28/08/2013 م
بسم الله الرحمن الرحيم
أرحب بالإخوة الأعزاء و أختنا المحترمة (1) و أبارك أسبوع الحكومة - الذي اقترن مع تشكيل الحكومة الجديدة - لكل الأعزاء و لكم جميعاً و لرئيس الجمهورية المحترم. أسبوع الحكومة مناسبة لكي يبارك المرء و يدعو بالخير و العون لكل العاملين و المدراء و المسؤولين في السلطة التنفيذية، و أنا لا أفوّت هذه الفرصة، و أبارك لكم جميعاً هذا الأسبوع و لكل المدراء و لكل المسؤولين في السلطة التنفيذية على مختلف المستويات ممن يعملون و يقدمون الخدمات و يمارسون الأنشطة المختلفة، و أسأل الله تعالى لهم جميعاً و لكم جميعاً توفيق الخدمة. الجميل في هذه الذكرى السنوية للحكومة أن اسمي الشهيدين الجليلين الخدومين يزيّنان كل الأقوال و الكتابات. إنه لشيء كثير المعاني و عميق المغزى أن تعمل كل الحكومات و رجال كل الحكومات طوال هذه الأعوام المتمادية على جعل ذكرى هذين الشهيدين شعاراً ليوم الحكومة و أسبوعها، و لم يسمحوا لمرور الزمن و تعاقب الأحداث المختلفة بدفع قيمة الشهادة و قيمة الخدمة الصميمية المتواضعة لهذين الرجلين العظيمين إلى مطاوي النسيان.
أرى من الضروري أن أقدم شكري الصميمي لرئيس الجمهورية المحترم على مبادرته السريعة في تسمية الوزراء و تقديمهم لمجلس الشورى الإسلامي. كنت أعلم و أرى إصراره و كنت في قرارة نفسي أثني على هذا الإصرار على تشكيل هيئة الحكومة و الوزراء بأسرع ما يمكن. و لحسن الحظ استطاع و في أول لحظة ممكنة بعد التحليف و من دون تفويت للوقت أن يقدم اقتراحه لمجلس الشورى الإسلامي المحترم. كما أشكر مجلس الشورى المحترم لأنه منح الثقة للوزراء بأصوات جيدة و في بعض الحالات بأصوات عالية جداً، و بذلك بدأت الحكومة و مجلس الشورى الإسلامي العمل. هذا من ناحية دليل على وجود عزيمة للعمل و من ناحية أخرى مؤشر على وجود تناسق و تناغم بين السلطتين، و هاتان النقطتان من النقاط التي أشدّد عليها و اعتبرها في غاية الأهمية و الحساسية، سواء التنسيق و الانسجام بين السلطتين، و الذي عبّر عن نفسه لحسن الحظ في هذه الوهلة الأولى بشكل جيد جداً، و كذلك بخصوص البدء بالعمل الدؤوب غير المنقطع في جميع المجالات و الميادين.
نتمنى أن تستطيع حكومتكم و منظومتكم أن تبرّز نقاط القوة الموجودة فيها و تظهرها، و تغذّوا إن شاء الله هذا الأمل الذي أشار السيد رئيس الجمهورية إلى انبثاقه في قلوب الناس تجاه الأعمال و المشاريع الكبيرة المميّزة و اجتياز الموانع، و مضاعفته في قلوبهم من خلال إبراز نقاط القوة فيكم. و طبعاً مما لا شك فيه أن شخص السيد روحاني من نقاط القوة في هذه المنظومة. إنه شخص ذو سوابق في الثورة و ذو سوابق في الكفاح الثوري و له مواقف جيدة و صحيحة طوال أكثر من ثلاثين عاماً، و قد طرح نفسه للترشيح و تولى اليوم و الحمد لله رئاسة الأجهزة التنفيذية باعتباره رئيساً للجمهورية و موثوقاً به. و يدرك المرء من مجموعة الأمور التي ذكرها و من مجموعة سوابقه التي نعرفها عنه أن هناك عزيمة راسخة لديه و لدى زملائه إن شاء الله لإنجاز الأمور على أفضل وجه و بأصحّ اتجاه. ندعو الله له و لكم أن يوفقكم و تستطيعون إنجاز و أداء الواجبات التي تقع على عاتق الحكومة الجيدة المنشودة.
في هذه الجلسة الأولى معكم أيها الأعزاء نراجع مؤشرات الحكومة التي تعد في هذا الزمن حكومة منشودة محبّذة. طبعاً نحن لا ندّعي بأن حكومتنا حكومة إسلامية بالمعنى الحقيقي و الكامل للكلمة. إنني أنظر لنفسي فأشاهد فيها الكثير من النواقص و نقاط الضعف، و أقارن هذا بأقل ما أهدته لنا المقامات العالية المقدسة المطهرة في صدر الإسلام الأول، فأرى إننا أصغر بكثير من أن نستطيع تشكيل تلك الحكومة المنشودة أو حتى أن نطيقها، و لكن حسب ما يمكن تسميته في زماننا و ظروفنا بالحكومة الإسلامية، ثمة مؤشرات أشير إلى بعضها. و هذه بالطبع ليست بالكلمات الجديدة، و أنتم أنفسكم تعلمونها، لكن تذكّر ما نعلمه مفيد دوماً بالنسبة لنا، و لا ضرر في أن نراجع هذه المؤشرات مرة أخرى.
المؤشر الأول هو المؤشر العقيدي و الأخلاقي - خصوصاً في المسؤولين رفيعي المستوى - إنها السلامة العقيدية و السلامة الأخلاقية و سلامة العمل و الأداء الناجمة عن العقيدة الصحيحة و النظرة الصائبة لحقائق المجتمع. هذا هو المؤشر الأول. إننا و الحمد لله لا نعاني من تشوّش و حيرة بخصوص العقيدة الصحيحة و بالنسبة لما يجب اعتباره حقاً، ففضلاً عن المصادر الإسلامية - و قد يكون لمختلف الأشخاص تصوراتهم المختلفة للمصادر الإسلامية - لدينا مجموعة توجيهات و إرشادات الإمام الخميني الجليل. فنحن جميعاً نؤمن بالإمام الخميني و نقبله و نذعن له. و بين أيدينا مجموعة كلمات الإمام الخميني و مواقفه و توجيهاته. و هذا بحد ذاته مؤشر و بوصلة يجب أن نعتقد به و نعمل على أساسه، و نراجع هذا المؤشر الأصلي في مواطن التشابه و الاختلاف. و ستكون هذه سلامة عقيدية. و هذه هي أصول الثورة و قيمها، و أسس الثورة و مبادئها مودعة مدرجة في هذه الكلمات و التوجيهات. هذه أمور إذا التزمنا بها و انشددنا لها و رسمنا خططنا و برامجنا على أساسها، يلوح أن الأمور و الأعمال ستكون ناجحة و موفقة في المستقبل، و سوف نتقدم إلى الأمام.
من الأمور و الأشياء التي أشدد عليها في إطار العقيدة و النظرة القلبية و الميول الروحية، حالة الثقة بالله تعالى و الثقة بوعوده. هذه من جملة الأمور التي أصرّ على أن لا نقصّر فيها. حين يعدنا الله تعالى بصراحة فيقول: «إن تنصروا الله ينصركم» (2) و «لينصرن الله من ينصره» (3).. عندما يعدنا الله تعالى بكل هذه الصراحة بأنكم إذا نصرتم دينه و اتبعتم سبيله فإنه سينصركم، فيجب أن نثق بهذا الوعد و أن نعمل على أساسه. و قد تكون هذه القضية بعيدة عن ذهن الشخص الذي لم يجرّبها و قد يستبعدها، لكننا أنا و أنتم جرّبناها و شاهدنا كيف أن الأمور غير الممكنة قد تحققت. لم يكن هناك أمر أكثر استحالة و تعذراً من أن ينزل المرء خالي اليدين إلى الشوارع فيستطيع إسقاط نظام مستبد مستكبر معتمد على القوى العظمى في العالم، و يؤسس مكانه نظاماً إسلامياً، و هو نظام لا يتطابق مع المعايير و المقاييس الغربية، بل نظام إسلامي يعتمد على الفقه. من كان يصدّق أن مثل هذا الشيء يمكن تحقيقه عملياً؟ لكنه تحقق هذا الشيء الذي كان مستحيلاً.
قضية الاضطرابات و حالات التمرد في بداية الثورة، و قبل بدء الدفاع المقدس، قضية أخرى. إنها حالات تمرد كانت مدعومة من الخارج - و أنتم تتذكرون - و قد حصلت في شرق البلاد و في غربها و في شمالها و في جنوبها. في أي منطقة لم تكن هناك حالات تمرد قومية و طائفية و ما إلى ذلك؟ أي بلد و أية حكومة فتية ليس لها جيش و ليس لها قوات مسلحة و لا قوى أمن جيدة تستطيع أن تشتبك مع مثل هذه الأزمات و تتغلب عليها؟ لكن الجمهورية الإسلامية تغلبت عليها.
و النموذج الآخر هو الحرب المفروضة و ملحمة الدفاع المقدس. هذا كلام قيل ألف مرة أو آلاف المرات، و لكن يجب أن نتذكر هذه الأمور. الحرب المفروضة لم تكن مجرد حرب حكومة جارة، إنما كانت حرباً دولية ضدنا بكل الوسائل و الإمكانيات. الكل بذلوا جهودهم و مساعيهم و لم يستطيعوا بعد ثمانية أعوام أن يحتلوا شبراً واحداً من بلدنا، فهل هذا بالشيء القليل؟ و كذا الحال بالنسبة لقضايا أخرى متنوعة. هذه بالتالي وعود قد تحققت. «إن تنصروا الله ينصركم» آية قرآنية إذا كان الآخرون قد قرؤها في القرآن فقط فقد جرّبناها نحن في حياتنا. إذن، يجب أن نثق بالله. اعملوا لله أيها السادة، و اجعلوا هدفكم إلهياً، و ثقوا أن الله سيفتح الطريق. هذه المعادلة المتعددة المجاهيل التي ذكرها الدكتور السيد روحاني - التي حين ينظر فيها الإنسان يجد التعارض و التناقض من كل جانب - ترون في بعض الأحيان أن الله تعالى يحلها بعمل صغير. يحدث أن تريدون وضع جسم فوق جسم آخر فتواجهكم عشر مشكلات و موانع، لأن الإنسان الذي يريد أن يقوم بذلك غير مؤهّل و لا يحسن القيام بذلك. و يأتي إنسان ماهر يجيد العمل فيقوم بحركة بسيطة جداً و إذا بالأمر يتمّ و ينجز. بمعنى أنه يمكن افتراض أن كل هذه القضايا و الأمور ممكنة الحل على أساس النظرة الصحيحة العلمية العقلانية - و المعتمدة طبعاً على التوسل إلى الخالق و العناية الإلهية و الأمل و الثقة بالله تعالى - و هذه هي عقيدتي. على كل حال هذا هو أحد المؤشرات: الثقة بالله و الأنس و الاندكاك بالمعنويات. الذي أرجوه منكم - و ربما لا ضرورة لأن أطلب ذلك منكم لأنه تحصيل حاصل - أن تمتّنوا علاقتكم بالقرآن الكريم و لا تقطعوها. أقرأوا حتماً مقداراً من القرآن الكريم في كل يوم. و عزّزوا علاقتكم بالدعاء و التوسل، فهذه الأعمال تقلل الضغوط و ترفع مصاعب العمل و تعيد لكم نشاطكم و حيويتكم و تجعلكم مستعدين جاهزين لمواجهة الموانع و العقبات الكبرى. أي إنها تعيد للإنسان حيويته و فاعليته، و هذا شيء على جانب كبير من الأهمية. و لا تنسوا كذلك النوافل و غيرها من العبادات.
المؤشر الثاني هو خدمة الناس. روح الخدمة هو الخطاب الأصلي للحكومة الإسلامية. بل إن فلسفة وجودنا ليس شيئاً سوى هذا. لقد جئنا لنخدم الناس و يجب أن لا يصرفنا أي شيء عن هذا الواجب. طبعاً لكل واحد منا رغباته و ميوله و ذوقه على الصعد السياسية و الاجتماعية و لنا صداقاتنا و علاقاتنا و عداواتنا، لكن هذه كلها هوامش، أما الأصل فهو الخدمة و تقديم الخدمة للناس. يجب أن لا نسمح لتلك الهوامش بالتأثير السلبي على هذا الأصل. و من النقاط التي يجب الإشارة لها على صعيد هذا المؤشر، أعني مؤشر خدمة الناس، هي أن الوقت محدود. فأربعة أعوام، أو ثمانية أعوام من زاوية نظر أخرى، وقت محدود و يمضي كالومضة الخاطفة. و قد كررت هذا المعنى في هذه الغرفة أو تلك الغرفة مع بعض الأشخاص في الحكومات التي سبقتكم و قد كان بعضكم فيها، و قلت لهم: تذكروا منذ اليوم الأول لمدة حكومتكم أن فترتها تمرّ مرور الومض الخاطف. حين ينظر المرء لأربعة أعوام مضت وراءه يجد و كأنها كانت يوماً واحداً - تمرّ مرّ السحاب - (4) و لكن في حدود هذا الوقت المحدود القليل هناك ما لا نهاية له من الفرص. بمعنى أن كل ساعة من ساعاتكم تمثل فرصة لكم. و كل حدث يقع لكم هو بمثابة الفرصة لكم. و كل فكرة تخطر ببالكم و كل إبداع أو ابتكار يعنّ لكم إنما هو فرصة أمامكم. فلا تفوّتوا هذه الفرص.
و النقطة الثانية في إطار مؤشر الخدمة هي أن تجعلوا العمل عملاً جهادياً. و الجهادي هنا لا يعني العمل غير القانوني. إنكم تعلمون أيها الأعزاء الذين عملنا مع البعض منكم لسنوات طويلة - تعاونّا و تزاملنا مع الكثير منكم أيها الإخوة في مجالات مختلفة - و تعلمون روحيّتي و ميولي، إنني لست ممن يدعو إلى تجاوز القوانين، بل أنا معارض أشد المعارضة لتجاوز القوانين، و لكنني اعتقد أنه في إطار القانون يمكن العمل بشكلين: أحدهما العمل الإداري المقرّر العادي، و الثاني العمل الجهادي. العمل الجهادي معناه تجاوز العقبات و الموانع و تذليلها، و عدم مشاهدة الموانع الصغيرة على أنها كبيرة، و عدم نسيان المبادئ و المطامح، و عدم نسيان الاتجاه، و التشوّق للعمل.. هذا هو العمل الجهادي. يجب القيام بالأعمال على نحو جهادي حتى تتم خدمة الناس على صورة جيدة إن شاء الله.
و المؤشر الثالث هو قضية العدالة. لقد قلت مراراً - في الجلسات الخاصة مع بعضكم طوال هذه الأعوام - إنني لا أؤمن بالتقدم من دون العدالة. لقد أطلقنا على هذا العقد اسم «عقد التقدم و العدالة». و التقدم من دون العدالة ستكون نتيجته ما تشاهدونه في الحضارة الغربية الشديدة البريق في الوقت الراهن. لم يكن هناك من يتصوّر الثروة و القدرة و العلم و التقنية أكثر مما لديهم في هذه الحقبة. إنهم يمتلكون الحد الأقصى من هذه الأشياء. و لكن في الوقت نفسه تلاحظون أنهم يفتقرون للعدالة. و قد نراهم يتشدقون كثيراً في ما يخص العدالة القضائية و في الإعلام السينمائي و القصص و الروايات و ما إلى ذلك - و هو كذب في الغالب، أي ثمانون بالمائة منه كذب، و المعلومات التي يكسبها المرء حول وضعهم القضائي تشي بأن هذا الإعلام غير صحيح - و لكن الأمر واضح جداً على الصعيد الاقتصادي. ثمة أناس يموتون من الجوع، و هناك أشخاص يموتون في البرد بدرجة عشرة تحت الصفر مثلاً في البلد الفلاني، أو يموتون من حرارة أربعين فوق الصفر! لماذا يموت الإنسان في درجة حرارة أربعين؟ أليس لأنه لا مأوى له و لا بيت و لأنه مرمي على الرصيف، و لا يصله الماء في جوّ تبلغ حرارته أربعين درجة، فيموت؟ و من ناحية أخرى توجد ثروات هائلة متراكمة أسطورية في الغرب اليوم. هذا معناه غياب العدالة، و هذا شيء لا نريده، و الإسلام لا يريده لنا. إننا بحاجة إلى التقدم، التقدم بالمعنى الذي يسمّونه في الأدبيات الغربية اليوم بالتنمية، و نسمّيه نحن تقدماً. هذا التقدم يجب أن يكون بالضرورة مصحوباً بالعدالة. و أنتم تلاحظون في القرآن الكريم أن كل حالات بعث الرسل و إنزال الكتب و ما إلى ذلك «ليقوم الناس بالقسط» (5). من أجل أن يعيش المجتمع على أساس القسط. إذن، هذا أيضاً مؤشر آخر يجب أن نتذكره و نستحضره دوماً.
المؤشر الآخر و هو الرابع يتمثل في النزاهة الاقتصادية و مكافحة الفساد. المناصب الحكومية موضع للسلطة و القوة و المصادر المالية. الوساوس هنا لا تترك الإنسان يستريح. و لا تنظروا لأنفسكم فأنتم متديّنون و مستوياتكم عالية و تستطيعون المقاومة حيال هذه الوساوس. أما في الدرجات الأدنى فقد لا يستطيعون المقاومة حيال هذه الوساوس و النزوات. يجب أن تراقبوا و تحذروا و تفتحو أعينكم البصيرة الثاقبة على كل الجهاز أو المؤسسة الخاضعة لإشرافكم و إدارتكم، فلا تسمحوا لوقوع عدم نزاهة اقتصادية في زاوية من الزوايا، و أن تفعل هذه الوساوس فعلها. حتى قبل أن تتدخل الإجهزة الإشرافية في الأمر، و لدينا بالتالي أجهزة إشراف و رقابية في البلاد، و عليها واجباتها، سواء ما يتعلق بمجلس الشورى الإسلامي، أو ما يتعلق بالسلطة القضائية، أو ما يتعلق بالسلطة التنفيذية نفسها - نظير تفتيشات السلطة التنفيذية - و لكن قبل أن يصل الدور لهذه الأجهزة المختصة بالتفتيش و المراقبة، ليراقب مدير المؤسسة بنفسه سلامتها و نزاهتها، و هذا بحاجة للنظر و التدقيق الدائم، لذا يجب عدم الغفلة. إنني أحياناً أسوق مثالاً للأعزاء و المدراء الذين اجتمع بهم و أتحدث إليهم فأقول مثل البروجتكر الكاشف القوي الذي شاهدتموه ينصب في بعض القلاع و يتحرك باستمرار و على مدار الساعة، كذلك أضواء نظراتكم و تدقيقكم يجب أن تسطع و تتحرك باستمرار، فلا تكن هناك أية ثغرات للتغلغل. يجب أن ننظر دوماً و نراقب. الحق أن الفساد كالأرضة، فلا تسمحوا للفساد و الرشوة و الوساطات و الإسراف و البهجرة و الإنفاقات الزائدة و ما إلى ذلك بالتغلغل إلى مؤسساتكم. جانب من هذا العلاج الذي أشار الدكتور السيد روحاني له في مضمار الشؤون الاقتصادية، يمكن تأمينه بهذا الاقتصاد و مكافحة الفساد. أحياناً تحصل حالات من الإنفاق الزائدة و غير الضرورية - و الكلام هنا عن الإنفاقات الزائدة و التي قد لا تكون محرّمة، و ربما كانت الأشياء الزائدة محرمة بمعنى من المعاني، لكنها على كل حال ليست محرمة بصراحة، إلّا أنها إنفاقات زائدة - و هذا ما يجب الحؤول دونه، و يمكن عن هذا الطريق القيام بالكثير من الأعمال الكبيرة . الحقيقة أن معظم العاملين في الأجهزة التنفيذية أناس مخلصون مجدّون دؤوبون طاهرون نزيهون، و لكن حين تكون هناك حالة واحدة أو حالتان أو عشر حالات من الأشخاص غير النزيهين في مؤسسة معينة، فإنهم سينشطون هناك كالأرضة و يضيّعون خدمات و جهود أولئك المخلصين المثابرين، و يشوّهون سمعتهم و تذهب كل جهودهم أدراج الرياح. الفساد يقضي على أجواء الطمأنينة و الثقة.
المؤشر الآخر هو النزعة القانونية و الالتزام بالقانون. القانون هو السكة الحديدية التي يجب السير عليها و عدم الخروج عنها. إذا خرجنا عن هذه السكة فسيكون الأضرار و الإصابة حتمية. قد يكون القانون ناقصاً أحياناً، و قد يكون فيه عيب أحياناً أخرى، بيد أن هذا القانون المعيب إذا لم يعمل به - مما يؤدي إلى الفوضى و الهرج و المرج - سيكون ضرر عدم العمل به أكبر من ضرر العمل به. هذا شيء يجب تكريسه و مأسسته. ينبغي تكريس هذا المفهوم في مجموعة مؤسسات البلاد و أجهزتها. و من جملة عمليات مراعاة القانون مراعاة الوثائق الفوقية الأمّ و المتوفرة في البلاد اليوم لحسن الحظ، نظير السياسات العامة للنظام، و ميثاق الأفق العشريني، و قرارات المجالس العليا، مثل المجلس الأعلى للثورة الثقافية، و المجلس الأعلى للفضاء المجازي (السايبري)، و قد تحدثت بالأمس أو قبل أمس عن هذا باختصار مع السيد الدكتور روحاني، و سوف أتحدث أكثر، فللمجلس الأعلى للفضاء المجازي (السايبري) - و قد اجتمعنا في هذه الغرفة لأربع جلسات استمرت كل واحدة منها ثلاث أو أربع ساعات بحضور رؤساء السلطات الثلاث و مجموعة من القوى و تشكل هذا المجلس و يمثل قضية على جانب كبير من الأهمية - قراراته، و ينبغي أن ينظروا بعين الاعتبار لهذه القرارات و يعملوا طبقاً لها. إذا تم تكريس النزعة القانونية و الالتزام بالقانون، فلا مراء في أن الكثير من الآفات و السلبيات سترتفع.
من جملة الأمور التي من المناسب أن أنوّه بها هنا في إطار السياسات العامة، السياسة العامة المتعلقة بتحوّل النظام الإداري و التي تمت المصادقة عليها و تبليغها. إننا حقاً نعاني من مشكلات و آفات مزمنة في مضمار القضايا الإدارية و النظام الإداري. و قد طرحت هذه السياسات و تمت دراستها في مجمع تشخيص مصلحة النظام، و جرى تبليغها، و اعتقد أنها سياسات جيدة جداً. يجب وضع برامج تنفيذية لها و تطبيقها عملياً، فهي من الأمور المهمة جداً التي لم يجر للأسف الاهتمام بها و تأخّرت و بقيت غير مطبقة.
مؤشر آخر هو الحكمة و العقلانية في الأعمال، و العمل الخبروي و العملي و الدراسة الصحيحة و ملاحظة جوانب و آثار و تبعات العمل و الخطوة التي يراد اتخاذها، و أحياناً ملاحظة تبعات حتى التصريح الشفهي. أحياناً يكون للتصريح الذي يدلي به مسؤول ذو موقع أو ذو منبر تأثيرات سيئة، لو أراد الإنسان محوها فيجب عليه العمل كثيراً. و الأمر هنا أشبه بإلقاء حجر في بئر يعجز العقلاء عن إخراجه و معالجة المسألة. يجب التصريح بصورة مدروسة و ناضجة. لا يكون الأمر بحيث إذا كنا مسؤولين أو مدراء و خطر ببالنا شيء لم تجر دراسته و فحصه و ملاحظة جوانبه المختلفة، يجب أن لا نقذف به في أجواء الرأي العام، لأن معالجته في بعض الأحيان تكون صعبة و عسيرة. هذه هي العقلانية و الحكمة في الإدارة و العمل. و من جملة فروع هذه الحكمة الانتفاع من الإمكانيات العالية جداً للخبراء و المتخصصين في شؤون البلاد، و لحسن الحظ لدينا في الوقت الحاضر إمكانيات جيدة جداً من حيث الخبراء و التخصّص. للحق أنه حيث ينظر المرء يجد أن إمكانيات البلاد في القطاعات المختلفة عالية، و إذا انتفعنا من هذه الإمكانيات و هذه الطاقات الجمّة التي تربّت و تخرّجت بعد الثورة و دخلت حيّز العمل و الخدمة، فسنربح حتماً و بلا ريب.
و نذكر مؤشراً آخر، و لا أريد متابعة هذا الجانب أكثر من هذا المقدار، إنه الاعتماد على الإمكانيات الذاتية للبلاد. لا تتسمّر أعيننا على الخارج. هذا هو ما نوصي به. ليس معنى هذا أن لا نستفيد من الإمكانيات الموجودة في الخارج.. يجب أن لا يختلط هذان المعنيان. لا نعقد الآمال على ما هو خارج الإمكانيات الداخلية للبلاد. ثمة في خارج منظومة البلاد و نظام الجمهورية الإسلامية جبهة كبيرة حاولت منذ أكثر من ثلاثين عاماً و إلى الآن أن لا تسمح لهذه الثورة بالتجذر و لا لنظام الجمهورية الإسلامية بالاستقرار، أو التقدم، أو تحوله إلى نموذج في المجالات و الأصعدة المختلفة. لا يمكن توقع الصداقة و المحبة و الصميمية من العدو و أساليبه العدوانية. لا نقول: لا تنتفعوا منهم، و لكن نقول لا تثقوا بهم و لا تطمئنوا إليهم، و لا تنظروا لهم بل انظروا للداخل. ثمة في داخل البلاد الكثير من الإمكانيات، و إذا ركزنا أنظارنا عليها سواء على الصعد الاقتصادية أو الثقافية أو غيرها من الصعد و المجالات، و إذا استطعنا الاستفادة و الانتفاع من هذه الطاقات الداخلية، لكان فيها مفتاح حل المشكلات. في داخل البلاد إمكانيات و طاقات و قدرات يمكن الانتفاع منها بشكل عقلاني حكيم. يجب معرفة هذه الطاقات و تشخيصها. و هذا ما يرفع رتبتنا و مكانتنا في العالم. مكانة كل بلد في العلاقات الدولية بمقدار قدراته الداخلية، كلما كان اقتداره و مؤهلاته الداخلية أكثر كان نصيبه في العلاقات الدولية أكبر. يجب أن نؤمّن هذا الاقتدار و الطاقات، و هو ما حصل و الحمد لله طوال هذه الأعوام الماضية و على نحو تدريجي، حيث ارتفع مستوى اقتدار النظام و متانته باستمرار على مدى هذه الأعوام، لذلك ترون أن مكانة الجمهورية الإسلامية و حيثيتها قد ازدادت هي الأخرى، و الشواهد على ذلك كثيرة جداً. كانت هذه هي المؤشرات الست أو السبع التي أردت ذكرها، و قد أشرنا طبعاً إلى أنها ليست بالحقائق الجديدة عليكم، إلّا أنه من اللازم التذكير والتكرار.
و أذكر نقطتين أو ثلاث نقاط أخرى.. يجب أن نراعي الأولويات. لقد استلمتم العمل لتوّكم، و إمكانياتكم ليست لانهائية، و هممكم ليست غير محدودة، و وقتكم ليس بدون حدود، يجب أن تنظروا ما هي الأولويات. يجب متابعة كل الأعمال و الأمور، و لا يمكن تعطيل بعض الأمور و تأخيرها إلى أن تتم أعمال أخرى، و لكن يجب أن تشخّصوا الأولويات و ما يسترعي النظرات الأساسية. اعتقد أن هناك مسألتين تستدعي أن نركّز عليها أنظارنا و اهتمامنا: الأول مسألة الاقتصاد و الثانية مسألة العلم. الاقتصاد و العلم. هاتان المسألتان اعتقد أنهما يجب أن يكونا في الوقت الحاضر على رأس الأولويات، بالنسبة لكم أنتم بوصفكم السلطة التنفيذية، و بالنسبة للسلطات و المؤسسات الأخرى.
على الصعيد الاقتصادي توجد في الظرف الراهن و لحسن الحظ الكثير من البنى التحتية التي لم تكن موجودة قبل سنوات. خلال هذه الأعوام العشرة أو الإثني عشر الأخيرة تم إنشاء الكثير من البنى التحتية في البلاد التي يمكن الاستفادة منها. الشيء الضروري بالدرجة الأولى على الصعيد الاقتصادي هو الاستقرار و الهدوء و إخفات التلاطم و الاضطرابات الاقتصادية. أي إن هذا التلاطم الموجود، سواء في أذهان الناس، أو في السوق، تجب معالجته عن طريق التدبير، و هذا يعود قبل كل شيء إلى سياساتكم و تصريحاتكم و بعض خطواتكم السريعة. و من القضايا أيضاً قضية احتواء التضخّم، و منها أيضاً تأمين الاحتياجات الأساسية لأبناء الشعب. هذه هي الأمور ذات الأولوية التي ينبغي الاهتمام بها قبل غيرها. و هناك أيضاً تنشيط الإنتاج الوطني. هذه من القضايا الأساسية في اقتصادنا، و يجب الاهتمام بها. طبعاً هناك مشكلات، و قد ذكر السيد الدكتور روحاني بعض هذه المشكلات أو الكثير منها. و نحن على معرفة و علم بدرجات معينة بهذه المشكلات، و نعلم أنها موجودة، و يجب أن تنظروا لتروا كيف يمكن التخلص من هذه المشكلات، و إذا استطعتم إن شاء الله أن توفروا هذا الهدوء و الاستقرار في المجال الاقتصادي، و تحتووا التضخم و تنشّطوا الإنتاج، فسيكون هذا بداية للملحمة الاقتصادية التي طرحناها في بداية العالم و طالبنا بها من كل الشعب و من مجموعة المسؤولين. و بطبيعة الحال فإن الملحمة الاقتصادية ليست عملية ستة أشهر أو سنة أو سنتين، بل لا بدّ لها من حركة طويلة الأمد. و لا أحد يتوقع من الحكومة الحالية، لا الشعب، و لا نحن، و لا أي إنسان منصف، أن تعالج كل هذه المشكلات خلال فترة قصيرة، لا، المتوقع هو التحرك و العمل باتجاه حل المشكلات، و أن يشعر الناس بأن هناك تحركاً نحو حل المشكلات على أساس نظرة حكيمة مدبّرة. و ثمة على صعيد الشؤون الاقتصادية الكثير من النقاط لا مجال هنا لطرحها.
و أريد الإشارة إلى قضية الاقتصاد المقاوم. لقد تم تدوين مباني الاقتصاد المقاوم و مجموعة سياسات الاقتصاد المقاوم، و تم إرسالها للتشاور و الدراسة في مجمع تشخيص مصلحة النظام، و هم يدرسونها هناك. الاقتصاد المقاوم لا يعني التقشف، و لا يعني أن نتقوقع على أنفسنا، بل له معنى أعمق و أكثر عقلانية بكثير يمكن فهمه و الدفاع عنه، و هذا هو العلاج. يجب أن نستطيع إيجاد اقتصاد في البلاد يكون مقاوماً منيعاً حيال الأزمات و التقلبات الدولية. هذا شيء لازم و واجب. طبعاً له شروطه، و سوف يأتي المشروع من مجمع تشخيص مصلحة النظام إن شاء الله، و ما أحسن أن يؤكد هناك السيد الدكتور روحاني، و هو عضو في المجمع، على إنجاز هذا المشروع بأسرع ما يمكن إن شاء الله.
و على صعيد العلم.. لاحظوا أننا سرنا منذ نحو عشرة أعوام أو أحد عشر عاماً و إلى الآن مسيرة متسارعة في مجال العلوم المختلفة. انطلقت حركة جيدة و كما أرى و كما تشير التقارير فإن هذه الحركة متصاعدة و متسارعة يوماً بعد يوم. منذ اليوم الأول الذي طرحنا فيه قضية الاستغناء العلمي و تحطيم حدود العلم و النهضة البرمجية، لم أكن حتى أنا أصدق بوجود كل هذه الإمكانيات و الاستيعاب للتقدم و السرعة العالية في التطور، ثم شاهدنا فجأة أن الإنجازات تتدفق من هنا و هناك كالينبوع. لاحظوا الآن أن مراكزنا البحثية و متنزّهاتنا العلمية - التقنية و جامعات إيران تتدفق كلها على مختلف المجالات و الصعد، و هذا ما يجب أن يستمر و لا يتوقف. و على المستوى الاقتصادي فإن هذا بدوره ما يمكن أن يساعدنا مساعدة أساسية، أي إننا إذا استطعنا التقدم بالأعمال و المشاريع العلمية و جعل العلوم مشاريع اقتصادية - و سوف أشير لهذه النقطة - فمن المتيقن أن ذلك أنفع و أجدى لنا بكثير على الصعيد الاقتصادي من بيع النفط و بيع الخامات التي نبيعها الآن.
في شهر رمضان من هذا العام - و لا أتذكّر هل كان ذلك في اللقاء بأساتذة الجامعات أو الطلبة الجامعيين، في واحد من هذين اللقائين - ألقى أحد الحضور كلمة، و عرّف عنصراً أو منتجاً عائداته على البلاد أضعاف - و لأنني لا أتذكّر الآن الرقم للأسف لا أستطيع أن أقوله، و قد سجّلته بالطبع - عائدات بيع النفط مثلاً أو الغاز، بحيث لو عملنا على ذلك المنتج، و هو منتج له زبائنه في العالم و هم راغبون فيه، و ليس فيه مشكلات إنتاج، لاستطعنا أن نحقق كذا و كذا من العائدات و الدخول. النتيجة هي أن من مفاتيح حل المشكلات و المعضلات الاقتصادية كامنة في التوكؤ و الاعتماد على العلم.
في مضمار العلم يجب أن نستطيع أولاً عدم السماح لهذه الحركة العلمية المتسارعة بالتباطؤ مطلقاً. خصوصاً الحكومة يجب أن تهتم لهذا الأمر اهتماماً جدياً. ذكرتُ أن هذا من الأولويتين الأوليين في برامج البلاد. بمعنى أنه يجب العمل بنحو خاص على قضية التقدم العلمي. طبعاً المسؤول بالدرجة الأولى عن قضية التقدم العلمي هما وزارتا العلوم و الصحة، لكن وزارات الصناعة و الزراعة و حتى الوزارات الخدمية تستطيع كلها المساعدة على هذا الصعيد و يجب عليها المساعدة، أي إن التعاون بين الجامعات و المراكز العلمية و البحثية و الأجهزة الخدمية - مثل وزارات الصناعة و الطرق و النفط و الزراعة، هذه الوزارات المختلفة ذات الصلة بالقضايا و الشؤون التقنية - هذه الأجهزة تستطيع حقاً أن تعمل على استقطاب الجوهر العلمي الموجود في مراكز البحث و العلوم، و أن تحضّ هذه المراكز على العمل و التحرك و الإنتاج. هناك نقطتان بخصوص القضايا العلمية: النقطة الأولى استكمال سلسلة العلم و التقنية، بمعنى أننا يجب أن نستكمل هذه السلسلة من الأفكار إلى العلوم إلى التقنيات إلى الإنتاج إلى السوق و التسويق. و إلّا إذا قمنا بالعمل البحثي و وصلنا إلى التقنيات، لكن الإنتاج لم يتحول إلى إنتاج وفير مثلاً، أو لم ترصد له الأسواق مثلاً، فإن السلسلة ستبقى غير مكتملة. ينبغي النظر و الاهتمام لكل هذه الأمور و العناصر و الحلقات و متابعة سلسلة العمل العلمي إلى مراحل الإنتاج و التسويق. أي إن الأنظار يجب أن تتركز على كل مراحل هذه السلسلة. هذه نقطة. و النقطة الأخرى هي الشركات العلمية المحور. من حسن الحظ أن الشركات العلمية المحور تشكلت حالياً بأعداد جيدة و هي موجودة و تعمل. اهتموا ما استطعتم بالشركات العلمية المحور.
طيّب، لقد طال بنا الكلام. لدينا الكثير من الكلام أيضاً عن الثقافة و السياسة الخارجية، يجب أن نطرحه إن شاء الله مع المختصين بهذه الشؤون. و قد ذكر السيد الدكتور روحاني آراء جيدة بشأن السياسة الخارجية. و قد سمعت مقابلة للسيد ظريف (6) و كان المقدار الذي سمعته منها جيداً جداً. من الضروري فهم أسس العزة و الحكمة و المصلحة. يجب أن نفهم شعارات العزة و الحكمة و المصلحة بصورة صحيحة، و إذا استطعنا تطبيقها فإن سياستنا الخارجية ستكون ما تحتاج إليه البلاد و ما يناسب نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية. و ثمة الكثير من الكلام حول الثقافة.
و أشير أيضاً لقضايا المنطقة. كما قال السيد الدكتور روحاني فإن المنطقة منطقة حساسة، و تمرّ هذه الفترة بأيام عصيبة مأزومة في الواقع. في ما يخص تطورات مصر، نحن لا نرغب أبداً بالتدخل في الشؤون الداخلية لمصر، لكننا لا نستطيع غضّ أنظارنا عن التقتيل الذي يتعرض له شعب مصر. إننا ندين هذه المذابح، أيّاً كان الفاعل. إطلاق النار بهذه الصورة على الناس - الناس العزّل الذين لا يحملون أي سلاح، تارة يكون الناس مسلحون و يقاتلون حكومة معينة، و في مثل هذه الحالة سيكون لتلك الحكومة ذريعة معينة - و إسقاط المئات و على رواية أخرى الآلآف بتلك الطريقة، فهذا شيء مدان بالمطلق. في ما يتعلق بمصر نعتقد أنه ينبغي تجنّب الحرب الداخلية بكل شدة. و قد قلت في يوم عيد الفطر بأن من همومنا و من حسراتنا و آلامنا أن تقع في مصر لا سمح الله حرب بالمعنى الحقيقي للكلمة بين الجماعات المختلفة، و هذا ما سيكون فاجعة للعالم الإسلامي و للمنطقة. و ينبغي أن يكون الهدف العودة للديمقراطية و أصوات الشعب. بعد سنوات من حكم الاستكبار و الاستبداد على مصر، استطاع الشعب بفضل الصحوة الإسلامية أن يقوم بانتخابات صحيحة، و لا يمكن لهذا السياق أن يتوقف و يعود إلى الوراء.
و في إطار القضية السورية، هدّدت أمريكا و قالت إننا نريد التدخل، و سيكون هذا يقيناً فاجعة للمنطقة، و لا شك أن الأمريكان سيتضررون من هذا الشيء. هذا ما يجب أن يعلموه، سوف يتضررون بالتأكيد، كما تضرروا في العراق، و كما تضرروا في أفغانستان. سيكون هذا أيضاً ضرراً آخر عليهم. تدخل القوى الخارجية و البعيدة عن المنطقة في بلد - سواء كان سورية أو غير سورية - لا معنى له سوى تأجيج الحروب و طلب المعارك، و مضاعفة كراهية الشعوب لهم، و إسقاط سمعتهم أكثر في المنطقة، فضلاً عن أن هذا التدخل ليس له أي مستقبل واضح. المنطقة حقاً أشبه بمخزن بارود إذا قدحت فيه أية شرارة من هذا القبيل لا يعلم المرء ماذا ستكون الأبعاد. نتمنى أن يقي الله تعالى هذه المنطقة شرور أمريكا و الصهيونية و ذوي الطويّة السيئة، و أن يحفظ بلادنا و شعبنا و حكومتنا و رئيس جمهوريتنا في ظل حمايته و رعايته، لتستطيعوا إن شاء الله العمل بواجباتكم.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

الهوامش:
1 - المعاونة الحقوقية لرئيس الجمهورية السيدة إلهام أمين زاده.
2 - سورة محمد، شطر من الآية 7 .
3 - سورة الحج، شطر من الآية 40 .
4 - نهج البلاغة، الحكمة رقم 21 .
5 - سورة الحديد، شطر من الآية 25 .
6 - محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني.