بسم الله الرحمن الرحيم،

والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا وحبيب قلوبنا، أبي القاسم المصطفى محمد، وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، [ولا] سيما بقية الله في الأرضين.

أيّها الإخوة الأعزّاء والأخوات العزيزات، أرحّب بكم كثيرًا. إنّ اللقاء الذي يشارك فيه العُمّال الأعزّاء في كلّ عام، هو لقاءٌ مهمٌّ بالنسبة إليّ، وإنّ القضايا المرتبطة بالعمل والعمّال لها صلة بمصير البلاد. لنذكر أيضًا شهيدنا العزيز السيّد رئيسي، الذي كان يولي شؤون الناس الاهتمام، ومن ضمنها قضايا العمّال على نحو خاص، وكان يتابعها. أبارك أوّلًا الولادة السعيدة للإمام أبي الحسن الرّضا (سلام الله عليه) ونتفاءل خيرًا في تزامن هذا اللقاء مع هذه الولادة الشّريفة.

إنّ الأمور التي ذكرها السيّد الوزير هنا،[1] كانت كلّها مواضيع صائبة، أي توجد بعض الفراغات وهناك بعض الاحتياجات، ويجب إنجاز بعض الأعمال – وقد عدّدها جنابه هنا واحدًا تلو الآخر – وهذه كلّها أمور صائبة. إنّ النقطة الوحيدة التي ألفت الانتباه إليها، هي أنّ جنابه والوزارة وبعض الأقسام الأخرى في الحكومة يجب أن يعلموا أنّهم أنفسهم المعنيّون بهذه التصريحات. أنا أدعو من أعماق القلب أن يعينهم الله المتعالي ويوفّقهم حتى يتمكّنوا من إنجاز هذه الأعمال. هم قادرون إذا شحذوا الهمم واتخذوا القرار. لقد قيل كثير من الكلام المهمّ في ما يرتبط بقضايا العُمّال، وقد أُنجزت بعض الأعمال الجيّدة أيضًا، لكن ينبغي تأكيد بعض النقاط، وإن كانت متكرّرة، يجب تكرارها. لقد دوّنت عددًا من النقاط حتى أذكرها.

الموضوع الأوّل هو بشأن التقييم، والمخاطبون في هذا القسم – تقييم العامل والعمل – هم في الدرجة الأولى أنتم العمّال، حتى تعرفوا قيمة أنفسكم وما تؤدونه وأيّ موضع يملؤه من مجموع الخلق ومنظومة المجتمع ومجموع المطالب الروحانيّة والقيم الدينيّة.

أحد الموضوعات هو موضوع قيمة العامل، العامل لا من ناحية عمله، [بل] من بُعده الإنساني. للعامل خصوصيّتان مهمّتان، وكلّ واحدة من هاتين الخصوصيتين تعدّ [سمة] حسنة عند الله المتعالي. الأولى هي أنّه يحاول كسب لقمته الحلال ورزق عيشه بجهده هو، ولا يكون عالةً على الآخرين ولا يعتاش على الريع ولا ينهب ولا يأخذ من أموال الآخرين لنفسه، بل يكسبه بقوّته - قوة العمل لدى مختلف أصناف العُمّال  وكلّ واحدٍ على نحو معيّن - وهذه حسنة، وهي عملٌ مهمّ. كذلك ينبغي أن يعيش الإنسان؛ فهذا نموذج يحتذى به في حياة كل إنسان، إذ يكون متكئًا على نفسه وقوّته، ويقضي حياته على هذا النحو. هذه خصوصيّة.

الخصوصيّة الثانية وهي أيضًا [سمة] حسنة ومهمّة، هي أن العامل يُلبّي احتياجات الآخرين. أنتم تنتجون المنتوجات الصناعية والزراعيّة والخدماتيّة للناس، وتجعلونها في متناول أيديهم، أي إنّكم تعينون الآخرين في حياتهم. هاتان النقطتان قيّمتان جدًا من الناحية الإنسانيّة، وهما [سمتان] حسنتان. إذا أردنا تبيين قيمة [العامل] عبر مثال عن الشخص الذي يكون من أهل العبادة وما إلى ذلك، ولكنّه لا يبذل أيّ جهدٍ من أجل حياته وبقائه وأهله، فإنّ العامل الذي يعمل ويسعى هو أفضل منه.

هذا بشأن التقييم، وهو مرتبط بالعامل من ناحية كونه عاملًا، ومن الجهة الإنسانيّة.

أما في ما يرتبط بتقييم العمل، فهذا أمرٌ في غاية الأهميّة، وهو أمرٌ بارز جدًّا. العمل عمودٌ أساسيّ لإدارة شؤون حياة البشر، والحياة تُشلّ إذا لم يتوافر العمل. رأس المال له تأثيره حتمًا، والعلم له تأثيره من دون شك، ولكن لا نفع لرأس المال والعلم من دون القوة الفاعلة ومن دون العامل، ولا تترتّب عليهما أيّ فائدة. يضخّ العاملُ الروحَ في جسد رأس المال. لقد قلنا إن شعار هذا العام هو «الاستثمار من أجل الإنتاج». حسنًا إذًا، العامل هو  رأس المال الأهم. [نعم] فليستثمروا، ولكن ليلتفتوا إلى أن هذا الاستثمار، أي الاستثمار المالي، لا يكون من دون إرادة العامل وبعيدًا من قدراته؛ ولن يبلغ أيّ نتيجة من دون رغبته. هذا هو دور العمل. إنه العمود الأساسي، أو أحد الأعمدة الأساسية لقوام المجتمع ودوامه. لهذا تجدون الأعداء لأيّ مجتمع، ومن بينهم أعداء الجمهوريّة الإسلاميّة منذ انتصار الثورة الإسلاميّة وحتى اليوم، يبذلون المساعي لعلّهم يستطيعون جعل المجتمع والعُمّال يتخلّون عن العمل ضمن أجواء الجمهوريّة الإسلاميّة، وتحويلهم إلى معترضين؛ منذ اليوم الأوّل. أنا – العبد - أتذكّر أمورًا في هذا المجال وليس الآن موضع ذكرها. على أيّ حال كان الشيوعيّون في ذلك اليوم والماركسيّون، وكانوا يحاولون إحكام قبضتهم على الأجواء العمّاليّة وأن يسيطروا عليها، ليتعطّل فجأة قطاعٌ بأكمله ويُشلّ. كان يُشلّ كلّ قطاع يوقفونه. اليوم أيضًا، يحضر الدافع نفسه؛ ولكن، في ذلك اليوم كان الشيوعيّون يفعلون هذا العمل، في حين يؤدّيه اليوم عناصر السي آي إي والموساد. طبعًا، صمد عُمالنا في ذلك اليوم ويصمدون اليوم أيضًا، وقد ألقموا أفواه الطرف المقابل صفعة محكمة.

حسنًا، قلنا إنّ العامل هو أهمّ رأس مال؛ أي إنّ تأثير العامل أكبر من المال والأبحاث العلميّة وأمثال هذه الأمور. «ما الذي علينا فعله برأس المال هذا؟»؛ هذه بداية المسؤوليات القائمة تجاه العُمّال. قد يكون شطرٌ من هذه المسؤوليّة بعهدتي أنا العبد الحقير، وشطرٌ بعهدة الوزير، وشطرٌ بعهدة صاحب رأس المال ورائد الأعمال، وشطرٌ بعهدة عامّة الناس، وشطرٌ بعهدة الصحف والمجلّات. على أيّ حال، هناك مسؤوليّات تجاه العامل.

لدى العامل احتياجات من أجل أن يتمكّن من العمل على نحوٍ صحيح، وحتى يقدر على إنجاز العمل جيّدًا وإيصال المساعدات للآخرين، ولكي يستطيع الوقوف هو نفسه على قدميه. الأمن الوظيفي من هذه الاحتياجات، ومن هذه الاحتياجات السلامة الجسديّة. هذه الحوادث التي يواجهها العُمّال في بعض الأحيان تُحزن المرء من أعماق القلب، وهذه ضربة؛ السلامة [حاجة]. من هذه الاحتياجات إنهاء الهواجس المعيشيّة، أي يجب أن تُنجز هذه الأعمال. حسنًا، سأتطرّق إلى بعض هذه الأمور على سبيل الإشارة وأعبّر عنها.

الموضوع الأوّل هو الأمن الوظيفي. يجب أن يعلم العامل أنّه سيبقى في هذا العمل، فيتمكّن من التخطيط. يجب ألّا يكون لديه الهاجس بأن حتى متى وإلى متى، وألا يكون استمرار هذا العمل منوطًا وتابعًا لإرادة شخص آخر. هذا ما يعنيه الأمن الوظيفي. يجب توفير هذا الأمن. في مرحلة قبل أعوام عدّة من الآن، أُغلق عدد من المصانع بذرائع متعدّدة؛ حسنًا، هذا يتعارض مع الأمن الوظيفي. كانت ترد أحيانًا تقارير تفيد أن المصنع الفلاني قد أُغلق؛ كنّا نسأل لماذا؟ نقول لماذا؟ فيتذرّعون بأن المواد الأوليّة غير متوافرة والآليات مهترئة وأمثال هذه الأمور. طبعًا، هذه أمور قائمة، ولكن يوجد لها علاج، ويجب أن يعالجوها. يجب ألّا يغلقوا المصانع. في بعض الحالات، وقد أشرت إليها سابقًا،[2] كان إغلاق المصانع خطوة خائنة؛ فلأن هذه الأرض اكتسبت قيمة كبيرة، كانوا يعملون على بيع الآلات على نحوٍ ما، وإعادة شراء العمّال على نحوٍ معيّن، حتى يستغلّوا الأرض بصورة أكبر، من أجل المال! كانوا يفعلون ذلك من أجل المال وإرضاء للأطماع الشخصيّة. هنا أيضًا يجب أن تمارس الأجهزة الرقابيّة سلطتها، وكذلك الجهاز القضائي؛ [هذا] من الأعمال الأساسيّة والمهمّة. على عاتق الأجهزة الحكوميّة أيضًا مسؤوليّة بطبيعة الحال؛ إن كان وزارة العمل أو بعض الأجهزة الأخرى. يجب منع هذا الأمر. عليه، وفقًا للإحصائيّات التي زوّدونا بها، فقد أُعيد في حكومة الشهيد السيد رئيسي 8000 مصنع إلى العمل. إذًا هذا أمرٌ ممكنٌ، والعمل ممكن. يمكن إعادة المصنع المتوقّف عن العمل أو المصنع الذي يعمل بثلث طاقته أو ربعها. كانت هذه من مفاخر ذاك الشهيد العزيز؛ ولعلّ سماحته حدّثني مرارًا عن هذا الأمر. إذًا، من ضمن القضايا قضيّة الأمن الوظيفي. إلى جانب هذا الأمن الوظيفي، دعوني أقول لكم هذا أيضًا: التفتوا! الأمن الوظيفي للعامل ملازمٌ ومترافق مع الأمن الوظيفي لرائد العمل، أي يجب أن يتمتّع هو أيضًا بالأمن الوظيفي. يجب ألّا نتصرّف على النحو الذي يُشعره بأن استثماره وحفظه لرأس المال ينتهي بتضرّره؛ أي يجب أن يتوافر لديه أيضًا الأمن الوظيفي. هذا هو العمل الصائب وهذه هي السياسة الصحيحة، بأن نتمكّن من فعل ما يجعل جانب الأمن الوظيفي محفوظًا لدى العامل، وأن يبقى محفوظًا لدى الطرف المقابل أيضًا.

الموضوع الثاني الضروري لجهاز العمال الذي دونته، هو قضيّة «تعزيز المهارات». من الأعمال التي علينا أن ننجزها هو أن نسعى إلى أن يصبح العامل لدينا عاملًا ماهرًا. إذا امتلك العامل مهارة في العمل، فإنّ العمل سيُنجز على نحو أفضل وأجود وأكثر تميّزًا، وهذا بطبيعة الحال يخدم مصلحة الصانع، وكذلك مصلحة العامل والمجتمع؛ هو يصبّ في مصلحة الجميع. هذا من [القضايا] المهمّة. حسنًا، نحن نملك جهازًا أيضًا يعمل على قضيّة تعليم المهارات. الآن أثناء قدومي، أخبرني بهذا الوزير الموقّر، وأنا العبد مطّلعٌ أيضًا؛ المعاهد التقنيّة والحرفيّة تشكّل أرضيّة مميّزة جدًّا. يوجد بين شبابنا، بل فتياننا، من لا يفضّلون مسار الدراسات الجامعيّة على مسار تعلّم الحرف والفنون هذا، ويعملون هنا. هؤلاء أفضل العُمّال وأفضل من في مقدورهم تقديم الخدمات للبلاد، وأن يقدّموا الخدمات لأنفسهم ويرتقوا بمستوى حياتهم ويرتقوا بمستوى عيش النّاس أيضًا. نحن نملك هذه الإمكانيّة. طبعًا، إلى جانب المعاهد التقنيّة والحرفيّة – هي مهمّة وقد أكّدتُ ذلك مرارًا – يمكن للشركات الكُبرى أن تُؤسّس على هامش أعمالها أجهزة من أجل تعزيز المهارات؛ هذا الأمر ممكنٌ أيضًا. [هذا] من تلك الأعمال التي ينبغي أن تُنجز، والشركات الكُبرى قادرة على إنجاز هذا العمل. يجب أن يقيموا الدورات والدورات المؤقتة ويُعلّموا العُمّال المهارات الضروريّة، حتى يتمكّنوا من إنجاز العمل على نحو أفضل وبمهارة أكبر.

القضيّة الأخرى – كما أشرنا – هي قضيّة سلامة العامل وسلامة جسده. حسنًا، تناهت إلى سمعي أخبار مُؤسفة من المناجم في هذين العامين أو الأعوام الثلاثة، ولكن الأمر لا يقتصر على تلك الأمكنة، بل أُبلغت بتقارير في أماكن أخرى، وقضيّة السلامة قضيّة فائقة الأهميّة في سائر المصانع أيضًا. طبعًا، يجب أن يكون هناك حرص وأن يُعمل من ناحية الضمان الاجتماعي ومراعاة الملاحظات التقنيّة على النحو الذي يؤمّن سلامة العُمّال. من النقاط المهمّة بشأن دعم العمّال قضيّة استهلاك المنتجات المحليّة، وأنا العبد أؤكّد منذ أعوام عدّة هذا الأمر وأصرّ عليه،[3] وقد ورد في السياسات العامّة[4] أيضًا. طبعًا، بعض الأشخاص لم يطبّقوا هذا الأمر على نحو صائب، ولكنّه كان مفيدًا بالقدر الذي طُبّق. نحن عندما نشتري بضاعة معيّنة، البضاعة التي أُنتجت في الداخل، فإنّنا نساعد في الواقع العامل والمستثمر المحلّي. هذه البضاعة عندما تكون متوافرة في الداخل، فنختار نحن النوع الأجنبي منها ونشتريه، فهذا يعني أنّنا نساعد العامل والمستثمر في ذاك البلد، ونفضّله على العامل لدينا. هل هذا إنصاف؟ هل هذه إنسانيّة؟ طبعًا، توجد بعض الذرائع؛ على سبيل المثال، جودة الإنتاج المحلّي كذا وكذا؛ كلّا، جودة الإنتاج المحلّي مميّزة جدًّا في بعض الحالات. نحن الآن في ما يرتبط ببعض البضائع والأدوات المرتبطة بالحياة داخل المنزل وسائر الأمور الأخرى، نجد أنّ جودة منتجاتنا إن لم تكن أفضل من الأجنبيّة، فهي ليست بأقل منها. لنجعل هذا ثقافة؛ ثقافة رائجة. يجب أن يعدّ الإيراني استهلاك البضائع الإيرانيّة مسؤوليّته، إلا في الحالات التي لا تُنتج فيها في الداخل. ليعدّ الجميع الاستفادة ممّا يُنتج في الداخل مسؤوليّتهم؛ لنجعل هذا الأمر ثقافة.

لقد تناهى إلى سمعي أخيرًا أنّ أحد الأجهزة أعلن أنّ منع استيراد المنتجات ذات المثيل الداخلي قد توقّف، لماذا يوقف؟ روّجوا لذاك الشيء الذي يُنتج في الداخل، وإذا كانت جودته غير جيّدة، اسعوا للعمل على جودته. أنا العبد تحدّثت هنا قبل أعوام عدّة من الآن بشأن السيارات – إذ كانوا يقولون إن استهلاك السيارات المحليّة للوقود كبير - وقلت[5] إذا كان العالم الإيراني ينجز الأعمال العظيمة في حين يغلق أصحاب المعرفة في العالم الأبواب على العلماء الإيرانيّين والطلاب الجامعيّين الإيرانيّين، وإذا كان الشاب الإيراني قادرًا على إنتاج ذاك النوع من الصواريخ وذاك النوع من الأسلحة وذاك النوع من المنتجات التي تجعل عدوّه يُذهل ويقول إنّني أنهض وأقف احترامًا لهذا العمل،[6] فإنّه بطبيعة الحال قادرٌ أيضًا على إنتاج السيارة التي يكون استهلاكها أقل وإنتاجها أفضل. لنعمل على هذا الأمر ولنركّز عليه. الأسهل هو أن نقول «حسنًا، افسحوا المجال حتى تستورد [السيارات] من الخارج». هذا يضرّ بالبلاد وبالمجتمع العامليّ ويضرّ بالبلد كلّه. لذلك، أحد الأمور المهمّة في مجال الدعم للعامل هو هذا، أن نستهلك الإنتاج المحلّي ونجعل هذه القضيّة ثقافة.

أحد الأعمال المهمّة، الذي في رأيي يحتاج إلى تخطيط المسؤولين الشامل والكامل ويصبّ في مصلحة العامل إلى حدّ كبير، إذ يخدم مصلحة العامل وكذلك رب العمل، هو أن يصبح العامل شريكًا في الرّبح الناتج من الإنتاج. إذا شعر العامل أن ربحه سيزداد بقدر ازدياد أرباح هذه البضاعة، فسوف يتكوّن عنده الدافع لإنجاز العمل على نحو أفضل، أي إنّ هذا الأمر يكوّن الدافع عند العامل حتى ينجز العمل على نحو أفضل وأكمل وبجودة أعلى؛ سيصبح مصداقًا لتلك الرواية التي كرّرتها مرارًا: رَحِمَ اللهُ امرءًا عَمِلَ عَمَلًا فَأتقَنَه؛[7]  أي العمل المتقن والجيّد. توجد اليوم في العالم بعض المصانع التي تنتج منتجًا معيّنًا، وتكتب على منتجها تاريخ تأسيس هذا المصنع، وتفخر بانطلاقة هذا المصنع قبل مئة عام. أن يتمكّن جهازٌ إنتاجي - طبعًا نحن ضربنا مثالًا عن الإنتاج الصناعي، ولكن سائر الأجهزة الإنتاجيّة شأنها شأن الإنتاج الصناعي، وكذلك بالنسبة إلى بعض الخدمات - من العمل على النحو الذي يجعله يحافظ على الزبائن لمئة عام ويفخر بذلك، فهذا بطبيعة الحال أفضل إنجاز. هذا الأمر يتحقّق عبر إشراك العُمّال في أرباح المصنع؛ هذا أحد الأعمال المهمّة.

نقطة بارزة أخرى أيضًا – أشار إليها جنابه[8] - هي قضيّة إسكان العُمّال. إذا تعاونت الورشات الكبيرة مع التعاونيّات السكنيّة العامليّة – إن وُجدت مثل هذه التعاونيات، وفي الأماكن الموجودة فيها – فإنّ هذا يُعدّ أكبر دعم للعامل. إن لم تكن هناك تعاونيّة، ففي إمكانهم تأسيس واحدة أو المساهمة في تأسيسها، أو يمكنهم إنشاء مساكن مؤسساتية إلى جانب المصانع الكُبرى، إذ يزول هاجس السكن، الذي يُعدّ أحد أهمّ الهواجس، ويكونوا مطمئنّين من هذه الناحية. هذه إحدى أهمّ المساعدات التي يُمكن تقديمها للعُمّال. الموضوع الآخر الذي دوّنته هنا لأذكره هو قضيّة ثقافة بيئة العمل. لاحظوا، في فلسفة الماركسيّين والشيوعيّين، بيئة العمل هي بيئة صراع وعداء، أي يجب أن يكون العامل عدوًّا لصاحب المصنع ذاك؛ هذه هي الفلسفة. حركة المجتمع برمّتها هي حركة قائمة على العداء والصراع. من وجهة نظرهم، حكم الصراع على مرّ التاريخ هو السائد في الشؤون الاجتماعيّة وفي قضيّة السياسة وفي قضيّة الاقتصاد، وقد أضاعوا أعمار الناس لسنوات طويلة بهذه الفكرة الخطأ، وأوقعوا أنفسهم في الشقاء، وكذلك أشقوا حال كثير من شعوب العالم. أما الإسلام، فهو يقول بعكس هذا تمامًا.

الإسلام يعدّ بيئة العيش والعمل والتاريخ بيئة التحالف والتعاضد وتشارك الأفكار. أولئك الذين يتابعون ويجرون الأبحاث في القرآن الكريم ليتابعوا تعبير «الزوجيّة»، وكلمة «الزوج»، في القرآن الكريم: {سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ} (يس، 36)؛ أي إنّ قضيّة التآزر والتعاطف والتعاون والتكامل حاضرة في كلّ شيء في العالم. هذه هي الحال في ما يرتبط ببيئة العمل أيضًا، يجب أن يُتكامل ويجب أن يساعد كلا الطرفين بعضهما بود، لا باللسان فقط.

نقطة أخرى أيضًا هي أنّنا حين نتحدّث عن العامل، فيجب ألا  يُلتفت فقط إلى العامل في مجال الصناعة، بل إن العامل في مجال البناء والعامل في الزراعة والعامل في ساحة بيع الخضار، والنساء العاملات المنشغلات بالعمل داخل البيوت واللواتي يزاولن الأعمال، إذ يعمل كثيرٌ من الأشخاص اليوم ببركة وسائل التواصل هذه ومثيلاتها في البيوت ويستفيدون ويجنون الأرباح، يجب أن يُهتمّ بهؤلاء أيضًا من ناحية الضمان الاجتماعي ومن ناحية مختلف الأمور.

لأتحدث بكلمة أيضًا بشأن السياسات المُغرضة التي تُنتهج اليوم ضدّ الشعوب في العالم، ويُعمَد إلى إيداع القضايا المرتبطة بفلسطين غياهب النسيان. يجب ألّا تسمح الشعوب المسلمة بهذا الأمر، يجب ألّا يسمحوا بذلك! يحاولون، عبر بثّ مختلف أنواع الشائعات وإطلاق مختلف التصريحات وطرح قضايا جديدة وأنواع اللغو والكلام الفارغ، حرفَ الأذهان عن قضيّة فلسطين. يجب ألّا تنحرف الأذهان عن قضيّة فلسطين. إنّ الجريمة التي يرتكبها الكيان الصهيوني في غزّة وفلسطين ليست بالأمر الذي يمكن غضّ الطرف عنه. يجب أن يتصدّى لها العالم كلّه، وأن يتصدّوا للكيان الصهيوني نفسه، وأن يقفوا في وجه الداعمين لهذا الكيان أيضًا؛[9] نعم! تشخيصكم تشخيصٌ مصيب. الأمريكيّون يقدّمون الدعم [له] بالمعنى الحقيقي للكلمة. طبعًا، تُطلق بعض التصريحات في عالم السياسة، وتُذكر بعض الأمور التي قد تجعل خلاف ذلك يتبادر إلى الأذهان، ولكن هذه ليست حقيقة الأمر. الحقيقة هي أن شعب فلسطين المظلوم وأهالي غزّة المظلومين لا يواجهون الكيان الصهيوني فحسب، بل يواجهون أمريكا ويواجهون بريطانيا؛ هم الذين يُعزّزون قوّة هذا المجرم على هذا النحو، وإلا فإنّ مسؤوليتهم كانت تحتّم أن يقفوا في وجهه ويمنعوه. أنتم قدّمتم لهم الأسلحة والإمكانات، وكلّما واجهوا مأزقًا، يستفيدون منكم وتوفّرون لهم المساعدة. الآن حيث ترونهم يرتكبون الجرائم وهذا القتل وهذه المجازر وهذا الإجرام كلها، يجب أن يقف الجميع في وجههم. مسؤوليّة أمريكا هي أن تمنع هذه الجريمة، وهي لا تكتفي بتجنّب فعل هذا الأمر، بل تساعد أيضًا. لذلك، على العالم أن يقف في وجه الكيان الصهيوني وفي وجه داعميه – منهم أمريكا – بالمعنى الحقيقي للكلمة. يجب ألا تؤدي إلى نسيان قضيّة فلسطين بعض الشعارات والتصريحات والأحداث العابرة.

طبعًا، اعتقادي هو أنّ فلسطين ستنتصر على المحتلّين الصهاينة بتوفيق من الله وعزّته وجلاله. هذا الأمر سيحدث.

للباطل جولة، يبرز فيها أيامًا معدودات، ولكنه زاهق لا محالة، سيزول قطعًا، لا شك في ذلك. هذه الأمور الظاهريّة التي ترونها، إذ يحققون بعض الإنجازات وأنواع التقدّم في سوريا وأماكن أخرى؛ هذه ليست دليلًا على القوّة، بل إنها علامة على الضعف، وستؤول إلى مزيد من الوهن، إن شاء الله. نأمل أن يشهد الشعب الإيراني والشعوب المؤمنة هذا اليوم بأعينهم، يوم انتصار فلسطين على المعتدين والغاصبين لفلسطين، إن شاء الله.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 


[1] في مستهلّ هذا اللقاء، ألقى الدكتور أحمد ميدري (وزير العمل والرفاه الاجتماعي) كلمة تطرّق فيها إلى بعض المواضيع.

[2] كلمة الإمام الخامنئي في لقاء مع رئيس الجمهوريّة وأعضاء الحكومة (29/8/2018).

[3]  مثال على ذلك، كلمة سماحته في لقاء مع العمّال (9/5/2022).

[4]  السياسات العامة للخطة السادسة للتنمية.

[5]  كلمة الإمام الخامنئي في اتصال متلفز مع مؤسسات إنتاجيّة (6/5/2020).

[6] إشارة إلى تصريحات يوزي رابين (الرئيس السابق لمنظمة الدفاع الصاروخي في الكيان الصهيوني) في عام 2015، إذ قال إنّني أرفع قبّعتي احترامًا للمهندسين الذين أنتجوا هذه الصواريخ.

[7] مسائل عليّ بن جعفر ومستدركاتها، ص. 93.

[8] وزير العمل والشؤون الاجتماعيّة.

[9] هتاف الحضور: الموت لأمريكا.