بسم الله الرحمن الرحيم
هذا رائع جدا بالنسبة لي أن أكون بين الطلبة الجامعيين في هذه المدينة و في جامعة الفردوسي و أستعيد ذكريات السنوات البعيدة حيث كنا نقيم في هذه المدينة اجتماعات ساخنة و مثيرة و خطيرة مع عدد من طلبة هذه الجامعة. ثمة خمسة و ثلاثين عاماً تفصل بين طلبة هذه الجامعة في الوقت الراهن و طلبتها في بداية الخمسينيات - و سأشير لذلك - لكن تيار الطلبة الجامعيين کالنهر العذب؛ مع أن الأجزاء التي تسير في هذا النهر، تختلف في كل لحظة لكن التيار واحد. إذا وقفتم أمام نهر كارون أو زاينده رود فسترونه نفس النهر الذي لاحظتموه في العام الماضي. أنا حينما أراكم أيها الطلبة الشباب الأعزاء، أتذكّر مسجد كرامت و مسجد الإمام الحسن المجتبى حيث كان لديكم هناك منذ خمسة و ثلاثين عاماً جلسات تلقى فيها دروس تفسير القرآن و شرح نهج البلاغة و مبادئ النهضة الإسلامية.
لقد كنا عرضة ً لتلقي الضربات معاً. السلطة الطاغوتية المتجبّرة لم تكن تتحمل في ذلك اليوم أن يجتمع طالب حوزوي مع الطلبة الجامعيين و يتحدثون معا حول الدين؛ خاصة أن الاوساط الطلابية آنذاك، كانت متحمسة و مكثفة. هذه التجمعات التي تلاحظونها الآن بعد انتصار الثورة، لم تتکون قبل الثورة في أي مكان و بأي شكل من الأشكال؛ لكن ذلك الحشد الكبير في مسجد الإمام الحسن أو مسجد كرامت حيثُ كنت ألقي هناك دروس التفسير إذا قورن بالاجتماعات التي كانت تعقد في تلك الأيام لم يكن له نظير في أي اجتماع طلابي في البلاد. أنتم الآن تعيدون لي تلك الذكريات.
في البداية أريد أن أتحدث حول المواضيع التي ذكرها الأعزاء الطلبة. إني اتفق معهم في كل کلمة ذکروها. و الاقتراحات و الأفكار الجديدة التي تخطر في أذهان شبابنا الجامعيين، لها قيمة كبيرة بالنسبة لنا. و قد تم تسجيل أحاديثهم و سيؤخذ بنظر الاعتبار إن شاء الله، و بمقدار ما له علاقة بواجبنا حسب ما هو دارج و ضروري سوف نتابعه نحن مباشرةً، و ما يتعلق بالأجهزة المعنية سيُوصى به. طبعاً حينما يتحدّث الأعزاء الطلبة ليس هنا فقط بل في كل الأمكنة و يصنعون الأفكار و يطرحون علينا أفكارهم الجديدة الحلوة فلا بأس بها و إن صحبها عادة بعض اللوم و الشكوى و العتاب؛ فقلوب الشباب الرقيقة لا تتصف بالقدرة و الصلابة إزاء النواقص كقلوبنا نحن الكبار؛ و سرعان ما تتأثّر قلوبهم. يقول الشاعر:
« إن قلبي يرتجف دون سبب، كأنه قلب الحبيب، و صبري معلق بشعرة كأنه في وتر ».
حديثي اليوم معكم هو حول ضرورة إعادة معرفة نموذج التنمية و التقدم. نحن نريد أن نتقدّم. فما هو نموذج هذا التقدّم؟ علينا إعادة معرفة هذا النموذج. لقد طرحت في لقائي الأخير مع الطلبة - منذ عدّة أشهر في جامعة سمنان - موضوع التحوّل. قلت بأن التحول سنة إلهية في حياة الإنسان. و يجب عدم التصدي له؛ بل يجب الترحيب به. ينبغي إدارة التحول، حتى يؤدي إلى التقدم؛ و من ثم يتقدم المجتمع نحو الأمام. بل قلت هناك أيضاً - و أكرر الآن أيضاً - على الجامعيين من الطلبة و الأساتذة و الحوزويين من الطلّاب و الأساتذة، متابعة هذا المنهج الفكري. و الآن سأقدم توضيحات أكثر حتى نتمكن من التوصل إلی نتيجة.
الإنجازات الكبيرة تنتج من التفكير. و هذا التفكير ليس عملاً يتم خلف الأبواب المغلقة أو في الفراغ. لا بدّ أن تتواصل الأفكار المختلفة حتى ينتج عنها إنجاز عملي و منطقي. إذن فحوی الكلام، في حديثي معکم اليوم هو إعادة معرفة التنمية و التقدم، و لننظر ما هو نموذج التقدم لبلادنا و مجتمعنا. ثمة اتجاهان خاطئان دائماً حول التقدم و التحول الذي يؤدي إليه. الاتجاه الأول هو خيانات ارتكبت تحت شعار التقدم و التحول؛ و ضربات أصابت شعبنا باسم الخدمة و تحت راية الإصلاح. في عهد القاجار كان العدد الكبير من أفراد السلطة القاجارية و زعمائها - الذين كانوا من الأميين و محبي الدنيا و يتعاملون مع الأوساط الغربية فی الوقت ذاته - كانوا سبب تبعية بلادنا و ثقافتنا إلى الغرب عن غير علم و كانوا يدّعون أن هذا هو التقدّم و التحوّل!
في قضية ثورة الدستور كان التيار البريطاني يرغب في الرقّي و يطلق شعار التنمية و التطوّر؛ و الّذين قاموا بتصفية زعماء النهضة الدستورية و أعدموا الشيخ فضل الله شنقاً، و اغتالوا المرحوم آية الله البهبهاني، و قتلوا ستارخان و باقرخان بصورة غير مباشرة و قاموا بنزع سلاحهما، و جعلوا زعماء نهضة الدستور الصادقين عرضة لضغوط و فرضوا على الناس باسم الثورة الدستورية أشخاصاً كانوا تابعين للغرب و سياساته الاستعمارية، و كانت شعاراتهم شعارات تقدّمية أيضاً؛ كانوا هم أيضاً يقولون: التقدم، التحول! فارتكبت خيانة كبيرة بهذا الشكل.
تولّى رضاخان السلطة تحت اسم الترقّي و الإصلاح. و قام بانقلاب و تشكيل حكومة انقلابية؛ ثمّ مارس تلك الديكتاتورية السوداء المنقطعة النظير و تمّ تنفيذ كل هذه الأمور تحت لواء التقدم و التنمية و الرقّي. و ابنه محمّد رضا الذي ورث السلطة عن أبيه ثم قام بانقلاب في شهر مرداد سنة 32 كان يدّعي حركة إصلاحية أيضاًَ و نزلت كل هذه الويلات بشعبنا. هذه هي الضربة التي وجّهوها لهذه البلاد و لهذا الشعب.
و هکذا على المستوى الدولي. استعمار الشعوب - الذي يعتبر وصمة عار في تاريخ البشرية منذ القرن أو القرنين الماضيين - تم تنفيذه تحت اسم تقدم الشعوب. الاستعمار يعني إعادة الإعمار. ذهب البريطانيون و الهولنديون و البرتغاليون و الفرنسيون إلى مناطق مختلفة من آسيا و إفريقيا و أمريكا اللاتينية و قاموا بإبادة سكانها الأصليين، و استولوا على أراضيهم و ارتكبوا السرقات و الخيانات و کانوا السبب في الآلاف من الويلات و ذلک تحت اسم إعادة الإعمار و التقدم و الاستعمار.
و في الفترة المقبلة التي ظهر فيها الاستعمار الجديد، فإن الأمور ما زالت تجري بهذا الشكل. جميع هذه الاعتداءات و الحروب و الانقلابات التي دبّرتها الأجهزة الأمنية في البلدان الغربية - سواءً في أمريكا أو بريطانيا أو غيرهما من البلدان - حدث كل ذلک تحت شعار التجديد و التقدم و التحوّل و التنمية. يمكنكم الآن ملاحظة ما يجري في أفغانستان و العراق. جاء الأمريكيون و دخلوا العراق بذريعة أنهم يريدون صنع عالم جديد للشعب العراقي و منحه الحرية و الديمقراطية و التنمية. لاحظوا أنتم ما يحدث الآن في العراق! ربما لم يتحمل الشعب العراقي المحنة التي يتعرض لها اليوم على أيدي الأمريكيين خلال الحكومات الانقلابية في العراق التي كانت آخرها حكومة صدام. يذل الشعب العراقي نساءاً و رجالاً. يضع الشاب الأمريكي حذاءه على رقبة الشاب العراقي؛ لماذا؟ لأنّه كان يعبر الشارع و صار موضع شک فطرحه أرضاً و مسح بوجهه الأرض أمام زوجته و ابنه. أو يقومون بضرب رجل أمام كبير العائلة. يقوم الرجال بالتفتيش البدني لربة البيت تحت اسم التقدم و التنمية و إنقاذ الشعب العراقي. و هكذا الأمر في أفغانستان.
إذن حدث مثل هذا الاستغلال لمصطلح التنمية على مدى التاريخ و في عهدنا في جميع أرجاء العالم و في بلادنا. من جانب آخر كان هناك و لا يزال من يعارض الإبداع و التحوّل بأشكاله المختلفة؛ بذريعة أن هذا ليس له سابقة و لا نعرفه و لا ندري و نشك فيه. فسّروا حديث شرّ الأمور محدثاتها بصورة خاطئة. إنهم يعارضون الإبداع مع أنه يعتبر من سنن التاريخ، و الطبيعة، و ليس للحياة معنى دون الإبداع لكنهم عارضوه. كان هناك هذين الاتجاهين المضادين.
لهذا علينا أن نتعرف بشكل صحيح على التحول و ما نطلبه من التحول و لنفهم ما الذي نتابعه، حتى لا يكون هناك ذلك الاستغلال و لا هذه المعارضة. و لا يعني هذا أننا نريد أن نبدأ التقدم للتو، فنريد النموذج للتقدم؛ لا، إن التقدم في بلادنا بدأ بالثورة الدستورية. تغير المجتمع المتحجر الذي كان يعيش تحت الضغوط و كانت طاقاته كامنة، دون أن يسمح لنا بأية حركة في بحر مواهبنا الوطنية العميقة بانطلاق النهضة الثورية.
و اليوم فضلاً عن أن تأسيس النظام الجمهوري الإسلامي يعد تحولاً عظيماً و مذهلاً بحد ذاته، فقدرة الشعب على تبديل حكومة وراثية عميلة إلى حكومة شعبية يعد تحولاًً و أيّما تحول و هذا بحد ذاته هو أکبر تحول و أكبر تقدم. علي أن أقول لكم أيضاً: ليس بإمكانكم مشاهدة المشهد کالذي تشاهدونه اليوم في أي نقطة من العالم و في أي بلد من بلدان العالم حيث يجلس مسؤولي بلدنا ساعات طويلة مع الطلبة وجهاً لوجه و بكل صدق، أو يسافر رئيس الجمهورية إلى المدن القريبة و النائية و يتحدّث معهم وجهاً لوجه، و يتمتع بالاستقبال الجماهيري أو يسافرون للحملات الانتخابية و يتنافسون مع منافسيهم و هم و كذلك مخاطبيهم على علم بأن هذه الأمور ليست إلا حملات انتخابية و سوف تنتهي بعد الانتخابات و لا فرق أن يكونوا فائزين أو غير فائزين. إن الشعبية في بلادنا لا تعني الانتخابات الشعبية فحسب، بل تعني أيضاً العلاقة الشعبية و أن هناك تبادل وجهات نظر و علاقة عميقة حميمة بين الجماهير و مسؤولي الحكومة و أرکانها؛ إن المسؤولين الصادقين يحبّون الناس بکل معنی الكلمة و الجماهير أيضا يبادلوهم نفس المشاعر .
و التقدم الذي حققناه بعد انتصار الثورة الإسلامية في المجالات العلمية، و الاجتماعية، و السياسية، و الدولية، و الاقتصادية، و العمرانية، مدهش جداً. شبابنا اليوم و طلبتنا الجامعيون و هم أنتم، ليس عندهم الآن وصفة عن الماضي حتى يمكنهم مقارنتها بيومنا هذا. إنكم اليوم تقومون بالمقارنة بين بلدكم و بين بلد متقدم بدأ النهضة العلمية و البحث العلمي منذ مائتي عام، فترون هذا النقص و تقولون إنه نقص. هذا صحيح، أجل؛ لكن هذه المقارنة ليست مقارنة علمية. يجب مقارنة البلد بما كان و بالبلدان المشابهة و المجاورة. تشير الإحصائيات الدولية اليوم إلى أن تقدم إيران العلمي يبلغ الدرجة الأولى أو الدرجات المتقدمة في العالم. طبعاً نحن لا نزال متأخرين بالرغم من هذه السرعة؛ لكن الأعمال التي تمّ تنفيذها تعتبر تقّدماً على كافة المجالات. أنظروا الآن إلى نماذجها في أوساطكم الجامعية. تضاعف عدد سكان إيران بعد انتصار الثورة؛ و عدد الطلبة الجامعيين وصل إلى عشرة أضعاف و ربما يكون عدد الجامعات و الفروع و الإنجازات أكثر من عشرة أضعاف. ذات يوم كان يجب علينا استجداء أبسط الوسائل من الآخرين؛ لكن الآن يمكن لبلدنا صناعة أعقد التقنيات. حالات التقدم التي حصلت في بلادنا مذهلة جداً و تحيّر العقول؛ و هذا ما يعترف به الآخرون و سوف نطرحه إذا ما سنحت الفرصة إن شاء الله.
على كل حال البحث الذي نثيره لنموذج التقدم لا يعني أننا نريد أن نبدأ التقدم؛ - ان التقدّم بدأ منذ انتصار الثورة - بل هدفنا من إثارة البحث النظري و تقديم التعريف الواضح و المنطقي لمصطلح التقدم هو أننا نريد أن يكون هنالك اعتقاد عام بين النخب بالدرجة الأولى و بين الجماهير بالدرجة الثانية حتى نعرف ما الذي نتابعه و إلي أي نقطة نريد أن نصل و لتعرف القطاعات المختلفة في الحكومة ما يجب عليها تنفيذه. هذا ما يجب أن نجده. إنني لا أريد اليوم طرح نماذج التقدم هنا، بل أريد أن أشير إلى ضرورة هذا العمل.
إن صناعة النماذج تقع على عاتقکم؛ أي إنه عمل نخبنا. عليهم أن يتابعوها في البحوث الجامعية و يرسموا في النهاية نموذج التقدم لإيران الإسلامية بما يتناسب مع هذه الجغرافيا و هذا التاريخ و هذا الشعب و هذه الإمكانيات و الطموحات و على أساس ذلك تنطلق حركة البلاد العامة إلى التقدّم في المجالات المختلفة.
ما هو السبب في إيضاح ضرورة القيام بهذا العمل؟ إنه سبب بسيط جداً؛ لأن نموذج التنمية لدى الكثير من نخبنا و مدرائنا نموذج غربي فحسب؛ أي لا بد لنا أن نتابع التقدم و التنمية وفق النماذج التي صنعها الغربيون لنا. هذا هو نظر مدرائنا و هو تصوّر خطير و خاطىء في آن واحد. إن الغربيين لديهم مهارة في الدعايات؛ أي إنهم اكتسبوا الخبرة في هذين القرنين أو الثلاث قرون الماضية و مارسوا فيها الدعايات المستمرة، و تمكنوا بواسطة دعاياتهم الناجحة إقناع أذهان الكثيرين بأن التنمية تعني الغرب و التغريب! أي بلد يريد أن يعتبر من ضمن البلدان المتقدمة فعليه أن يكون غربياً! هذه هي دعاياتهم. أي بلد يبتعد عن النماذج الغربية الموجودة فإنه ليس متقدّماً! و كلما ازدادت هذه الفاصلة كلما ازدادت فاصلته عن التنمية! هذا هو ما يريدون إقناع الجميع به و مع الأسف أقنعوا الأذهان.
طبعاً الغربيون مارسوا هذه الدعايات و جعلوا نماذجهم معياراً للتنمية لكنهم في الحقيقة لم يساعدوا على الصعيد العملي البلدان التي كانت تريد أن تكون غربيةًً بشكل صحيح، أي إنهم لم يكونوا صادقين هنا أيضاً. إنني أقول لكم: إن الغربيين لم يكونوا راغبين أبدأ أن يدخل بلد غير غربي ناديهم العلمي. هذه البلدان الآسيوية التي تقدّمت الآن
- كاليابان و الصين أو الهند إلى حد ما - لم يساعدها الغرب. فالصين كانت تتلقى دعماً كبيراً من جانب الاتحاد السوفيتي السابق في الصراعات الشديدة بين الشيوعية و الرأسمالية؛ حتى أن الروس منحوها الطاقة النووية. لم تكن الصين تتمتع بأي شيء؛ فقام الروس بدعم الصين لأنهم كانوا يريدون تأسيس كتلة آسيوية كبيرة أمام أمريكا و أوروبا و لأن الصين كانت شيوعية. و تليها الهند ايضاًً، أي إن الهند كانت متجهة إلى اليسار في التكتلات الشرقية و الغربية و لهذا ساعدها الاتحاد السوفيتي السابق أي جبهة اليسار. و كان الأمريكيون يقومون بدعم باكستان. و باكستان لم تبدع الطاقة النووية بنفسها، بل أخذتها من الصين؛ لكن أمريكا تجاهلت هذه الحقيقة في معادلات المنطقة السياسية. لم تحقق اليابان تقدمها العلمي بمساعدة أمريكا أو الغرب؛ بل كان لليابانيين تغلغلهم العلمي - ربما مصطلح السرقة ليس مصطلحاً جيداً - و تمّكنوا من اقتباس العلم رغماً عنهم؛ لكنهم كانوا شعباً مجاهداً و تقدّموا إلى الأمام و لم يساعدهم الغرب.
علينا أن نجد حلاًً لهذه العقدة، ما هي هذه العقدة؟ هي أن يتصور الواحد منا بأن تقدم البلاد لا بد أن يكون وفق النماذج الغربية. و هذه الحالة تمثل خطراً كبيراً للبلاد. تشكّلت النماذج الغربية وفقاً لظروفهم و أسسهم الفكرية و مبادئهم و مع ذلك كانت فاشلة. أنا أعتقد من الأعماق بأن النموذج الغربي للتقدم نموذج غير ناجح. صحيح أنهم وصلوا إلى القدرة و الثروة لكنهم أصابوا البشرية بالويلات. حالات التقدم الغربي هي ما يعاني منه الآن العالم و البشرية برمتها؛ فالدول المتأخرة تعاني بشکل و الدول المتطورة بشکل آخر. هذه هي التنمية التي تُحقق الثروة لعدد من الجماعات و الأسر الغنية؛ لكنها تحقق للشعوب الأخرى القيود و الذلّ و الاستعمار و الحروب و فرضت عليهم هذه الحكومة و تلك و انتشرت في هذه البلدان الأخلاق الفاسدة البعيدة عن المثل، و انتشر الاستهتار، و الفساد و الانحراف الجنسي، و التفكّك الأسري و ما شابه ذلک. لذلک، فان النموذج الغربي ليس ناجحاً. إذا تقرأون الآن الأعمال الأدبية للبلدان الغربية - الأدب الفرنسي على سبيل المثال - التي تعود إلى القرنين أو القرون الثلاثة الماضية، و تطالعون ظروف تلك البلدان في الوقت الراهن، فسوف تلاحظون أنهم شعوب تأخرت إلى حد بعيد على الصعيد الأخلاقي. فالحالة السائدة بينهم اليوم لم تكن في تلك الأيام. تقدم الحضارة الغربية طوال قرون متمادية، سبّب لهذه البلدان مشاكل كثيرة على الصعيد الأخلاقي و أدی إلی فساد أخلاقهم و لم يقدم لهم خدمة على مستوى الحياة المادية أي إن الفقر ما زال موجوداً. هناك الكثير من الأعمال و المساعي لكن الانجازات للفرد و العائلة قليلة. لهذا فالتقدم الغربي تقدم غير ناجح.
ينبغي علينا أن نبحث عن النموذج الإيراني الإسلامي للتقدم. فهذه قضية حيوية بالنسبة لنا. لماذا نقول النموذج الإسلامي؟ لأنه قائم على أسس الإسلام الفكرية و الفلسفية و مبادئه في معرفة الإنسان. لماذا نقول النموذج الإيراني؟ لأن الفكر و الإبداع الإيراني حققا هذا الأمر؛ و الإسلام هو ما تحظي به الشعوب الأخرى. شعبنا هو الذي تمكّن أو يتمكّن من إعداد هذا النموذج. إذن هو نموذج إيراني إسلامي. طبعاً البلدان الأخرى سوف تستفيد من هذا النموذج؛ كما أن بلدنا و شعبنا يعد اليوم نموذجاً للعديد من البلدان في الكثير من الأمور، كذلك سوف تتبع العديد من الشعوب هذا النموذج أيضاً.
السبب في عدم اكتفاءنا بالنموذج الغربي للتقدم يعود في الدرجة الأولى إلى أن هناك اختلافاً جوهرياً بين نظرة المجتمع الغربي و الفلسفات الغربية إلى الإنسان - فإن الفلسفات الغربية مختلفة لكن هذه هي خلاصتها - و نظرة الإسلام إلى الإنسان . لهذا فإن التقدم الذي يكون للإنسان و يتحقق على يديه له في الفلسفة الغربية معنى آخر يختلف عن منطق الإسلام. إن التقدم عند الغرب هو التقدم المادي؛ و المهم عندهم هو الربح المادي؛
كلما كان الربح المادي أكثر سيكون التقدم أكبر؛ أي ازدياد الثروة و القدرة . هذا هو معنى التقدم الذي يتابعه الغرب و المنطق الغربي و نموذجه، و هو ما ينصحون به الجميع. إذا قام التقدم على أساس مادي فمعناه هو أنه یمکن التضحیة بالأخلاق و المعنويات لمثل هذا التقدم. فليتقدم شعب و لكن لا يتحلى بالأخلاق و المعنويات. و أما من وجهة نظر الإسلام فهذا ليس تقدماً. إن التقدم المادي إذا كان وسيلة للهدف فإنه أمر رائع. الهدف هو سمو الإنسان و رفعته.
تقدم البلد و التحول الذي يؤدي إلى التقدم، يجب أن يكون على أساس برنامج صحيح حتى يمكن للإنسان النمو و تحقيق الرفعة دون أن يهان. الهدف هو منفعة البشرية بأكملها، لا طبقة معينة منها، و لا أبناء الشعب إيراني فحسب . التقدم الذي نعنيه هو ما يتفق مع المعايير الإسلامية و التفكير الإسلامي، و هو ليس لصالح الإنسان الإيراني فقط ، ناهيك عن أنه يكون لصالح طبقة معينة. هذا التقدم للبشرية بأكملها. الفرق الأساسي هو النظرة إلى الإنسان. و هنا لنتوقف قليلاً لكي أتحدث لكم عن المعرفة الإسلامية: إن نظرة الإسلام للإنسان ذات رکنين يكمل إحداهما الآخر. و يمكن لهذا أن يكون أساساً لجميع قضايا البلاد العامة و ما نرسمه لمستقبلنا. و هاذين الرکنين اللذين ينظر الإسلام من خلالهما، إحداهما هو النظرة للإنسان على أساس إنه فرد؛ أي إن الإسلام ينظر إلي و إليكم و إلى زيد و عمرو يخاطبه بوصفه موجوداَ يتمتّع بالعقل و الإرادة ؛ فيحمّله المسؤولية و يجعل له شأناً و سوف نتحدث عن ذلك. النظرة الأخرى إلى الإنسان هي النظرة إليه على أنه كل و جماعة إنسانية. و هاتان النظرتان تنسجمان و تكمل إحداهما الأخرى.
في النظرة الأولى التي ينظر فيها الإسلام إلى الإنسان على إنه فرد، يخاطب الإسلام فرداً واحداً. فالإنسان هنا هو العابر الذي يسلک
سبيله. و إذا استقام في السير فسيدخله الدين ساحة الجمال و الجلال الإلهي؛ و سيوصله إلى الله؛ ( يا أيّها الإنسان أنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه ). و إذا أردنا تعريف هذا الطريق، يمكن القول بإيجاز إنه طريق السير من عبودية الذات إلى عبودية الله تعالى. أي إن الإنسان يتحرك من عبودية الذات نحو عبودية الله. هذا هو الصراط المستقيم و الصحيح. المسؤولية التي تقع على عاتق الفرد في هذه الرؤية هي أن يجتاز هذا الطريق. كل واحد منّا هو المخاطب بهذا الكلام؛ و لا فرق بين أن يلتزم الآخرون أو لا يلتزموا أو تعم العالم ظلمات الكفر أو نور الإيمان. على كل شخص بصفته فرداً أن يسير في هذا الطريق؛ ( عليكم أنفسكم لا يضرّكم من ضل إذا اهتديتم ) فينبغي عليه القيام بهذه الحركة؛ و هي الخروج من الظلمات إلى النور و من ظلمات الأنانية إلى نور التوحيد. فما هو السبيل إلى هذا الطريق؟ نريد أن نجتاز طريقاً و نحتاج إلى سبيل؛ هذا السبيل هو الواجبات و الابتعاد عن المحرّمات. الإيمان القلبي هو محرّك هذا الطريق؛ الملكات و الفضيلة الأخلاقية هما زاد هذا الطريق الذي يسهل الحركة للإنسان و يسرعها. و التقوى هي مراقبة الذات و الحذر من الانحراف عن هذا الطريق و تعدي حدوده . هذا هو واجب الفرد في رأي الإسلام. واجب الإنسان هو أن يقوم بهذا العمل و يسعی سعيه في كل زمان سواء في دولة الأنبياء أو حکومة الطواغيت.
الإسلام يوصي الفرد بالزهد في نظرته إلى الإنسان باعتباره فرداً. الزّهد يعني أن لا يغتر الإنسان بالدنيا؛ لكن في حين أن يوصي الاسلام بالزّهد، يحذر أيضاً من الابتعاد عن الدنيا و الانقطاع عنها. فما هي الدنيا؟ الدنيا هي هذه الطبيعة، و جسدنا و حياتنا، و سياستنا، و اقتصادنا و علاقاتنا الاجتماعية، أولادنا و ثروتنا و بيتنا. و حب هذه الدنيا و التعلق بمثل هذه الأشياء صفة مذمومة في هذا الخطاب الفردي. فلا ينبغي الغرور بهذه الدنيا. و عدم حب هذه الدنيا و الانقطاع عنها يسمى الزهد؛ و لكن يجب عدم ترك الأمور أيضاً. فلا يجوز لأحد يدير ظهره لمتاع الدنيا و نعمها الإلهية. ( قل من حرّم زينة الله التي أخرج لعباده و الطيبات من الرّزق قل هي للذين آمنوا ). أي لا يجوز لأحد الإعراض عن الدنيا. هذه هي الأمور البديهية و معارف الدين الواضحة التي لا أريد أن أوضحها. هذه هي النظرة الفردية. و في هذه النظرة الفردية إلى الإنسان، يبيح الإسلام له الاستفادة من لذّات الحياة لكن إلى جانب هذا يعلّمه لذة أرفع درجة هي لذة الاستيناس بالله و ذكره. و على الإنسان بوصفه موجوداً يتمتع بالعقل و الإرادة أن يختار و يسير في هذا الطريق. فالإنسان هو المخاطب في هذه الرؤية. و الهدف من هذه الحركة و السعي من أجلها هو فوز الإنسان. إذا عمل الإنسان على أساس هذه القاعدة و الوصفة التي كتبت له فسيغدو فائزاً. هذه هي النظرة الأولى.
أما الرکن الآخر من الرؤية العامة، الإنسان الذي يخاطب بصفته الفردية فيعتبر خليفة الله في الأرض؛ و قد وضعت على عاتقه مسؤولية أخرى هي مسؤولية إدارة الدنيا. و عليه أن يعمّر الدنيا؛
( و استعمركم فيها ). إن هذا الإنسان مسؤول عن إعمار الدنيا. فما معنى إعمار الدنيا؟ يعني أن الإنسان مسؤول عن الكشف عن الهبات التي جعلها الله في الطبيعة و هي لا تحصى و استخدامها لتقدم حياة البشرية. خلق الله تعالى في هذه الأرض و ما حولها طاقاتٍ على الإنسان الكشف عنها. ذات يوم لم يكن يعرف الإنسان النار، لكنها كانت موجودة؛ لم يكن يعرف الإنسان الكهرباء لكنه كان موجوداً، لم يكن يعرف الجاذبية لكنها كانت موجودة، و لم يكن يعرف الطاقة البخارية، لكن كل هذه الأمور كانت في الطبيعة. و اليوم لا تزال هناك طاقات و مواهب هائلة. و على البشرية كشفها. هذه هي مسؤولية الإنسان لأنه خليفة الله و هذه واحدة من مستلزمات الخلافة الإنسانية.
و نفس هذا الموضوع يتعلق بالإنسان؛ أي يجب على الإنسان في النظرة الثانية الكشف عن الطاقات الذاتية في نفسه؛ أي المنطق و الحكمة الإنسانية و المعرفة الإنسانية و الطاقات المذهلة التي أودعت في النفس الإنسانية التي تبدل الإنسان إلى موجود يتمتع بالقدرة. هذه هي النظرة العامة. فمن هو المخاطب في هذه النظرة العامة؟ المخاطب هو جميع أفراد البشر. و هناك مطالبة بإقرار العدالة و العلاقات الصحيحة. ممّن؟ من جميع الأفراد. كل واحد من أفراد المجتمع الإنساني يُخاطب في هذه النظرة العامة؛ أي عليهم واجب و مسؤولية. تكريس العدالة، و إقامة حكومة الحق، و إنشاء العلاقات الإنسانية، و إعمار الدنيا و بناء عالم حر مسؤوليات تقع على عاتق جميع أفراد البشر. وفقاً لهذه النظرة تلاحظون أن الإنسان هو الآخذ بزمام الأمور في العالم؛ إنه مسؤول عن نفسه و تربيتها و سموها و تزكيتها و تطهيرها كما أنه مسؤول عن بناء الدنيا. هذه هي نظرة الإسلام إلى الإنسان.
الأومانية الغربية محورها هو الإنسان. الأومانية - التي هي محور فلسفات القرن التاسع عشر و ما قبله و ما بعده - تتخذ الإنسان محوراً لها. فما هو ذلك الإنسان؟ الإنسان في منطق الغرب و الأومانية الغربية يختلف تماماً عن الإنسان في منطق الإسلام. الإنسان في النموذج الإسلامي و الرؤية الإسلامية كائن ذو بعدين؛ البعد الطبيعي، البعد الإلهي، لكنه في النظرة الغربية كائن مادي محض هدفه اللذة و المتعة و التنعّم بلذات الحياة الدنيا، و هذا الإنسان هو محور التقدم و التنمية في الغرب؛ أي محورية النفع للإنسان. لكن الثروة و القدرة و العلم في النظرة الإسلامية تعد من عوامل سمو الإنسان. أما في تلك النظرة الغربية فالهدف هو الثروة و القدرة و العلم و لا بأس أن يهان الإنسان و تهان الشعوب، و أن يسحق الملايين من البشر في الحروب لكي يصل بلد إلى القدرة أو الثروة أو أن تبيع الشركات الكبرى ما تنتجه من السلاح ،هذا هو الفارق المنطقي.
لذلك فإن ما نحتاجه هو إعداد خارطة لتقدم بلادنا وفقاً للرؤية الإسلامية للإنسان و حسب منطق الإسلام. ففي خارطة التقدم و التحول هذه لا يوجد معنى لاقتران التقدم و التنمية بالفحشاء و الغوص في مستنقع الفساد. المعنوية هي القاعدة الرئيسية لهذا التقدم. التقدم الذي محوره هو الإنسان المتمتع بالمعنوية العميقة الذي يجعل العلم و الثروة و العمل في الحياة وسيلة ً لعلو روحه و سيره إلى الله يختلف عن ذلك التقدم اختلافاً شديداً. ( صوت الأذان يطرق الأسماع. و أنا لا أواصل الحديث عادة حينما يأتي صوت الآذان. فلابد لي أن أنهي حديثي لكنني سوف ألخصه )
أريد أن أقول بأن على مجتمعنا الطلابي، و مجتمع النخب في بلدنا - سواء في الحوزات أو الجامعات - و أحد أهم أعمالهم هو إعداد الخارطة العامة لتقدم البلاد وفقاً للمبادئ الإسلامية، و يجب عدم الاعتماد على النماذج و التقاليد الغربية، لأنها سوف لا تتمكن من إنقاذ البلاد و لا يستطيع التخطيط لتقدمها. على الأشخاص الذين يعملون في مراكز التخطيط و المراكز العلمية و البحثية و يتخذون القرارات في الاقتصاد و السياسة الدولية أو غيرها من القضايا الحيوية لبلادنا، عليهم عدم المضي في تطبيق المعادلات الغربية؛ أعني المعادلات الاقتصادية للغرب، أو معادلات البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي على قضايا البلاد؛ لا، إن تلك النظريات لا تنفعنا. نستفيد من علمهم طبعاًً؛ و لسنا متعصبين. نحن نستفيد من التقدم العلمي و التجربة العلمية أينما كانت. و نستفيد من الأمور النافعة؛ لكن علينا إعداد الخارطة وفقاً لأفكارنا و متطلباتنا .
استقلال شعبنا الیوم أصبح أسوةً في جميع إنحاء العالم. و علينا أن نبين هذا الاستقلال في كل أمورنا. الاستقلال يعني أن لا ننفعل أمام قوى العالم الكبرى. علينا متابعة ما ينسجم مع مصالحنا و ينطبق مع أهدافنا و مبادئنا؛ و لا ينبغي أن نخضع لضغوط العدو الدعائية و أنشطته السياسية. و الشعب الإيراني برهن بأنه قادر على الصمود مقابل هذه الضغوط. لقد تعاون الشرق و الغرب و جعلا هذا الشعب لفترة عرضة لضغوط حرب طاحنة استغرقت ثمانية أعوام، و لكن الشعب قاوم بكل قواه . بعد ذلك و إلى يومنا هذا كنا عرضة للضغوط الإعلامية و الحصار الاقتصادي. و هم الآن يهددونا من جديد بالحصار الاقتصادي! في أي زمن لم نتعرض للحصار الاقتصادي؟ نحن حققنا هذا التقدم العلمي في المجال النووي و غيره من المجالات في أجواء الحظر الاقتصادي. و هذا هو ما يعرفه الغرب. لكن مع الأسف هناك أشخاص يُـخدعون بدعوة الغرب و أفكاره و مبادئه إلى حد يرفضون سماع القول و قبوله ؛ حتى إنهم لا يقبلون ما حققه التقدم العلمي في البلاد إلا أن يصدقه الآخرون!
أتذكّر عندما تم تشغيل أجهزة الطرد المركزية منذ عامين أو عامين و نصف على أيدي شبابنا و علمائنا و صرّح المسؤولون و رئيس الجمهورية و الآخرون بذلك، أرسل لي عدد من علماء الفيزياء الجامعيين الذين هم من الصالحين و الصادقين و منهم من يعرفني أرسلوا لي رسالة قالوا فيها: سيدي! يجب أن لا تصدق هذا! و هو أمر لم يحدث و غير ممكن! ما كانوا على استعداد لأن يصدقوا هذا. هذا هو الإيحاء. ثم جاء الغربيون و مندوبو الوكالة الدولية للطاقة الذرية و الآخرون و شاهدوا ذلک بأم أعينهم و صدقوا و اعترفوا بأنهم لم يكونوا ليصدقوا بأن إيران يمكن أن تصل إلى هذا المستوی، و عند ذلك صدق الآخرون أي تلك الجماعة المشككة في الداخل بهذا الأمر. و نفس هذه القضية حدثت حول الخلايا الجذرية . أنا كرّرتُ عدة مرّات في كلماتي حالات التقدم التي حصلت في مجال الخلايا الجذرية. و بعض العلماء في البلاد و أساتذة الجامعات أرسلوا رسالة: و قالوا سيدي! لا تكرّر هذه القضية فإنها غير حقيقية؛ و ليست بهذا الشكل! لا تصدق ما يقال عن التقدم الذي حصل في قضية الخلايا الجذرية و النشاط الذي تم القيام به في مجال الاستنساخ! و هذا الأمر لم و لن يحدث! و ظل الأمر كذلك حتى تم عرض الخروف المستنسخ أمام أعين الجميع، ثم انعقدت ندوة تحدّث فيها العلماء المشهورون في العالم و خبراء البيئة من الطراز الأول في العالم و صدّقوا أن تقدماً مذهلاً قد تحقق، و في ذلك الحين تم تصديق الأمر من قبل المشككين! من الآفات هي أن لا نثق بمواهبنا و تقدمنا و طاقاتنا حتى عند تحققها .
إن ما قدمته الثورة لنا و نتوقع من أنفسنا تقويته يوماً بعد يوم هو الثقة بالنفس. أي الثقة الوطنية بالنفس؛ و ليعلم الشعب الذي يتمتع بالثقة في النفس أن بوسعه تحقيق أهدافه بفضل همته العالية و تعاونه مع جميع البلاد. على مجتمعنا الجامعي أن يصدق هذا في مجال علمه و أبحاثه العلمية من الأعماق و ليعلم طلبتنا الجامعيون و أساتذتنا و باحثونا و مدراؤنا الجامعيون إن بوسعهم تنفيذ أي عمل يهدفون إليه في ظل العزم و السعي المستمر. هذا ما نحتاج إليه. كنت أريد أن أواصل حديثي و لكنني أتممته .
في الختام أريد ان أقدّم إلى الأعزاء الطلبة الجامعيين عدة وصايا : النقد المنصف و قبوله بتواضع هو ما يحتاج إليه الوسط الجامعي. على الشباب و لا سيما الشاب الجامعي أن يكون ذهنه و رأيه حرّاً في الوسط العلمي؛ عليه أن ينتقد بشرط أن يكون ذلك النقد نقداً منصفاً. من الخطأ أن لا يكون هناك فرق بين النقد و العصبية و التذرّع؛ و لكن لا بد من النقد و في الوقت ذاته تقبله. و إذا كنا عرضة للنقد بوصفنا طلبة جامعيين أو تنظيمات طلابية فإن علينا أن نقبل النقد و نتقبله؛ و لنقبل يعني نتحمله.
و وصيتي الأخرى هي أن التحمل و المداراة السياسية في الوسط الجامعي أمر واجب. على التنظيمات الطلابية أن يكون لديهم التحمّل السياسي. جعل الأوساط الطلابية عرضة للاشتباك بينهم خطة خطيرة رسموها. عليكم أن تحذروا. يريدون أن يجعلوا التنظيمات الطلابية عرضة للاشتباكات فيما بينها. نحن لاحظنا أخيراً أنهم كانوا ينفذون هذا العمل في عدد من الجامعات. و الطلبة الجامعيون العقلاء الواعون و ذوى النضج السياسي لم يسمحوا أن يحدث هذا الأمر. لكن هذه هي الخطة. و السبيل إلى مواجهتها هو أن يكون بين الأوساط الجامعية و الطلبة الجامعيين و التنظيمات الطلابية التحمل و المداراة.
و الوصية الأخرى هي قضية الحفاظ على المبادئ و الروح المبدئية. عليكم أن لا تكونوا متحفظين. من الممكن أن يصبح البعض متحفظاً بسبب تقدم السن؛ لكن الدايناموا المحرّك هو مرحلة الشباب. على شابنا أن لا يصبح متحفظاً، بل ينبغي عليه أن يكون مبدئياً. لا تتراجعوا عن المبادئ. عليكم بمطالبة المبادئ و القمم لكي نتيقن أن نصل إلى منتصف الطريق على الأقل. لكنكم إذا طلبتم القمم، فإنني على يقين بأنكم سوف تصلون إليها. ينبغي عليكم أن لا تفقدوا الروح الطامحة التي من مصاديقها التمسّك بالمبادئ و الأسس الفكرية.
النصيحة التالية هي قضية بناء الذات على أساس العقائد و العلم و العمل و هو ما أشار إليه عدد من الطلبة الأعزاء. و ( عليكم أنفسكم ) عليكم أن تأخذوا بنظر الاعتبار دوماً نظرة الإسلام إلى الإنسان في خطابه الفردي. عليكم الحفاظ على أنفسكم؛ ( عليكم أنفسكم ). السبيل الذي يوصل الإنسان إلى الله و إلی النور، هو سبيل الابتعاد عن المحرمات و أداء الواجبات. عليكم الاهتمام بالواجبات و الابتعاد عن الذنوب؛ هذا هو معنى التهذيب. إن قلوبكم شابة نيرّة و هذا هو سبب عدم وجود التلوث في قلوبكم و روحكم و الحمد لله، و الله خير ناصر و معين .
و وصيتي الأخيرة هي الدراسة و الاهتمام بطلب العلم. عليكم أن تدرسوا بجد. ينبغي أن يكون طلب العلم شائعاً في الأوساط الجامعية بشكل حقيقي. يلاحظ المرء في بعض الأوساط الجامعية عدم وجود طلب العلم حقيقة عند البعض، أي إنه لا يبحث عن العلم؛ بل هناك الاعتماد على الذاكرة و الاهتمام بها، لا تسمحوا أن يصبح الأمر هكذا. عليكم أن تبحثوا عن العلم بشكل حقيقي و لا تعتبروا العلم هو مجرد قراءة النصوص و تعليمها. لقد قلت قبل أن أحضر هنا في اجتماع الأساتذة؛ ينبغي على الطالب أن يعتاد على السؤال و التعمّق في العلم و مناقشة الأستاذ، و البحث عن الزوايا المختلفة في البحث العلمي.
و في النهاية، تحدّثت ابنتنا العزيزة هذه عن الرياضة. أنا أؤمن بالرياضة. و لكنها تتعلق في بعض الجوانب بالمديريات التي عليها توفير الإمكانيات للطلبة، و تتعلق بالطلبة الجامعيين بجوانبها الأخرى، و لا ينبغي إلقاء اللوم دائماً على المديريات. فإن كل هذه المرتفعات في أنحاء مشهد - و أنا ألوم الشباب دائماً في طهران - حيث هناك ارتفاعات جيدة أمام أعين الناس، و لا تحتاج إلى بطاقة دخول و ليس فيها مشكلة؛ لكنهم لا يذهبون و يفضلون النوم و الكسل في الصباح. الرياضة مهمة جداً بالنسبة لنشاطكم و صحتكم أيها الشباب. أسأل الله لكم التوفيق و أن يجعل المستقبل بهممكم أيها الشباب الأعزاء، مستقبلاً مشرقاً و مزدهراً لشعبنا و لشعوب المنطقة إن شاء الله.
و السّلام عليكم و رحمة الله و بركاته.