بسم الله الرّحمن الرّحيم، الحمد لله ربّ العالمين؛ كما تعلمون، كانت مواكبة خطابات الإمام الخامنئي من الوصايا الدائمة لسماحة السيد حسن نصر الله رضوان الله تعالى عليه، حيث قال في إحدى اللقاءات: "دائماً أوصيكم بمتابعة خطابات سماحة الإمام الخامنئي التي هي جميعها خطابات توجيه وإرشاد وتبصُّر وتوعية وبيان للحقائق وتنبيه وإلفات". انطلاقاً من هذا المبدأ، مبدأ وصية سماحة السيد حسن، وفي هذا اللقاء الخاص وفي أجواء الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد سماحة السيد حسن نصر الله والقادة الشهداء الأعزاء، نودّ إن شاء الله أن نكون في خدمتكم وأن نناقش مقطعاً أساسياً ومهماً من آخر خطاب لسماحة الإمام الخامنئي قبل أيام، حيث قال سماحته: "كما أجد من اللازم في هذه الأيام وبمناسبة الذكرى السنوية لاستشهاد المجاهد الكبير الشهيد السيد حسن نصر الله أن أستحضر ذكراه. لقد كان السيد حسن نصر الله ثروةً عظيمةً للعالم الإسلامي، لا للتشيع فحسب ولا للبنان فقط، بل ثروة للعالم الإسلامي أجمع. طبعاً هذه الثروة لم تُفقد، بل ما تزال باقية. لقد رحل، لكن الثروة التي أوجدها لا تزال باقية. إن قصة حزب الله في لبنان هي قصة مستمرة، فلا تجوز الاستهانة بحزب الله ولا الغفلة عن هذه الثروة المهمة، إنه ثروة للبنان ولغير لبنان". نستضيف في هذا اللقاء الخاص رفيق درب سماحة السيد والقادة الشهداء والمجاهدين، وأحد أبرز القياديين في حزب الله ومن الجيل المؤسس للحزب، نائب رئيس المجلس السياسي في حزب الله معالي الحاج محمود قماطي. نرحب بكم، أهلاً وسهلاً بكم في مكتب حفظ ونشر آثار الإمام الخامنئي، على منبر هذه المنصة.

أهلاً بكم، نشكر سماحتكم على هذه الفرصة للتواصل مع الجيل الشاب ومنصة الشباب، من الضروري أن يفهموا ويعرفوا بعض الحقائق التي لم يعاصروها. هذه الأحداث لم تكن من جيلهم، بل من جيلٍ أسبق، ومن الضروري توضيح هذه الأمور وإطلاعهم عليها.

أولاً، كلام سماحة السيد القائد لافتٌ للنظر، فهو في رأينا يُعبِّر بعمق وبمعرفة وباستبصار عن تأثير شخصية سماحة السيد الشهيد الأسمى السيد حسن نصر الله، تأثير هذه الشخصية في الحاضر وفي المستقبل. بالطبع، وصفه بأنه ثروة، كلمة ثروة بحد ذاتها معبِّرة.

التعبير الأول: ثروة ليست للشيعة فقط أو على مستوى التشيع فقط.

النقطة الثانية: ليست على مستوى لبنان فقط.

النقطة الثالثة: ليست ثروةً حاليةً تنتهي لاحقاً، بل هي ثروة مستمرة.

هذه نقاط بالغة الأهمية، وبتقديري هي لا تستفز إلا الجاهل، فجميع الناس تفهم والعالم كله يفهم، والعدو يفهم قبل الصديق أن هذه الشخصية، سماحة السيد حسن رحمه الله، هذا الشهيد المقدس ـ في رأينا ـ لا أحد يستطيع أن ينكر تأثيره، حتى العدو. وتصريحات العدو حول شخصية السيد الشهيد أكبر دليل على أن حتى العدو يعرف قيمته ويعرف تأثيره ويعرف هيبته ويعرف امتداده على مستوى العالم العربي والعالم الإسلامي والعالم بأسره، حتى من خلال ردود الفعل.

عند استشهاد سماحة السيد وفي التشييع الذي حصل، ثم بعد مرور سنة على التشييع أيضاً، لاحظنا أن هذا العالم بكل ألوانه وانتماءاته وأفكاره، كل من يتصف بالحرية والعقلانية ـ حتى لو لم يكن مؤيداً ـ والموضوعية، كل من يحمل هذه الصفات حتى لو كان مخالفاً للعقيدة التي حملها سماحة السيد ونحملها نحن أيضاً، كان يُعبِّر عن مدى أهمية هذه الشخصية.

سماحة السيد القائد الخامنئي حفظه الله عندما يستخدم هذه الكلمات، فإنه يُعبِّر بتعابير راقية وحضارية، عقلانية وموضوعية، تؤكد على الوحدة العربية، وتؤكد على الوحدة الإسلامية، وتؤكد على الوطنية اللبنانية. ليس الأمر أنه تخلّى عن لبنان أو أهمل لبنان حتى تتحدث عن عالمية السيد أو إقليميته ـ كما هي طبيعة السيد ـ ولم يتحدث عن السيد بوصفه نتاجاً شيعياً لمصلحة الشيعة فحسب، فالوحدة الإسلامية بين الشيعة والسنة، والوحدة الوطنية بين المسلمين والمسيحيين، كل هذه المعايير تدعو إلى استغرابي ممن يستفز.

وحتى لو أردنا أن نضع أنفسنا مكانهم، لكي نتعمق في هذا الكلام، ونستخرج منه صفة سلبية واحدة تستفز الآخرين، فإننا لا نجد شيئاً، أي لا يوجد ما يستفز ولا يوجد ما يُستفز به.

إذا رجعنا قليلاً إلى الوراء وإلى البدايات وفترة التأسيس أو ما قبل التأسيس، نجد أن هناك علاقة وارتباطاً وثيقاً بين حزب الله ومفهوم الولاية، فحتى في القرآن الكريم عندما يريد الله سبحانه وتعالى أن يُعرِّف مَن هم حزب الله، يربط مفهوم حزب الله بالولاية: ﴿وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾.

وسماحة السيد حسن أشار مراراً وتكراراً إلى هذه العلاقة بين حزب الله وولاية الفقيه، حتى إنه قال مرة: "أنا أفتخر بأن أكون عضواً في حزب ولاية الفقيه"، وكأن حزب الله هو حزب ولاية الفقيه بهذا المعنى. وحضرتكم كنتم من الجيل المؤسس ومن المؤسسين الأوائل والأساسيين، وكما أعلم فقد التقيتم بالإمام الخميني حتى قبل التأسيس، وكنتم من الممهدين لإطلاق هذه المسيرة المباركة، ومن المشاركين في زيارة مجموعة التسعة للإمام الخميني.

وبالتالي نرغب في الاستماع أولاً، وقبل الدخول في فترة سماحة الإمام الخامنئي، لنعطي قليلاً الإمام الخميني شيئاً من حقه، ولو أن هذا الحق كبير جداً على حزب الله وعلينا وعلى المستضعفين جميعاً. نودّ أن نعرف دور الإمام الخميني في التأسيس وعلاقة الإمام الخميني مع حزب الله أولاً، ثم ننتقل إن شاء الله إلى فترة الإمام الخامنئي.

في الحقيقة، هكذا تُرجعني تقريباً إلى ما قبل انتصار الثورة الإسلامية في إيران وإلى سنة الانتصار 1979 ـ لا أعلم كم يسمح لي الوقت، لكنني سأحاول الاختصار قدر الإمكان ـ الحالة الإسلامية في لبنان كانت موزعة عبر عدة أطر وأحزاب وقوى وجمعيات، وكان التأثير الأول للمرجعيات الإسلامية الشيعية في العالم قبل انتصار الثورة. طبعاً كان هناك عدة مرجعيات، لكن في الفترة التي سبقت الانتصار كانت المرجعية للسيد الحكيم وأيضاً مرجعية السيد الخوئي. ومرجعية السيد الخوئي تزامنت أيضاً مع مرجعية الإمام الخميني.

ثم تصدر الشهيد محمد باقر الصدر فكرياً وعلى المستوى التوعوي والثقافي، فكانت هذه الفترة مرحلة الانتماء الفكري للإسلام، الإسلام المتجدد ذي الروحية الحركية المرتبطة بالحياة وبالثورة وبمواجهة الظلم، وليس الإسلام التقليدي، رغم احترامنا لكل الحالات الإسلامية التي كانت قائمة.

في لبنان كان التأثير الأكبر، أي ما قبل انتصار الثورة بقليل، للإمام الخميني والشهيد الصدر. فهذا الربط أنتج في لبنان ـ طبعاً بالإضافة إلى ما قام به السيد موسى الصدر من توعية فكرية وحالة سياسية مبكرة ـ حالة سياسية إسلامية مبكرة، وحالة سياسية شيعية مبكرة، بالإضافة إلى الانفتاح وعدم المذهبية وعدم التعصب والانفتاح على الآخر في لبنان واحترام التكوين اللبناني. كما كان هناك علماء متواجدون في تلك الحقبة من سماحة السيد محمد حسين فضل الله إلى سماحة الشيخ محمد مهدي شمس الدين إلى سماحة الشيخ حسن عواد في الغبيري وغيرهم من العلماء، لكن هؤلاء هم الذين تبوَّؤوا مواقع النهضة الفكرية الجديدة في لبنان.

وكان لدينا أيضاً ارتباط في الحالة الإسلامية، وبداية الارتباط أيضاً بمرجعية الإمام الخميني والارتباط الفكري، فهذا الارتباط الفكري والمرجعية الفقهية كان بشكل متساوٍ مع الارتباط بفكر الشهيد محمد باقر الصدر، رغم كونه فكراً واحداً، لكن باختصاصات متنوعة، فالسيد محمد باقر الصدر له موضوعاته، فقد توجه لموضوع الفلسفة كما في "فلسفتنا" أو لموضوع الاقتصاد كما في "اقتصادنا"، أو المواضيع الأخرى التي تصدى لها السيد الشهيد. والسيد الإمام الخميني قدَّس الله روحه، له موضوعاته التي تصدى لها كموضوع الحكومة الإسلامية ومواضيع عالم الفقه، وعلى كلٍّ، كلا المرجعين كان له تأثيره الكبير.

هنا بدأت الحالة الإسلامية تربط بين الفكرين، بين هذا الفكر وذاك الفكر، وكانت الأطر الإسلامية تعمل على أساس المشروع الواحد، لكن متعدد الأطر، أي متعدد تنفيذياً، فكان لدينا اللجان الإسلامية في المساجد، وكان لدينا اتحاد الطلبة المسلمين في الجامعات والمدارس والثانويات، وكان لدينا حركة أمل الممتدة على كل الأراضي اللبنانية، وكان لدينا حزب الدعوة الذي كان يعمل بشكل سري لكنه ينتشر على كل الأراضي اللبنانية أيضاً، ويعمل من خلال واجهات معلنة متعددة.

وكان أيضاً لدينا لجان العمل الإسلامي، واللجان الإسلامية أيضاً، وتجمُع علماء المسلمين أيضاً، هذا التجمّع العلمائي بين السنة والشيعة والذي ما يزال قائماً حتى اليوم، والذي نشأ في تلك الفترة. وعندما قامت الثورة في إيران، كل هذه اللجان وكل هذه الأطر، عدا تجمُع العلماء الذي لم يُؤسس بعد، وإنما تأسس بعد انتصار الثورة، لكن كان هنالك تجمُع علماء البقاع قبل انتصار الثورة.

في ذلك الوقت اجتمعنا معاً جميعاً، ووجدنا جميعاً ـ أي كل هذه الأُطُر الإسلامية ـ أن لدينا اليوم واجب دعم الثورة الإسلامية في إيران، وبالفعل أسسنا كياناً يجمعنا جميعاً، أسميناه: «اللجان المساندة للثورة الإسلامية في إيران»، هذا كان الاسم الرسمي، وهذا كان قبل الانتصار.

وقمنا بتحركات، فاليوم إذا رجعنا للصحافة، نجد أن أكبر مظاهرة في تلك الفترة، تظاهرة ومسيرة جمعت كل الإسلاميين وحتى غير الإسلاميين: «قوميين، علمانيين، عروبيين، من حركة فتح، فلسطينيين، لبنانيين» كانت مسيرة ضخمة قبل انتصار الثورة. وقمنا بهذه المسيرة لدعم الثورة الإسلامية، وكان الشاه ما يزال موجوداً ولم يغادر بعد.

يعني أنتم اللبنانيون بدأتم بدعم الثورة الإسلامية، وليست الثورة الإسلامية هي من دعمتكم.

وأيضاً دعمناها بالمال، وليس فقط بالمسيرة، سأخبرك ـ إن شاء الله ـ عن قصة المال. نعم، قمنا بهذه المسيرة، وفي ذلك الوقت خُتِمت بكلمة ألقاها نائب رئيس حركة أمل، نائب السيد موسى الصدر، وهو حسين الحسيني رحمه الله، فقد كان نائب رئيس حركة أمل وكان نائباً في البرلمان. لا أدري إن كان هو رئيس مجلس النواب وقتها أم لا، الأمر يحتاج لمراجعة، لكنه كان نائباً على الأقل. وكنا قد اتفقنا على ذلك، وجمعنا تبرعات في المسيرة لصالح الثورة الإسلامية في إيران، بما أن الثورة تحتاج إلى دعم.

ومع بداية انتصار الثورة، قدّم بعض الأخوات خواتم ذهب وقطع ذهب، أتكلم الآن عن سنة تسعة وسبعين، وكانت قيمة الذهب والدولار وقتها أعلى من الزمن الحالي، فقمنا بجمع التبرعات، وحوّلنا الأمور العينية إلى دولار، مع الأسف إلى دولار، ووصل المبلغ وقتها إلى عشرة آلاف دولار.

وفي ذلك الوقت كنا نريد أن نُرسلها قبل الانتصار لكن الله وفّق وانتصرت الثورة الإسلامية، وبعدها أنا شخصياً حملت المبلغ وسافرت إلى إيران، وفي ذلك الوقت تحيّرت لمن أُسلّمه، وبما أن الثورة في بداياتها، والأمور لم تكن منظمة بالشكل المطلوب بعد. وفي ذلك الوقت التقينا بمنظمة اسمها (سازمان مجاهدين انقلاب اسلامى) وكان من ضمن هذه المنظمة محسن الموسوي الذي استُشهد في لبنان، ورضائي، وشامخاني، وآخرون أيضاً لكن هذا ما تستحضره الذاكرة من أسماء الآن.

وقد سبقنا إلى إيران من لبنان أحزاب علمانية أيّدت الثورة، وأبو عمار كان أيضاً على رأس منظمة التحرير، وقد سبقنا أيضاً وأعطى تصريحات رائعة وقتها لانتصار الثورة.

أنتم ذهبتم كممثلين للجان المساندة؟

نعم، ذهبتُ ممثلاً للحالة الإسلامية، اللجان المساندة التي ذكرتُها سابقاً، كل الفصائل. وفي ذلك الوقت بكى الإخوة في الحرس، ولم يكن اسمه الحرس آنذاك، وإنما كان اسمه (سازمان مجاهدين انقلاب اسلامى) أي منظمة مجاهدي الثورة الإسلامية. المهم أنهم بكوا لأنهم مباشرةً قارنوا ـ دون أن نسيء إلى أحد وليس في هذا إساءة ـ بأنه سبقهم من لبنان أناسٌ جاؤوا يطلبون من إيران المساعدة، بعد أن انتصرت الثورة في إيران واعترفت بدولة فلسطين، وبما أن إيران بلد نفطي، فقد جاؤوا يطلبون المساعدة والعون المالي. أما أنتم، فقد أتيتم من لبنان الصغير، من هذا لبنان الصغير، وتحملون معكم عشرة آلاف دولار لدعم الثورة.

أنا أتحدث عن المشاعر، أتحدث عن مدى الارتباط بالإمام الخميني وإلى أي حد وصل! وبطبيعة الحال، ثم بدأ الحديث عن الارتباط بقيادة الإمام الخميني بين أوساط الحالة الإسلامية، الإسلاميون الواعون الذين انطلقوا في العمل الإسلامي قبل عشر سنوات من انتصار الثورة، لأن انتصار الثورة كان عام تسعة وسبعين، ونحن بدأنا العمل الإسلامي عام تسعة وستين، قريباً من سنة السبعين، وكنتُ في ذلك الوقت في نادٍ رياضي، كنتُ أحد نجوم الرياضة في لبنان، في التاسع والستين، وكنتُ أجمع الفتيان الصغار في النادي، وكنتُ ذا اسم معروف، فكان الفتيان يلتحقون بالنادي الذي أدرّب فيه.

ومن بين هؤلاء الفتيان: مصطفى بدر الدين، وعماد مغنية، ومن الكشّافات الحاجة سعدة بدر الدين زوجة الشهيد عماد، وكانت هناك أخوات كفاطمة حرب وغيرهن ممن تزوجوا من بعضهم البعض، كل ذلك كان ثمرة للفعاليات التي كنا نقوم بها.

لقد بدأنا التأسيس قبل انتصار الثورة بعقد من الزمن على الأقل، بعشر سنوات وأكثر. كم كانت أعمارنا حينها؟! ثم بدأ التأسيس ينمو تدريجياً شيئاً فشيئاً.

وبعد انتصار الثورة، وبعد تشكيل اللجان المساندة قبل الثورة أو خلالها، أصبحت هذه اللجان في مقدمة المسيرة. والآن الصور موجودة في الصحافة: صورة كبيرة للإمام الخميني تتقدم المسيرة، وصورة كبيرة للسيد الشهيد محمد باقر الصدر، وكان النشيد "إيران إيران إيران خون ومرگ وعصيان" إلى آخره، والعالم كله يقف وراءنا، وبدون مبالغة كانت عشرات الآلاف تشارك في هذه المسيرة.

هذا التوجه والارتباط بعد الانتصار أصبح أكثر قوة نحو قيادة وولاية ومرجعية الإمام الخميني، وخاصةً عام ثمانين، أي بعد سنة تقريباً، فإذا قلنا إن الثورة انتصرت في شباط تسعة وسبعين، ففي نيسان ثمانين استُشهد الإمام السيد محمد باقر الصدر، والفرق بينهما سنة وشهران. كان لأفكار وآراء سماحة الشهيد المرجع السيد محمد باقر الصدر تأثير كبير على الحالة الإسلامية في لبنان. وعندما قال وانتشرت مقولته: "ذوبوا في الإمام الخميني كما ذاب هو في الإسلام"، انتشر هذا المنطق كالنار في الهشيم بين الشباب، شباب الجيل الجديد المرتبط بالإمام وبالسيد الشهيد، فعندما يأتي مرجع مفكر قائد ويُعطي الولاية لمرجع آخر بتواضع وذوبان.

وأنا أعرف أمراً لا يعرفه الكثيرون: عندما جاء السيد محمد باقر الحكيم إلى إيران، كنتُ موجوداً في ذلك الوقت، وكنتُ قد ذهبتُ لبناء علاقة مع المسؤولين الإيرانيين في إيران. وجاء السيد الشهيد لاحقاً، وأخبرنا السيد محمد باقر الحكيم ـ وكنتُ موجوداً وأخبر جماعة موجودة ـ أن السيد الشهيد محمد باقر الصدر كان يريد الخروج من العراق والمجيء إلى إيران، لكن جاء رأي سماحة المرجع السيد الخميني بأن لا، نحن نحتاج أن تبقى في العراق فبقي. تصوّر: مرجع يلتزم بأمر مرجع! هذا ليس بالأمر البسيط، هذه ولاية، أن يريد الخروج فيُقال له: لا ابقَ، فيبقى ويُستشهد، ويُقدّم حياته التزاماً بأمر الولاية. هذه الأمور أثّرت فينا بعمق، ونتيجتها أن ولي الفقيه هو الإمام الخميني، وكل الأمة وكل الشباب وكل الجيل اتجهوا نحو قيادة الإمام.

هنا جاءت فكرة الانصهار في لبنان، انصهار الحالة الإسلامية بكل أطرها القائمة، لتنصهر في حالة واحدة مرتبطة بولاية الإمام الخميني قدَّس سره، بمعنى أننا قررنا: بما أن هذه القيادة وهذه الولاية موجودة، فلنحلّ كل أوضاعنا التنظيمية بكل أشكالها، ونذهب إلى الإمام.

بعدها ذهبتُ في ذلك الوقت عام ثمانين، في خطوة أولى كان لها ثلاثة أهداف: أولاً التبريك بالانتصار باسم الحالة الإسلامية، وثانياً إيصال المساعدة التي جمعناها لأجل الثورة، وثالثاً فتح علاقة مع المسؤولين الإيرانيين ومن بينهم سماحة السيد القائد الذي كان في ذلك الوقت إمام جمعة طهران، والتقيتُ به.

وبدأنا نطرح موضوع الارتباط بقيادة الإمام، وقمنا بجولة على معظم المسؤولين في ذلك الوقت، لكن دون أن نلتقي بالإمام الخميني آنذاك بسبب خطورة الوضع الأمني، وقد التقينا بالسيد الخامنئي، والشيخ رفسنجاني، والأخ محسن رضائي، والأخ شمخاني، وآخرين لا تستحضرهم ذاكرتي الآن.

وبدأنا نطرح أننا في لبنان نريد أن نلتحق بولاية الإمام الخميني، نحن بادرنا، نحن اقتنعنا، نحن تحرَّكنا، وليس كما يفترض البعض أن الإيرانيين أغروْنا ورغّبونا، بل نحن قررنا ذلك بكامل إرادتنا. ولعلنا أحرجنا الإيرانيين بالتوقيت المبكر، فلم يكونوا جاهزين بعد، حتى حرس الثورة لم يكن قد تشكّل.

الحمد لله، نعتبر هذا أكبر نعمة أنعم الله بها علينا، وكرامة، أننا استطعنا الالتحاق بقيادة الإمام الخميني في البدايات الأولى للحالة الإسلامية في المنطقة. هذا في البداية، وبعدها جاء حرس الثورة إلى البقاع وبدأ يمارس دوره.

ماذا كان دور الإمام الخميني في تلك الفترة تحديداً، وما المواقف الأساسية للإمام الخميني تجاه حزب الله خلال قيادته؟

في تلك الفترة، ومنذ أن بدأت الحركة باتجاه إيران والتحقنا بمسيرة الإمام الخميني رضوان الله عليه، بدأت العلاقة بإرسال وفد من لبنان عام اثنين وثمانين يمثل الحالة الإسلامية، تشكّل مما يُسمى "نُه نَفَر" أي وفد التسعة، تسعة أفراد: ثلاثة منهم يمثلون اللجان الإسلامية، وثلاثة يمثلون حركة أمل، وثلاثة يمثلون تجمُع علماء البقاع.

ثم بعد الوفد بقليل ـ وهذا يحتاج إلى تركيز أكثر لتذكّر الفارق بين الزيارتين ـ وفي زيارة الإمام الخميني، كان هناك طلب اتفقنا عليه بشكل مسبق في لبنان ولم يكن ناضجاً كثيراً، كنا سنطلبه من الإمام الخميني، وهو أن يُرسل لنا من إيران مجتهداً عالماً بالسياسة، عالماً بالواقع، ليكون هو مَن يقود الوضع عندنا في لبنان.

فعندما طلب الوفد هذا الأمر، ابتسم الإمام الخميني. وقال لهم الإمام: هذا ما نحتاجه في إيران، لأني أرى في وجوهكم علامات النصر، وأرى فيها ـ بما معناه ـ علامات الكفاءة والقدرة، اذهبوا وقوموا بدوركم، وإن شاء الله سنقوم بما ينبغي. فأرسل حرس الثورة بعد هذا اللقاء بأشهر تقريباً، ووصلوا في أواخر شهر حزيران عام اثنين وثمانين تقريباً، في نفس السنة لكن بفارق أشهر.

ثم جاء حرس الثورة وقام بدوره الثقافي والتدريبي، وجاء في ظل اجتياح إسرائيلي للبنان. وكنا في ذلك الوقت قد بدأنا العمل المقاوم قبل وصول حرس الثورة، وقمنا بأكبر عملية في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي في 11/11/1982 ميلادي.

كان الاجتياح قد حصل في حزيران قبل أن يأتي الحرس، وجاء الحرس في نفس الشهر إلى البقاع. ونحن خلال أشهر، من شهر ستة إلى شهر أحد عشر، أي في أقل من خمسة أشهر، استطعنا تكوين خلايا سرية للخط الجهادي في العمل الإسلامي وفي الحالة الإسلامية، هكذا كنا نسميه.

كانت هناك خلايا سرية، وفي أكثر الأحيان تضم ثلاثة أشخاص، إما واحد أو اثنان أو ثلاثة. وكان من بين هذه الخلايا الشهيد أحمد قصير رحمة الله عليه، وكان مسؤول هذا الخط الجهادي الشهيد إبراهيم خضرة رحمة الله عليه الذي استُشهد أيضاً، هذا في البدايات.

وكان الإخوة في الخط الجهادي على تنسيق مع الحاج عماد مغنية، وكان لم يُطلق عليه بعد اسم رضوان، بل كان يُدعى الحاج عماد، وكان مصطفى بدر الدين، وآخرون بعضهم أحياء لا يمكن كشف أسمائهم.

هذه الحالة بدأت العمل المقاوم، واستطاع هذا العمل أن يُنتج أضخم عملية في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، مع أنه لم يكن يملك أو يتلقى أي مساعدة من أي جهة في العالم. الآن يقولون: جلبوا المتفجرات من حركة فتح، ويقول البعض كذا وكذا، ولا شيء من هذا صحيح على الإطلاق. هذه العملية نُفّذت بإمكانيات تعتمد فقط وفقط على الحقوق الشرعية، اشترينا كل شيء، أي تمّ الشراء، وتمّ التخطيط، وتمّ كل شيء وحصل هكذا.

كل هذا كان يحصل قبل وصول الحرس، فلما جاء الحرس، أصبح التدريب منظماً، والإعداد منظماً، والإمكانيات أكبر، فتحوّلت هذه المقاومة من مقاومة محدودة الإمكانيات لكنها مخلصة وقادرة، إلى مقاومة كبيرة جداً وصلت إلى ما وصلت إليه.

من فترة وصول الحرس إلى فترة وفاة ورحيل الإمام الخميني قدس سره، أي من اثنين وثمانين إلى ثمانية وثمانين وهي سنة وفاة الإمام، كانت العلاقة مع الإمام تقوى وتتوثّق أكثر فأكثر. وكان هناك أيضاً لقاءات، فضلاً عن خطب سماحة الإمام الخميني ومحاضراته وكلامه عن حزب الله في لبنان، بعد أن سمّينا أنفسنا حزب الله.

نحن بدأنا العمليات عام اثنين وثمانين، ثم لما أصبح لدينا إخوة الحرس، صار لهم دور أساسي كالتدريب والتأهيل والإعداد، وقمنا بعمليات عام خمسة وثمانين دون اسم، مع أن الإخوة في المقاومة كانوا يقومون بعمليات ويفجّرون ويغتالون ويستهدفون العدو الإسرائيلي دون أن يُعلنوا عن أنفسهم ولا بأي اسم.

حتى إني أتذكر مقالاً للإعلامي والصحافي طلال سلمان في جريدة السفير، افتتاحية جريدة السفير، بعد أن كثرت عملياتنا وأصبح معروفاً أن هناك من يقوم بعمل غير طبيعي دون أن يُعلن عن نفسه، وأسماها "الأشباح"، أحتاج لمراجعة التوثيق. "الأشباح"، يقول فيها مخاطباً المقاومين غير المعروفين، ومن الجمل المؤثرة: "أخبرونا من أنتم أيها الأشباح، دعونا نُقبِّل أياديكم، دعونا نُقبِّل أقدامكم، من أنتم؟!"

فكان العالم كله ينتظر: مَن هم هؤلاء؟ وحتى سنة خمسة وثمانين، أعلنّا عن أنفسنا بالرسالة المفتوحة إلى اللبنانيين، وأعلنّا اسم حزب الله، وأعلنّا من نحن، ثم أعلنّا عن الشهداء منذ الشهيد أحمد قصير إلى الذين استُشهدوا وقتها دون اسم، أعلنّا أنهم شهداء حزب الله والمقاومة الإسلامية.

فهذه الحالة، كما نقول الآن، أعلنت عن نفسها كمقاومة، قبل أن يكون هناك عمل سياسي، قبل أن يكون هناك وزراء أو نواب أو حزب سياسي، كانت حالة إيمانية جهادية مؤمنة، ترتبط بوضوح بالإمام الخميني وبقيادة الإمام الخميني، بوضوح ومن دون أي لبس أو غموض.

أي إن أكثر ما أخذتموه من الإمام، بغض النظر عن البُعد المادي أو الدعم اللوجستي وما إلى ذلك، هو أصل المشروعية كخط، من خلال الارتباط والانتماء إلى ولاية الفقيه ووضوح الرؤية عند الإمام بضرورة المقاومة وأصل المقاومة؟

بالتأكيد، اليوم بخطب الإمام، بموقف الإمام، بمباركة الإمام، حتى بلقاء قيادتنا في تلك الفترة بالإمام، وتوصيف الإمام الخميني لشباب حزب الله، حيث قال جملته المشهورة: "شباب حزب الله هم قدوة الأمة وقدوة شباب الأمة وفخر الأمة"، شباب حزب الله "وحجة على العلماء"، وهذا أمر عظيم.

يوجد جو من الارتباط في لبنان، بكل ما له من خصوصية، أعطى نموذجاً مدحه الإمام الخميني، وهذا شرف كبير، ومدحه أيضاً السيد القائد، وهذا أيضاً شرف كبير جداً، وكان على رأس هذا الجيل علماء أفاضل مجاهدون، غير الجيل الأول الذي عمل في المرحلة الفكرية، في الجيل الثاني مثل: السيد عباس، والسيد حسن، والشيخ راغب، والسيد عبد اللطيف الأمين، وغيرهم. كل هؤلاء استُشهدوا، ولم يكونوا فقط يُعبّئون الناس تعبئة إسلامية ثورية جهادية مقاومة، بل أيضاً أصبحوا شهداء. فكانوا يُطبّقون هذه المبادئ على أنفسهم قبل غيرهم.

لذلك، كانت مواقف الإمام الخميني لهذه الحالة هي الغذاء الروحي والعقائدي الذي يستمد منه المجاهدون في لبنان القوة والاستمرار والشرعية، ليس فقط القوة والاستمرار، بل الشرعية أيضاً، لأنه لا يمكن القتال بدون غطاء شرعي وغطاء مرجعي وغطاء ديني، وخاصةً فيما يتعلق بالعمليات الاستشهادية التي تحتاج بالتأكيد إلى شرعية، وكل ما يتطلب التضحية بالدم.

الإمام الخميني قُدِّس سره هو مَن يُعطي هذه الشرعية، وهذا الزخم، وهذا العطاء، وهذا المديح للشباب اللبناني، بعد أن أثبت تقدماً كبيراً في الحالة الثورية الإسلامية في المنطقة، وأصبح ليس حجة على المنطقة فحسب، بل حجة على علماء المنطقة.

ثم جاءت مرحلة الإمام الخامنئي السيد القائد، جاءت هذه المرحلة بعد الوفاة.

أعتقد أن العلاقة مع الإمام الخامنئي كانت قد بدأت منذ زمن الإمام الخميني، حيث كان الإمام الخامنئي ممثلاً للإمام الخميني في التواصل مع حزب الله ومتابعة شؤونه. فمعرفة الإمام بحزب الله معرفةٌ قديمة سبقت وفاته.

كان السيد القائد معاصِراً للإمام الخميني في كلِّ حياته الجهادية، ولكنه كان معاصراً بشكل خاص لمرحلة العلاقة بين الإمام الخميني وحزب الله. كان السيد القائد مُواكِباً لهذه الحالة ومطّلعاً عليها. وفي الفترة الأخيرة قبل وفاة الإمام الخميني، كان السيد القائد هو مَن يتابع الأمور ويمثّل حلقة الوصل والاتصال معه وصولاً إلى الإمام الخميني، فقد كان محور العلاقة قبل ارتحال الإمام الخميني.

لذلك عندما توفي وارتحل الإمام الخميني قدس سره، كانت العلاقة طبيعية وقائمة مع السيد القائد آية الله الخامنئي، واستمرَّت مباشرةً بشكلٍ طبيعي. ولا شكَّ أنَّ لكلِّ شخصية قيمتَها الذاتية وصفاتها الخاصة، فالإمام الخميني له وضعه وتأثيره وهيبته، وكذلك السيد القائد له وضعه وتأثيره وهيبته. لذلك كانت العلاقة متينة وجيدة وحيوية، وربما نقول: كانت العلاقة أكثر حيويةً من السابق، ليس مقارنةً بين الأشخاص بقدر ما هي مقارنةٌ بين الظروف، فالظروف كانت تستدعي علاقةً أكثر حيوية ومتابعة وفعالية.

وكان السيد القائد يُصِرُّ على أن تكون العلاقة معه مباشرةً فيما يتعلق بلبنان وحزب الله والمقاومة في لبنان، وبما لها من تأثير على المنطقة.

هناك جملة شهيرة لسماحة السيد الشهيد الأسمى حسن نصر الله يقول فيها: "عند أمريكا يوجد عبيد، ولكن نحن حزب ولاية الفقيه، نحن سادة عند الوليِّ الفقيه". كيف يتعامل سماحة الإمام الخامنئي مع حزب الله؟ وكيف يرى حزب الله؟ وما هي أبرز مواقف وأدوار سماحة الإمام الخامنئي منذ توليه القيادة خلال أبرز المحطات الرئيسية لحزب الله.

أول محطة بعد التسعة والثمانين كانت استشهاد السيد عباس الموسوي. وطبعاً قبل ارتحال الإمام الخميني وبعد ارتحاله، كانت المقاومة تقوم بأعمالٍ استشهادية وأعمال مقاومة وهجمات على المواقع الإسرائيلية حتى أربكت العدو وبلغت شهرةُ المقاومة العالمَ أجمع، وبدأ كل العالم ينظر إلى هذه المقاومة نظرةَ إعجابٍ وتقدير. وذكرتُ كيف أشاد الإمام الخميني بموضوع حزب الله والمقاومة، ثم استمرَّ السيد القائد أيضاً في هذه الإشادة والإعجاب بهذا الدور، مواكباً العمل.

أول محطة صعبة كانت استشهاد السيد عباس الموسوي بعد التسعة والثمانين، وطبعاً انتخاب السيد حسن نصر الله، وهذه كانت مرحلة ومحطة أولى.

ثم المحطة الثانية: في الثاني والتسعين، ومباشرة في الثالث والتسعين، ما سُمِّيَ بـ"عملية كشف الحساب" ضد العدو الإسرائيلي عندما اعتدى على لبنان وحاول ضرب المقاومة.

ثم في السادس والتسعين أيضاً "عناقيد الغضب"، التي أنتجت "اتفاق نيسان" الذي شرَّع المقاومة وحمى المدنيين، شرَّعها بناءً على القانون والسياسة. وكان لسوريا في ذلك الوقت دورها في هذا الموضوع، وإيران أيضاً رسمياً، إيران الرسمية وليست فقط إيران المرجعية والقيادة المرجعية، كان لها دورٌ أيضاً.

وأيضاً وصولاً إلى الألفين، "سنة التحرير"، ووصولاً إلى الألفين وستة، التصدِّي لعدوان تموز.

أيضاً يجب أن نلتفت إلى أن فترة السيد عباس تحت قيادة الإمام الخامنئي لم تدُم طويلاً حتى استُشهِدَ، من سنة التسعة والثمانين إلى الواحد والتسعين، فكانت الفترة قصيرة. ولكن مع الشهيد السيد حسن كانت من اثنين وتسعين أو واحد وتسعين إلى لحظة استشهاده في أيلول أربعة وعشرين، وهي فترةٌ طويلة جداً. وهذه الفترة كانت فترة وصول المقاومة إلى الدرجات العليا المتقدمة، بل نستطيع أن نقول إلى الدرجة الأولى في كونها الخطر الأول المهدد للعدو الإسرائيلي.

وأيضاً دور المقاومة في لبنان في تقوية المقاومة في فلسطين بزخم كبير، من أجل مقاومة العدو الإسرائيلي. وأيضاً ما قام به الشهيد قاسم سليماني على مستوى المقاومة في فلسطين والمقاومة في لبنان. والمحطات الكبرى أيضاً التي شهدت بداية تجييش الحروب المذهبية والطائفية والتكفيرية ـ مع الأسف ـ في وجه خطِّ المقاومة ومن أجل ضرب المقاومة في كل مكان، من لبنان إلى فلسطين إلى العراق إلى سوريا. كل هذا كان يُعتبر أيضاً محطةً مهمة للسيد القائد، و"البصيرة الثاقبة" في تشخيص الأمور والمواقف، وبثِّها إن كان على مستوى عام وعالمي أو على مستوىً خاص إلى قيادة حزب الله مثلاً أو قيادة المقاومة في فلسطين عبر حرس الثورة وفيلق القدس، وخاصةً خاصةً الشهيد سليماني.

في هذه الفترة الطويلة نسبياً كانت العلاقة تحديداً مع كل قيادات حزب الله جيدة جداً، أي بين السيد القائد وقيادة حزب الله أو بين قيادة حزب الله والسيد القائد، القيادة التي كانت مرجعيتها السيد القائد. ولكن لا نستطيع أن نُغفِل أنَّ "العلاقة الخاصة جداً"، العلاقة الخاصة جداً والمميزة جداً والحميمية جداً والشخصية جداً، كانت مع سماحة السيد الشهيد حسن نصر الله. أو لنقلها بالعكس: كانت علاقة السيد الشهيد حسن نصر الله مع السيد القائد، الذي بادَلَه هذا الشعور وهذه العاطفة وهذه العلاقة الحميمية.

أنا لا أبالغ إذا قلتُ إنَّ السيد القائد كان يعتبر السيد حسن "أحد أبنائه". لا أبالغ، وحسب اطلاعي ومعرفتي، فإنَّ السيد القائد حفظه الله وأبقاه ذُخراً للإسلام والمسلمين كان ينظر إلى السيد حسن على أنه أحد أبنائه، وأحد القادة المخلصين في هذه المنطقة الذي يشعر تجاهه بأقصى درجات الحنان والحب والعاطفة والتبنِّي. والآن نقول ونزيد عليه: الحنين والشوق، هكذا أعتقد.

في هذه الفترة التي ذكرتُها، وفي مواقف كثيرة جداً ومحطات عديدة، كان السيد القائد يساعدنا على الثبات بمواقفه وتوجيهاته، كان يعزِّز معنوياتنا. عندما نواجه الصعوبات الكبيرة التي نتعرض لها، صعوبة تلو الأخرى، وكلما كاد اليأس يدخل إلى قلوب البعض، يأتي الأمل والنظرة الثاقبة والمعنويات العالية ليُعيد الأمل إلى النفوس والعزيمة والإرادة، ويطرد اليأس أو الإحباط من القلوب التي قد يصل إليها هذا الإحباط.

وكان السيد حسن يسير بنفس التوجُّه والأفكار والانطلاقة الروحية والإيمانية والتعلُّق بنصر الله وانتظار النصر الدائم. وكما كان السيد القائد حين يتحدث، كان السيد حسن يؤثِّر في الجماهير ويمنح هذه المعنويات للجماهير ولشباب المقاومة. والسيد حسن نفسه كان يأخذ هذا الأمل وهذه المعنويات من السيد القائد، وكان ينقلها لنا، يتحدث عنها ويقول: "عندما تحدث السيد القائد، كم تأثرتُ وكم تفاعلتُ!" هذا الذي كان رمزاً ومنبعاً للأمل للجماهير، كان هو طبعاً ـ بالإضافة إلى الإيمان بالله والالتزام بالروحانيات والقرآنيات ـ على المستوى المادي البشري، يجد في السيد القائد مصدر الإلهام ومصدر الأمل والراحة النفسية. فهناك ما يُسمى بالارتباك النفسي والقلق والتشويش، وكل ذلك كان يزول بكلمة من سماحة السيد القائد.

: بطبيعة الحال، أشرتم إلى دور القائد الروحي والمعنوي والإرشادي لحزب الله. إذا كان في ذهنكم بعض المواقف الحاسمة لسماحة القائد، إن صح التعبير، أي دور القائد في قيادة حزب الله؟ إذ إننا نعتبر سماحة الإمام الخامنئي الآن قائد جبهة المقاومة. وفي النهاية، حزب الله إذا نظرنا إليه نجده ركناً أساسياً في هذه الجبهة. كيف يتعامل القائد مع حزب الله؟

أولاً، أول مَعلَمٍ من معالم العلاقة بين السيد القائد وقيادة المقاومة ـ وأعتقد ليس فقط المقاومة في لبنان، بل أيضاً مع كل فصائل المقاومة في المنطقة سواء التي كانت سابقاً أو نشأت حديثاً ـ كانت "علاقة احترامٍ"، علاقة مع السادة وليس علاقة مع عبيدٍ أو أتباعٍ أو أدوات.

نحن لم نَرَ يوماً أنَّ السيد القائد أو أي قيادة في إيران، وطبعاً على رأسها السيد القائد، ألزَمَنا بموقفٍ سياسي معين أو برأي سياسي معين. ولكن في الوقت نفسه، كان هو الملجأ عند اختلاف وجهات النظر في كثيرٍ من الأمور، خاصةً تلك المتعلقة بالموقف الشرعي. وهناك أمور حساسة لجأنا فيها إلى سماحة السيد القائد فحَسَمَ المسألة الشرعية.

أنتم كنتم تراجعونه؟

نعم، كنا نراجعه.

هل لديكم أمثلة على قضايا محددة راجعتم فيها القائد، وأحياناً كانت هناك ضبابية وعدم وضوح للرؤية عند قيادة حزب الله؟

يمكن أن نقول: عدم وضوح الرؤية عند البعض، ووضوحها عند البعض الآخر، مما تسبب في عدم اتخاذ القرار، أو ربما عدم وضوح الرؤية عند الجميع، وبانتظار الموقف الشرعي.

مثلاً: عندما حدث خلاف شيعي شيعي في فترةٍ من الفترات. ذهبتُ إلى إيران وقتها ليس من أجل استفتاء الشورى فقط، والسيد القائد أرسل مع الشورى فتوى إلزامٍ بوجوب تجنُّب أي خلافٍ شيعي شيعي حتى ولو كان خلافاً فكرياً. ما زلت أتذكر هذه الجملة: "حتى ولو كان خلافاً فكرياً، يجب تجنُّب الخلاف، أي خلاف شيعي شيعي". لذلك ذهبنا باتجاه "التحالف الاستراتيجي مع حركة أمل" سياسياً، وحاولنا قدر الإمكان طبعاً تجنُّب أي خلاف فكري. كان موقف السيد القائد واضحاً: "تجنبوا كلَّ خلافٍ بكل أنواعه". هذه أيضاً كانت نقطة مركزية لتبديل الوضع، أي من دائرة العصبية والحزبية إلى دائرة الوحدة الشيعية الشيعية.

ثم أيضاً تركيزه على "الوحدة الإسلامية"، وهذه طبعاً لم تحتج إلى فتوى، وإنما كانت بتوجيهاتٍ دائمة ومستمرة منذ أيام الإمام الخميني عندما رفع شعار "أيها المسلمون اتحدوا اتحدوا"، الشعار التاريخي الذي رفعته الجماهير أيضاً. ثم أقام "أسبوع الوحدة الإسلامية". ثم السيد القائد في كل توجيهاته وخُطبه ومحاضراته يؤكد على موضوع الوحدة الإسلامية وكان واضحاً في ذلك.

أيضاً في مرحلةٍ من المراحل حصل خلاف داخل الشورى. وكما قلتُ في الحلقة: نحن حزب الله بدأنا كمقاومة، بدون أي عمل سياسي، حتى بدون اسم. بعدها أُطلِق الاسم وأُطلِقت عجلة العمل السياسي. فصار هناك نقاش في وسط الصف الأول ومن ضمن الشورى طبعاً بالحزب حول: هل للعمل السياسي الأولوية على العمل الجهادي أم للعمل الجهادي الأولوية على العمل السياسي؟ فحدث أن منهم مَن يرى هذا الرأي ومنهم مَن يرى عكسه.

فاستفتينا السيد القائد أيضاً هنا، فأرسل كلاماً واضحاً: "أنَّ حزب الله حالة إيمانية جهادية، والعمل السياسي في خدمة العمل الجهادي وليس العكس". هو لم يقل: "وليس العكس"، أنا أقول: وليس العكس. قال: "والعمل السياسي في خدمة العمل الجهادي" فقط، وهذا أيضاً كلام واضح.

لذلك أنا قلتُ: "وليس العكس". أي قد يتصور البعض أنه من خلال العمل المقاوم والجهادي يريد أن يحصل على بعض المكتسبات في السياسة بالمعنى المتداول.

هناك عدة محطات رأينا فيها هذا الأمر، وهذه آخر محطة أذكرها. بعد استشهاد سماحة السيد الشهيد الأسمى حسن نصر الله ومعه أيضاً الأمين العام المرشح السيد هاشم صفي الدين، وصلنا إلى وضع أصبحنا فيه موضع تشكيك أمام المراقبين والأعداء، وحتى المراقبين الموضوعيين، بأن حزب الله تعرَّض لضربة وانتهى وضعه. وتم اختيار سماحة الشيخ نعيم قاسم أميناً عاماً في أصعب الظروف وأقساها على الإطلاق. فجاء رأي السيد القائد بدعم سماحة الأمين العام الشيخ نعيم قاسم، دعم موقعه ودعم شخصه، وصل لحد دعم شخصه. وهذا ما أكده لاريجاني منذ يومين أيضاً عندما أشاد بمواقف الشيخ نعيم.

هذا أيضاً كان مهماً جداً جداً جداً، أي مهما قلتُ "جداً" نبقى مقصِّرين. كنا في أحلك الظروف وفي أكثر الأوقات حاجة، وفي أكثر المراحل صعوبة، ربما في كل تاريخنا، أي مررنا بأكثر مرحلة نحتاج فيها إلى الدعم المعنوي والمعنويات وتثبيت الأقدام والعزيمة والإرادة، وكنا نحتاجها من السيد القائد، وقد قام بها بأفضل وجه. هذا ليس بالأمر البسيط.

طبعاً في ذلك الوقت، السيد القائد لم تضعف له إرادة ولم تتغير له بصيرة أو رأي في حزب الله. في ذلك الوقت لم يكن أحد يستطيع أن يقول هذا الكلام. السيد الشهيد رحمة الله عليه، السيد حسن، استُشهِدَ في السابع والعشرين، والسيد الشهيد هاشم صفي الدين أيضاً. في الثامن والعشرين يخرج السيد القائد ويقول: "بنية حزب الله صلبة ومتينة رغم هذه الإصابة ورغم ما تعرَّض له، فبنيته قوية وثابتة ومستمرة وقادرة على الاستمرار". خلال أربع وعشرين ساعة، والعالم كله، حتى داخل حزب الله، تأثرت بعض الأمور. هذه العزيمة، هذه القدرة، هذه المعنويات! وقد ثبت أنَّ ما قاله سماحة السيد القائد صحيح مائة بالمائة. بعد عام جاء ليقول: حزب الله "ثروة باقية مستمرة" ليس للبنان فقط، بل للعالم كله، ولغير لبنان، وليس للشيعة فقط، بل لغير الشيعة أيضاً.

كل هذه المواقف تدل على عمق الرؤية وعمق البصيرة، تدل على الإرادة، على الإيمان، على التوكل على الله وعلى الثقة بالنصر. دائماً في كل كلامه يقول: سننتصر، سننتصر، سننتصر. وإلى الآن ونحن معه إن شاء الله، وإن شاء الله نكون من أدوات الانتصار، ويرزقنا الله الشهادة. وإلى الآن ما زال يركِّز على موضوع الانتصار.

هذا بخصوص لبنان. وأما بخصوص إيران: عندما وقع العدوان الأمريكي الصهيوني على إيران في الخامس والعشرين من حزيران، فإن موقف السيد القائد وثباته وشجاعته واستمراريته وتعلُّق الشعب به وخطابه للشعب الإيراني الذي وحَّد الشعب، كان ركناً أساسياً من أركان وحدة الشعب الإيراني في مواجهة العدوان، وهذا كان مهماً جداً.

صلابته؛ أرادوا أن يقضوا على القيادة الإيرانية، واستطاعوا أن يصيبوا عدداً كبيراً من القادة، ولكن السيد القائد حفظه الله وسلَّمه. وكان وجوده عاملاً أساسياً في الصمود وعاملاً أساسياً في الوحدة وعاملاً أساسياً في الانتصار. كل هذا بفضل السيد القائد.

أيضاً دور إيران، أي مجرَّد أنَّ إيران ثبتت، مجرَّد أنَّ إيران صمدت، مجرَّد أنَّ إيران أوقعت الخسائر الكبرى بالعدو الإسرائيلي، فلأول مرة في تاريخه يتعرَّض لضرباتٍ شديدة وعنيفة ومؤلمة بهذا الشكل. وكل هذا أعطى أملاً لكل الأمة العربية والمسلمين ولفلسطين وللبنان ولكل العالم العربي، حتى الدول المطبِّعة مع العدو الإسرائيلي. وقت العدوان على إيران ارتعبت وخافت من أن تُهزَم إيران، لأنه حتى هؤلاء وجدوا في إيران الصخرة الصلبة التي حتى لو كانوا مختلفين معها، ولكن إذا سقطت، سقطوا جميعاً ولن يبقى منهم أحدٌ لديه قدرة على المواجهة مع هذا العدو، حتى لو كانوا يطبعون معه. وثبت ذلك اليوم بالاعتداء على قطر وعلى الدوحة، وقبل ذلك احتلال سوريا من قبل العدو الإسرائيلي، الذي أثبت أن هذا العدو ليس عنده احترام لأحد.

شخصية السيد القائد على مستوى المنطقة. عندما يتكلم السيد القائد، يحسبون حساباً لكل كلمة يقولها، لأنها كلمة موزونة مدروسة حقيقية صادقة معبِّرة بدقة، ليس فيها كلام فارغ أو أجوف مثل كلامهم هُم. ولذلك حاولوا تحطيم هيبة السيد القائد، ولذلك يتَّهمونه بالكذب. أقول: هُم الكاذبون وهُم المنافقون وهُم المخادعون، وهو الصادق وهو الوفي وهو الدقيق وهو المعبِّر بدقة.

لقد أشرتم إلى دور القائد في مختلف مراحل نمو حزب الله، وذكرتم السياسات الأساسية التي وضعها سماحة القائد، مثل: موضوع التحالف الاستراتيجي ووحدة الصف الشيعي داخل لبنان، والوحدة الإسلامية في لبنان والمنطقة والعالم الإسلامي ككل. إضافة إلى الدعم المطلق من سماحة القائد للمقاومة، حين أرسل ربما أفضل من لديه وهو الحاج قاسم سليماني ليكون عوناً ومساندةً للمقاومة الإسلامية في لبنان.

سماحة القائد قام من خلال كل هذه النقاط بدعم حزب الله وأداء دور أساسي في نموه وارتقائه إلى المرحلة التي وصل إليها.

كل هذا الكلام يمكن الحديث عنه فيما قبل "طوفان الأقصى". ولكن عندما نأتي إلى مرحلة طوفان الأقصى، وبالتحديد، شاهدنا أن حزب الله دخل في "معركة الإسناد" في اليوم التالي بعد عملية طوفان الأقصى في غزة. هنا برزت إشكاليات متعددة حول دخول حزب الله في هذه المعركة. البعض اعتبر أن إسناد حزب الله لغزة كان بطلبٍ من الإمام الخامنئي أو بأوامر إيرانية، والبعض يقول شيئاً آخر. أنتم أدرى وأنتم حتماً تتحدثون عن هذا. لكن سماحة القائد في لقائه مع سماحة الأمين العام الشيخ نعيم حين كان نائباً للأمين العام قبل استشهاد سماحة السيد حسن، في فترة طوفان الأقصى ومعركة الإسناد، اعتبر سماحة القائد وقال: إن سياسة حزب الله منذ بدء عملية طوفان الأقصى هي سياسة حكيمة تماماً وعقلانية ومتطابقة مع المصلحة.

البعض يعتبر أن استشهاد سماحة السيد حسن وحرب الستة والستين يوماً والأحداث التي تلت وما زلنا نعيش آثارها وتداعياتها حتى الآن، كلها نتائج لهذا القرار بدخول حزب الله في معركة الإسناد وكل هذه التضحيات التي قُدّمت.

السؤال الأول: لماذا يعتبر سماحة القائد أن هذه السياسة وهذا القرار كان حكيماً وصحيحاً وصائباً ودقيقاً ومتوافقاً مع المصلحة؟

السؤال الثاني: بعد كل هذه الأحداث وكل هذه التضحيات - بحسب تعبيرنا - التي قُدّمت في سبيل الدفاع عن المظلومين والمستضعفين في فلسطين وغزة، وما وصل إليه حزب الله اليوم، أن يأتي سماحة القائد بصوتٍ عالٍ ويعبّر ويقول: "إن حكاية حزب الله وقصته مستمرة ولم تنتهِ". هل واقعاً تعتقدون أن هذا الكلام صادق وواقعي ويعبّر عن الحقيقة؟

في طوفان الأقصى، اتُّخذ قرار الإسناد في اليوم التالي من قبل سماحة السيد الشهيد حسن نصر الله رحمة الله عليه، وأيّده في ذلك الإخوة في الشورى. كان الموقف واضحاً عند سماحة السيد حسن وغير قابل للتردد، إذ كان الأمر قد بُحث سابقاً: في حال تعرّضت فلسطين لعدوان، ما هو الموقف المطلوب؟ فكان الموقف مدروساً والتوجه حاضراً. فرغم عدم علم قيادة حزب الله وعدم علم القيادة في إيران بتوقيت هذه العملية ونيّة تنفيذها، إلا أن الموقف في اليوم التالي كان واضحاً عند سماحة السيد الشهيد حسن نصر الله بالإسناد.

في البداية، كان هناك نوع من التردد لدى بعض القيادات الفلسطينية وخاصةً عند حركة حماس، لأن الشهيد محمد الضيف دعا في البيان الأول قوى المقاومة وبشكل خاص حزب الله إلى الدخول إلى أراضي فلسطين المحتلة والمشاركة في الهجوم على الأرض. ولكن عندما اتُّخذ قرار الإسناد، اعتبر البعض أن هذا الموقف أقل مما ينبغي. لكن لاحقاً، خلال أسبوعين، أعلنت حركة حماس عن موافقتها الكاملة على الموقف الذي اتخذه حزب الله، وأنه هو الموقف الأفضل والأنسب والحكيم في هذه المواجهة.

ثم سمعتُ السيد القائد يقول إنه كان موقفاً حكيماً وصائباً ومنسجماً مع المصلحة: مصلحة فلسطين، ومصلحة المنطقة، والمصلحة الإسلامية والعربية، والمصلحة الوطنية على مستوى الوطن لبنان وبشكل خاص. هذا موقف كان مهماً جداً، وكان القائد يعرف خبايا الأمور وخفاياها ويعرف إلى أين ستصل.

بعد ذلك تبيّن لنا أن هذا العدوان على غزة كان مُحضّراً ومُجهّزاً قبل طوفان الأقصى، والهجوم على لبنان والعدوان عليه أيضاً كان مُعدّاً ومُجهّزاً وخطته جاهزة قبل طوفان الأقصى. وإنما حاول العدو الإسرائيلي أن يتخذ عملية طوفان الأقصى ذريعةً لكي يشنّ العدوان الاستراتيجي المرسوم لديه أساساً، الذي يهدف إلى: تهويد فلسطين كلها، وطرد الفلسطينيين وإبادتهم، والقضاء على حزب الله في لبنان، واحتلال جزء كبير من الأراضي اللبنانية ربما وصولاً إلى نهر الأولي. هذا كان المخطط.

ثم أعلن نتنياهو مشروع "إسرائيل الكبرى" الذي لا يقتصر على نهر الأولي فقط، بل يريد أن يأخذ لبنان كله، والأردن، وجزءاً من مصر، وجزءاً من السعودية، والعراق.

إن مشروع طوفان الأقصى بمشاركة فصائل المقاومة في العراق، وأنصار الله في اليمن، وحزب الله في لبنان، يمثّل سابقة تاريخية. هذه أول مرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي تحدث فيها مشاركة فعلية بالقتال والدم والتضحيات مع فلسطين والشعب الفلسطيني الذي يتعرّض للعدوان والإبادة. وما يزال هذا الموضوع قائماً حتى الآن، خاصةً إخواننا في اليمن - الله يشدّ على أيديهم - فقد بيّضوا وجه الأمة ورفعوا رأسها عالياً. يستطيعون أن يفتخروا ونستطيع أن نفتخر أيضاً، ويستطيع العراق وإيران أن يفتخروا. كل هؤلاء يستطيعون أن يفتخروا بأنهم الوحيدون الذين وقفوا إلى جانب الشعب الفلسطيني ودعموا قضية فلسطين في مواجهة هذا العدوان المجرم والبشع على غزة والضفة، في محاولة للقضاء على فلسطين وعلى القضية الفلسطينية.

ولكن ذلك لن ينجح، هذا المشروع الصهيوني والأمريكي للقضاء والإبادة والتهجير... ما دامت هناك مقاومة مستمرة، وما دامت هناك مقاومة قادرة في لبنان، وما دامت إيران تدعم هذا المحور وتواجه هذه الغطرسة الأمريكية والأوروبية والصهيونية بكل هذه الشجاعة وبكل هذا الاستمرار، وبما أن هناك إخوة في اليمن جاهزون وإخوة في العراق أيضاً جاهزون، فإن كل هذه المعطيات تشكّل قوة فيما بينها قادرة على مواجهة المشروع الأمريكي والهيمنة الأمريكية أو الصهيونية في المنطقة.

وطبعاً كل ذلك بقيادة السيد القائد. كل هذا المحور، كل هذا العطاء...

لقد أشرتم وتحدثتم عدة مرات عن العلاقة بين حزب الله هذه الحركة الإيمانية الجهادية وبين الولاية، ولاية الفقيه بالتحديد. الإشكالية التي تُطرح أحياناً، وهذه الشبهة التي نسمعها والاتهام الذي يُوجّه إلى حزب الله وأبنائه هو: كيف تستطيعون أن تكونوا مواطنين لبنانيين ووطنيين تشعرون بانتماء لهذه الأرض وهذا الوطن، وأنتم في نفس الوقت منتمون إلى عقيدة ولاية الفقيه وهي عقيدة عابرة للحدود وخارجة عن الحدود الجغرافية للبنان؟ كيف يمكن الجمع بين الولاية والوطنية؟ ونحن نشاهد عملياً أن أبناء حزب الله وشهداءه ومجاهديه وبيئته والمقاومة الإسلامية المنتمين إلى فكرة ولاية الفقيه، هم يضحّون من أجل لبنان أكثر ربما من غيرهم؟

دائماً كنا نقول ونطرح شعاراً: لا تناقض بين حب الوطن والولاء للوطن وبين الولاء لولاية الفقيه.

حتى إذا أردنا أن نقول - ولسنا نحن فقط، فلنا خصوصية في موضوع ولاية الفقيه - ولكن هناك من يؤمن بالأممية مثل الشيوعية، أو بالوحدة العربية كالأحزاب التي تتبنى الفكر العروبي، أو بسوريا الكبرى (سوريا الطبيعية) كالحزب السوري القومي الاجتماعي، أو بالإسلامية سنية أو شيعية - لا فرق، فكلاهما يؤمن بأممية الإسلام.

كنا نقول: إن جميعنا كأحزاب نؤمن بأن الوطن لبنان ينبغي أن نحميه بدمائنا. كوطن، كلبنان. وحب الوطن لا يتنافى مع العقائد الأخرى. يعني ليس إن كنت تؤمن بنظرية الوحدة العربية فإنك لا تحب لبنان، أو بالوحدة الإسلامية فإنك لا تحب لبنان أو لا تدافع عن وطنك لبنان. هذه مفاهيم مغلوطة.

لذلك، حب الوطن والتضحية في سبيله لا يناقض أبداً مفهوم الولاية أو المفهوم الإسلامي الذي هو أعم وأشمل من الجغرافيا، أي واسع على مستوى الجغرافيا.

نظرية الإمام الخميني - لا أعلم لماذا لا يتم تداولها؟! - قرأتها منذ ثلاثين عاماً، ولم تعد متداولة هذه الأيام. ولكن عندما تحدث عن الوحدة الإسلامية ووحدة الدول الإسلامية ضمن الدول العربية، قال: "أنا أدعو إلى الكونفدرالية - مشروع كونفدرالي للعالم الإسلامي". أي لا ضرورة لأن نزيل الأنظمة. هذه فكرة متقدمة جداً وشجاعة جداً.

مقابل الفكرة التي تقول: إما أن تعمل دولة واحدة للإسلام تحت نظام مركزي واحد، أو أنك تعمل اتحاداً كونفدرالياً في العالم الإسلامي، أي دولاً موجودة ضمن "مفهوم كونفدرالي". قرأتُ هذا المشروع في فترة من الفترات، ثم اختفى. لماذا اختفى؟ لعل هناك من يعترض عليه في العالم الإسلامي، وليس في إيران خصوصاً.

أريد أن أقول: إن هذا المشروع يجمع بين فكرة الوطن وحب الوطن والدفاع عن الوطن - وحتى النظام في الوطن بغض النظر عن النظام الموجود - وبين العالم الإسلامي الواحد أو العالم العربي.

أفق أوسع، ويلغي الصدام بين الأنظمة. بالعكس، يكرّس التعاون. وبسياسة عامة واحدة للكونفدرالية - لهذا الكونفدرال الإسلامي ومن ضمنه الكونفدرالية العربية - سياسة عامة، وربما خطة اقتصادية واحدة. كم سيصبح هذا العالم أقوى؟! سيصبح هو الأقوى في العالم بلا استثناء. هذا العالم المليء بالنفط، الغني بالثروات، يكون لديه سياسة واحدة واقتصاد واحد مشترك على الأقل. هذه فكرة تؤكد ما أذهب إليه الآن لأقول: إنه ليس هناك تناقض بين الوطنية وبين ولاية الفقيه.

ونحن، يا أخي، لدينا تجربة تقارب نصف قرن مع الولاية (أقل من نصف قرن بقليل). طوال هذا المدى الزمني في علاقتنا بولاية الفقيه، لم نَرَ يوماً أن هناك رأياً لولي الفقيه يناقض الوطنية أو يخالفها على الإطلاق.

- عندما يدعو الولي الفقيه للمقاومة، فالمقاومة تدافع عن الوطن، وليس عن إيران.

ما الرأي الذي قاله الولي الفقيه وكان مخالفاً للوطنية؟!

عندما يدعم المقاومة العسكرية والجهادية في مواجهة العدو، فهو يدعم المقاومة لحماية الوطن، ولا يدعمها لشيء آخر، وإنما لتحرير الوطن وحمايته.

لا يوجد شيء أبداً - طوال أكثر من أربعين سنة - لا نظرياً يوجد تناقض ولا عملياً يوجد تناقض على الإطلاق.

السيد الولي الفقيه هو عين الحكمة وعين العقل وعين المنطق، وكل ذلك لا يتنافى مع الوطنية ومع حب الوطن والدفاع عن الوطن.

أشكركم جزيل الشكر. هل لديكم توصية لشباب جبهة المقاومة؟

توصيتي للشباب والجيل الجديد أن يهتموا بقراءة التجربة التي سبقتهم على مستوى:

- قيادة ولاية الفقيه للأمة

- قيادة الولي الفقيه للحالة الإسلامية والحالة العامة - ليس فقط الحالة الإسلامية - على مستوى العالم العربي والعالم الإسلامي

- القضايا الأساسية في هذين العالمين، وعلى رأسها:

  - قضية فلسطين

  - مشروع السلام العادل والمنطقي في العالم

  - الحقوق الثابتة للأمة العربية والأمة الإسلامية عن طريق مشروع أشمل وأعم

الولي الفقيه دائماً يكون هو الشخصية الأساسية التي تنظر لهذه المصلحة العامة والمصالح العامة للأمة بعين المنطق، وبعين الحكمة، وبعين الصواب، وبعين الدعم.

"أيها الجيل الشاب، أيها الأحباء:

اهتموا بهذه الولاية وبهذه القيادة، والتزموا بتوجيهاتها وتعليماتها، لأنها للخلاص من الشر، والخلاص من الهيمنة، وهي لمصلحة الأمة، كل الأمة."

أشكركم جزيل الشكر على وقتكم، ونتمنى لكم التوفيق، وطول العمر، وحسن العاقبة. لا تنسونا من الدعاء.

الله يبارك فيكم، ويوفقكم. هذا عمل ومبادرة جيدة إن شاء الله تعالى.