بسم الله الرحمن الرحيم
أبارك يوم التاسع عشر من بهمن لكل أسرة القوة الجوية الكبيرة في جيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
الوجه الغالب في هذه الظاهرة هو الشجاعة الاقتحامية التي أبداها أشخاص لم يكن الشعب الإيراني يتصوّر ذلك منهم. حينما يهتف شعب شعاراته بكل كيانه، و بكل قدرته، و بأعلى صوته في ساحة مبدئية معينة، و يلفت إليه أنظار العالم كله و يدهشه، على ماذا ستعتمد الجبهة التي تواجه الشعب؟ على القوات العسكرية عادةً. هذا تصور كان يعتمل في أذهان الكثير من أبناء شعبنا، لكنهم شاهدوا عكس ذلك فجأة. لاحظوا تحركاً في قلب القوات المسلحة و في القطاع الذي يعد قمة القوات المسلحة - أي القوة الجوية - جعل الثورة و الانتفاضة العامة تتقدم خطوةً واسعةً إلى الإمام. و قد كانت هذه الخطوة خطيرة طبعاً. لا يظننّ أحد أن تلك العملية كانت بلا أخطار في ذلك الحين، لا، كانت خطيرة جداً. لقد قاموا بخطوة شجاعة. و قد كنت يومذاك ممن شاهد و عاين هذه الخطوة الهائلة و لمست تأثيرها على مجمل الأجواء الثورية في البلاد. إذن، فهي خطوة خالدة سيسجلها التاريخ و قد سجلها ككل الخطوات الشجاعة النابعة عن تجلي الإرادة و العزيمة الإنسانية. هذا هو الوجه الغالب للقضية. لكنني لا أنظر لهذه الحادثة من هذه الزاوية فقط - رغم الأهمية البالغة لهذه الزاوية - إنما أركز على قضية أن القوة الجوية ثبتت على موقفها هذا. ربما لا يعلم الكثيرون أية أعمال كبيرة و أية تحركات قيمة انطلقت بعد شروع عهد النظام الإسلامي و الجمهورية الإسلامية. أنا أعلم جيداً ماذا حدث في القوة الجوية. لقد ثبتت القوة الجوية على كلمتها هذه. في المستويات العليا من هذه القوة كان ثمة أشخاص لم يرغبوا في هذا المنحى كثيراً، بيد أن شباب القوة الجوية في ذلك الحين - و الكثيرون منهم الآن يعملون في الهيئة الرئاسية لهذه القوة و من القادة الكبار فيها و الكثيرون منهم استشهدوا - عقدوا عزمهم على أن يبقوا في الطليعة و قد بقوا.
كانت عملية تنظيم القوة الجوية و تنظيم المرافق المختلفة للجيش قضية مهمة في تلك الأيام. و قد تمت هذه العملية في القوة الجوية بدقة، و مهارة، و التزام بمبادئ الثورة إلى درجة أذهلت حتى المراقبين القريبين و العارفين بالأمور. بعد اندلاع الحرب المفروضة كان لا بد من دوريات و عمليات، و تسمّرت الأنظار على ما ستفعله القوة الجوية. مارست القوة الجوية دورها و ظهرت في وسط الساحة. و مع أنها قوة دعم و إسناد لكنها كانت لفترة مهمة في بداية الحرب محور الدفاع المقدس. كنت حينها نائباً في مجلس الشورى الإسلامي، و قدمت للمجلس تقريراً عن طلعات القوة الجوية في الحرب، و قد أذهل هذا التقرير نواب المجلس! و إذا بالقوة الجوية تذهل المراقبين مرةً أخرى. يوم أحيت هذه القوة الأجهزة التي ظن البعض أنها تعطلت و عطبت و انتهت. ربما في اليوم الأول أو الثاني للحرب سلمني عدد من العسكريين الكبار رسالة تفيد وفقاً للإحصاءات أننا بعد عشرين يوماً كحد أقصى لن تكون لنا أية طائرة تحلق في سماء، البلاد، لا طائرات النقل و لا الطائرات المقاتلة. لا أزال أحتفظ بتلك الرسالة. قالوا لنا إن هذا غير ممكن إطلاقاً، لكن شبابنا - الطيارين، و التقنيين، و العاملين في المضادات الجوية، و الكل - تعاضدوا و أداروا الحرب ثمانية أعوام من دون أن نضيف شيئاً يذكر لما هو موجود في الجيش. و ذلك في مقابل الدعم العالمي المكثف لنظام صدام. كانوا يزوّدون ذلك النظام بالطائرات و أجهزة الرادار، و المضادات الجوية، و بأحدث المعدات و الأدوات. لكن القوة الجوية صمدت: » إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا «.(1) الكثيرون يؤمنون بمبدأ أو فكرة معينة و يدخلون حيّز المؤمنين بها، و لكن حين تداهمهم الصعوبات و ترتفع التكاليف يتراجعون. الله تعالى يُثني على من إذا قالوا: نعم، و دخلوا ساحة الشرف و الصدق، أصرّوا على ذلك، و قوتنا الجوية أصرت على ذلك. هذه شهادتي، و هي شهادة عن قرب. أقول هذا لتعلموا يا شباب القوة الجوية - و الكثيرون منكم لم يدركوا تلك الأيام و تلك الشخصيات، و الكثيرون منكم لم يدركوا » بابائي «، و » ستاري « و سائر الشخصيات البارزة في القوة الجوية - أية أعمال مميزة قام بها الجيل الذي سبقكم و أية خدمات جليلة قدّمها للبلاد و النظام الإسلامي. أنتم اليوم تتحملون نفس تلك الأعباء الثقيلة. اليوم الأول للثورة لا يختلف عمّا بعد خمس و عشرين سنة من حيث جسامة المسؤولية، سوى أننا كلما تقدمنا إلى الأمام أكثر كلما تعقد العمل أكثر و ازداد دقة. و هذا أمر يعنيكم.
بلدكم يتعرض للهجمات لأنه يروم في الوقت الراهن أن يكون حراً و مستقلاً و معتمداً على نفسه. ليس في إيران أية مشكلة أخرى. من ذا الذي لا يعلم اليوم أن قضية حقوق الإنسان و الحرية و الديمقراطية و غيرها من الأقوال التي تخرج من أفواه الأبواق الأجنبية، أقوال فارغة و ذرائع واهية ليس إلا؟ هذا ما يعلمه الجميع. من الذي لا يعرف اليوم دعم أمريكا و سائر المستكبرين في العالم للأنظمة الدكتاتورية مائة بالمائة؟ من ذا الذي لا يعلم أن نظاماً دكتاتورياً أسود تابعاً حكم في هذا البلد خمسين عاماً - النظام البهلوي الأول و النظام البهلوي الثاني - و كان يتمتع بدعم القوى الكبرى، بل و بعض هذه الشخصيات الحالية؟ هذا ما يعلمه الجميع. و واضح أن هذا الواقع يدل على أمور عديدة. معارضتهم للجمهورية الإسلامية لها سبب واحد فقط: أراد هذا الشعب و عقد عزمه و استطاع أن يبقى مستقلاً و لا يسلّم نفسه لأيديهم و لا يبيع نفسه لهم. هذه هي القضية اليوم.
أردنا ذلك و استطعنا بحول الله و قوته. خمسة و عشرون عاماً ليست مدة قليلة للضغوط الدولية لكن نظام الجمهورية الإسلامية ببنيته الشعبية المتينة - و لِبْنات هذا البناء هي الإيمان و الاستعداد للجهاد - استطاع لا أن يقاوم لحد الآن حيال الضغوط وحسب، بل أن يزيد من متانتهِ يوماً بعد يوم. و سيكون الوضع كذلك بعد اليوم أيضاً. لقد زدنا من قوتنا، و سوف تستمر هذه الضغوط إلى أن ييأس الأعداء. كيف ييأس الأعداء؟ ييأسون حينما يشعرون أن سياق الحركة و تقوية الذات في الجمهورية الإسلامية لا يقبل التوقف. جزء من هذه العملية الكبيرة تقع على عاتقكم، و جزء منها يقع على عاتق العلماء غير العسكريين، و جزء منها على عاتق الجامعات، و جزء على عاتق رجال السياسة. هم أيضاً يستطيعون ممارسة دورهم في صناعة القناعة التي تقلِّل الضغوط. على كل حال ثمة دور أساسي يقع على عواتقكم. يجب أن تبنوا، و تصونوا، و تزيدوا، و تبدعوا، و تعزّزوا التنظيم، و تصنعوا الكوادر الماهرة إلى جانب صناعة الأدوات و المعدات المتقنة.
قلت مراراً إن هذا البلد عاش في يوم ما ظروفاً لو تعطّلت قطعة من الطائرات المقاتلة التي لديكم اليوم لوضعوها في طائرة و أخذوها لأمريكا للتصليح ثم يعيدونها. أي إنهم لم يكونوا ليسمحوا بفتح هذه القطعة في إيران ليعلم المهندس و التقني العسكري الإيراني ماذا في داخلها! و اليوم تصنعون الطائرات بأنفسكم و تحلّقون بها. في بداية الحرب حينما كانوا يقولون: ليس لدينا القطعة الفلانية، كنا ندخل في مأتم و نبقى حائرين من أين نأتي بها. أما اليوم فتصنعون بأنفسكم هذه القطع. القوة الجوية كانت أول قطّاع في الجيش يسير على طريق الاكتفاء الذاتي. في حدود سنة الستين(2) أطلق منتسبو القوة الجوية جهاد الاكتفاء الذاتي، ثم نقلوا إلينا الخبر فأسسنا مثل هذه المنظمة في الجيش كله. إذن القوة الجوية قادرة، و أنتم أيها الشباب قادرون.
استفيدوا ما استطعتم من تجارب الرواد و السابقين، و من قوى الأبداع لدى الرجال و النساء و الشباب الأعزاء، و من القطاعات الجامعية في البلاد، و قبل كل هذا من قدراتكم الذاتية الداخلية. حافظوا على ما لديكم بدقة و قلّصوا من النواقص و نقاط الضعف، و ضاعفوا من الإمكانات المتوفرة. أنتم قادرون على هذا. اعلموا أن الرصيد الأساس لهذه العملية هو الإيمان و الثقة. الإيمان و الثقة بالله و الإيمان بالذات. الإسلام يرشدنا إلى هذا الطريق. الإيمان خير وسيلة للإنسان. الإيمان يفشي الأمل في نفس الإنسان، و يشجعه، ويحضّه على الصمود، و يصغّر الهزائم في نظره؛ يمنحه الأمل للمضي في تفجير القدرات التي أودعها الله في وجود الإنسان.
أدعو لكم جميعاً و أسأل الله تعالى لكم حسن العاقبة. جميعنا نفخر بكم أيها الأعزاء، أيها الشباب و الرجال و النساء الصالحين المؤمنين، و نشكر الله على ذلك.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

الهوامش:
1 - سورة فصلت، الآية 30.
2 - سنة 1981 م.