بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا و نبينا أبي القاسم المصطفى محمد و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديين المعصومين سيما بقية الله في الأرضين؛ اللهم سدّد ألسنتنا بالصواب و الحكمة.
أولاً أبارك عيد النصف من شعبان السعيد ذكرى ولادة سيدنا بقية الله الأعظم روحي له الفداء لكم أهالي إصفهان الأعزاء المؤمنين الولائيين. الفارق بين عيد مولد سيدنا بقية الله و سائر الأعياد الإسلامية هو أن الأعياد الكبرى تحكي كلها عن الماضي، أما عيد ولادة سيدنا بقية الله فيبشر بالمستقبل، لذلك تنشدّ قلوب المؤمنين لهذا اليوم الكبير و هذه الولادة العظيمة.
ثانياً أشكركم أيها الأهالي الأعزاء الصميميون الودودون على اجتماعكم الكبير هذا و على استقبالكم الحماسي الحار لخادمكم الصغير هذا. أشكر الله على أن منَّ عليَّ أخيراً - و إن كان هذا بعد بعض التأخير - بلقائكم أيها الأهالي الأحباء و الحضور في هذه المدينة العزيزة.
يجب أن أعتذر عن هذا التأخير الذي لم يكن اختيارياً. ما كان بوسع شيء أن يحول دون هذا السفر غير أن لا أستطيع التحدث إليكم. و أشكر الله أن أتيحت هذه الفرصة اليوم.
أشير إلى جملة من النقاط حول مدينة إصفهان و هويتها الإنسانية و التاريخية. الأصفهانيون طبعاً و كذلك الكثير من أبناء البلد يعرفون الهوية العلمية و الأدبية و الفنية و التميز و النبوغ الذي تجلّى في إصفهان على امتداد التاريخ و إلى اليوم. و لكن لكي أقدم بدوري صورة إجمالية لهوية هذه المدينة الكبيرة و هؤلاء الأهالي المثقفين أقول إن لإصفهان سمات عديدة، لكن أبرزها هي العلم و الإيمان و الجهاد الشجاع و الفن و الصناعة. منذ خمسمائة عام و كل من ينظر لهذه المدينة في أي عصرٍ يرى هذه السمات. الشخصيات العلمية المميزة في هذه المدينة من أمثال المجلسي و الوحيد البهبهائي - و هو إصفهاني طبعاً - و الفقهاء الكبار و الفلاسفة العظام المشهورون المنتمون لهذه المدينة أو المتخرجون من حوزاتها العلمية لا يمكن إحصاؤهم في فترة قصيرة من الوقت و بالحساب الدارج. الإيمان الذي يتحلى به أهالي إصفهان كان مضرب الأمثال دائماً. زرت إصفهان في عهد الجور الشاهنشاهي دوماً. حتى في ذلك العهد حيث كانت جميع الأجهزة و الجهود منصبة على تقليص المظاهر الدينية و تقييدها، كانت بيارق التدين مرفوعة في إصفهان بأشكال مختلفة و بين شتى القطاعات. في عهد كساد سوق الدين و شياع التغريب لم تستطع العوامل الثقافية المخربة التأثير سلبياً على الرجال و النساء في إصفهان.
إصفهان نموذجية من حيث الجهاد الشجاع. حرب السنوات الثمان و فترة الدفاع المقدس رفعت إصفهان إلى قمة المفاخر الإنسانية. و لا يقتصر الأمر على فترة الدفاع المقدس. شهداء إصفهان و الأبطال المشاهير من أهالي إصفهان قدموا هذه التضحيات في الميادين المختلفة. الشهيد آية الله المدرس في ميدان، و الشهيد آية الله بهشتي في ميدان، و الشهيد خرازي و الشهيد همّت و أمثال هذين العزيزين في ميدان آخر. هؤلاء الشهداء المشاهير - و لا يمكن بسهولة إعداد اللائحة الطويلة لكواكب شهداء هذه المدينة و هذه المحافظة - خلّدوا اسم إصفهان و سجلوها ضمن أبرز مناطق البلاد من حيث الجهاد الشجاع بحيث لا يمكن لأية منطقة أخرى منافستها.
الفن و الصناعة في هذه المدينة أيضاً مضرب المثل لدى الجميع، و هي فريدة و نموذجية في بعض المجالات على مستوى العالم. إصفهان اليوم قطب رئيسي من أقطاب الصناعات في البلاد و الحمد لله. و قد كانت كذلك في الماضي و ستكون كذلك في المستقبل أيضاً. هذه السمات المميزة يجب أن تبقى بدرجات أرقى إن شاء الله في مستقبلكم أيضاً يا شباب هذا البلد. نذكر الماضي كي نعرف واجبنا للمستقبل. يجب أن تبقى هذه المدينة مدينة العلم، و الإيمان، و الجهاد الشجاع، و الفن، و الصناعة. و أنا أدري أن الأمر سيكون كذلك بفضل الله و بفضل كل هذه المواهب المتألقة في هذه المدينة و المحافظة، و بهذه الروح المبتهجة و القلوب الوضّاءة بنور المعرفة و بهذه المشاعر الدفاقة؟
سيكون لي عدد من الأمور أطرحها إن شاء الله على الجماعات و الفئات المختلفة طوال فترة إقامتي في إصفهان، لكن ما أروم ذكره هنا يرتبط جانب منه بقضايا البلاد العامة، و يتعلق جانب منه بإحدى قضايا البلاد الخارجية. و قد أشاروا إلى مشكلة مياه الري، و مشكلة صناعة النسيج و سائر المشكلات. أعدت لي تقارير عن جميع هذه المشاكل. بعض الوزراء المحترمين و أعضاء هيئة الحكومة حاضرون في هذه الزيارة. مهمتهم النظر في جميع هذه المشاكل - و هي معروفة للحكومة طبعاً - و ملاحظتها و القيام بكل ما في وسع الحكومة القيام به. نحن طبعاً أكدنا و أوصينا و تحدثنا مع المسؤولين، و سوف نواصل المتابعة إن شاء الله كي يصار إلى رفع المشكلات إن شاء الله ضمن حدود الممكن في البلاد حالياً. و سوف ترتفع كل هذه المشاكل بالطبع عن طريق متابعة المسؤولين و الصبر و التحمّل الذي هو من ضروريات الروح السامية لشعبنا المسلم.
القضية الأولى التي أروم طرحها هي أن واجب حماية نظام الجمهورية الإسلامية المقدس في الظرف الحالي للبلاد - و هو ظرف بالغ الحساسية - حساس و خطير بنفس درجة حساسية و خطورة الظرف. لماذا نقول إن الظرف الحالي حساس؟ لأن الأرصدة و التجارب و كذلك الأخطار قد تضاعفت علينا بعد مضي فترة على اندلاع الثورة الإسلامية و بلوغ هذه الفكرة و هذا النظام الفتي سن الثانية و العشرين.
لقد تضاعفت أرصدتنا، فأهم رصيد للبلد و للنظام هو طاقاته البشرية - لدينا اليوم بالقياس إلى بداية الثورة مئات الأضعاف من الكوادر المتخصصة و الملتزمة والكفوءة في القطاعات و المناطق المختلفة من البلاد هي ثمرة فترة الثورة.. أناس مؤمنون مستعدون لتقديم كل كيانهم و قدراتهم العلمية و الإنسانية للبلد و الثورة و الشعب. في مطلع الثورة كانت الطاقات المتخصصة في القطاعات المختلفة قليلة جداً. أما اليوم فثمة في الجامعات و الحوزات العلمية و القوات المسلحة و شتى القطاعات الإدارية في البلاد الكثير من الكوادر المتخصصة. هذه زيادة في الأرصدة. جيل الشباب لدينا اليوم أضعاف جيل الشباب الإيراني في بداية الثورة. هذا رصيد و ينبغي النظر له كرصيد. الرصيد طبعاً وسيلة يمكن للكفوئين و المدراء اللائقين الجديرين استثماره لصالح الشعب و البلاد. الرصيد شرط لازم و ليس شرطاً كافياً.
تجاربنا أيضاً تضاعفت. في مستهل الثورة لم نكن نعرف الكثير من القضايا المهمة ذات العلاقة بالبلاد و الدفاع عن نظامنا. أما اليوم فيتوفر مدراء البلاد و مسؤولوها على تجربة الحرب المفروضة و الحظر الاقتصادي الأمريكي و إعراض بعض الحكومات المتعطشة للسلطة و النفوذ. هذه تجاربنا. انسحاب القوات السوفيتية من أفغانستان، و هجوم العراق على الكويت، و انقلاب صفحة الدفاع العالمي عن النظام العراقي إلى الهجوم العالمي عليه.. هذه كلها تجارب و دروس ينتفع منها مسؤولو البلاد و مدراؤها في أدائهم، و أذكياء المجتمع و كل أبناء الشعب في آرائهم و تصوراتهم.
و بنفس درجة زيادة أرصدتنا و قدراتنا و إمكاناتنا ازدادت أيضاً التهديدات على بلادنا و نظامنا الإسلامي. أعداء النظام و البلاد اليوم يستخدمون أساليب في التعامل لم تكن متاحةً لهم في الماضي أو إنها لم تكن مطروحةً أساساً. أما اليوم فهم يمارسون مؤامراتهم بنوعية عالية و أساليب معقدة.
بالطبع، لو تصوّر أحد أن مؤامرات الأعداء تكفي لتوجيه ضربة للنظام فهو على خطأ كبير. العدو يتآمر و النظام الإسلامي يُعد مضادات التآمر » و مكروا و مكر الله «. إنهم يتخذون أساليب معينة لضرب النظام الإسلامي، و النظام الإسلامي بدوره يعد مضادات هذه الضربة، لكن التيقظ ضروري على كل حال.
لماذا تضاعفت التهديدات و الأخطار؟ أية قوة متعطشة للهيمنة و النفوذ تغضب طبعاً من وجود قوى وطنية قديرة و رافضة في البلد الذي تروم التنفذ فيه تعمل على تقصير أياديها عنه. و هذا ما حصل في إيران. الحكومة الأمريكية كانت متجذرة في هذا البلد. لم يكن نفوذها سطحياً، إنما كانت تؤمِّن الكثير من مصالحها المهمة الحيوية من بلدنا العزيز، لكن النظام الإسلامي وقف بوجه هذه المصالح غير المشروعة. و قد كانت لبعض البلدان الأخرى مثل هذه الحالة. هذا الواقع الجديد جعل النظام الإسلامي من وجهة نظر تلك القوة العالمية عنصراً غير مرغوب فيه. و لأجل إخراج النظام الإسلامي عن حالته غير المرغوب فيها لا يوجد - حسب تقديرات تلك القوة العالمية - أكثر من طريق واحد و هو أن تفتح الطريق كي يستطيعوا معاودة تأمين مصالحهم غير المشروعة!
أطلق النظام الإسلامي نموذجاً إسلامياً في العالم. أي إنه أثبت أن بالإمكان مواصلة الحياة حتى من دون أمريكا، و بالمقدور إدارة بلد كبير ذي خمسة و ستين مليون نسمة و التقدم به إلى الأمام من دون الخضوع لقوة عظمى. إذن السبب الرئيس للتهديد هو هوية النظام الإسلامي.
طبعاً ثمة أسباب تجعل محفزات الأعداء في التهديد و العداء مما لا يمكن أن يزول بسرعة بل مما يستمر و يشتد أحياناً. من هذه الأسباب أنه أنفق مليارات الدولارات. هم طبعاً لا تطاوعهم قلوبهم على التصديق بأن الأموال التي أنفقوها على ضرب النظام الإسلامي ذهبت كلها هدراً. و من الأسباب أنهم يتمنون موت الروح الدينية لدى شبابنا. إذا استطاع مراسلهم في منطقة من مدن إيران مصادفة بضعة شباب و تسجيل كلام لهم يفهم منه عدم الاهتمام للدين، تراهم تضخمون هذا الشيء و يعممونه على جميع شباب البلاد فيمنّون أنفسهم بضعف الروح الدينية و روح الالتزام و الإيمان و حراسة الإيمان الديني في إيران! هم طبعاً مخطئون. إذا وقع اليوم حدث شعر معه الشعب الإيراني بالخطر فإن عدد الشباب المستعدين للتقدم و الدفاع طواعيةً و تضحيةً و في سبيل الله و النظام الإسلامي و مصالح شعبهم أكثر بالتأكيد مما كان في عهد الحرب المفروضة. شبابنا اليوم يتحلون بنفس الحماس و الهياج و الإيمان و الجاهزية التي أذهلت العالم خلال فترة الحرب المفروضة.
الأعداء بالطبع يمنّون أنفسهم بأشياء وهمية من أجل تسويغ سياساتهم للرأي العام و لشعوبهم الغافلة غير المطلعة. يجدون حدثاً صغيراً و يضخمونه و يصورونه كبيراً. تجمع صغير من مائة شخص أو مئات الأشخاص يقوم في مكان ما ضد مقدسات الشعب و ترفع فيه الشعارات بمناسبة ما، يضخمونه ما استطاعوا، و يصغّرون بالمقابل التجمعات الشعبية الهائلة في الدفاع عن الثورة و الإسلام و حراسة المبادئ العليا للنظام الإسلامي. هذه أساليب إعلامية.
شابنا هم نفس أولئك الشباب. لقد نهينا شبابنا المؤمن المخلص المتحمس عن إصدار ردود فعل مقابل الاعوجاجات التي قد يرونها عند البعض في الأماكن المختلفة.. و ننهاهم الآن أيضاً. و لكن حينما يبادر مائة شخص أو مائة و خمسون شخصاً في أفراح فوز فريق إيران الرياضي لتشويه سمعة الآلآف من الناس المشاركين و يمارسون المخالفات و الشغب و الأعمال التي تعد بالتأكيد جرائم، إذا لم ننه شبابنا فسوف يسوّون حساب هذه الفئة القليلة قبل أن تنـزل قوات الشرطة إلى الساحة.
الناس ناس طيبون. الشباب شباب متحمس مخلص. طبعاً هناك مهمّات على عاتق الجميع.. رجال الدولة و مسؤولو البلاد بشكل من الأشكال.. و أبناء الشعب بشكل من الأشكال.. و خصوصاً الشباب. لدي طبعاً كلامي مع الشباب في جلسة خاصة إن شاء الله، و لا أريد أن آخذ وقت هذا التجمّع الكبير.
ينبغي التحلي باليقظة و الحذر. ثمة واجبات على عواتق الجميع في هذا المضمار. و أنا خادم صغير و على عاتقي أعباء ثقيلة، واجباتي أكثر من الجميع. و مسؤولو البلاد كلما كانت مسؤوليتهم و مناصبهم أعلى و دائرة أعمالهم أوسع كلما كانت واجباتهم أكبر و أثقل. و على أبناء الشعب أيضاً واجبات.
الشيء الذي أرى لزاماً عليَّ تأكيده بخصوص مسؤولي البلاد هو الانسجام و وحدة الكلمة بالدرجة الأولى. على مسؤولي البلاد أن يتحدوا و تكون كلمتهم واحدة. من مؤامرات الأعداء في السنوات الأخيرة هي دسّ شخصيات غير مؤمنة بالمبادئ الإسلامية في صفوف مسؤولي البلاد رفيعي المستوى، من أجل ضعضعة الانسجام بين مدراء البلاد الكبار. هذا خطر كبير. لمدراء البلاد مثل سائر الناس آراؤهم و أفكارهم في كل قضية، و هي آراء محترمة بالنسبة لهم، بيد أن هناك نقطتين في هذا الباب: الأولى هي إذا كان هناك شخص يتولى مسؤولية معينة في نظام الجمهورية الإسلامية لكنه لا يؤمن في داخله و قلبه بمبادئ نظام الجمهورية الإسلامية كما رسمها الإمام الجليل و تجسدت في الدستور، فإن شغله لذلك الموقع و المسؤولية حرام شرعاً. حين يدور الحديث حول القضايا الرئيسية في النظام الإسلامي، و حين تكون القضية قضية الوحدة بين الدين و السياسة، و مواد الدستور، و حين يجري الكلام عن ضرورة اتباع الدين و الشريعة، إذا كان لمسؤول من المسؤولين عقيدة غير هذه فبوسعه أن يكون مواطن الجمهورية الإسلامية - لا مانع في هذا - لكنه لا يستطيع أن يكون مسؤولاً. خصوصاً في المناصب و المسؤوليات رفيعة المستوى. المسؤولون الكبار، و نواب المجلس، و المسؤولون الكبار في السلطة القضائية إلى جانب مسؤولياتهم المهمة في نظام الجمهورية الإسلامية لا يمكنهم عدم الاعتقاد بمبادئ نظام الجمهورية الإسلامية و مبادئ الدستور.. فعقيدة الإنسان تؤثر في أعماله و أقواله.
النقطة الثانية هي أن المسؤولين حين يختلفون في شيء غير قضايا النظام الكبيرة - في مسائل العمل والإدارة و فهم القانون - ينبغي أن لا يظهر اختلاف الآراء هذا أمام أعين الناس و يعلن في كل مكان. اختلاف وجهات النظر يجب أن لا يدل على اختلاف المسؤولين. لماذا؟ لأن ذلك يبث اليأس و القلق في نفوس الناس و يفرح الأعداء. اختلاف المسؤولين في فهم واجب من الواجبات حالة متوقعة طبعاً. مثلاً قد يكون لرئيس الجمهورية المحترم و رئيس السلطة القضائية المحترم وجهتا نظر حول قضية من القضايا، و يكون لكل منهما براهينه و أدلته. طيب، لهذه المسألة طريقة حل مرسومة في الدستور. القائد هو المنسّق بين السلطات الثلاث و بوسع القيادة رفع هذه المشكلات. معيار التعاون هو الدستور الذي حدد الواجبات، و أحكام حالات الاختلاف و النـزاع، و حدد الحَكَم و المرجع. ثمة في الدستور واجبات محددة للسلطة التنفيذية.. الإدارة العامة للبلاد، و إدارة جميع الشؤون التنفيذية للبلاد و إعداد الميزانية العامة للبلاد مهام تقع على عاتق السلطة التنفيذية. واجبات السلطة التشريعية هي سن القوانين و الإشراف على أداء المسؤولين الحكوميين. واجبات السلطة القضائية هي ملاحقة المخالفين للقانون و إحقاق الحق كي لا يظلم أحد أحداً و لا يعتدي عليه. إذا أرادت كل واحدة من السلطات القيام بواجباتها لكان هناك من العمل و الجهاد الذي يرضي الله مقدار كبير لا يبقي أي وقت. واجبات القيادة أيضاً مرسومة في الدستور. القيادة لا تتدخل تدخلاً مباشراً في مهام البلاد التنفيذية على الإطلاق، لا في السلطة التنفيذية، و لا في السلطة القضائية، و لا في السلطة التشريعية. أهم أعمال القيادة هو رسم السياسات العامة للبلاد، أي الأمور التي تحدد الاتجاه العام للبلاد و الذي يجب أن تتماشى معه جميع القوانين و القرارات و الأعمال. تواجد القيادة في جميع مفاصل البلاد يعني تواجد سياسات القيادة التي يجب تنفيذها بكل دقة. و أقول لكم: أينما تم تنفيذ هذه السياسات ربحت البلاد. و أينما جرى التخلف عن هذه السياسات طوال الأعوام الماضية - منذ عشرة أو أثني عشر عاماً إلى الآن - تضررت البلاد، و قد شعروا بالضرر أحياناً، و أحياناً لم يشعروا بالضرر إلا بعد انقضاء مدة. إذن، تواجد القيادة و مشاركتها حالة جادة.
طبعاً قد يكون للمسؤولين آراء مختلفة حول بعض القضايا التي تهتم بها هذه السياسات، لا ضير في هذا.. يأتون و يطرحون آراءهم، و اتخاذ هذه السياسات يتم وفق سياق جد معقول و منطقي. يتم التخطيط لها في المؤسسة المكلفة بهذه المهمة في الحكومة، ثم ترتقي درجةً درجةً إلى أن تصل مجمع تشخيص المصلحة. إذن، يتم أخذ جميع جوانب القضية بنظر الاعتبار. و قد يكون لأحد الأشخاص رأي معارض. لا إشكال في هذا. لكن طالما كان القانون قانوناً لا يجوز التخلف عنه. و السياسات التي هي مضمون الدستور - للسياسات مرتبة أعلى من القانون، فهي في مستوى الدستور - طالما لم تتغير يجب على الشخص حتى لو كان له رأي آخر عدم تخطيها و العمل أو الدعاية طبقاً لرأيه. النقاش في الأروقة العلمية و التقنية و التخصصية جيد جداً، إلا أن إثارة الأجواء في البلاد بطريقة إغواء الرأي العام ممارسة خاطئة و على الضد من مصالح البلاد.
إننا بملاحظة كافة الجوانب، و بدراسة جميع تجارب البلد و البلدان الجارة، و بعد استشارة أصحاب الرأي المميزين نصل لنتيجة فحواها أنه لا العلاقة مع أمريكا و حسب، بل حتى التفاوض مع الحكومة الأمريكية اليوم على الضد من المصالح الوطنية و مصالح الشعب. هذا ليس رأياً متعصباً. إنه فكر و تأمل مدروس يأخذ جميع الجوانب بنظر الاعتبار. التفاوض مع أمريكا - سواء بخصوص القضايا الحالية أو القضايا الأخرى - معناه فتح باب التوقعات و المطالبات الأمريكية. الذين يتحدثون عن التفاوض - و هم لا ينطلقون طبعاً من سوء نية لكنهم غافلون - لا يتفطنون إلى أن التفاوض مع أمريكا حول أية واحدة من القضايا التي ترى الحكومة الأمريكية لنفسها مصالح و آراءً فيها - مثل قضية أفغانستان هذه - لا فائدة منه إطلاقاً. لماذا؟ لأنها مستكبرة و لا تستسلم. تفاوض أمريكا مع حكومة ما ليس معناه أنها تريد موافقة آراء تلك الحكومة. إنها لا توافق حتى آراء الأوساط العالمية! الآن حيث تناقش في مؤتمر بأفريقيا قضية سخونة الأرض و الاحتباس الحراري في العالم، و العالم كله يرى ضرورة العمل في هذا المضمار، ترون أن أمريكا لا تخضع، أي إنها لا تتكيّف حتى مع أصدقائها الأوربيين! قبل أيام قرأت في الأخبار أن رئيس جمهورية باكستان طلب من الأمريكيين عدم استخدام المطار الفلاني للهجوم على أفغانستان، و استخدام باقي المطارات لهذا الغرض، لكن الأمريكيين رفضوا طلبه! أي إنهم لا يعيرون اهتماماً لمشورة رئيس جمهورية ذلك البلد فيما يتعلق بمطار! أي البلدان ذات العلاقة بأمريكا استطاع فرض رأيه على أمريكا في مسألة مهمة؟ بعض البلدان العربية تتملق أمريكا، وبعضها تراعي الآراء الأمريكية و تعمل بها في جميع القضايا بأقصى جهدها، و لكن أية مطالبهم ضد الكيان الغاصب أو القضايا المهمة في العالم العربي استجابت لها أمريكا؟ هذه غفلة كبيرة لدى البعض.
السياسة التي طرحتها سياسة مهمة في البلاد. على المسؤولين العمل بالسياسات و الحفاظ على انسجامها. الانسجام أهم شروط التقدم. أقول لكم: لو لاحظ العدو وجود جماعة مؤمنة، ملتزمة، منسجمة، متعاطفة فيما بينها، و كفوءة تتولى زمام الأمور في بلادنا فسوف ييأس و تقل محفزاته في العداء. ليفهم الذين يشجعون التفرقة بين المسؤولين ما الذي يفعلونه. سياسة أعداء البلد حالياً هي بث الخلافات بين المسؤولين. لدينا أخبار خاصة عن الزمر التي يمتد أحد طرفيها داخل البلاد، و يسرح طرفها الآخر في الخارج. خطتهم الأساسية التفرقة بين مسؤولي البلاد تحت عناوين اليسار و اليمين و سائر العناوين. الشعب يطالب بوحدة المسؤولين. أينما وجد الشعب المسؤولين متكاتفين متحدين متعاطفين متطابقي التصريحات و لا يسقّط بعضهم بعضاً، فسوف يفرح و يتفاءل. و على العكس من ذلك الأعداء الذين سوف ييأسون.
طبعاً، كانت لنا دوماً توصيات أخرى لمسؤولي البلاد و لا ضرورة لطرحها على الملأ العام. و قد تحدثنا مع المسؤولين حول قضايا إصفهان الخاصة نظير قضية المياه و غيرها. و أنا لدي اعتراضي بالطبع على طول فترة تنفيذ الكثير من المشاريع أكثر من الحد الطبيعي. و قد اعترضنا على الحكومات السابقة أيضاً. وعدتنا هذه الحكومة أن تقصّر أمد تنفيذ المشاريع. نبّهتهم خصوصاً إلى قضية كوهرنك الثالث، و مياه عين لنكان. و لحسن الحظ أن وزير الطاقة شاب مؤمن كفوء. نتمنى أن يستطيع إن شاء الله بلوغ النتائج خلال مدة أقصر من المدة المقررة.
القضية ذات الصلة بالشؤون الخارجية هي فاجعة أفغانستان. لقد طرحت آرائي حول قضية أفغانستان، لكن ما أروم طرحه عليكم أيتها الجماهير العزيزة هنا هو جملة نقاط:
النقطة الأولى هي أن جهود الأمريكيين انصبت على جرِّ ايران للدخول في هذه القضية. بغض النظر عن صحة أو سقم أساس القضية و اتهام تلك الجماعة الأفغانية أو العربية، و ما هي الأدلة على ذلك - لم يعرض الأمريكان لحد الآن أي دليل مقنع على أحد - و لكن على افتراض أن هذه التهمة صحيحة، فإنهم بدل أن يحاربوا المتهمين وجهاً لوجه يستهدفون الشعب الأفغاني! و لهم إلى الآن أثنان و عشرون أو ثلاثة و عشرون يوماً يدكون المدن و الشعب الأفغاني المظلوم باستمرار. أصروا على إدخالنا في هذه القضية: أمنحونا فضاءكم و أراضيكم لنستطيع العبور! لو لم تتخذ الحكومة الإيرانية تلك المواقف الحاسمة منذ البداية لتضاعفت توقعاتهم يوماً بعد يوم. من أهدافهم أن يقولوا للكتل الهائلة في كل أرجاء العالم الإسلامي و التي تحترم الشعب الإيراني و النظام الإسلامي أن إيران ليست ملتزمة بالمبادئ الإسلامية بالدرجة التي تصورتموها. هدفهم الآخر هو الحصول على ترخيص لقتل المسلمين و ارتكاب مجازر بحق الشعب الأفغاني. أي ترخيص أفضل من قولهم إن إيران على إطلاع بالأمر و هي تواكبنا و تتعاون معنا؟ لقد أصررنا على عرض مواقفنا على العالم دون أية ضبابية أو غموض. قلتُ لمسؤولي البلاد إن المواقف يجب أن تخلو من أية مراوغة و ازدواجية. يجب أن يعلنوا صراحة و بوضوح إننا نعارض الإرهاب و نعارض الهجوم الأمريكي على أفغانستان. و لا نشارك في أي تحالف تتزعمه أمريكا.
النقطة الأخرى هي أن الأمريكيين تضرروا من هجومهم على أفغانستان. سواء حققوا أهدافهم العسكرية في أفغانستان أو لم يحققوها، فقد تكبدوا ضررين أساسيين أحدهما يختص بالأمريكيين أنفسهم، و الثاني ضرر يشترك العالم الغربي فيه مع أمريكا. الضرر الأساسي الذي تشترك فيه أمريكا و العالم الغربي في هذه القضية هو سقوط القناع عن وجه الليبرالية الغربية مرة أخرى. هم ينادون بالليبرالية الديمقراطية الغربية بكل فخر في العالم و يؤكدون وجود الحرية، و التحضر، و الديمقراطية، و احترام آراء الناس في الغرب. نعم، اللسان ناعم و يمكنهم أن يلوكوا الكلام كيف ما أشتهوا، و لكن في الامتحان يكرم المرء أو يهان! أضحت أفغانستان ساحة اختبار جديدة لليبرالية الغربية كي يثبت أنهم إذا استدعت مصالحهم و إرادتهم الاستكبارية فلن يتوانوا عن أي عمل و سيكونوا على أتم الاستعداد لتدمير و سحق بلد و شعب بأكملة دون أي حجة. في قضية الهجوم على العراق كان لأمريكا ما يشبه الحجة و الذريعة. قالت إن العراق هجم على الكويت. طبعاً لم تكن حتى تلك الحجة كافية. إذا كان العراق قد هجم على الكويت فلماذا يهاجمون المدن العراقية؟! كان عليهم مهاجمة القوات العسكرية. إذن، لم تكن حجتهم هناك مقنعة تماماً، أما هنا فهي غير مقنعة أبداً. هم أيضاً يعترفون أن أهالي هرات، و قندهار، و كابل، و جلال آباد لا ذنب لهم إطلاقاً. إنما المذنبون هم جماعة أو عدد قليل من الأشخاص. إذن، لماذا تدكون الناس؟! لأجل أن يوفروا الجواب للشعب الأمريكي نسجوا لأنفسهم ترخيصاً و راحوا يرتكبون غضباً مثل هذه الأعمال الوحشية و يقتلون الشعب الأفغاني قتلاً جماعياً. إذن، فضح وجه الليبرالية الغربية مرة أخرى و اتضح أنهم أخفوا سوطهم تحت باقة الورد التي قدموها، و ثمة وجه مرعب يختفي وراء الظواهر المعطرة و أربطة العنق و الأناقة و النـزاكة. هذا ما أدركه العالم.
أما الضرر الخاص بأمريكا فهو أن النهضة الإسلامية العالمية تسارعت بشعار » الموت لأمريكا «، و أثبت ما هو الاستكبار الذي تقول به إيران و تكرره. حينما يقال هاتوا برهانكم على أن هؤلاء الأشخاص هم المتهمون في قضية العشرين من شهريور في نيويورك و واشنطن(1) لا يأتون ببرهان، إنما يقولون إنهم مجرمون! حين يقال لهم لا تهاجموا شعب أفغانستان يهاجمونه. حتى أصدقاؤهم الأوربيون الذين لا يدينون هجومهم بصراحة يعبرون عن قبح هذا العمل بأساليب مختلفة. و مع ذلك لا يقلع الأمريكان عن فعلهم! حين يقال لهم إن الناس في أفغانستان يقتّلون، تراهم يجرون حوارات يقولون فيها: كلا، الصور التي عرضتموها في التلفاز للأطفال و النساء الجرحى مزيّفة، إننا لم نقتل أحداً! دمروا كل هذه البيوت ، و قصفوا مراكز الهلال الأحمر، و نسفوا المراكز غير العسكرية علانية، لكنهم كالذي » أن رآه استغنى « يقولون بكل تكبر: كلا، الواقع هو ما أقوله أنا! حين يقال لهم: شهر رمضان علی‌ الأبواب، فأوقفوا هجماتكم بمناسبة هذا الشهر، يقولون: كلا، لن نوقف هجماتنا لأجل شهر رمضان! عندما يقال لهم إن القنابل و الصواريخ الفلانية تؤدي إلی جرائم في أفغانستان، يجرون الحوارات بكل برودة دم و يقولون: لقد قررنا مواصلة إمطار هذا البلد بهذا النوع من القنابل و الصواريخ! الاستكبار معناه أن لا تصغي آذانهم لأي كلام منطقي في العالم. و يتوقعون جرّ البلدان الإسلامية و إيران الإسلامية لقضية لا يمكن بحال من الأحوال تأييد موقف هذا المستكبر الظالم المعتدي فيها. تركزت جهود حكومة الجمهورية الإسلامية و مسؤولي البلاد على إبعاد البلاد عن القضية، لكنهم في الوقت نفسه يصرحون بمواقفهم لكل العالم. و أقول لكم إن مؤشر نمو النظام الإسلامي و المحفزات الإسلامية في العالم هو أن هذه الرسالة استلمت من قبل الشعوب المسلمة. الكثيرون كانوا يتمنون أن يقولوا شيئاً في الأيام الأولى لكن التهديدات لم تكن تسمح. و حين صرحت الجمهورية الإسلامية بموقفها اكتسب الآخرون الجراءة أيضاً و أعلنوا مواقفهم.
أيها الشعب العزيز، أهالي إصفهان المؤمنين الأطياب! هذا هو نظامكم و بلدكم، و هذه الراية الخفاقة في أيديكم. هذه حصيلة تضحيات شهدائكم الأعزاء. إنها ثمرة الإخلاص و النقاء الذي أبداه الشعب الإيراني طوال هذه الفترة. المشكلات موجودة لكنها ممكنة الحل جميعاً. ليس في البلد مشكلة أو عقدة كأداء.
سوف يدبّر المسؤولون الأمور إن شاء الله بفضل الاتحاد و الانسجام الذي ذكرناه و بمراعاة المعايير الإسلامية، فالإسلام منقذ مخلِّص. أعزائي، اعلموا أن صلاح الدنيا و الآخرة، و العزة و الاستقلال، و الرفاه المادي، و رفع الظلم و الإجحاف و التمييز كلها أمور غير متاحة في البلاد إلا تحت ظل الإسلام و نظام الجمهورية الإسلامية. اعتصموا بالإسلام و حافظوا على اتحادكم و معنوياتكم، و اعلموا أن المستقبل لكم أيها الشعب الإيراني بفضل من الله، و سوف تشهدون أيها الشباب أيام الازدهار و العزة التي لم تكن بالنسبة للأجيال الماضية ممكنة التصور حتى في الأحلام.
اللهم بمحمد و آل محمد أعزز إيران و الإسلام و المسلمين. اللهم أمطر رحمتك و فضلك و بركتك على شعب إيران العزيز، و على أهالي إصفهان الأعزاء، و على هذا الجمع المحتشد.
ربنا أقسم عليك بمحمد و آل محمد، أحينا بمحمد و أمتنا على محمد و آل محمد. ربنا مُنَّ على شعب إيران في عيد النصف من شعبان هذا بعيد كبير هو التعجيل في فرج مولانا إمام العصر و الزمان عجّل الله فرجه الشريف. اللهم بمحمد و آل محمد تقبّل منا بفضلك و كرمك ما قلناه، و ما نفعله، و ما في قلوبنا، و اجعله لك و في سبيلك.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

الهوامش:
1 - 11 أيلول (سبتمبر) 2001 م.