بسم الله الرحمن الرحيم
أولاً أنا مسرور جداً للقائنا هنا اليوم بجماعة من الواعين و النخبة الشابة و الباحثين الذين يبشّرون بمستقبل زاهر لمناخ البلاد العلمي . ثقوا أنه لو كان ثمة وقت و فسحة و تحدثتم فرداً فرداً حول قضايا الجهاد ، و العلم ، و البحث ، و الأعمال التـي تشتغلون بها ، لاستمعت بكل رغبة و استمتعت بذلك . أشكر الله تعإلى من الأعماق على نعمة وجودكم أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء ، و حيث أنه ﴿ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ ﴾ أتمنى ببركة الشكر و الحمد القلبـي الذي لدي أمام الله على وجودكم ، أن يسبغ الله على وجودكم البركة ، و يزيد من كمكم و كيفكم يوماً بعد يوم .
أود أن أقول شيئاً عن الجهاد الجامعي ، و شيئاً عن قضية العلم و البحث العلمي فـي البلاد ، و شيئاً عن قضية راهنة هي الضجة العالمية التـي أطلقت على الوضع النووي لإيران .
بخصوص الجهاد الجامعي أعتقد أن هذه التركيبة ـ الجهاد و الجامعة ، و الجمع بين الجهاد و هو حالة قيمية معنوية و العلم و المعرفة و الجامعة ـ لها رسالتها الخاصة ، فهي تدل على إمكانية وجود علم جهادي و جهاد علمي . و هذا هو المجال الذي تعملون فيه . علمكم علم جهادي ، فهو مصحوب بالجهاد و الاجتهاد ، ليس استجداءً أو انتظاراً متكاسلاً لأن يأتي العلم هديةً من هنا أو هناك . أنتم تتحركون و تسيرون طلباً للعلم لتكتسبوه . هذا هو العلم الجهادي المنبعث عن الجهاد و الاجتهاد و السعي . أنتم تعملون عملاً جهادياً من ناحية . الجهاد معناه الكفاح من أجل هدف سامٍ مقدس. ولهذا الجهاد سوحه . من سوحه التواجد فـي المعارك المسلحة المعروفة فـي العالم . وهنالك الساحة السياسية . و هناك الساحة العلمية ، و هناك الساحة الأخلاقية . الملاك فـي صدق الجهاد هو أن يكون لهذا التحرك اتجاهه و أن تبذل الهمم لرفع العقبات التـي تواجهه . هذا هو الكفاح . الجهاد هو هذا الكفاح الذي إنْ كان له اتجاه و هدف إلهي ، عندها سيكتسب الطابع القدسي . أنتم تمارسون كفاحاً علمياً ، ذلك أن عملكم هذا له بكل وضوح أعداء جد ألداء لا يريدون لهذه الحركة العلمية و البحثية أن تتم . لذا أعتقد أن الجهاد الجامعي ليس مجرد مؤسسة ، إنما هو ثقافة ، إنه اتجاه و حركة . كلما استطعنا إنشاء هذه الثقافة فـي المجتمع أكثر و تكريسها و تعزيزها أكثر ، نكون قد تقدمنا نحو الشموخ و العزة و الاستقلال الحقيقي .
لحسن الحظ لبّى الجهاد الأمور التـي كانت متوقعةً منه . ذات يوم ربما ساد التصور أن الجهاد مشروع يشبه البيوت الزجاجية اصطنعناه لتوفير النموذج . و اليوم تحوِّل هذه البيوتُ الزجاجية مناخَ المجتمع إلى بساتين و حقول . فهو لم يكتف بتوفير النماذج ، بل راح يفيض ببركاته . هذه الإحصاءات التـي قدموها لها معانٍ كثيرة و قد بعثوها إلـى مسبقاً و راجعتها. حينما تنشطون فـي صفوف العلم المتقدمة فـي بعض القطاعات ، و توظفون هذه القطاعات للتقدم العلمي و الصناعي و التقنـي فـي البلاد و تطورون البحث العلمي ، فمعنى ذلك أن هذه البيوت الزجاجية لم تعد بيوتاً زجاجية ، إنما هي فضاء مفتوح عاطر ينمو و يتسع باستمرار ، و أنا من أنصار هذا الاتساع . يجب أن يزداد هذا الاتساع و النمو يوماً بعد يوم . فـي التقرير الاول الذي ذكره كان هناك إنتاج الخلايا الأساسية وتكثيرها و تجميدها ، وقد استلمت تقارير جد مُرضية عن هذا العمل البحثي المميّز ، ويبدو أنهم أنتجوا لأول مرة فـي العالم ـ كما أتخطّر ـ الخلايا الصانعة للأنسولين ، وقد قرأت مؤخراً فـي الصحيفة أنهم يختبرون الخلايا الأساسية للقلب من أجل ترميم القلب ، و قد زرعوها و ربطوها . هذا معناه فيضان هذه البركات على مستوى المجتمع . و النقاط الأخرى التـي ذكروها أيضاً تعد كل واحدة منها مثالاً بارزاً لبركات الجهاد الجامعي .
لقد بذلوا جهوداً حثيثة فـي العالم من أجل أن يثبتوا أن للعلم طبيعة علمانية ، و أنْ لا صلة للعلم بالقيم ، و قد نحتوا فلسفة لتسويغ ذلك ، و ساقوا استدلالات و بحوثاً من أجل تقديم العلم بوصفه مفهوماً خالياً من القيم ، و هذا على النقيض تماماً مما فعلتموه الآن . أنتم تقولون الجهاد الجامعي ، و الجهاد حالة قيمية . والحقيقة هي أن العلم و العقل أدوات ذات بعدين . يمكنها أن توظف لخدمة القيم ، و يمكن أن تستخدم للعدوان و النزعات الحيوانية . هذا يعود إلى مَن يتولى ادارة العلم . إذا كانت إدارة العلم بيد طلاّب الدنيا و السلطة و المال ، ستكون الحصيلة ما تشاهدونه فـي العالم اليوم . أي أن العلم يتحول أداة للاستعمار ، و الاستغلال ، و إهانة الشعوب ، و الاحتلال ، و إشاعة الفحشاء و الجنس و الهيروئين . لولا العلم لما كان الاستعمار . لقد استطاع الأوربيون بفضل علومهم السير فـي العالم و اخضاع الشعوب لسلطاتهم الاستعمارية ، و إبقاءها متخلفةً مائة سنة ، و مائة و خمسين سنة ، ومائتـي سنة على اختلاف الأقاليم ، و حرمانها من ثرواتها المادية ، و تحطيم مواهبها الإنسانية ، و القيام بمذابح ضدها . حين يخضع العلم لإدارة عناصر لا تفكر إلاّ بالجوانب الحيوانية للحياة ، ستكون هذه هي النتيجة . أما إذا أدير العلم من قبل العباد الصالحين فسيقدم الخدمة و لا يضر . لو كان الذين اكتشفوا الطاقة الذرية من أهل الفضيلة و التقوى ، و لو كان الذين استخدموها من اهل الفضيلة و من العباد الصالحين ، لما وقعت حادثة هيروشيما أبداً . و إلى اليوم حينما تنظرون ترون أنهم يستخدمون هذه الطاقة الهدّامة بمقدار ما يستطيعون . لقد استخدمت هذه القوى الطاقة الذرية المنضّبة فـي حربهم مع العراق قبل عشر سنوات أو اثنتـي عشرة سنة . و قد استخدموها فـي هذه الأحداث أيضاً . و استخدموا هذه الأسلحة فـي مناطق أخرى من العالم أيضاً فتسببت فـي إهلاك الحرث و النسل ، ﴿ يهلك الحرث و النسل و الله لا يحب الفساد ﴾ بما ينطبق و الآية القرآنية . يفسدون الأراضي و يقطعون ذرية البشر . تركوا للشعوب و الاجيال القادمة الآثار المخربة لهذه الأشعة السامة المدمرة إلى سنين متمادية لا يعلمها الاّ الله . لو كانت إدارة العلم بيد الصالحين ، فلن تقع مثل هذه الأحداث و سيستخدم العلم لخدمة الإنسانية ، لأن فيه مثل هذه الإمكانية و يمكنه أن يكون كذلك . إذن ، لو أردنا علمنة العلم و إثبات أن العلم لا يمكنه أن يترافق مع القيم ، لكانت هذه مغالطة كبيرة جداً و خدعة كبيرة لأذهان البشر . كلا ، يمكن للعلم أن يرافق القيم . النزعة المعنوية الإسلامية تعارض الحيوانية و الفساد و استغلال العلم ، و لا تعارض العلم و التقانة و البحث العلمي . يمكن للمعنوية أن تصحب العلم و يمكن لنتائج العلم و البحث أن تتحرك فـي طريق المعنوية .
عنوانكم هو الجهاد الجامعي . شددوا على هذا الإسم و التزموا بمقتضاه و جاهدوا حقاً . حين يكون ثمة جهاد ، أي السعي الهادف فـي سبيل الله ، فإن النجاح سيكون حليفه دون ريب .
ثقوا أن سبيلنا نحو تخوم العلم المتقدمة فـي كافة المجالات لن يُقطع إلاّ بروح الاستقلال ، و روح التوكل على الله ، و روح العمل للإيمان . علينا أن نقطع هذا الطريق بسرعة ، و نجد الطُرق المُختزِلة ، و نوصِل أنفسنا . علينا أن نفتح حدود العلم و نوجد حدوداً جديدة . هذه عملية ممكنة ، فهذه أرض تُنبت العلم ، وقد أثبتم أن هذا الأمر ممكن . هناك الكثير من أبواب هذه العلوم مغلقة أمام بلدان مثل بلدنا ، بلدان لا تحمل هذه العلوم . ولايسمحون لهذه العلوم بأن تنتقل إلاّ حين تكون قد أصبحت قديمة وبالية وبلا أية حيوية و طراوة . و الأمر كذلك طبعاً فـي كافة الميادين . فـي ميدان العلوم الإنسانية أيضاً الأمر كذلك . لقد قلتُ ذلك اليوم للأصدقاء الناشطين فـي حيز الاقتصاد و إدارة البلاد بمختلف أقسامها و كانوا هنا ، أن الأمور التـي ينادي بها البعض هنا منسوخة . نظرياتهم الأرقى نزلت إلى السوق و جرى استخدامها و راحوا يعملون بها ، لكن البعض هنا ـ ممن انبهروا بآرائهم ـ يطرحون لتوِّهم تلك الذيول القديمة ! البعض يقول يجب أن لا نتعبد حيال الله تعإلى و حيال الدين ، إلاّ أنهم أنفسهم يتعبدون حيال الغرب و حيال أورپا و أمريكا ! إنهم يرفضون التعبد لله غير أنهم يوافقون من أعماق نفوسهم التعبد للرأسمالية الغربية و أجهزة الاقتدار السياسي المرتكزة إليها !
هذه مؤسسة ثورية ، فابقوا ثوريين . هذه هي وصيتـي الأكيدة . التحرك الثوري ، و خلافاً لإيحاءات الخبثاء و بعض الأقلام الأجيرة التـي تشيع أن الثورة تعنـي الاضطراب و التيه والفوضى و العبثية و عدم تماسك الأمور ، التحرك الثوري ليس كذلك أبداً ، إنما الانضباط الثوري هو أرقى و أقوى أنماط الانضباط . عدم الانتظام الذي كان مشهوداً بداية الثورة كان بسبب وجود بناء خاطئ أعوج متهرئ يجب هدمه و تشييد بناء جديد مكانه . ذلك الاضطراب يعود لبداية الثورة . ليست الثورة بمعنى ذلك الاضطراب و التشتت . الثورة حالة مستمرة . الثورة معناها البناء ، أي النماء و الطراوة . وهل النماء و الطراوة أمور ممكنة من دون انضباط أو قانون أو نظام ؟! أفضل الأعمال هي تلك التـي قام بها أشخاص تحلّوا فـي عملهم بالروح الثورية ، سواء فـي الحرب ، أو فـي إعادة الإعمار ، أو فـي العلوم و القضايا الثقافية . إذن ابقوا ثوريين . الروح الثورية بمعنى عدم البقاء فـي أسر الحدود المفروضة بالإكراه ، و عدم الاقتناع بأخذ القطرات الشحيحة المعطاة من هنا و هناك ، وهي التحرك المتفائل نحو الهدف ، و الوصول إليه بفضل الحوافز و الحيوية و الإصرار و المثابرة . هذه هي الثورة و التحرك الثوري .
بخصوص قضية العلم و البحث العلمي ينبغي أن أقول إن الموضوعات الرئيسة التـي تشدد عليها قوى الهيمنة فـي نظام الهيمنة العالمي من أجل الحفاظ على علاقة المهيمن و الخاضع للهيمنة ، هي ثلاثة موضوعات : الهيمنة الثقافية ، و الهيمنة الاقتصادية ، و الهيمنة العلمية . الشرط اللازم لذلك هو أن لايسمحوا للطرف الخاضع للهيمنة أو الجانب الذي فرضت عليه الهيمنة أن يصل للاستقلال و الثقة بالذات و التقدم فـي هذه الصعد الثلاثة ، لا فـي حيز الشؤون الثقافية التـي تشمل الايمان و العقيدة و الثقافة بالمعنى الأخص و القيم و الأهداف و التوجهات ، و لا فـي الحيز الاقتصادي ، ولا فـي المجال العلمي .
البلدان الخاضعة للهيمنة لم يكن لها اقتصاد متماسك فـي أي وقت من الأوقات . أحياناً يتمتعون بازدهار ظاهري ، و ترون أن ثمة ازدهار ظاهري فـي بعض البلدان الخاضعة للهيمنة ، بيد أن البنية الاقتصادية منخورة ، أي أنهم إذا أغلقوا أنبوباً واحداً عليهم ، أو سدوا حساباً واحداً عنهم ، أو استعمروهم اقتصادياً ، فسوف ينهار و يتحطم كل شىء . رأيتم أن رأسمالـي واحد استطاع فرض الإفلاس على عدة بلدان فـي جنوب شرق آسيا خلال شهرين أو ثلاثة . وقد كانت هذه البلدان ذات تنمية و ازدهار اقتصادي جيد نسبياً . رئيس أحد هذه البلدان كان يزور فـي تلك الأيام طهران لمناسبة ما ، وقد التقى بـي و قال أقول لكم إننا أصبحنا فقراء تماماً فـي ليلة واحدة ! رأسمالـي أمريكي يهودي تصرف كما لو يسحبون خيطاً دفعةً واحدةً ، فيسقط بناءٌ هو أشبه بالدُّمى ، حيث سحب الخيط و قلب كل شىء . فـي المكان الذي يحتاجه الأمريكيون يضخون خمسين أو ستين ملياراً ـ خمسون ملياراً لهذا و ثلاثون ملياراً لذاك ـ لكنهم لايضخون حيث لا يحتاجون ، و يذلون ذلك البلد . و الضخ طبعاً معناه إقامة نفس ذلك البناء الشبيه بالدُّمى على هيئة مختلفة . على كل حال ، لا يدعون اقتصاديات تلك البلدان تتعزز و ترسخ .
فيما يتصل بثقافة البلدان الخاضعة للهيمنة ، أول ما يفعله المهيمنون ـ وهذا دارج منذ القدم ـ هو أنهم يستخدمون أساليب الإذلال و الضغط و القوة ، و أحياناً قوة السيف و سمل العيون ـ و فـي التاريخ نماذج لذلك ـ للقضاء على ثقافة تلك البلدان ، و لغاتها ، و قيمها ، و تقاليدها ، و إيمانها . و لا يسمحون للناس أن يتكلموا بلغتهم حتى يتقبلوا اللغة الوافدة . حينما دخل الانجليز إلى شبه القارة الهندية لم يسمحوا باستمرار اللغة الفارسية التـي كانت لغة الدواوين الدارجة هناك و استخدموا الرصاص و الضغوط ليقولوا للناس : لا يحق لكم التحدث بالفارسية ، فنسخوا الفارسية ، و أحلوا محلها الانجليزية . و فـي عهد الحكم الپهلوي الأسود سحبوا من الناس تدريجياً المعتقدات الدينية العامة التـي تقوي المجتمع كالإيمان و العقائد ، و عملوا على سلب الغيرة و الإيمان .
من الأمور التـي لا يسمحون بنموها فـي البلدان الخاضعة للهيمنة و يحولون دونها بشدة هي الحالة العلمية ، ذلك أنهم يعلمون أن العلم أداة من أدوات القوة . الغربيون أنفسهم اكتسبوا قوتهم بالعلم . كانت هذه إحدى ظواهر التاريخ . طبعاً ، تم تداول العلم بين الشرق و الغرب ، و قد كانوا هم أيضاً يعيشون حالة الجهل لفترة ما . خلال حقبة القرون الوسطى التـي يذكرونها هم أنفسهم كانت العلوم مزدهرةً فـي هذا الجانب من العالم . ولكن بمجرد أن ظفروا هم بالعلم استخدموه كأداة للاقتدار و كسب الثروة و توسيع تسلطهم السياسي و امتصاص ثروات الشعوب و إنتاج الثروة ، و عادوا لينتجوا العلوم من تلك الثروة تارةً أخرى ، فطوروا العلوم و زادوا من معارفهم . إنهم يدرون كم للعلم من تأثير فـي تحقيق الاقتدار و القوة للشعب و البلاد ، لذلك إذا أرادوا الإبقاء على نظام الهيمنة ، أي علاقة المهيمن و الخاضع للهيمنة و تسويدها على النظام العالمي ، فعليهم أن لا يسمحوا للجانب الذي يرغبون فـي بقائه خاضعاً للهيمنة أن يكتسب العلم . هذه استراتيجية لا تتغير ، و منهجهم فـي العالم اليوم أيضاً قائم على هذا المنوال . لهذا يتعين العمل لكسب العلم و تحقيق الجهاد.
لقد كنا خلال فترة ما قبل الثورة بعيدين عن العلم لسنوات طويلة . إحدى الفترات كانت فترة السبات والغفلة المطلقة ، فـي فترة أخرى حصلت اليقظة و الوعي بشكل طبيعي لدى الشعوب فكانت فترة الخداع ، إذ لم يسمحوا للعلم بالمعنى الحقيقي للكلمة أن يفد إلى البلاد ، كانوا يشغلون الناس و لا يفتحون طريق البحث العلمي ، و لا ينمّون المواهب و لا يشجعونها ، فجاءت الثورة لترفع هذه الجدران و الحدود و القيود ، فكان أن توفر الوعي الذاتـي العلمي . بيد أن هذا التحرك لن يصل لنتيجة ما من دون إدارة و مثابرة و عزيمة و إرادة . كل الأمور بما فـي ذلك العلوم و البحث العلمي تقتضي إدارة منظمة ، لذا ينبغي التقدم بهذه المهمة إلى الأمام . طبعاً جانب من هذه المهمة يتعلق بالمسؤولين الحكوميين ، و جانب منها تقع مسؤوليته على عاتق الجامعات ، و جانب آخر هو من مسؤولية المراكز العلمية . و أنتم كجهاد جامعي من أهم المراكز التـي يمكنها الاهتمام بهذه القضية و الشعور بمسؤوليتها ، و أنتم كذلك طبعاً . لحسن الحظ أشاهد و أرى أن تقدمكم فـي مجال العلم جيد جداً ، فتابعوا هذه المسيرة.
إقترح رئيس الجهاد الجامعي المحترم أن تدار ظاهرة إنتاج العلم و النهضة الرقائقية البرمجية ـ الشعار الذي طرحناه ـ من قبل الجهاد الجامعي . هذه الفكرة جديدة بالنسبة لـي و بالمستطاع دراستها . إهتموا لأعمالكم العلمية . وطبعاً العمل الثقافـي مهم بنفس الدرجة و بشكل مستقل . و كذا الحال بالنسبة للعمل من أجل الإيمان و لأجل المعتقدات المشجِّعة و المورِثة للعزة و الوعي ، و الإيمان الإسلامي يجمع كل هذه العناصر . هذا الموضوع بحد ذاته بحث مستقل تتطرقون إليه طبعاً فـي موضعه ، و هذا بدوره جيد جداً .
أما بصدد هذه القضية الأخيرة حيث أثار أعداء الجمهورية الإسلامية و على رأسهم و أخبثهم جميعاً حكومة الولايات المتحدة الأمريكية الضجيج ضد الجمهورية الإسلامية ، و اتخذوها ذريعة للضغط على الجمهورية الإسلامية ، فهذه هي الأحقاد البدرية و الخيبرية و الحنينية . إنها الضغائن الناجمة عن الثورة الإسلامية و قطع اليد الأمريكية عن البلاد ، الضغائن التـي يريدون تفريغها هنا بنحو من الأنحاء . لقد فتحوا أفواههم الملوثة ضد الشعب الإيرانـي و قالوا كل ما حلا لهم . المشهورون فـي العالم بالخداع و الكذب و الغش اتهموا الجمهورية الإسلامية بالخداع و الكذب ! الذين يلوح خبثهم و عداؤهم للإنسانية كأوضح من النهار ، و الجميع يرون هذا فـي الميادين المختلفة ، اتهموا الجمهورية الإسلامية بانتهاك حقوق الإنسان ! وظهروا هم فـي الساحة كأدعياء لحقوق الإنسان ! أمريكا المفضوحة التـي تنشر سجونها فـي كل أنحاء العالم بما فـي ذلك العراق و أفغانستان ـ جاء فـي الاخبار قبل أيام أن لأمريكا نحو عشرين سجناً شبيهاً بسجن أبـي غريب ـ و هذه المنظومة التـي تحمل على عاتقها اليوم ادعاءات السيادة على العالم ، و هي مظهر الفجائع و انتهاك حقوق الإنسان والتوحش الكامل، يدعون أنهم أنصار حقوق الإنسان ! انظروا أي انحطاط للإنسانية هذا ؟ و أي خزي أفظع اليوم لأجيال البشرية من هذا : أنْ يزعم مثل هؤلاء الأشخاص ، مثل هؤلاء المتوحشين ، و الذئاب المفترسة المصّاصة للدماء أنهم أنصار حقوق الإنسان ؟! هؤلاء أنفسهم يفتحون أفواههم ضد الجمهورية الإسلامية و يطلقون الهراء و الهذر و يقولون كل ما يروقهم .
إنهم يقومون بعملين فـي آنٍ واحد : من جهة يهذرون و يتهمون الجمهورية الإسلامية بأنها تعمل على صنع قنبلة ذرية ، و أن المسافة التـي تفصلها عن السلاح الذري قليلة جداً و إذا أرادت اليوم استطاعت بعد عدة أشهر أو بعد سنتين أن تحصل على السلاح الذري . و من جهة أخرى و بلغة ثانية يشيعون أن لا فائدة من هذا و لا تتحركوا باتجاه العلوم الذرية . أبدالهم الصغار و عبيدهم المطيعون يتابعون هذه الخطوط فـي الداخل و يكتبون هذه الأشياء . إن هؤلاء الكتاب المأجورين ، الذين كانوا فـي بلادنا دائماً للأسف ، يبقون متربصين إلى أن يستخدموا أقلامهم و كتاباتهم و اياديهم و فنونهم لصالح الشىء الذي يرومه أعداء هذا الشعب بالضبط . هؤلاء المتملقون التافهون الوضيعون ، و كثيرو الإدعاءات طبعاً ، يقولون بألسنة مختلفة : لا تطلبوا العلم النووي ، و إذا طلبتموه فعليكم أن تذهبوا وتقلِّبوا العتبة الأمريكية حتى تستطيعوا الحصول عليه. أولئك يتكلمون ، و هؤلاء يعكسون نفس الكلام و يكررونه .
يُخلَط النقاش بين التقنية النووية و السلاح النووي ، وحقيقة الأمر غير هذا ، إذ لا علاقة بين هذين الأمرين ، و هما شيئان منفصلان تماماً . السلاح الذري منوط بتخصيب لليورانيوم أعلى من تسعين بالمائة و بتقنيات معقدة ، و لا يطلبه إلاّ من تكون له الدوافع لذلك . وليس لدينا نحن هذه الدوافع ، ولم نطلب هذا السلاح و لا نريد أن نطلبه و نسير باتجاهه . ليست لدينا حاجة للقنبلة الذرية . إذا كنا قد انتصرنا لحد الآن على أعدائنا فإن ذلك لم يكن بالقنبلة الذرية . منذ خمس و عشرين سنة و الشعب الإيرانـي يهزم أمريكا ، أليس كذلك ؟ بمإذا انهزمت أمريكا على يد الشعب الإيرانـي طوال خمسة و عشرين عاماً ؟ هل هزمناها بالقنبلة الذرية أم بالعزيمة ، و الإرادة ، و الإيمان ، و الوعي ، و باتحادنا ؟ لقد أدركنا مإذا نريد ، أدركنا ما الذي نصبوا اليه ، و قد عرفنا الطريق ، و بدأنا المسير و لم نخش اسلحة هذا و تجهّم ذاك . هكذا انتصارنا نحن . لم ننتصر بالقنبلة الذرية . ألم يكن للاتحاد السوفيتـي السابق قنبلة ذرية ؟ عدد القنابل الذرية التـي كانت بحوزة الاتحاد السوفيتـي السابق ربما كان اكثر من القنابل الذرية لأمريكا . ألم ينهزم ؟! الانتصار و الهزيمة فـي ساحات العالم الرئيسية ليست بهذه الأشياء . لقد قدمنا للعالم الإسلامي اليوم نموذجاً ، نموذج حكومة الشعب الدينية ، نموذج الاستقلال و العزة الوطنية . لقد تعبأ العالم الإسلامي اليوم ضد أمريكا . منذ خمسة و عشرين عاماً و الشعوب تهتف الموت لأمريكا . من الذي كان يقول الموت لأمريكا ؟ من كان يقول ذلك سوى الجمهورية الإسلامية و سوى الشعب الإيرانـي ؟ و اليوم يقول الجميع ذلك . نحن لم نتقدم بالقنبلة النووية . النصر فـي الميادين العظيمة و التاريخية والخالدة لا يتأتى بهذه الأسلحة . أليس للنظام الصهيونـي اليوم قنبلة ذرية ؟ يقال أن فـي مخازن الكيان الصهيونـي حالياً مائتين أو ربما ثلاثمائة رأس نووي ، ولكن منذ كم سنة و الكيان الصهيونـي عاجز حيال الطرف المقابل الذي ليس له حتى بندقية ، و لا يمتلك إلاّ الحجارة ، طبعاً الحجارة إلى جانب الإرادة ، و الحجارة التـي يسندها الإيمان ؟ قضيتنا ليست قضية قنبلة نووية . مإذا نفعل بالقنبلة النووية ؟ ثم ان القنبلة الذرية حينما تستخدم لا يموت الأعداء فقط بل يموت غير الأعداء أيضاً ، و هذا بخلاف معتقداتنا ، بخلاف مسارنا و منهاجنا . القنبلة الذرية التـي تقتل البر و الفاجر ، و تبيد الصالح و الطالح و تحرق الأخضر و اليابس ليست من عمل النظام الإسلامي .
أما قضية التقنية النووية و ذلك المقدار الذي نرومه و نتطلع إليه ، فشىء آخر . المشترك هنا هو مادة اليورانيوم فقط . تلك تحتاج إلى يورانيوم من نوع تسعين بالمائة و صناعة تسليحية معقدة ، و هذه تحتاج إلى يورانيوم من نوع ثلاثة إلى أربعة بالمائة لوقود المحطة النووية و هو ما نمتلكه اليوم فـي بوشهر . أين اليورانيوم المخصب بنسبة ثلاثة إلى أربعة بالمائة و أين المخصب بنسبة أكثر من تسعين بالمائة ؟! هذا هو الشىء المسموح به للجميع طبقاً للقوانين الدولية و لا إشكال فيه ألبته . كل البلدان إذا كانت بحاجة لليورانيوم ـ و إنْ لم تكن بحاجة إليه ـ تستطيع إنتاجه بنسبة ثلاثة إلى أربعة بالمائة . و هناك معاهدة MPT الدولية التـي يتفق عليها الجميع ، و نوافقها نحن و لا يوجد أي إشكال من حيث الضوابط العالمية . إن لم تكن لدينا هذه التقنية فمعنى ذلك أن مفاعل بوشهر النووي إذا انتهى فـي المستقبل فعلينا طرق أبواب هذا البلد و ذاك للحصول على وقوده ، و نقول لهم أعطونا وقوداً . و إذا أرادوا يوماً ما لأي سبب من الأسباب ـ سبب سياسي ، قضايا دولية ، أو علاقات ثنائية ـ عدم تزويدنا بالوقود فمعنى ذلك أنه لم تعد لدينا محطة طاقة . هذا ما يريدونه . يريدون أن تكون لديكم مدفئة ، ويكون نفط المدفئة فـي أيديهم ، أي يرومون مضاعفة التبعية عن طريق تأسيس المفاعل النووي ، و ليس تقليلها .
الذي يدفع أمريكا اليوم للضجيج ضد إيران و يجعلها مرتبكة هو أنهم يشاهدون إيران و قد أنشأت محطة الطاقة الذرية و تستطيع إنتاج الكهرباء الذري ، و بمقدورها إنتاج وقود هذه المحطة و تموينها فـي الداخل . هذه هي نقطة قلقهم الأولى . سبق أن قلت إنه لو كان النفط بأيديهم و كنا بحاجة إلى النفط لباعونا قنينة النفط الواحدة بسعر آبائهم و أمهاتهم . ما كانوا سيبيعون برميل النفط الواحد بعشرين ، أو ثلاثين ، أو خمسة و ثلاثين دولاراً مثلاً ـ و الواقع بالمجان ـ كما نبيعه نحن الآن . ولكن تلاحظون أن البلدان النفطية تحوِّل رصيدها غير المتجدد إلى مال بخس . يريدون تكريس ذات المعادلة فيما يخص الوقود النووي ، أي يجعلوننا حتى لو كان لنا محطة طاقة نووية ، محتاجين إليهم فـي وقودها .
النقطة الثانية لقلقهم هي أن هذا العلم نبت و ترعرع فـي الداخل ، أي أنه فـي الواقع محلـي ، و هذا مايزعجهم . طبعاً هذا لايعنـي أننا نحن الذين اخترعنا هذا الجهاز ، لا ، إنما بمعنى أننا لم نطرق بابهم لاكتساب هذه المهارة. باحثونا الشباب ـ الشباب من أمثالكم ـ و مئات الأدمغة المفكرة النيرة استطاعوا تشغيل هذا الجهاز الهائل و قطف النتائج ، و تنمية العلوم فيما بينهم ، و إيجاد التقنية ، و عدم طرق باب هذا الطرف أو ذاك . هذا من أسباب قلقهم ، لمإذا ؟ لأنهم يجدون هذا على الضد تماماً من تلك الفلسفة الاستكبارية التـي تروم إبقاء البلدان الخاضعة للهيمنة عديمة الاستقلال فـي العلوم و التقنية . يجب أن تبقى أيديهم ممدودة ، وينبغي أن يبقوا بحاجة إليهم . إنهم يعلمون أن بلد إيران و شعب إيران إذا استطاع الرقي إلى قمة هذه التقنية سيتكرس فـي العالم نداؤه الحق و هو استقلال الأمة الإسلامية و العزة الإسلامية أكثر بين المسلمين و المجتمعات الإسلامية ، و ستتقبله الأذهان أكثر . هذا ما يزعجهم ، لذلك يثيرون الضجيج . وبالتالـي فإن حقيقة المسألة غير ما يقولونه .
لقد قال مسؤولو بلادنا ما يجب أن يقولوه بشأن القضايا السياسية لهذه المسألة . ما قاله السيد رئيس الجمهورية و مسؤولو هذا المشروع النووي و وزارة الخارجية عندنا صحيح . لقد أجابوا على هراء الأخرين و تماديهم . لستُ فـي صدد أن أقول شيئاً بهذا الخصوص . أريد أن تتضح حقيقة الأمر للشعب الإيرانـي . لا يريد الشعب الإيرانـي أن يتقبل ظلماً مضاعفاً . يبدون قلقهم من أنكم قد يمكنكم عن هذا الطريق الحصول على السلاح النووي . إذا كان الأوربيون و غيرهم صادقين حقاً و قلقين من الأسلحة النووية ، نقول لهم كلا ، كونوا مطمئنين ، فنحن لا نريد الحصول على السلاح النووي للسبب الذي ذكرناه . أما إذا كانوا منزعجين من امتلاك الشعب الإيرانـي لهذه التقنية الضخمة الراقية بشكل محلي و يريدون إيقاف ذلك ، نقول لهم أيضاً اطمئنوا أن الشعب الإيرانـي لن يتنازل . ما يقوم به الباحثون و العلماء و الحكومة الإيرانية فـي نطاق التقنية الذرية هو واجبهم الكبير ، و هو عمل كبير الهدف منه الحؤول دون التبعية للأجانب و الحفاظ على الاستقلال الوطنـي ، و هو ما يحتاج إليه البلد .
لا يحاول الهاذرون و المثرثرون عبثاً أن يشيعوا فكرة : و ما ضرورة هذا الأمر ، و لمإذا يتحركون نحوه ، كلا ، إنه حاجة الشعب الإيرانـي . البلدان المتقدمة فـي العالم اليوم تؤمِّن معظم أو جزء كبير من طاقتها الكهربائية من محطات الطاقة الذرية ، لا من النفط و هو رصيد ثنائي الإنتاج ، و آيل إلى النفاد ، و ممكن التبديل إلى أشياء أثمن بكثير من الوقود . الذين يريدون حرمان الشعوب صاحبة النفط من هذه الموهبة يقولون لهم إن لديكم نفطاً فما حاجتكم إلى الطاقة الذرية ؟! و هل ينبغي استهلاك النفط كله لنمد أيدينا إليكم بعد ذلك ؟! هل مصير الشعوب هو الحاجة إليكم ؟ يقولون استهلكوا النفط ثم حين يخلو وفاضكم كونوا محتاجين إلينا ، تعالوا و اطرقوا بابنا . شعبنا لايريد قبول هذا و علينا التحرك باتجاه الطاقة النووية لإنتاج الكهرباء . هذه حاجة بلدنا . علينا السير فـي هذا الطريق ، و إلاّ تضاعف تخلف القرن أو القرنين الماضيين ، و عندها سيجعلون هذه الأمة تتخلف قرناً آخر . عليه فإن التحرك باتجاه هذه العملية واجب وطنـي . حينما نتحرك باتجاه هذه العملية يتعين أن نجعلها محلية ، و إلاّ عادت تلك التبعية و عادت تلك الحاجة . حين لا نروم أن نكون تابعين و نريد أن تكون العملية محلية ، ستكون ثمة ضغوط طبعاً . ينبغي الصمود أمام الضغوط . الذين يتحدثون ضد هذه الفكرة من دون أن يفهموها ، لا يفهمون و لا يلتفتون إلى أنهم يخونون هذا الشعب و يقولون و يلهجون بما تريده أمريكا ، ما هي الضرورة ؟ و ما حاجتنا لذلك ؟ لنتركه ! نعم ، من الطبيعي أن يرغب أولئك فـي أن لا ننتج شيئاً و نستلم حتى طعامنا الجاهز منهم ، شريطة أن يكون لدينا المال ، و حين لا يكون المال ، فلن يبالوا حتى لو مات الشعب من الجوع ، لأنهم يقتلون ألفاً تلو ألف ، و لا يأبهون لموت ألف تلو ألف و مليون تلو مليون .
واجبنا الوطنـي اليوم هو السير نحو هذه التقنية و التقنيات المماثلة و كل ما يقربنا من قمة العلم ، و متابعة هذا السبيل واجب على شعبنا فـي الوقت الحاضر و وظيفة الذين يستطيعون ذلك ، حتى يتمكنوا من إعزاز الشعب و تحريره من التبعية .
أسأل الله تعإلى أن يوفقكم و يؤيدكم جميعاً . الساعون فـي سبيل استقلال البلاد علمياً أدعو أن يوفيهم الله تعإلى أجورهم و يوفقهم إن شاء الله ، و أتمنى أن يُوفَّق الشعب الإيرانـي إن شاء الله أكثر فأكثر للتقدم بهذه الحركة العلمية و البحثية التـي بدأها ـ و الحمد لله ـ شبابُهُ .
والسلام عليكم و رحمة الله وبركاته .