بسم الله الرحمن الرحيم
أرحب بالشباب و أبنائي الأعزاء الذين التحقوا اليوم رسمياً بمنظومة جنود الوطن و المدافعين عن قيم النظام الإسلامي، و أنظر لكم واحداً واحداً أيها الأعزاء باعتباركم الأبناء البررة لهذا التراب و الماء و من يستطيعون ممارسة أدوار مميزة لهذا البلد.
النـزعة العسكرية في جميع جيوش العالم تعني القوة و السلطة القاهرة، لكن ذلك يعود لتعريف السلطة و الهدف منها، حيث يختلف باختلاف ذلك المحتوى الإيجابي أو السلبي لمعنى النـزعة العسكرية.
منذ عهود التاريخ القديمة المختلفة و إلى يومنا هذا كان التعريف و الهدف الذي أطلقه أمثال جنكيز خان، و نيرون، و صدام، و بوش - السفاحين المحترفين - للسلطة تعريفاً خاطئاً لاإنسانياً و هدفاً غير معقول و غير مستساغ. تعريفهم للسلطة هو التسلّط على البشر و هدفهم منها هو عدم الاكتراث لأرواح البشر و سمعتهم و قيمتهم، و السيطرة و التسلّط أكثر فأكثر على أرواح الناس و أموالهم. و هذا يختلف اختلافاً أساسياً شاملاً عن هدف السلطة و أساليبها في الإسلام. السلطة في الثقافة الإسلامية تعني خدمة الإنسانية و البشر و خدمة القيم الإنسانية من موقف القوة لا من موقف الضعف. و بنفس الدرجة تختلف الأساليب العسكرية و الاقتدار من وجهة نظر الإسلام اختلافاً كلياً عنها في الثقافة الجاهلية و نزعة الاقتدار لدى جبابرة الماضي و الحاضر.
الرسول و أبو جهل كلاهما كان يحارب و يضرب بالسيف، و كلاهما كان يُعِدّ القوى العسكرية، بيد أن ماهية هاتين الجبهتين و هذين الصفين و هذين المقاتلين مختلفة عن بعضهما تمام الاختلاف. هذا الهدف يختلف عن ذاك الهدف من الأرض إلى السماء. و بنفس الدرجة ستختلف تربية الذين يخدمون في القوات المسلحة. الجيش و القوات المسلحة التي تعمل لخدمة هيمنة الشركات و الجبابرة و الأثرياء العالميين المتسلطين على البشر و البلدان و المصادر المالية و البشرية، يُعتبرون أفضل كلما كانوا أقسى و أعمى. أما الجيش الذي يعمل لخدمة الأهداف الطاهرة السامية و يريد عرض قدراته بالأدوات الشعبية و الاعتماد على القيم، يعتبر أفضل كلما كان أوعى و أكثر التصاقاً بالشعب.
نظام الجمهورية الإسلامية لا يعتبر القوات المسلحة للدفاع عن شخص معين أو طبقة محددة، و لا يراها وسيلة للتعنت و الهيمنة و التسلّط على مصادر الآخرين. الغاية من القوات المسلحة في النظام الإسلامي هو إحياء الإنسانية و القيم الإنسانية و المُثُل الإلهية، و الجهاد في سبيل الله. حينما يدخل الرجل المؤمن الشجاع الساحة بهدف الجهاد في سبيل الله فإنه يعد الموت في هذه الساحة فخراً له. و هذا هو أساس القيمة السامقة للشهادة في الإسلام. و عندئذ يكون الشهيد نجماً متألقاً دوماً في سماء حياة و تاريخ ذلك الشعب. الذي يقاتل خدمةً للعتاة و الأثرياء يكون الموت بالنسبة له هاوية مظلمة موحشة مرعبة يجب أن يهرب منها. الموت و السقوط في تلك الحفيرة المهولة ليس فيه أي شوق أو فخر بالنسبة له. لذلك حيثما يندلع الصراع بين القوى المقاتلة الهادفة المبدئية و بين القوى التي تقاتل من أجل الشركات و الأثرياء و العتاة و المال سيكون النصر من نصيب المجاهدين الذين يعدون الاستشهاد و الموت في سبيل الله فخراً لهم.
أيها الشباب الأعزاء، فترة الدفاع التي استمرت ثمانية أعوام درس دائم ليس لنا و حسب، بل لكل الشباب الغيور في كافة أرجاء العالم. استطاع الجيش، و الحرس، و التعبئة، و سائر القوى المقاتلة خلال هذه الأعوام الثمانية الوقوف بوجه جيش يجري تجهيزه و تعزيزه من كل أنحاء العالم، و فرض الهزيمة عليه و توجيه ضربات قاسمة متكررة له. و الحال أن قواتنا في تلك الأيام كانت تعاني نقصاً شديداً في السلاح و المعدات و الإمكانات المادية. هذه معجزة الإيمان و الوعي.
أعزائي، ثمة فوارق جذرية بينكم و بين جيوش مثل جيش صدام و جيش بوش. اعرفوا قدر أنفسكم. لقد اخترتم السلك العسكري في سبيل المبادئ العليا. كل التحركات و المساعي في هذا السبيل ستكون بالنسبة لذوي الضمائر الحية أموراً مثيرة و جميلة. أولئك يخدمون أقطاب المال العالميين و العتاة المتغطرسين و طلاب الهيمنة و المتماشين مع وسائل الإعلام المزوِّرة، و لا يقاتلون في سبيل أية مبادئ. لاحظتم كيف ذاب جيش صدام بكل معداته مثل الثلج، و لم يستطع الدفاع لا عن وطنه و شعبه ، و لا حتى عن نفسه. الأفراد الخاوون من المبادئ هم في الحقيقة لا شيء رغم توفرهم على المعدات و الأسلحة. و كذا الحال بالنسبة لجيش بوش. أولئك أيضاً حين يقفون أمام جبل إيمان الشعب المؤمن و صلابته و عزيمته و إرادته ستكون حالهم كتلك الحال.
إننا نؤمن بالانضباط الحديدي، و النظام المنطقي، و العمل العلمي، و التدريبات العصرية، و التوفر على الأسلحة لقواتنا المسلحة ضمن حدود المتاح. لكننا نرى قيمة كل هذا حينما يكون إلى جانب التقوى، و التوكل، و حب المبادئ و الشعب. نموذجنا هو » مالك الاشتر «.. أرقى القادة الكبار في حروب الإمام علي الحافلة و أشجع رجال العرب. أهانه شاب من شباب المدينة لم يكن يعرفه و بصق عليه، فلم يقطّب هذا القائد رفيع المستوى في وجهه، بل سار إلى المسجد و صلّى من أجله و استغفر له عسى أن يتجاوز الله عن جهله! و بعد أن أعلموا الشاب بأن الرجل هو مالك الأشتر، جاءه ليعتذر منه، فقال له مالك لا حاجة للاعتذار، لقد جئت هنا لأستغفر لك الله تعالى. تلك الصلابة، و الشجاعة، و الهيبة في ساحة الحرب ترافقها عظمة المعنوية و الروح.
أيها الشباب الأعزة، آخر النتائج التي تمخضت عنها الديمقراطية الغربية هي فتوح البلدان و الهيمنة التي يشاهدها سكان العالم أمامهم. إنكم ترون العنجهية و قانون الغابة. دمروا الشعبين المسلمين في أفغانستان و العراق و أذاقوهما الأمرّين خلال سنة و نصف السنة. هذه هي قمة الليبرالية الديمقراطية بكل ما لها من دعاوى باطلة. و لم يأبهوا لأي من المعارضات العالمية على الإطلاق. أي إن الشعوب و الإنسانية و إرادة الناس لا تساوي أي شيء في نظرهم. و ما من مرجعية عالمية، و الذين يتفاءلون خيراً بالمنظمات العالمية إنما يخدعون أنفسهم. ترون كيف تتعامل منظمة الأمم المتحدة و المرجعيات العالمية مع هذه الفجائع!
في عالم قانون الغاب، على كل شعب أن يفكر بنفسه و يزيد من قوته. إذا كان يؤمن بعزته و شرفه، واستقلاله، و هويته الإنسانية، فعليه إيجاد قدرات دفاعية لنفسه. طبعاً الدفاع المادي و السلاح و المعدات القتالية جزء من هذه القدرات، لكن حقيقة هذه القدرات هي الروح المعنوية و الوحدة الوطنية، و التعاون و التعاطف بين الشعب و مسؤولي البلاد، و مساعي مدراء الدولة لتحسين أوضاع الجماهير، و الحفاظ على وحدة الشعب، و إلى جانب ذلك استعداد أفضل و أشجع الشباب للدفاع عن البلد، و القيم، و الاستقلال، و العزة الوطنية. لقد ولجتم ساحة صالحة و اخترتم هدفاً جيداً، و سوف يتم توظيف شبابكم في أفضل اتجاه و منحى. اعرفوا قدر هذا و ابذلوا مزيداً من الجهود في البناء المادي و المعنوي، و الروحي و الجسمي، و العسكري، و التقوي. يمنّ الله تعالى بنظرات رحمته على الأمة التي تبني ذاتها و تكون صاحبة إرادة و حركة.
نحيي ذكرى شهداء هذا الطريق الأبرار.. الطريق الزاخر بالمفاخر.. و نبعث السلام لهم جميعاً و لإمامهم.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.