ما هو تقييمكم للأبعاد العسكرية والأمنية ​​لعملية «الوعد الصادق»، وكيف تقيّمون تأثير هذه العملية في الميدان العسكري لعملية «طوفان الأقصى» وحرب الكيان الصهيوني على غزة؟

دخل الكيان الصهيوني في حروب مع كثير من خصومه في المنطقة في المستويات المختلفة، منها عام 1948 مع كثير من الدول والجيوش العربية باستخدام المعدات والقوات العسكرية كلّها، أو عام 1956 ضد مصر بدعم من بريطانيا وفرنسا، أو عام 1967 عندما حدثت النكسة الفاضحة للدول العربية، بما فيها مصر وسوريا، أو عام 1973 في الحرب بين مصر والكيان، أو عام 1982 في العدوان على لبنان، أو الحروب مع غزة منذ عام 2008 حتى الآن.

في هذه الحروب، كانت الخسائر والنفقات كبيرة لكلا الطرفين، وتحققت نتائج معينة سواء أبالهزيمة أم بالنصر، وكانت في مجملها هزائم للعرب وتثبيت موقعية بالنسبة إلى الكيان وفرض الإرادة على الطرف الآخر. مع ذلك كله، إن عملية «الوعد الصادق» تختلف عن الحروب السابقة، وهو أمر مهم وحاسم جداً بالنسبة إلى الكيان وداعميه. دخلت الجمهورية الإسلامية في هذه العملية في حين لم تتخذ قراراً بحرب حاسمة مع الكيان أثناء 190 يوماً من حرب «طوفان الأقصى»، أي إنه إذا كانت ستُتّخذ الخطوة الأخيرة للقضاء على الكيان، فإن التحضير لها سيكون أوسعَ ومدروساً أكثر.

مع الالتفات إلى داعمي الكيان المستكبرين في العالم، على جبهة المقاومة أن تخطط وتستعدّ استعداداً عالمياً لهذه الخطوة النهائية أيضاً. لهذا، وبعد بدء الاجتياح البري الذي شنّه الكيان ضد المقاومة في غزة، طالبت الجمهورية الإسلامية بوقف حرب الكيان وجرائمه. لقد فسّر الكيان سياسة الجمهورية الإسلامية هذه خطأً على أنّ إيران لن تقدِم على ردّ مناسب على اعتداءاته المتزايدة ضدها، إلى أنْ اعتدى رسمياً على الأراضي الإيرانية عبر مهاجمة القنصلية الإيرانية في دمشق، حينئذٍ أقدمت الجمهورية الإسلامية، مع الحفاظ على سياستها السابقة، على الحد الأدنى من الرد في إطار عملية «الوعد الصادق»، ورغم امتلاكها القدرة اللازمة، ولكنها تجنبت استخدام الأسلحة الأكثر تطوراً، أي إنه كان في إمكانها عبر استخدام عنصر المفاجأة توجيه ضربات شديدة إلى الكيان. في المناسبة، فهمَ الكيان رسالة إيران في هذه المرحلة وعدّ أن القصة قد انتهت عند هذا الحد.

 

أشار قائد الثورة الإسلامية في لقائه مع قادة القوات المسلحة إلى بروز قوة إرادة الشعب الإيراني والقوات المسلحة للجمهورية الإسلامية في عملية «الوعد الصادق» بوصفها سبباً لغضب الصهاينة. ما هو تحليلكم لأبعاد هذا الغضب ونتائجه؟ بخاصة أننا بعد الهجوم على القنصلية ثم الرد الإيراني العقابي، نشهد احتجاجات واسعة في الجهاز الحاكم واستقالة بعض القادة الأمنيين من جيش الكيان.

من المؤكد أن عملية «الوعد الصادق» ستسبّب مشكلات وشكوكاً لدى الكيان في تحقيق الأهداف الثلاثة المعلنة وسط استمرار الحرب مع المقاومة في غزة، لأن «الوعد الصادق» عرّفت مكونات المقاومة كلها وأثبتت للأعداء أنّ المقاومة تحظى بالحد الأقصى من الدعم، ولا يستطيع الكيان القضاء عليها بسهولة. يسعى الكيان الآن إلى إنهاء الحرب على غزة ولملمة هذا الخطأ بنتيجة تحفظ ماء وجهه. حتى لو اجتاح رفح، فإنه سيواجه مقاومة من «حماس» و«الجهاد» وغيرهما من الفصائل، وستكون مقاومة أقوى وبروحية أعلى من ذي قبل.

 

يرى عدد من المحللين عملية «الوعد الصادق» نقطة تحوّل في قضية فلسطين، مثلها مثل عملية «طوفان الأقصى»، وفي هذا السياق، وصف أبو عبيدة، الناطق الرسمي باسم «كتائب القسام»، هذه العملية بأنها خرق للقواعد. كيف تقيّمون مستقبل فلسطين والكيان الصهيوني بعد عمليتَي «طوفان الأقصى» و«الوعد الصادق»؟

لقد بعثت عملية «الوعد الصادق» رسالة إلى دول المنطقة جميعها مفادها أنّ من الممكن تسطير حد أقصى من الاقتدار بالحد الأقل من التكلفة، بخاصة أن جمهورية إيران الإسلامية يمكنها حماية نفسها ضد أيّ تهديد أو عدوان خارجي من دون الاعتماد على أيّ قوة خارجية، وإذا سلكت أيّ دولة مسار الاستقلال، فهي قادرة على تحقيق هذا الهدف. بعبارة أخرى، عندما يصل الجميع إلى هذا النضج، سيكون ذلك اليوم هو يوم زوال "إسرائيل" من دون أيّ حرب. لم يكن الكيان الصهيوني موجوداً لو لم تكن لدى الدول ذليلة وتبعيّة أمام الاستكبار والصهيونية.