بسم الله الرحمن الرحيم
أرحب بجميع الإخوة و الأخوات الأعزاء، لا سيما الإخوة و الإخوات الذين تجشموا عناء السفر من مناطق بعيدة و تفضلوا بالمجيء إلى هنا. كما أبارك أيام عشرة الفجر الميمونة فجر انتصار الثورة الإسلامية، و كذلك عيد الغدير السعيد حيث لم تبق سوى بضعة أيام حتى ذلك العيد. اتمنى ببركة الإيمان و الحماس و الإخلاص الذي تحملونه أيها الشعب العزيز تجاه المقدسات الدينية و أولياء الدين العظام عليهم السلام، أن تشملكم البركات الإلهية جميعاً و كل شعب إيران، و أن تكون هذه الأعياد مباركة عليكم جميعاً و على كل شعب إيران.
من المناسب اليوم أن نذكر أهالي مدينة بم المصابين المفجوعين بمناسبة مرور أربعين يوماً على الزلزال في هذه المدينة. مع أن شعبنا العزيز أبدى تعاطفه و مواساته لأهالي بم المفجوعين على خير وجه منذ بداية هذه الفاجعة و أثبت إيمانه و مروءته و أخوته الإسلامية، بيد أن أبعاد هذا الحدث المرير ليست مما يُنسى. مسؤولو الأجهزة الحكومية المختلفة و المؤسسات الثورية الذين بذلوا جهوداً كبيرة جداً لتعويض خسائر أهالي بم و مصائبهم عليهم أن يبذلوا مزيداً من الجهد، و أن يتجلى للعيان تعاطف الجماهير و مساعداتهم و مواكبتهم مع أجهزة الحكومة في هذه القضية إلى أن يطمئن شعب إيران أن هذه الخسارة الكبرى قد عوِّضت و تم تطبيب الجرح و المصائب التي نزلت بجسد الشعب الإيراني.
ما أحسن و أجدر أن يواصل الناس في كل مناطق البلاد التفكير بإخوتهم و أخواتهم في بم. يستطيع الإنسان إلغاء بعض التكاليف الزائدة من حياته. الحجاج الذين يعودون هذه الأيام بالسلامة إلى بلادهم إن شاء الله ما أحسن أن يلغوا التكاليف التي تنفق عادة عند العودة من الحج على اللقاءات و الزيارات و التشريفات و يخصصوها لأهالي بم فيساعدوا إخوتهم و أخواتهم المفجوعين.
طبعاً هذه الأمور امتحان إلهي للشعب و لأهالي المدينة. البلاء معناه الامتحان و غايته الابتلاء. وقع هذا الامتحان الصعب على أهالي بم و من ثم على جميع الشعب الإيراني. و يجب أن يخرج الجميع من هذا الابتلاء و الامتحان الإلهي مرفوعي الرأس و يعلموا أن ما يرضي الله هو أن نعيد النظر في أعمالنا و سلوكنا و نتلافى نواقصنا و ضعفنا و أخطاءنا. إذا استلهم الشعب الدروس من تجاربه و طابق طريقه على الصراط الإلهي المستقيم، فسيكون مصداقاً لـ » رضي الله عنهم و رضوا عنه «.(1)
تمر علينا هذه الأيام ذكرى الثورة الإسلامية العظيمة، و هي عيد لشعب إيران، بل لمسلمي العالم. أحرز الإسلام مفخرة الاشتباك مع هيمنة القوى الناهبة السارقة و إنقاذ شعب من الشعوب. هيمنت القوى الاستعمارية على الشعب الإيراني لعشرات السنين. الويلات التي انزلتها الدولة البريطانية المستعمرة بالشعب الإيراني طوال عشرات الأعوام لا تُنسى. صادروا الثورة الدستورية، و فرضوا على هذا الشعب دكتاتورية رضا خان السوداء، و نهبوا النفط، و أبقوا البلد متأخراً، و أهانوا الشعب و أذلوه، وسحقوا الحقوق العامة لشعب من الشعوب طوال عشرات السنين. بعد ذلك حينما آلت قوة البريطانيين للأفول على المستوى الدولي، أوصل الأمريكان أنفسهم إلى هذه المائدة و شرعوا في التطاول. دكتاتورية رضا خان السوداء التي استمرت خمساً و عشرين عاماً و الجرائم التي ارتكبها البريطانيون استمرت في إيران على أيدي الأمريكيين و ازدادت سطوتهم و نفوذهم في هذا البلد يوماً بعد يوم. كانوا ينهبون الثروات و ينسفون الثقافة الإسلامية و الوطنية، و يكرسون مكانها ثقافة عبادة الأجانب. كل شيء في هذا البلد كان خاضعاً لهيمنتهم و قبضتهم حتى أنهم لم يبقوا لهذا الشعب من رمق. و استطاع الإسلام أن يضخّ دماءً جديدة في عروق هذا الشعب. شعار الصحوة الإسلامية حرك هذا الشعب. و قيادة الإمام الجليل دلَّ الشعب على الطريق. غيّر هذا الشعب - كما قال القرآن الكريم - مصيره بإرادته و صموده و ثباته و جهاده، و أسقط النظام الاستبدادي، و طرد أمريكا من هذا البلد، و قطع هيمنة القوى الدولية عليه، و استعاد حق حريته و اختياره و التسلّط على مصيره. و كانت النتيجة أن بُعث شعب إيران حياً.
عشرة الفجر ذكرى انبعاث شعب إيران و بلدنا العزيز إلى الحياة ثانية. الناس يحتفلون في هذه الأيام و من حقهم أن يحتفلوا. و اعلموا أنتم يا أعزائي، حيثما كان في العالم مسلمون واعون يقظون فإن جيلهم الشاب، و نخبتهم الثقافية و السياسية تعتبر هذا الاحتفال احتفالهم، و يعدون هذه الصحوة لصالحهم. استيقظ العالم الإسلامي الذي كان نائماً تحت هيمنة و سيطرة القوى الاستكبارية. في بعض المناطق استطاعوا إنقاذ أنفسهم، و في بعض المناطق كانت الصحوة نفسها مقدمة للخلاص. قيمة هذه الثورة في أنها أنقذت إيران من هيمنة القوى العالمية المستكبرة. انظروا ماذا يفعل الطامعون و المحتكرون الدوليون بالشعوب في العالم. هؤلاء أنفسهم كانوا مسلطون على بلادنا، و شعبنا، و نفطنا، و ثقافتنا، و حكومتنا، و كافة مصادرنا البشرية و المالية. الثورة قطعت أيديهم و طردتهم من هذا البلد و أنهت هيمنتهم على هذا الشعب. هذه هي قيمة ثورتنا. لنعرف قدر هذه الثورة و نحافظ عليها في مسارها و دربها و نساعد على تقدمها نحو أهدافها السامية. هذه الأصول و المبادئ، و الأركان هي التي ستحسن من وضع مستقبلنا، و مصيرنا، و اقتصادنا، و ثقافتنا، و ديننا، و دنيانا، و تعالج جراح جسد إيران العزيز المظلومة.
ما يحظى بالدرجة الأولى من الأهمية هذه الأيام، و لا بد أن أذكر بعض النقاط حوله هو موضوع الانتخابات. الانتخابات مظهر مشاركة الشعب و حريته في تقرير مصيره. حينما تنتخبون رئيس الجمهورية فمعنى ذلك أنكم تمنحون جميع الأزمّة التنفيذية للبلاد ليد شخص تنتخبونه و يتولى الأمور بأصواتكم و إرادتكم. حينما تنتخبون نواب المجلس فمعنى ذلك أنكم تسلمون العملية التشريعية مضافاً إلى الإشراف على العمل التنفيذي لأيدي أشخاص عرفتموهم و انتخبتموهم. إذن، أنتم من ينتخب. هذه العملية بمعنى قدرة الجماهير في إدارة البلد و إمساك الأمة بمصير الوطن. هذا ليس بالشيء القليل أو الصغير. هذا هو كل شيء بالنسبة لنا. أقول لكم إن ما صان بلادنا و شعبنا طوال هذه الأعوام الخمسة و العشرين حيال الهجمات الوحشية للطامعين الدوليين هو أنهم كانوا يرون أن الشعب هو الذي يمتلك الحكومة، و المجلس، و المسؤولين. رصيد التواجد الشعبي هو الذي أرعب إلى اليوم و بشكل دائم الحكومات المعتدية القوية في العالم. هذا المشاركة و التواجد أشبه بالخندق بالنسبة لبلادنا. هذه حالة على جانب كبير جداً من الأهمية. لو لم تكن في بلادنا انتخابات و ديمقراطية و مشاركة جماهيرية و إرادتكم المتفجرة أيها الشعب في وسط الساحة، اعلموا أن هذه الثورة ما كانت لتستمر حتى لسنة واحدة، و لما استطاعت الصمود بوجه حتی هجوم سياسي واحد أو حظر اقتصادي واحد. أنتم كنتم الخندق الأصلي.
الانتخابات مظهر مشاركة الشعب. و المشاركة في مظاهرات الثاني و العشرين من بهمن أحد مظاهر التواجد الجماهيري. الأعداء و الأجهزة الاستكبارية تخاف من انتخاباتكم و من مظاهراتكم في الثاني و العشرين من بهمن. لذلك يوظفون كل طاقاتهم لكي يسلبوا الشعب و البلاد الانتخابات و المشاركة الجماهيرية و الأصوات الحرة و تدخل الناس في تقرير مصيرهم. منذ خمسة و عشرين عاماً و هو يبذلون هذه المساعي و يبذلونها الآن أيضاً.
تلاحظون و تسمعون اليوم أن ثمة سجالات بين الأجهزة التنفيذية و الإشرافية حول قضية الانتخابات، و قد كانت موجودة دوماً. من البديهي أن تقع اختلافات بين الجهاز المشرف و الجهاز المنفذ بشأن بعض الأمور. هذا ليس بالشيء الجديد، لكن الأعداء يبرون أنيابهم و يفرحون و يضخّمون القضية، و البعض في الداخل يقعون في شراك حيلهم.
من يسمع الإعلام العالمي - يكتبون لنا على الورق في كل يوم ما يشبه طوماراً من الإعلام العالمي فنراه و نعلم ماذا يقولون و ماذا يفعلون - سيلاحظ أن كل سعيهم ينصب على نسف انتخاباتنا القادمة التي لم يبق على إقامتها أكثر من خمسة عشر يوماً. هذه هي استراتيجيتهم العامة. يتركز كل جهدهم على عدم إقامة انتخابات في البلاد. أي أن تكون هنا حكومة ديمقراطية من دون مجلس؛ حكومة إسلامية من دون نواب للشعب. ما معنى هذه المساعي؟ معناها قطع الدعم الجماهيري عن النظام. كل همّ المحافل السياسية الأجنبية و سعيها - و أقصد من هم أعداؤنا - و أجهزتهم الإعلامية و المخابراتية اليوم يستهدف هذه القضية. استراتيجيتهم العامة هي أن يهدموا الانتخابات و لا يسمحوا بإقامتها. إنهم منـزعجون ساخطون على الانتخابات بشدة، و يدرون أنها تحول دون مؤامراتهم و خبثهم ضد البلد. لذلك يريدون عدم إقامة انتخابات. هذه هي استراتيجيتهم العامة.
حينما تلقون اليوم نظرة على الإعلام العالمي، ترون أن حيلتهم الحالية تعرض في إطار تأجيل الانتخابات! تلك كانت استراتيجيتهم و هذا هو تكتيكهم. و هم يشجعون مسؤولي البلاد و المسؤولين التنفيذيين باستمرار لإقناعهم بأنكم لا تستطيعون إقامة الانتخابات و يجب أن لا تقيموها. الإعلام الأجنبي المباشر و غير المباشر، و الإذاعي، و السياسي، و بكافة صفوفه الأخرى، ينصب على هذه الفكرة.
واجب الحكومة و الشعب في إيران هو الوقوف بوجه مؤامرة الأعداء. الانتخابات يجب أن تقام في موعدها - يوم الأول من إسفند - بدون حتى يوم واحد من التأخير. أنا آسف لأن بعض الأشخاص يكرّرون عن غفلة ذات الكلام الذي يطلقه أعداء هذا الشعب. إنهم بإعلامهم و أساليبهم السياسية و حيلهم يشجعون بعض المسؤولين التنفيذيين على الانسحاب و عدم تنفيذ المسؤولية القانونية. و هل تنفيذ الانتخابات و إقامتها حق من حقوق أحد المسؤولين حتى يقول أنا أريد هذا الحق أو لا أريده؟ إنه واجب. الواجب القانوني لأجهزة معينة في الحكومة. عليهم أن ينهضوا بهذا الواجب. إنه حق الشعب. هل بوسع أحد داخل البلاد القول: لأنني لا أستسيغ هذه الظاهرة، أو لا أرتضي هذا المنهج فلن أنفذ ما رسمه لي القانون من واجب؟ و هل يمكن فعل هذا؟ التنصّل من المسؤولية على شكل انسحاب أو استقالة أو غير ذلك هو بالنسبة لهؤلاء المسؤولين مخالفة قانونية و حرامٌ شرعي. و هل يمكن التلاعب بهذا الحق الكبير من حقوق الشعب؟!
معظم مسؤولينا، و معظم نواب مجلسنا، و أكثرية مسؤولينا التنفيذيين أناس متدينون محبّون للثورة و مستعدون لخدمة الشعب. لا يذهب البال إلى أن المجلس كذا و كذا. لا، المجلس ركن من أركان النظام. طبعاً قد تكون هناك في داخل المجلس - مثل أي مكان آخر - عناصر مندسّة متغلغلة، تقلب الحقائق، و تعقِّد الأجواء و تلبِّدها على البعض و تدخلهم في عمليات غير مناسبة و غير لائقة. غالبية النواب مستعدون لخدمة الشعب. و هذا هو واجبهم، و عليهم القيام به.. لا بد لهم من الخدمة. الخدمة هي فلسفة وجودي و أمثالي و سائر المسؤولين. نحن خدّام الشعب و شغّالوه. هذا هو مردّ اعتبارنا و سمعتنا، و هو ما قرّره لنا الإسلام. ليس لنا حق في أعناق الشعب، إنما للشعب حق في أعناقنا. بهذه الروح و بهذه النية وقفت هذه الثورة و هذا النظام خمسة و عشرين عاماً، و صمد الشعب كالجبل أمام أعدائه المتآمرين المخادعين خمساً و عشرين سنة. الذين يفقدون هذه الروح، أو يشجعون الآخرين على تركها إنما يخونون الشعب.
جميع المسؤولين - سواء في السلطة التشريعية، أو السلطة التنفيذية، أو السلطة القضائية - يجب أن يكونوا مشمّرين عن سواعدهم و متأهبين للخدمة دوماً. و علی المجلس بدوره أن ينهض بواجباته الكبری. هذا واجب شرعي، و واجب قانوني، و واجب أخلاقي و وطني. و على الحكومة أيضاً القيام بواجباتها؛ و السلطة القضائية أيضاً ينبغي أن تقوم بواجباتها. الجميع يجب أن يؤدّوا واجباتهم.
البلد يتقدم و الحمد لله بعد تلك الحرب الطويلة، و قد أنجزت أعمال كثيرة و كبيرة. آثار الآفاق الجميلة تظهر تدريجياً، و إذا بالأعداء يريدون فجأة صدَّ هذا التقدم بأساليبهم السياسية، و مؤامراتهم، و مكرهم؛ و هل سنسمح بذلك؟!
طبعاً ترتفع هذه الأيام أقوال متنوعة من ألسنة و منابر مختلفة داخل البلاد، بعضها يحزّ في النفس جداً. ينبغي البحث عن الطريق الصحيح. الواقع أن المسؤولين المخلصين يبذلون جهوداً و مساعٍ حثيثة جمة. أنني أشكركم جميعاً. مجلس صيانة الدستور أبدى جهداً كبيراً و سعى كثيراً. هم جديرون بالتقدير و الشكر حقاً. رئيس الجمهورية المحترم و رئيس المجلس المحترم بذلوا جهوداً و أتعاباً كثيرة، و أنا أشكركم أيضاً. و كل واحد من الإجهزة المسؤولة أبدى جهوداً حسنة مناسبة. طبعاً ثمة أشخاص غير قانعين و يريدون بأساليب الفظاظة و الشدة تمرير مشاريعهم. يريدون الضغط على مسؤولي البلاد. تعرّض هؤلاء السادة لضغوط كثيرة لكنهم ثبتوا. أسأل الله لهم التوفيق و أشكرهم لصمودهم و عدم استسلامهم أمام ضغوط مجاميع الضغط و الاستزادة؛ سواء رئيسا تلكم السلطتين المحترمان، أو مجلس صيانة الدستور المحترم.
طبعاً، ثمة جدال دائماً، و للجدال سبل حله دوماً. ما من عقدة لا تُحل. هذه العقد الكبيرة و الصغيرة قابلة للحل. استطاعت هذه الثورة طوال السنوات الماضية فتح الطرق المسدودة و التقدم إلى الأمام. ما من طريق مسدود أمامنا بفضل الله و حوله و قوته.
نسأل الله تعالى أن ينـزل فضله على هذا الشعب. أنتم الشعب الإيراني بإيمانكم، و إخلاصكم، و عزمكم، و إرادتكم، و تواجدكم مظهر اللطف و الفضل الإلهيين. شملكم الله برحمته و فضله على الدوام، و ساعد الله المسؤولين المخلصين المخدومين، و هدانا جميعاً، و أرضى عنا القلب المقدس لإمام الزمان المنتظر، و حشر شهداءنا الأبرار و إمامنا الجليل مع أوليائهم.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

الهوامش:
1 - سورة المائدة، الآية 119.
2 - سورة التوبة، الآية 100.
3 - سورة المجادلة، الآية 22.
4 - سورة البينة، الآية 8.