بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيّدنا و نبينا أبـي القاسم المصطفى محمد و على آله الأطيبين الأطهرين سيّما بقية الله فـي الأرضين . قال الله تعالى : ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴾.
بعد خمسة و عشرين سنة من انتصار الثورة الإسلامية و إقامة نظام الجمهورية الإسلامية ، و بعد خمس عشرة سنة من وفاة قائد الثورة الكبير و مؤسس الجمهورية الإسلامية ، لايزال المحور الرئيس للدعاية الحاقدة التـي يبثها أعداء ثورتنا و بلدنا ، هو معاداة إمامنا الجليل . لقد جعلوا أهم أهدافهم ـ حتى بعد خمسة و عشرين عاماً من تشكيل النظام الإسلامي ـ أن ينفقوا آلاف الساعات من التخطيط و البرمجة فـي كل شهر لمئات الإذاعات و التلفزيونات التـي تطلقها الأوساط الصهيونية و الاستكبارية فـي أنحاء العالم ، من أجل أن يشككوا فـي الشخصية الفذة لإمامنا الجليل و وجهه الناصع . ينبغي تصديق أن أعداء النظام الإسلامي ليس أمامهم سبيل سوى هذا لمواجهة و محاربة نظام الجمهورية الإسلامية و حركة الشعب الإيرانـي ، ذلك أن العامل المهم لصمود الشعب الإيرانـي و عدم استسلامه فـي طريقه المحفوف بالمفاخر ، إنما هو الفلسفة السياسية و المدرسة السياسية للإمام الخمينـي التـي آمن بها شعبنا أرسخ الإيمان . ليس أمام أعداء الثورة سوى أن يعادوا فلسفة الإمام ومدرسته وشخصيته ـ التـي ما تزال حية قائمة ـ حتى يستطيعوا كما يتوهمون أن يفرضوا على هذا الشعب التراجع و الاستسلام . لقد استطاع الإمام الكبير بمدرسته السياسية أن يحرر هذا البلد من سيطرة الاستبداد القديمة . بمدرسته السياسية استطاع الإمام الكبير قطع أيادي الناهيبين عن هذا البلد ، الناهبين الذين صيروا من إيران بالتعاون مع الدكتاتوريين بيت آمن لهم ، أولئك كانوا يأملون أن يبقوا إيران بلداً منتحاً للمواد الخام و مخزناً للنفط لا ينفد . أريد أن أركز الحديث على المدرسة السياسية للإمام و التـي لا يمكن أن تنفصل عن شخصيته الجذّابة . سر نجاح الإمام يكمن فـي المدرسة التـي قدمها و استطاع عرضها بنحو متجسد و على شكل نظام سياسي أمام أنظار العالم . ثورتنا الإسلامية العظيمة انتصرت طبعاً على يد الجماهير ، و قد أبدى الشعب الإيرانـى عمق قدراته و إمكاناته الهائلة ، بيد أن هذا الشعب ما كان بوسعه القيام بمثل هذا الإنجاز الكبير من دون الإمام و مدرسته السياسية . تفتح المدرسة السياسية للإمام ميداناً تتسع مدياته حتى اكثر من تأسيس النظام الإسلامي . المدرسة السياسية التـي أطلقها الإمام وجاهد من أجلها و جسدها عياناً ، لديها أفكار جديدة للإنسانية و العالم ، فهي تقترح سبيلاً جديداً . فـي هذه المدرسة أشياء لاشك أن البشرية ظامئة إليها ، لذلك فهي لا تبلى . الذين يحاولون طرح إمامنا الكبير كشخصيته تنتمي للتاريخ و الماضي لن ينجحوا فـي مسعاهم هذا . الإمام حي فـي مدرسته السياسية ، و طالما بقيت هذه المدرسة السياسية حية بقي حضور الإمام و وجوده بين الأمة الإسلامية بل بين البشرية كلها مصدر تأثيرات كبيرة خالدة .
لمدرسة الإمام السياسية خصوصياتها و مميزاتها . أود اليوم أن أعرض جملة من الخطوط المميزة لهذه المدرسة . من هذه الخطوط امتزاج المعنوية بالسياسة فـي المدرسة السياسية للإمام . ليست النزعة المعنوية منفصلة عن السياسة فـي المدرسة السياسية للإمام ؛ السياسة و العرفان ، السياسة و الأخلاق . الإمام و هو التجسيد الملموس لمدرسته السياسية جمع بين السياسة و المعنوية و سار فـي هذا الدرب . حتى فـي كفاحه السياسي كانت معنويته المركز الرئيس لسلوكه و أفعاله . جميع سلوكيات الإمام و جميع مواقفه كانت تدور حول محور الله و المعنوية . لقد كان الإمام مؤمناً بالإرادة التشريعية للخالق ، و واثقاً بإرادته التكوينية ، و كان يعلم أن من يسير فـي طريق تطبيق الشريعة الإلهية ، ستقف قوانين الخلقة و سننها عوناً له . كان يعتقد : ﴿وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ . إعتبر الإمام قوانين الشريعة أرضية لتحركه وعدها علامات المرور فـي حركته . لقد كانت حركة الإمام من أجل سعادة البلاد و الشعب و على أساس هُدى الشريعة الإسلامية ، لذلك كان «التكليف الإلهى» عند الإمام مفتاح السعادة الذي يوصله إلى الأهداف السامية الكبرى . القول المعروف عن الإمام و الذي نعرفه جميعاً حيث قال «نحن نعمل من أجل التكليف لا من أجل النصر» ليس معناه عدم رغبته فـي النصر . لا ريب أن النصر كان أمل الإمام فـي كل أهدافه الكبرى . الانتصار من أنعم الله ، و قد كان الإمام يرغب فـي النصر ـ لا أنه لم يكن يحب النصر أو يرغب فيه ـ بيد أنَّ ما كان يحضه على التحرك صوب تلك الأهداف هو التكليف و العمل بالواجب الإلهي و التحرك فـي سبيل الله . و لأن هذا هو دافعه لم يكن يخشى شيئاً ، ولم يكن يشك و يتردد ، و لم يكن ييأس ، ولم يكن ليصاب بالغرور ، ولم يكن يتزلزل أو يتعب . هذه هي سمات العمل بالتكليف و العمل لله . الذي يعمل من أجل أداء التكليف لا يعتريه التردد و التزلزل ، ولا يُمنى بالخوف و التعب ، و لا يرجع عن الطريق ، ولا تتدخل المصالح الشخصية فـي تحديد طريقه و اتجاهه . الذي يجمع بين السياسة و العرفان ، و يضع المعنوية فـي موضع واحد مع الحركة السياسية ضمن مسيرة حياته ، لن يبقى للخوف من الموت معنى عنده ، ولا للخوف من عدم الانتصار . هذا بالضبط على الضد من السياسة الغربية البالية المنقرضة التـي يسمونها كذباً سياسةً حديثة ؛ أي فصل الدين عن السياسة ، و فصل الدولة عن المعنوية . قامت الحضارة الغربية على أساس محاربة المعنوية و إقصائها . لقد كان هذا الخطأ الكبير الذي ارتكبه الذين بدأوا الحضارة و الحركة العلمية و الصناعية فـي أورپا . إهتموا للعلم ـ و هذا جيد ـ لكنهم تجنّدوا الحرب النزعة المعنوية ، و هذا انحراف سيئ . لذلك كلما تقدمت هذه الحضارة المادية البعيدة عن الروح المعنوية أكثر كلما ازداد انحرافها . إنها تجعلهم يعيشون المرارة هم و سائر البشرية بثمارها المسمومة ، و هو ما فعلته إلى اليوم . ظاهرة الاستعمار ـ التـي أغرقت عشرات البلدان و ملايين البشر فـي أشد و أقسى المحن لسنوات متمادية ـ أحد الأمور التـي حدثت نتيجة تفكيك العلم عن المعنوية ، و السياسة عن المعنوية ، و الدولة عن الأخلاق فـي أورپا . وقد كانت الحربان العالميتان الأولى و الثانية أيضاً من هذه الثمار المرة . و الشيوعية و حكومات القمع الماركسية أيضاً كانت من التبعات و الثمار المرة لفصل الحركة العلمية و الصناعية عن المعنوية . تداعي المؤسسة العائلية ، و سيول الفساد الجنسي ، و طغيان الرأسمالية المتطرفة ، كلها من نتائج هذا الفصل . واليوم أيضاً تشاهدون ذروة هذا البُعد عن المعنوية فـي سجن أبـي غريب و باقي السجون العراقية . الذين يديرون هذه السجون يزعمون أنهم الأكثر تقدماً فـي الحضارة البشرية ! لقد شاهد سكان العالم حصيلة هذا التقدم عن طريق الصور و الأفلام فـي سجون العراق أو اطلعوا عليه . الفجائع التـي حدثت للشعب العراقي ـ و للشعب الأفغانـي قبله ـ لم تقتصر على هذه الأمور . قبل عامين أو ثلاثة قصف موكب عرس فـي أفغانستان ، و فـي الشهر الماضي حوّلت الطائرات البريطانية مجلس عرس فـي العراق إلى مجلس عزاء . إهانة الشباب العراقي ، تعذيب الرجال العراقيين ، الاعتداء على النساء و الأعراض فـي العراق ، الدخول إلى حريم العوائل العراقية الآمن ، و تشكيل حكومة صورية للشعب العراقي كلها من تبعات ذلك التحرك الذي حينما انطلق كان لابد أن يثمر عن هذه النتائج بشكل حتمي . لقد ألغيت المعنوية من الأجهزة السياسية . فـي الماضي أيضاً كان الحكام والمستبدون والدكتاتوريون فـي العالم فـي شرق الأرض و غربها يمارسون مثل هذه الأعمال ، ولكن حين عرف الأوربيون عناوين و شعارات جميلة مثل حقوق الإنسان و رأي الإنسان ، و حين شرعوا بالسير فـي طريق العلم ، لم يسمح البعدُ عن المعنوية أن تحقق هذه الشعارات الخير للإنسانية كما كان متوقعاً و كما كانوا يفسرونها . غدت نفس هذه الشعارات مصدر شرور و فساد للإنسانية . الأفكار الجديدة التـي قدمتها مدرسة إمامنا الجليل السياسية للعالم هو أن تتصاحب السياسة و المعنوية و السلطة و الأخلاق ، و أن تراعى الأصول الإخلاقية فـي كافة أركان و محطات البرمجة للسلطة السياسية . هذه هي الخصيصة الأولى من الخصائص الرئيسة لمدرسة الإمام السياسية .
الخصيصة الثانية هي الإيمان الراسخ و الصادق بدور الجماهير . الإيمان بالكرامة الإنسانية و بالدور الحاسم لإرادة الإنسان . الهوية الإنسانية فـي مدرسة الإمام السياسية لها قيمتها و كرامتها ، ولها أيضاً قدرتها و كفاءتها . و النتيجة التـي تترتب على الاعتبار و الكرامة هي ان يكون لأصوات الجماهير دور رئيسي فـي إدارة مصير الإنسانية و المجتمع . من هنا كانت حكومة الشعب فـي مدرسة إمامنا الجليل السياسية ـ الستقاة من كيان الإسلام ـ حكومة شعبية حقيقية ، و ليست كحكومة الشعب الأمريكية و ما شاكل شعارات و خدع و تضليل للرأي العام . يختار الناس الطريق بآرئهم و إرادتهم و رغبتهم و إيمانهم . و يختارون مسؤوليهم أيضاً . لذلك بعد أقل من شهرين على انتصار الثورة عرض الإمام أساس النظام المنبثق عن الثورة على أصوات الشعب . قارنوا هذا بما يفعله الانقلابيون العسكريون فـي العالم ، و السلوك الذي انتهجته الحكومات الشيوعية ، والسلوك الذي تمارسه أمريكا اليوم . بعد خمسة عشر شهراً من الاحتلال العسكري الأمريكي للعراق ، لا تزال أمريكا اليوم تمنع شعب هذا البلد أن يقول ماذا يريد و مَن يريد لحكومته . بالأمس تحدث ممثل الأمم المتحدة فقال : لأن للأمريكيين تواجدهم العسكري فـي العراق ، ينبغي مراعاة رأي الحاكم الأمريكي فـي انتخاب عناصر الدولة ! هذه هي ديمقراطيتهم . إسم الديمقراطية لمجرد الخداع . الديمقراطية حتى فـي بلدانهم ليست حكومة شعب حقيقية ؛ انها رياء تفتعله الدعاية الملونة و الاموال اللامتناهية التـي تنفق فـي هذا السبيل . لذلك تضيع أصوات الناس . فـي المدرسة السياسية للإمام تؤثر أصوات الناس و تحسم الأمور بالمعنى الحقيقي للكلمة . هذه هي كرامة و قيمة أصوات الجماهير . من جهة ثانية كان الامام يؤمن اعتمادا ًعلى قدرة أصوات الشعب و الإرادة الفولاذية للجماهير أن بالمقدور الوقوف بوجه كافة القوى المعتدية فـي العالم ، و قد وقف فعلاً . حكومة الشعب فـي المدرسة السياسية للإمام نابعة من أساس الدين ، و منبثقة من ﴿ أَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ﴾ ، و من ﴿ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ ﴾ . إننا لم نستعر هذا من أحد . البعض يريدون تصوير الحالة و كأن الغربيين يجب أن يأتوا و يعلمونا دور الجماهير فـي إدارة الحكومات ! لا يزال الغربيون أنفسهم فـي بداية الطريق ! هؤلاء الأمريكيون و أدعياء الديمقراطية أنفسهم احتضنوا دكتاتوريين من قبيل محمدرضا پهلوي ـ الذي حكم بدكتاتورية مطلقة فـي هذا البلد لمدة خمس و ثلاثين سنة و مارس أبوه من قبله الدكتاتورية نحو عشرين سنة فـي هذا البلد ـ و دعموه و عاضدوه . هؤلاءهم أنصار الديمقراطية ؟! إنهم يكذبون . كل من يريد أن يرى ديمقراطيتهم ليذهب إلى العراق . ليذهب و يرى تصرفاتهم مع الشعب الأفغانـي المظلوم . ليذهب و يرى الديمقراطية فـي الدعم الأمريكي السخي لشارون المجرم . هذه هي ديمقراطيتهم ؛ نحن نتعلم الديمقراطية من هؤلاء ؟! و هل يعير هؤلاء دوراً للإنسان و قيمة ؟
أنظروا أية فجائع تقع اليوم فـي فلسطين . أليس الفلسطينيون بشراً ؟ أليسوا أصحاب أرضهم ؟ أليس من حقهم أن تكون لهم آراؤهم و معتقداتهم ؟ ترتكب اليوم أقبح و أفجع التصرفات فـي فلسطين و العراق و أفغانستان ، و من قبل هذا فـي العديد من المناطق الأخرى ؛ و إذا بنفس أولئك الذين يمارسون هذه التصرفات القبيحة يدعون الديمقراطية ولا يخجلون ! يزعم رئيس الجمهورية الأمريكي بكل وقاحة أن رسالة نشر الديمقراطية فـي العالم و الشرق الاوسط تثقل كاهله ! الناس يرون ديمقراطيتهم فـي سجون مثل سجن أبـي غريب و هي ليست قليلة فـي العراق و غوانتانامو. هذه هي ديمقراطيتهم و حقوق الإنسان لديهم ! إنه لغفلة كبيرة أن يتصور أحد داخل مجتمعاتنا و فـي الأمة الإسلامية أن الغربيين يجب أن يأتوا ليعلموا شعوبنا الديمقراطية و حكومة الشعب ! نحن نتوقع من الخطباء و الكتاب ذوي الإنصاف أن لا يتحدثوا و لا يكتبوا بطريقة توصي أن أولئك هم الذين يحملون اليوم رسالة الحكومة الشعبية لجماهيرنا . الإمام هو الذي جاء بحكومة الشعب،الثورة هي التـي جاءت بحكومة الشعب . فـي البلد الذي لم يعرف طوال قرون متمادية ، باستثناء لحظات عابرة معنى آراء الجماهير و إرادتهم و لم تقع اعيننا طوال عمرنا على صندوق اقتراع ! و لم يعر أحدٌ قيمةً لأصوات الشعب الإيرانـي ، وقد بلغ الدكتاتوريون خلال كل فترات حكمهم ذروة اللامبالات للشعب ، جاءنا الامام و الثورة و النظام الإسلامي بحكومة الشعب . البعض يتحدث بما ينمُّ عن أننا ندخل لتوّنا تجربة الحكومة الشعبية ! أليست هذه مجانبة للإنصاف ؟ أليس هذا أغماض للعيون دون الحقيقة ؟
الخصيصة الثالثة من خصائص مدرسة الإمام السياسية نظرتها الدولية و العالمية . الإنسانية كلها هي التـي كان يعينها الإمام فـي كلامه و أفكاره السياسية ، وليس الشعب الإيرانـي وحده . لقد أصغى شعب إيران لهذه الرسالة بروحه ، و وقف إلى جانبها ، و كافح من أجلها ، و استطاع أن يكتسب عزته و استقلاله . على أن مخاطبـي هذه الرسالة هم الإنسانية كلها . مدرسة الإمام السياسية تروم هذا الخير و الاستقلال و العزة و الإيمان لكل الأمة الإسلامية و لجميع البشرية . هذه رسالة على عاتق الإنسان المسلم . طبعاً ، الفارق بين الإمام وبين الذين يعتبرون أنفسهم أصحاب رسالة عالمية ، هو أن مدرسة الإمام السياسية لا تريد فرض الاعتقاد بأفكارها و طريقها على شعب بالمدافع و الدبابات و الأسلحة و التعذيب . الأمريكيون أيضاً يقولون إن لنا رسالة هي نشر حقوق الإنسان و الديمقراطية فـي العالم . هل طريق نشر الديمقراطية هو استخدام القنبلة الذرية فـي هيروشيما ؟! هل هو المدافع و الدبابات و إشعال الحروب و تدبير الانقلابات فـي أمريكا اللاتينية و أفريقا ؟! اليوم أيضاً نشاهد فـي الشرق الأوسط كل هذا المكر و الخداع و الظلم و الإجرام . بهذه الأدوات يرومون نشر حقوق الإنسان و رسالتهم العالمية ! المدرسة السياسية الإسلامية تترك فكرتها الصحيحة و حديثها الجديد فـي فضاءات الذهن الإنسانـي بعد تبيينه و إيضاحه فيتضوّع فـي كل مكان كنسائم الربيع و أريج الورود . أصحاب الشامّة السليمة سيشعرون به و ينتفعون منه و قد انتفعوا منه اليوم فـي العديد من بلدان الدنيا . الفلسطينيون يقولون إننا استلهمنا حياتنا الثانية و يقظتنا من رسالة الإمام ، و اللبنانيون يقولون إننا تعلمنا الانتصار على جيش النظام الصهيونـي و طرد الصهاينة من مدرسة الإمام ، و المسلمون فـي كل نقطة من العالم ـ الشباب المسلم ، المستنيرون المسلمون ، و النخب المسلمة ـ يعدون فتوحاتهم الفكرية فـي الميادين السياسية وليدة و صنيعة المدرسة الفكرية للإمام . قطاعات الأمة الإسلامية تشتعر العزة باسم الإسلام . هذه هي النظرة الدولية لقضايا الإنسانية فـي مدرسة الإمام ، وهي لا تختص بالعالم الإسلامي . لذا كانت قضية فلسطين بالنسبة لنا قضية أساسية ، و مصائب الأمة الإسلامية مؤلمة بالنسبة لنا . مايحدث فـي العالم الإسلامي تعد قضايا أساسية بالنسبة لشعب إيران و الذين يتعشقون و يأنسون إسم الإمام الكبير و ذكراه . لا يمكنهم أن يمروا بهذه القضايا مرور الكرام ، ولهذا يعتزم العالم الاستكباري اقتراف أعظم الجرائم ضد الشعوب المسلمة . إذا كانت بقية الشعوب المسلمة لا ترى و لا تعي و لا تتخذ قراراً ، و حتى لا تعترض ، فإن الشعب الإيرانـي يرى و يعي و يعترض و يتخذ مواقفه ولا يبقى غير مكترث لقضايا العالم الإسلامي .
الخصيصة المهمة الأخرى لمدرسة إمامنا الجليل السياسية هي حراسة القيم التـي أوضح مظهرها إمامنا الكبير فـي تبيينه لأطروحة ولاية الفقيه . منذ مطلع الثورة الإسلامية و انتصار هذه الثورة و تشكيل النظام الإسلامي ، حاول الكثيرون الإشاعة بأن فكرة ولاية الفقيه غير صائبة ، و سيئة ، و مخالفة للواقع . فكانت هناك تصورات مناقضة للواقع و كاذبة و مطاليب و تطلعات لا تتطابق مع هيكلية النظام السياسي الإسلامي و الفكر السياسي لإمامنا الكبير . حين تسمعون الاعلامويين الجانحين إلى الأعداء يذيعون هذه الأفكار ، اعلموا أن هذا ليس بالظاهرة الجديدة ، فقد كانت هناك منذ البداية هذه التيارات و هؤلاء المتدربون و هذه الدعايات من الأخرين . يحاول البعض تصوير ولاية الفقيه بمعنى الحكومة الفردية المطلقة ، و هذا كذب . ولاية الفقيه هي محطة هندسة النظام و صيانة خطه و اتجاهه و الحيلولة دون انحرافه يميناً أو شمالاً . هذا هو مفهوم ولاية الفقيه و معناها الأكثر جذريةً و محوريةً . و بالتالـي فإن ولاية الفقيه ليست حالة رمزية و تشريفية محضة مهمتها تقديم النصائح كما أراد ذلك البعض فـي بدايات الثورة و أشاعه ، ولا هي صاحبة دور فـي السلطة التنفيذية على أركان الدولة ، إذ للبلاد مسؤولوها التنفيذيون و القضائيون والتشريعيون ، و على الجميع النهوض بمهماتهم حسب مسؤولياتهم ، و إنْ يتحملوا عن مسؤولياتهم هذه . دور ولاية الفقيه أن تراقب مسار النظام فـي هذه المنظومة المعقدة والمتشابكة من المساعي المختلفة لئلا ينحرف عن الأهداف و القيم . يجب أن لاينحرف يساراً أو يميناً . حراسة و مراقبة الحركة العامة للنظام صوب أهدافه السامية الرفيعة هي الدور الأهم و الأعمق لولاية الفقيه . وعى الإمام الجليل هذا الدور و استنبطه من كيان الفقه السياسي الإسلامي و من كيان الدين ، كما منهم فقهاؤنا هذا من الدين و عرفوه و اعترفوا به على امتداد تاريخ التشيع وفـي كافة أطوار تاريخ الفقه الشيعي . طبعاً لم يجد الفقهاء الفرصة لتطبيق ذلك ، بيد أنهم اعتبروه من مسلمات الفقه الإسلامي ، و هذا هو الواقع . ان هذه المسؤولية المتسمة بمنتهى الحساسية و الاهمية تستقي من المعايير و الضوابط الدينية و من أصوات الجماهير و إرادتهم فـي الوقت ذاته . أي أن ضوابط القيادة و ولاية الفقيه حسب المدرسة السياسية لإمامنا العظيم هي ضوابط دينية ، و ليست كضوابط البلدان الرأسمالية التـي تتلخص فـي التبعية لهذا التيار القوي و الغنـي أو ذاك . أولئك أيضاً لهم ضوابطهم و ينتخبون فـي إطار ضوابطهم ولكن هذه هي ضوابطهم : الانتماء إلى هذه العصابة المقتدرة و الثرية أو تلك ، و إذا كان خارج تلك العصابة لم تنطبق عليه الضوابط . الضوابط فـي المدرسة السياسية الإسلامية ليست هذه . الضوابط هنا ضوابط معنوية . الضابطة هنا عبارة عن العلم و التقوى و الدراية . العلم يفرز الوعي ، و التقوى تورث الشجاعة ، و الدراية تضمن مصالح البلاد و الأمة . هذه هي الضوابط الرئيسية طبقاً لمدرسة الإسلام السياسية . إذا سلبت من المسؤول إحدى هذه الضوابط و افتقدها ، ستسقط عنه الأهلية حتى لو وقف كافة الشعب فـي البلاد إلى جانبه . لأصوات الجماهير تأثيرها ولكن ضمن إطار هذه الضابطة . الذي يتولى دور القيادة و ولاية الفقيه ، إذا سلبت منه ضابطة العلم أو التقوى أو الدراية تسقط عنه الصلاحية حتى لو أرادته الجماهير و هتفت باسمه ، ولن يكون بوسعه مواصلة هذه المسؤولية . من ناحية أخرى ، مَن تتوفر فيه هذه الضوابط و يُنتخب بأصوات الجماهير المتحققة عن طريق مجلس الخبراء ـ أي أن له صلته بأصوات الشعب إرادته ـ ليس بمقدوره القول : أنا أتوفر على هذه الضوابط إذن يجب على الناس أن يقبلوا منـي . ليس لدينا «يجب» . الناس هم الذين ينتخبون . حق الانتخاب من حقوق الجمهور . أنظروا كيف اجتمعت الضوابط الدينية و إرادة الشعب بكل مرونة و جمال فـي أكثر النقاط حساسية حيث توجد ادارة النظام . هذا ما جاء به الإمام . من البديهي أن لا يروق هذا الدور لأعداء الإمام الخمينـي و أعداء مدرسته السياسية . لذلك شنوا عليه كل هجماتهم ، و على رأسهم الذين مُنِعت أيديهم ببركة الإمام الكبير و مدرسته السياسية عن أن تنهب المصادر المادية و المعنوية لهذه البلاد . هؤلاء هم الطليعة و ثمة من يتحركون وراءهم . البعض يفهمون ماذا يفعلون ، و البعض لا يفهمون .
النقطة الأخيرة التـي سأذكرها كسمة أخرى لمدرسة الإمام السياسية هي قضية العدالة الاجتماعية . العدالة الاجتماعية من أهم و أول الخطوط فـي المدرسة السياسية لإمامنا الجليل . العدالة الاجتماعية و ردم الهوة الطبقية يجب أن تلاحظ و تعد هدفاً فـي كافة البرامج الحكومية من تقنين و تنفيذ و قضاء . أنْ نقول يجب أن نجعل البلاد ثرية ـ أي نرفع من مستوى الناتج الإجمالـي الوطنـي ـ ثم تتكدس الثروات فـي جانب لصالح فئة معينة ، و تبقى مجاميع كبيرة من الناس خالية الوفاض ، فهذا لا ينسجم مع المدرسة السياسية للإمام . ردم الفجوة الاقتصادية بين الجماهير و تبديد التمييز فـي الانتفاع من شتى المصادر الوطنية بين طبقات الناس ، يمثل أهم و أصعب مسؤولياتنا . جميع المخططين ، و المشرعين ، و المنفذين ، و كافة العاملين فـي الأجهزة و المؤسسات المختلفة ، يتعين أن يلتفتوا إلى هذه النقطة و يعدوها من أهم مميزات تحركهم .
لقد أسست هذه المدرسة النظام الإسلامي . ومضى على ذلك خمس و عشرون سنة . وقد شنت طوال هذه الخمس و عشرين سنة الكثير الكثير من الهجمات على بلادنا و شعبنا و هذه المدرسة السياسية ، إلاّ أن شعبنا تقدم يوماً بعد يوم . فـي مجال العلوم ، وفـي مجال العمران ، وفـي مجال السياسية الدولية ، وعلى صعيد رفع مستوى الوعي فـي شتى الميادين ، و فـي مضمار إرساء البنى التحتية الهائلة للبلاد ، وفـي ميدان اكتساب القدرات التقنية و إحياء مواهب الجماهير ، و فـي الكثير من المجالات الأخرى حقق شعبنا تقدماً لم يكن حتى ليتصوره فـي الماضي ، و هذا ببركة الإسلام . نحن لا ندعي إطلاقاً أننا تحركنا فـي خطط الثورة حسب المواعيد و بنحو عصري و وصلنا حالياً إلى حيث كان يجب أن نصل ،لا، غير أن هذا بسبب تقاعسنا . نحن المسؤولين فـي المستويات المختلفة إذا عملنا أكثر و أفضل فسنحرز نجاحات أكثر بلاشك . ولدينا اليوم أيضاً نجاحات كثيرة . إن شعبنا اليوم قوي ، وحكومتنا قوية ، والبنى التحتية للبلاد مُعدَّة و تطورنا العلمي وتفجير مواهب شبابنا يحير العقول . بوسعنا تسريع حركتنا ، و هذا ما سيفعله شعبنا و سنتطور بفضل من الله و حولٍ منه و قوة .
إن راية الإسلام اليوم ، و راية التدين ، و راية الشجاعة ، و راية الإبداع فـي مجال السياسية بيد شعبنا . يجهد الأعداء فـي دعاياتهم لاظهار هذه الانجازات على انها صغيرة ، ويحاولون الشطب على ما حققته هذه الأمة، لكنهم لايستطيعون . لقد بذلوا شتى صنوف الجهد لمواجهتنا . بل إن الأمر وصل بأعداء الثورة الإسلامية بزعامة أمريكا إلى ان يحاولوا إيجاد نسخة مزيفة مزحومة بالأخطاء للنظام الإسلامي فـي أفغانستان ، فكانت حكومة الطالبان التـي تبدت كاريكاتيراً ساخراً مضحكاً ، وغدت نفسها وبالاً عليهم . ربما أرادوا كما توهموا أن ينتزعوا راية التيار الإسلامي و إحياء الإسلام السياسي من يد هذا الشعب و يعطوها ليد أناس صنعوهم بأنفسهم ، لكنهم لم يفلحوا و لن يفلحوا . نشكر الله أنَّ ارادتنا صلبة ، و طريقنا لاحب ، و جماهيرنا مؤمنة ، و المدرسة السياسية للإمام حية و متألقة . وقد أدرك الأعداء قدرة الشعب و اعترفوا بها . مواقفنا فـي خصوص القضايا العالمية و الدولية المختلفة مستقلة ، لا نخضع لتأثير أحد و لا نميل إلى الضجيج و خلق التوتر ، لكننا ندين الظلم ، ونعلن معارضتنا للظالم و دعمنا للمظلوم . إننا ندين جرائم الصهاينة فـي فلسطين . إننا نعد الفظائع و الجرائم المفجعة و المنقطعة النظير التـي ترتكبها الدولة الصهيونية الغاصبة فـي بلد فلسطين ضد الناس ـ هدم المنازل ، قتل الأطفال ، قتل شيخ مريض عليل كالشيخ أحمد ياسين ، تشريد آلاف الفلسطينيين من منازلهم ـ ممارساتٍ قبيحةً و ندينها و نلعن مرتكبيها و أمريكا الداعمة لمرتكبيها .
وفـي قضايا العراق ـ على الرغم مما يزعمه الأعداء ـ لا نتدخل . نعتقد أن العراق للشعب العراقي . أصوات الشعب العراقي ينبغي أن تؤثر فـي تقرير مصير العراق . القادة الدينيون و القادة السياسيون و النخب السياسية و النخب الثقافية و الدينية فـي العراق كثيرة . نعتقد أن المحتلين يجب ان لا يبقوا حتى يوماً واحداً فـي العراق ، ولا تعود لهم حتى قطرة واحدة من نفط العراق ، و يجب أن لا يعينوا حتى مسؤولاً واحداً فـي العراق ، فما هو شأنهم وشأن العراق ؟ نعتقد أن مهمة أمريكا فـي العراق اليوم أصعب بكثير مما كانت عليه قبل سنة ، وستزداد صعوبةً يوماً بعد يوم ، و قد انهزمت أمريكا فـي العراق سواء اعترفت بذلك أم لم تعترف ، و سواء شاءت ذلك أم أبت .
ربنا ، نحن نفخر بهذا الشعب الشجاع ، المؤمن ، المندفع ، المتواجد فـي الساحة ، و نشكرك . نحن نفخر بمدرسة الإمام و نشكرك عليها . ربنا ، أنزل خيراتك و رحمتك و لطفك على هذا الشعب . ربنا ، ردّ كيد أعداء هذا الشعب إلى نحورهم . ربنا ، ابلغ بهذا الشعب العزيز المؤمن كافة أهدافه و آماله السامية . ربنا ، اجزِ إمامنا الكبير ـ الذي شرع طريق المفاخر أمامنا ـ خيراً عن هذا الشعب .
ربنا ، احشر إمامنا الجليل مع أوليائه . ربنا ، أنزل بركاتك على شعبنا و بلادنا .
و السلام عليكم و رحمة الله وبركاته .