بسم الله الرحمن الرحيم
أولاً استمتعنا بالقصائد و الأشعار التي قرأها الأعزاء. بعض هذه القصائد كان جيداً جداً. و بعضها كان جيداً. حين أراجع ذاكرتي يبدو لي أن الأشعار هذه السنة في مستوى أعلى عموماً مما كانت عليه في السنوات السابقة، و هذا يدل على أن مسيرة الشعر في البلاد مستمرة و متقدمة و الحمد لله. و هذا شيء مغتنم و سارّ جداً بالنسبة لنا.
الشعر من أبرز الفنون و أرقاها، و الفنان - سواء كان شاعراً أو فناناً في سائر الحقول الفنية - من الزبدة و النخبة الذين يتحملون المسؤوليات الأثقل تجاه شتى القضايا، و هذا أمر طبيعي. النخبة - سواء النخبة السياسية أو النخبة العلمية أو النخبة الثقافية - يتحمّلون في أي مجال من المجالات مسؤوليات أكبر من مسؤوليات غير النخبة.
طبعاً يجب أخذ المشاعر الإنسانية و البشرية للشاعر بنظر الاعتبار، و ينبغي أخذ اختلاجات الشاعر و همومه أيضاً بنظر الاعتبار، كما يجب أخذ أفكار الشاعر و حكمته بنظر الاعتبار. أي إن كل واحد من هذه الجوانب الثلاثة يحتل جزءاً أو فصلاً من فن الشعر. و لا مكان هنا للعتب، فإذا لم تذكر المشاعر الشاعرية و الأحاسيس العاطفية و المشاعر ذات الصلة بالقضايا الجارية في الحياة الشخصية للشاعر في شعره، فإن الشعر لا يكون قد أنجز كل مهمته. و عليه فجزء من الشعر يتعلق بمشاعر الشاعر و أحاسيسه و عواطفه، و قد تحصل أحياناً بعض حالات الإفراط في هذا المجال، فيُخصّص الشعر كله لهذه المشاعر.
جانب من الجوانب هو هموم الشاعر و اختلاجاته، و هذا ما نشاهده في نتاجات الشعراء. الشعراء أشخاص أصحاب هموم و أحزان غالباً، و هذا لا يختص بزمن معين، فالشعراء في كل الأزمنة - في حدود ما سمحت لي الفرصة و استطعتُ أن أتابع و أعرف و أرى - أصحاب هموم و يتحسّرون على شيء فوق ما هو موجود في حيواتهم. و لا نتحدث هنا عن الحسرة على الجوانب المعنوية، لا، إنما لديهم همومهم و عتابهم من حيث أوضاعهم المادية و مشكلاتهم، و اللوعات و الجراح التي يعانون منها. كل الشعراء لديهم مثل هذه الهموم و الأحزان. وجدت في سيرة شعراء أواخر العهد المغولي أن أحد الشعراء يعاتب و يشكو من كساد سوق الشعر، و أن الناس لا يأبهون للشاعر و لا يهتمون له و أن الوضع لم يكن هكذا في السابق بل كان كيت و كيت. و قد كان هذا في زمن كان فيه الشعراء محترمين و يُمنحون الأموال، و قد يُعطون الذهب أو الفضة بمقدار أوزانهم! القصد أن حالة الشكوى و الهمّ كانت موجودة دوماً. هذه الهموم لها نصيبها و سهمها في شعر الشعراء، و لا مجال للومهم على ذلك. إنني لا ألوم أبداً أي شاعر لأنه ذكر في شعره بعض همومه و شكواه من الزمن. روح الشاعر بالتالي روح حسّاسة و ظريفة. قد تزعجه الأشياء و تؤذيه. و عليه، لا إشكال في هذه الهموم و الشكوى إطلاقاً.
الكثير من أصدقائنا الشعراء المقرّبين و الصميميين كانت لهم مثل هذه الهموم و الشكاوى، و قد كنتُ من المستمعين الجيدين و الصبورين لأشعارهم المليئة بالهموم. و بالتالي، فنحن نعترف رسمياً بهذين الجانبين من الشعر: الجانب المتعلق بالمشاعر، و الجانب المتعلق بالهموم. و لكن ثمة جانب آخر يتعلق بأفكار الشاعر و حكمته. هذا ما يجب عدم الغفلة عنه. لاحظوا سعدي الشيرازي.. هؤلاء هم على كل حال قمم الشعر عندنا. و لسعدي الشيرازي الكثير من هذه التي تسمّونها قصائد شاعرية و عاطفية و عاشقة، و لديه الكثير من الهموم و الأحزان. يلاحظ عليه ذلك في كتابه «بوستان»، و في غزلياته، و في غيرها من الأنماط الشعرية. و لكن لاحظوا حكمة سعدي كيف تمتدّ على كل منجزه الشعري. يمكن اعتبار سعدي الشيرازي حكيماً. هذا هو ما يأخذ أشخاصاً مثل سعدي الشيرازي و حافظ الشيرازي و صائب التبريزي إلى القمة. الحكمة و الأفكار الحكمية و القضايا اللازم أن يتعلمها الناس، فهم هذه الأمور و إدراجها في الشعر و التعبير عنها - و المعارف الدينية و الإنسانية و أسلوب الحياة من أرقاها - من مسؤوليات الشاعر. إنني أوصي الأصدقاء الأعزاء أن لا ينسوا هذا الجانب المهم من الشعر على الإطلاق. و طبعاً كان في القصائد التي قُرئت الليلة نصيب وافر من هذا الجانب.
و تقع على الشاعر أيضاً مسؤوليات تتعلق بقضايا المجتمع و العصر. لقد انطلقت اليوم حركة تاريخية عظيمة من مجتمعنا و راحت تلهم مجاميع بشرية هائلة. و هذه حقيقة واقعة. مواجهة الثورة الإسلامية لنظام الهيمنة الدولي، و الصمود مقابل التعسف و الغطرسة من قبل شعب بقي رازحاً تحت نير التعسف لمدة مائتي عام أو أكثر، و رفع راية الحرية و التحرر في هذا البلد، هذه أمور على جانب كبير من الأهمية، و يجب أن تظهر في قصائد شعرائنا. و كذا الحال بالنسبة لما جاء تبعاً لهذه الحرية. لقد قلت مراراً في هذه الجلسة و جلسات أخرى إن قضية الجهاد العسكري الذي استمر ثمانية أعوام لم يكن بالشيء القليل بل كان حالة مهمة جداً و اعتقد أنه ينبغي الاهتمام به اهتماماً كبيراً في شعرنا. و كذا الحال بالنسبة لجهاد بناء المجتمع الإسلامي، و جهاد تمتين و تقوية بنية الاقتدار الوطني التي شدّدنا عليها مراراً، و جهاد إصلاح أسلوب الحياة - و قد ذكرنا أن هذا هو أصل الحضارة الإسلامية، و ما نناقشه حول غير أسلوب الحياة ينتمي كله للأشكال و الأنماط و المقاييس - كل واحد من هذه الأنماط من الجهاد، و المشاركة فيها عن طريق الشعر، يجب أن يحظى بالاهتمام. و كذا الأمر بالنسبة لقضايا تتعلق بالتاريخ و الزمن. الصحوة الإسلامية اليوم قضية مهمة، و قضية فلسطين قضية مهمة. هذه أمور يجب أن يكون لها نصيبها في شعرنا، و ينبغي أن نتناولها في قصائدنا. على كل حال هذه أمور لها أهميتها.
و لديّ توصية أخرى - سجّلتها هنا - هي الاهتمام بشعر الأطفال و الأحداث الذي ينطوي على مفاهيم الحكمة الإسلامية و الحكمة السياسية، فهذا باعتقادنا من الأمور الضرورية و اللازمة، و الذي يبدو أنه لم ينل حظه الكافي من الاهتمام. شعر الأطفال و كتب الأطفال و الأحداث من الجوانب المهمة التي يجب أن تحظى في الوقت الراهن بالاهتمام. الشعراء الذين يجدون في أنفسهم المقدرة و لهم باعهم الطويل و لغتهم الموحية يجب أن يدرجوا المفاهيم الحكمية، أي الحكمة الإسلامية و الإيرانية، في الشعر الفارسي. يجب تنمية و ترشيد المواهب الشابّة. لدينا الكثير من المواهب بين الشباب، و الشباب أقدر على تقبّل الحقائق و التعبير عنها في نتاجاتهم و قصائدهم.
نشكر الله تعالى و نحمده على أن لغة شعرائنا اليوم لغة بليغة و موحية و تعبّر عن حقائق جيدة. لو أردنا مقارنة الوضع اليوم بما قبل عشرة أعوام مثلاً - حيث كانت نفس هذه الجلسة تتشكل كل سنة في نفس هذه الليلة أو ما يشبهها من الليالي - لوجدنا أن التقدّم إلى الأمام كان بحيث لا يمكن مقارنة هذه الليلة بتلك الليالي. أي إن شعر ثورتنا و شعر شبابنا و شعر الشعراء الأعزاء الملتزمين المسؤولين في إيران، و شعر الرواد، و شعر الذين ينشطون و يمارسون دورهم في مجال تربية الشباب، حقّق في رأيي تقدماً جيداً جداً. و كما قلت فإن أصدقاءنا و شعراءنا الجيدين يتحسّنون دوماً، سواء في مجال الشعر أو على صعيد النقد. أقرأ أحياناً مقالات بعض الأعزاء في النقد الشعري، و للحق أن المرء يجد متعة و فائدة و عمق في هذه المقالات. و ستواصلون هذا الدرب إن شاء الله. نتمنى أن يبارك الله تعالى في أعمالكم الأخرى أيضاً، و تستطيعون إن شاء الله مضاعفة تقدمكم المطرد من أجل الارتقاء المعنوي بالشعر الفارسي. أشكر الأعزاء مرة أخرى.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.