وفي ما يلي الترجمة العربية الكاملة لكلمة قائد الثورة الإسلامية الإمام الخامنئي:
بسم الله الرحمن الرحيم (1)
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا أبي القاسم المصطفى محمد، وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، سيما بقية الله في الأرضين.
مرحباً بكم كثيراً أيها الإخوة الأعزاء والأخوات العزيزات، يا ذكريات الدفاع المقدس، ويا أيها الجنود والشباب المتحمس، والنماذج على تميّز الشعب الإيراني، الذين يجب على الشعب الإيراني أن يعرف قدركم، سواء قدر الشباب الذين اختاروا السير في هذا الدرب وعرّفوا قلوبهم على الحقائق، أو قدر السابقين والمتمرّسين في هذا الدرب الذين خاضوا غمار هذا الميدان وأنجزوا أعمالاً كبيرة ولا زالوا يواصلون تقديم خدماتهم إلى اليوم، وهم في الغالب ينتظرون الشهادة. هؤلاء هم أبناء الشعب والشعب يعرف قدرهم، فيجب أن يعرف المسؤولون ومدراء أمور البلاد قدرهم وقدر هذه الكلمات.
أولاً أتقدم بالشكر للجماعة العاملة والقائمة والمتصدية لإيفاد قوافل السائرين إلى النور، وقد أشار اللواء باقري إلى وجود مجموعة من المدراء والناشطين والأدّلاء المشاركين في هذه المجموعة، فأتقدم بالشكر لكم جميعاً، وهذه عملية مهمة ومؤثرة جداً.
من النقاط الجديرة بالذكر أننا يجب أن لا نسمح بنسيان الأيام الكبيرة. الأيام الكبرى في كل بلد ولكل شعب هي تلك التي أنجز فيها حدث إلهي على يد الشعب ومن قبل الشعب. «ذَكرهُم بِاَيامِ الله» (2) يأمر الله تعالى رسوله الأكرم في القرآن بأن يذكّرهم بأيام الله. وأيام الله هي الأيام الكبرى الصانعة للتاريخ. طيب، ثمانية أعوام من الدفاع المقدس يمكن أن يعتبر كل يوم من أيامها - بمعنى من المعاني - يوماً من أيام الله. يجب أن لا نسمح بنسيان هذه الأحداث. يعلمنا القرآن، وهذه التذكيرات الواردة في القرآن الكريم: «واذكر فِي الكتٰبِ ابراهيم» (3) و«واذكر فِي الكتٰبِ موسىٰ» (4)، و«واذكر فِي الكتٰبِ اِدريس» (5) و«واذكر فِي الكتٰبِ مَريم» (6)، يجب أن لا ندعها تنسى. يعلمنا القرآن الكريم أن نتذكر هذه الأشياء ونكرّرها. لاحظوا كم تكررت قصة النبي موسى (ع) والنبي إبراهيم (ع) وباقي القصص في القرآن الكريم، لذلك يجب أن نتذكرها وينبغي أن لا نتركها تنسى. ونحن بالطبع نشهد جهوداً ومساعي على هذا الصعيد. إنني متفائل جداً بالسيد اللواء باقري وأثق به كثيراً، وقد قال إننا نقوم بهذه الأعمال أو قمنا بها.
وهذه الأعمال على شكلين، بعض هذه الأعمال أعمال تنظيمية، حيث نشكل تنظيماً أو منظمة أو مجموعة، وهذا عمل حسن. وجانب من هذه الأعمال أعمال تنفيذية؛ والأعمال التنفيذية لا تنتهي بالتنظيم وتشكيل منظمة وتدشينها وتأسيسها. ينبغي المراقبة بشكل دائم والرصد والتدقيق على استمرار العمل أولاً، وثانياً على استمراره بشكل صحيح وعدم انحرافه، وثالثاً على تطور العمل وتساميه وأن لا يكون رتيباً. الرواية التي تقول «مَن تساوى يومَاهُ فهُوَ مَغبون» (7) تصدق تماماً على هذه الحالة بمعنى أنه لو كان عملنا اليوم كما كان بالأمس فسنكون مغبونين وخاسرين بالتأكيد. يجب أن يكون يومنا أفضل من أمسنا ولو بخطوة واحدة، ويجب أن نسير اليوم بطريقة أفضل من الأمس.
لو كان عملنا اليوم كما كان بالأمس فسنكون مغبونين وخاسرين بالتأكيد. يجب أن يكون يومنا أفضل من أمسنا ولو بخطوة واحدة، ويجب أن نسير اليوم بطريقة أفضل من الأمس
ولهذا أوصي المدراء دائماً وعلى اختلاف مجالاتهم واختصاصاتهم - في القطاع العسكري، وفي القطاع الحكومي، وفي القطاع القضائي، وغير ذلك - وأؤكد وأكرر بأن انظروا بأعينكم إلى أقصى الصفوف البشرية التي تقف وراءكم وراقبوها. أولاً يجب استمرار العمل، فقد نبدأ عملاً ما ثم ننسى في وسط الطريق أننا بدأنا ذلك العمل وحملناه على عواتقنا أو أصدرنا الأوامر بشأنه أو من المقرر أن ننجزه، فيُنسى العمل. وأحياناً لا يُنسى العمل ويستمر ولكن بشكل منحرف. وقد شاهدنا حالات ونماذج بدأ فيها العمل بصورة صحيحة لكنه انتهى إلى الانحراف، سواء العمل الثقافي أو العمل السياسي أو العمل الاقتصادي أو الأعمال الإدارية المختلفة في البلاد. يبدأ العمل بصورة جيدة لكنه ينحرف بعد مسافة معينة. وعندما يبدأ العمل بالانحراف عن الخط الصحيح قد لا يشعر به الإنسان كثيراً لأن الانحراف خفيف في تلك المرحلة والمسار قريب من الخط الصحيح، ولكن كلما تقادم الزمن واستمر السير سوف يزداد ذلك الانحراف ويكبر ويبتعد عن الطريق الصحيح. وبعض الأعمال لا تنحرف بل تستمر ولكن على وتيرة واحدة وبشكل رتيب. عندما ننظر اليوم نجد أن الوضع على نفس ما كان عليه قبل خمسة أعوام وما قبل عشرة أعوام، وما كان قبل عشرين عاماً. لا يلاحظ أي تطور وتقدم. والتطور والتقدم لا يحصل بالكلام وتقديم الإحصائيات، إنما ينبغي أن يشاهد الإنسان الثمار على الأرض، يجب أن نلاحظ ما الذي يحصل ويجري. الذي أرجوه هو أن يتنبّه القائمون على هذا العمل بأنه عمل كبير، وسوف أشير إلى هذا الجانب باختصار.
لاحظوا أيها الإخوة الأعزاء والأخوات العزيزات، إن لكل بلد ثروة. البعض لديهم ثروات إقليمية، والبعض لديهم ثروات جغرافية، والبعض لهم ثروات جوفية، والبعض لديهم ثروات إنسانية وأفراد أذكياء ممتازون، والبعض لديهم نفط، والبعض لديهم عقل وليس لديهم مال، والبعض لديهم مال وليس لديهم عقل. هناك شعوب من هذا القبيل في العالم. ينبغي أن تكون نقاط قوة البلد عزيزة ومحترمة في ذلك البلد، وعلى أبناء ذلك البلد حفظها وصيانتها. ولدينا الكثير من نقاط القوة، فلدينا الكثير من نقاط القوة الطبيعية - وليست هذه الجلسة مكاناً لهذا الكلام، لدينا الأرض ولدينا المصادر الجوفية، ولدينا المصادر الموجودة على سطح الأرض، ولدينا الكوادر البشرية، والذكاء وكل شيء - ولكن من أهم ثرواتنا ثروتنا الثقافية، فنحن لدينا ثروة ثقافية. ما هي الثروة الثقافية؟ مثلاً الميل إلى الجهاد والإيمان به ثروة ثقافية. أي إنكم عندما تسيرون بين أبناء الشعب الإيراني تجدون لديهم، باستثناء عدد قليل، دوافع ومحفزات للسير على نهج الدين، وقد تختلف الدرجات فهناك الدرجات القليلة وهناك الدرجات العالية. البعض لديه من الدوافع والمحفزات بمقدار ما لو وقف أمام الكاميرا والتلفزيون فسيرفع الشعارات لصالح البلد ومبادئ الثورة والإسلام. لا بأس، هذا شيء حسن جداً، وهناك دوافع ومحفزات وراءه. ولكن هناك من له أكثر من هذه الدوافع، فهو مستعد لأن يضحّي بروحه ويقدّمها، وهذا الشعور بالميل إلى الجهاد وتقبّل الجهاد والاعتقاد بالجهاد يعدّ ثروة ثقافية. وهذا شيء متوفر في بلادنا وغير موجود في كثير من البلدان.
قبل الثورة، عندما كانت مجاميعنا النضالية تتناقش مع مجموعة المنضالين الماركسيين مثلاً - سواء في النقاشات الجماعية أو في الحوارات الفردية، وسواء في السجن أو خارج السجن - كنتُ أقول لجماعاتنا دوماً إن فرقنا عنهم هو أن لنا إلهاً وليس لهم إلهاً، وكنتُ أتحرّق وآسف لهم. في قعر الزنازين وتحت التعذيب وفي الظروف الصعبة كان لنا ملجؤنا وإلهنا الذي نلجأ إليه ونطلب منه العون، وإذا لم تقتض إرادته أن يعيننا هناك فقد كانت قلوبنا مطمئنة على الأقل بأنه يرى كم نتعذّب ونتألم في سبيله، لكن ذلك الماركسي المسكين لم يكن له هذا الشيء. كنتُ أقول إن هذا الإنسان الذي لا إله له طالما كان واقعاً تحت تأثير الهياج والحماس والمشاعر وما إلى ذلك فسوف يعمل ويتحرك ويركض، أما إذا سلب للحظة واحدة هذا الهياج والمشاعر وفكّر بنفسه للحظة واحدة فسيجد أنه يقوم بعمل عبثي. سيقول هل أقتل من أجل أن يبقى الآخر حياً؟ وهل أقتل من أجل أن يحصل فلان على مال أو يعيش حياة رغيدة؟ لماذا؟ خصوصية الإيمان أنه يحافظ على الشعور بالجهاد والميل إلى الجهاد حياً في نفس الإنسان. هذه بحد ذاتها قيمة ثقافية، إنها قيمة ثقافية كبيرة. هذا أولاً.
خصوصية الإيمان أنه يحافظ على الشعور بالجهاد والميل إلى الجهاد حياً في نفس الإنسان
والاعتقاد بالصمود أمام العتاة هو الآخر قيمة ثقافية. الاعتقاد بأننا إذا قاومنا وصمدنا فسوف ننتصر لا محالة على العدو في نهاية المطاف، هو بحدّ ذاته قيمة وثروة ثقافية. إذا أردنا أن نعدد ثرواتنا الثقافية سنجد لدينا قائمة طويلة من القيم والثروات الثقافية نمتلكها وتمنحنا القوة، وإذا أحييناها وحافظنا عليها وأعدنا إلى الذاكرة تلك التي نسيناها وأحضرناها إلى الساحة - ومثال ذلك ما حصل في فترة الثورة حيث حضر المنسيّون إلى الساحة - عندها سوف يتم إنجاز أعمال كبيرة كما تم إنجاز مثل هذه الأعمال الكبيرة في بلادنا خلال أكثر من ثلاثين سنة. أنتم الشباب لم تشهدوا فترة ما قبل الثورة وحكومة الطاغوت، وقد شهدناها نحن. إذا قال شخص في ذلك الحين إنه من الممكن أن تقوم في إيران حركة تؤدي إلى سيادة الدين فيتولى شخص مثل الإمام الخميني الجليل زمام الأمور ويكون على رأس السلطة، فلا شك أن أي إنسان متوسط عادي عاقل كان سيقول له: إن مثل هذا الشيء مستحيل وغير ممكن. أي إنه لم يكن ليشك أبداً في استحالة هذا الشيء لأن الظروف كانت هكذا. بيد أن هذا الشيء حصل فعلاً.
لقد كانت الحرب المفروضة من هذا القبيل، قضية الدفاع المقدس كانت من هذا القبيل. ولأعرّج هنا على نقطة هامشية: لقد حدثت الحرب المفروضة لأن العدو شعر أننا نعاني من ضعف. لو كان العدو البعثي ومن حفّزه ودفعه غير متأكدين من أنهم سيصلون في بضعة أيام إلى طهران - وهكذا كانوا يفكرون - لما حصلت هذه الحرب. إنما شعروا بوجود ضعف فينا. شعوركم بالضعف يؤدي إلى تشجيع العدو على الهجوم عليكم. هذه قاعدة كلية. إذا أردتم صرف العدو عن الهجوم عليكم فحاولوا أن لا تبدوا ضعفاً. لا أقول لنكذب ونقول إننا أقوياء بل أقول يجب أن نبدي قوّتنا. لدينا الكثير من نقاط القوة فلنظهر نقاط القوة هذه. وكذا الحال على الصعيد الاقتصادي..كذلك الأمر بالنسبة للمجال الاقتصادي.
حدثت الحرب المفروضة لأن العدو شعر أننا نعاني من ضعف
الخطأ الكبير الذي وقع فيه بعضنا في التحدي الاقتصادي الكبير الذي تواجهه البلاد اليوم - ونحن اليوم نواجه تحدياً اقتصادياً كبيراً - هو إبداء الضعف في المجال الاقتصادي، وقد وجد العدو أن هذا هو الموضع الذي يمكنه أن يمارس ضغوطه من خلاله، لذلك زاد من ضغوطه. إلى درجة أنهم يسألون شخصاً في حوار معه عن هذه المناورة التي تجرونها في المكان الفلاني وتتفاوضون في الوقت نفسه مع الإيرانيين، وقد يستاء الإيرانيون من هذه المناورة وبذلك تواجه المفاوضات الاقتصادية مشكلة، فيقول بكل صلافة ومن دون خجل إن هذه الأمور لا تؤثر شيئاً فالإيرانيون بحاجة شديدة إلى المفاوضات بحيث لا تسبب مثل هذه المناورة مشكلة للمفاوضات الاقتصادية! ينبغي عدم إبداء مثل هذا الضعف أمام العدو.
في زمن الحرب شعر العدو بوجود ضعف فينا فشنّ هجومه علينا. أما هل كان فينا حقاً ضعف أم لا؟ نعم كان فينا ضعف، فقد كانت قواتنا المسلحة مشتتة ومضطربة ولم يكن فيها إدارة منظمة، والكثير من معداتنا لم تكن نافعة والكثير منها لم نكن نعرف عنها شيئاً. بعد سنة أو سنتين من الحرب اكتشفنا تواً بعض الأشياء التي كانت موجودة في مخازننا وعلمنا أننا نمتلكها ويمكننا استخدامها. ولم تكن لدينا تجربة حرب. لم تحصل في زمن الطاغوت سوى عدة هجمات استعراضية يدخلون فيها من هذه الجهة من حدود العراق لعدة كيلومترات ويخرجون من ذلك الطرف. لم تكن لدينا تجربة حرب. تجاربنا الحربية كانت تعود لزمن الحرب العالمية الثانية عندما سأل الطاغوت القائد العسكري: كم من الوقت تستطيع قواتنا المسلحة المقاومة بوجه العدو؟ فقال له: سيدي يستطيعون المقاومة لمدة ساعتين، فانزعج الشاه، وكان رضا خان، إنزعج، ثم جاءوا إلى جانب آخر، فقال شخص لذلك القائد العسكري كان المناسب أن تتكلم بطريقة لا تزعج الشاه، أي كان ينبغي أن تطرح المسألة بشكل أفضل وأنسب، فقال: لقد طرحتُ المسألة بطريقة أنسب عندما قلتُ إننا نستطيع المقاومة لمدة ساعتين، فالحقيقة هي أنهم لا يستطيعون المقاومة لأكثر من عشر دقائق، وأنا قلتُ ساعتين! كانت هذه تجربتنا الحربية.
هكذا بدأت الحرب. لاحظوا أن العدو تقدم في الخطوات الأولى إلى عشرة كيلومترات أو إثني عشر كيلومتراً عن الأهواز، بمعنى أن قذائف العدو من عيار ستين كانت تصل ضواحي الأهواز. هكذا كان الوضع. جاءوا وعبروا جسر نادر - على محور دزفول - وانتقلوا إلى هذا الجانب من نهر دزفول، بمعنى أن دزفول والأهواز والمدن الأخرى في خوزستان أصبحت عرضة للخطر. هكذا دخل العدو في هجومه الأول. وهكذا كنا نحن.
بعد ذلك هبّت قواتنا المتدينة والثورية بنداء الإمام الخميني الكبير - الذي كان بحد ذاته من معجزات الدهر ومن الآيات الإلهية الكبرى، فقد كان آية الله العظمى حقيقية - وتصرف الجيش بشكل والحرس الثوري بشكل والتعبئة بشكل، ونظموا قواتهم واستفادوا من إمكانياتهم واستخدموا قدراتهم التي كانت كامنة فيهم ولم يكتشفوها بعد. ولم تكن هذه القوة مجرد قوة الحرب والشجاعة والسير إلى سوح القتال، إنما كانت واحدة من هذا القوى إلى جانب قوى أخرى مثل قوة الإدارة والتنظيم والإبداع والمبادرة وما شابه، لذلك استطاعوا تغيير وضعية الحرب. بدأت الحرب في سنة 59 [1980 م] بتلك الخسائر التي أشرتُ لها، ولكن في فروردين من سنة 61 [آذار - نيسان 1982 م] وقع عدة آلاف من جنود العدو أسرى بيد قواتنا في عمليات الفتح المبين، فلاحظوا الفرق! خلال سنة ونصف كانت حركة تقدم قواتنا المؤمنة المتدينة الثورية بحيث تحول التراجع إلى قرب الأهواز وإلى قرب دزفول، تحول إلى عمليات مثل عمليات الفتح المبين التي أسرنا فيها حوالي عشرة آلاف أو إثني عشر ألف جندي من جنود الأعداء. والحق أن أيام الحرب المفروضة والدفاع المقدس من أيام الله، فيجب إحياء هذه الأيام، فهي ثروة.
أيام الحرب المفروضة والدفاع المقدس من أيام الله، فيجب إحياء هذه الأيام، فهي ثروة
يخطئ الذين يتصورون أنه إمّا يجب أن لا يذكر اسم الحرب، أو إذا ذكر اسمها فيجب التحدث ضدها. يعقدون الجلسات والاجتماعات بمناسبة آثار الحرب وآدابها، ويقرأون فيها أشعاراً ضد الحرب. هذا خطأ. هؤلاء أشبه بالذين يحرقون الكتب الخطية النادرة الباقية عن الماضي لشعب من الشعوب، النسخ الفريدة من نوعها. وهم كالذين يستخرجون نفط بلد ما ثم يريقونه في البحر ويتلفونه. إنهم يعدمون ويتلفون الثروة الوطنية التي يمكنها صناعة التاريخ والمستقبل والتي يعتبر ذكرها مثل ذكر «وَذَكرهُم بِايامِ الله» (8) مبعث بناء حاضر البلاد ومستقبلها. ينتجون الأفلام، ينتجون أفلاماً ضد الحرب، ويكتبون الكتب، ينبغي الحذر. إنهم يخلطون بين قضيتين، إحداهما هي هل الحرب شيء جيد أم سيّئ بحدّ ذاتها؟ واضح أن الحرب شيء عنيف وفيها قتل وتدمير وجرحى، هذا واضح، وهذه قضية. والقضية الثانية هي أن الشعب الذي يتعرض للهجوم من نواح مختلفة، إذا كان قوياً ولم يأت بقواه إلى الساحة ولم يقاوم بوجه العدو، فما الذي سيحصل؟ إنهم يخلطون هذه القضية بتلك القضية. كان الدفاع المقدس تحركاً حيوياً وبمثابة التنفس لهذا الشعب، ولو لم نتنفس لمتنا. فيجب إحياء هذه الأمور.
كان الدفاع المقدس تحركاً حيوياً وبمثابة التنفس لهذا الشعب، ولو لم نتنفس لمتنا
إذن ذكريات ثمانية أعوام من الدفاع المقدس ثروة وطنية عظيمة. وهذه الذكريات كثيرة ومتنوعة وبليغة وعميقة المعاني بحيث لا يستطيع أي لسان بليغ - وليس لساني القاصر - أن يطرحها كلها. والسبب هو أنه مضى على نهاية الحرب ما يقارب الثلاثين عاماً، ويكتبون الكتب اليوم عن الحرب، وعندما أقرأ - وقد كنتُ حاضراً وناظراً وأعلم الكثير من الأمور والأحداث - تلك الكتب استفيد منها كثيراً من الأمور. يمكن معرفة الأشخاص والشخصيات والكلام والحكم من تلك الكتب. هذا الشيء الذي رواه عني ليس بكلامي، بل هو كلام جندي من همدان (9) إذا أردتَ اجتياز الأسلاك الشائكة فيجب أن تجتاز أولاً الأسلاك الشائكة لنفسك (10). عندما نكون أسرى أنفسنا فلن نستطيع فعل شيء. هذا ما علمونا هم إياه. هذا ما علمنا إياه ذلك الشاب ذو العشرين عاماً أو الخمسة وعشرين عاماً. لقد تعلمنا هذا منهم، وهو ثروة عظيمة.
حسناً، إذا أردتم الاستفادة من الثروة فيجب أن تجيدوا تقنيتها. أريد القول إن قوافل السائرين إلى النور هذه تقنية. إنها تقنية للاستفادة من هذه الثروة العظيمة. هذا المنجم العظيم من الذهب الذي تحت تصرفنا يمكن إمّا أن نتركه بدون تقنية أو يمكن مثل الكثير من مناجمنا - التي يعطونها للأسف لهذا وذاك فتذهب من دون أن تنتج قيمة مضافة - تركها لتذهب، أو يمكن أن نجعلها ذات قيمة مضافة عن طريق التقنية. قوافل السائرين إلى النور هذه تقنية وحركة عظيمة. ينبغي معرفة قدر هذا الشيء كثيراً. قوافل السائرين إلى النور هذه عمل كبير ومهم جداً، فحاولوا أن تقوموا بهذا العمل على نحو صحيح.
والحمد لله على أنه أنجز لحد الآن بشكل جيد، لكن هذا لا يكفي، فكما قلتُ مواصلة الطريق واستمرار الحركة لا يكفي لوحده. إنما ينبغي أن يكون استمرار الحركة مصحوباً بالتجديد والتقدم في الحركة، ويجب أن تكون هناك فوائد أكثر تجتنى في كل مرة وفي كل سنة بالمقارنة إلى السنة السابقة. إننا نقف في الوقت الحاضر أمام أعداء يستخدمون ضدنا أكثر معداتهم تطوراً ويستخدمون أيضاً أموالهم الكثيرة. وقد لا يكون لدينا هذا القدر من الأموال أو ذاك القدر من الأسلحة - نعم، لديهم أسلحة نووية وليس لدينا - ولكن لدينا شيء لا يمتلكونه، وهو ثقافتنا وإيماننا والقوى الإنسانية الكفوءة والممتازة عندنا. لدينا هذا الشيء فيجب الاستفادة منه. من الذي يجب أن يستفيد؟ كل أركان البلاد يجب أن يستفيدوا. عندما نقول إن قوافل السائرين إلى النور تقنية جديدة للاستفادة من منجم سنوات الدفاع المقدس اللامتناهي فمعنى ذلك أن كل البلاد يجب أن تستفيد منه وتعرف قدره، فينبغي أن يذكر في كتبنا وفي فنوننا وفي مدارسنا الثانوية والإبتدائية وفي جامعاتنا. مسؤولو الجامعات ومسؤولو القطاعات الحكومية حاضرون هنا فليعتبروا أنفسهم مكلفين بهذه المهمة. مجرد أن نضع في زاوية ما مركزاً يذهب إليه من أراد - مركز جامعي مثلاً - ويسجّل اسمه ويتوجّه فهذا ليس كل ما يمكن القيام به من عمل، إنما لا بدّ من مزيد من العمل. انظروا لهذه القضية وكأنها كنز أو منجم عظيم الفائدة والمنفعة والأرباح، وفكروا ما الذي يمكن القيام به حيال هذا الكنز. ينبغي العمل والتفكير والبرمجة والتخطيط ورسم الخطط.
الذين يأتون لرحلات السائرين إلى النور ويعودون لا بدّ أن يضاف إليهم شيء، ويجب أن يحصل بينهم وبين حادثة الدفاع المقدس المهمة آصرة ورابطة لا انفصام لها، وينبغي أن يتوفروا على معرفة جديدة ومعلومات غير مسبوقة. وقد كانت أعمالنا برأيي طوال هذه السنين قليلة أي إننا كنا قليلي العمل. طبعاً كُتبت كثير من الكتب، وتم إنتاج عدة أفلام، وهذه نشاطات جيدة، فالأعمال التي تم إنجازها جيدة وقيمة، لكنها برأيي قليلة بالقياس إلى ما يجب أن ينجز. وهذه الكتب التي نقرؤها ونستفيد منها جيدة لكن دائرتها محدودة. دائرة تأثيرها محدودة. يقال مثلاً تمت طباعة خمسائة ألف أو ستمائة ألف نسخة من الكتاب الفلاني الواسع الانتشار. طيب، ستمائة ألف نسخة من كتاب في بلد بهذه الضخامة، حتى لو افترضنا أن كل نسخة يقرؤها عشرة أشخاص فستكون النتيجة خمسة ملايين شخص أو ستة ملايين شخص. يقرأ خمسة ملايين شخص من مجتمعنا الذي يضم ثمانين مليون نسمة كتاباً ويتعرّفون على معارفه، هل هذا يكفي؟ ينبغي الترويج، ينبغي الترويج للكتاب وللمفاهيم وعرضها على شكل فنون، وإدراج أفضل الأشياء في الكتب المدرسية، وافتتاح باب في الجامعات لقضايا الدفاع المقدس. فلا ندع هذه القضية تذهب وتمر بسهولة. أي معاق من معاقي الدفاع المقدس هو ذكرى فلنكرّم ذكريات الدفاع المقدس هؤلاء، ولنكرّم قادة الدفاع المقدس. وعليهم هم أنفسهم أن يعرفوا قدر أنفسهم ويحافظوا على أنفسهم ويحافظوا على تلك القيم في أنفسهم. وهذا طريق يمكن أن يمتد ويتطور بالاستقامة والصبر.
أي معاق من معاقي الدفاع المقدس هو ذكرى فلنكرّم ذكريات الدفاع المقدس هؤلاء، ولنكرّم قادة الدفاع المقدس
إذا عملنا عملاً ثقافياً في مجال الدفاع المقدس وأنتجنا نتاجات ثقافية فإن هذه النتاجات سوف تثري البلاد وتثري كوادرنا الإنسانية وتقوّيها، فيتقوون مقابل مؤامرات الأعداء. عندما نريد كوادر للاقتصاد فيجب أن تكون هذه الكوادر قوية، وعندما نريد كوادر للثقافة يجب أن تكون هذه الكوادر قوية، وحينما نروم كوادر للشؤون الإدارية في البلاد فلا بدّ أن تكون هذه الكوادر قوية. والثقافة هي التي تقوّي الأفراد وتصنع أشخاصاً أقوياء. ومن ينابيع القوة الثقافية هذا المعين الفياض لقوات الدفاع المقدس. إذا استطعنا الاستفادة من هذا فسوف تقوى ثقافة البلاد وتتعزز. هذا هو الإنتاج الثقافي. في الثقافة أيضاً - كما هو الحال بالنسبة للشؤون الاقتصادية - إذا لم ننتج فسنحتاج إلى الاستيراد. كما في القضايا الاقتصادية إذا لم تنتجوا في الداخل فستأتي الواردات وتحلّ محلّ الإنتاج الداخلي. وعندما تأتي الواردات وتكون هي البديل ستكون النتيجة أن لا يستطيع الإنتاج الداخلي بعد ذلك الاستقامة والنهوض، وهذه من مشكلاتنا اليوم. الاستيراد الكثير - وربما المنفلت من دون حساب وكتاب - في القطاعات المختلفة وفي مقابله الإنتاج الناقص، وكذا الحال بالنسبة للثقافة. إذا لم تنتجوا ثقافياً دخلت الواردات الثقافية - سواء بصورة رسمية أو على شكل تهريب - إلى البلاد. والواردات الثقافية اليوم كثيرة. ولديّ في هذا الخصوص الكثير من المعلومات وأنا أحذّر المسؤولين في بعض الأحيان، وسوف يتنبّهون إن شاء الله، وبعضهم يتنبّهون.
الأعداء يفكرون، وهم يجتمعون في هذه المجاميع التي يسمّونها غرف عمليات ويفكرون كيف يستطيعوا التغلغل إلى ثقافة الشعب الإيراني، وكيف يستطيعوا تغيير الشباب. هذا هو أملهم ويطمحون إلى إفراغكم أنتم الشباب الذين تتنفسون اليوم على حبّ الإمام الخميني وحبّ الثورة وحبّ القيم الدينية والإسلامية والثورية العليا، من كل هذه القيم وسلبها منكم وتحويلكم إلى عناصر تابعة للثقافة الغربية والتفكير الغربي، وإلى عناصر عديمة الفائدة والجدوى للبلاد ولأنفسكم وللمستقبل. هذا هو أملهم. إنهم يخططون لهذا ويعملون وينشطون. وهذا ما عدا الأعمال الأمنية، وما عدا المؤامرات الأمنية، وما عدا التهديد بالأعمال العسكرية، وهذا برأيي أخطر من تلك الأشياء. التحركات العسكرية إذا جاءت من قبل العدو فسوف تزيد من حوافز الشعب وتقوّي قبضة الشعب مقابلهم. هكذا هو التحرك العسكري. لكن التحرك الثقافي على العكس من ذلك. إذا استطاع العدو القيام بهجوم ثقافي فسوف يؤدي ذلك إلى ارتخاء الإنسان وخموله، وعدم قدرته على التصميم واتخاذ القرار، وإضعاف الإرادات، وسلب شباب البلاد من البلاد، وجعل الكوادر المفيدة عديمة الفائدة. هكذا هو الهجوم الثقافي. وسبيل المواجهة هو أن يكون لكم إنتاجكم الثقافي. ومن النتاجات الثقافية هذا الشيء المتعلق بكم والمتعلق بالسائرين إلى النور وهو - للإنصاف - إبداع وسنة حسنة أسسه إخوتنا الأعزاء في الحرس الثوري وفي القطاعات المختلفة وأطلقوه، فهو حسن جداً. على كل حال نتمنى أن يتم هذا العمل على أحسن وجه.
ولاحظوا أيضاً أن هؤلاء المقررين الذين يذهبون مع هذه المجاميع ويوجّهون الأفراد ويرشدونهم يجب أن يعلموا ما الذي ينبغي قوله في هذه التقارير. هذا التقرير يختلف عن التقرير الذين يخصّص للسياح الأجانب القادمين للتفرج على البناية الفلانية. هذا شيء آخر، وينبغي عدم خلط هذا بذاك. التقرير الجيد هناك شيء والتقرير الجيد هنا شيء آخر. هنا ينبغي أن يكون محتوى التقرير زاخراً بالتبيين والمعرفة وبيان الحقائق والنقاط المميزة والإيجابية للدفاع المقدس وقيم الدفاع المقدس. هكذا يجب أن يكون. أنا لا أقول طبعاً بالغوا، فأنا لا أتحيّز أبداً للمبالغة وما شاكل، بل على العكس، كانت لنا في هذه الهجمات التي شنّت خلال فترة الأعوام الثمانية هجمات ناجحة وهجمات غير ناجحة. في هجمة رمضان من باب المثال أو هجمة كربلاء الرابعة كانت هناك هجمات غير ناجحة، وكانت لنا هجمات ناجحة منها على سبيل المثال والفجر الثامنة حيث تقدم شبابنا إلى الجانب الآخر من نهر أروندرود، لكن نفس هذه الهجمات الناجحة رافقتها مئات المشاكل. ليس الأفراد كلهم على شاكلة واحدة، والصعوبات كانت كثيرة، والبعض كانوا يعودون وسط الطريق، والبعض يندمون، والبعض لا يتقدمون، والبعض يفكرون فيما سيقال عنهم أكثر من تفكيرهم في أداء الواجب. كانت لنا أمور من هذا القبيل أيضاً، فلنذكر هذه الأمور أيضاً ولا إشكال في ذلك. في غمرة كل هذه الأمور تبرز تلك التألقات الاستثنائية وأولئك الأفراد الخلص والشهداء الأعزاء الأجلاء، وتتجلى قيمهم ورفعتهم. إذن، لا ضرورة أبداً للمبالغة وأنْ نبالغ ونتحدث وكأنهم كانوا أناساً آخرين، لا، كانوا من نفس نوعنا لكنهم عرفوا الطريق أفضل منا، وفهموا الحياة أفضل منا، وكان لهم إقبال أكبر وتوسل أكبر وقد نظر الله تعالى لهم أكثر، ورواهم من معين لطفه وفضله.
كل واحدة من هذه المحافظات الخمس: خوزستان وإيلام وكرمانشاه وكردستان وآذربيجان الغربية - هذا الشريط الحدودي في غرب البلاد - لها قضية ولها قيمة ولها مكانة ويجب الاهتمام بالناس هناك ومعاملتهم بمحبة ومودة فقد عملوا كلهم على الإسناد والمساعدة. في كل هذه القطاعات والمجالات التي تلاحظونها لو لا إسناد الناس ومساعداتهم لما تقدمت الأمور ولما أنجزت، إنما كان دعم الناس هو الذي أتاح للمقاتلين أن ينجزوا مهمّاتهم. طبعاً في الفترة القصيرة التي شاركتُ بها في تلك الميادين شاهدت بعيني مساعدات الناس ودعمهم واهتمامهم الخاص بالمقاتلين حيث كانوا يدفعون المقاتلين إلى إنجاز الأعمال الكبيرة. نتمنى أن يوفقكم الله تعالى ويؤيدكم ويبارك في هذا المشروع وأن تشمل بركاته حاضر البلاد ومستقبلها.
والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الهوامش:
1 - في بداية هذا اللقاء ألقى اللواء محمد حسين باقري (رئيس هيئة أركان القوات المسلحة) كلمة بالمناسبة، وتلا صادق آهنگران مدائح في شهداء الدفاع المقدس والشهداء الغواصين.
2 - سورة إبراهيم، شطر من الآية 5 .
3 - سورة مريم، شطر من الآية 41 .
4 - سورة مريم، جانب من الآية 51 .
5 - سورة مريم، جانب من الآية 56 .
6 - سورة مريم، شطر من الآية 16 .
7 - أمالي الصدوق، ص 668 ، بقليل من الاختلاف.
8 - سورة إبراهيم، شطر من الآية 5 .
9 - كتاب «عندما ضاع القمر»، ذكريات المقاتل على خوش لفظ، والمراد بالمقاتل من أهالي همدان الشهيد چيث سازيان.
10 - بكاء الإمام الخامنئي والحضور.