بسم الله الرحمن الرحيم (1)

الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا و نبينا أبي القاسم المصطفى محمد، و على آله الطيبين الطاهرين المعصومين، سيما بقية الله في الأرضين، و على صحبه المنتجبين.
نبارك عيد الفطر السعيد لكم أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء الحاضرون، و خصوصاً للمسؤولين المحترمين و كذلك الضيوف، أيْ سفراء البلدان الإسلامية المحترمين. كما نبارك لكل الشعب الإيراني و لكل المسلمين في العالم، و نتمنى أن يجعل الله تعالى - كما قرأنا في هذا الدعاء «اَلَّذي جَعَلتَهُ لِلمُسلِمينَ عيداً» (2) - هذا اليوم عيداً لكل المسلمين. و الوضع ليس كذلك اليوم للأسف.
المشكلات في العالم الإسلامي اليوم كثيرة جداً. لقد شدد الإسلام كل هذا التشديد على وحدة المسلمين و تلاحمهم و إخوتهم، حتى في خصوص الاعتصام بحبل الله، يمكن للمسلمين أن يعتصموا بحبل الله كل واحد بشكل منفصل عن الآخر، لكن الإسلام لا يوصي بهذا، «وَ اعتَصِموا بِحَبلِ اللهِ جَميعًا» (3)، تمسّكوا بحبل الله كلكم سوية جميعاً، و كونوا مع بعضكم. مع كل هذه التوصيات و هذا التأكيد لكننا نحن المسلمين اليوم لا نعمل للأسف بما أمر به الإسلام، و نتيجة ذلك ما تلاحظونه. أريد أن أطلب من كل واحد من المسلمين و خصوصاً العلماء و المثقفين و مسؤولي الحكومات و السياسيين و النخبة في كل البلدان أن يروا و يشاهدوا اليد الخائنة لأعداء الأمة الإسلامية في هذه التفرقة. ليست هذه التفرقة طبيعية، بل هي مفروضة جداً، و تفرقة تلقينية. يمكن للمسلمين بشكل طبيعي أن يعيشوا بعضهم إلى جانب بعض، و قد أثبتت التجارب أنه عندما لم تكن هناك وساوس العدو و حيله و خبثه، عاش المسلمون بعضهم مع بعض. لقد شاهدنا هذا في بلادنا، و شاهدناه في العراق، و في البلدان الإسلامية الأخرى.
يحقنون العالم الإسلامي بهذه التفرقة، لماذا؟ لأن مصالح القوى الكبرى في هذه التفرقة. لا يريدون للأمة الإسلامية أن تكون متلاحمة، لا يريدون لهذه القوة العظيمة أن تنهض و تفصح عن نفسها في أفق القوى الكبرى، لا يريدون. إذا كانت الأمة الإسلامية متلاحمة و متوحدة، و إذا شددت على المشتركات فيما بينها، ستكون بلا شك قوة فذة في طيف السياسة العالمية، بهذا العدد الهائل من السكان، و بهذه البلدان في المناطق الحساسة من العالم، و بهذه المصادر و الاحتياطيات الجوفية، و بهذه الثروات الطبيعية، و بما لها من ثروة في الطاقات الإنسانية. إذا كنا متحدين فسوف تعمّ مثل هذه الظاهرة العالم. لا يريدون حصول هذا الشيء. زرعوا الكيان الصهيوني في هذه المنطقة من أجل بث الخلافات و النزاعات و لإشغال بلدان المنطقة بداخلها.
لقد قاومت الشعوب الكيان الصهيوني، أي إنها لم تستسلم، تنبّهوا لهذه النقطة. طوال عشرات الأعوام التي زاد فيها الكيان الصهيوني من قوته المادية في هذه المنطقة بدعم و مساعدة من بريطانيا ثم أمريكا، في هذه المدة مالت بعض الحكومات الضعيفة و بعض الأشخاص غير الصالحين في الحكومات المسلمة إلى الصهاينة. الكثير من الحكومات المسلمة و بعض ساسة العالم الإسلامي - و منهم النظام المشؤوم السابق في بلادنا و آخرون - كانوا قد أقاموا علاقات مع الصهاينة الغاصبين المعتدين القتلة التوسعيين الذين رفعوا شعار «من النيل إلى الفرات»، و تجاهلوا عدوانها بالكامل، لكن الشعوب ليست كذلك، لا تزال الشعوب تشعر في قرارتها بالكراهية للصهاينة الغاصبين و الحكومة الصهيونية. لم تكن الشعوب في هذا المضمار تابعة للحكومات، و بالطبع فقد كان هذا الشيء ثقيلاً على الحكومات التابعة لأمريكا و الصديقة و المتحالفة مع الكيان الصهيوني.
فكروا في أن يهدموا هذا الشيء، و أن يصرفوا الشعوب عن مناهضة الصهيونية، فماذا فعلوا؟ أطلقوا هذه الحروب الداخلية، هذه الحروب السنية الشيعية، و صُنعت هذه المنظمات المجرمة مثل القاعدة و داعش، من أجل أن يجعلونا نتنازع بعضنا مع بعض، و لكي تقف الشعوب بعضها بوجه بعض. هذا عن أيديهم المعتدية الخائنة.
اعترف بعض الأمريكيين في كتب مذكراتهم بأنهم كان لهم دور في إيجاد داعش و تطويرها و تكريسها (4) و لا زالوا يدعمونها إلى الآن. و ظهر الآن التحالف ضد داعش. طبعاً أنا لا أصدق بأنه تحالف ضد داعش، و لكن لنفترض أن مثل هذا الشيء موجود ضد هذه الجماعة، فهل هي داعش وحدها؟ هناك جماعات متعددة تعمل بالثروات السهلة بأسماء مختلفة في أنحاء البلدان الإسلامية و تشيع الإرهاب و تقوم بالتفجيرات، و يقتلون البشر و يفجرون الأبرياء في الأزقة و الأسواق و الميادين و المساجد. شغلوا الشعوب، و حرّضوا الشيعة ضد السنة و السنة ضد الشيعة، و أعدوا جماعة هنا و جماعة هناك من المتطرفين البذيئين و دفعوهم لتلك الأفعال بالأموال، و يحرضون جماعة في الطرف المقابل من المتطرفين البذيئين، من أجل أن يشتبكوا، و وراء كل واحد منهم جماعة كبيرة من الناس. و ما أفضل من هذا بالنسبة للصهاينة؟ ما أفضل من هذا بالنسبة للكيان الصهيوني؟ لنصحوا و نستيقظ و نفهم ما الذي يجري في المنطقة!
سياسة القوى الاستكبارية في هذه المنطقة سياسة خيانية، إنها سياسة خيانية علناً. سياسة القوى الاستكبارية في العراق هي إسقاط النظام المنبثق من الانتخابات و الأكثرية و الديمقراطية. يريدون إضعاف النظام و الإخلال و عدم السماح لهم بالعمل و الإيقاع بين الشيعة و السنة في العراق. لقد شاهدنا العراق قبل هذه الأمور، و كان الشيعة و السنة يعيشون بعضهم مع بعض و إلى جانب بعضهم و يتزاوجون، و يراد لهم اليوم أن يقفوا ضد بعضهم و يحملوا السلاح ضد بعضهم! هدفهم النهائي أن يقسّموا العراق. سياستنا على الضدّ تماماً من هذه السياسة، فنحن نعتقد أن الحكومة المنبثقة من الانتخابات في العراق يجب أن تقوّى و تعاضد، و نعتقد أنه ينبغي الوقوف و المقاومة بوجه الذين يثيرون الخلافات الداخلية، و يجب صيانة وحدة أراضي العراق. هذه السياسة على الضدّ تماماً من سياسة الاستكبار في العراق.
سياسة الاستكبار في سورية هي إسقاط الحكومة المعروفة بمقاومتها مقابل الصهيونية بأيّ ثمن، و سياستنا ضد هذه السياسة. و نحن طبعاً نعتقد في خصوص العراق و سورية و اليمن و البحرين و لبنان و بخصوص كل البلدان، أن الذي يجب أن يتخذ القرار هو الشعب نفسه، و لا يحق لأحد من الخارج، لا نحن و لا غيرنا، لا يحق لنا أن نقرر مصير الشعوب، إنما الشعوب هي نفسها التي يجب أن تتخذ القرار لمصيرها. هذه هي عقيدتنا. سياسة الاستكبار بخصوص سورية هي الإصرار على إسقاط هذه الحكومة و هذا الشعب المعروفين بمواجهتهما العنيدة الصلبة للصهاينة، فسواء رئيس الجمهورية الحالي (5) أو رئيس الجمهورية السابق (6) كانا يقفان بصراحة ضد الكيان الصهيوني الزائف. و نحن نقول لا، الحكومة التي شعارها و هدفها و نواياها الصمود بوجه الصهاينة، حكومة مغتنمة بالنسبة للعالم الإسلامي. ليس لدينا أي منفعة شخصية خاصة في سورية أو العراق، بل نفكر بالعالم الإسلامي و بالأمة الإسلامية. مواقفنا متعارضة مع الاستكبار على هذا النحو.
في لبنان كان الكيان الصهيوني قد احتل جزءاً مهماً من لبنان طوال سنين، و الاستكبار و على رأسه أمريكا التزم الصمت، الصمت بالمصحوب بالرضا. ثم ظهرت جماعة مقاومة مؤمنة مضحية، و أشرفُ جماعة دفاع وطني هي هذه الجماعة المقاومة في لبنان و حزب الله لبنان - هؤلاء من أشرف الجماعات المقاومة الوطنية و الدفاع الوطني على مستوى العالم، فقلّ ما كانت هناك جماعة مقاومة في البلدان تعمل بهذا الطهر و الإيمان و التضحية و النجاح - و عقد الاستكبار العزم على قتل هذه الجماعة و اتهامها بالإرهاب. حزب الله إرهابي؟ القوة الهائلة للدفاع الوطني في لبنان إرهابية؟ هل اسم هذا إرهاب؟ إذن، هل كانت قوى المقاومة التي تفتخرون أنتم الأوربيون و الآخرون بها على مرّ التاريخ - في فرنسا و البلدان الأخرى - و التي كانت تعمل على الدفاع عن أوطانها، هل كانت جماعات إرهابية؟ القوى التي تقف بوجه المعتدين و عملاء الاستكبار و تضحّي، هل هي قوى إرهابية؟ ثم تراهم يشدّون على أيدي الكيان الصهيوني القاتل للإطفال المتجبر المجرم باعتباره شقيقاً و صديقاً دائمياً، هذه هي سياستهم.
سبب دفاعنا عن المقاومة اللبنانية هو أنهم جماعة مقاومة بالمعنى الحقيقي أمام العدو، إنهم جماعة دفاع و جماعة شجاعة مضحية صامدة بوجه العدو. لو لا هؤلاء لكانت إسرائيل التي وصلت يوماً ما إلى صيدا و أبعد من صيداً، و إلى بيروت نفسها، لكانت تحتل بيروت اليوم و لما بقي شيء اسمه لبنان، إنما جماعة المقاومة هي التي تحول دونهم. و إذا بالأمريكان، حضرات الساسة الأمريكان الصادقين الصدوقين (!) يسمّون هؤلاء إرهابيين و يسمّون إيران مدافعة عن الإرهاب لدعمها لهم! أنتم الذين تدافعون عن الإرهاب. أنتم الذين تطلقون داعش، و أنتم الذين تخرّجون الإرهابيين، و أنتم الذين تحمون الإرهابيين الخبثاء، أنتم المدافعون عن الإرهاب. يجب أن تحاكموا باعتباركم حماة و مساعدين للإرهاب. و مثل هذه القضية تصدق أيضاً بالنسبة لليمن و البحرين و بلدان أخرى.
في اليمن، هل يتمتع بالشرعية رئيس الجمهورية (7) الذي استقال في أكثر الأوقات حساسية من أجل إيجاد فراغ سياسي، ثم هرب من البلاد بثياب النساء؟ هل يحق لرئيس الجمهورية هذا أن يطلب من بلد آخر الهجوم على بلده و قتل الناس؟ منذ ما يقارب الأربعة الأشهر - أو ثلاثة أشهر و نيّف - و هم يقصفون اليمن. من الذي يقصفونه؟ يقصفون المساجد و المستشفيات و المدن و البيوت و يقتلون الناس الأبرياء و الأطفال، أليست هذه جريمة؟
أمريكا تدعم هؤلاء. لقد قلتُ في الصلاة الآن إنكم ترتكبون الخطأ الآن أيضاً. يتحدثون عن الأخطاء الماضية، و عن الثامن و العشرين من مرداد، و يقولون لقد أخطأنا. نعم، لقد ارتكبتم خطأ كبيراً جداً، لكنكم تخطئون الآن أيضاً، و تتحالفون مع أكثر الأنظمة استبداداً و تتعاونون معهم، و تسمّون نظام الجمهورية الإسلامية الذي يتشكل من بدايته إلى نهايته عن طريق الإنتخابات نظاماً مستبداً! هل أنتم منصفون؟ أنتم الأمريكان، أنتم الساسة الأمريكان، تتحدثون و تقيمون بمنتهى عدم الإنصاف، حتى بشأن الحقائق و الواقعيات الواضحة. و الإنسان ليستعرب أية وقاحة يمتلكها هؤلاء! يصادقون و يتعاونون و يتآخون و يتحالفون مع حكومات لا تسمح لشعوبها حتى بسماع اسم الانتخابات - في بعض هذه البلدان إذا ذكر شخص اسم الانتخابات في الشارع يلقون عليه القبض و يحبسوه و لا أحد يدري ما سيكون مصيره - ثم يسمّون نظام الجمهورية الإسلامية الذي أقام طوال 36 سنة أكثر من ثلاثين انتخابات، نظاماً استبدادياً! هل يمكن الثقة بهؤلاء؟ لهذا نقول لا يمكن الثقة بهؤلاء.
لا يمكن الوثوق بهؤلاء، ليس هؤلاء أناساً تخرج من أفواههم كلمة صدق، و لا صدق فيهم. و في هذا الاختبار الصعب الذي أشار له السيد رئيس الجمهورية (8)، و قد تحملوا المشاق حقاً هو و باقي المعنيين، ظهرت حالات متعددة و متكررة من عدم صدقهم طوال هذه المدة. و بالطبع فقد تصدّى لهم مسؤولونا، و في بعض الأحيان كان تصديهم ثورياً حقاً، و قد عملوا و توصلوا إلى نتائج معينة لحد الآن، و بقي أن ننتظر لنرى ما سيكون.
للعالم الإسلامي اليوم وصفة واحدة هي الاتحاد. و هذه هي الوصفة لداخل البلدان أيضاً، على الشعوب أن تتحد. شعب إيران يجب أن يتحد. يجب أن لا تؤدي هذه الشؤون النووية و غير النووية و ما إلى ذلك، إلى شقاقات و انقسامات و يقول كل جانب شيئاً - إنه عمل يجري بالتالي، و له مسؤولوه الذين يتابعونه، و سوف يشخصون ما هي المصالح الوطنية إن شاء الله و يتابعونها - يجب أن لا يكون هناك انقسامات بين الناس. هذا ما يريده العدو. و الآن أيضاً إذا تابع شخص ما يقوله الغرباء و الأجانب و ما تقوله إذاعاتهم و تلفزيوناتهم و مواقعهم التي تزداد باستمرار و تطلق مثل هذا الكلام باستمرار، لوجد أنهم يريدون خلق شقاق و انقسامات بين الناس، فلا تسمحوا بحصول انقسامات، و حافظوا على وحدتكم و كونوا سوية بعضكم مع بعض.
الاقتدار يجب أن يتدفق من الداخل. التقوى العامة و الاجتماعية كالتقوى الفردية، في التقوى الفردية - و الصيام هو من أجل التقوى، و شهر الصيام هو شهر كسب التقوى و التحلي بها - عندما تكونوا أتقياء تكسبون المناعة الذاتية، كالشخص الذي يُحقن بالمصل و المضاد و يحقق المناعة لنفسه، بحيث حتى لو كان في بيئة ملوثة بالميكروبات لن تؤثر الميكروبات فيه، هكذا هي التقوى، التقوى لا تسمح بأن تؤثر البيئة الخارجية عليكم، إنها لا تسمح على الأقل بأن تؤثر البيئة الخارجية عليكم بسهولة، هكذا هي التقوى الفردية. و كذلك هي التقوى الوطنية. إذا قوّى شعبٌ نفسه في الداخل، إذا قوّى علومه و صناعته و إيمانه و ثقافته، فلن تستطيع القوى الخارجية التأثير عليه. هذه وصفة يجب علينا جميعاً اليوم أن نعمل بها، و العالم الإسلامي يجب أن يعمل بهذه الوصفة.
اللهم وفقنا لمعرفة درب الهداية و السير فيه.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

الهوامش:
1 - قبل كلمة الإمام الخامنئي تحدث في هذا اللقاء رئيس الجمهورية الإسلامية حجة الإسلام و المسلمين حسن روحاني.
2 - مصباح الكفعمي، ص 416 ، دعاء قنوت صلاة عيد الفطر.
3 - سورة آل عمران، شطر من الآية 103 .
4 - من ذلك كتاب مذكرات هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية سابقاً.
5 - بشار الأسد.
6 - حافظ الأسد.
7 - عبد ربه منصور هادي.
8 - كلام رئيس الجمهورية الإسلامية حول المفاوضات و الاتفاق النووي.