بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، نحمده و نستعينه و نستغفره و نتوكل عليه ، و نصلي و نسلّم على حبيبه و نجيبه و خيرته فـي خلقه ، حافظ سره و مبلِّغ رسالاته ، سيدنا و نبينا أبـي القاسم المصطفى محمد و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديين المعصومين ، سيما بقية الله فـي الأرضين ، و صل على أئمة المسلمين و حماة المستضعفين و هداة المؤمنين . أوصيكم عباد الله بتقوى الله .
أوصي جميع الإخوة و الأخوات الأعزاء المصلين و نفسي بالتقوى و الورع و مراقبة أقوالنا و أفعالنا و حتى ظنوننا . سأتحدث فـي الخطبة الأولى اليوم عن قضية الساعة المهمة و هي قضية العراق و أحداثها البالغة التعقيد ، و سأوجه فـي معظم وقت الخطبة الثانية نداءً عربياً للإخوة و الأخوات العرب فـي العراق و سائر البلدان الإسلامية ، و أقدم توصيات أخرى فـي جانب قصير منها . قبل الخوض فـي قضية تتسمّر كل القلوب و العيون عليها هذه الأيام ـ لا فـي إيران و حسب بل فـي العالم بأسره ولاسيما منطقتنا ـ و هي قضية العراق ، أتطرق لمسألة أخرى على نحو الإيجاز ، و أعتقد أنها مهمة جداً بالنسبة لشعبنا فـي إيران ، ألا و هي مراعاة التوصية التـي ذكرتها فـي مطلع العام لكافة المسؤولين و أبناء الشعب . مسألة السعي العام لتقديم الخدمة للناس و البرهنة عملياً على كفاءة النظام .
إننا نتكلم و نعمل باسم الإسلام . إذا كانت ثمة نواقص و نقاط ضعف فـي عملنا فلن يعود ذلك بالضرر علينا نحن فقط ، بل سيعود على الإسلام أيضاً و سيستغل العدو هذه النقطة البالغة الدقة و الحساسية إلى أقصى درجات الاستغلال . مسؤولو النظام و رجال الجمهورية الإسلامية الكفوؤن بوسعهم عبر الإمكانات الواسعة المتوفرة فـي هذا البلد ـ سواء الإمكانات البشرية النادرة أو الإمكانات المادية الاستثنائية ـ معالجة كافة مشكلات البلاد على أفضل وجه ممكن ، و لا أعنـي هنا المشكلات الاقتصادية فقط بل المشكلات الأخلاقية و الثقافية و الاجتماعية أيضاً . الشخصيات التـي تتولى رئاسة الأمور تستطيع حل كل هذه المشكلات بالجد و الهمة و التعاطف و التركيز على القضايا الرئيسة ، و هذا ما يجب أن ينتبه له مسؤولو البلاد ، و على شعبنا العزيز اليقظ الواعي النجيب أن يطالب بذلك المسؤولين فـي القطاعات المختلفة سواء السلطة التنفيذية أو السلطة القضائية ، أو السلطة التشريعية أو المؤسسات المختلفة التابعة للدولة . هذا واجب ، و قد قلت إن مسؤولـي البلاد يجب أن يعدوا هذه السنة سنة التنافس فـي هذا الأمر . إنه تنافس حق صحيح يرضي الله . ﴿فاستبقوا الخيرات﴾ . ينبغي على كل واحد من القطاعات أن يدعو وحداته المختلفة فـي شتى أنحاء البلاد للمشاركة فـي هذه المسابقة الكبرى . السلطة القضائية يجب أن تدعو مراكز العدلية فـي أرجاء البلاد لهذا التنافس حتى يستطيعوا بعد مضي عدة أشهر أو سنة أن يراجعوا حساباتهم و يروا أي مراكز العدلية فـي البلاد استطاع تلبية شكاوى الناس و معالجة أوجاعهم ، و كسب ثقتهم والفراغ من الملفات على أحسن وجه ، فيكون هذا امتيازاً له. لكل وزارة أقسام مختلفة فـي كل أرجاء البلاد يجب أن تدعوها لهذا التنافس و تقوم الأقسام بنفس تلك المقارنة و القياس . و على الحكومة نفسها إقامة هذه المسابقة بين وزاراتها ، فتدعوهم لإيضاح أي هذه الوزارات المنيّفة على العشرين لها ملف أفضل و أدق و أنصع فـي خدمة الجماهير فيكون ذلك امتيازاً لها . و ليعلنوا ذلك الناس . نواب المجلس أيضاً و المنظومات العاملة معهم داخل المجلس ، ينبغي أن ينظروا أي المشاريع أو اللوائح أو القوانين أنفع للناس و أقدر على حل مشكلاتهم و عقدهم بصورة أفضل و أسرع ، فليقدموه و يمنحوه الأولوية و ليتسابقوا فـي هذه العملية . هذا تنافس مشروع و سليم و فيه مرضاة لله تعالى . و سيلمس الشعب و يدرك أن هناك خدمات تقدم لهم . و لتتنافس الأجهزة المختلفة فـي أعمالها المشتركة بهذه الطريقة . لتتنافس السلطات التنفيذية و القضائية و التشريعية مع بعضها فـي مكافحة الفساد و الرشوة و العناصر ذات النوايا السيئة . هذا هو التنافس الصحيح، و هو وصيتـي الأكيدة . قضية العراق مهمة جداً ، غير أن الأهمية التأسيسية لهذه القضية إن لم تكن أكثر منها فهي ليست بأقل . هذه المسألة الأولى التـي أردت طرحها .
و المسألة التـي نريد بحثها اليوم هي قضية العراق . وقع فـي العراق حدث مهم ، فقد هوجم هذا البلد عسكرياً و سقطت منظومة كانت على رأس السلطة هناك . و ها هو ذا شعب بأكمله له مطاليبه و طموحاته و قدراته يحيط به عدد من الأدعياء و الدخلاء . تجري أحداث مهمة فـي الوقت الراهن و العالم الإسلامي كله يتطلع لمعرفة الموقف الواضح للجمهورية الإسلامية فـي هذه القضية . فـي غضون هذا الشهر حيث كانت الأحداث تجري على أشدها ، أدلى مسؤولو البلاد فـي المؤسسات المختلفة بتصريحاتهم و قد كانت الآراء و التصريحات صائبة و فـي محلها . و يشهد الوضع اليوم ظروفاً استثنائية جدا ..
من اللازم أن أتحدث أنا حول هذا الموضوع بعض الشىء . لقد مر العراق طوال القرن الأخير بكثير من الأحداث العصيبة الدامية . بعد سقوط الحكم العثمانـي ، جاء الإنجليز بعائلة غير عراقية لتحكم حكماً ملكياً فـي العراق . و قد توالى ثلاثة ملوك منهم على الحكم طوال عدة سنوات ، فمات الأول ، و قتل الثانـي فـي حادث غامض ، و قُطّع الثالث إرباً إرباً على يد الناس . الإنجليز هم الذين جاءوا بهؤلاء إلى رأس السلطة . بعد ذلك توالت الحكومات الانقلابية واحدة تلو الأخرى . جاءت حكومات الانقلابات العسكرية و أدبرت على مدى نحو عشرة أعوام من سنة 37 حتى 47 2. فـي سنة 47 قامت حكومة البعثيين و كان شخصها الأول «أحمد حسن البكر» و شخصها الثانـي «صدام» . و استمر هؤلاء أيضاً عشرة أعوام . حلت ثلاث حكومات انقلابية عسكرية ، فقتل قائد الحكومة الانقلابية الأولى ، و قتل الثانـي فـي حادث مشبوه ، و عزل الثالث عن سدة الحكم .
منذ سنة 47 فصاعداً ، أي على مدى أكثر من ثلاثين عاماً ، تولى البعثيون مقاليد الحكم ، و تعد هذه الفترة أصعب الفترات التـي عاشها العراق، لاسيما خلال فترة حكم صدام بصورة مستقلة. و ها قد سقطت حكومة صدام الآن ، و لا أحد يدري أين هو صدام ، و الوضع غامض جداً . ما حدث فـي العراق الآن ليس قضية واحدةً فـي واقع الأمر، إنما هو أربع قضايا . يحاول الأمريكيون و البريطانيون و إعلاميوهم خلط الأوراق و تصوير الأمر على أنه قضية بسيطة واحدة ينحتون لها فـي الرأي العام «نعم» أو «لا» . غير أن مساعيهم هذه ستذهب هباءً . إنها أربع قضايا و ليست قضية واحدة . قبل يوم أو يومين فقط وجه بوش و بلير نداءً للشعب العراقي . طبعاً لم يكن لدى الشعب العراقي المسكين كهرباء كي يستطيع سماع الخطاب . فحوى النداء هي أننا جئنا للعراق لنحرركم ! يلخصون القضية فـي أننا جئنا لنحرركم ، أي إن الشعب العراقي لا يملك القدرة و القوة و الحميّة للقيام بذلك و يجب أن نقوم نحن لهم بذلك . هذا خبط كبير جداً .. و ثانياً : إنه ليس سوى كذب ، لأن من يروم تحرير شعب لا يمطره بالنيران و القنابل و الصواريخ ، و لا يدمر المدن و القرى و المناطق السكنية بذريعة تدمير المقرات العسكرية ، و لا يخلق كل هذه الويلات التـي سأشير لها بإيجاز .
ليست القضية قضية تحرير الشعب العراقي . إنها أربع قضايا ينبغي الفرز بينها . إحداها قضية سقوط صدام . حصل تضاد و تزاحم بين مصالح صدام و مصالح الهيئة الحاكمة فـي أمريكا أدى إلى صراع و اشتباك . كانوا هم الأقوى و قد أسقطوا صداماً . هذه قضية . موقفنا واضح حول هذه القضية و سوف أذكره . مواقفنا واضحة حول كل واحدة من هذه القضايا الأربع . سنفرز القضايا لتتضح مواقف الجمهورية الإسلامية النابعة من الفكر و التدبير الإسلامي و مراعاة مصالح البلد . إذن ، إحداها قضية سقوط صدام ، و القضية الثانية التـي حصلت فـي العراق و لا تزال قائمة لحد الآن هي الفجائع التـي حلت بالشعب العراقي . هذه تختلف عن قضية سقوط صدام و لها حكم آخر . موقفنا حول هذا الشأن سيطرح أيضاً . القضية الثالثة هي اعتداء قوات أجنبية على بلد مستقل بذرائع مختلفة كامتلاكه أسلحة دمار شامل و دعمه للإرهاب و غير ذلك . يمكن الصدع بهذه الذرائع من خلف مكبرات الصوت دائماً و فـي كل مكان ، لكنها لا تمثّل ترخيصاً لشن هجوم عسكري على بلد و اختراق حدوده . و سوف أعرض موقفنا حول هذه القضية أيضاً . القضية الرابعة هي إدارة مستقبل العراق التـي تدور فـي أذهانهم حولها مخططات و مشاريع و برامج و أخيلة ساذجة . هذه أيضاً قضية مستقلة . لكل واحدة من هذه القضايا حكمها الخاص .
حول القضية الأولى و هي سقوط صدام يجب القول إن صداماً لم يكن له أساساً أي تناقض مصالح مع أمريكا منذ البداية . طبعاً يذكر فـي التقارير ، و لا أستطيع تأكيد ذلك على نحو الجزم ، أن الأمريكيين أنفسهم ادعوا أن منظمة الـ «C.I.A» الأمريكية كان لها دورها منذ البداية فـي انقلاب البعثيين فـي العراق عام 1347 هجري شمسى . قد يصح هذا و قد لا يصح . لا أريد أن أقول شيئاً لست متيقناً منه ، ولكن ما من شك فـي أي مصالحهم التقت بعد ذلك ، خصوصاً بعد قيام الثورة الإسلامية و تأسيس نظام الجمهورية الإسلامية . و قبل هذا جلسوا و اتفقوا مع طاغية إيران محمدرضا . واضح أن مصالحهم متقاربة . و بعد ذلك حين قامت الثورة أصبحت مصالحهم مشتركة . كان لصدام أطماعه فـي أراضي بلدنا و أمريكا تعارض تأسيس الجمهورية الإسلامية و تريد إعادة الحكومة الطاغوتية العميلة . إلتقت هذه المصالح و تطابقت ، لذلك حينما بدأت الحرب العراقية المفروضة ضد إيران سنة 1359 ، و هاجم صدام فـي يومها الأول طهران عن طريق الجو، لم يفعل الأمريكيون أي شىء بل حتى أنهم لم ينظروا له شزراً ، و زادوا من مساعدتهم له يوماً بعد يوم . هذه أمور يقينية لا مجال للاحتمالات فيها. طبعاً من المحتمل أن يكون قد نسّق مع الأمريكيين مسبقاً . هذا ما لا استطيع ادعاؤه لأنـي لست عالماً به ، و هناك بعض التقارير فـي هذا الخصوص . فـي الزيارات التـي قمت بها زمن رئاستـي للجمهورية الإسلامية ، قال لنا بعض رؤساء البلدان الإسلامية إنه كان قد نسق مسبقاً مع بعض المراكز . على كل حال لسنا على يقين من ذلك . المتيقن منه هو أن أمريكا دعمت صداماً أشد الدعم بعد اندلاع الحرب . بل لقد ضغطوا على منظمة الأمم المتحدة لتدعم صداماً بأشكال شتى . لقد صبرنا على هذه الحرب ثمانية أعوام . كان صدام مفيداً للأمريكيين لأنه استطاع إشغال الثورة الإسلامية لصالحهم ثمانية أعوام بقضية داخلية دامية هي الحرب ، و الحرب تتطلب كثيراً من الاهتمام و الانشغال و التركيز الذهنـي . إذا لم تبتل ثورة بلد فـي مستهل أمرها بمثل هذه الحرب الدامية ، فسيكون المجال أمامها مفتوحاً للأعمال و الإنجازات الكبرى . أتلف صدام ثمانيةَ أعوام من أفضل أوقاتنا لصالح أمريكا ، فمصالحهم كانت قد التقت . و بعد ذلك حين هاجم صدام الكويت سنة 1369 5 برز تضارب المصالح إلى السطح و لاحظوا أن طموحات هذا الشخص تهدد المصالح الأمريكية فـي المنطقة ، لأن الهجوم على الكويت هجوم على مصالح أمريكا . و لو لم يقفوا بوجه صدام ربما كان هاجم العربية السعودية أيضاً . هو نفسه كان يتحدث بهذا فـي حينه ! كان يقول إذا استوليت على الكويت فسوف أتقدم حتى أصل للإمارات و البحرين و قطر و إلى أي مكان ممكن ! هذه كانت نوايا صدام . و هنا تتضارب مصالح الطرفين طبعاً . هنا بدأت ضغوط الأمم المتحدة و الضغوط الإعلامية ضد صدام . لم يكن صدام شخصاً يصمد إزاء أمريكا . كان مستعداً للتنازل و المساومة معهم ، بيد أن الأمريكيين لم يكن بمقدورهم ذلك و قد غدا صدام معضلة بالنسبة لهم . لو ساومه الأمريكيون لخسروا أصدقاءهم فـي الخليج الفارسي . لم يكن حكام الخليج الفارسي مستعدين لأن تقوّي أمريكا صداماً كالسابق و السبب أنهم كانوا يخافون . من جهة ثانية إذا تقرر أن تضغط أمريكا على صدام كل الضغط فسوف تخسر مصالحها فـي العراق . و هكذا كانت أمريكا أمام مفارقة . العراق بكل ما له من نفط و مصادر و بقرابة عشرين مليون نسمة كان بلداً مغرياً لأمريكا فـي منطقة الشرق الأوسط المهمة . أرادت أمريكا أن تتواجد فـي العراق و تنشط و تنهب لكنها لم تستطع ، لأنها إذا ساومت صداماً و اتفقت معه لواجهت مشكلة من جانب آخر ، و إذا لم تتفق لخسرت هذه المصالح . تصاعد هذا التضارب بين أمريكا و نظام صدام تدريجياً ، ففكروا فـي أن يزيحوا صداماً بشكل من الأشكال و يمهدوا العراق لأنفسهم . هذه القضايا جاءت تبعاً لتلك الظروف . و عليه حين يزعم الأمريكيون أو الإنجليز إننا أزحنا صداماً لأجل الشعب العراقي ، فما هذه إلاّ كذبة واضحة و مفضوحة . لم تكن هذه الخطوة لأجل الشعب العراقي أبداً . لقد أزاحوا صداماً لأن مصالحهم تضاربت مع مصالحه ، و إلاّ حين كانت مصالحهم واحدة قدموا له الدعم ، و قد دعموه فـي فترة الحرب .
على كل حال ، جاءوا و ضغطوا بقواهم العسكرية و أزيح صدام . هل الشعب الإيرانـي مسرور لهذا أم لا ؟ مسرور طبعاً . الشعب الإيرانـي ينادي منذ عشرين عاماً «الموت للمنافقين و صدام» . و ها قد حل الموت بصدام . فرحة شعبنا فـي هذا الحدث كفرحة شعب العراق . موقفنا مطابق لموقف الشعب العراقي تماماً . الشعب العراقي مبتهج لزوال صدام ، و نحن أيضاً مبتهجون لزواله . كان صدام دكتاتوراً سيئاً ظالماً غير ملتزم بالعهود و المواثيق و شريراً جداً . كان يحكم شعبه حكماً استبدادياً . كان شخصاً سيئاً جداً لشعب العراق و لنا نحن كجيرانه . على ذلك ، حين يقول المحتلون إن فرحة الشعب العراقي بسبب مجيئنا فكلامهم هذا جدير بكل استهزاء . فرحة الشعب العراقي بسبب زوال صدام . قبل أيام عرض أحد التلفزيونات الأوربية مشهداً لبغداد سألوا فيه شاباً عن شىء ما ، فشد الشاب قبضته و قال : «الموت لصدام و الموت لبوش» . قال هذا عنهما فـي وقت واحد . طبعاً عرضوا هذا المشهد لمرة واحدة و لم تسمح الرقابة الإخبارية بتكراره . و إلاّ لو سألوا ألف شخص من جماهير العراق لأجاب تسعمائة منهم بنفس الشىء . الفرح لزوال صدام لا صلة له بمجيئ المحتلين حتى يُخلط بين الأمرين . و إذا رفع عدد من الناس فـي بغداد أيديهم بالتحية مثلاً فلا يعنـي هذا أبداً أن الناس ترحب بهم . أنا على علم بيّن بمختلف الجوانب و أدري أن الناس لم ترحب بالمحتلين إطلاقاً لا فـي البصرة حيث دخل الإنجليز ، و لا فـي المدن الأخرى حيث دخل الأمريكان . و إذا كانوا مبتهجين لسقوط صدام فقد خفت بريق هذه البهجة تحت وابل القصف المكثف . لقد أذاقوا الناس الويل طوال هذه الأسابيع .
إذن ، كان الشعب العراقي على الحياد فـي هذه الحرب التـي دارت رحاها بين صدام و المحتلين المعتدين . و قد أعلنت الحكومة الإيرانية أيضاً أنها على الحياد . و معنى الحياد هو أن كلا الجبهتين ، جبهة صدام و جبهة المهاجمين ظالمة . و الشعب العراقي لم يتحيز لأي منهما فـي هذه الحرب . و الشعب و الحكومة فـي إيران أيضاً لم تتحيّز لأي من الطرفين فـي هذه الحرب . أي إننا لم نقدم أدنى مساعدة لأي من الجانبين . هذا هو معنى الحياد . لم نساعد صداماً ليستطيع الحفاظ على نفسه و لم نساعد المحتلين ليستطيعوا أن ينتصروا أسرع . بذلنا كل جهدنا لكيلا تصلهم مساعدة من قبلنا . طبعاً هذا ما يعلمه أولئك الذين يندسون و يتجسسون فـي كل مكان عبر أقمارهم الصناعية . و لا حاجة لأن نقوله لهم . ولكن ليعلم الشعب الإيرانـي أن الحكومة و المسؤولين فـي البلاد بذلوا فـي غضون هذه الفترة كل مساعيهم و قد نجحوا فـي أن لا يمدن أحد يد المساعدة لأي من هذين الجانبين و لم تحصل مثل هذه المساعدة . طبعاً إذا كان تقدم المهاجمين سريعاً فالسبب هو حياد الشعب العراقى.لو انحاز الشعب العراقي فـي هذه الحرب لصدام لما استطاع المهاجمون التقدم بهذا الشكل ، و هذا ما يعلمه المهاجمون أنفسهم . حين لا تكون قلوب الشعب متراضية مع مدراء ذلك البلد فستكون هذه هي النتيجة . تعرض الشعب العراقي للضرب و التعذيب على يد مدرائه ، وتعرض للإهانة والإذلال والاغتصاب والقسوة ، لذلك لم يبادر لنصرتهم أبداً ، و بهذا استطاع أعداء البلد ، أي مهاجموه ، أن يتقدموا سريعاً . طبعاً هناك نقاش و كلام فـي هذه القضية أيضاً . قلنا إن شعبنا مسرور فيما يتعلق بهذه القضية ، و حكومتنا و مسؤولونا مسرورون أيضاً . طبعاً ينتاب شعبنا و حكومتنا و مسؤولينا بعض الشك فـي هذه المسألة . فلماذا لم تقاوم بغداد كالبصرة ؟ أي إن وضع الحرب تغيّر بعد مضي أسبوع . فـي الأسبوع الأول كانت الحرب ذات طابع جاد و قالوا إن الحرب الحقيقية الجادة ستكون بعد هذا ، ولكن توقف المهاجمون بعد ذلك بضعة أيام ثم حين تحركوا لم يواجهوا دفاعاً قوياً . و الواقع أن بغداد استسلمت فـي ظرف يومين أو ثلاثة ، أي إنها سقطت و لم يدافع أحد عنها دفاعاً حقيقياً . و الحال أن زهاء مائة و عشرين ألفاً من القوات المسلحة كانوا فـي بغداد حسب ما وصلنا من معلومات . أما حلقات الدفاع المتموضعة على بعد نحو مائة كيلومتر حول بغداد و ألوية الحرس الجمهوري فعددها أكثر من هذا بكثير . حتى بغداد نفسها التـي كان فيها قرابة مائة و عشرون ألف جندي لم تستطع الصمود يومين أو ثلاثة حيال الهجوم ، فهل لم تستطع حقاً أم وصلت أوامر بعدم المقاومة ؟ هذا أمر لم يتضح بعد . المستقبل سيُجلي هذه النقاط الغامضة . لا نستطيع أن نحكم الآن ، و ليس من المهم ما هو حكمنا ، علينا أن ننتظر و نرى ما هو حكم المستقبل على هذه القضية .
أود هاهنا أن أذكر شهيدنا العزيز «محمد جهان آرا» و الشهداء الذين أبدوا تلك المقاومة فـي خرمشهر المظلومة . كنتُ حينها فـي أهواز أراقب الأمور عن كثب . لم يكن لخرمشهر أية قوات مسلحة فـي حقيقة الأمر . لا إنها لم تكن تمتلك مائة و عشرين ألفاً ، بل لم يكن لها حتى عشرة آلاف و لا حتى خمسة آلاف . جاء المرحوم الشهيد «أقارب پرست» ، و هو ضابط جيش ملتزم جداً ، بعدد من الدبابات نصف العاطلة من خسروآباد إلى خرمشهر ، و صلّحها (حصل هذا فيما بعد طبعاً ، أما فـي الجزء الرئيس من القضية فلم تكن فـي خرمشهر قوات مسلحة) ، و وقف محمد جهان آرا و غيره من شبابنا و قاوموا القوات العراقية المهاجمة ـ فرقة عراقية مدرعة و مجهزة و لواء قوات خاصة و تسعون مدفعاً قصفت خرمشهر ليل نهار ـ خمسة و ثلاثين يوماً . كما قصفوا بغداد بالصواريخ ، كانت القذائف و المدفعية الثقيلة تمطر بيوت الناس فـي خرمشهر دون انقطاع . مع ذلك صمد شبابنا خمسة و ثلاثين يوماً . أما بغداد فاستسلمت فـي ثلاثة أيام ! أيها الشعب الإيرانـي ، إفخروا بشبابكم و مقاتليكم هؤلاء . و حين أرادوا استعادة خرمشهر بعد ذلك ، هب الحرس و الجيش و التعبئة مرة أخرى بقوة أقل كثيراً من عدد القوات العراقية و حاصروا خرمشهر و قبضوا على نحو خمسة عشر ألف أسير من العراقيين خلال يوم أو يومين . حرب الثمانـي سنوات المفروضة قصة عجيبة زاخرة بالعبر . لا أدري لماذا يقصّر البعض فـي عرض مفاخر فترة الحرب المفروضة .
إذن ، هذا هو موقفنا وتصوراتنا بخصوص القضية الأولى و هي سقوط صدام على يد القوات الأمريكية و البريطانية المعتدية : لم نساعد أياً من الطرفين الظالمين ، ونحن فرحون جداً لسقوط صدام و شعبنا أيضاً مسرور لذلك . كنا محايدين كما كان الشعب العراقي محايداً ، و نحن مسرورون كما أن الشعب العراقي مسرور .
القضية الثانية قضية الفجائع التـي حلت بالشعب العراقي خلال هذه المدة . ليست هذه الفجائع شيئاً يضيع ويُنسى . لاحظوا أنه مضى على حرب فيتنام سبعة و عشرون عاماً و قد نسيت الكثير من الأمور المتعلقة بها ، إلاّ أن الفجائع التـي ارتكبها الأمريكيون ضد الناس فـي تلك الحرب لا تنسى . كم ينتجون من الأفلام حولها و لم يروون من القصص عنها ! الهجوم على الناس العزل يبقى حياً فـي ذاكرة العالم و الضمير العالمي على الدوام . أول حقوق الإنسان هو حق الحياة و العيش . وقد جاء هؤلاء السادة بوصفهم المدافعين عن حقوق الإنسان وسلبوا بقصفهم حق الحياة من سكان هذه المدن . أكثر من ألف صاروخ كروز ، و آلاف القنابل الثقيلة جداً و نيران كثيفة من المدفعية انهالت بطرق شتى و دون انقطاع على البصرة ، و الناصرية ، و الديوانية ، و الحلة ، و بغداد ، و المدن الأخرى . الناس يعيشون فـي هذه المدن . نحن نعرف معنى القصف ، فقد قصفنا قبل ذلك . قصفنا بالصواريخ فـي طهران و دزفول و مدن أخرى . و هل من الهين أن تقصف مدينة واحدة بعشرات أو مئات الصواريخ فـي ظرف ساعة واحدة ؟! يقولون أردنا تدمير الأهداف العسكرية ، و كم هنالك من أهداف عسكرية فـي العراق حتى تدمر بأكثر من ألف صاروخ كروز و آلاف القنابل ؟! لقد دمر هذا القصف الناس ، وبث بينهم الرعب والهلع ، فزع الأطفالُ و قُتّلوا و بقوا دون طعام . يفهم هذا الكلام من كان له فـي البيت طفل رضيع لا يملك له الحليب ، و حين لا يكون للأم طعام ، و لا يكون لدى الأهل مياه صالحة للشرب يعطونها لهذا الطفل . هؤلاء يفهمون معنى هذا الكلام . كم من الأطفال الصغار قطعوا نياط قلوب آبائهم و أمهاتهم ببكائهم ! كم من الشباب رقدوا فـي المستشفيات و لم تضمد جراحهم ! كم من الأحبة انتزعوا من عائلاتهم ! هل كل هذا قليل ؟! ثم هناك إهانة الناس و الدخول إلى بيوتهم ! إنها مناظر تشعل قلب الإنسان لهيباً . أن يدخلوا بيت أحد الناس لمجرد تهمة أو ظن باطل ، فيغطوا رأس الرجل أمام زوجته و أطفاله ، و يعصبوا عينيه و يقيدوا يديه و يهينوه و يهددوه . هل هذه أمور هينة ؟! الجنود الأجانب قيدوا أيدي الرجال العرب من الخلف ، و شدوا رؤوسهم بكوفياتهم ، و مددوهم على وجوههم على الأرض ، و وقفوا بالبنادق على رؤوسهم . هل هذه مصيبة هيّنة ؟! و هل يمكن تعويض ذلك ؟! هذه أيضاً قضية مهمة جداً . الجندي الأمريكي يفتش النساء المحجبات العربيات . شاب أمريكي لا يدري أحد من هو و من أين جاء يفتش امرأة عربية ترتدي المقنعة و العباءة من رأسها إلى قدميها خوفاً من وجود قنبلة معها ! هل هذه حقوق الإنسان ، و هل هذا هو احترام البشر و احترام حرية الإنسان التـي يزعمها هؤلاء الكاذبون ؟! لا يمكن غسل هذه الممارسات حتى بالاعتذار . ضربوا و قالوا : نعتذر ، لقد أخطأنا ! و كذا الحال فـي أفغانستان ، فقد حدث هذا مراراً منذ بداية حرب أفغانستان وإلى اليوم . قبل أيام قليلة فقط حدث مثل هذا الشىء . قصفوا و دمروا جماعة من الناس ثم قالوا : معذرةً ، لقد أخطأنا ! هل تغسل الجرائم بـ «معذرةً ، لقد أخطأنا» ؟ هذه هي القضية الثانية التـي ندينها بشدة ، ونتعاطف مع الشعب العراقي وندين المعتدي و نعده كاذباً إذا تشدق بحقوق الإنسان .
أما القضية الثالثة و هي الاعتداء العسكري على بلد بذريعة امتلاكه لاسلحة دمار شامل ، فهي من أقبح و أسوء الممارسات ، و قد أدان الضمير العالمي هذا الفعل و اعتبره غير مشروع . أتذكر فـي زمن حرب فيتنام أن مظاهرات كانت تخرج ضد أمريكا أحياناً فـي بعض مناطق العالم ، غير أن هذا الإجماع العالمي الذي شاهدناه اليوم لم نشاهده فيما يتصل بحرب فيتنام . لم يتحقق مثل هذا الإجماع العالمي فـي حرب فيتنام . كان يقال حينذاك أن السوفيت هم الذين ينظمون هذه التجمعات و المظاهرات ، فمن ينظمها اليوم ؟ يجتمع الناس فـي الهند ، و باكستان ، و أندونيسيا ، و ماليزيا و أفريقيا ، و أوربا ، و فـي أمريكا نفسها و يقيمون تجمعات هائلة من عدة آلاف أو عشرات الآلاف أو مئات الآلاف و شعاراتهم كلها واحدة . من الذي ينظّم هؤلاء ؟ ليس ثمة مركز لتنظيم هؤلاء ، إنما هو الضمير العالمي و الضمير الإنسانـي الذي يدين هذا الفعل . إنه فعل مدان . إنها بدعة قبيحة جداً ، و عودة إلى زمن حروب الاعتداء و فتوحات العهود القديمة . أن ينحتوا ذريعة ضد بلد ، و مهما أكد مفتشوا الأمم المتحدة عدم وجود شىء ممنوع ، يقولون لهم : كلا ، أنتم لا تعلمون و نحن نعلم أن ذلك الشىء موجود ، ثم يهجمون ! هذه ممارسة خاطئة جداً أدنّاها و نبقى ندينها . نعتقد طبعاً أن منظمة الأمم المتحدة قصّرت فـي هذا المجال . لماذا لم يدن مجلس الأمن الهجوم الأمريكي و البريطانـي ؟ لماذا لم يصدر قراراً ضده ؟ لنفترض أنهم كانوا سيستخدمون الفيتو ضد القرار ، و ليفعلوا ، إلاّ أن إصدار قرار فـي مجلس الأمن كان يمكن أن يكون بحد ذاته خطوة ضدهم . لماذا لم يفعلوا ذلك ؟ لماذا لم يعقدوا اجتماعاً للهيئة العامة للأمم المتحدة ليدان هذا الفعل فـي الهيئة العامة . كان على أمين عام الأمم المتحدة أن يعمل فـي هذا المجال أكثر . هنالك توقعات من الأمم المتحدة . نحن طبعاً قطعنا هذه الآمال و التوقعات منذ سنين لأننا نشاهد التصرفات و حالات النفوذ ، لكن هذه التوقعات موجودة فـي العالم على كل حال ، وقد كان الأداء ضعيفاً جداً .
لقد أثبتت أمريكا باعتدائها هذا أنها متمردة . استخدم رئيس جمهورية أمريكا السابق كلمة «متمرد» ضد بعض بلدان العالم ، و التمرد هو هذا الذي يفعلونه . التمرد على الإنسانية و على استقرار البلدان . أثبتوا أنهم محور الشر بالمعنى الحقيقي للكلمة . أثبتوا أنهم الشيطان الأكبر حقاً ، الاسم الذي أطلقه عليهم إمامنا الجليل . و الإنجليز بدورهم وقعوا فـي خطأ كبير ، حين ساروا فـي ركاب أمريكا عسى أن يحظوا بنصيب من الغنائم . الوجه الإنجليزي فـي هذه المنطقة ، فـي إيران ، و العراق ، و الهند ، و غيرها من البلدان ، وجه قبيح و كريه جداً من كثرة ما أساءوا و ظلموا فـي هذه البلدان . و قد ظهر فـي العالم منذ نحو ثلاثين أو أربعين سنة وجه شرير أكثر منهم أنسى الوجه القبيح للبريطانيين تدريجياً . لكن السيد بلير هذا أعاد إلى الأذهان الوجه القبيح للبريطانيين و أحياه و أعاد تشكيله . كان خطأ ً كبيراً منهم . إذن ، فـي هذه القضية الثالثة ، قضية الاعتداء العسكري ، ضممنا صوتنا إلى صوت جماهير العالم و أدنّا هذا الفعل ، و ندينه مرة أخرى و نعده بدعة فـي العلاقات الدولية ، و اعتداءً على بلد إسلامي ، و تطاولاً على الإسلام و المسلمين و حريم الأمة الإسلامية .
القضية الرابعة هي الهيمنة الأمريكية على العراق لاحقاً . يريدون فضلاً عن اعتدائهم و ارتكابهم تلك الفجائع و الجرائم ، تولـى إدارة العراق عن طريق حاكم أجنبـي ـ أمريكي عسكري إما أن يكون صهيونياً أو مرتبطاً بالمحافل الصهيونية تماماً ـ ليجعلوه على رأس السلطة فـي بلد إسلامي عربـي غيور . ظنوا أنهم تقاسموا الأمر بينهم ، و قد ظهرت الآن مؤشرات الخلاف بين أمريكا و بريطانيا . البصرة للإنجليز ، لأن رائحة نفطها تبدو أشد ، و تمتاز بأنها الأقرب إلى المناطق النفطية ، و الإنجليز يرتاحون كثيراً لرائحة النفط ، و بغداد مركز السلطة للأمريكان لأنهم يحبون السلطة و الاقتدار . الاختلافات بينهم كثيرة طبعاً ، و سوف تزداد و تتضح للناس ، ولكن يبدو أنهم اتفقوا على هذا حالياً . هذه عودة إلى عهد الاستعمار الأول و هي رجعية محضة . هكذا كان الاستعمار فـي بدايته . كانت الدول الأوربية المستعمرة تحتل بلداناً فـي آسيا و أفريقيا بالقوة ، ثم تسلِّط عليها حاكماً عسكرياً يسيطر على كل مجريات المنطقة . هذا ما فعلوه فـي الهند ، و أستراليا، و كندا ، و أفريقيا و كثير من البلدان . و بعد فترة من الزمن لاحظوا أن من الخطأ تسليط حاكم عسكري أجنبـي على تلك الشعوب ، فغيروا المعادلة و راحوا يختارون حكاماً من نفس تلك البلدان و ينصبونهم ليكونوا مطيعين لهم مائة بالمائة . و كانوا يساعدونهم و يزودونهم بالإمكانات و المستلزمات ، فيترك ذلك الحاكم البلد مفتوحاً على مصراعيه للمستعمرين كي ينهبوا و يفعلوا كل ما يشاءون . مضت فترة على هذه الحال إلى أن وجدوا أن هذا أيضاً غير صحيح لأن الشعوب قد تثور على هؤلاء الحكام رغم انتمائهم لنفس ذلك البلد ، لأنهم تابعون للمستعمرين و مستبدون و ظالمون . لذلك بدأوا يغيرون أسلوبهم بعد مضي فترة على ذلك الأسلوب ، و انتهوا إلى أسلوب ديمقراطي الظاهر يعتمد الهيمنة الثقافية ، حيث يسلّطون حاكماً منحازاً للمستعمرين ينتخب فـي الظاهر من قبل الشعب المستعمَر نفسه . حدثت هذه الأمور فـي إيران إبان عهد الطاغوت . فنصب الإنجليز فـي البداية «رضا بهلوى» ثم نصبوا «محمدرضا» ، بعد ذلك لاحظوا أن هناك مشكلات برزت إلى السطح فأرغموه على تنصيب «علي أمينـى» رئيساً للوزراء ليقوم ببعض الإصلاحات كما يسمونها ، و وجد «محمدرضا» أن زمام الأمور سيفلت من يديه فقال أنا انهض بالإصلاحات ، و كانت إصلاحاته فضيحة المواد الست التـي أطلقت فـي عهد الطاغوت . هذه هي التجارب التـي اتبعها الاستعمار فـي الأزمنة و الأمكنة المختلفة من العالم . و قد عادوا اليوم إلى الطور الأول من الاستعمار ، و هو الاستيلاء على بلد بقوة السلاح و تسليط حاكم منهم عليه . عملية جد عجيبة و رجعية و قبيحة و مهينة و تدل على غطرسة و غرور سوف يسقطهم إلى الأرض على وجوههم .
عدم فهم الظرف و الزمن هو الفعل التالـي الذي سيقترفونه . هذا ما أدانه كل العالم تقريباً ، حتى الحكومات ، و قالوا إنه مستحيل . و مواقفنا نحن واضحة جداً و سوف أذكرها . إن فعلهم هذا خطأ فـي خطأ . الحاكم يجب أن لا يكون أجنبياً و لا عسكرياً و لا صهيونياً ، إنما يجب أن يكون منتخباً من قبل الشعب العراقي نفسه من دون أي اعتماد على القوى المعتدية . الشعب العراقي يريد مثل هذا الشخص . الأمريكيون أخذوا كل شىء بالحسبان على ما يظنون . تصوروا أنهم سينصبون هذا الشخص ثم يمسكون زمام الأمور بأيديهم و يقدمون بعض المساعدات ثم يغيرون ثقافة الجماهير عن طريق الإمساك بالتربية و التعليم . و قد توهموا أنهم سيفعلون ذلك أيضاً فـي أفغانستان . طبع الأمريكيون فـي أحد البلدان الآسيوية عدة أطنان من كتب الابتدائية لأفغانستان باللغتين الفارسية و الپشتو لتوزع فـي المدارس الابتدائية فـي أفغانستان حتى لا يظهر الوجه الأمريكي قبيحاً للأطفال الأفغانيين فـي هذه الدروس و تتغير ثقافة الأفغانيين و نظرتهم التاريخية تغيّراً تاماً . و يرومون تطبيق هذه الفكرة فـي العراق أيضاً كما يتوهمون . لن ينتهي هذا المشروع إلى النتجية التـي يرغبون فيها بالتأكيد ، فجرائم الأمريكيين و عداؤهم متجذر فـي نفوس المعلمين و الناس إلى درجة أنه سينتقل يقيناً إلى الجيل اللاحق بل الأجيال اللاحقة . إذن ، القضية الرابعة تختلف عن القضايا السابقة ، أي لو لم يفعلوا هذا الفعل ، لبقي ذلك الاعتداء محفوظاً فـي محله كخطيئة و خطأ كبيرين . و لو لم يرتكبوا ذلك الاعتداء ، لكان كل واحد من أعمالهم اللاحقة خطيئة و خطأ كبيرين على نحو مستقل و بمثابة إهانة للشعب العراقي . إن الإنسان ليستغرب حقاً كيف يتجرأون على كل هذه الوقاحة و يقولون فـي التلفاز بصراحة إن الشعب العراقي لا يستطيع تعيين حاكم لنفسه ! شعب بهذه السوابق و بهذا التاريخ و بهذه الشخصيات العلمية و السياسية ! كيف يمكن لإنسان أن يتحدث هكذا دون حياء و يتهم شعباً بعدم القدرة ؟! إننا نعد هذا تجاهلاً لحقوق الشعب العراقي و ندينه و لا نقبل أبداً دكتاتورية جديدة للعراق . الشعب العراقي ذاته لا يتقبل هذه الحالة . لم يخرج الشعب العراقي من رمضاء صدام ليسقط فـي نار دكتاتور عسكري أمريكي . حتى لو نصّبوا شخصاً عراقياً بهذه الطريقة فإن الشعب سيرفضه يقيناً . على كل حال ، نعتبر هذا الوضع الذي يطرحونه الآن اعتداءً آخر على حريم الإسلام و المسلمين : ﴿ و لن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً ﴾6 .
الانتصار العسكري لا يدل على انتصار نهائي ، خصوصاً حين يغلّفه الغموض و الشبهات . لقد تكبد الأمريكان خسائر فـي هذه القضية و فرضت عليهم بعض الهزائم قد لا يعلمون بها الآن لكنهم سيلمسون آثارها فـي المستقبل القريب بكل تأكيد . كانت لهم أربع هزائم رئيسية : هزيمتهم الأولى فـي شعار الديمقراطية و الحرية الغربية . الليبرالية الديمقراطية التـي يشيعونها فـي العالم انهزمت بفعلهم هذا . لقد أثبتوا أن الليبرالية الديمقراطية عاجزة عن البلوغ بشعب ما إلى مرتبة يؤمن فيها بحرية الإنسان بالمعنى الحقيقي للكلمة . إنه نمط فكري يمكنه بكل سهوله سحق حريات البشر و أرواحهم و حقوقهم الانتخابية إذا اقتضت مصالحه المادية . إذا كان الأمريكان صادقين و ديمقراطيين حقاً ، عليهم مغادرة العراق فوراً . أردتم إسقاط صدام عن سدة الحكم و قد سقط ، فماذا تريدون الآن فـي العراق ؟! إذا كانوا صادقين و حريصين على الديمقراطية و حقوق الشعوب عليهم إخراج جنودهم من العراق دون تأخير و عدم التدخل فـي شؤون العراق إطلاقاً . ولكن واضح أن مثل هذا لن يحدث .
و قد انهزم الأمريكيون على المستوى الإيديولوجي أيضاً ، و بدا أن شعاراتهم كاذبة . هذا ما أدركته الجماهير فـي العالم أيضاً و تبين من شعاراتهم أنهم تفطنوا إلى أكاذيب الأمريكيين . سجلوا لـي عشرة أو خمسة عشر شعاراً من الشعارات التـي رددها الجماهير فـي مظاهراتهم أو كتبوها على لافتاتهم و فيها جميعاً دليل على أن جماهير العالم أدركوا حقيقة الأمر . هذه بعض تلك الشعارات : « هذه حرب النفط ، لا حرب الحرية و حقوق الإنسان » ، « هذه الحرب لإنقاذ الاقتصاد الأمريكي المفلس » ، « هذه الحرب احتلال هتلري عدوانـي » ، « محور الشر : أمريكا ، و بريطانيا ، و إسرائيل » . هذه هي الشعارات التـي رددها الناس فـي العالم ، و ليس فـي طهران. شعارات كان الشعب الإيرانـي قد لمسها ببصيرته قبل فترة طويلة ، و قد استوعبها الناس فـي العالم اليوم و راح الرأي العام العالمي يرددها و يكررها .
هزيمتهم الثانية ذات طابع سياسي فأمريكا اليوم معزولة فـي العالم سياسياً . الوصفة و الحل الأمريكي بتنصيب ضابط متقاعد لم توافقه أية حكومة فـي العالم تقريباً باستثناء العدد القليل المتماشي معهم ، أما الدول العربية و الإسلامية و الأوربية فرفضته .
هزيمة الأمريكيين الثالثة هي هزيمة هيبتهم العسكرية ، لأنهم صوروا الأمر و كأن بمقدورهم الانتصار على القوات العراقية فـي غضون ثلاثة أو أربعة أيام . و قد تبيّن أخيراً أنهم عاجزون عن السيطرة لا فـي ثلاثة أو أربعة أيام بل حتى فـي أكثر من هذا، ولو كانت القوات العراقية قد قاتلت لاستمرت هذه القضية أكثر و لما كان من الأكيد بالتالـي إحرازهم حتى النصر العسكري نتيجة كثرة الخسائر . لم يقاتل العراقيون حينما كان يجب أن يقاتلوا . هذه نقطة غامضة و علامة استفهام ! إننا لا نريد أن نصدر الأحكام كما أشرت ، لكن هذا من الأسئلة التـي سيتبيّن جوابها فـي المستقبل .
الهزيمة الرابعة هزيمة اعتبارهم الإعلامي ، حيث نُسف اعتبارهم الإخباري و الإعلامي فـي العالم نسفاً تاماً ، و قد أدرك العالم أن الأمريكيين يفرضون الرقابة الإعلامية علانيةً و يستهدفون المراسلين . و قد قالوا بعد ذلك إننا أخطأنا لكن أحداً لم يقتنع بقولهم .
ثم إنهم يبثون الأخبار الكاذبة عن خسائرهم.قالوا طوال هذه المدة إن قتلانا ثمانون أو تسعون أو مائة جندي . و الكل يعلم أن هذا كذب . نحن لا ندري ما هي إحصاءات خسائرهم . يجب السؤال عن خسائر الأمريكيين من مسؤولـي برادات الموتى فـي الكويت . و سيعلم الشعب الأمريكي ذلك بعد مدة . فـي حرب فيتنام أيضاً قالوا لاحقاً إنهم خسروا خمسين ألف قتيل ، بينما كانوا يذكرون خلال أيام الحرب أعداداً بسيطة تتراوح بين العشرة و العشرين و المائة و المائتـي قتيل .
أود أن أذكر شيئاً فـي ختام الخطبة : أولاً أعتقد فـي إطار هذا الحدث أن الصهاينة كان لهم الدور الأكبر فـي ترغيب الحكومة الأمريكية على هذه الخطوة و فـي تمهيد مقدماتها اللازمة ، و هم أكبر المنتفعين من خطة الشرق الأوسط الجديدة التـي ذكرها جورج بوش و كرر ذكرها و أعدوا هم مقدماتها . الخطة الجديدة هي تمدد الصهاينة فـي منطقة الشرق الأوسط و فـي البلدان العربية وغير العربية المحيطة بها سياسياً و اقتصادياً ، و إذا أمكن جغرافياً . بيد أن الاستغلال العاجل لهذا الحدث كان من نصيب الصهاينة و «شارون» الخبيث . فـي هذه الأيام حيث الأنظار العالمية مسمّرة كلها على العراق ، يُقتل الفلسطينيون كل يوم و تمارس الضغوط عليهم و تحدث فجائع مُبكية هناك .
و أريد أن أقول شيئاً للناشطين السياسيين فـي العراق . فـي العراق الكثير من الناشطين السياسيين يقفون اليوم حيال اختبار تاريخي كبير جداً . يجب أن يحذروا من الوقوع فـي خطأ استراتيجي . النصر العسكري الأمريكي على صدام يجب أن لا يستخفهم و لا يرعبهم ، لأن ذلك سيعود عليهم بالضرر . على الناشطين السياسيين فـي العراق الحذر من أمرين :
الأول حالة الفوضى و الثأر غير المنطقي و التنافسات الضارة . يجب أن يكونوا يقظين جداً . فالفوضى فـي ضرر الشعب و المستقبل العراقي و ستوفر الذريعة للمحتلين كي يعززوا تواجدهم هناك . إذن ، ينبغي الحؤول دون التنافسات الفارغة و حالات الثأر الخاطئة . هذه مهمة يجب أن يفكروا لها و يخططوا و يحولوا دون وقوع الفوضى . و هي مهمة ممكنة .
الثانـي هو الحذر من التعاون مع السلطة الأجنبية و مساعدتها . يجب أن يحذروا جداً لئلا يصدر عنهم هذا الخطأ ، لأنه سيبقى مسجلاً فـي تاريخ العراق . إذا ساعد أحد القوات الأجنبية ليستطيعوا تكريس سلطتهم فـي العراق فسيبقى هذا وصمة عار فـي تاريخ العراق على أي شخص أو فئة فعلته . الشعب العراقي يتطلع للاستقلال ، و الحرية ، و حكومة منبثقة من مبادئه الدينية و الوطنية . هذه هي إرادة الشعب العراقي . الذين تحدثوا سنوات طويلة باسم الشعب العراقي عليهم الوفاء للشعب العراقي و مبادئه و تجسيدها عملياً . الصفقات السرية مع القوى الأجنبية ستجعل الناس يعرضون عنهم . ليضعوا نصب أعينهم رضا الله و رضا الشعب فقط ، و ليعلموا أن النصر العسكري على نظام صدام لا يعنـي النصر السياسي والثقافـي على شعب العراق. انتصروا عسكرياً على نظام صدام بيد أن هذا لا يعنـي و لن يعنـي انتصارهم على الشعب العراقي سياسياً و ثقافياً .
نقسم على الله تعالى بأوليائه و بدماء المظلومين أن يعين شعب العراق و شعب فلسطين و كل الشعوب المظلومة فـي مواجتها لأسباب الظلم ويمتعهم بإدراك النصر فـي ظل الصبر والتدين ، و نسأل الله تعالى أن ينزل بركاته و فضله على شعبنا العزيز الكبير .
بسم الله الرحمن الرحيم
و العصر ، إن الإنسان لفي خسر ، إلاّ الذين آمنوا و عملوا الصالحات و تواصوا بالحق و تواصوا بالصبر .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، و الصلاة و السلام على سيدنا و نبينا أبـي القاسم المصطفى محمد و على آله الأطيبين الطاهرين ، سيما على أميرالمؤمنين و الصديقة الطاهرة سيدة نساء العالمين و الحسن و الحسين سيدي شباب أهل الجنة ، و على بن الحسين زين العابدين ، و محمد بن علي باقر علم النبيين ، و جعفر بن محمد الصادق ، و موسى بن جعفر الكاظم ، و علي بن موسى الرضا ، و محمد بن علي الجواد ، و علي بن محمد الهادي ، و الحسن بن علي الزكي العسكري ، و الحجة القائم المهدي (صلوات الله عليهم أجمعين) والسلام على أئمة المسلمين وحماة المستضعفين و هداة المؤمنين .
أيها المصلون الأعزة ، ما أقوله لكم فـي الخطبة الثانية هو أن تأخذوا تقوى الله بنظر الاعتبار فـي كل سلوككم و أعمالكم و أقوالكم . و اعلموا أن مسؤولـي البلاد جعلوا كل همهم ، و على كافة الصعد و منها الصعيد الذي تحدثنا عنه فـي الخطبة الأولى ، أن يميزوا بكل دقة خط الأهداف الإسلامية المطابق لمصالح الجماهير و البلاد و يتبعوه . نسأل الله تعالى أن يوفقهم فـي هذه المهمة ليستطيعوا متابعة واجباتهم فـي كافة الصعد و الميادين بما يتطابق و مصالح البلاد و الشعب إن شاء الله .
سأذكر هاهنا جانباً مما قلته ، للإخوة المسلمين العرب :
السّلام على الإخوة المسلمين و الأخواتِ المسلمات فـي شتى أنحاء العالم و خصوصاً الشعب العراقي المظلوم المضطهد .
إنّ الحوادث التـي يمرّ بها العراق هذه الأيام ، مهمةٌ جداً و معقّدة و مصيرية .
فرغم أنّ سقوط نظام صدام الذي شكل نموذجاً للظلم و القسوة و العنف و زجّ بالشعب العراقي لسنين طويلة فـي سجن استبداده و قمعه الدّموي ، يُشكل يوماً للفرحة التاريخية ، إلاّ أن المصائب الفادحة التـي جرّها الهجوم الأمريكي البريطانـي على الشعب ، و ما يخطّطه المهاجمون لمستقبل هذا الشعب ، يترك طعمه المر فـي ذائقة هذا الشعب الغيور الشريف ، و يُحزنُ كل المسلمين و الأحرار فـي العالم .
إنّ المذابح التـي طالت الشعب الأعزل ، حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت ، و أنات الثكالى و المصابين و بكاء الأطفال الجائعين و المجروحين المتروكين دون علاج ، و تهديم مساكن الناس ، و اعتقال و أسر العابرين بحُجج واهية ، و الاعتداء على حرمة العوائل ، و فرض جوّ الرعب و الوحشة الشاملة ، و توجيه الإهانات و الإذلال للرجال الغيارى أمام أعين أبنائهم و نسائهم ، و القضاء على البنى التحتية الحيوية للبلاد ، و إلقاء الآلاف من القنابل و الصواريخ و حمم المدافع على المدن ، و التـي يُعتبر كل منها ـ لوحده ـ جريمة حرب ، إن كل ذلك منح المهاجمين قصب السبق على جرائم صدام التـي قام بها لسنين متمادية .
و لن يشعر أي شعب بأمضّ و أمرِّ من أن يرى الجنود الأجانب مغترّين بفَتحهم يطأون بيته و أرضه بكل حرية و يتحكّمون فـي مصيره .
لقد ادّعى الأمريكان و الإنجليز أنّهم قاموا بهجومهم هذا لإزاحة صدام و جلب الديموقراطية و الحرية للعراق ، و تجاهلوا ـ عمداً ـ كونهم هم الذين جهّزوا صداماً القاسي الظالم و دعموه بكلّ ما يُمهّد له القيام بتلك الأعمال الإجرامية القاسية ، و أنّهم هم الذين أرخوا له العنان ليقوم بمذبحةِ عام واحد و تسعين الرّهيبة و لم يزجروه حتّى برمشة عين . و هم الذين ساعدوه ليستخدم السلاح الكيمياوي ضد الإيرانيين ، بل و ضد شعب العراق فـي حلبچه و غضّوا الطّرف عنه ، و هم الذين قدموا له فـي حرب السنوات الثمان التـي فرضها على الجمهورية الإسلامية كل ما يدعمه من سلاح و إعلام و تغاضوا عن كل المصائب التـي كان يصبها على الشعب العراقي ليلاً و نهاراً . إن ادعاءَ أمريكا و إنجلترا بإهداء الحرية للشعب العراقي يُعدُّ من أكبر المهازل . إنّهم فـي الواقع يعملون للسيطرة على العراق و للسيطرة على النفط و للسيطرة على الشرق الأوسط ، و لقمع الانتفاضة الفلسطينية ، و لوأد الصحوة الإسلامية . و إن تعيين حاكم عسكري أجنبـي على العراق يشكل إهانةً للحرية و السيّادة الشعبية فـي العراق .
إنهم يخطّطون لمحو الهوية الإسلامية و الوطنية للعراق و تحويله إلى مركز للتسلط الأمريكي على كل الشرق الأوسط و منابعه و ذخائر البشرية البرية و المادّية إنهم لا يعتبرون الشعب العراقي قادراً على تقرير مصيره و مالكاً لحقوقه الطبيعية المسلّمة فـي أرضه . إن أفضل العناصر العراقية ـ فـي رأيهم ـ هي تلك التـي تُقدّم خدمةً أكبر للمعتدين الأجانب و تدير ظهرها لشعبها و وطنها .
إنّ الوجدان العام للشعب العراقي و لكلّ الأحرار ، و للتاريخ ، يحكم على أي خدمة لإمريكا كي تحقق أهدافها الاستعمارية اللئيمة ، بأنها خيانة للعراق و شعبه و تاريخه .
إنّ الحلم الذي يحلمُ به الأمريكان و الإنجليز سوفَ لن يتحقق ، ذلك أنه و فـي كل مكان تَقف المقاومةُ بلُغتها و أسلوبها بوجه الاعتداء و لُغته و سلوكه ، و لن يكونَ الشعبُ العراقي المعروف بغيرته و حميّته مستثنى من هذه القاعدة .
لقد قام الشعب الفلسطينـي المظلوم عبر مقاومته الباسلة بسلب العدو الصهيونـي السّفاك رغم شدّة بطشه قدرته على كسر شوكة المقاومة و استطاع الشعب الإيرانـي المؤمن الثائر عبر وحدته و استقامته أن يفشل الحرب العدوانية التـي فرضها نظام صدام بمعونة أمريكا و إنجلترا ـ نفسيهما ـ و دعم الاتحاد السوفيتـي السابق و معسكره الشرقي على مستوى السلاح و الإعلام و السياسة ، و يحافظ على حدود بلاده و يطرد العدوّ إلى خارجها .
لقد عانت المدن الإيرانية و لسنوات على يد صدام الظالم هذا من قصف الصواريخ و القنابل ، و ضرب شبابها المضحي الحر بالقنابل الكيمياوية ، إلاّ أن مقاومة الشعب تبطل كلّ أساطير الديكتاتورية و الاستعمار و القمع و الاعتداء .
إنّ المهاجمين استطاعوا أن يقهروا النظام البعثي و هو ما كنا نتوقّعه لنظام لا يحميه شعبه بل يعتمد على أجهزة و عناصر قمعية ، إلاّ أن المهاجمين لن يستطيعوا أن يقهروا الشعب العراقي و إذا أرادوا أن يتحاشوا مواجهة الشعب العراقي فإنّ عليهم أن يُخلوا العراق من جنودهم فوراً و يمتنعوا تماماً عن التدخل فـي مصير العراق و شعبه .
إنّ الحكم فـي العراق و المصادر و الثروات العراقية هو ملكٌ للشعب العراقي و هو قادر على تعيين حكومته الآتية .
و لو كان الأمريكيون صادقين فـي ادعائهم للديموقراطية فإنّ عليهم أن لا يتدخّلوا فـي الشؤون العراقية ليقوم الشعب بنفسه عبر الاستفتاء العام بتعيين نظامه المستقبلي و انتخاب مسؤوليه و تعيين الأسلوب المناسب لإعادة إعمار ما هدَّمه هؤلاء المهاجمون . إن موقف الحكومة و الشعب الإيرانـي واضحٌ .
لقد خالفنا نظامَ صدامٍ القمعي الظالم ، و لقد اعترضنا على اعتداء الأجانب على العراق . و بالنسبة للحرب بين صدام و أمريكا و إنجلترا اعبدنا الطرفين الظالمين ، ولم نقدّم لإي منهما و أعلنّا عدم الانحياز لإي منهما . ولكنّا لن نقف على الحياد فـي مجال الصراع بين المحتلّين و الشعب العراقي .
إنّ المحتلّ معتدٍ مدان ، و إنّ الشعب المقاوم محقّ و مظلومٌ و إنّ دعمنا المعنوي و السياسي لكل شعبٍ مظلوم معتدى عليه هو سبيلنا الذي لا نحيد عنه .
إنّ الشعب العراقي اليوم يحمل مسؤولية ضخمة . و إن أي تفريط أو تمزّق فـي الموقف يرسم فـي طيّاته مستقبلاً صحباً لهم .
فالوحدةُ الوطنية ، و التواجد فـي الساحة ، و المساهمة فـي تشكيل الحكومة المستقلّة المدافعة عن الهويّة الإسلامية ، هي من أكبر واجبات الشعب العراقي و خصوصاً العلماء و المثقّفين و النُخب العلمية و السياسية .
و الله تعالى أسألُ أن يوفّق أمّتنا الإسلامية للسير على درب التزكية و التقوى لتحقيق أهدافها المنشودة إنّه هو السّميع المجيب ، ﴿ و قل اعملوا فسيرى الله عملكم و رسوله و المؤمنون ﴾ و استغفر الله لـي و لكم .
بسم الله الرحمن الرحيم
قل هو الله أحد ، الله الصمد ، لم يلد و لم يولد ، ولم يكن له كفواً أحد .
والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته

1 البقرة /148.
2 1958-1968 م .
3 1968 م
4 1980م .
5 1990م .
6 المائدة / 48 .