير أقل. حينما نقف على منصة و ينظر الناس لنا فإن سلوكنا سيكون له معنى، و حين نكون ضائعين في السواد الأعظم للناس فإن نفس السلوك سيكون له معنى آخر.
و قضية أخرى ذكرتها دوماً للأعزاء في مجلس الشورى، هي التواصل و التعاطي مع السلطة التنفيذية. حينما نجلس مع السلطة التنفيذية، سواء مع رئيس الجمهورية المحترم، أو مع الوزراء المحترمين، أو مع المنظومة بصورة عامة، نوصيهم بنفس التوصية و هي التواصل مع السلطة التشريعية. و لكل جهة حقوقها. لمجلس الشورى حقوقه ضمن حدود معينة، و للسلطة التنفيذية حقوقها، فالأيدي الفاعلة للفعل لها حقوقها ضمن حدود معينة. يجب على كل طرف مراعاة حدود الطرف الآخر، و ينبغي التواصل بين الجانبين. هذا التواصل أشبه بشارع ذي اتجاهين - الأجانب و المتأثرون بهم يقولون: شارع ذو اتجاهين، و هو كلام و تعبير لا بأس به - يجب التواصل و التعاطي بالاتجاهين و ليس باتجاه واحد. طبعاً رغم كل حسن النيّة الذي يحمله الجانبان تحدث أحياناً حالات من سوء التفاهم - و لا إشكال في ذلك - لكن هذه الحالات من سوء التفاهم لا إشكال فيها ضمن الحدود الطبيعية للعمل و مقتضيات العمل، و يجب أن لا تشتد إلى درجات خلق الكدر و البغضاء. ينبغي الحذر من هذه الأشياء.
أقول لكم إن السلطة التنفيذية في وسط الساحة - سواء هذه الحكومة أو الحكومات الأخرى - و هي التي تتحمّل على عاتقها إنجاز الأعمال، و حمل الأعباء، و العتاب و الملامة تقع عليها، و هي التي تتعرّض للأسئلة و المؤاخذات، لذلك يجب ملاحظة ظروفها. و نوصي السلطة التنفيذية دوماً بمراعاة الحق العظيم الذي قرره القانون لمجلس الشورى الإسلامي و للقوانين عموماً. القانون هو أساس الأمور و هو السكة التي يسير عليها القطار. عليكم أن تتقبلوا جهود مدّ هذه السكة، و عليهم أن يسيروا على هذه السكة. تعاونوا و اعملوا على أن تكون هذه السكة بحيث يستطيع القطار أن يستدير حينما يجب أن يستدير في المنعطفات. السادة شاهدوا قطار الشمال، في بعض المناطق توجد فيه منعطفات حادة، لكن السكة صمّمت بالتالي بالشكل الذي يستطيع القطار أن يسير عليها. يسير القطار من الأسفل إلى أعلى الجبل و يصعد و ينزل و لا تعرض له مشكلة، لأن السكة مصمّمة و مهندسة بصورة صحيحة. لو كانت الإنحناءات بشكل آخر، و لو كانت بنحو لا يستطيع القطار السير عليها لكنا نشاهد دوماً حوادث سقوط القطارات من أعلى الجبل. هذه أمور ينبغي ملاحظتها في تصميم السكك. و أنتم أشبه بمصممي السكك، و الحكومة هي التي تسير على هذه السكك، و يجب أن تعرف قدركم، و لكن يجب أن تعلموا أنتم أيضاً أنه يجب بالتالي السير على هذه السكك. إذن، الجانبان مهمّان في هذه القضية. ذكرنا أن هذه الأمر لا يختصّ بهذه الحكومة، في كل الحكومات، و في عدة دورات من مجلس الشورى الإسلامي و الحكومة، كررتُ مراراً هذه التوصية للجميع. و قد راعى البعض الإنصاف، و أبدى البعض أحياناً عدم اكتراث.
لا شك أن مجلس الشورى الإسلامي على رأس الأمور - كما قال إمامنا الخميني الراحل (رضوان الله تعالى عليه) - و لكن لاحظوا إلى جانب ذلك أن عبارة «المجلس على رأس الأمور» لا تعني أن كل نائب من النواب على رأس الأمور.. المجلس هو على رأس الأمور، و النائب نائب واحد. أي إن النائب المحترم العزيز الذي تجمّع عدد من المواطنين في ناحية من البلاد بشوق و حماس و بعثوه لمجلس الشورى الإسلامي، لا يتصوّر أنه هو على رأس الأمور، لا، المجلس هو على رأس الأمور. هكذا يجب أن ينظر لتعامله و مواقفه.
إذن، لنعد إلى كلامنا الأول.. أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء.. ما يبقى لنا أنا و أنتم و يعمل على استجابة هذا الدعاء: «و لا تهلكني غمّاً حتى تغفر لي و ترحمني و تعرفني الاستجابة في دعائي» (3).. هو أعمالنا في الوقت الحاضر التي يجب أن تكون جادّة و جهادية و بإخلاص و بشعور بالواجب. إذا كان هذا فإن الله سيتجاوز عن بعض الرتوش القليلة و الكثيرة و حالات التسامح و التساهل، لكن المهم أن تنصبّ هممنا على أن ننجز الأعمال إن شاء الله بصورة جيدة و متقنة و من دون لغط و شغب جانبي و بنيّة حسنة و بكل جدّ.
و أذكر نقطة حول الانتخابات. كما أشار رئيس المجلس المحترم فإن الانتخابات كانت مهمة دوماً، و الآن أيضاً لها أهمية بالغة لأسباب معينة. الكل يجب أن يبذلوا مساعيهم لكي تقام هذه الانتخابات إن شاء الله بشكل حماسي و بمشاركة عامة من قبل الشعب. فهذا من شأنه أن يصون البلد و يزيد في اقتداره و أمنه. تواجد الشعب هو الذي يقضي على تهديدات الأعداء. ترون أن بعض الساسة الغربيين و خصوصاً بعض الساسة الأمريكان خلف الكواليس يطلقون تحليلات - بعضها ينشر و ينتقل إلى وسائل الإعلام - فيقولون: نظام الجمهورية الإسلامية لا يتزعزع بسهولة و على المدى القريب. لماذا يقولون هذا؟ لأنهم يجدون أنه نظام يعتمد على الشعب. هذا هو السرّ ليس غير. و إلّا إذا تصوّرنا أنه يوجد على رأس النظام زيد أو عمرو، فهذا ليس بشيء أو أشبه باللاشيء مقابل عظمة تواجد الشعب و مشاركته كدعامة للنظام.
حين يكون الشعب في نظام معين متحدين و متلاحمين و يدعمون النظام و يواكبونه فإن هذا النظام سيحظى بالصيانة و المناعة و الاقتدار و القوة، و لن يكون من الممكن استئصاله، كالشجرة الضاربة بجذورها في أعماق الأرض، لا يمكن استئصالها. هناك أنظمة لديها المال و الإمكانات و تحظى بمباركة و تشجيع الساسة المستعمرين في العالم، لكنها من دون جذور، و هي نفسها تعلم أنها من دون جذور. أما نظام الجمهورية الإسلامية فله جذوره، و جذوره هم الناس و الجماهير. تجمّع الجماهير حول هذا النظام مبعث عزة و بركة للبلد، و بركة للنظام و للشعب نفسه. الشعب هو الذي يساعد كي يكتسب هذا النظام العزة، و هذا بدوره عزة للشعب، و صيانة و أمن للجماهير. و هذا بحدّ ذاته إمكانية لحل كل مشكلات الشعب. يجب معرفة هذا، فهو معادلة عامة. إذن، الانتخابات و هي مظهر مشاركة الشعب يجب أن تقام بنحو حماسي و ملحمي، و يجب أن تنصب كل جهود المسؤولين و هممهم على هذا المعنى.
و لحسن الحظ فإن القوانين الموجودة قوانين جيدة و معقولة. و كما قلنا مراراً لا يوجد أي طريق مسدود. لذلك تشاهدون أنه قد ساد السياق القانوني في هذه الانتخابات و إلى هذه المرحلة التي وصلنا إليها. حينما سألوا المرشحين المحترمين: لو أصدر مجلس صيانة الدستور رأياً معيناً فهل ستسلّمون له؟ قالوا جميعاً: نعم سنسلّم له. و قد سلّموا له و احترموه، و يجب أن نقدم الشكر حقاً لكل هؤلاء المرشحين الذين لم تحرز أهليتهم بنحو من الأنحاء. قالوا إننا سنسلّم لرأي مجلس صيانة الدستور، وعملوا بما قالوا و سلّموا. و هذا دليل على أهمية القانون و أرجحيّته و مؤشر على فاعلية القانون و أنه هو الذي يسود البلاد. قد أكون أنا أو أنت غير راضين عن القانون - هكذا يكون الحال أحياناً - و لكن حين يسلّم المرء للقانون تحلّ الاختلافات و يكون القانون فصل الخطاب. هذه نعمة كبيرة و بركة عظيمة.
و شعبنا و الحمد لله يتحلى بالوعي و اليقظة. لا أريد أن أتملق بطريقة في غير محلها، لكن حقيقة القضية هي أن معرفة شعبنا للقضايا السياسية أعلى من متوسط باقي البلدان في العالم. حسب ما نعرفه عن وضع البلدان - كما تصلنا التقارير و نحصل عليه من المصادر العلنية و غير العلنية - للشعوب حالات مختلفة من الوعي قد تزيد أو تنقص في مختلف البلدان الأوربية و الأمريكية و الآسيوية، و ثمة معدل أو حد وسط لهذا الوعي لدى الشعوب، و وعي شعب إيران و بصيرته في الشؤون السياسية أعلى من المتوسط العالمي. لا نريد أن ندّعي العصمة لكل أبناء الشعب، لكن هذا المستوى مقبول و واقعي، فهم ينظرون و يدققون و هم أصحاب بصيرة و تشخيص. و لحسن الحظ فإن وسائل التشخيص اليوم متوفرة لدى الشعب. مؤسسة الإذاعة و التلفزيون تسجّل البرامج و تبثها و تنشر الكلام و الآراء و تعرض الشخصيات، و بوسع الناس أن ينظروا و يصلوا إلى النتيجة، و قد تكون هذه النتيجة صحيحة و قد لا تكون صحيحة. قد يصل زيد إلى نتيجة و يصل عمرو إلى نتيجة أخرى، و طبعاً فإن إحدى النتائج صحيحة و إحداها خطأ، لكن الله يمنح أجره لكلا النتيجتين و الاختيارين. حين ينظر المرء و يلاحظ و يشخّص و يعمل على أساس تشخيصه لمجرد رضا الله سبحانه و تعالى، فإن الله سيمنح الأجر للإنسان. هذا هو واجبنا - كل أبناء الشعب - أن ننظر و ندقق و نصل إلى نتيجة و نعمل على أساس تلك النتيجة.
طبعاً السادة الذين يظهرون على شاشة التلفاز و يتحدثون كمرشحين، يتحمّلون واجبات ثقيلة. هم أيضاً يجب أن يراقبوا و يدققوا. الكلام الذي يخرج من فم الإنسان يجب أن يكون واقعياً و صميمياً و مستنداً إلى معلومات صحيحة و منطلقاً من لسان صادق مخلص. لا يصحّ أن نقول كل ما يحلو لنا من أجل استرعاء نظر الناس و استجلاب انتباههم. يجب عليهم التدقيق في هذا الجانب. الشيء الذي يعتقد المرشحون أنه صحيح و بوسعهم أن يقوموا به، ليذكروه - سواء على شكل وعود أو على شكل برامج و خطط أو بأيّ عنوان آخر - و ليحاولوا وضع الشعب أمام الواقع، سواء واقع الأوضاع أو حقيقتهم هم أنفسهم. إذا كان هذا فإن الله تعالى سيبارك و يمدّ يد عونه، فالأمور كلها بيده، و كل شيء يرجع للإرادة الإلهية.. «كل إليه راجعون»، «أزمّة الأمور طرّاً بيده / و الكلّ مستمدّة من مدده» (4). إذا عملنا بصدق فإن الإرادة الإلهية ستكون في عوننا. تارة تكون معونتي أن أتولى هذه المسؤولية، و تارة تكون معونتي أن لا أتولى هذه المسؤولية، كلا الحالتين معونة إلهية. إذا عملنا بصدق فإن الله سبحانه و تعالى سوف يعيننا و يمنّ علينا بما هو صلاح و خير. لا يكن الأمر بحيث نخرّب كل الجسور وراءنا من أجل أن يُقبل الناس علينا، و لا نُبقي باقية لكل ما يتعلق بسائر المرشحين و الحقائق القائمة في المجتمع. يجب العمل بصورة صحيحة.
و بالطبع فإن هذا الكلام الذي يقول إن فلاناً و القيادة و أنا العبد الضعيف أميل إلى زيد أو عمرو، هو من قبيل الكلام الذي كان يقال دوماً و لا واقع و لا حقيقة له. و غالب الذين يقولونه يعلمون أنه غير حقيقي و لا صحة له. من أين يعلمون أنني أميل إلى هذا أو ذاك؟ لا أحد يسمع مني ذلك، لا في الماضي و لا في الحاضر، و لا بعد الآن. يحدسون بعض الأشياء، و كلما تمّ الاحتفاظ بهذه الحدسيات و الظنون و الاحتمالات و لم تُقل و لم تُطلق، لكان ذلك أفضل.. فهم لا يعلمون.. أنا لديّ صوت واحد مثل باقي الناس، و قد قلت ذلك قبل أيام في اجتماع الإخوة الطلبة الجامعيين من الحرس الثوري، قلتُ: قد يكون رأيكم شخصاً معيناً، و قد يكون رأيي شخصاً آخر، ما الإشكال في ذلك؟ ترغبون أنتم في شخص و أرغب أنا في شخص آخر، لا إشكال في هذا على الإطلاق. لديكم معرفة معينة بزيد قد لا تكون لديّ أنا، لا مانع من ذلك أبداً. ليس الأمر بحيث كل ما تفهمونه يجب على أنا أيضاً أن أفهمه، أو كل ما أفهمه أنا يجب أن تفهموه أنتم أيضاً، لا، هذه تشخيصات و آراء. الحجّة بيننا و بين الله هو أن نستطيع التشخيص بصورة صحيحة. في الإذاعات الأجنبية و ما تنشره الصحف - و لا ريب أنكم ترون و تسمعون بطبيعة الحال - يروّجون لهذه الأمور و يشيعونها باستمرار انطلاقاً من المقاصد التي لديهم، و يرفعون من حمّى الأجواء. و أهدافهم معلومة. و لسنا نجهل ما هي مقاصدهم من هذه الممارسات. إننا نقوم بأعمالنا و بما يجب علينا، و نحن نعرف و نتقن ما نقوم به. المجتمع الإسلامي و النظام الإسلامي يدرك ما الذي يفعله. النظام الإسلامي يواصل السير في دربه، و الهدف واضح و الطريق نيّر و التدابير مشخصة. النظام يقوم بما يجب عليه، و إذا أراد الآخرون أن يلطموا على رؤوسهم فليلطموا.. لا تأثير لذلك على عمل النظام و أدائه. غير أن الوعي و اليقظة حالة مهمة في هذه المراحل.
أتمنى أن تكون مشيئة الله سبحانه و تعالى لكم و لهذا البلد و لكل واحد من أبناء الشعب الإيراني خيراً، و أن ينزّل بركاته عليكم و علينا و على الجميع، و سيكون غد هذا البلد و هذا الشعب إن شاء الله أفضل من حاضره و أمسه.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

الهوامش:
1 - نهج البلاغة، الحكمة رقم 213 .
2 - سورة المائدة، الآية 8 .
3 - مصباح المجتهد، ج 2 ، ص 562 .
4 - المنظومة للحكيم السبزواري.