بسم الله الرحمن الرحيم
أتقدم بالشكر الجزيل للإخوة الأعزاء و الأخوات المحترمات على الكلمات التي ألقوها، لا شك أن ما يطرح في هذه الجلسة من قبل الأساتذة المحترمين ستكون له تأثيراته مستقبلاً في مسار العلم و البحث في البلاد. لا تشكوا في هذا أبداً.
في السنة الماضية حينما قدم بعض الأعزاء اقتراحاتهم هنا، تم تكليف عدد من الإخوة تابعوا الأمر و التقوا ببعض الأساتذة أصحاب الاقتراحات و جرت مناقشة السبل العملية و التنفيذية لبعض تلك الاقتراحات. و في هذه الجلسة أيضاً ستتم متابعة ما طرحه السادة. بالطبع، لدي نظراتي حول بعض الأفكار و الآراء التي ذكرها الأعزاء لكنني لا أخوض فيها لضيق الوقت، و أكتفي بنقطتين أو ثلاثة:
أولاً ينبغي أن تكون نظرتنا لقضايا التعليم العالي و البحث العلمي في البلاد نظرة متفائلة في كافة الحقول العلمية، و ليس نظرة متشائمة يغمرها الأسف و الحسرة. طبعاً، ليس لأننا يجب أن لا نطمح إلى التقدم و السرعة في هذا المجال - من البديهي أننا كلما تقدمنا في ميدان التعليم العالي و البحث العلمي و تفعيل أجواء العلم و البحث في البلاد، فسيبقى هذا قليلاً، و لا يزال الطريق أمامنا طويلاً - بل لأننا يجب أن ننظر لكل ما حصل طوال سنوات ما بعد الثورة و خصوصاً ما حدث في الأعوام الأخيرة، و نعلم أننا اكتسبنا سرعة جيدة و حققت جامعاتنا في هذا المضمار تقدماً جيداً. وفقاً لاستفساراتي و التقارير التي رفعها لي المسؤولون الموثوقون - السيد رئيس الجمهورية و غيره من المسؤولين - فإن ميزانية البحث العلمي ازدادت كثيراً في الأعوام الأخيرة، و حسب المعلومات التي يقدمها الجامعيون الموثوقون من مختلف جامعات البلاد، فإن العمل البحثي و الميل للتحقيق و الجهد العلمي في الجامعات تضاعف و اكتسب مكانة جيدة و الحمد لله. هذا مؤشر مسيرتنا. ربما لن يكون توقعي فيكم أقل من هذا إذا كان الكلام عن التوقعات و التطلعات. توقعي في مجال تقدم مثل هذه الظواهر كبير جداً، و لولا هذا التوقع لما تقدمنا. لا أريد أن أنصح بأن لا تحملوا أكثر من هذه التوقعات، بلى، لتكن لكم أكثر من هذه التوقعات مما تتابعون و تحرصون على تحقيقه. إنما أقول إن النظرة يجب أن لا تكون نظرة متشائمة مصحوبة بالأسف. النظرة يجب أن تكون متفائلة و قد دخلنا الساحة بهذه النظرة و تقدمنا إلى الأمام بفضل الله، و سنتقدم أكثر من هذا، و ستكتسب البحوث العلمية إن شاء الله تطورها الذي تجدر به. هذا ما يدلنا عليه الواقع.
النقطة الثانية هي أنني طرحت منذ أعوام - و كما أشار بعض الأصدقاء - قضية النهضة البرمجية في البيئة العلمية للبلاد. ما معنى هذا؟ علينا أن لا نقنع بالتعلم.. ينبغي أن يكون هدف بحوثنا العلمية و مشاريعنا التعليمية هو إنتاج العلم، أي بلوغ المرحلة التي تبدأ فيها الإبداعات العلمية في المناخ الإنساني. إننا لا يعوزنا شيء من حيث المواهب مقارنةً بالذين أنتجوا العلم في العالم، و طوّروه، و تقدموا به، و صنعوا تقنيات معقدة إنطلاقاً من خزينهم العلمي. طبعاً إنتاج العلم لا يعني أن نلغي الترجمة و التعلم، كلا، تلك أيضاً أمور ضرورية.. إنما أقول إننا يجب أن لا نتوقف في محطة الترجمة و التعلّم.
نتيجة الظروف السياسية، و الاجتماعية، و الثقافية، و الظاهرة الاستعمارية - و دور الاستعمار في القضية التي أعنيها كبير جداً - تحرك جزء من العالم أسرع من جزء آخر منه، فبلغ بفضل وسيلة معجّلة قمماً علمية غير مسبوقة. استخدم ذلك الجزء من العالم هذا الوسيلة المعجّلة و تقدم إلى الأمام، و جعل هذه الوسيلة أكثر تعجيلاً و قدرةً يوماً بعد يوم، و ضاعف من كفاءتها و مجالات استخدامها فأحرز مكتسبات علمية. و الحال أننا رغم كل التطور العلمي محاطون بجهل واسع. سكان ذلك الجزء من العالم حققوا تطورات علمية مذهلة، و كانت سياستهم العامة بعد ذلك أن يحتكروا العلم و لا يسمحوا للبلدان المتخلفة أن تلحق بهم أو تتقدم عليهم! لابد أنكم سمعتم الكثير عن القيود التي تحيط ببعض التقنيات المتطورة التي يجب أن لا تتسرب إطلاقاً إلى أي منطقة من مناطق العالم.
والاستعمار أيضاً كان له دور في التقدم العلمي لشطر من العالم كانت قدراته على الاستعمار ناجمة عن تطوره العلمي الذي وظّفه توظيفاً سياسياً، كبريطانيا التي استخدمت البواخر لاستعمار الهند، و ساعد استعمار الهند بدوره على تطوير السفن البخارية لتكون أكثر تقدماً فيضاعف ذلك من قدرة أصحابها على الهيمنة على الهند و المناطق الأخرى. و هكذا، وظفوا العلم الذي احتكروه لأنفسهم لخدمة الاستعمار، وكان الاستعمار بدوره في خدمة العلم!
علينا انتشال أنفسنا من الحصار المضروب على بلدان العالم الثالث. هذا ليس واجبنا نحن و حسب، إنما هو واجب كل شعوب العالم التي تخلفت خلال حقبة معينة عن قافلة العلم. اعتقادي الراسخ - و هو اعتقاد تم تأييده من قبل أصحاب الخبرة و المتخصصين - هو أن بمستطاعنا القيام بذلك. وصمة » لا نستطيع «، و » لا تستطيعون « و التي تعد من الأجزاء المهمة لسياسة الأعداء الثقافية، يجب أن نمحوها من أذهاننا. بالطبع، أشعر أننا نستطيع التقدم حتى في هذا المجال، فأنا ألاحظ الآن أنكم أيها الأساتذة و الطلبة الجامعيون تذكرون النهضة البرمجية و إنتاج العلم كشعارات عملية لكم في الأوساط الجامعية. هذا نجاح كبير كوننا فكرنا في هذا الموضوع و تحول بعد ذلك إلى شعار و مطلب و طموح منشود.
النقطة الثالثة هي أن جميع هذه الأعمال لا تحتاج للمال و الموهبة فقط، بل تستلزم أيضاً إدارة كفوءة و هذا يعود للأقسام الإدارية في الجامعة، سواء رؤساء الجامعات و الكليات و مراكز البحث العلمي، أو مدراء المؤسسات الحكومة ذات الصلة بالعلم، كوزارة العلوم و التعليم العالي، و وزارة الصحة، و وزارة التربية و التعليم.. تقع على هؤلاء واجبات جسيمة. و لأن الوزراء المحترمين حاضرون هنا أذكر هذه النقطة ليسمعوها و يتابعوها: الذين يتولون في الوزارات و الجامعات مسؤوليات إدارية، بمقدورهم عبر التشخيص السليم و الاهتمام للموضوع ممارسة دور جد مهم و مصيري في بلوغ الهدف الذي نصبو إليه جميعاً.
لدينا مواهب عديدة في البلاد اليوم ينبغي تشخيصها و التأليف بينها و توجيهها، و يجب تفهيمها عملياً أن تعير قيمة و أهمية لمواهبها. مشجعات مثل الأمور المادية و المالية و المكافآت - التي تفضل بها بعض الأصدقاء - مسألة ممكنة لكنها رهن بإدارة جيدة. طبعاً يتحمل المجلس الأعلى للثورة الثقافية أيضاً دوراً و مسؤولية في هذا المضمار. أعضاء هذا المجلس أيضاً يجب أن يتفطنوا لهذه القضايا كي تتحقق هذه الطموحات.
النقطة الأخيرة هي أن ظاهرة إنتاج العلم لا تقتصر على العلوم الأم، و العلوم التجريبية، و ... إنما تتسع لتشمل كافة العلوم بما في ذلك العلوم الإنسانية. خصوصاً فيما يتعلق بالعلوم الإنسانية لم نتحرك تحركاً مناسباً جيداً و ذلك بخلاف ما نتوقعه و نتطلع إليه، إنما أخذنا شتى المفاهيم ذات الصلة بهذه العلوم - سواء في مجال الاقتصاد أو مجالات علم الاجتماع، و علم النفس، و السياسة - من المراكز و المنابت الغربية كوحي منـزل و على شكل معادلات لا تتغير و ركزناها في عقولنا، و نريد الآن تنظيم أمورنا و خططنا على أساسها! أحياناً حين لا تجدنا هذه المعادلات نفعاً و تؤتي ثماراً غير صالحة، نلوم أنفسنا لأننا لم نستخدمها بصورة صحيحة، بينما هذا المنهج منهج مغلوط، فنحن في حيز العلوم الإنسانية بحاجة للبحث و التجديد. و المواد و المفاهيم الأساسية التي يتسنى على أساسها صياغة الحقوق، و الاقتصاد، و السياسة، و سائر الحقول الرئيسية في العلوم الإنسانية و إنتاجها و عرضها، موجودة بالمعنى الحقيقي للكلمة في الثقافة الإسلامية العريقة العميقة التي لابد لنا من الانتهال منها. طبعاً، هنا يمكن للحوزة العلمية و الأساتذة المؤمنين بالإسلام ممارسة دورهم عبر البحث و الاستقصاء. هذا الموضع من المواضع التي ينبغي لنا إنتاج العلم فيها.
تحدث أحد السادة من الشؤون الاقتصادية. الإشكالات التي أشار إليها مقبولة لدي كلها تقريباً. غير أن السبب الذي يجعل هذه الأمور لا تعار أحياناً الأهمية اللازمة في العمل الخبروي التخصصي هو ما ألمحنا إليه من أن وحياً منـزلاً من الغرب يعشعش في الأذهان و يختلط بالشؤون السياسية و المقاصد الاستعمارية و الاستغلالية للشركات الأجنبية الكبرى في العالم و أصحاب الرساميل، و قد يكون بعضها صحيحاً و بعضها نصف صحيح، وبعضها خطأ مائة بالمائة، و لابد بالتالي من تحليلها و فهمها.
أشكر الأصدقاء الأعزاء و حضرة الدكتور السيد نديمي الذي تكلّف و أدار هذه الجلسة، و أنا سعيد و مسرور لأن عدداً أكبر من الأشخاص رغبوا و كانوا مستعدين للتحدث. المقرر هو أن تكون هذه الجلسة جلسة صميمية و غير رسمية و بلا تكلف، و لها آثار باقية. الفائدة الأكبر التي أجنيها أنا من هذه الجلسة هي أن أشارك في مناخ ودي يتشكل من أهل العلم تطرح فيه القضايا التي يعتقدون أنها مهمة. من شأن هذه الجلسة التأثير في أروقة اتخاذ القرار في البلاد، فالمسؤولون الحكوميون يطلعون على ما يقال هنا، و من شأنها أيضاً إفساح الفرصة للأساتذة، و العلماء، و أصحاب الاختصاص كي يفكروا تارة أخرى في أهم القضايا التي تشغلهم، و يعلموا أن بالمقدور طرحها و نشرها علناً لتؤثر في عملية اتخاذ القرارات. هذا شيء قيم مغتنم بالنسبة لنا. بالإضافة إلى هذا استفدت أنا شخصياً مما قاله السادة. و دمتم موفقين مؤيدين إن شاء الله.
والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته.