بسم الله الرحمن الرحيم،
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا، أبي القاسم المصطفى محمد، وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، [ولا] سيما بقية الله في الأرضين.
أرحّب كثيرًا بكنّ جميعًا أيّتها السيّدات الفاضلات، [ولا] سيما عائلات الشهداء الأعزاء، وبالأخص عائلات شهداء المدة الأخيرة الذين كانوا مظهرًا لاقتدار البلاد وتجسيدًا لاقتدار الجمهورية الإسلامية. أتوجه بالشكر للسيدات اللواتي ألقين كلماتٍ هنا؛ فقد كان ما قيل هنا غزيرًا بالمضمون وبليغًا في المعنى - سواء ما قالته حرم الشهيد رشيد ووالدة الشهيد [أمين عباس] رشيد، أو كريمة الشهيد سلامي - إذ كان [كلامهن] من حيث المضمون والمعنى ينمّ عن ذهن وقّاد وفكر سامٍ لدى هؤلاء السيدات ولدى عموم السيدات المضحيات في البلاد، كما كان من حيث الصياغة جميلًا جدًا وشيقًا؛ أشكر السيدات جميعهن جزيل الشكر، وأخص بالذكر هؤلاء السيدات.[1]
ترتبط هذه الأيام بالسيّدة الصدّيقة الطاهرة (سلام الله عليها)؛ لذا سأتحدّث باختصار عن تلك العظيمة، ثم سأتحدث ببضع كلمات عن قضية النساء وقضية المرأة، التي تُعَدّ اليوم قضية مطروحة في العالم.
في ما يرتبط بالسيّدة الزهراء (سلام الله عليها)، لو أردنا أن نُحصي فضائلها، فهي لا تُعدّ ولا تُحصى. لو شئنا أن نُعرِّف هذه العظيمة في جملة واحدة، لقلنا: إنسان عرشيّ، إنسان كامل، كسائر المعصومين؛ هم بشر، ولكنهم من أهل العرش. نحن «الفرشيّون» «الأرضيّون» عاجزون عن رؤية مراتبهم ومقامهم ونورانيّتهم بل نعجز حتى عن التحديق فيها؛ تمامًا كما يعجز الإنسان أمام الشمس عن النظر إليها مباشرة. هذا هو حدّ فاطمة الزهراء (سلام الله عليها). هي تُعَدّ في أبعاد الحياة كافة كائنًا وإنسانًا عرشيًّا؛ سواء في العبادة والخشوع أمام الباري تعالى - وقد سمعتم عن عباداتها، ومناجاتها في الليالي، ودعائها للآخرين - أو في الإيثار والتضحية من أجل الناس؛ أي إن تلك التي تغرق في المعارف الإلهية والمعنوية والتوجّه إلى الله، لا تغفل عن الأرض ولا عن البشر. تهب ثوب زفافها للسائل والفقير ليلة عرسها، وتظل ثلاثة أيام بلا طعام وتهب إفطارها للسائل؛ هي تعتني بالناس.
في القدرة على تحمّل الشدائد والمصائب؛ مَن ذا الذي يستطيع أن يحتمل المصائب التي حلّت بالسيدة الزهراء (سلام الله عليها) ويطيقها؟ هي في هذا المجال أيضًا إنسانٌ سماويّ، إنسانٌ عرشيٌّ. شملت هذه الخصوصيات كلّها فاطمة الزهراء (سلام الله عليها): في الدفاع الشجاع عن حقّ المظلوم؛ في تبيين الحقائق والتنوير؛ في الفهم والعمل السياسي. التفتوا، هذه كلّها خصائص فاطمة الزهراء (سلام الله عليها). بصفتها امرأة وأنثى: في تدبير شؤون المنزل ورعاية الزوج وتربية الأبناء، أنشأت وربّت في حجرها شخصيات مثل زينب والإمامين الحسن والحسين (عليهما السّلام). حضورها في محطّات لا تُنسى في التاريخ، ومشاركتها في شِعب أبي طالب، وفي الهجرة إلى المدينة، وتواجدها الفعّال في بعض غزوات النبي (ص)، وحضورها في واقعة المباهلة، هذه قوائم لا تنتهي؛ فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) متحلّية بهذه الخصائص التي لا حد لها. إذا أردنا اختصار كلامنا، فسوف نقول ما قاله النبي (ص) نفسه: «سَيِّدَةُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ». طبقًا للرواية، سُئِل النبي الأكرم (ص) عن هذه الجملة التي وردت في حقّ السيدة مريم بأنّها «سَيِّدَةُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ»؛ فقال: «مَرْيَمَ كَانَتْ سَيِّدَةَ نِسَاءِ عَالَمِهَا»[2]، كانت سيدة نساء زمانها - نساء عالمها - أمّا فاطمة (س)، فهي سيدة نساء العالم كلّه في مراحل التاريخ كلافة. هذه هي فاطمة الزهراء (س). أنتنّ تستقينَ درسكنَّ من مثل هذه الشخصية، وتُوجّهنَ أنفسكنَ نحوها، وتستمددنَ الهدف منها وتسعينَ إلى تحقيقه؛ هذه هي النقاط التي توليها نساء مجتمعنا ونساء بلدنا اهتمامًا ولله الحمد، وعليهن أن يولينها. هذا في ما يخصّ السيدة الزهراء (سلام الله عليها).
أما بخصوص المواضيع المتعلقة بالمرأة، التي تُطرح اليوم في العالم أيضًا، ويرجع سببها إلى أنواع الظلم التي ارتُكبت وتُرتكب حاليًا، فأعتقد أن موضوعين هما الأهم من بين المواضيع كلها التي يجب أن تُطرَح عن «المرأة»: أحدهما «شأن المرأة» والآخر «حقوق المرأة»؛ هذان ما يجب طرحهما.
يُعَدّ شأن المرأة في الإسلام شأنًا ساميًا ورفيعًا جدًا. لعلّنا نجد في القرآن أرقى التعبيرات والكلام وأفضلها عن المرأة، وأسمى المفاهيم عن هويتها وشخصيتها؛ فمثلًا، دوّنت هنا: أولًا، دور الرجل والمرأة في نشأة الحياة البشرية والتاريخ البشري: هناك مساواة بين الرجل والمرأة. {إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ} (الحجرات: 13)؛ أي في خلق هذه السلسلة البشرية - التي تمتدّ لآلاف السنين، ولا يعلم إلا الله كم ألف سنة أخرى ستكون لاحقة لها - فإنّ مؤسس هذه المنظومة رجلًا وامرأة. أي خصّت المرأة نفسها، بناءً على تعبير القرآن، بنصف التأثير في الحياة البشرية.
[ثانيًا]، في ما يتعلّق بالتكليف العام؛ لقد خلق الله المتعالي البشر لغاية وهدف، ولبلوغ مرتبة ما؛ يتساوى الرجل والمرأة في هذا المجال أيضًا في منطق الإسلام، من دون أيّ اختلاف إطلاقًا. {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ} (النساء: 124)؛ تأثير العمل الصالح والإيمان في الرجل والمرأة متساوٍ، ويمكن لذلك أن يُنجيهما، وهو ما ورد في آيات عدة من القرآن؛ صحيح أن هذه الآية التي تلوتها هي في سورة النساء، ولكن هذا المعنى نفسه ذُكِر في آيات عدة أخرى.
أما ثالثًا، ففي بلوغ الكمالات المعنوية وسُبُلها، إذا اتصفت المرأة بالإيمان والعمل الصالح كالرجل، سيغدو بلوغها الكمالات المعنوية وأعلى المقامات سهلًا، ويُشرّع لها الطريق. التفتن! تأتي هذه النقاط والأحاديث كلها ردًا على سوء فهم، سواء من قِبَل المتدينين الذين لم يعرفوا الدين حقّ معرفته، أو من قِبَل أولئك الذين لا يعتقدون بأصل الدين. قد جاء في سورة الأحزاب المبارك: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ} (الأحزاب: 35)، تَرِد صفة الذكر والأنثى جنبًا إلى جنب في كلّ موضع؛ وهي عشرة عناوين من الدرجة الأولى ومتساوية للرجل والمرأة بوصفهما عبادًا لله، عبادًا مؤمنين. يَحظى أولئك المتصفون بهذه الخصائص بـ«لطف الله» و«عفوه» و«العناية الإلهية»، وهم جديرون ببلوغ المقامات العرشية والمعنوية والإلهية.
في ما يخص الحقوق المتبادلة مع الرجل، جاء في سورة البقرة المباركة: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ} (البقرة، 22]؛ هذا هو منطق القرآن. انظروا كيف يُرسي مساواة كاملة بين المرأة والرجل بوصفهما مؤمنَين، وبوصفهما إنسانَين، وبصفتهما فردين متعاليين! من منظور الإسلام، يمكن للمرأة أن تكون فاعلة في النشاط الاجتماعي، وفي الأعمال والمهن، وفي العمل السياسي، وفي غالبية المناصب الحكومية، وفي شتى ميادين الحياة. أما تلك الصورة التي تُقدِّمها الثقافة الغربية المنحطة والفاسدة والخطأ عن المرأة - التي سأشير إليها لاحقًا -، فهي مرفوضة تمامًا في الإسلام. هكذا هي المرأة [في الإسلام]؛ تعيش بهذه المعاني السامية، وهذه المراتب العالية، وأرضيّة واسعة للتقدم في عالم المادة، وفي الوقت نفسه تسير وترتقي في العالم المعنوي.
من جملة ما ورد في الإسلام بشأن المرأة، مسألة «الضوابط» في العلاقة مع الرجل. هذه المساواة [التي ذُكرت] قائمة، ولكن ثمة ضوابط أيضًا في علاقة المرأة بالرجل تعدُّ من خصائص الإسلام. هذا ما لم يحظَ بأي اهتمام في الثقافة الغربية المنحطة إطلاقًا، والسبب معلوم. السبب هو أن جاذبية الشهوات والرغبات الجنسية قوية جدًا، لذا ينبغي كبح جماحها، وقد استطاع الإسلام أن يضبطها بأحكامه. أمّا إذا أُهملت تلك الأحكام، فستؤول الحال إلى ما نراه اليوم في الغرب، ممّا تسمعون عنه وتعرفونه من عصابات وشبكات الفساد المنتشرة في أمريكا وأوروبا ومعظم الدول الغربية. إن ستر المرأة والرجل هو من هذا القبيل؛ هو من تلك الضوابط الموجودة لكل من الرجل والمرأة، فقضية الستر لا تخص المرأة وحدها. حجاب المرأة من هذا القبيل، والمسافات الجسدية بين المرأة والرجل من هذا القبيل، والحث على الزواج من هذا القبيل؛ هذه هي الأمور التي تضبط ذلك العامل الخطير والمُهدِّد.
حسنًا، إن شأن المرأة في ثقافة الإسلام شأنٌ منطقي؛ أولًا هو شأنٌ رفيع جدًا أشرتُ إليه إشارة عابرة فحسب؛ وثانيًا هو منطقي تمامًا؛ أي إنه مطابق لفطرة المرأة، ومطابق لحاجة المجتمع، ومطابق لمصلحة المجتمع.
في الرؤية الإسلامية، المرأة والرجل عنصران بشريان متوازنان التوازن كلّه؛ لهما مشتركات واسعة، ولهما بعض الخصائص المتمايزة التي تختلف في ما بينهما بحسب التكوين الجسماني. ينبغي لهذين العنصرين أن يؤديا دورهما في إدارة الحياة، واستمرار النسل البشري، والتقدم الحضاري، وتلبية الحاجات الروحية – نعم، الحاجات الروحية! -؛ أي إن المرأة والرجل يديران الحياة، ويديران باطنهما الإنساني أيضًا. من أهم الأعمال التي يؤدّيانها: تكوين الأسرة، الأمر الذي نُسي للأسف في المنطق الخطأ للثقافة الرأسمالية والثقافة الغربية. سأشير لاحقًا إلى أن هناك حقوقًا في الأسرة؛ حقوقًا للمرأة وحقوقًا للرجل وحقوقًا للأبناء، حقوقًا متبادلة بين هذه العناصر الثلاثة: الرجل والمرأة والأبناء.
من هنا ندخل إلى مسألة حقوق المرأة بعد أن بيّنّا مكانتها. في ما يخص حقوق المرأة، فإن أول حق يجب أخذه في الحسبان هو مسألة «العدالة» في السلوك الاجتماعي والسلوك الأسري. العدالة في المجتمع، والعدالة في المنزل؛ هذا هو الحق الأول للنساء؛ ويجب تحقيق ذلك؛ الجميع مكلفون بتأمينه؛ الدول والحكومات مكلفة بتأمينه، وكذلك الناس جميعًا.
إن صون أمن المرأة وحرمتها وكرامتها هو من حقوقها. يجب أن تظل كرامة المرأة مصونة. المنطق الرأسمالي الخبيث يقضي على كرامة المرأة ويسحقها. أمّا الإسلام، فيَجعل كرامةَ المرأة واحترامَها من أركانه الأصليّة. لقد قال النبي طبقًا للرواية: «المَرأَةُ رَیحانَةٌ وَلَیسَت بِقَهرَمانَة». لقد ذكرت هذا الحديث مرارًا، وأرغب متعمدًا في تكراره. «القهرمان» يُطلق على من يباشر عملًا ما؛ افترضوا شخصًا لديه بستان أو حديقة أو تجارة، فالشخص الذي يُدير الأمور ويتحمل المشاق يقال له في العربية «قهرمان». النبي يقول: «المَرأَةُ رَیحانَة»؛ الريحانة أي زهرة. المرأة في البيت زهرة. «وَلَیسَت بِقَهرَمانَة»؛ ليست خادمة في البيت لكي تُحاسبونها: لِمَ لم تفعلي هذا، ولم لم تفعلي ذاك، ولماذا البيت ليس نظيفًا. ريحانة؛ هي زهرة. الزهرة يجب العناية بها والحفاظ عليها، وهي بدورها تمنحكم من من لونها وعبيرها وخُصُوصيّاتها. هكذا ينظر الإسلام إلى المرأة.
في موضع آخر، ولكي تتضح أهمية عمل المرأة وفكرها والطريق الذي تسلكه، يضرب القرآن مثلًا عجيبًا: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذينَ آمَنُوا امرَأَتَ فِرعَون} (التحريم، 11) أي إن الله المتعالي يعيّن للمؤمنين نموذجًا، مثلًا، مثالًا ومعيارًا، وهذا المعيار هو للمؤمنين كلهم، لا للنساء فقط؛ {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذينَ آمَنُوا} (التحريم، 12)؛ يُحدّد معيارًا للمؤمنين جميعهم، ما هو هذا المعيار؟ زوجة فرعون، ومريم ابنة عمران. أي إن على رجال العالم جميعهم ومؤمني العالم كلهم أن ينظروا إلى هاتين المرأتين ويروا كيف تصرفتا وماذا فعلتا لكي يعرفوا ما إن كان الطريق الذي يسلكونه صحيحًا أم لا؛ فذلك [المسار] هو طريق نجاتهم. هذه هي نظرة الإسلام للمرأة.
يجب أن تكون حقوق المرأة مُصانة في المجتمع؛ وألا يكون هناك تمييز، وهو موجود اليوم. اليوم، تتقاضى النساء في كثيرٍ من الدول الغربية أجورًا أقلّ من الرجال لقاء العمل نفسه. هذه هي الحال اليوم، وهذا ظلمٌ محض. مسألة التقييم المساوي للرجال إزاء العمل الذي ينجزنه - أي الأجر -، والمساواة في الامتيازات الحكومية مع الرجال، مثل حق التأمين للنساء العاملات، وتأمين النساء المعيلات لأسرهن، والإجازات الخاصة بالنساء، وعشرات المسائل الأخرى؛ هذه الأمور يجب مراعاتها. هذا في [محيط] المجتمع.
إنّ أهم حق لربّة البيت وسيّدة المنزل هو المحبة. المحبة هي أول وأهم حاجة لها، وهي أهم حق من حقوقها. وردَ في الحديث أن يقول الرجال لزوجاتهم: إنّي أحبّكِ.[3] أي أن يصرّحوا بذلك، مع أنها تعلم ذلك. هذا [الحق] الأوّل.
ثمّة حقٌّ مهمٌّ وكبير آخر للنساء في المنزل، ألا وهو «اجتناب العنف». الثقافة المنحطّة الغربية تعجّ بحالات عنف الرجال ضدّ النساء؛ مليئة! فقتلُ النساء على يد أزواجهنّ، وضربُ النساء على يد أزواجهنّ أمرٌ موجود في الغرب، ويعدّ هذا من أهمّ الانحرافات. في قصة - بالطبع هي قصة، لكنّها تبيّن واقعًا يتعلّق بأمريكا - يأتي الرجل إلى البيت ويضرب زوجته ضربًا مبرحًا؛ هكذا هو الوضع. التفتوا، عندما تَشيع الثقافة، تكون هذه [نتيجتها]. قد تبدر منها تصرّفاتٌ أو عنادٌ أو سخريةٌ تثير غضب الزوج وتستفزّه لضربها، لكنّه يتمالك نفسه ولا يضربها. حينما تسود هذه الثقافة، تكون نتيجتها: نفي العنف بأيّ شكلٍ من الأشكال. عندما تشيع هذه الثقافة، تكون بهذه الصورة: نفي العنف على أي نحو.
إنّ إدارة شؤون المنزل، وإدارة البيت ورئاسته، هي للنساء والسيدات. على الزوج مؤازرة زوجته في تحمّل الأعباء والمشاق المترتبة على الإنجاب. كما يجب ألا تُفرض أعمال المنزل على المرأة فرضًا؛ فالإكراه أمرٌ ينبغي ألا يكون. يجب تقدير دور النساء في تسيير دفة المنزل رغم الدخل غير الكافي. لاحظوا معي هذه النقطة التي كثيرًا ما نغفل عنها: قد يكون دخل الرجل راتبًا وظيفيًا ثابتًا، بينما الأسعار في ارتفاع، ومع ذلك تظل عجلة الحياة في المنزل دائرة. يحلّ الظهر والطعام مهيّأ، فمن ذا الذي يفعل ذلك؟ من هو هذا الفنان البارع الذي يدير شؤون هذا البيت؟ حقّ آخر هو إتاحة سُبل الترقي والتقدّم، مثل تحصيل العلم، وبعض المهن الخاصة بالنساء، وما شابه ذلك. هذا ملخّص عن رؤية الإسلام إلى المرأة. ملخّص، أي إنّ من يريد أن يشرح رؤية الإسلام في موضوع المرأة، فليس موضعه جلسةً نصف ساعة أو ساعة؛ بل هو أطول من هذا بكثير. هذا ملخّص، بضع كلمات قلتُها [في هذا الشأن].
النقطة المقابلة هي النظرة الغربيّة، النظرة الرأسمالية الغربية؛ إنّها، هي النقطة المقابلة بالمعنى الحقيقيّ للكلمة. في الإسلام تمتلك المرأة استقلالًا في الحركة وفي التقدّم، وتمتلك القدرة والمنزلة والهوية؛ أمّا هناك، فلا، فهويّة المرأة تابعة لهويّة الزوج؛ أنتنّ تحملن اسمًا عائليًا ما، وما إن تتزوجوا حتى يُوضع ذلك الاسم جانبًا، ويأتي اسم عائلة الزوج عليكم! هذا علامة ودلالة؛ أي التماهي في الرجل، والوقوع تحت غلبة هوية الرجل.
التفاوت في الأجور، وانعدام مراعاة كرامة المرأة وحرمتها، والنظر إلى المرأة كأداة مادية. إنهم ينظرون إلى المرأة كأداة للاستعمال المادي - قد يحترم فلان المُترف زوجته أيضًا؛ الحديث ليس عنه، بل عن النظرة العامة - وينظرون إلى المرأة كوسيلة للشهوة. هذه العصابات الإجرامية التي ضجّت بها أمريكا في الآونة الأخيرة دليلٌ على ذلك، أي إنّ النظرة إلى المرأة هي نظرة إلى وسيلة للمتعة؛ أداة، وسيلة. عندما تهيمن هذه الثقافة، فإنّ المرأة نفسها لا تدرك أنّها تحوّلت إلى أداة، بل تفتخر بذلك. تفتخر!
هدمُ بنيان الأسرة. إحدى أهمّ الخطايا التي أوجدتها الحضارة والثقافة الرأسمالية الغربية هي أنّها هدمت بنيان الأسرة؛ فمفهوم الأسرة بوصفها ذاك الجمع المترابط والمتجانس والمتحابّ لا يكاد موجودًا. قرأتُ في كتابٍ أجنبي أنّ الرجل والمرأة يتفقان مثلًا على أن يجتمعا في الساعة الرابعة بعد الظهر لشرب الشاي؛ يأتي الاثنان إلى البيت لمدة ساعة، والأبناء يعلمون أنّ الأب والأم في هذا الوقت موجودان في البيت. الاجتماع الأُسري عندهم هو مثلًا بأن تأتي تلك السيّدة من عملها، ويأتي ذلك الرجل من عمله، ويأتي ذلك الطفل - ابنًا كان أو ابنة - ثم بعد ذلك يذهب كلّ واحد إلى شأنه؛ إمّا لديه عمل أو مهمات أو جلسة مع أصدقائه أو نادٍ. ينظرون على نحو متواصل ليروا هل أصبحت الساعة الخامسة مثلًا - التي يجب أن ينتهي فيها ذلك الاجتماع - أم لا؟ هذا هو وضع الأسرة هناك! أطفالٌ مجهولو الآباء، تضاؤل الروابط الأسريّة، تدمير بنيان الأسرة، عصابات اصطياد الفتيات الشابّات، والترويج المُفرط للإباحية الجنسيّة باسم الحريّة! ربّما هذه من أكبر خطايا المنطق والثقافة الرأسمالية الغربية، إذ ترتكب هذه الرذائل كلّها وتسمّيها حريّة؛ [الغرب] يغوي ويخادع تحت مسمّى الحريّة. هنا أيضًا حينما يريدون نشر تلك الثقافة، يقولون «إننا نُحرّر»! لكنهم في الواقع يُكبّلون ويأسرون، ولكن يسمّون ذلك حرّية. هذه المشكلة الكبيرة المتعلّقة بمكانة المرأة وشأنها في محيط المجتمع وكذلك في محيط الأسرة، قد تحوّلت إلى ثقافة؛ ثقافة خطأ ومضلِّلة.
طبعًا لم يكن الأمر كذلك في الماضي ولا في القرون الماضية في أوروبا؛ بل اشتدّت هذه الظواهر في القرن الأخير أو ما قبله بقليل، واتخذت هذه الشاكلة، وللأسف هم أنفسهم يُصرّون على أن تُصدَّر هذه الثقافة إلى أرجاء العالم. إصرار الغربيين والرأسماليين هو وجوب تصدير هذه الثقافة. ثم إنّهم يسوّقون لها الذرائع أيضًا؛ يقولون: إذا ما التزمت المرأة بالحجاب ووضعت هذه القيود لنفسها، فإنّها تتخلف عن ركب التقدم! إنّ الجمهورية الإسلامية أبطلت هذا المنطق المغلوط وسحقتْه. لقد أثبتت الجمهورية الإسلامية أنّ المرأة المسلمة والملتزمة والسيدة المحجّبة المتقيّدة بالزي الإسلامي، تستطيع أن تنطلق في الساحات جميعها وتتقدم بخطوات أسرع من غيرها. في وسعها أن تكون صاحبة دور فاعل ومؤثر، سواء في المجتمع أو في المنزل. في ظل هذه الرؤية في الجمهورية الإسلامية، وبعد انتصار الثورة، حقّقت سيّداتُنا ونساؤنا وفتياتُنا الشابات تقدمًا في كثير من المجالات: في الإحصاءات الدراسيّة، وفي شؤون الصحة والعلاج، وفي مستوى الأمل بالحياة[4]، وفي الميادين العلمية والرياضية، وفي المساندة الجهادية. لقد صدقت هذه السيّدة[5]؛ فشهاداؤنا الأعزّاء، لولا وجود مثل هؤلاء الزوجات، ما كانوا ليتمكّنوا أن ينغمسوا إلى هذا الحدّ في ميدان الجهاد ليصلوا إلى هذه الخاتمة المشرّفة؛ إلى الشهادة. هنّ مَن تحمّلن الصعوبات. هنّ مَن استطعن أن يجعلْنَ مساندتهن الجهادية على نحو يواكب أزواجهنّ المجاهدين على نحوٍ يمكّنهم من بلوغ قمم الجهاد.
إنّ ما استطاعت سيداتنا ونساؤنا أن يحققنه اليوم في المراكز الفكرية والبحثية في هذه المجالات، لا سابقة له في تاريخ إيران؛ قطعًا. لم يكن لدينا في إيران يومًا هذا العدد من النساء العالمات والنساء المفكّرات؛ هذا العدد من اللواتي يستطعن تقديم فكر نابض وتقديم حلول لم يكن لدينا قطّ. ليس فقط لم يكن لدينا هذا العدد، إنما لم يكن لدينا عُشره حتى، بل أستطيع أن أقول: لم يكن لدينا واحدٌ في المئة منه. لقد استطاعت الجمهورية الإسلامية، بحمد الله، ومع تقدّم العلم في البلاد، أن ترتقي بالنساء على هذا النحو في العالم اليوم؛ فبحمد الله، سيداتنا من بين الرائدات على الساحة العلمية والساحة الاجتماعية والساحة السياسية والساحة الرياضية.
كلمتي الأخيرة هي: إنّ توصيتي إلى وسائل الإعلام هي أن تحذر من أن تكون عاملًا مُروّجًا للفكر الغربي الخطأ. على وسائل إعلامنا أن تحذر من أن تكونَ أداة لترويج الفكر الغربيّ والرأسماليّ الباطلِ والخطأ بشأنِ المرأة. ينبغي ألا تصبح أداة في أيديهم. عندما يثار النقاش عن الحجاب أو ستر المرأة أو التعاون بين الرجل والمرأة، يجب ألا تكرر وسيلة الإعلام المحلية في الجمهورية الإسلامية خطابهم أو تضخم آراءهم. روّجوا للإسلام وبيّنوا نظرته؛ فنظرة الإسلام تبعث على الفخر والاعتزاز. إذا طرحنا هذه الفكرة وهذه النظرة وهذه النظرية العظيمة والمؤثرة في مجتمعنا وفي المحافل الدوليّة، سيؤدي حتمًا إلى انجذاب كثير من شعوب العالم، وخاصة النساء، نحو الإسلام. إن هذا لهو أفضل ترويج للإسلام، ونأمل أن تُوفّقنَ جميعًا، إن شاء الله، لتأدية هذا العمل.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.