بِسْمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم،

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّدٍ وآله الطاهرين، [ولا] سيما بقيّة الله في الأرضين.

يعدّ هذا التكريم من الأعمال المحمودة جدًّا للحوزة العلميّة في قم، وكان حقًّا أمرًا نفتقده.[1] لقد ملأ المرحوم سماحة النائيني يومًا ما أجواء النجف بكلامه وفكره، ثمّ أُهمل تمامًا تقريبًا من مجال العمل والفكر والاشتهار العلمي، ولم يُسلَّط الضوء عليه كثيرًا. لكن في قم، نعم، إذْ كنا قد رأينا أنّ الأفاضل هناك كانوا يُجلّونه، كما إنّ تلامذته في النجف كانوا من المراجع، ولكن شخص سماحة النائيني (رضوان الله عليه) مع تلك الميّزات كلها التي يملكها، لم يُسلَّط الضوء عليه كثيرًا. أنتم الآن إذْ تسلّطون الضوء عليه، ستتّضح أبعاده العلميّة والعمليّة والسياسيّة، إن شاء الله.

يُعَدّ المرحوم سماحة النائيني بلا شكّ أحدَ أساطين حوزة النجف العريقة. طبعًا، حوزةُ النجف التي يمتدّ عمرها إلى ألف عام مرّت بمراحل من الصعود والهبوط؛ فقد تواجدت فيها في بعض الأزمنة شخصيات بارزة، كما شحّ ذلك في أزمنة أخرى، إذْ لم تكن في النجف شخصيّات بارزة مقارنة بالحلّة وبعض الأماكن الأخرى. لكن قبل نحو مئتي عام وإلى اليوم، أي منذ زمن تلامذة المرحوم السيد باقر البهبهاني، مثل المرحوم بحر العلوم والمرحوم كاشف الغطاء الذين كانوا في النجف – إذ إنّ المرحوم البهبهاني نفسه كان مقيمًا في كربلاء، ولكنّ تلامذته الكبار والمشهورين كانوا في النجف وكان مقرّهم هناك –، كانت حوزة النجف تشهد حياةً ونشاطًا علميّين أكبر، وخرّجت عددًا من الشخصيّات البارزة المنقطعة النظير أو التي قلّ نظيرها في تاريخ علم الفقه والأصول، أمثال الشيخ الأنصاري، وأمثال المرحوم صاحب «الجواهر»،[2] أو المرحوم الآخوند[3] (رضوان الله تعالى عليه)، وغيرهم من كبار العلماء من هذا القبيل؛ وهذا [العالم] الجليل، المرحوم سماحة النائيني، هو واحدة من تلك الشخصيّات، أي إنه من الشخصيّات المميّزة والبارزة في تلك السنين.

الميزة المهمة لسماحته في بُعده التخصّصي، أي في علم الفقه ولا سيّما الأصول، هي «الهيكلَة»؛ فقد عرض سماحته الأسس الأصوليّة بهيكلية جديدة وبفكرٍ جديد ونظم جديد، مع بناء مقدمات لكلّ موضوع يطرحه. نادرًا ما شوهد هذا الأسلوب في كتب الفقهاء والأصوليّين السابقين له. أي، أنا لا أذكر أحدًا تناول المسائل على هذا النحو من الترتيب والتنظيم؛ فحين يدخل أيّ مسألة، يسير بها بمقدّمات ترتيب ونظم، ويكملها، أي على نحوٍ متقنٍ تمامًا. ربّما كان السبب في إقبال الطلّاب والفضلاء على درسه، الذي كان يُعدّ درسًا من الدرجة الأولى في النجف بعد زمن المرحوم الآخوند، هو ذلك التنظيم الفكري والعلمي الذي امتاز به، إلى جانب بيانه البليغ. مع أنّه كان يدرّس علم الأصول - على سبيل المثال - في النجف باللغة الفارسية، في بيئةٍ تُلقى فيها الدروس عادةً بالعربية، ولكنّ عددًا كبيرًا من الطلّاب العرب [كانوا يحضرون درسه]. طبعًا، أنا شخصيًّا لم أوفَّق في مشاهدة ذلك، ولكنّي سمعت أنّ المرحوم الشيخ حسين الحلّي (رضوان الله عليه)، وهو عربيّ محض، كان يدرّس الأصول باللغة الفارسية، لأنّه سمعه عن أستاذه بالفارسية! أي إنه كان يملك مثل هذا البيان البديع والفكر النيّر.

للحق والإنصاف، إنّ ابتكارات سماحته في الأسس الأصوليّة مذهلة وكثيرة جدًّا. الابتكارات التي قدّمها في مباحث الأصول المتنوّعة كثيرة جدًا من الناحية الكميّة؛ سواء في تبيينه وشرحه لأقوال المرحوم الشيخ الأنصاري، أو في المسائل التي طرحها سماحته في مسائل أصوليّة مختلفة، وهي كلّها جديرة بالبحث العلمي. هذه نقطة.

في رأيي، إنّ من الميزات المهمّة للمرحوم سماحة النائيني هي تربيةُ التلامذة. قلّما رأيت نظير ذلك. طبعًا من بين المشهورين في هذا العصر المتأخّر، كان المرحوم الآخوند الخراساني لديه عدد كبير من التلامذة، وكان من بينهم تلامذة بارزون جدًّا - لا من حيث عدد التلامذة بل من حيث البارزين من التلامذة - والمرحوم سماحة النائيني كان كذلك؛ فقد كان لديه العديد من التلامذة البارزين. أي إنّ تربية التلميذ البارز أمرٌ مهم. مثلًا، في تلك الأعوام التي تتبادر إلى ذهني، أي عام 1377 [هجري] قمري تقريبًا، يبدو لي تقريبًا أنّ المراجع الموجودين في النجف في ذلك اليوم جميعهم كانوا من تلامذة سماحته؛ من السيّد الخوئي،[4] والمرحوم السيّد الحكيم،[5] والمرحوم السيّد عبد الهادي،[6] وغيرهم ممّن كانوا آنذاك، [مثل] المرحوم الميرزا باقر الزنجاني، أو الشيخ حسين الحلّي، والمرحوم الميرزا حسن البجنوردي، وسواهم من هؤلاء العلماء الكبار والبارزين، كلّهم كانوا من تلامذة سماحة النائيني. طبعًا، في الانتساب العلميّ لبعضهم تُذكر أسماء بعض الأجلّاء الآخرين، مثل المرحوم السيّد الحكيم الذي كان يُعَدّ من التلامذة البارزين، آغا ضياء[7] كذلك، ولكنّ معظم هؤلاء الكبار والمراجع والشخصيّات كانوا من تلامذة المرحوم سماحة النائيني. إنّ تربية التلامذة وكثرة البارزين منهم تُعدّان من ميزاته البارزة. هذا ما أردنا قوله في ما يتعلّق بالشؤون العلميّة لسماحته.

كما لسماحته نقطة استثنائية في شخصيّته لا يمتلكها أيّ من مراجعنا المتأخّرين - والسابقين، فلا أذكر أحدًا منهم كان كذلك – وهذه النقطة ليست متوافرة لديهم، وهي القضيّة السياسيّة، أو ما يُسمّى بالفكر السياسيّ. يختلف الفكر السياسيّ عن الميل السياسيّ؛ فبعضهم كان لديه ميلٌ سياسيّ. المرحوم الآخوند، والمرحوم الشيخ عبد الله المازندراني، وغيرهما، كانوا ذوي ميولٍ سياسيّة. في ذلك الوقت، كانت الميول السياسيّة حاضرة حتّى بين طلّاب العلوم الحوزويّة. كان السبب في ذلك أنّ الصحف المصرية والشامية ونحوها كانت تصل إلى النجف وتتوافر في المكتبات، وكانت تلك الصحف متأثّرة بالسيد جمال الدين [الأفغاني] ومحمد عبده وأمثالهما، وكانت تطرح أفكارًا جديدة. يروي المرحوم آغا نجفي القوجاني في مذكّراته أنّ عددًا كبيرًا من طلبة العلوم الحوزويّة هناك كانوا ذوي ميول سياسية، وكذلك بعض العلماء كانت لهم ميول سياسية. لكن الميل السياسي أو الاهتمام بالشأن السياسي أو حتى التحدث في السياسة، شيء، والفكر السياسي شيء آخر تمامًا. لقد كان السيد النائيني صاحب فكر سياسي، يمتلك رؤية سياسية. كتاب «تنبيه الأمة» قد تعرّض حقًا للظلم. رحم الله المرحوم السيد الطالقاني الذي أعاد طبعه، وإلّا فإن الطبعة السابقة - كما يُقال - كانت طبعة رديئة ومتخلّفة جدًا. لقد أعاد سماحته طباعته وأضاف إليه الحواشي وأقدم على أعمالٍ أخرى من هذا القبيل. مع ذلك، فإن هذا الكتاب لا يزال مهجورًا إلى اليوم، رغم أنه كتاب في غاية الأهمية. سأشير إشارةً قصيرة إلى بعض القضايا التي تناولها في هذا الكتاب.

أوّلًا، كان سماحته يعتقد بضرورة تأسيس حكومة إسلامية؛ وهذا بحدّ ذاته فكر قائم، وهو أنّه يجب إقامة حكومة إسلامية. صحيح أنّه لم يحدّد شكل هذه الحكومة، ولكنّه صرّح في كتابه «تنبيه الأمة» بوجوب إقامة الحكومة الإسلامية. هذه مسألة في غاية الأهميّة.

ثانيًا، إنّ المحور الأساسي في هذه الحكومة الإسلامية هو مسألة «الولاية». هو يعبّر عنها بـ «الحكومة الولائية» في مقابل «الملكية الاستبدادية». يبدو أنّه استخدم هذا التعبير ليقابل به «الحكومة الاستبدادية» أو «الملكية الاستبدادية» بـ«الحكومة الولائية»؛ «الحكومة الإسلاميّة الولائيّة». أي إنّ شكل الحكومة ومضمونها وجوهرها يرتكز على أساس «الولاية»، وهذه بحدّ ذاتها مسألة بالغة الأهمية وتستحق كثيرًا من البحث، وقد صرّح بها سماحته بوضوح. هذه هي النقطة التالية.

النقطة التالية شديدة الأهميّة، هي مسألة «الرقابة الوطنية». هو يرى أنّ الحكومة يجب أن تكون خاضعة للرقابة، وأنّ المسؤولين جميعهم يتحمّلون المسؤولية ويجب أن يخضعوا للرّقابة. حسنًا، من الذي يتولّى إخضاع هؤلاء للرقابة؟ بحسب تعبيره، هو «مجلس المبعوثين» الذي يتولّى التشريع، وبطبيعة الحال، يتطابق «مجلس المبعوثين» على سبيل المثال مع مجلس الشورى أو شيء من هذا القبيل. من الذي يُشكّل مجلس المبعوثين؟ الشعب هو من يُشكّله، أي إنّ الناس ينطلقون ويشاركون في الانتخابات، فيُنتخب مجلس المبعوثين، ثم يشرّع هذا المجلس. لكنّ هذا التشريع لا تكون له شرعية ما لم يُصادق عليه علماء الدين البارزون، أي ما يعادل «مجلس صيانة الدستور». يعبّر سماحته عن ذلك على هذا النحو، ويصرّح أنّ قانون مجلس المبعوثين لا يكون نافذًا إلّا إذا أقرّه علماء الدين وفقهاء الإسلام.

حسنًا، يجب أن ينتخب الناس مجلس المبعوثين هذا. هو يقول إنّ انتخابات الشعب واجبة من باب «مقدّمة الواجب»، وقد استخدم هذا التعبير نفسه، وعدّها مقدّمةً للواجب، وبالتالي إنّ هذه الانتخابات واجبة على سبيل المثال. كما يستند سماحته في ذلك إلى مفاهيم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمحاسبة والمسؤولية التامة، ويؤكّد هذه الأمور.

أي إنكم تلاحظون أنّه يرسم ويقدّم، بوصفه فكرًا سياسيًا، نظام حكم يرتكز أولًا على السلطة والحكومة، وثانيًا على أنّه منبثق من الشعب، أي إنّ الناس هم الذين ينتخبون، وثالثًا على أنّه منسجم مع المفاهيم الدينية والأحكام الإلهية والشرعية، أي إنّ وجوده من دونها لا معنى له، بمعنى أنّه حكومة إسلاميّة وشعبيّة. لو أردنا أن نعبّر عن هذه الحكومة الإسلاميّة والشعبيّة اليوم بعبارة معاصرة، لقلنا إنّها «الجمهورية الإسلامية»، فـ«الجمهورية» تعني أنّها شعبية، و«الإسلامية» تعني أنّها إسلاميّة. طبعًا هو نفسه لا يستخدم مثل هذه التعابير ولا يصرّح بها على هذا النحو، ولكنّ خلاصة كلامه هي الآتية: تُؤسّس حكومة من مجموعة من المتدينين والصالحين والمؤمنين، عبر انتخابٍ شعبي، وبرقابة شعبيّة شديدة؛ والمسؤولون في كلّ مجال يُعيَّنون وهم مُلزَمون بالإجابة عن الأسئلة ومحاسَبون، وأعضاء مجلس المبعوثين أيضًا ينبغي أن يسنّوا القوانين، وهذه القوانين لا تكون نافذة ما لم يرعَها علماء الدين. هذه هي آراؤه، وهي مسألة بالغة الأهمية.

نحن نقرأ تقريرات السيّد النائيني بهذه العظمة، ونستفيد منها، ونستلهم منها الدّروس، ونُدَرّسها، ولكنّنا لا نولي هذه الأسس الفقهية ما تستحقّه من اهتمام. ثمّ إنّ الملفت أنّه لا يتكلّم بكلامٍ إنشائي أو خطابي، بل يطرح بحثًا فقهيًا؛ أي ما ذكرناه كلّه، عرضه وأثبته استنادًا إلى مبانٍ فقهية، يتحدّث بوصفه فقيهًا، ويعالج هذه القضايا على هذا النحو ويثبتها، بالاهتمام والدقّة والملاحظات نفسها التي يراعيها الفقيه، حيث ينبغي له أن يلحظ الدلالات النصّية والمصادر الدينية من جهة، والاعتبارات العرفية من جهة أخرى. هو في هذا الموضوع يسير تمامًا على النهج الذي يسير عليه الفقه المتعارف والمتداول. في رأيي، يُعَدّ هذا من الاستثناءات النادرة، فنحن لا نجد في علمائنا من هو على هذه الشاكلة. حتى المرحوم الآخوند الذي كتب تقريظًا على هذا الكتاب، يؤيّده بصورة كاملة. الآخوند ليس رجلًا عاديًا، وهو يؤيّد هذا الكتاب تمامًا، وأظنّه قد قرأ الكتاب واستفاد منه فعلًا، أي إنّه استفاد من هذا الكتاب. إنّ كتاب «تنبيه الأمة» في رأينا من الكتب البالغة الأهمية. حسنًا، هذه كانت بعض ميزاته الشخصية.

طبعًا، تقع التبعة على عاتق أولئك الذين تسببوا في جمع هذا الكتاب وسحبه من التداول. يبدو أن هذا ما حدث فعلاً؛ فبعيدًا من الشائعات، قد سمعنا ممن كانوا في النجف ومن رفاق والدنا[8] المرحوم، الذين كانوا نجفيين ويترددون علينا وعلى اطلاع بالأمر، أنه كان يجمع هذا الكتاب بجهدٍ جهيد، فكان يشتريه من كل من يملكه حتى لا يبقى له أثر. ما هو السبب يا ترى؟ من السذاجة بمكان أن يتصور أحدهم أن فقيهاً بهذه المكانة الفقهية، وبهذه القوة في الاستدلال، يؤلف كتاباً، ثم يتراجع عن رأيه إلى درجة سحب الكتاب من التداول! هذا أمرٌ لا معنى له إطلاقًا. الفقهاء قد تتغير آراؤهم الفقهية وتتبدل، [ولكن] أن يجمعوا كتابهم ويسحبوه من التداول، فهذا له سبب آخر. السبب هو أن تلك «المشروطة» (الثورة الدستورية)، التي انعكست أصداؤها في النجف، والتي بذل المرحوم الآخوند [الخراساني] ماء وجهه كله في سبيلها - وكذلك المرحوم الشيخ عبد الله المازندراني وآخرون - كانت شيئاً مختلفاً عما حدث في الواقع. في الأساس، لم يكن اسم «المشروطة» مطروحاً حتى، ما كانوا يسعون إليه هو حكومة العدالة ورفع الاستبداد ومواجهة الاستبداد ومكافحته. مصطلح «المشروطة» وأمثاله جاء به الإنجليز، هم الذين جلبوا الاسم، وهم الذين رسموا معالم هذا المسار. طبعاً، من الواضح إلى أين سيؤدي عملٌ يتولاه الإنجليز؛ سيفضي إلى خلافات ونزاعات شتى، ثم يصل إلى مآل يُشنق فيه شخص مثل الشيخ فضل الله [نوري]، ويُغتال فيه شخص مثل المرحوم السيد عبد الله البهبهاني، ويُقضى على أمثال ستار خان وباقر خان بتلك الطريقة - ستار خان بطريقة، وباقر خان بطريقة أخرى. عندما تصل أصداء هذه الأحداث إلى النجف، حينها يندم أولئك (الفقهاء) على دعمهم لهذه الواقعة. في رأيي، إن المرحوم النائيني وجد نفسه في هذا الموقف؛ لقد رأى أنه بكتابه العلمي الفقهي الاستدلالي قد أسهم في دعم شيء لا يرتضيه، بل شيء عليه أن يكافحه؛ وذلك الشيء هو «المشروطة» نفسها التي أوجدها الإنجليز في إيران، والمجلس الذي شكلوه، والأحداث التي تلت ذلك، مثل استشهاد المرحوم الشيخ فضل الله نوري وأمثال هذه الوقائع.

في رأيي، إنّه فقيهٌ استثنائي وعالمٌ جليل. إنه يتبوأ منزلةً علميةً رفيعةً جدًّا. أما على الصعيد العملي، فقد أُشير، كما ذكروا، إلى ما يُصطلح عليه بـ «المسائل المعرفية» لديه، وحالات زهده وورعه، وما يُروى عنه في هذا الباب. بلغني - أو هكذا نُقل - أنه كانت له صلةٌ أيضاً بالمرحوم الآخوند الملّا حسين قلي [الهمداني]؛ فكان كلما قدم إلى النجف من سامراء، يزوره. كما كانت له صلةٌ بالمرحوم الملّا فتح علي الذي كان في سامراء نفسها، وهي صلةٌ من نوعٍ آخر. على أي حال، لقد كان على ارتباطٍ بمثل هؤلاء الأعاظم. حين كان في أصفهان، كان على صلةٍ بالمرحوم جهانكير خان وأمثاله، وكما يُروى، يبدو أنه درسَ عنده أيضاً؛ ما يعني أنه كان له باعٌ في الفلسفة ونحوها، وكان من أهل المعنى. قبل أيام، سمعتُ من بعض السادة، نقلاً عن بعض الأكابر، أنّ له صلاةَ ليلٍ استثنائية، إذ يروي صهره المرحوم الآغا النجفي، الذي كان في همدان - بحكم قربه ومعايشته له في الأسرة ورؤيته لهذه الأحوال - عن صلاة ليل الميرزا النائيني، فيصفُ ما كان يعتريه فيها من حالٍ، وما كان له من تضرّعٍ ومناجاةٍ وحالٍ عجيبة! هذه الجوانب كانت موجودة أيضاً، ومن المعلوم أن هذه الأمور هي التي تُعين المرء على الاهتداء إلى الصراط القويم، والسير فيه، وبلوغ الغايات.

نأمل إن شاء الله أن هذا الملتقى القيّم جدًّا الذي تعقدونه، سواء في قم أم في النجف أم في مشهد، [يُكلل بالتوفيق]. لقد أحسنتم صنعاً بالعمل في مشهد أيضاً. المرحوم السيد الميلاني، والحق يقال، قد أحيا ذِكرَ السيد النائيني في مشهد. إذْ كان الرائج في مشهد آنذاك، بحكم وجود المرحوم الآغازاده - نجل المرحوم الآخوند -، هو أفكار الآخوند [الخراساني]. لكن بعد قدوم المرحوم الميرزا مهدي الأصفهاني إلى مشهد - هو من تلامذة الميرزا [النائيني] البارزين -، فإنه كسرَ ذلك الجوّ الذي كانت تهيمن عليه أفكار الآخوند، بطرحه لآراء السيد النائيني؛ فجاء بآراء مبتكرة وأفكار جديدة واستدلالات حديثة. كان والدنا المرحوم، الذي حضر لسنوات طويلة درسي كليهما - درس السيد الآغازاده ودرس المرحوم الميرزا مهدي -، يقول: إنّ قدوم الميرزا مهدي إلى مشهد قد غيّر المناخ الأصولي فيها تغييرًا جذريًّا، بعد أن كانت آراء [المرحوم الآخوند] هي السائدة. لكن بعد رحيل المرحوم الميرزا مهدي، لم يعد لاسم السيد النائيني ذِكرٌ يُعتد به. كان السيد الميلاني ينقل آراء المرحوم السيد النائيني، ويطرحها للنقاش، فربما انتقدها أحيانًا، ولكنه كان يؤيدها غالبًا. على كل حال، أحسنتم صنعاً بتخصيص فرعٍ للملتقى في مشهد، أما النجف، فأمرها واضح. نأمل إن شاء الله أن يوفقكم الله المتعالي ويسدد خطاكم.

والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 


[1] في بداية هذا اللقاء، قدّم حجّة الإسلام والمسلمين علي رضا أعرافي (مدير الحوزات العلميّة في البلاد) تقريرًا.

[2] آية الله الشيخ محمّد حسن النجفي (مؤلّف كتاب «جواهر الكلام»).

[3] آية الله الملا محمّد كاظم الخراساني (المعروف بـ«الآخوند الخراساني»).

[4] آية الله السيد أبو القاسم الخوئي.

[5] آية الله السيد محسن الحكيم.

[6] آية الله السيد عبد الهادي الشيرازي.

[7] آية الله الشيخ ضياء الدين العراقي.

[8] آية الله السيد جواد الحسيني الخامنئي.