بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين . الحمدلله الذي خلق السماوات و الأرض و جعل الظلمات و النور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون . نستغفره و نتوب إليه و نحمده و نتوكّل عليه و نصلّي و نسلّم على حبيبه و نجيبه سيّد خلقه سيّدنا و نبيّنا أبـي القاسم المصطفى محمد و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديين المعصومين سيّما بقية الله فـي الأرضين . أوصيكم عباد الله بتقوى الله .
أولاً أبارك عيد الفطر السعيد لكافة الشعب الإيرانـي العزيز و لجميع المسلمين فـي العالم و لكم أيها المصلون الأعزاء ، و أسألُ الله تعالى أن يتقبل عباداتكم و طاعاتكم و قرباتكم فـي شهر رمضان المبارك بأحسن قبوله . أوصي جميع الإخوة و الأخوات المصلّين و نفسي بتقوى الله .
شهر رمضان فرصة جد عظيمة و استثنائية أتيحت لنا بفضل من الله تعالى فـي هذا العام أيضاً لنستطيع الجلوس فـي هذا الشهر المبارك إلى مائدة الضيافة الإلهية . إنها فرصة استثنائية لا نظير لها على امتداد السنة . ما أعظمها من سعادة لنا نحن الساكنين فـي أتربة الأرض أن نجالس ملائكة الله و الروح الأمين فـي شهر رمضان : ﴿ تنزّل الملائكة و الروح فيها بإذن ربهم ﴾ . ليلة القدر من شهر رمضان ليلة اجتماع أهل الأرض بملائكة الملأ الأعلى . كما تسير قافلة البشرية بلا توقف نحو نهاية معينة ، كذلك يسير كل فرد من أفراد الإنسانية طوال حياته نحو نهاية و غاية و منزل : ﴿ إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه ﴾ . تمر هذه المسيرة الطويلة المليئة بالصعاب و المنعطفات بأطوار و مراحل شتى ، ثمة فيها محن ، و ثمة فيها بلايا ، و ثمة فيها صعاب ، و هناك أيضاً حالات من فرج و سرور و ابتهاج : ﴿ بلوناهم بالحسنات و السيئات ﴾ . و كل هذه إنما هي محن و اختبارات . فـي هذا الطريق الطويل الذي يجب على البشر أن يقطعوه و يحاولوا أن يبلغوا بأنفسهم ذروة الكمال الإنسانـي ، أي لقاء الله ، تتسم الحركة فـي بعض مقاطع الطريق بالصعوبة ، و ذلك على غرار مسارات الحياة العادية ، حيث يمر الإنسان أحياناً بأطوار عصيبة ، و قد يضطر أحياناً للصعود فـي مضيق بطريق وعر ، و تارةً قد يواجه مستنقعاً ، و أحياناً قد يكون الطريق سالكاً و المركب مريحاً .
إننا نواجه مشكلات معينة على امتداد السنة و خلال مسيرتنا الطويلة فـي مواجهة أهوائنا النفسية و المعاصي و الأجواء الحالكة التـي نخلقها بأنفسنا . أحياناً يستعصي على الإنسان أن يتوفر لديه الميل للدعاء ، أحياناً يستعصي عليه أن يذرف قطرةً من دمع . ولأن الطريق عصيب ، تحاصرنا ذنوبنا و معاصينا من كل حدب و صوب . أما شهر رمضان فهو البرهة التـي تسهل فيها الحركة . القضية كما لو أنكم تسيرون فـي طريق صعب للوصول إلى مكان أو مدينة معينة و تضطرون أحياناً للسير على أرجلكم ، أو اجتياز المياه ، أو عبور المستنقعات فـي أحيان أخرى . و أحياناً تصلون مطاراً فيه طائرة جاهزة توصلكم للغاية المنشودة بلا متاعب و ببال مطمئن و بعد أن تقطع بكم مسافاتٍ طويلة . مطلع شهر رمضان بمثابة الوصول إلى مثل هذا المطار. لقد مهد الله تعالى السبيل فـي شهر رمضان و أخلى أجواءه من العراقيل و الموانع . هذا الصيام الذي تصومونه يغِلُّ النفس و أهواءها . هذه العبادات ، و الأدعية ، و حالات الخشوع و الذكر ، و ليلة القدر هي الوسائط المريحة التـي تتقدم بكم إلى الأمام فراسخ و فراسخ . الطريق الذي نقطعه طوال الأشهر الأخرى من السنة متراً متراً فـي بعض الأحيان ، نستطيع إذا عقدنا العزم و تقدمنا بأنفسنا أن نقطعه فرسخاً فرسخاً فـي شهر رمضان . لهذا تلاحظون أن أولياء الله يسعدون ببشارة حلول شهر رمضان و يذرفون الدموع لفراقه .
يئن الإمام السجاد فـي دعاء وداع شهر رمضان ـ و هو الدعاء الخامس و الأربعون من الصحيفة السجادية على ما يبدو ـ أنيناً يضطره للسلام على هذا الشهر عدة مرات : «السلام عليك» . السلام هنا بمعنى التحية و بمعنى توديع شهر رمضان العزيز و أيامه و لياليه النيّرة ، توديع هذه البرهة الجنائنية من أعمارنا و من السنة .
التقوى هي حصيلة شهر رمضان . إنها العكوف على الذات و تداركها و اكتناز التقوى للنفس ﴿ لعلكم تتقون ﴾ . شهر رمضان يكنز فـي نفوسنا التقوى لتعمل بدورها كوسيلة لبلوغ المراتب العالية . التقوى مركب يمكنه الوصول بنا إلى تلك المنازل العُلى : ﴿ و اتقوا الله لعلكم تفلحون ﴾ ، ﴿ فاتقوا الله لعلكم ترحمون ﴾ ، ﴿ و اتقوا الله و يعلّمكم الله ﴾ يمنح الله العلم و الهدي و الرحمة للإنسان جزاءً له على تقواه . و الأهم من كل ذلك هو الفلاح . الفلاح أيضاً يأتي نتيجة التقوى . أعزائي ، ينبغي الحفاظ على زاد التقوى الذي اكتسبناه فـي شهر رمضان ، إن كنا قد اكتسبناه ، و تريّثنا ، إن شاء الله ، عند مائدة الزيارة الإلهية لنتزود منها . إنها ثمرة قيمة جداً . مثلنا كمثل ذلك المزارع الذي يبذل جهوده و كده ثم يحصد محصوله من القمح فيودعه مخزناً عند أيد أمينة حتى يستطيع الانتفاع منه على طول السنة . هذه هو زادنا على امتداد السنة . إنه زاد معرض للمخاطر على طول العام ، فهناك الوساوس ، و هناك البهارج ، و هناك الشهوات و أهواء النفس و الذنوب ، هذه كلها آفات قد تصيب ذلك الخزين من الزاد . حافظوا على هذا الزاد و استخدموه لمكافحة تلك الآفات .
اليوم يوم عيد : « الذي جعلته للمسلمين عيداً ، و لمحمد (صلى الله عليه و آله) ذخراً و شرفاً و كرامةً و مزيداً » . إنه مزيد قُرِّر للرسول فـي يوم عيد الفطر . لذلك نتجهّز و نتسلح نحن أتباع ذلك الرسول بزاد التقوى فـي أي صقع من العالم كنا ، و ذلك لمواصلة طريق الحياة الوعر ، و لأجل عمارة الدنيا و الآخرة و الوصول إلى الفلاح .
ربنا بمحمد و آل محمد وفقنا جميعاً لاكتساب التقوى و الحفاظ عليها .
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ و العصر . إن الإنسان لفي خسر . إلاّ الذين آمنوا و عملوا الصالحات و تواصوا بالحق و تواصوا بالصبر ﴾
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا و نبينا أبـي القاسم المصطفى محمد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديين المعصومين سيّما على أمير المؤمنين و الصديقة الطاهرة سيدة نساء العالمين و الحسن و الحسين سبطي الرحمة و إمامي الهدى ، و علي بن الحسين ، و محمد بن علي ، و جعفر بن محمد ، و موسى بن جعفر ، و علي بن موسى ، و محمد بن علي ، و علي بن محمد ، و الحسن بن علي ، و الخلف الهادي المهدي القائم ، حججك على عبادك و أمنائك فـي بلادك ، و صلِّ على أئمة المسلمين و حماة المستضعفين و هداة المؤمنين . أوصيكم عباد الله بتقوى الله .
أذكركم و نفسي مرة أخرى بالتقوى ، و أوصي كافة المؤمنين و المؤمنات بمراعاة التقوى و الحفاظ عليها و الاهتمام بها .
كان شهر رمضان لهذا العام شهراً عامراً حافلاً و الحمد لله . يلاحظ المرء أن إقبال الناس فـي بلادنا و فـي كافة الآفاق الإسلامية يزداد عاماً بعد عام . خلافاً للسياسات الاستراتيجية التـي يتابعها أعداء المعنوية و الفضيلة حيث يرومون تفريغ جيل الشباب فـي العالم كله من محتواه المعنوي ، إلاّ أن أفواج شبابنا و الحمدلله ـ و على الرغم من مساعيهم المكلفة ـ يتوجهون بقلوبهم النيّرة نحو الدعاء و التضرع و الإنابة و الاستغفار ، خصوصاً فـي شهر رمضان . الشعب الذي له شهر رمضان ، و له الله ، و له شهر محرم ، و له الجهاد و الاستشهاد ، الشعب المتجهز بأدوات الجهاد و المعتمد على الله ، لن يهزم أبداً . شهر رمضان هذا ـ و كما سبق فـي الأعوام الماضية ـ كان فيه مضافاً للعبادة و التضرع و التوسل ، مظاهرة جماهيرية عظيمة هائلة فـي يوم القدس ، و هي تحرك رمزي عظيم ترك و سيترك بلا شك تأثيرات عميقة فـي الساحة السياسية العالمية مقابل القوى الاستكبارية . على أن ما سبب المرارة لضيوف رمضان فـي كل العالم الإسلامي ، و خصوصاً هذه السنة ، هو الحوادث المفجعة فـي فلسطين و العراق . هذان البلدان فلذات من الجسد الإسلامي .
فـي فلسطين ، أضحى قتل الناس عادةً يومية يمارسها الصهاينة الظالمون . العالم الذي يسكت عن مثل هذه الجرائم ، عالم منحرف غير طبيعي . إنهم ساسة مذنبون أولئك الذين يغضون الطرف لاعتبارات سياسية و لأجل المصالح الدنيوية عن كل هذه المظلومية من جهة ، و عن كل تلك الجرائم من جهة ثانية . الإنسانية اليوم مبتلاة بمثل هؤلاء الساسة . لقد قدم الشعب الفلسطينـي الصائم فـي شهر رمضان هذا عدداً من الشهداء . و تحمل الشعب العراقي فـي شهر رمضان هذا متاعب كثيرة و هو صائم . كل هذا بسبب حرب غير معلنة بدأها الاستكبار العالمي ضد الإسلام . فـي هذه الحرب غير المتكافئة تصطف كل ثروات الاستكبار و قدراته و إمكاناته الدعائية و السياسية و الاقتصادية إزاء الشعوب التـي تريد أن تذكر اسم الله و تبقى فـي نطاق العبودية لله : ﴿ و ما نقموا منهم إلاّ أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد ﴾ . يبعث الإسلام فـي قلب المسلم شجاعة و نوراً و صبراً يخشاه المستكبرون ، و لهذا يعارضون الإسلام .
الأمة الإسلامية واقفة قبال هذه الجبهة الإستكبارية التوسعية الطامعة . يمكنكم ملاحظة نماذج المقاومة . محفزات هذه المقاومة مبثوثة من أقصى العالم الإسلامي إلى أقصاه ، و قد تظهر بشكل أبرز فـي بعض المواطن ، و على القمة من ذلك يقف الشعب الفسطينـي . لم تستطع أمريكا و حلفاؤها الصهاينة أن يطفئوا جذوة الشعب الفلسطينـي . حينما خاض الصهاينة حرباً مسلحة منظمة ضد البلدان العربية لم تستغرق الحرب أكثر من ستة أو ثمانية أو عشرة أيام ، و هم الآن يواجهون الشعب الفلسطينـي منذ نحو أربعة أعوام . شعب يقتلون منه ، و يهدمون بيوته ، و يعاملونه بمنتهى القسوة لكنهم عاجزون عن أن يركعوه . و هكذا الحال فـي كل العالم الإسلامي . حيثما أراد هذا العدو العنود الذي يقف ساسة الولايات المتحدة الأمريكية على رأسه ـ و هو عدو الإسلام و المسلمين و الأمة الإسلامية ـ التدخل بهذا الوجه و بهذا الأسلوب فسوف يواجه مقاومة الأمة و الشعوب المسلمة .
نلعن مرةً أخرى عن تعاطفنا مع الشعب الفلسطينـي المظلوم ، و الشعب العراقي المظلوم ، و كافة الشعوب المظلومة . الشعب الإيرانـي شعب صامد .
أيها الشعب الإيرانـي العزيز ، أيها المصلون الأعزاء ، إن وحدتكم و التحامكم هذا و اعتصامكم بالقيم المعنوية لهو أكبر مكسب يعينكم على الصمود أمام أطماع الاستكبار و نزعته التوسعية العدوانية ، فلابد أن تحافظوا على هذا لأنه شي ء قيم جداً . صلوات العيد هذه ، و هذه التجمعات العظيمة ، و هذه التظاهرات الهائلة ، و هؤلاء الشباب المتحفزون و أفراد الشعب المستعدون للتحرك و النهضة و الدفاع و الجهاد فـي سبيل الإسلام ، كلها عناصر استطاعت تحقيق العزة لجميع الأمة الإسلامية . عزتكم و اقتداركم أيها الشعب رهن بالاعتصام بهذه الوحدة و هذا التلاحم و هذه البصيرة و التنوّر ، فحافظوا على كل هذا . ليعمل المسؤولون فـي خدمة الشعب ، و ليقف الشعب إلى جانب المسؤولين ، و ليفكر الجميع بمصالح هذا البلد و هذا الشعب ، و ليهتم الكل اهتماماً حقيقياً بالضمانة الأصلية لإنقاذ الأمة الإسلامية ، أي التمسك بالإسلام ، ذلك التمسك الذي يبنـي للناس دنياهم و آخرتهم . اطلبوا من الله أن يحفظ فيكم هذه الروح و هذا الإيمان و هذا التوثب و الحيوية .
و أريد أن أشير بسرعة إلى الحدث البالغ الأهمية الذي نستقبله فـي نصف السنة المقبل . إنها قضية انتخابات رئاسة الجمهورية . تفصلنا نحو ستة أشهر عن هذه الانتخابات و لا يزال هناك متسع من الوقت للكلام و الحوار عنها ، لكنـي أريد أن أذكر شيئاً مقتضباً حول المسألة و هو أن الشعب الإيرانـي أثبت دوماً يقظته و تواجده فـي ساحة الانتخابات . ما ينبغي أن يلتفت إليه الجميع كاستراتيجية أساسية هو المشاركة القصوى للشعب . يجب أن تكون مشاركة الجماهير فـي انتخابات رئاسة الجمهورية المقبلة التـي ستكون من الملاحم الوطنية إن شاءالله مشاركة تبعث اليأس فـي نفوس الأعداء من التطاول على إيران الإسلامية و الشعب الإيرانـي الشامخ . لقد أعد شعبنا نفسه دوماً للمهمات الكبرى عبر انتهاله من الفيوض المعنوية ، و سيستعد و يصمم على إقامة واحدة من أفضل الانتخابات الوطنية و أكثرها حماساً إن شاء الله . المهم بالنسبة للشعب فـي هذه الانتخابات و كل الانتخابات و القرارات الوطنية هو الارتقاء بمستوى كفاءة النظام يوماً بعد يوم . هذا هو أساس المسألة . إذا أراد الناس تعيين رئيس للجمهورية أو نائب فـي المجلس أو شخص آخر فإنهم يرومون إناطة المسؤولية بأشخاص أكفّاء يستطيعون رفع كفاءة النظام و معالجة المشكلات المادية و المعنوية للشعب . هذا ما يريده الناس . و لكل من الفئات و الأحزاب و العناصر السياسية آراؤها و تصوراتها ، و هي تصورات خاصة بهم . الجماهير تريد أن يتولى المسؤولية أشخاص مخلصون و أكفّاء . و قد تم إنجاز الكثير من المهام لحد الآن . الكثير من البنى التحتية للبلاد على وشك الافتتاح و الاستثمار . الأذرع القوية الكفوءة لمسؤول مؤمن وفـي لمبادئ الثورة ـ و هي مبادئ الشعب ـ ستستطيع حلَّ الكثير من العقد و المشكلات . هذا ما يتحراه الناس . الفرص كثيرة ، و الكلام فـي هذا الخصوص كثير . سيطرح هذا الكلام فـي حينه إن شاء الله ، و سيجتاز شعبنا هذا الاختبار الكبير أيضاً ببصيرة و استعداد و تحفز و حيوية كما كان دائماً .
ربنا بمحمد و آل محمد احشر روح إمامنا الكبير مع أرواح الأولياء و الصالحين و الصديقين . ربنا احشر شهداءنا الأعزاء مع شهداء صدر الإسلام . ربنا اشمل معوّقينا و مضحينا برحمتك و لطفك و فضلك . ربنا مُنَّ على كل واحد من أبناء شعبنا فـي أي مكان من هذا البلد بلطفك و فضلك و احلل مشكلات الناس الحياتية بيد اقتدارك و إرادتك . ربنا ، أبلغ سلامنا فـي يوم العيد هذا لحضرة مولانا و سيدنا المهدي المنتظر (أرواحنا فداه) مالك هذا البلد و صاحب العصر و الزمان ، و اجعلنا ممن يشملهم دعاؤه .
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد و لم يولد . و لم يكن له كفواً أحد ﴾
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .