بسم الله الرحمن الرحيم

و الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا و نبينا أبي القاسم المصطفى محمد، و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، سيّما بقية الله في الأرضين.
مرحباً بكم كثيراً أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء الذين سيكون لكم دور حاسم إن شاء الله في تقدم البلاد، و أنتم تمثلون الأجزاء المكوّنة لواحد من أكبر أركان البلاد و الثورة. أبارك لكم جميعاً على كسبكم هذا التوفيق و النجاح، و الحمد لله تعالى على أن وفقكم على التواجد في هذه المنزلة العالية.
أشير إلى نقطة في البداية، إنها الأيام الأخيرة من شهر شعبان و نحن نشارف الدخول في شهر رمضان. لنوجّه قلوبنا نحو رضا الله و المسؤولية الإلهية. و أقولها لكم: أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء، اعرفوا قدر هذا الموقع و اعلموا أنه يمرّ مرور السحاب، فما أن تطرف أعينكم حتى تنقضي السنوات الأربع، و هي مثل أعمارنا بالتالي. أعمارنا أيضاً على هذا النحو، فحين ينظر المرء وراءه يرى أن هذه المدة انقضت و مرت مرور البرق في السماء، و انتهت الأفراح و الأتراح و المرارات و الحلاوات و الملذات و المعاناة. إذا كان الإنسان قد استطاع في هذه الصحيفة الطويلة - و هي سبعون أو ثمانون عاماً بالنسبة لأمثالي - أن يتزوّد بشيء يمكنه أن يحتسبه عند الله تعالى و يعقد عليه الأمل، فبها و نعمت، أما إذا لم يكن لدينا في هذه الصحيفة الطويلة عمل يمكننا أن ندافع به عن أنفسنا أمام الله تعالى - فهم يحاسبون الإنسان على كل حال - فستكون الحياة خسارة، و سيكون «اِنَّ الاِنسانَ لَفي خُسرٍ اِلَّا الَّذينَ ءامَنوا وَ عَمِلُوا الصّالِحٰات» (2)، الإيمان و العمل الصالح. إذا كان هذا العمل الصالح و هذا الإيمان في المجموعة التي تنقضي من أعمارنا فلن تكون خسارة، بل سيكون هناك ربح بمقدار ما قدمنا، و لكن لا سمح الله إذا لم يكن هناك شيء، أو إذا وجد الإنسان عند المحاسبة أنه يمكن الإشكال عليه و مناقشته، فعندها سيكون وضع الإنسان صعباً جداً، جداً.
يقول الإمام في دعاء أبي حمزة الشريف مخاطباً الله تعالى: «اَللّهُمَّ ارحَمني اِذَا انقَطَعَت حُجَّتي، وَ كلَّ عَن جَوابِك لِساني، وَ طاشَ عِندَ سُؤالِك اِياي لُبّي» (3). عندما تسألني و لا أجد جواباً أجيبك به - إنهم يفتشون أعمال الإنسان، و على الإنسان أن يستطيع الإجابة - «كلَّ عَن جَوابِك لِساني» ينعقد لساني و لا أستطيع الجواب، «وَ انقَطَعَت حُجَّتي»، و تنتهي أدلتي و حججي - و للإنسان بعض الحجج و الاستدلالات يحتسبها عند نفسه «فعلت هذا لأجل هذا السبب أو ذاك»، ثم عندما يرفضون كل واحدة من هذه الحجج تبقى يد الإنسان خالية من الأدلة - «وَ طاشَ عِندَ سُؤالِك اِياي لُبّي» و يبقى عقلي و قلبي و روحي حائرة تائهة مقابل هذه الأسئلة المتواترة المتتابعة التي ستسأل مني، هكذا سيكون الحال. أنا نفسي جرّبت هذه الحالة، و هذه تجربتي، و لم أكن أريد قول ذلك، لكنها خطرت على بالي الآن و جرت على لساني فأقولها. في عقد الستينيات عندما وقعت لي تلك الحادثة في مسجد أبي ذر، أغمي عليّ. ثم حملوني من داخل المسجد إلى السيارة، و في هذه المسافة عاد إليّ وعيي مرتين أو ثلاث مرات و أغمي عليّ مرة أخرى، إلى أن أغمي عليّ بعد ذلك بالكامل. في هذه المرتين أو الثلاث التي عدتُ فيها إلى وعيي شعرت إحدى المرات أنها اللحظة الأخيرة، شعرتُ تماماً أنها لحظة الموت. و فجأة تجسّدت كل الحياة الماضية أمام عيني، و فكرت مع نفسي: طيب، ما الذي عندي حتى أقدمه؟ كلما فكرت وجدت أن كل الأشياء ممكنة المناقشة و الإشكال، و سيقولون إن الشيء الفلاني قد تكون اختطلت به نيّة غير إلهية، فصارت نيتك لا شيء و تبدّد العمل! فجأة شعرت أنني معلق بين الأرض و السماء، كالإنسان الذي لا يمسك بأيّ مكان أو شيء. فقلت ربي هذا هو وضعي و حالي، و أنت ترى، يبدو أنني لا أملك أي شيء، حين أحسب أرى أن يدي خالية تماماً، إلّا إذا رحمتني بنحو ما. هذه حالة تحصل للإنسان، فلنحاول الاستفادة من هذه المواقع و الفرص.
لقد حظيتم بموقع جيد، أربعة أعوام في مجلس الشورى الإسلامي، المكان الذي فيه إدارة البلاد و التشريع للبلاد. و أهمية هذا التشريع كبيرة جداً. و هذه العملية هي كما قلنا مراراً بمثابة مدّ سكك الحديد. إنكم تمدون سكك الحديد لمسيرة الحكومة، ثم تستطيعون بالصلاحيات التي منحكم الدستور إياها - و منها التحقيق و التفتيش المصرّح به في دستور البلاد - تستطيعون ضمان حصول تلك المسيرة. ليس الأمر مجرد توصية، بل تستطيعون طبقاً للقانون أن تتابعوا الأمور و تحققوا و تفتشوا، و هذا لا تنافى مع التعاون مع الحكومة أبداً. عقيدتي و قد كانت هذه عقيدتي دائماً بالنسبة لكل الحكومات أن مجلس الشورى الإسلامي يجب أن يتعاون مع الحكومة، بيد أن هذا التعاون لا يعني التنازل عن حقوق مجلس الشورى، فيجب أن تستوفوا حقوقكم و تحققوا و تفتشوا و تؤاخذوا و تقولوا لماذا لم يحصل كذا، و لماذا حصل القليل، و لماذا حصل بشكل آخر. هذه فرصة مهمة جداً، فاعرفوا قدرها.
في بداية الثورة عندما كان الكلام عن انتخاب رئيس للجمهورية، و كان المرشحون المختلفون يطرحون دائماً، ذهبتُ أنا و أحد الأصدقاء من طهران إلى قم إلى الإمام الخميني - و كان حينها في قم - و كان ذلك في وقت ضيّق صعب، و كان هو في الداخل، و قلنا يجب أن نرى الإمام الخميني كيفما اتفق. كان الإمام الخميني قد قال لا يرشّح المعممون أنفسهم لرئاسة الجمهورية، كنا قد ذهبنا لنناقش الإمام و نحاججه و نطلب منه أن يرفع هذا المنع لنطرح السيد بهشتي، و كنا نعتقد أن الشهيد بهشتى (رضوان الله تعالى عليه) أفضل من الجميع. ذهبنا لنناقشه حول هذه القضية. تحدثنا قدراً ما و استمعنا، و قال هو بعض الأشياء و قلنا نحن بعض الأشياء، ثم قال اذهبوا و أمسكوا مجلس الشورى، اذهبوا و ركّزوا على المجلس، و لم تكن انتخابات مجلس الشورى قد أقيمت بعد. قال اذهبوا و ركّزوا على مجلس الشورى، فالمجلس مهم. كانت توصيته لنا - لي و لصديقنا ذاك - أن لا تصروا على قضية الحكومة، و كان مجلس الشورى من وجهة نظره أهم من الحكومة و السلطة التنفيذية. طيب، الآن اطلبوا من الله أن يعينكم حقاً. و شهر رمضان على الأبواب، و الصيام فرصة، و الدعاء فرصة، و إحياء الليالي فرصة، و صلاة الليل التي يتوفق المؤمنون عادة في مثل هذه الليالي لأدائها أكثر، فرصة. فادعوا و تضرعوا و اطلبوا من الله أن يوفقكم على النهوض بهذا العمل الكبير إن شاء الله.
طيب، لأذكر جملة من النقاط. إحدى النقاط حول أصل الواجب في مجلس الشورى و أهمية المجلس، و الثانية حول قضية القانون، و الثالثة حول الشأن الاقتصادي، و نقطة أخرى نذكرها على الخصوص حول الثقافة. و نقطة أخرى حول السياسات العامة و قضايا السياسة الخارجية و ما إلى ذلك. نذكر هذه النقاط بهذا الشكل إن شاء الله.
من واجبكم حسب دستور البلاد أن تدافعوا عن مكتسبات الثورة و أسس الإسلام، و هذا شيء وارد في قسمكم. و قد ذكرتُ في ندائي لكم (4) أن هذا القسم قسم حقيقي، بمعنى أنه لو نقض هذا القسم فستترتب عليه كفارة. لقد أقسمتم أن تحافظوا على أسس الإسلام و مكتسبات الثورة. طيب، هذا شيء مهم. متى يمكن أن يحصل هذا؟ عندما يكون مجلس الشورى فعلاً على رأس الأمور، و هذه العملية في أيديكم. «المجلس على رأس الأمور» ليس مجاملة نريد أن نجامل بها. لا، فعلاً يجب أن يكون المجلس على رأس الأمور، بمعنى أنه يقرر و يأخذ ذلك القرار طريقه للتنفيذ. و طبعاً أقولها لكم أنه في الحكومات المختلفة - سواء هذه الحكومة الحالية أو الحكومة السابقة أو الحكومات الأسبق، كل الحكومات بعد رحيل الإمام الخميني، و في زمن حياة الإمام الخميني، أي حكومتي - كان يحدث أن نقف أمام معضلات و شدائد، و الآن تقف الحكومات مثل هذه المواقف و تستفيد من صلاحيات الولي الفقيه. هذا شيء موجود، و لكن حتى في تلك الأحوال كنتُ دائماً أدقق و أحرص على أن لا يكون هناك مساس بقرارات مجلس الشورى الإسلامي. في الحكومة السابقة جاءوا و طلبوا شيئاً هو على الضدّ تماماً من قانون الميزانية في تلك السنة، و في ذلك الحين لم يكن هناك قانون تخطيط بل قانون ميزانية. أصروا كثيراً لكنني لم أرضخ، مع أنهم كانوا أمام مشكلات لكنني قلتُ إن لدينا مجلساً يجتمع و يتخذ القرارات و يصادق على قانون الميزانية بجهود و مشاق كبيرة، و تأتون الآن بكلمة واحدة تقلبون القانون كله من وجه إلى وجه، هذا غير ممكن. يجب وضع المجلس على رأس الأمور. ينبغي الحفاظ على احترام المجلس و وقاره و هيبته.
ذات مرة قلت للسيد لاريجاني أو غيره من رؤساء مجلس الشورى إن الثورة الدستور كانت هكذا إلى أن جاء رضا خان. عندما جاء رضا خان تبخر المجلس و القانون و التشريع و كل هذه الأمور و ذهبت أدراج الرياح، و لكن قبل مجيئ رضا خان - حيث كان هناك تشريع و مجلس و مجلس شورى و كانت الحالة الدستورية قد ظهرت لتوها، في الدورة الثانية أو الثالثة من المجلس على ما يظهر، قبل وصول رضا خان إلى السلطة على كل حال - كان رئيس المجلس مؤتمن الملك (5)، و هو من الشخصيات الحسنة السمعة في العهد القاجاري، و كان شقيق مؤتمن الملك رئيساً للوزراء، و هو مشير الدولة (6). و قد كان هو الآخر من الشخصيات الحسنة السمعة، أي إن هذين الشخصين كانا من الشخصيات الحسنة الصيت نسبياً في العهد القاجاري و بداية العهد البهلوي. إذن، كان الأخ الأكبر و هو مشير الدولة رئيساً للحكومة و رئيساً للوزراء، و مؤتمن الملك و هو الأخ الأصغر رئيساً لمجلس الشورى. و طلب رئيس الحكومة - رئيس الوزراء - من مجلس الشورى وقتاً ليحضر في المجلس و يرفع تقريراً، كأنْ يلقي خطاباً في الساعة الثامنة صباحاً. و حانت الساعة الثامنة صباحاً و لم يحضر مشير الدولة، فنظر مؤتمن الملك إلى ساعته و وجد أنها جاوزت الثامنة بخمس دقائق، فقال لا تسمحوا بعد الآن لرئيس الوزراء بالدخول، و وصل مشير الدولة بعد خمس دقائق إلى المجلس فلم يسمحوا له! هكذا حصل. تأخّر رئيس الوزراء عن الموعد المقرر خمس دقائق فلم يسمح له رئيس مجلس الشورى و هو أخوه الأصغر بالدخول. هذا يعني اقتدار المجلس و هيبته، فيجب الحفاظ على هذا. و هذا الأمر بأيديكم و أنتم من تستطيعون القيام بهذا الشيء.
من الأمور التي يمكنها أن تضمن هذه الحالة بالمعنى الحقيقي للكلمة في مجلس الشورى هو إشراف المجلس على نفسه، و قد قلتُ هذا في المجلس الثامن (7). ليشرف مجلس الشورى على نفسه. بالتالي يتشكل مجلس الشورى من عدد من الأفراد، و نحن البشر معرضون كلنا للخطأ، و لا مزاح في هذا، و لا يوجد في هذه القضية كبير و صغير، و شيخ و شاب، كلنا معرضون للخطأ و المزالق. من الذي ينبغي أن يحول دون المزالق؟ المجلس نفسه. و يمكن تصور أنواع و أشكال متعددة من المزالق. إذا أشرف المجلس و حال دون انزلاق النائب، و استطاع النائب الحفاظ على طهارته و نزاهته طوال هذه الأعوام، فإن لسانه سوف ينفتح و سيستطيع إذا شاهد إشكالاً في أي مكان أن يطرح هذا الإشكال. على مجلس الشورى الإسلامي مراعاة هذا الشيء. الذي أرجوه أن لا تستهينوا بقضية الإشراف الذاتي في مجلس الشورى. حافظوا على هذا الجانب.
و هناك نقطة حول القانون. تشريع القوانين هو شأنكم الأصلي، و لكن يمكن سن القوانين على شكلين: شكل جيد و شكل سيّئ. يمكن تشريع القوانين بشكل جيد، و يمكن تشريع القوانين بنحو سيئ. و الجيد و السيئ لا يقتصران على أن يكون القانون جيداً أو سيئاً، لا، أحياناً تشرعون قانوناً جيداً، لكن هذا التشريع سيئ، لماذا؟ لأن الدقة لم تراع في كيفية تشريع هذا القانون، و لم يراع انسجامه مع باقي القوانين، و لم يراع الوضوح في القانون. أولاً ينبغي أن يكون القانون جيداً، و زيادة القوانين ليس أمراً حسناً بالضرورة، ينبغي أن يكون القانون جيداً. و ما قاله الدكتور لاريجاني هنا عن وجود مجالات و حقول تخصصية مختلفة، يفرحني حقاً، و الحمد لله على ذلك. وجود هؤلاء المتخصصين و الخبراء و المطلعين و العقلاء في مجلس الشورى شيء قيم جداً لهذا السبب، دققوا أولاً في أن يكون القانون متقناً، ليكن القانون متقناً، بمعنى أن تكون أسباب سن هذا القانون بحيث كل من ينظر يقول: نعم، إن هذا القانون قانون متقن. و ينبغي أن يكون القانون شاملاً مستوعباً، فالنظرة الجزئية و عدم الاهتمام بالجوانب المختلفة يخرج القانون عن حيز الانتفاع. كما ينبغي أن يكون القانون واضحاً، فلا يحتاج إلى تعديلات و إصلاحات متكررة متتابعة، و تصل مجلس الشورى استفسارات متعاقبة. عندما لا يكون القانون واضحاً و جامعاً ستصل دائماً استفسارات تسأل هل كان مرادكم هذا أم ذاك. و أحياناً يكون الجواب الذي يصدره المجلس للاستفسار على الضد تماماً من مضمون ذلك القانون. مثل هذا القانون ليس قانوناً جيداً، أي إن مضمون القانون قد يكون جيداً لكن عملية التشريع لم تكن جيدة بل كانت سيئة. إذن، لتكن القوانين ذات جودة.
و كذلك تعارض القوانين، من الأمور التي نعاني منها قضية تراكم القوانين، من كثرة ما لدينا من قوانين في المسائل المختلفة! و قد أشار الدكتور لاريجاني لقضية معالجة الأرض (آمايش سرزمين)، و قد طرحت قضية معالجة الأرض في هيئة الوزراء منذ أن كنتُ رئيساً للجمهورية. طرحت قضية معالجة الأرض في الحكومة في زمن رئاستي للجمهورية قبل ثلاثين سنة أو أكثر من ثلاثين سنة - و ناقشنا كلمة آمايش و هي كلمة فارسية و تحدثنا حول ما هي هذه الكلمة و ما هي جذورها - و تقرر أن تتابع هذه القضية، و قد توبعت في كل الحكومات، لكنها لم تتحول إلى حالة عملية لحد الآن. طيب، لقد وضعنا الآن قانوناً و صارت لقضية معالجة الأرض قانونها، و يأتون فيضعوا عدة قوانين أخرى تضاف إلى ذلك القانون! يجب السير في الطرق المختزلة. لنفترض أنكم تريدون الآن بفضل معالجة الأرض و بفضل ما تكتسبونه من معرفة بالمواهب و الإمكانيات المتوفرة في المحافظات أو المناطق، تريدون الاستفادة من إمكانيات المحافظات و المناطق المتنوعة في البلاد. طيب، إذا لم يحصل هذا فهناك طريق آخر إلى جانب ذاك. صحيح أنه لم تحدث معالجة علمية لمحافظة خراسان مثلاً، لكن المحافظ و المسؤولين المحليين هناك يعلمون شيئاً عن مواهب تلك المحافظة لا يعلمها الجالس في العاصمة، و هذه بحد ذاتها فرصة، فلتنتفعوا من هذه الفرصة. إذن، أريد القول إن تراكم القوانين و زيادة كميتها ليست ميزة أو شيئاً حسناً، فالمهم أن يكون القانون جيداً و جامعاً.
حولوا دون القوانين التي تمهد الأرضية للفساد، أي راقبوا الأمور بدقة. من الأمور التي لا تختص بمجلسنا - و قد حدثت أحياناً في مجلسنا أيضاً، و هذا ما أتذكره لعدة مرات خلال هذه الأعوام - لكنه دارج في مجالس الشورى في العالم، هو أن يصادقوا على قانون ثم ينسخونه بعد عشرة أيام. و خلال هذه الأيام العشرة يحصل بعض الأشخاص على المليارات! قوانين تثير الفساد. أي إن هذا القانون يمنع مثلاً بيع شيء معين، يمنع استيراد شيء أو تصدير شيء معين، و يستفيد الذي يجب أن يستفيد من هذا المنع، و بعد عشرة أيام يسمحون بذلك الشيء الممنوع فيحصل أولئك الأفراد على المليارات. هذا قانون محفز على الفساد. توجد مثل هذه القوانين، و عليكم أن تدققوا في أن تكون القوانين الموضوعة مناهضة للفساد.
و من المسائل المتعلقة بالقانون هي أن نقدم المصالح الوطنية على المسائل المحلية. أنتم طبعاً جئتم من مناطق مختلفة من البلاد، و الناس هناك يتوقعون منكم و لهم مطالباتهم، و هذه التوقعات ليست مقبولة مائة بالمائة، إنها مقبولة إلى حد ما، و لكن أن يتصوروا أنكم حين جئتم إلى هنا فستعالجون كل قضايا طرقهم و مياههم و كهربائهم و ميزانيتهم من الحكومة و كل أمورهم فلا، هذا غير ممكن. إنكم طبعاً تجدون أنفسكم مكلفين إلى حد ما بالاهتمام بمطاليب و توقعات الناس في مناطقكم. لا إشكال في هذه الحالة بحدودها، و لكن في الحدود التي لا تتعارض مع المصالح الوطنية. إنها أحياناً تتعارض مع المصالح الوطنية. مثلاً هناك إصرار في المحافظة الفلانية على إنشاء مطار - و المطار من الأمور التي تترتب عليها تكاليف كبيرة، إنها من الموضوعات المكلفة جداً و من البنى التحتية المكلفة - لنفترض أنهم يحتاجون إلى مطار. و تنظرون أنتم فترون أن المطار ليس ضرورياً حقاً لهذه المنطقة، نعم، هو امتياز لتلك المنطقة، و لكن يوجد إلى جواره هنا أو هناك مطارات قريبة، فتنفق - من باب المثال - أموال البلد و قدرات البلد و فرص البلد على شيء لا يتمتع بالأولوية! هنا ترجّحون هذه المصلحة الوطنية على تلك القضية أو المصلحة المناطقية المحلية. و عليه، أنا لا أقول أهملوا تماماً مطاليب مناطقكم، و مثل هذا الشيء غير ممكن، و لكن حين تتعارض مع المصلحة الوطنية فيجب أن تراعوا المصلحة الوطنية بالتأكيد.
نقطة أخرى أروم الإشارة لها حول القانون هي أن تستعينوا بالخبراء و المتخصصين. و من القطاعات المهمة التي تستطيعون الاستفادة من خبرائها و خبراتها هي الحكومة. للحكومة خبراء جيدون في مختلف القطاعات. لتكن هناك استعانة بالخبراء و الخبرات في الحكومة سواء في منظمة الميزانية أو في المواقع الأخرى. بيد أن الأمر لا يقتصر عليهم، ففي خارج الحكومة أيضاً و في مجال الشؤون الاقتصادية - و سوف أشير لذلك على نحو الإجمال - هناك أفراد ليسوا في الحكومة، بل هم في الجامعات يدرسون، أو هم علماء اقتصاد، هؤلاء خبراء، و يجب أن يستعان بالخبراء لاتخاذ القرارات.
و حاولوا أن تكون القوانين متطابقة مع المواثيق العليات و السياسات العامة التي يعلن عنها. الخطة الخمسية السادسة مثلاً في جدول أعمالكم، و هي على جانب كبير من الأهمية. أريد أن أقول إن الخطة الخمسية السادسة مهمة للغاية، و لا يجوز التقصير و التساهل و التماهي في خصوص هذه الخطة أبداً، بمعنى أنكم يجب فعلاً أن تنجزوا هذه الخطة بشكل كامل و جيد و دقيق. طيب، الأوضاع أوضاع خاصة، سواء من الناحية الاقتصادية أو من الناحية السياسية. الأوضاع بالنسبة للبلاد الآن أوضاع خاصة، و ينبغي أن تكون الخطة التي تضعونها لخمسة أعوام خطة كاملة بالمعنى الواقعي للكلمة. و عندما تنظم هذه الخطة و تعد ستكون من ضمن المواثيق العليا التي عندما تريدون سن القوانين ينبغي أن تكون متطابقة معها و مع الخطط الأخرى من قبيل السياسات العامة للمادة 44 .
طيب، هذا فيما يخص التشريع، و هو جانب ستتفطنون له إن شاء الله. طبعاً، أرى أن بعض الأصدقاء يكتبون في الصحف و ما شاكل إن الذين دخلوا إلى مجلس الشورى ليست لهم سوابق و لا يعرفون مجلس الشورى. أعتقد أن هذا ليس تهديداً، بل هو فرصة. بل إن الانتخابات و تداول المواقع هو بحد ذاته فرصة. أن يأتي أفراد جدد إلى الساحة و لم يكونوا قد تعودوا على مجلس الشورى من قبل، و يوجد فيه جماعة كانوا موجودين فيه منذ السابق فينقل هؤلاء تجاربهم لأولئك - بمعنى التركيب بين القديم و الجديد - فهذا شيء جيد في المجالس، و هو فرصة، فانتفعوا من هذه الفرصة ما استطعتم إلى ذلك سبيلاً، و بطريقة نشطة و رغبة و بشكل جيد و بالاستفادة من تجارب الآخرين. كان هذا ما يتعلق بقضايا القانون و التي أعتقد أنها أهم من كل شيء.
حول الشأن الاقتصادي، لاحظوا أيها الأخوة الأعزاء و الأخوات العزيزات، الواقع أن قضية الاقتصاد قضية أساسية في بلادنا، لا اليوم فقط، فأنا أؤكد على الشأن الاقتصادي دائماً منذ خمسة أو ستة أعوام. قبل خمسة أو ستة أعوام من الآن قلتُ في كلمتي الخاصة ببداية العام - في العيد - بأننا نتعرض لتهديدات من جهتين، و إحدى هاتين الجهتين، و ربما كانت الأهم، هي الجهة الاقتصادية (8). و هذا هو الواقع. و لم يكن الحظر في ذلك الحين قد فرض علينا. يستخدم العدو الاقتصاد كسلاح ضدنا، و نحن بدورنا ربما تصرفنا بتبسيط و سذاجة بعض الشيء و أبرزنا أننا نخاف من هذا السلاح كثيراً و منزعجون منه، لذلك تشجّع هو أكثر و وجد طريقه. على كل حال قضية الاقتصاد قضية مهمة جداً، و يجب علينا معالجة القضية الاقتصادية في البلاد. التنفيذ طبعاً يقع على عاتق الحكومة. الحكومة هي التي يجب أن تعمل في الساحة و في وسط الساحة، و لكنكم تستطيعون على هذا الصعيد أن تساعدوا كثيراً. التأكيد المهم ينبغي أن يكون على قضية الركود، و على قضية الإنتاج الداخلي، فالإنتاج الداخلي مهم جداً. قبل أيام قلتُ في كلمة (9) إن أية خطوة تتخذها الحكومة في مجال القضايا الاقتصادية ينبغي أن يكون من الواضح عندنا ما هو موقعها من الاقتصاد المقاوم. الاقتصاد المقاوم جدول يتكوّن من خانات و مربعات متعددة، و كل خطوة نتخذها يجب أن يكون واضحاً ما المكان الذي تملؤه من هذا الجدول. أرادت الحكومة أن تقوم بمعاملة ما فاتصل مكتبنا و سأل ذلك المسؤول المعني ما هو موقع هذه المعاملة من الاقتصاد المقاوم؟ يجب أن يشرحوا و يوضحوا أين تقع الأشياء و الأعمال و الخطوات من الاقتصاد المقاوم، يجب أن لا تكون الأعمال على الضدّ من الاقتصاد المقاوم، كما ينبغي أن لا تكون محايدة، و ليس فقط غير مضادة. و عليه، فقضية الإنتاج الداخلي على جانب عظيم من الأهمية، و معالجة الركود أمر مهم جداً.
قضية العمالة و البطالة التابعة لقضية الإنتاج الداخلي و ما إلى ذلك مهمة هي الأخرى. نقول و نتحدث كلنا دائماً، رجال الحكومة يتحدثون، و شخصيات المجلس تتحدث، و الاقتصاديون في الصحف يتحدثون و يقولون إن كذا بالمائة من المعامل قد أغلق، أو إنه يعمل بأقل من نصف قدرته الإنتاجية. طيب، و ما الحل بالتالي؟ ينبغي بالتالي تشغيل هذه المعامل، ينبغي أن تعمل، و إذا عملت فستخلق فرص عمل. خجل النظام من بطالة الشاب أكثر من خجل الشاب نفسه داخل البيت، اعلموا هذا. أنا نفسي عندما أفكر ببطالة هذا الشاب أخجل. البطالة عالية في بعض المدن. طبعاً نحن نذكر النسبة المئوية للبطالة بمقدار معين، إثني عشر بالمائة أو عشرة بالمائة - هذه الأرقام التي تذكر - لكن هذا معدل. حين يرى المرء هذه الحالة يصيبه الخجل، أي إن خجلي أنا من مشاهدة هذه الإحصائيات و قراءة هذه الحقيقة ليس بأقل من خجل ذلك الشاب العاطل عن العمل الذي يذهب إلى البيت و يده خالية، بل أكثر. ينبغي معالجة هذه الحالة.
قضية التهريب التي أشاروا لها و أشرت لها مراراً، قضية جدية تماماً. و الواقع أن التهريب خنجر في ظهر النظام. البعض يسحقون مصالح البلاد من أجل مصالحهم الشخصية. ينبغي محاربة التهريب و مواجهته. طبعاً من البديهي أن هذه المواجهة ليست سهلة لأن من يحصلون على عائدات بالمليارات من التهريب لن يقلعوا بسهولة. ينبغي التصدي لهم، و الحكومة طبعاً هي من ينبغي أن تتصدى، لكن سند هذا التصدي الذي تمارسه الحكومة هو مجلس الشورى، هو أنتم الذين يجب أن تريدوا و تقرروا و تخططوا. هذا عن الأمور المتعلقة بالاقتصاد.
القضية التالية هي قضية الثقافة. طبعاً الثقافة على المدى البعيد أهم بكثير من الاقتصاد. الاقتصاد قضيتنا الفورية و أولويتنا الحالية، لكن قضية الثقافة قضية مستمرة و مهمة جداً. إنها مهمة حتى في الشأن الاقتصادي. أيها الإخوة الأعزاء، أيتها الأخوات العزيزات، أشعر في القضية الاقتصادية بشيء من التسيّب، في الأجهزة الثقافية - سواء كانت أجهزة حكومية أو غير حكومية - يوجد نوع من التسيّب و عدم الاهتمام بالشأن الثقافي، سواء في إنتاج البضائع الثقافية المفيدة حيث نقصّر في هذا الجانب، أو في الحيلولة دون إنتاج البضائع الثقافية المضرة حيث نقصّر أيضاً. أهمية البضائع الثقافية ليست بأقل من البضائع التي يستهلكها الجسم، بل هي أكثر. يكررون على سبيل المثال أن الـ «الپفك» الفلاني مضر فلا تأكلوه. و كم هو ضرره، و أي نوع من الضرر، و ما هي درجة الضرر، و كم بالمائة من الناس يضرهم؟ هذا ما يقولونه دائماً، و لكن لا أحد يتجرأ على الإشارة إلى ضرر النوع الفلاني من الأفلام أو النوع الفلاني من الكتب أو النوع الفلاني من الألعاب الحاسوبية أو ما شاكل، خشية أن يتهم بأنه يمنع حرية المعلومات أو يمنع التداول الحر للمعلومات. الذين هم أصل و أساس هذه الأمور يتصعبون في هذه الأمور أكثر منا، ثقوا بهذا. أكثر مناطق العالم حرية من حيث المعلومات، لنفترض أنها الحكومات الغربية و منها أمريكا، حسب الأخبار الدقيقة و الواضحة التي تصل عن أمريكا، يستغرب الإنسان حقاً من سيطرتهم على معلومات الأفراد و ملاحقة الأشياء التي تتحسس منها الأجهزة الحاكمة، و ليس لدينا معشار ما لديهم من السيطرة على المعلومات، و لا نقوم بذلك. بمجرد أن يمنعوا هنا فيلماً أو يقيدوا مثلاً سياقاً كومبيوترياً أو يمنعوه، يثيرون هناك الضجيج فوراً و نصدقهم نحن، نصدق نحن أننا قمنا بعمل خاطئ. لا يا أخي، لا بدّ من المراقبة. واجبنا هو إنتاج بضائع ثقافية مفيدة و الحيلولة دون البضائع الثقافية المضرة. إنني أشعر ببعض التسيب في هذا الجانب، و ينبغي عليكم أن تأخذوا هذه الأمور بنظر الاعتبار و تهتموا بها.
بخصوص السياسات، أنتم تمثلون مجلس الشورى الإسلامي، و هو مؤسسة ثورية. مجلس الشورى الإسلامي مؤسسة ثورية و نابعة من الثورة، و ينبغي أن تتصرفوا بطريقة ثورية، يجب أن تكونوا ثوريين و تبقوا ثوريين. طبعاً للحالة الثورية صورها و أشكالها، و قد تحدثتُ حول هذا الموضوع بعض الشيء قبل البارحة في مرقد الإمام الخميني (10)، إذا كنتم هناك أو سمعتم. للثورة ضوابطها و أسسها بالتالي. على كل حال، اعملوا على التشريع بطريقة ثورية، و تصرفوا بطريقة ثورية في اتخاذا المواقف. و اتخاذ المواقف على شكلين: أحدهما مواقفكم الشخصية التي تعبّر عن نفسها في كلماتكم و خطاباتكم، و الثاني المواقف العامة. و قد كان للمجلس التاسع في هذا المجال ملف جيد حقاً. ينبغي اتخاذ المواقف باتجاه مواجهة و مجابهة التيارات المعارضة و المعتدية سياسياً على الثورة، ينبغي أن تكون هناك مواقف. لاحظوا مثلاً أن الكونغرس الأمريكي - و الحكومة الأمريكية لا شك أبداً في أن سلوكها معنا خصامي، و هذا ما لا أقوله بدافع العصبية أو من باب الظنون و الحدس، بل في ضوء المعلومات الواضحة الدقيقة، تعامل الحكومة الأمريكية مع الجمهورية الإسلامية خصامي و عدواني بشدة - يعترض على الحكومة الأمريكية بأنها تتعامل مع إيران بمداراة و لين، و يصدرون القرارات باستمرار و يتحدثون و يفعلون كذا و كذا.
طيب، من الذي يجب أن يردّ على هؤلاء؟ من الذي ينبغي له منازلتهم؟ من الذي يجب أن يغلق أفواههم؟ العدو يضع حساباته في المجال السياسي على أساس ردود الأفعال. إذا قال شيئاً و سكتّم سيحسب حساباً معيناً، و إذا سكتم و نكستم رؤوسكم إلى الأسفل سيحسب حساباً، و إذا سكتم و نكستم رؤوسكم إلى الأسفل و تمتمتم بشفاهكم مع أنفسكم سيحسب حساباً، أما إذا رفعتَ رأسك و أجبته فسيحسب حساباً آخر. إذا شعر العدو بأنكم منفعلون و من أهل التراجع فإنه لن يتنازل. بل لا يوجد تنازل في عالم السياسة أبداً، سوف يتقدمون و يطالبون بالمزيد دوماً. ترون هذا بالتالي في قضايا مختلفة، و كان آخرها قضية المفاوضات النووية. إنهم يطالبون دوماً و يستزيدون و يهددون. نفس ذلك الكلام الذي قالوه في ذلك الوقت حول النشاط النووي و التخصيب و العشرين بالمائة و ما إلى ذلك، و أن خيار الحرب على الطاولة و ما شابه هذا الكلام - و كانوا يطلقون مثل هذا الكلام باستمرار - راحوا الآن يكررون نفس ذلك الكلام، شخصيات حكومتهم تكرر هذا الكلام، و شخصيات مجلسهم يكررونه، و يكرره أيضاً مرشحو رئاسة جمهوريتهم القادمون، هذان الشخصان أو الثلاثة الذين هم في الساحة الآن و الذين بقوا في التنافس الانتخابي، هؤلاء أيضاً يكررون بأننا إذا تولينا الرئاسة سنفعل كذا و نفعل كذا!
نقطة أخرى ينبغي للأصدقاء أن يتنبهوا لها بكل دقة: لاحظوا أن لدينا في داخل البلاد فوالق [انكسارات زلزالية]، لدينا فوالق قومية، و فوالق عقيدية، و هناك سنة و شيعة مثلاً، و هناك فوالق فئوية سياسية - هذه التيارات الموجودة و التي ترونها - طالما بقيت هذه الفوالق غير نشطة فلن يحدث زلزال، و لا إشكال في هذا. لا مشكلة في وجود الاختلافات. و لكن إذا نشطت هذه الفوالق، فسيحدث زلزال، و العدو يحاول تنشيط هذه الفوالق، فانتبهوا و احذروا. إنهم يصبّون الزيت على نيران الاختلافات دائماً ليشعلوها أكثر، فحاولوا أن لا يقع هذا. لتكن لك عقيدتك، و ليكن هناك التيار «أ» و التيار «ب»، و التيار الفلاني، فلتكن هذه التيارات و لا إشكال في ذلك. و لكن إذا تحول هذا إلى عراك و نزاعات لسانية، و النزاعات اللسانية تنتهي أحياناً إلى نزاعات بالأيدي «فإن الحرب أولها اللسان» (11)، كل الحروب تبدأ غالباً من اللسان، ففي هذا إشكال. احذروا من أن ينشّط العدو هذه الفوالق. هذه إحدى النقاط المهمة. لا إشكال على الإطلاق في أن تطرحوا آراءكم في المجلس حول القضية السياسية الفلانية طبقاً لنظرتكم و رؤيتكم السياسية، و يطرح الآخر رأيه طبقاً لنظرته السياسية، و لكن لا تحوّلوا هذا إلى عراك و نزاعات. و نفس هذه القضية بالضبط أقولها بالنسبة لما بين الحكومة و غير الحكومة، و من ذلك ما بين الحكومة و مجلس الشورى الإسلامي، و الحكومة و الشعب.
قد لا يوافق الناس سياسة إحدى الحكومات - أو معظم سياساتها، أو كل سياساتها، أو بعض سياساتها - لا إشكال في هذا. من الذي لا يخالفه أحد؟ من الذي لا يوجد من يعترض عليه و ينقده. كلنا لنا مخالفونا و المعترضون علينا و ناقدونا، و لا إشكال في هذا. الإشكال في أن تتحول هذه المخالفات إلى نزاعات و عراك، فاحذروا من حصول هذا في المجلس. إذا حصل توتر في مجلس الشورى - كما كان ذلك في بعض الدورات حيث حصل توتر في المجلس - سوف يتسرب هذا التوتر و ينحدر إلى الشعب فيحدث توتر بين الناس و داخل الشعب، حتى لو كان التوتر من الناحية النفسية. و إذا ساد الهدوء المجلس فإن هذا الهدوء سيتسرب إلى الشعب، و هذا الهدوء على جانب كبير من الأهمية «هُوَ الَّذي اَنزَلَ السَّكينَةَ في قُلوبِ المُؤمِنينَ لِيزدادُوا ايمانًا مَعَ ايمانِهِم» (12). هذه هي خصوصية السكينة، فالسكينة هي الهدوء و الاستقرار النفسي، و عدم الطوفان. و هذا من شأنه «لِيزدادُوا ايماناً مَعَ ايمانِهِم»، إنها تمنح للأفراد فرصة زيادة إيمانهم، و هذا شيء بالغ الأهمية جداً. طيب، يحاول العدو على مستوى الرأي العام العالمي اتهام إيران الإسلامية، و يحاول على مستوى وضعنا الداخلي أن ينشّط الفوالق، و على مستوى المنطقة - منطقة غرب آسيا هذه - يحاول العدو تنفيذ مخططاته الحساسة المهمة لهذه المنطقة، و احتواء العقبة و هي إيران الإسلامية التي تمانع من تحقيق مخططاته. هذا ما يحاوله العدو. إن لهم مخططهم للعراق، و لهم مخططهم لسورية، و لهم مخططهم بالنسبة لفلسطين، و لهم مخططهم للبنان، لهم مخططات محددة. ذات يوم أفلت من لسانهم و ذكروا اسم الشرق الأوسط الجديد و الشرق الأوسط الكبير. تلك السيدة التي كانت يومذاك على رأس سياستهم الخارجية قالت ذلك في تلك الأعوام. أخطأوا، لكنهم قالوا ذلك.
هذا الشرق الأوسط على حد تعبيرهم - و هذا التعبير تعبير خاطئ، و نابع تماماً من الفكر و التفكير و الذهن الغربي المتكبّر، فكل شيء قريب من الغرب و من أوربا اسمه الشرق الأدنى، و كل شيء بعيد هو الشرق الأقصى، و كل شيء وسط بين هذا و ذاك، هو الشرق الأوسط، أي إن أوربا هي المعيار، أما آسيا بهذه العظمة فليست معياراً - و قد قالوا عنه حسب تعبيرهم «الشرق الأوسط الكبير» و «الشرق الأوسط الجديد»، لديهم مخططاتهم لهذه المنطقة، و السبب هو أن هذه المنطقة حساسة جداً و من نواح متعددة، من حيث وجود المسلمين، و وجود الإسلام، و من حيث وجود الكيان الصهيوني، و من حيث وجود المصادر النفطية العظيمة هنا، و من حيث وجود الطرق المائية العالمية المهمة هنا - فمضيق هرمز هنا، و مضيق باب المندب هنا، توجد في هذه المنطقة عدة مضائق مهمة، و هي مضائق مهمة جداً في العالم، فهي مهمة جداً من حيث الجغرافيا السياسية، و مهمة جداً من الناحية الاستراتيجية - لذلك فهم حساسون تجاه هذه المنطقة، و لهم برامجهم و مخططاتهم، و يريدون متابعة مخططاتهم دون مانع أو متاعب. و دخلت الجمهورية الإسلامية و حالت دون مخططاتهم. أرادوا ابتلاع العراق، فلم تسمح الجمهورية الإسلامية. و هم منزعجون لهذا، فقد فشلت مخططاتهم. لقد أرادوا ابتلاع العراق. و العراق بلد ثري جداً، هل تعلمون؟ العراق ثري جداً، و قد أراد هؤلاء ابتلاع العراق و تهديد إيران دائماً من خلال السيطرة على العراق. كما أرادوا التهديد من الشرق بشكل آخر، هذا كان هدفهم. سياسات الجمهورية الإسلامية حالت دون ذلك و لم تسمح. و هم يريدون رفع هذا المانع. و ما يشبه هذه القضية يحدث في سورية أيضاً، و ما يشبهها يحدث في فلسطين أيضاً. هذه هي سياساتهم، و يجب أن تقفوا بوجه هذه السياسات، و تفضحوا وجه الاستكبار. اكشفوا الحقائق التي تمتلكونها أو ستمتلكونها عن الاستكبار و نظام الهيمنة و قولوها و اخلقوا أجواء بخطاباتكم و مواقفكم العامة.
و احذروا من أن تساعد أقوالكم و أعمالكم على تحقيق أهداف أمريكا. كان لنا في الماضي بعض الحالات يتحدث فيها النائب في المجلس بكلام يخدم أهداف الكيان الصهيوني مائة بالمائة. مائة بالمائة و ليس تسعين بالمائة! و كأنهم أملوا كلامهم بالضبط عليه و راح هو يقوله هنا. كان لنا حالات من هذا القبيل، و هي نادرة طبعاً، فاحذروا من حدوث مثل هذه الأمور. طيب، لقد طال بنا الكلام كثيراً، و ليس من عادتي أن أطيل الكلام في هذه الجلسة. نسأل الله أن يوفقكم و يعينكم. نحن ندعو لكم، و كما طلب الدكتور لاريجاني أن أدعو فأنا أدعو لكم حقاً أيها السادة، أيها الإخوة و الأخوات، و ادعوا أنتم أيضاً لنا لنستطيع إن شاء الله حمل هذه الأعباء الملقاة على عواتقنا و هي أعباء ثقيلة و ليست سهلة.
اللهم بحق محمد و آل محمد هيّئ موجبات رضاك عنا، و وفقنا لكسب رضاك، و أرضِ قلبَ إمامنا صاحب الزمان (أرواحنا فداه) عنا، و احشر شهداءنا الأبرار مع الرسول الأكرم (ص).
و السلام عليكم و رحمة الله.
الهوامش:
1 - في بداية هذا اللقاء الذي انعقد بمناسبة بدء أعمال الدورة العاشرة لمجلس الشورى الإسلامي، تحدث الدكتور علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى الإسلامي.
2 - سورة العصر، الآية 2 و شطر من الآية 3 .
3 - مصباح المتهجّد، ج 2 ، ص 592 .
4 - نداء الإمام الخامنئي بمناسبة بدء أعمال الدورة العاشرة لمجلس الشورى الإسلامي بتاريخ 24/05/2016 م .
5 - حسين پيرنيا.
6 - حسن پيرنيا.
7 - كلمة الإمام الخامنئي في لقائه رئيس و نواب مجلس الشورى الإسلامي بتاريخ 29/05/2011 م .
8 - من ذلك كلمته بمناسبة حلول العام الإيراني 1386 هـ ش [آذار 2007 م].
9 - كلمته في مراسم الذكرى السابعة و العشرين لرحيل الإمام الخميني بتاريخ 03/06/2016 م .
10 - كلمته في مراسم الذكرى السابعة و العشرين لرحيل الإمام الخميني بتاريخ 03/06/2016 م .
11 - مصرع من بيت شعر عربي، بقليل من الاختلاف.
12 - سورة الفتح، شطر من الآية 4