بسم الله الرحمن الرحيم
أولاً أرحب بالإخوة و الأخوات الأعزاء العاملين فـي هذا التحرك الإلهي و الجماهيري العظيم ، و نسأل الله الشاكر العليم أن يتقبل مساعيكم و يثيبكم و يمن عليكم و على الزوار بمزيد من التوفيق لإقامة الحج بأفضل ما يمكن .
الحج فرصة استثنائية . كل العبادات إنما هي فرص يستعيد فيها الإنسان نفسه . الناس و بسبب غفلتهم عن الله تعالى ـ و هو روح الوجود و حقيقته ـ يغفلون عن أنفسهم و قلوبهم و حقيقتهم ﴿ نسوا الله فأنساهم أنفسهم ﴾ . هذا هو داء البشرية الكبير اليوم . الناس بغفلتهم عن الله تعالى يغفلون عن أنفسهم أيضاً . لقد نُسيت تماماً حاجات الإنسان و حقيقته و أهداف خلقته فـي زحمة العجلات المادية . ما يعيد الإنسان إلى الله و إلى نفسه و حقيقته و حاجاته و قلبه فـي ظل التوجه إلى الله ، إنما هو الدعاء و العبادة و التضرع . و الحج من هذه الناحية أفضل العبادات . فهو عبادة استثنائية من حيث الزمان و المكان و توالـي الحركات التـي تُقرر للحاج و الناسك أثناء مراسم الحج . لذا كانت مدينة مكة و مراسم الحج وسيلةً تُحقق الأمن للإنسان . فـي تلك المراسم العجيبة العظيمة يشعر الإنسان بالأمن يملأ فؤاده عبر خضوعه و خشوعه و تضرعه و استغراقه فـي ذكر الله . هذه هي أكبر حاجات الإنسان . الجحيم الذي تشعله القوى و الدوافع المادية داخل الإنسان يستطيع الإنسان حين يلوذ بالحج أن يقلبه برداً و سلاماً جنائنياً على نفسه فـي ذلك الزمان و ذلك المكان .
ما أغفلهم أولئك الذين يهوّنون قدر مراسم الحج و أيامه و مناسكه بانهماكهم فـي شؤون الدنيا . ينبغي أداء الحج بخشوع و حضور قلب و أدب تام . ماعدا مناسك الحج و أعماله التـي تشكل صورته الظاهرية ، هناك أدب يمثل روح الحج . البعض يؤدون تلك الصورة لكنهم يغفلون عن روحه و حقيقته . أدب الحج هو الخضوع و الذكر و الخشوع . أدب الحج هو الشعور بالحضور مقابل الخالق فـي كل الآنات و اللحظات . أدب الحج هو اللجوء إلى ساحة الأمن الإلهي التـي أعدها للمؤمنين و المتمسكين بأذيال التوسل بالذات الإلهية المقدسة . يجب التعرف على هذه الجنة و الدخول فيها . ينبغي فهم الحج بهذه الطريقة . أدب الحج هو السلم و المداراة . العنف مع المؤمنين و العراك مع الإخوة و الفسق و الجدل ممارسات ممنوعة فـي الحج . أدب الحج هو الغور فـي حقيقة معنى الحج و الاغتراف و التزود منه لكل فترات الحياة . أدب الحج هو الأخوّة و تحقيق المحبة و الوحدة . فرصة تحقيق الوحدة بين الشعوب الإسلامية لا تتوفر إلاّ فـي الحج . كل هؤلاء البشر جاءوا إلى هناك من أقصى أنحاء العالم حباً للكعبة و لمرقد الرسول ، و لذكر الله ، و للطواف و السعي . إنها فرصة مغتنمة للأخوّة .
بث الاختلاف من الأهداف الرئيسة للاستكبار و أمريكا فـي العالم الإسلامي اليوم . و أفضل طريقة هي بث الاختلاف بين الشيعة و السنة . ترون ماذا يقول صنائع الاستعمار فـي العالم بمناسبة ما يجري فـي العراق ، أية سموم يبثونها و أية بذور للنفاق ينثرونها كما وهموا . منذ سنوات طويلة و أيدي الاستعمار و القوى الغربية الطامعة منهمكة فـي هذه الممارسات . و ثمة فـي الحج فرصة مواتية لهم كي يسخطوا الشيعي على السنـي و السنـي على الشيعي . يحضّون هذا على إهانة مقدسات ذاك ، و ذاك على إهانة مقدسات هذا . ينبغي التحلي باليقظة و الوعي ، و هذا ما لا يقتصر على الحج ، إذ يجب التحلي بالوعي طوال السنة و فـي كل الميادين و المناسبات . حرب الشيعة و السنة أحب ما تحبه أمريكا ... أن يواجهوا بعضهم بعد مضي قرون طويلة ـ كما يتقابل الخصوم فـي الحرب ـ بقلوب تطفح بالأحقاد ، هذا يسب ذاك ، و ذاك يشتم هذا . ليس من المستبعد أبداً فـي هذا الزمن البالغ الحساسية أن يستأجروا أشخاصاً فـي مراسم الحج لاختلاق هذه الخلافات . عليكم أن تكونوا يقظين ، على الناس أن يكونوا يقظين ، و على رجال الدين المحترمين فـي قوافل الحج أن يشعروا بكامل المسؤولية تجاه هذه القضية و يلتفتوا إليها و يعلموا ماذا يريد الأعداء . إنها لغفلة كبرى أن يدافع الإنسان عن مخططات الأعداء و يعمل لهم و هو يظن أنه يدافع عن الحقيقة . الآخرون يقبضون المال و يصبحون أجراء فيفعلون هذا ، و قد يثيرون بعض العوام السطحيين المتعصبين ضدكم و ضد معتقداتكم و مقدساتكم ، و إذا واجهوا ردود فعل معاكسة فقد بلغوا أهدافهم دون شك . هذا ما يريدونه . يريدون أن نشتبك فيما بيننا ليركنوا هم للراحة و الاطمئنان .
و من أنماط الغفلة المحتملة فـي الحج أن ينساق البعض وراء البهارج الفارغة عديمة القيمة و الأسواق و المحلات التجارية بدل المشاركة فـي صلوات الجماعة و الطواف المستحب و التواجد فـي الأجواء العاطرة فـي المسجد الحرام و مسجد النبـي الزاخرين بالذكريات عن حقبة مفاخر الإسلام و زمن الوحي و البعثة ، و ذلك ليملأوا جيوب الدول الأجنبية غير الآبهة لمصالح المسلمين، يملأون جيوب عمال تلك الدول و رأسمالييهم بالأموال الإيرانية و الثروات الوطنية . أن يتجولوا فـي الأسواق و الدكاكين و يتفرجوا على البضائع بدل المشاركة فـي صلاة الجماعة . إن الإنسان ليأسف حين يسمع أن عدداً محدوداً من الحجاج الإيرانيين ـ رجالاً كانوا أم نساءً ـ يقصدون الأسواق حين تقيم الجموع الغفيرة صلاة الجماعة فـي المسجد الحرام أو مسجد النبـي أو تهرع إليها ، يقصدون الأسواق حاملين الأكياس تحت آباطهم يشترون بضائع قد يتوفر فـي مدنهم ما هو أفضل و أقل ثمناً منها ﴿ ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون ﴾ . الأفضل و الأنفع و الأهم أن ينهمك الإنسان فـي الصلاة و العبادة و الذكر و الخشوع و المشاركة فـي صلوات الجماعة . هذه هي المكتسبات الحقيقية للحج . هذه هي الهدايا الحقيقية . الهدايا هي المعنوية التـي تتزودونها فـي نفوسكم و تأتون بها ، الأخلاق و الأحوال الروحية التـي تعودون بها . شاهدنا أناساً حين عادوا من الحج كانت وجوههم و سلوكياتهم و كلامهم و ظاهرهم و باطنهم يعظ الإنسان و يؤثر فيه . هو هذا الصالح ، و هذه هي الهدية الحقيقية .
و أشير أيضاً إلى أن أحداثاً مريرة تجري فـي بلدنا الجار العراق . الأحداث التـي وقعت أمس فـي النجف و كربلاء ـ انفجار قنبلة و مقتل العشرات و جرح عدد أكبر ـ يجب أن تلفت الإنسان إلى مشكلات و قضايا أكبر . واضح أن يد الاستكبار تعمل باستمرار داخل العالم الإسلامي . و الوضع لا يخرج عن حالين : إما أن تتصرف الأمة الإسلامية بوعي ، و عندها لن يستطيع الاستكبار فعل أي حماقة حتى لو تحولت يده إلى عشر أيدٍ . و إما أن نتعامل مع هذه الأمور بغفلة فيكون مصيرنا و مستقبل الأمة الإسلامية مهدداً أشد التهديد . لو كانت هذه الأحداث المفضية إلى إزهاق أرواح البشر مجرد أحداث إرهابية لكانت مدانة أيضاً ، لكنها فوق ذلك . إنهم يريدون إشغال الشعب العراقي عشية الانتخابات و تأجيج حمى التهم و الشائعات و الخلافات بحيث يفوتون عليهم فرصة الانتخابات الثمينة . أنا واثق أن يد الأجهزة التجسسية الإسرائيلية و الأمريكية تقف وراء هذه الأحداث . إما أنهم نفّذوا هذه الأعمال مباشرة أو ربما غرروا ببضعة أشخاص متعصبين غافلين و حضّوهم على هذا الفعل ، لكن المخطط يبقى مخططهم . يروم أبناء الشعب العراقي بعد سنين طويلة و على الرغم من ميول المستكبرين الاستكبارية أن يختاروا و ينتخبوا بأنفسهم ، بيد أن المحتلين لا يريدون ذلك . يريدون شكل الانتخابات دون باطنها و حقيقتها . لا يريدون أن يتولى المسؤولية شخص من الجماهير و للجماهير و اعتماداً على الجماهير ، بل يتولاها أشخاص مأجورون يطيعون أوامرهم و إملاءاتهم . يبغون أن يكون ظاهر القضية حكومةً جماهيرية تولت زمام الأمور ، أما باطنها فحكومة عميلة لأمريكا و بريطانيا يكون العراق فـي يدها تديره كيفما تشاء و تضمن مصالح أسيادها . هذا ما يجب أن يجعلنا يقظين للغاية ، و ما يحتم منتهى الوعي على الشعب العراقي و الأمة الإسلامية .
هذه أحوال تشهدها شتى بقاع العالم الإسلامي بأشكال مختلفة . مشروع « الشرق الأوسط الكبير» الأمريكي أحد هذه القضايا . حقيقة هذا المشروع هي تجميع كل الخيرات المتوفرة فـي هذه المنطقة و سكبها فـي جحيم لا يمتلئ .. جحيم معدة الاستكبار الأمريكي النهمة . إنهم غير قانعين بالنفوذ و الهيمنة التـي يتمتعون بها الآن . يريدون هيمنة مطلقة ، يرومون سلطة مطلقة على كل العالم ، بما فـي ذلك هذه المنطقة الغنية بالثروات الطبيعية و الإنسانية و التـي تعد بقعة فـي غاية الحساسية و الأهمية . على الشعوب أن تتحلى بمنتهى الوعي ، و الحكومات أيضاً يجب أن تبقى يقظة .
ينبغي عدم تفويت فرصة الحج للتنوير و التوعية فـي هذه المجالات و إعلان البراءة من الاستكبار و أمريكا . لابد أن يعلم العالم الإسلامي ما هي القضايا التـي تواجهه . يجب أن تكون هذه الأمور مدعاة توثب و تحرك فـي العالم الإسلامي . يوحون فـي إعلامهم أنه ما عادت فائدة من الصمود فالاستكبار سوف يسيطر و لا يمكن فعل شيء . القوتان غير متكافئتين . ليس هذا هو واقع الأمر . واقع الأمر أن الأمة الإسلامية كيان حي قوي . إذا أرادت و بادرت فلن تستطيع لا أمريكا و لا أقوي من أمريكا أن تفعل لها أي شيء .
نسأل الله تعالي أن يوفقنا و يؤيدنا جميعاً ، و أن يوفق رجال الدين المحترمين فـي القوافل و العاملين و المسؤولين فـي شتى مستويات الحج .
الإشارة إلى أن القرآن هو محور الإعلام بشري كبيرة جداً . القرآن مفتاح نجاح المسلمين . يجب جعل القرآن محور الإعلام و الحركة و السعي فـي كل الأحوال ، و خير الأحوال لذلك هو الحج . ليتلو القرّاء القرآن فـي المساجد ، و فـي الحرمين الشريفين ، و فـي البعثة ، و فـي أي مكان تتوفر فيه الفرصة المناسبة ، و ليسمعوا الناس الآيات و يعرضوا عملياً على سكان العالم اهتمام الشعب الإيرانـي بالقرآن ، و سيستمر هذا الإعلام على امتداد السنة إن شاء الله .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته