الخطابات

كلمته في مؤتمر القدس العالمي

بسم‎‎ الله‎ الرحمن‎ الرحيم.الحمد لله‎‎ رب‎ العالمين‎ والصلاة والسلام‎ على‎ الـرسـول‎ الأعـظم‎ الأميـن‎ وعلى آلــه‎ الطاهرين‎‎ وصحبه‎ المنتجبين. أرحب‎ بضيوفنا الأعزة‎‎ السادة العلمـاء والمفكرين‎‎‎ والساسة‎ والمجاهدين والمرابطين على‎ الحدود العقائدية‎‎ والجهادية للإسلام‎ . لقد جاء اجتماعكم‎ هذا لتبادل‎ الأفكار ووضع‎‎ الحلول‎ المناسبة‎ لأبشع الكوارث التي‎ تواجهها الأمة‎‎ الإسلامية في‎ التاريخ‎ المعاصر إثر مؤامرات‎ الاستعمار وأعني‎ بذلـك‎ احتـلال‎ فلسطين‎ والقدس‎ الشريف‎. إنَّ‎‎ تزامن انعقـاد هـذا المـؤتمـر مـع‎ الذكرى‎ السنوية‎ لميلاد الرسول‎ الأعظم‎ (صلـى‎ الله‎‎‎‎ عليه وآله وسلم‎) فـي‎‎ الـسنـة التـي شرّفها الشعب‎‎ الإيراني‎ باسمه‎ المبـارك‎ يجـب أن‎ يشكل‎ لنا جميعاً منبعاً ملهماً للجهـاد والإتحاد والعزم‎ الراسخ‎ والوثـوق‎ بـالـوعـد الإلهي‎ وموفراً لأرضية‎‎ تقبّل‎ الرحمة والنصـر الإلهيين‎‎ إن شاء الله‎ تعالى‎. إنَّ‎ العصر الحـاضـر هـو عصـر الـصحـوّة‎ الإسلامية‎‎‎ حيث تحتل‎ فلسطين‎ قلب‎ هذه الصحوة. يمضي‎‎ الآن‎‎‎ ما يقرب‎ من ستين عامـاً على احتلال‎ فلسطين‎ حيث مرّ الشعب‎ الفلسـطينـي‎ المضطهد بفترات‎‎ ملأى‎ بالـمحـن‎ والابتـلاءات المتنوعة‎‎‎ بدءاً بأنماط المقاومة المظلومـة المخيبة‎‎‎ والتهجير والغربـة ورؤيـة دمـار الأهل‎‎ والديار والقتل الجماعي‎ لـلأعـزة‎ والأقارب‎ وانتهاءً باللجوء إلى‎ المحـافـل‎ الدولية‎‎ ومواجهة التعامل‎ السياسي‎ العقيم‎ والمقامرة‎‎ الخاسرة والمفاوضات‎ مع‎ المحتـل‎ وتوسيط القوى‎ التي‎‎‎ كانت‎ هي - في الواقع‎ - المجرم‎ الأصلي‎‎ في نشـوء واستـدامـة‎‎ هـذه المحن‎. إنَّ‎ نتاج‎ هذه‎‎ التجارب‎ التاريخية أوصـل‎ الجيل‎‎ الجديد الصاعد لذلك‎ الشعب‎ البـاسـل الرشيد إلى‎‎ ذروة‎ الوعـي والـتحـرر وفجَّـر بركان‎ الإنتفاضة‎. أمّا على‎ الطرف‎ الآخر فقد امتدت‎ مسيـرة‎ أخرى‎ ذات‎ مراحل‎ مختلفة: وحـشيـة مـطلقـة العنان‎ لا تعرف‎ الرحمة‎‎ وإبادة للأجيال‎ ودمار حاقد واعتداءات‎ عسكريـة‎ على‎ الـدول‎ المجاورة‎ ورفـع‎ شعـار مـن‎ الـنيـل‎ إلى‎ الفـرات‎ إلى‎‎ الاعتـداء الـسيــاســي والاقتصادي‎ على‎ المنطقـة‎ مسـتغـلاً ضعـف‎ بعـض‎ الساسة‎ في‎‎ العالم‎‎ الإسلامي وخيانـتهـم. وفجأة‎‎‎ راح‎ يواجه صحـوة الأسـد الفـلسـطينـي‎ الغافي‎ والإنتفاضة الصاخبة لـشعـب‎ مـتبـرم‎ ثائر. وكان‎ حاصل‎ هذه‎‎‎ المسيرة المتـلاطمـة التي‎‎‎ اعتمدت‎ باستمـرار على ثـروة‎ دولتـي أمريكا وانجلترا وقدرتيهمـا ودعمـهمـا المخزي‎ للصهاينة المجرميـن‎‎ أن استـولـى‎ اليأس‎ والتردد والخور على‎ قادة‎ النـظام‎ الغاصب‎‎ اليوم‎ حيث واجهـوا المـد الصـاخـب والمتصاعد للصحوة‎‎ الإسلامية. صحيح‎ إنّ‎‎ فلسطين اليوم‎ تـشكّـل‎ مسـرحـاً لأقسى‎‎ الجرائم‎ البشرية‎‎ على يد الـصهـاينـة الغرباء الغاصبين‎‎ بحق‎ أصحابها المضطهدين وتجري‎ على‎‎ تلك‎ الأرض‎ وبـشكـل‎ استـثنـائي أبشع‎ أنماط الظلم‎ وبصورة‎‎ سافرة يتبـاهـى‎ بها النظام‎ الصهيوني‎ إلا أن‎ نـظرة‎‎ فـاحصـة إلى‎ مجمل‎ هذه‎‎ المسيرة ذات‎ الستيـن‎ عـامـاً يكشف‎ عن‎ حقيقة‎‎ مروّعة لها عبرتها ولـيسـت‎ هي‎‎ إلى تغير المسرح‎ وتبادل‎ مواقع‎ القدرة‎ على‎‎ الجبهتين‎‎: على صعيد فلسطين نفسهـا وعلى‎‎ مستوى‎ الشرق‎ الأوسط والعالم‎ الإسلامـي الذي‎ خطط ونفَّذ الساسة‎ الغربيون‎‎ مـن خـلال‎ اغتصاب‎ فلسـطيـن‎ فـي‎ الأسـاس‎ للـهيـمنـة‎ والسيطرة‎‎‎‎ الممتدة والمضمونة عليه. لنتصور فلسطين‎‎ في‎ العقد الـرابـع‎ مـن القرن‎‎ العشرين وهي‎‎ أرض‎ تقع‎ في قلب‎ العالم‎ العربي‎‎ وهي بلد فقير وحكومـة‎‎ ضعـيفـة وشعب‎ غافل‎ وجيران‎ عملاء للاستـعمـار وقـد عملت‎ دولة‎‎ غربية هي‎‎ الأغنى والأكثر سلاحاً والأشد شراً بتحريض‎ من‎ الصهاينة‎ على‎ سلـبهـا من‎‎ أيدي‎‎ المسلمين وتسليمها لحزب‎ عـنصـري عدواني‎‎ إرهابي تدعمه‎‎ كل‎‎ الدول الغربيـة وكلا العملاقين‎‎‎ السياسيين المـتنـازعيـن فـي‎ العالم‎. وكانت‎ الدول‎ العميلة‎‎ في‎ المنطقـة مـن‎ قبيل‎‎ إيران‎ البهلوية‎ وبعض‎ الـدول الأخـرى‎ قد أعرضت‎‎ عن‎ إسلامها وعروبتهـا وانخـرطت في‎‎ خدمة‎ ذلك‎ النظام‎ في حين‎ وضع‎‎ الجميـع المال‎ والسلاح‎ والعلـم‎ والـصنـاعـة تحـت‎ تصرفه‎ وكانت‎ أمريكا تمثّل‎ القيم‎ والمحامـي‎ الداعم‎ في‎‎ حين‎‎ كان الاتحـاد السـوفـيتـي لا يختلف‎ معها في‎ هذه‎‎ المسالة فقط. وقرارات‎ الأمم‎‎ المتحدة‎ رغـم ضعـفهـا وكونها قرارات‎ محافظة‎ لـم‎ تكـن‎ لتـلقـي‎ أي‎ اهتمام‎ بها من‎ قبل‎ الـدولـة‎‎ الصـهيـونيـة المختلقة‎‎ المتمردة. فهي‎‎‎ بذلك‎ وبدعـم‎ أمـريكـي وأوروبي تعتدي‎ عسكرياً على‎ مصر وسوريـة ‎ والأردن‎ ولبنان‎‎ وتحتل‎ مساحات‎ من أراضيها مستهدفـة‎ احتلالها الدائم‎ وتتحدث وتهدد بالاغتيـال‎ والقتـل‎ والـنهـب‎ دون‎‎ أن تـأبـه‎ لأحـد ويتوالى‎‎ على الـقيـادة‎ فـيهـا إرهـابيـون‎ معروفون‎‎ الواحد تلو الآخـر وكـان آخـرهـم‎ جزار صبرا وشـاتيـلا الـمعـروف‎ . وهكـذا تستمر على‎ مسرح‎ فلسطين‎‎ لـعشـرات‎ السـنيـن دولة‎‎ غاصبة بمظهـرهـا الـخشـن‎ الـمتـصلّـب‎ المتطلب‎ دائماً للمزيد والعاصـي‎‎ على كـل‎ هزيمة‎. وعلى‎ الجبهة‎ الأخرى‎ وبعد ذلك‎ الـضعـف‎ والهزيمة‎‎ الأولى‎‎ وفشل‎ المسـاعـي النـاقصـة للسنين‎ الأولى‎‎ حيث التجارب‎ تتوالى وتفشـل‎ معها الذرائع‎ الفكـريـة‎‎ والـعمـليـة مـن‎ الإدعاءات‎ القومية‎‎ والوطنية إلى‎ اليسـار الماركسي‎‎ وأمثاله‎ على مـستـوى الـواقـع‎ العملي‎‎ يرسم‎ الإيمـان‎‎ الـدينـي الـذي‎ كـان الشعب‎ ملتزماً به‎‎‎ بقوة وبهمّة المجاهـديـن‎ الصابرين‎‎ المقاوميـن وبـالتـدريـج‎ نقـاطاً مضيئة في‎ الأفق‎‎ المعتـم‎ الـمحـزن‎ ويـخلـق الآمال‎. وفي‎ هذه‎‎ الأثناء تبزغ فجأة شمـس‎ الثورة‎‎‎ الإسلامية من‎ الشرق‎ ليرتسم‎ على‎ راية هذه‎‎‎‎ الثورة الإلهية الخفّاقة إلى‎ جانب‎ اسـم‎ الله‎‎‎ والشريعة الإسلامية اسم‎ فلسطين‎. ومن‎ هـذا المـنعـطف‎ تتـغيـر مـسيـرة‎ الحوادث وتبدأ في‎ المنطقـة‎‎ مـسيـرة زوال‎ الدولة‎‎‎‎ الغاصبة وفناء السيطرة الأمريكية المطلقة‎ التي‎‎ كـانـت‎‎ على مـدى‎ الـسنـوات الممتدة‎‎‎ شريكاً لإجرام‎ الدولة الغـاصبـة. وتنطلق‎ مسيرة‎‎‎ المجاميع‎ الجهادية المـؤمنـة بالإسلام‎ في‎ فلسطين‎‎ ولبنـان ويـنشـأ جيـل‎ مناضل‎ صلب‎ وصادق‎‎ ويحيا من‎ جـديـد منـطق الجهاد والشهادة‎‎‎ وتحتل‎ القدرة الحقيقية ـ وأعني‎ بها قدرة الشعب‎ الذي‎ يترسخ‎ فيـه عزم‎ المقاومة‎‎ والتضـحيـة ـ مـوقـعهـا فـي‎ معادلات‎ فلسطين‎‎ والمنطقة‎ من جديد. ويعمل‎ الدم‎ الطاهر للشباب‎ الاستشهـادي‎ والـحضـور الميداني‎‎ للمناضلين‎‎ المضحّين على قلـب‎ كـل‎ حسابات‎ هواة‎‎‎ السلطة وعبّاد المادة وعشـّاق‎ اللذة‎‎ ليفتح‎ ميداناً جديداً ينتصر فيه الدم‎ على‎ السيف‎. واليوم‎ وبعد مرور ستين‎ عاماً على‎ تلك‎ البداية‎‎ الحافلة بالمحن‎ تنـطلـق‎ على‎ أرض‎ فلسطين‎ يوماً بعد يوم‎ بقوة‎‎ متناهية وبنفس‎ جديد وعزم‎ قوي‎ جبهة‎‎ الحـق بآمال‎ حيـّة وبدافع‎ إيماني‎ يسـتقـطب‎ الأجيـال‎ الجـديـدة‎ الواحدة‎ تلـو الأخـرى‎ فـتفـرض‎ على‎ العـدو الهزائم‎ العسكرية‎‎‎ والسياسية المتتـابعـة في‎ لبنان‎‎ وفلسطيـن وتـتقـدم‎ بـجهـادهـا الحماسي‎ نحو الفتح‎ المبين‎‎ وكـان الخـطاب‎ الإلهي‎‎ الصادق‎ يتوجه‎‎ إليها عبر قولة تعالى : {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا 20 وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا} سورة الفتح/20- 21وعلى‎ الطرف‎ الآخـر نـلاحـظ أنّ‎ جـبهـة‎ الباطل‎ بعد التقهقر الـمتـوالي‎ وفقـدان‎ الآمال‎ الكاذبة‎‎ الأولى‎ تقع‎ فريسة التمـزّق‎ والشك‎ والضياع في‎‎ حين‎ تواجه‎ أمريكا ـ وهي الداعمة الأساسيةـ في‎ الشرق‎ الأوسط مشكـلات‎ لا حلول‎ لها ونفوراً متزايداً لـشعـوب‎ هـذه‎ المنطقة‎ بل‎‎‎ من‎ كل العالم‎ تجاهها وتنـازل شعار من‎ النيل‎ إلى‎‎ الفرات‎ إلى شعار الأمن‎‎‎‎ وأي‎ أمن؟ أمن يـكمـن خلـف‎ جـدار يبنيه‎‎ النظام‎ حوله. ولا يملـك‎ فـي‎ مجـال‎ مواجهة‎‎‎ فلسطين‎ المنتفضة سبيلاً غير الدبابة والقنبلة‎ والاغتيال‎ والسجن‎ والجـرار، وهي‎‎ نفسها الوسائل‎ التي أدى‎ استخدامها عبر عشرات‎ السنين‎ الماضية‎‎ إلى‎ ما نراه اليـوم‎ من‎ الموقـف‎ الحـديـدي‎ الـمتـصلّـب‎‎ للـشعـب الفلسطيني‎ ولذلك‎‎ لن‎ تترك أثراً بعـد هـذا سوى‎ مقاومته‎‎ المتصاعدة. إخـوتـي‎‎ وأخـواتـي:إنَّ‎ شـعـب‎ فلسطين‎‎ اليوم‎ يتحرك‎ في‎ ميدان جهاد صعـب‎ وممتد ولا يقتصر هذا على‎ جهاد فلسطين‎ فحسب‎ وإنما هو جزء بارز من‎ الجبهة‎‎ الواسـعـة لجهاد العالم‎ الإسلامي‎ ضد المـستـكبـريـن‎ والمعتدين‎‎ والسفّاحين والغزاة. لقد وعى‎‎ العالم‎ الإسلامي وعـاد شعـار الحاكمية‎‎‎ الإسلامية في‎ جميع‎ الأقطار الإسلامية يـحتـل‎ المـرتبـة‎ الأولـى‎ بيـن‎ الـشبـاب‎ والجامعيين‎‎ والمثقفين فـي‎ هـذه‎ الأقطار وعادت‎ إيران‎ الإسلاميـة‎ وهـي‎‎ التـي تـطرح‎ وتـنفـذ فكـرة‎‎ سيـادة الـشعـب‎ فـي‎ الإطار الديني‎ تقوى‎ وتتقدم‎‎ يوما بعد يـوم كمـا عاد الإسلام‎‎ الأصيـل‎ الـذي‎ اعـتبـره‎ الإمـام الخميني‎ >قدس‎ سرهإنَّ‎ المذاق‎ المر والمسموم‎ لليبرالية‎ الديمقراطية‎‎ الغربية ـ التـي‎ عمـل‎ الإعـلام‎ الأمريكي‎‎ بكل‎ خبث على تقديمها علاجاً شافيـاً ـ قد بثّ الوهن‎ فـي‎ روح‎ الأمـة‎‎ الإسلاميـة وجسّدها وأحرق‎ قلبها. وإنَّ‎ مـا يجـري‎ فـي‎ العراق‎ وأفغانستان‎‎ ولبنان وغوانتانامو وأبو غريب‎ والزنزانات‎ المخفية‎ الأخـرى‎ وقبل‎‎ ذلك‎ كلّه‎‎‎ ما يحصل في‎ مدن‎ غزّة والضفـة الغربية‎‎ قد ترجم‎ حقيقة المصطلـح‎ الغـربـي‎ للحرية‎‎ وحقوق‎ الإنسان‎ الـذي‎ روّج‎ لـه بكـل‎ وقاحة‎‎ وصلافة النظام‎ الأمريكي‎. لقد عادت‎ الليبرالية‎‎ الديـمقـراطيـة الغربية اليوم‎‎ في‎‎ العالم الإسلامي مفضوحة ومقـززة‎‎‎ كمـا كـانـت‎ عليـه الاشتـراكيـة والشيوعية‎ في‎ الشرق‎ بالأمس‎. إنَّ‎ الشعوب‎ المسـلمـة‎‎ تـوّاقـة لـنيـل‎ الحرية‎‎‎ والكرامة والتقدّم‎ والعزّة وفـي‎ ظل‎ الإسلام‎‎ . ولقد سئمت‎ من‎ تحكّم الأجانـب‎ والمستعمرين‎ لمائتي‎‎ عام‎ في شؤونها وتعبـت‎ من‎ الفقر والـذلـّة‎ والتـخلّـف‎ الـمفـروض‎ عليها. إنَّ‎‎‎ من حقّنا ـ ونستطيـع ‎ـ أن نـعيـد حالات‎ المهانة‎‎ والتكبّر للقوى‎ الجشعة إلى‎ نحورها هذا هو الشعور الصادق‎ لشعوبنـا وجيلنا والجيل‎ الحاضر للعالم‎ الإسلامـي‎ مـن‎ شرق‎ آسيا حتى‎ قلـب‎ أفـريـقيـا وهـذا هـو ميداننا الجهـادي‎ المـعقّـد والمـتنـوع والصعب‎ والممتد. وإذا اعتبرنا فلسـطيـن‎ راية‎ هذا الجهاد فإننا لم‎ نتجاوز الحق‎ّ. إنَّ‎‎ على‎‎ جميع‎ العالم‎‎ الإسلامي اليوم أن يجعل‎ قضية‎‎‎ فلسطين‎ قضيتـه. إنـه المـفتـاح‎ السحري‎‎ الذي يفتح‎ أبواب‎ الخلاص‎ أمام‎ الأمـة‎ الإسلامية. ويجب‎‎ أن‎‎ تعود فلسطيـن للـشعـب الفلسطيني‎‎ وأن‎ تدير كل‎ القطر الفلسطينـي دولة‎‎‎ فـلسـطيـنيـة واحـدة ينـتخـبهـا كـل‎ الفلسطينيين. لقد باءت‎‎‎ المحاولات التي‎ دامت خمسيـن‎ عاماً لانجلترا وأمريكا والصهاينة‎ لـمحـو اسم‎‎ فلسطين‎‎ من خارطة‎ العـالـم وتـذويـب‎ الشعب‎‎ الفلسطيني‎‎ في الشعوب الأخرى‎ بالفشـل‎ وأدى‎ الضغط والظلم‎ والاضطهاد إلى‎ نتيجة‎ عكسية.إنَّ‎ الشعب‎ الفلسطيني‎ اليـوم‎ أكثـر حيوية‎‎‎ وبسالة ونشاطاً من‎‎ أسلافه قبل‎ ستين عاماً ويجب‎ أن‎ تستمر هذه‎‎ المـسيـرة التـي‎ ولدت‎ في‎ ظل‎ الإيمان‎ والجهاد والإنتفـاضـة‎ المفعمة‎ بالفخر ويتحقق‎ الوعد الإلهي‎ حيـث قال‎ تعالى‎: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} سورة المؤمنون/55 ‎إذا نظرنـا إلى‎ الـدائرة‎ الأوسـع‎ ـ أي‎ العالم‎ الإسلامي ـ‎ نجد أيضاً أنَّ‎ نيل‎ هذا الهدف‎ السامي‎ وهو التحرر من‎‎ تسلط المستعمرين وغطرستهم‎‎‎ وتدخلهم، والحياة‎ فـي‎ ظل‎ الإسلام أمر ممكن‎ وقابل‎‎ للتحقق‎ وهو يبتني‎ بشكـل طبيعي‎‎ على جهاد من‎ نوع آخر إنّـه‎ الـجهـاد العلمي‎‎‎ والسياسي والأخلاقي .ولقـد جـرب‎ الشعب‎ الإيراني‎‎ في الـ‎ 27 عاماً الماضية‎ ذلك‎ وقطف‎ ثماره‎‎ الحلوة. ويقوم‎ هذا الجهـاد المقدس‎ على‎ النزعـة‎‎‎ الإيمـانيـة والاتجـاه الشعبي‎‎ والتوجّه‎‎ العـلمـي وتتـمثـل‎ هـذه الميزة‎‎‎ بأن‎ كل‎ خطوة ثابتة في‎ هذا الطريـق‎ تجعل‎ الخطوة‎‎ التالية أكثر ثباتـاً، وأنَّ‎ طي‎ كل‎‎ مرحلة‎‎‎‎ منه تجعل المرحلة التالية أكثـر إمكاناً. إنَّ‎ الشرط الأصلي‎‎ لنجـاح‎ الـجهـاد فـي فلسطين‎ والجهاد في‎‎ العالـم‎ الإسلامـي هـو الثبات‎ على‎ المبادئ والأصول‎.إنَّ‎ العـدو يستهدف‎‎ باستمرار خطف هذه‎ الأصول‎ ويـؤكـد عبر الخداع والوعود والتهديـد على‎ غـض‎ الطرف‎‎ عنها ومع‎ حذف هذه‎ الأصول‎‎ أو تضـاؤل تأثيرها فإنَّ‎ العالم‎ الإسلامـي‎ سـوف‎ يـضيـّع‎ المعالم‎ الهادية‎ ويـعيـش‎ فـي‎ ظل‎ قـواعـد يركزها العدو وحينئذ فالعاقبة‎‎ واضحة. إنَّنا نجد البعض‎ منّا ومن‎ شعـوبنـا و بإيحاء وتبعية‎ للعـدو يـوصـوننـا بتـرك‎ أصولنا ويعتبرون‎‎ ذلك‎‎ نوعاً من التكتيـك والتدبير، ومهما كانت‎ دوافـعهـم‎‎ فـإنهـم يشكّلون‎ مصاديق‎ لقوله‎ تعالى‎: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ} سورة المائدة/52 إنَّهم‎‎ لن‎‎ يحصلوا من خلال‎ تعاونهـم مـع‎ العدو على‎ أي‎ نفع‎ فقد أثـبتـت‎ أمـريكـا والغرب‎ معها أنَّها لن‎‎ ترحم‎ حتى‎ المستسلميـن فإذا استنفذت‎ الغرض‎ منهـم‎‎ رمـتهـم إلى‎ صندوق‎ النفايات‎. ويحاول‎ البعض‎ أن‎ يطرح‎ قدرة‎ العدو ويخيف‎ طلاب‎ الحـقّ‎ بهـا ولكـن‎ هـذا الكـلام‎ يتضمن‎ مغالطة‎‎ خطرة وذلك‎: أولاً: لأن‎‎ العـدو الـذي‎ يـخشـى‎ الإنسـان العاقل‎ من‎ التعرّض‎ له‎ ليس‎ هو العـدو الـذي‎ يستهدف‎ منافعه‎‎‎ الحياتية وأصل‎ وجوده. إنَّ‎ المقاومة‎ ضد مثل‎ هذا العدو هي‎ مما يـحكـم‎ به‎‎ العقل‎‎ الإنساني‎ بشكل قاطع‎ ذلـك‎ لأنّـه من‎‎ البديهي‎‎ أنَّ الخسارة‎‎ الحـقيـقيـة التـي تنشأ مـن‎ الاسـتسـلام‎ لـه‎‎ تسـاوي‎ الـخسـارة المحتملة‎‎‎ الناجمة من‎ الإصـطدام‎ بـه فضـلاً عمّا يستتبعه‎ الاستسلام‎ من‎‎ ذل‎ وهوان. إنَّ‎ الاستكبار العالمي‎ اليـوم‎ ـ الـذي‎ يعتبر الرئيس‎ الأمريكي‎‎ الحالي ناطقاً باسمه‎ ـ يهدد العالم‎ الإسلامي‎ بكل‎ صراحة‎ متحـدثـاً عـن‎‎ الحـرب‎ الصـليـبيـة‎. وإنَّ الشـبكــة الاستكبارية للصهيونية والمنظمات‎ التجسسية الأمريكية‎‎‎ والإنجليزية تزرع بذور الفـتنـة في‎‎ كل‎ العالم‎ الإسلامي عبر دعمها المـادي‎ وتشجيعهـا فـتتـم‎ الإسـاءة‎ للـمقـدسـات‎ الإسلامية‎‎ وحتى‎‎ الشخصية الملكوتية للنبي الأعظم‎‎ (ص) لا تسلم من‎ هذا التطاول‎ السخيف‎ ويتم‎‎ إنتاج‎ الآلاف‎ من‎ الأفلام السينمائية‎ والألعاب‎ الحاسوبية‎‎‎ وأمثالها لتشويه صـورة الإسلام‎ والمسلمين‎ ويدفع‎ بها إلى‎ السوق‎ كل‎ هـذا بـالإضـافـة‎ إلى‎‎ جـرائمهـم‎ فـي الإعتداء على‎ الأقطار الإسلامية ومذابحهم‎ في‎ فلسطين‎‎ والعـراق‎ وأفغانستان وتدخلهم‎ الجشع‎ في‎ الأقطار الإسلاميـة‎ لـضمـان‎ مصالحهم‎ السياسية‎‎‎ والاقتصادية اللامشروعة. إنَّ‎ الاستسلام‎‎ لهذا العدو أمـر يـرفضـه‎ حكـم العقل‎‎ مطلقاً ولا يوصي‎‎ العقل والشرع فـي هذا المورد إلا بالمقاومة. ثانياً: إنَّ‎ التهويل‎ والمبـالغـة‎ فـي‎ قدرة‎‎‎ العدو هو نفسه أحد الأساليب‎ الماكـرة لـه‎‎‎. إنَّ‎ المـال‎ والقـدرة الـسيـاسيـة والعسكرية والمعدات‎ الحربية الـمتـطورة والمتراكمة‎‎ إنَّما تخيف‎ الحكومات‎ المحـرومـة من‎‎ دعم‎ شعوبها وإنَّ الانتصـار العـسكـري‎ على‎‎ نظام‎‎‎ مثل‎ نظام صـدام ـ الـذي‎ لا يحـظى بدعم‎ من‎ شعبه‎‎ ولا يـملـك‎ جـيشـه أي‎ دافـع‎ إيماني‎‎ وجهادي‎ لا يعتبر دليلاً على القوة‎ ـ وها هي‎ أمريكا تقف‎ عاجزة‎ عن‎ الإنـتصـار على‎‎ الشعب‎ العراقي. إنَّ‎‎ العراق‎ كمـا استـطاع أن يـوضـّح‎ ويفضـح‎ هشـاشـة‎ الإدعـاء الأمـريكـي‎ لـنشـر الديمقراطيـة استـطاع أيضـاً أن‎ يـتحـدى‎ إدعائها للقدرة‎‎ المطلقة التي‎ لا تـقهـر ويسخر مـنهـا.إنَّ‎ الـشعـوب‎ والـحكـومـات‎ المعتمدة‎ على‎ شعوبها إن‎‎ تمتعت‎ برصيـد مـن الإيمان‎‎ بالله‎ والإيمـان بـذاتهـا واتخـذت‎ المقاومة‎ سبيلاً لن‎ تنهزم،‎ وسـوف‎ يـمنـحهـا صبرها على‎ مصاعب‎ الجهاد النصـر ويبـطل‎ الأسطورة‎‎‎ الكاذبة لقـدرة العـدو المـعتـدي‎ التي‎ لا تقهر وهذا ما أثبتته‎ الأحـداث الحاضرة‎‎‎ والماضية غير البعيـدة وسـوف‎ تثبته‎‎ بعد هذا إن‎ شاء الله. إنَّ‎ الحلقـات‎ الـمتـرابـطة‎ لـلتـآمـر الأمريكي‎ ضد إيران‎ والعـراق‎ وسـوريـا ولبنان‎ لتحقيق‎‎ السيطرة على‎ شرق أوسط يقوده النظام‎ الصهيوني‎‎ لن‎ تصل‎ إلى نتـيجـة‎ سـوى‎ الخسارة‎‎‎ المدمرة لقـادة أمـريكـا. ولـو احتكمت‎ أمريكا صدفة‎ لعقلهـا ووجـدانهـا كان‎‎‎ عليها أن ترفع‎ يدها عن تعنتهـا تجـاه‎ الشعب‎ العراقي‎ وتمكّنه‎‎ من‎ تحكيـم‎ إرادتـه في‎ اختيار حكومته‎‎ المفضلـة وأنَّ‎ تـحتـرم‎ الحكومة‎‎ المنتخبة من‎ قبل‎ الشعب‎ الفلسطيني‎ وتوقف‎ حليفها المتمرّد الشرير أي‎ النـظام‎ الصهيوني‎ الغاصب‎ عند حدّه‎ وتطلـق‎ سـراح‎ السجناء المظلومين‎ في‎ غوانتانامو وأبـو غريب‎ وباقي‎ سجونها السرية‎ فوراً وتوقـف‎ تآمرها ضد سوريا ولبنـان‎ والجـمهـوريـة الإسلامية‎‎ الإيرانية ولا تـلهـب‎ بـجهـلهـا منطقة‎ الشرق‎ الأوسـط والخـليـج‎ الفـارسـي‎ الحساسة. في‎ الختام‎ أقولها لشعـب‎ فـلسـطيـن‎ الباسل‎ المقاوم‎‎‎: لقد رفعتم رأس‎ العـالـم الإسلامي‎ عالياً بجهادكم‎‎‎ وصبركم ومقاومتكم الرائعة وعدتم‎ أمّة نموذجية.إنَّ‎ العب‎ء الثقيل‎ لهذه‎‎ المحنة العظمى‎ لم‎‎ تحن‎ ظهوركم وإنَّ‎‎ الـدم‎‎ الـطاهـر لـشهـدائكـم زاد مـن عزيمتكم‎‎‎ وثباتكم. إنَّ‎ عدوكم عبر القسوة‎ واستباحة‎ الدمـاء والـقتـل‎ والـدمـار والخطف‎ والأعمال‎ الوحـشيـة‎ لـم‎ يـستـطع‎ أن‎ يرغمكم‎‎‎ على‎ التراجع‎.إنَّكم اليوم أقوى‎ من‎ أي‎ وقت‎ مضى‎ وإنَّ‎ دماء الشهداء العـظام‎ مثل‎ الشيخ‎ أحمد ياسين‎ وفتحي‎‎ الشقـاقـي والرنتيسي‎‎ والشبـاب‎ الاستـشهـادي‎ وبـاقـي شهدائكم‎ المظلومين‎‎ انتصرت‎ لحـد الآن على‎ سيف‎ العدو وستنتصر بعد هذا بحول‎ اللـه‎ وقوته‎. إنَّنا في‎ الجمهورية الإسلامية الإيرانية ـ ومعنـا حـتمـاً الأكثـرية‎‎ الغالبة مـن‎ المسلمين‎ والأحرار في‎ جميع‎ أنحاء العالم‎ ـ نعتبر أنفسنـا شـركـاء فـي‎ مـحنـتكـم‎ شهداؤكم‎‎‎ شهداؤنا ألمكم وحزنكم ألمنـا وحزننا وانتصاركم‎ انتصـارنـا. إنَّ‎ الأمـة‎ الإسلامية‎ الكبرى‎ لا تستطيع‎ كمـا هـو الغـرب‎ بأساليبه‎‎‎ المزورة أن‎ تـبقـى‎ سـاكتـة غيـر مبالية‎‎ تجاه الظلم‎‎ الذي‎ يطالكم وتمـد يد المودة‎ لعدوكـم‎ وكـل‎ مـن‎ يقـف‎ هـذا الموقف‎ معكم‎‎ فهو يتخذ سبيل‎ العداء لكم ولا ريب‎‎ أنَّ‎‎ الشعوب المسلمة‎‎ تتبرأ من هـذه الخطيئة‎ الكبرى.‎ إنَّ‎‎ على‎ الأمة‎‎ الإسلامية أن تدعمكم‎ بكـل‎ ما تستطيع‎ من‎ دعم‎‎ وتعينكم على‎ استدامة‎ هذا السبيل‎ المبارك‎. ثقوا بالوعد الإلهي‎ واحتسبوا عنـد اللـه‎‎ كـل‎ الآلام‎ الـمقـرحـة والـدمـاء المسفوكة‎ دون‎ حقّ‎ والمصاعـب‎‎ التـي‎ تصـب عليكم‎ يومياً ورددوا ما قاله‎ سيد شهداء العالم‎‎ الحسين‎‎ بن على‎‎ عليهمـا السـلام فـي تلك‎ اللحظة‎‎ التي‎ استشهد فيها طفله الرضيع‎ وهو يضمّه‎‎ إلى‎ صدره بسهم‎‎ مسموم : إنَّمـا يهوّن‎‎ الخطب‎ على‎ أنَّـه‎‎ بـعيـن اللـه.. واعلموا أنَّ‎‎‎‎ الله‎ ضمن للمؤمنين والمجاهدين الصابرين‎ النصر النهائي‎ وتمّت‎ كلمة ربّك‎ صدقاً وعدلاً لا مبدل‎ لكلماته‎. والسلام‎‎ عليكم ورحمه‎‎‎ الله وبركاته.  

100 يوم من الطوفان
أحدث التقارير المصورة