جاءت كلمة الإمام الخامنئي خلال هذا اللقاء على الشكل التالي:
بسم الله الرحمن الرحيم (1)
كما ذكر السادة، فإن مدينة كلبايكان (2) ومنطقة كلبايكان هي منطقة خصبة بإنجاب العلماء، فقد ظهر علماءٌ كبارٌ من هذه المدينة طوال الـ 150 عاماً الأخيرة، ولا يزال إلى اليوم أشخاصٌ من كبارهم موجودين والحمد لله في الحوزات العلمية. لكن لون الشهادة وزينتها شيءٌ يفوق هذه الأمور. والحمد لله كما قال السادة في كلماتهم التي انتفعنا منها فإن مدينة كلبايكان قدمت شهداء مميزين، منهم الشهيد المرحوم صدوق الذي ليس لدي اطلاعٌ مسبقٌ عنه، لكنَّ هذه الخصوصيات التي ذكرتموها خصوصيات بارزة: أولاً خصوصية خدمة الناس، وثانياً خصوصية مواجهة الجهاز الطاغوتي، وفوق كل هذا خصوصية الشهادة في سبيل الله، فقد قدّم روحه في هذا السبيل واستشهد، وهذا شيءٌ قيّمٌ وعظيمٌ جداً. أسأله تعالى أن يُعلي من درجاته وأن يحشره مع أوليائه ومع شهداء صدر الإسلام ومع شهداء كربلاء إن شاء الله.
المهم في قضية الشهادة أن يستعد الشخص لحمل روحه على كفه لبذلها في سبيل الله.
والشهداء الآخرون الذين استشهدوا في ساحة القتال مع العدو ـ سواء في الدفاع المقدس أو في غير ذلك ـ لهم كلُّهم مرتبة الشهادة السامية هذه. المهم في قضية الشهادة أن يستعد الشخص لحمل روحه على كفه لبذلها في سبيل الله، فمُضحونا ومقاتلونا والذين حملوا أرواحهم على أكفهم ومضوا يتمتعون جميعهم بهذه الفضيلة، لكنَّ الله تعالى يتفضل أحياناً على بعض الأشخاص تفضلاً خاصاً فيمنحهم ثوابهم، ألا وهو الشهادة، نقداً عاجلاً، لذلك تكون قيمتهم ومكانتهم مضاعفتين عدة أضعاف، لأنهم نالوا ثواب هذا الجهاد من الله تعالى نقداً: «إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ» (3). أي إن الله تقبَّل منهم أرواحهم، تقبَّل منهم هذا المتاع، ومنحهم في المقابل الجنة. وهذه أرقى صفقة، وأعلى ربح. أرواحنا هي الرصيد الذي سوف يذهب على كل حال شئنا أم أبينا، فما من أحد يستطيع الاحتفاظ بهذه الروح وهذا العمر الذي هو أثمن رصيدٍ لدى الإنسان، فهو موجودٌ لفترة معينة ثم يؤخذ منا. يؤخذ بأشكال متعددة مختلفة، فقد يقع لشخصٍ ما حادث سير في الشارع ويموت بحادث سير، وشخص آخر يموت بالمرض. ولكن هناك من يتاجر بهذه الروح مع الله. يتاجر بهذه الروح التي سوف تؤخذ منه [على كل حال].
كنتُ أقول في كلماتي قبل الثورة مراراً أن الشهادة موتٌ تجاري [موتٌ مربح]. إنها موتٌ فيه حسابٌ وكتاب. الذي يستشهد في سبيل الله هو في الواقع صاحب أفضل الحسابات، فهذه الروح ليست مما يبقى، وكما يُعبّرون في المثل الإيراني «يُهدي الزيت المراق لضريح السيد». هذا الزيت مراقٌ ومهدور أي أنه ليس بباق، وإذا بصاحبه يهديه لضريح السيد. هذا شيءٌ قيمٌ جداً، وهذه شطارةٌ كبيرة. شهداؤنا كانوا يتمتعون بهذه الشطارة والذكاء حيث استطاعوا المتاجرة بهذه الروح الزائلة مع الله تعالى، والله تعالى يتحدث معهم بهذه اللهجة: «إنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ». ربنا، ومن نحن حتى تشتري منا أرواحنا؟ هذه الأرواح ملكك وهي لك، بل ليس لنا حريةٌ فيها. لاحظوا كم [هي عظيمةٌ وجليلةٌ] هذه القيمة التي يجعلها الله تعالى لهذا المجاهد في سبيل الله «مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ». جعل الله تعالى هذا لشهدائنا. ويجب علينا أن نثمّن هذه القيمة تثميناً كبيراً، وها أنتم الآن تدافعون عن هذا الشهيد العزيز من رجال الدين ـ الشهيد صدوق ـ وعن باقي شهداء مدينتكم وتحيون ذكراهم وتكرّمونهم وتعظمونهم. هذا عملٌ حسنٌ جداً. نرجو أن يمنّ الله تعالى عليكم بالأجر إن شاء الله، وسيكون مستقبل مدينة كلبايكان إن شاء الله كماضيها مفعماً بالعلم والمعنويات والتضحية.
والسّلامعليكم ورحمة اللّه وبركاته.
الهوامش: